وزن الطائرة 350 الف رطل وحمولتها تصل الى 16 قنبلة ذريةكبيرة سر الأسرار منذ صناعة أول قنبلة ذرية في العالم
لفترة طويلة ظلت الطائرات المغيرة تتحايل على أجهزة الرادار وشبكات الانذار المبكر الالكترونية لتخفى نفسها وتباغت اهدافها ، وذلك بالطيران عل مستويات منخفضة مع تقليل سرعاتها حتى لا تلتقطها شبكات الرادار وتظهرها على شاشاتها وتتمكن من الابلاغ عنها وصدها أو إسقاطها . والحيلة الثانية التي لجأ اليها العسكريون الفنيون لتفادي الكشف المبكر بواسطة الرادار وشبكات الانذار المبكر الالكترونية للطائرات كانت عمليات التشويش الالكتروني والإرباك الذي يبطل مفعول الرادار . وبمرور الزمن وتطور العلم لم تعد هذه الحيل التقليدية مفيدة وكان لا بد من التفكير في مخرج جديد يضمن سلامة الطائرات القاذفة المغيرة الى حين بلوغ هدفها وتدميره . ولأن العلماء ، وحتى الملحدون منهم ، يؤمنون بقوله تعالى " وما أوتيتم من العلم إلا قليلا " فان كل تقدم في مجال المعرفة وكشف أسرار العلوم يحفزهم لمزيد من الجهد للاستزادة من بحور العلم التي لا ساحل لها . وبالفعل فقد تمكن العلماء الأميركيون العاملون في مجال صناعة الطائرات من التوصل الى اختراع طائرة اعجوبة جديدة وصفت بأنها السر الأعظم منذ اكتشاف القنبلة الذرية . ولم يكن النصر الذي احرزه علماء اميركا سهل المنال اذ استغرق وقتا طويلا واحتاج الى اموال باهظة وثار حوله جدل عنيف لم يحسم إلا حين اعطى الكونغرس الاميركي الضوء الأخضر للمضي قدما في انتاج الطائرة الاعجوبة بصرف النظر عن كلفة صناعتها الباهظة . ولكن ما هي خصائص ومواصفات هذه الطائرة الاعجوبة ؟ تمثل طائرة ب2 " القاذفة السرية " أول تطبيق على نطاق واسع لتقنية تتيح انتاج مواد تصعب مشاهدتها ومن ثم مراقبتها .
ويعتبر هذا تطورا ضروريا جدا اذا ما اريد لمفهوم الطائرة الاستراتيجية القاذفة أن يستمر ويبقى . بدأ برنامج محاولة انتاج هذه الطائرة الذي اعتمد تقنية متقدمة في مجال تطوير القاذفات في عام 1978 وخطط في تلك المرحلة لإنتاج 170 طائرة فقط ومنذ عهد ادارة الرئيس الاميركي الاسبق كارتر وفي ربيع عام 1977 فرضت سرية تامة على المعطيات الخاصة بمواد صناعة الطائرة التي يتعذر مشاهدتها ومراقبتها . شملت قيود السرية المفروضة عل المعطيات التقنية الجديدة الكونغرس الاميركي نفسه وأصبحت أعظم سر تحتفظ به الولايات المتحدة الاميركية منذ مشرع مانهاتن لصناعة أول قنبلة ذرية . وحسب ما نسب الى الرئيس الاميركي الاسبق كارتر فقد كانت اول اشارة علنية الى الطائرة الاعجوبة الجديدة قد حدثت حين سربت عنها مجلة الطيران وتقنية الفضاء الاسبوعية خبرا سرعان ما التقتطه صحيفة الواشنطن بوست وشبكة التلفزيون الأمريكية "أي . بي . سي " في 11 أغسطس من عام 1980 . واضطر في ذلك الحين وزير الدفاع الامريكي هارولد براون للاعتراف بوجود مثل ذلك البرنامج . وزعم في ذلك الوقت أن الامر كان مجرد حملة دعائية استخدمها كارتر لكسب انتخابات الرئاسة في عام 1980 . وفي ابريل عام 1988 نشر سلاح الطيران الاميركي تصورا فنيا لشكل طائرة ب2 يوضح ملامحها الرئيسية وهي عبارة عن حافات تشبه حرفي W-W اللاتينية وفتحات شفط الهواء فوق جناحيها وانعدام الذيل " الدفة " العمودي ولكن بدون توضيح شكل الانبوب ذي النهاية الحادة والخاص بمحرك الطائرة . ومما اثار الحيرة ايضا تلك المعلومات التي نشرت حول قواعد تلك الطائرات وكلفتها والتي اشارت الى أنها تحتاج حظائر خاصة بها وذلك بسبب القلق الناشيء عن امكانية مكونات تلك الطائرة المعدنية من الحفاظ على قدرتها على التغلب على قدرات شبكات الرادار على اكتشافها . وبنهاية عام 1988 اتضح جليا ان كل طائرة من طراز " ب2 " وهي في حالة استعداد للإقلاع تحتاج الى حظيرة خاصة مغطاة كما تحتاج كل واحدة منها الى حظيرة مغطاة اثناء القيام بأعمال صيانتها وكان ذلك يعني تجهيز 34 حظيرة في قاعدة هوايثمان للطيران اللأميركي والتي كانت أول مطار صالح لعمل ذلك النوع من الطائرات. وتضفي هذه الحاجة الواضحة للحماية المستمرة لهذه الطائرة شيئا من الشك حول البيانات التي ادلى بها سلاح الطيران الاميركي والتي تقول ان بالإمكان نشر هذه الطائرة في مئات من مطارات الولايات المتحدة الصغيرة ( أي مطار يتحمل خدمة طائرة بوينج من طراز 227 والعديد من المطارات في ما وراء البحار . في نهاية أكتوبر 1989 كشف الجنرال رالي د. ويلش رئيس اركان القوات الجوية الأميركية ان الاسباب الرئيسية للتعطيلات التي حدثت في تنفيذ برنامج انتاج هذه الطائرة ترجع اليها اجراء تعديلات اساسية في تصميمها ادخلت عام 1984 . وكان الفرق من تلك التعديلات الأخذ باعتبارات تتعلق في متطلبات خدمات تلك الطائرة وتحويها من طائرة تعمل على ارتفاع كبير فقط الى واحدة تستطيع ان تعمل على جميع مستوى الارتفاعات . ومعنى هذا في الحقيقة ان قدرات هذه الطائرة على المناورة والحمولات المفاجئة التي تكلف بنقلها والتي تتطلب طيرانا على مستوى منخفض وتحاشي اكتشاف وتتبع الطائرات التي تطير على هذا المستوى المنخفض يشكل تهديد لهذه الطائرة . والجانب الاكثر أهمية في هيكل أي جسم طائر هو تركيب نقل التحمل وبالسبة لطائرة ب2 فان الثقل الواقع على الاجزاء الخارجية من صناديق اجنحتها التي تحاول مقاومة قوى ثنيها مركز على عمودين هائلين في مقدمة ومؤخرة الطائرة ومرتبطين بمعدات الهبوط الاساسية والمحركات الاربعة ومخزن الاسلحة . وقد استبدل العمودان الداخليان بصناديق اجنحة اكثر صلابة وتتطلب قدرا اقل من تخفيف الحمل الواقع عليها . وهكذا فان الجناح الاكثر صلابة يولد قوة جذب اقل ويعمل بصورة افضل من الجناح الاصلي وان كان من المفترض أن يكون اثقل وزنا . وتتطلب عملية الطيران على مستويات اكثر انخفاضا اعادة تصميم طرف الطائرة الامامي ليتحمل الاصطدام بالطيور . أول طائرة من طراز ب2 تشق طريقها من مصانع بالميد في 22 نوفمبر عام 1988 هي احدث ما انتجته شركة نورثروب في مجال الاجنحة الطائرة . وليس بوسع المرء إلا أن يدهش ، وسبب الدهشة هي ما اذا كانت المسألة محض صدفة عندما يجد ان امتداد هذه الطائرة يتطابق تماما من سلسلة الطائرات من طراز ب 35 , ب 49 التي انتجتها نورثروب منذ قبل . وكان الشكل العام لتك الطائرات معروفا مسبقا ولكن ليس الأمر كذك بالنسبة لشكل طائرة ب2 ذات اللون الاسود الذي يميل الى اللون الرمادي الذي طلي به سطحها الاعلى واللون الأسود الذي طلي به اسفلها في حين ان اطرافها ونهاية جناحيها طليت بلون أسود لامع ( يشبه الغلاف البلاستيكي ) . وكانت الخطة هي الا تلتقط وسائل الاعلام صورا لسطحها الامامي مستخدمة منصة عالية . ولكن ولان سطح مصنع بالميد كان مكشوفا فان مجلة الطيران الاسبوعية ( أفييشن ويكلي ) قد استأجرت طائرة من طراز سسنا والتقطت للطائرة الاعجوبة صورا من ارتفاع بلغ 3200 قدم . وقد اوضحت هذه الصور ان للطائرة شفة تشبه حرف W اللاتيني وأنابيب نفاثة مثلثة الشكل تنتشر على مساحات سوداء من جناحي الطائرة . والنقطة الاخرى المثيرة للاهتمام انه قد نقل عن وزير الطيران الأميركي قوله ان طائرة ب2 سيكون بمقدورها التخلص من العادم الذي يخلفه الاحتراق في محركها عندما تحلق على ارتفاع شاهق . وأفادت تقارير لاحقة ان ذلك سيكون ممكنا بإضافة حامض كبرتيكي من مادة الكلوروفلور Chlorofluro-Sulfonic Acid الى عادم الطائرة وذلك بالرغم ان ما تنفثه سيكون مرئيا على اطوال الموجات فوق البنفسجية وفي تقرير صدر عن وزير الطيران بعد شهر من ذلك التاريخ قال ان برنامج انتاج هذه الطائرة سيكلف 42,5 بليون دولار وهو مبلغ يزيد بمقدار 16% فقط من المبلغ الذي قدر للإنفاق على هذا البرنامج اول مرة ، وتعود هذه الزيادة الى اعادة التصميم الذي ادخل على الطائرة في عام 1984 . وعلى كل حال فان هذه الارقام نفسها اصبحت محل شك بسبب خطة الرئيس الأمريكي جورج بوش في ذلك الوقت الذي قرر تأجيل انتاج الطائرة عاما آخر . وفي وقت لاحق صرح رئيس اركان سلاح الجو الاميركي ان كلفة انتاج الطائرة ستبلغ 74 بليون دولار وفق سعر الدولار في ذلك الحين وأوصت لجنة خدمات القوات المسلحة في البرلمان الأميركي انه لا يجب الكشف عن اية ارقام متعلقة بكلفة انتاج هذه الطائرة الى أن يؤكد وزير الدفاع الاميركي للكونغرس ان الطائرة الجديدة استوفت كل الشروط المطلوبة الخاصة بحسن ادائها وفعاليتها . وفي وقت لاحق اوصت لجنة خدمة القوات المسلحة في مجلس النواب الأميركي ان تقوم الطائرة الجديدة بــ 15 رحلة طيران تستغرق 70 ساعة قبل اعطاء الضوء الاخضر لإنتاجها وكانت أول طائرة من طراز ب2 ( سلسلة 1066-82 ) قد قامت بأول تحرك مبدئي على المدرج يوم 17 يوليو 1989 ، ثم ، وبعد ثلاثة أيام من ذلك التاريخ ، جرت بسرعة أكبر وكشفت عن أربعة فتحات اضافية فوق المكان الذي يضم محركها . وكشفت الصور المقربة التي التقطت لهذه الطائرة اجزاء غريبة الشكل من الطرف الذي يقود الى الطائرة وبطن مقوسة الى الداخل . وتم الكشف ايضا على أن شركة نورثروب صنعت 13 هيكلا تستخدم ست منها في اختبارات رحلات الطيران ويستخدم اثنان منها لاختبار متانة البنية وتستخدم الهياكل الخمسة الباقية لإنتاج الطائرة . وكانت رحلة الطيران الأولى التي تقرر أن تقوم بها هذه الطائرة قد اجلت بسبب خلل اصاب جهاز وقودها وكان ذلك في 15 يوليو 1989 . ولكن وبعد يومين فقط من ذلك التاريخ اقلعت الطائرة وقادها برورس س. هايندس كبير مدربي الطيارين في قسم انتاج الطائرة ب2 والعقيد ريتشارد س كوف مدير سلاح الطيران الجوي الأميركي بقسم قوات الاختبار الموحدة . وهبطت الطائرة في قاعدة ادواردس الجوية . ومن المدهش انه كان هناك دخان واضح للعيان
وجاءت رحلة الطيران الثانية التي قامت بها هذه الطائرة في 16 أغسطس ، أي بعد شهر من التجربة الأولى ولكن قطعت هذه الرحلة بعد ساعة من بدايتها بعد اكتشاف شق في سمك الشعرة في اغطية احدى المحركات مما ادى الى انخفاض في ضغط الزيت كشفت عنه اجهزة الطائرة . وبعد عشرة ايام من ذلك التاريخ أي 26 أغسطس اقلعت طائرة ب2 عند الساعة الثامنة والنصف صباحا وواصلت طيرانها حتى الساعة الواحدة وست دقائق بعد الظهر وبلغ ارتفاعها 25 الف قدم وبسرعة 556 كيلومتر/ساعة . أفادت معلومات رسمية أن الحد الأقصى لوزن هذه الطائرة يزيد عن 50,000 رطل من حيزين متوازيين مزودين بمعدات اطلاق دوارة . ويمكن أن تتكون هذه الحمولة , على سبيل المثال ، من 16 قنبلة ذرية كبيرة أو 20 قنبلة ذرية صغيرة أو 80 قنبلة من طراز MK-82 أو الغام بحرية . ومن الناحية المبدئية فأن ثلاثة أو أربعة طائرات من طراز ب2 تساندها طائرات من طراز K2-15 يمكن أن تقوم بنفس مهمة 84 طائرة قتالية و 35 طائرة مساندة . وفي ما يتعلق بالكفاءة النووية فأن طائرة ب2 تستطيع أن تصيب اهدافها بكلفة تقل 40% عن كلفة ضرر نفس الاهداف بصواريخ باليستية عابرة للقارات . وإذا كانت شبكات الرادار السوفيتية في ذلك الوقت قادرة على اكتشاف الطائرة ب52 بجهاز يبلغ قطره 108 اقدام مربعة وعلى بعد 445 كيلومترا فإذا كانت لطائرة ب2 مساحة موازية لا تزيد إلا قليلا عن قدم مربع واحد فسيكون ، من الناحية النظرية اكتشافها ممكنا فقط على بعد 140 كيلومتر . ان مبلغ 8 بليون دولار التي يتطلبها تنفيذ برنامج صناعة هذه الطائرة كل عام يبدو لأول وهلة مبلغا هائلا ولكنه سيشكل فقط 1,3% من ميزانية الدفاع الأميركية في حين ان انتاج طائرة ب52 في حينه كان يمثل 1,4 من ميزانية الدفاع .
التعديل الأخير: