بسم الله الرحمن الرحيم
...............................................
هل تجد تركيا الحلقة المفقودة عند العرب
مقدمة
الموضوع للنقاش الهادف والبناء وهو تساؤلات حول المغزى من زيارة اردوغان للدول العربية اريد من خلاله تسليط الضوء حول خلفيات هانه الزيارات السريعة والمحسوبة من قبل الدولة العثمانية او مايعرف بالرجل المريض سابقا
للتذكير يقوم رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان بجولة عربية بدأها في مصر ثم تونس وليبيا. ما هي الرسالة التي يريد أن يوجهها الأتراك للعرب؟ هل من علاقة بين هذا التحرك التركي وتدهور العلاقات بين أنقرة وتل أبيب؟ وهل يمكن أن تستفيد دول "الربيع العربي" من النموذج الديمقراطي التركي؟
بعد الفشل في انضمام بلاده الى الاتحاد الاوروبي سمع رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان من صديقه الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي نصيحة تقول "لقد فعلنا كل ما في وسعنا وفشلنا في انضمام تركيا الى الاتحاد الاوروبي فابحث عن دور لبلادك في الشرق الاوسط".
ويقول احد السياسيين داخل الاتحاد الاوروبي ان عدم الدخول الى الاتحاد الاوروبي خلف جرحا عميقا لاردوغان الذي اخذ البحث عن دور اقليمي لبلاده تلعبه في الشرق الاوسط .
وفي معرض تعليقه على التحرك التركي في المنطقة العربية يقول المتحدث باسم السياسة الخارجية في حزب الديمقراطيين المسيحيين المحافظين في البرلمان الالماني المار بروك ان الجهود التي تبذلها تركيا انما تهدف الى تأسيس نفسها كقوة اقليمية في العالم العربي معتبرا انها تستخدم مسألة عدائها لاسرائيل من اجل كسب المصداقية في العالم العربي.
بعد موقفه الشهير جراء ما حصل في غزة والخلاف الاسرائيلي التركي شكلت سورية بوابة اساسية لدخول تركيا الى الشرق الاوسط، وطدت علاقات واجرت مجموعة اتفاقيات اقتصادية مع دول عربية والغت سمات دخول معها الى حين قام الرئيس الاميركي باراك اوباما بزيارته الشهيرة الى تركيا وخطب في اسطنبول مثنيا على النموذج التركي الذي يزاوج بين العلمانية والاسلام ، وحين بدأت الثورات العربية لمعت عند الاميركيين صورة هذا النموذج وهي كانت تحاول الالتفاف على هذه الثورات فتمت عملية تعاقد غير معلنة مدفوعة من قبل اميركا بين القطريين حيث المال والاسلام المتطرف، والاتراك لتبقى هي في خلفية المشهد كي تشهد نموذج الاسلام مسيطرا على الثورات لتعود وتحتويها .
ومن هنا رأينا كيف عملت تركيا وقطر على التسويق للاخوان المسلمين في سورية كشركاء على الساحة الداخلية وهذا ما طلبه اردوغان من الرئيس السوري بشار الاسد وما فاتح به امير قطر المسؤولين خلال زيارته الاخيرة الى ايران ، وحاول البلدان اقناع حماس بالانضمام اليهما كي يخرجاها من الرحم السوري وعرضا على خالد مشعل الانتقال الى القاهرة او الدوحة لكنه رفض .
خلال جولته على الدول الثلاث الاساسية التي تشهد "الربيع العربي" والتي تتلازم مع خطابه الشعبوي ضد اسرائيل جرى تمرير موافقة تركيا على احتضان الدرع الصاروخي الاميركي وهذا ما يثبت ان اردوغان في معركته ينسق تحركاته بدقة مع الاميركيين وما خطبه الا محاولة لإيهام الشعوب العربية بان تركيا قررت ان تقف في مواجهة الاسرائيليين علما ان هناك جهات ديبلوماسية تقول ان سلسلة اجتماعات عقدت في جنيف بين الطرفين التركي والاسرائيلي تؤكد ان اسرائيل لو قبلت الاعتذار من تركيا لكانت تركيا نفذت خطوات متقدمة على مستوى علاقتها مع اسرائيل .
من خلال جولاته يحاول اردوغان ان يقول للعرب ان تركيا هي النموذج الذي يجب ان تحتذوه في دولكم وان اسلاميا يجمع بين الاسلام والعثمانية وانا وريث الاخوان وامثل العثمانية الجديدة . لكن لفظة العثمانية بحد ذاتها لا تزال تستفز ذاكرة العرب لكونها كانت استعمارا لم ينته لولا دفع الفرنسيين والانكليز العرب للانقلاب على العثمانيين .
ما يفعله اردوغان في زياراته التي يحاول الظهور من خلالها كفاتح عربي عثماني يلبي مجموعة متطلبات لمجموعة اطراف : لبلاده التي لها مصلحة في فتح اسواق اقتصادية في البلدان التي عليها ان تنهض من جديد ، للسعودية ودول الخليج التي تحتاج الى ثقل سني لاحداث توازن مع ايران محاولا بذلك ارضاء السعودي والدخول على الخليجي واخيرا تجسيد المصلحة الاميركية وهذا جزء من مقاربة اوباما الجديدة للاسلام، ومن هنا نفهم لماذا كان مقتل اسامة بن لادن .
الامتحان الجديد للاندفاعة التركية هو الملف السوري ومثلما كان الاسد بوابة تركيا الى الشرق الاوسط فقد تكون سورية ايضا البوابة التي ستقفل هذا الشرق الاوسط في وجه الاردوغانية التركية .خصوصا اذا ما علمنا ان دولة كمصر لم تستغ زيارة اردوغان ولا لهفته على الاخوان وهي كما غيرها من الدول العربية تحاول ان تستفيد من عداء تركيا لاسرائيل وهي تعرف ان لتركيا حدودا لن تتعداها لان ليس لها قبول في العالم العربي .
هل التحرك التركى يخدم مصالح العرب ام انه يبحث عن الزعامة في المنقة العربية
التحركات التركية في الفترة الماضية مرت بمرحلتين الأولى قبل الانتفاضات العربية والمرحلة الثانية بعد الانتفاضتين التونسية والمصرية وما يجري حاليا ، وبالتالي فإن تركيا الاردوغانية قريبة جدا من ملامسة الوضع العربي بكل تفاصيله ، وتعرف كيف تتحرك ومتى ، وهي بالتالي لا تبحث عن مجد من خلالنا بقدر ما هي تريد أن تمنح نفسها فرصة أن تكون اللاعب الإيجابي في المنطقة أو ما يمكن تسميته باللاعب المرغوب فيه خاصة وإن الجارة الأخرى للوطن العربي وهي إيران غارقة في مشاكل داخلية عديدة من جهة ومن جهة ثانية غير قادرة أن تلعب دورا إيجابيا من شأنه أن يحقق الأمن والسلام في المنطقة بحكم مشاكلها التاريخية مع دول المنطقة وعدم قدرتها على استيعاب التنوع في المنطقة من جهة ومن جهة أخرى نظرة دول المنطقة لها على إنها ( تتدخل ) ، لهذا فإن التحركات التركية من شأنها أن تقفز فوق المحاور الثانوية المتكونة داخل المنطقة العربية، فقد أثبتت التحركات التركية الأخيرة بأنها تستوعب مشاكل المنطقة أكثر من زعماء المنطقة العربية أنفسهم بدليل أنها توجه النصح والإرشاد لهم وهذا يعني إنها تقرأ الواقع العربي أكثر من العرب أنفسهم.
وهذه السياسة الناجحة تدفع بتركيا لأن تستثمر الإخفاقات العربية المتتالية من أجل تأسيس قناعات لدى الغرب وخاصة الولايات المتحدة بأنها بإمكانها أن تمارس دورها كراعي سلام في المنطقة ، وهذا ما لاقى استحسان الجميع بوقت مبكر حين رعت المفاوضات غير المباشرة بين السوريين والإسرائيليين ومهدت الطريق لما يمكن أن يحدث في المستقبل القريب من مفاوضات مباشرة ، ناهيك عن دورها في الاتفاق الثلاثي الموقع ما بين إيران وتركيا والبرازيل في ما يتعلق بتخصيب اليورانيوم برغم ما تعرض له هذا الاتفاق من انتكاسات في ما بعد .
ما يلفت النظر في تحركات الدبلوماسية التركية إنها لا تنتظر الضوء الأخضر من أحد لكي تتحرك عكس النظم العربية في المنطقة التي لا يمكنها أن تتحرك إلا من خلال رسائل وإيحاءات من أمريكا بالذات ، عكس تركيا التي اتخذت الكثير من القرارات بحيادية تامة نائية بنفسها عن التبعية حتى لقرارات حلف الناتو ، محتفظة في نفس الوقت بمكانتها لدى دول المنطقة وتجلى ذلك بوضوح في حرب 2003 التي أطاحت بنظام صدام حسين ورفضها استخدام قاعدة انجرليك في هذه الحرب ليس تضامنا مع النظام المباد بل لكي لا تفقد تركيا حياديتها في المنطقة ومقبوليتها كوسيط مقبول في الكثير من القضايا وأيضا لمسنا هذا في القضية الليبية وبالتالي تظل تركيا تحتفظ برأس الخيط الذي يقودها لنهايات تريدها هي.
وبالتالي فإن تركيا بإمكانها - كما قلنا- أن تصنع السلام في ربوعنا ، خاصة إنها لا تضع في تعاملاتها خطوطا على هذا وذاك من الأطراف المعنية سواء في لبنان أو فلسطين وحتى الملف العراقي الذي كان للأتراك رؤيتهم فيه، وربما لاقت بعض أفكارهم التي طرحها وزير الخارجية التركي في أكثر من لقاء جمعه مع صناع القرار في العراق ، نقول ربما وجدت الأفكار التركية طريقها للنقاش والقبول في الملف العراقي خاصة وإنها تمثل شريكاً قوياً للعراق في مجالات عديدة أهمها: الجانب الاقتصادي وحجم التبادل التجاري بين البلدين .
ومثلت زيارة أردوغان الأخيرة للعراق، توجه تركيا الحثيث لأخذ دورها خاصة وسط توترات إقليمية وموجة احتجاجات شعبية وتصدع في علاقات الدول فيما بينها خاصة ما يتعلق منها بأزمة البحرين التي تركت آثارا كبيرة في النسيج الاجتماعي لدول المنطقة ، ربما يجد العطار التركي علاجا لها.
وتركيا كانت حاضرة فكريا وأيديولوجيا في الكثير من الانتفاضات العربية خاصة في تونس ومصر، وتحدث الكثيرون عن النموذج التركي في الديمقراطية وإمكانية تطبيقه في العالم العربي خاصة في ظل وجود أحزاب إسلامية وأخرى علمانية وليبرالية ، وجميع هؤلاء ينظرون للتجربة التركية في التزاوج بين ألإسلام والديمقراطية بعين الرضا ، زعماؤنا معجبون بأردوغان ، وشعوبنا تحترم هذا الرجل ولكن ليس هذا ما تريده تركيا ، بل تريد أن تكون أكبر من هذا خاصة وإن مساعيها للانضمام للاتحاد الأوروبي تتسرب بهدوء وبالتالي تجد في علاقاتها مع العرب ما يجعلها أكثر قوة خاصة في المجال الاقتصادي ما يؤمن لها أن تكون دولة محورية في السنوات المقبلة في ظل تراجع مصر وأنكفائها في حل مشاكلها الداخلية
وكلات الانباء
...............................................
هل تجد تركيا الحلقة المفقودة عند العرب
مقدمة
الموضوع للنقاش الهادف والبناء وهو تساؤلات حول المغزى من زيارة اردوغان للدول العربية اريد من خلاله تسليط الضوء حول خلفيات هانه الزيارات السريعة والمحسوبة من قبل الدولة العثمانية او مايعرف بالرجل المريض سابقا
للتذكير يقوم رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان بجولة عربية بدأها في مصر ثم تونس وليبيا. ما هي الرسالة التي يريد أن يوجهها الأتراك للعرب؟ هل من علاقة بين هذا التحرك التركي وتدهور العلاقات بين أنقرة وتل أبيب؟ وهل يمكن أن تستفيد دول "الربيع العربي" من النموذج الديمقراطي التركي؟
بعد الفشل في انضمام بلاده الى الاتحاد الاوروبي سمع رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان من صديقه الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي نصيحة تقول "لقد فعلنا كل ما في وسعنا وفشلنا في انضمام تركيا الى الاتحاد الاوروبي فابحث عن دور لبلادك في الشرق الاوسط".
ويقول احد السياسيين داخل الاتحاد الاوروبي ان عدم الدخول الى الاتحاد الاوروبي خلف جرحا عميقا لاردوغان الذي اخذ البحث عن دور اقليمي لبلاده تلعبه في الشرق الاوسط .
وفي معرض تعليقه على التحرك التركي في المنطقة العربية يقول المتحدث باسم السياسة الخارجية في حزب الديمقراطيين المسيحيين المحافظين في البرلمان الالماني المار بروك ان الجهود التي تبذلها تركيا انما تهدف الى تأسيس نفسها كقوة اقليمية في العالم العربي معتبرا انها تستخدم مسألة عدائها لاسرائيل من اجل كسب المصداقية في العالم العربي.
بعد موقفه الشهير جراء ما حصل في غزة والخلاف الاسرائيلي التركي شكلت سورية بوابة اساسية لدخول تركيا الى الشرق الاوسط، وطدت علاقات واجرت مجموعة اتفاقيات اقتصادية مع دول عربية والغت سمات دخول معها الى حين قام الرئيس الاميركي باراك اوباما بزيارته الشهيرة الى تركيا وخطب في اسطنبول مثنيا على النموذج التركي الذي يزاوج بين العلمانية والاسلام ، وحين بدأت الثورات العربية لمعت عند الاميركيين صورة هذا النموذج وهي كانت تحاول الالتفاف على هذه الثورات فتمت عملية تعاقد غير معلنة مدفوعة من قبل اميركا بين القطريين حيث المال والاسلام المتطرف، والاتراك لتبقى هي في خلفية المشهد كي تشهد نموذج الاسلام مسيطرا على الثورات لتعود وتحتويها .
ومن هنا رأينا كيف عملت تركيا وقطر على التسويق للاخوان المسلمين في سورية كشركاء على الساحة الداخلية وهذا ما طلبه اردوغان من الرئيس السوري بشار الاسد وما فاتح به امير قطر المسؤولين خلال زيارته الاخيرة الى ايران ، وحاول البلدان اقناع حماس بالانضمام اليهما كي يخرجاها من الرحم السوري وعرضا على خالد مشعل الانتقال الى القاهرة او الدوحة لكنه رفض .
خلال جولته على الدول الثلاث الاساسية التي تشهد "الربيع العربي" والتي تتلازم مع خطابه الشعبوي ضد اسرائيل جرى تمرير موافقة تركيا على احتضان الدرع الصاروخي الاميركي وهذا ما يثبت ان اردوغان في معركته ينسق تحركاته بدقة مع الاميركيين وما خطبه الا محاولة لإيهام الشعوب العربية بان تركيا قررت ان تقف في مواجهة الاسرائيليين علما ان هناك جهات ديبلوماسية تقول ان سلسلة اجتماعات عقدت في جنيف بين الطرفين التركي والاسرائيلي تؤكد ان اسرائيل لو قبلت الاعتذار من تركيا لكانت تركيا نفذت خطوات متقدمة على مستوى علاقتها مع اسرائيل .
من خلال جولاته يحاول اردوغان ان يقول للعرب ان تركيا هي النموذج الذي يجب ان تحتذوه في دولكم وان اسلاميا يجمع بين الاسلام والعثمانية وانا وريث الاخوان وامثل العثمانية الجديدة . لكن لفظة العثمانية بحد ذاتها لا تزال تستفز ذاكرة العرب لكونها كانت استعمارا لم ينته لولا دفع الفرنسيين والانكليز العرب للانقلاب على العثمانيين .
ما يفعله اردوغان في زياراته التي يحاول الظهور من خلالها كفاتح عربي عثماني يلبي مجموعة متطلبات لمجموعة اطراف : لبلاده التي لها مصلحة في فتح اسواق اقتصادية في البلدان التي عليها ان تنهض من جديد ، للسعودية ودول الخليج التي تحتاج الى ثقل سني لاحداث توازن مع ايران محاولا بذلك ارضاء السعودي والدخول على الخليجي واخيرا تجسيد المصلحة الاميركية وهذا جزء من مقاربة اوباما الجديدة للاسلام، ومن هنا نفهم لماذا كان مقتل اسامة بن لادن .
الامتحان الجديد للاندفاعة التركية هو الملف السوري ومثلما كان الاسد بوابة تركيا الى الشرق الاوسط فقد تكون سورية ايضا البوابة التي ستقفل هذا الشرق الاوسط في وجه الاردوغانية التركية .خصوصا اذا ما علمنا ان دولة كمصر لم تستغ زيارة اردوغان ولا لهفته على الاخوان وهي كما غيرها من الدول العربية تحاول ان تستفيد من عداء تركيا لاسرائيل وهي تعرف ان لتركيا حدودا لن تتعداها لان ليس لها قبول في العالم العربي .
هل التحرك التركى يخدم مصالح العرب ام انه يبحث عن الزعامة في المنقة العربية
التحركات التركية في الفترة الماضية مرت بمرحلتين الأولى قبل الانتفاضات العربية والمرحلة الثانية بعد الانتفاضتين التونسية والمصرية وما يجري حاليا ، وبالتالي فإن تركيا الاردوغانية قريبة جدا من ملامسة الوضع العربي بكل تفاصيله ، وتعرف كيف تتحرك ومتى ، وهي بالتالي لا تبحث عن مجد من خلالنا بقدر ما هي تريد أن تمنح نفسها فرصة أن تكون اللاعب الإيجابي في المنطقة أو ما يمكن تسميته باللاعب المرغوب فيه خاصة وإن الجارة الأخرى للوطن العربي وهي إيران غارقة في مشاكل داخلية عديدة من جهة ومن جهة ثانية غير قادرة أن تلعب دورا إيجابيا من شأنه أن يحقق الأمن والسلام في المنطقة بحكم مشاكلها التاريخية مع دول المنطقة وعدم قدرتها على استيعاب التنوع في المنطقة من جهة ومن جهة أخرى نظرة دول المنطقة لها على إنها ( تتدخل ) ، لهذا فإن التحركات التركية من شأنها أن تقفز فوق المحاور الثانوية المتكونة داخل المنطقة العربية، فقد أثبتت التحركات التركية الأخيرة بأنها تستوعب مشاكل المنطقة أكثر من زعماء المنطقة العربية أنفسهم بدليل أنها توجه النصح والإرشاد لهم وهذا يعني إنها تقرأ الواقع العربي أكثر من العرب أنفسهم.
وهذه السياسة الناجحة تدفع بتركيا لأن تستثمر الإخفاقات العربية المتتالية من أجل تأسيس قناعات لدى الغرب وخاصة الولايات المتحدة بأنها بإمكانها أن تمارس دورها كراعي سلام في المنطقة ، وهذا ما لاقى استحسان الجميع بوقت مبكر حين رعت المفاوضات غير المباشرة بين السوريين والإسرائيليين ومهدت الطريق لما يمكن أن يحدث في المستقبل القريب من مفاوضات مباشرة ، ناهيك عن دورها في الاتفاق الثلاثي الموقع ما بين إيران وتركيا والبرازيل في ما يتعلق بتخصيب اليورانيوم برغم ما تعرض له هذا الاتفاق من انتكاسات في ما بعد .
ما يلفت النظر في تحركات الدبلوماسية التركية إنها لا تنتظر الضوء الأخضر من أحد لكي تتحرك عكس النظم العربية في المنطقة التي لا يمكنها أن تتحرك إلا من خلال رسائل وإيحاءات من أمريكا بالذات ، عكس تركيا التي اتخذت الكثير من القرارات بحيادية تامة نائية بنفسها عن التبعية حتى لقرارات حلف الناتو ، محتفظة في نفس الوقت بمكانتها لدى دول المنطقة وتجلى ذلك بوضوح في حرب 2003 التي أطاحت بنظام صدام حسين ورفضها استخدام قاعدة انجرليك في هذه الحرب ليس تضامنا مع النظام المباد بل لكي لا تفقد تركيا حياديتها في المنطقة ومقبوليتها كوسيط مقبول في الكثير من القضايا وأيضا لمسنا هذا في القضية الليبية وبالتالي تظل تركيا تحتفظ برأس الخيط الذي يقودها لنهايات تريدها هي.
وبالتالي فإن تركيا بإمكانها - كما قلنا- أن تصنع السلام في ربوعنا ، خاصة إنها لا تضع في تعاملاتها خطوطا على هذا وذاك من الأطراف المعنية سواء في لبنان أو فلسطين وحتى الملف العراقي الذي كان للأتراك رؤيتهم فيه، وربما لاقت بعض أفكارهم التي طرحها وزير الخارجية التركي في أكثر من لقاء جمعه مع صناع القرار في العراق ، نقول ربما وجدت الأفكار التركية طريقها للنقاش والقبول في الملف العراقي خاصة وإنها تمثل شريكاً قوياً للعراق في مجالات عديدة أهمها: الجانب الاقتصادي وحجم التبادل التجاري بين البلدين .
ومثلت زيارة أردوغان الأخيرة للعراق، توجه تركيا الحثيث لأخذ دورها خاصة وسط توترات إقليمية وموجة احتجاجات شعبية وتصدع في علاقات الدول فيما بينها خاصة ما يتعلق منها بأزمة البحرين التي تركت آثارا كبيرة في النسيج الاجتماعي لدول المنطقة ، ربما يجد العطار التركي علاجا لها.
وتركيا كانت حاضرة فكريا وأيديولوجيا في الكثير من الانتفاضات العربية خاصة في تونس ومصر، وتحدث الكثيرون عن النموذج التركي في الديمقراطية وإمكانية تطبيقه في العالم العربي خاصة في ظل وجود أحزاب إسلامية وأخرى علمانية وليبرالية ، وجميع هؤلاء ينظرون للتجربة التركية في التزاوج بين ألإسلام والديمقراطية بعين الرضا ، زعماؤنا معجبون بأردوغان ، وشعوبنا تحترم هذا الرجل ولكن ليس هذا ما تريده تركيا ، بل تريد أن تكون أكبر من هذا خاصة وإن مساعيها للانضمام للاتحاد الأوروبي تتسرب بهدوء وبالتالي تجد في علاقاتها مع العرب ما يجعلها أكثر قوة خاصة في المجال الاقتصادي ما يؤمن لها أن تكون دولة محورية في السنوات المقبلة في ظل تراجع مصر وأنكفائها في حل مشاكلها الداخلية
وكلات الانباء