IMG_8921.jpeg



تعمل المملكة العربية السعودية على توسيع قدرتها على تكرير النفط الخام للتكيف بشكل أفضل مع التغيرات في أسواق الطاقة العالمية. ولا تكتفي المملكة بالاستجابة لتقلبات السوق على المدى القصير، بل تسعى بنشاط لإعادة تحديد كيفية الاستفادة من مواردها الهيدروكربونية لتعظيم القيمة وضمان المرونة الاقتصادية على المدى الطويل.






ارتفع نشاط تكرير النفط الخام في المملكة العربية السعودية إلى أعلى مستوى له منذ عامين في أبريل/نيسان 2025، وفقا لبيانات الهيئة العامة للإحصاء. فقد ارتفع مؤشر الرقم القياسي للإنتاج الصناعي للمنتجات البترولية المكررة من 97,4 في يناير/كانون الثاني إلى 123,5 في أبريل/نيسان، وهو أعلى مستوى له منذ يناير/كانون الثاني 2023 على الأقل. ويشكل هذا الزخم التصاعدي جزءا من اتجاه أوسع بدأ في مارس/آذار ويشير إلى تحرك مستمر نحو تعظيم عمليات المصب (التكرير والتوزيع).


وتزامنت الزيادة في مخرجات التكرير مع التخلي التدريجي عن خفوضات "أوبك بلس" الطوعية. فاعتبارا من أبريل/نيسان، بدأت مجموعة أساسية من ثمانية منتجين، تشمل المملكة العربية السعودية وروسيا والإمارات، في تقليل 2,2 مليون برميل يوميا من الخفوضات الطوعية. وقد ساهمت الرياض بأكبر زيادة فردية، إذ أضافت 130 ألف برميل يوميا من الإمدادات في مايو/أيار، وفقا لمسح أجرته وكالة "رويترز". لكن بدلا من أن تصدر المملكة هذا النفط الخام الإضافي، وجهته إلى التكرير المحلي، مما يبرز سياسة تفضيل التحول نحو الأنشطة ذات القيمة المضافة على تصدير السلع الخام.

أظهرت بيانات "المبادرة المشتركة بين المنظمات لنشر البيانات" لشهر مارس/آذار أن عمليات تشغيل المصافي بلغت 2,94 مليون برميل يوميا، مقتربة من 2,96 مليون برميل يوميا، الرقم القياسي المسجل في أبريل/نيسان 2024. وربما تم تجاوز هذا المستوى في أبريل/نيسان 2025، على الرغم من أن مجمّع "بترو رابغ" الذي تبلغ طاقته 400 ألف برميل يوميا أغلق لمدة 60 يوما بدءا من 15 أبريل/نيسان.


IMG_8922.jpeg


وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان، لدى مشاركته في منتدى سانت بطرسبرغ الاقتصادي، 19 يونيو 2025


وتظهر قدرة المصافي الأخرى على التعويض عن هذا الانقطاع، لا سيما "رأس تنورة" و"ساتورب" و"سامرف" و"ياسرف"، السعة الإجمالية المتزايدة للقطاع.


لماذا يعتبر هذا النشاط في التكرير مهما؟

يعكس توجه المملكة العربية السعودية نحو التكرير تحولا واسعا في استراتيجيتها لتحقيق الدخل من الطاقة. وتسعى المملكة، من طريق معالجة مزيد من النفط الخام محليا، لتعظيم الإيرادات المتأتية من كل برميل، وتعزيز المرونة في مواجهة تقلبات أسعار النفط، وتسريع تطوير صناعات التكرير والتوزيع، وهو أمر مركزي في "رؤية 2030"، بما في ذلك البتروكيمياويات والخدمات اللوجستية والتصنيع المتقدم.




يسجل انخفاض إجمالي الشحنات البحرية للمنتجات المكررة، بما في ذلك الديزل والبنزين ووقود الطائرات وزيت الوقود، من 1,58 مليون برميل يوميا في مارس/آذار إلى 1,48 مليون برميل يوميا في أبريل/نيسان. ويظهر هذا الانخفاض، على الرغم من ارتفاع نشاط المصافي، تزايد استخدام خطوط الأنابيب المحلية والتوزيع البري في المملكة. وهذا يسلط الضوء أيضا على التحسينات الكبيرة التي طرأت على البنية التحتية المحلية القائمة وتزايد توفير الخدمات اللوجستية، وكلاهما سيعيد تشكيل ديناميكيات تصدير المواد الهيدروكربونية في المستقبل.إن قرار منح الأولوية للتكرير لا يقتصر على الاستجابة للسوق، بل هو تعديل في الأداء الهيكلي يهدف إلى الحفاظ على القدرة التنافسية للطاقة على المدى الطويل. وفي عالم يتأثر على نحو متزايد بالصدمات الجيوسياسية والتحول في مجال الطاقة، لا تسعى الرياض لتمكين قطاع الطاقة لديها من تحقيق الازدهار من حيث الحجم فحسب، وإنما لتطوير خدمة فاعلة ومتكاملة تماما أيضا، تستجيب للتحديات الاقتصادية العالمية وتستوعبها.التكامل في استراتيجيا التكرير والسياسة الصناعيةإن توسع المملكة العربية السعودية في مجال التكرير هو جزء من استراتيجية صناعية واسعة تشمل تطوير قطاعات البتروكيمياويات والتصنيع، وغيرها من القطاعات. لذا يشكل قطاع التكرير حلقة وصل بين استخراج النفط الخام وتلك الصناعات ذات القيمة الأعلى. ويعزز هذا التكامل القدرة التنافسية في مختلف القطاعات، من البلاستيك والأسمدة إلى أنواع الوقود المتخصص والمواد الكيميائية.
IMG_8923.jpeg

الآثار الدولية لهذا التوسع جديرة بالملاحظة. فمع تكرير مزيد من النفط الخام السعودي محليا، قد تشهد الأسواق العالمية تحولات في توافر المنتجات، وخصوصا الديزل ووقود الطائرات. ويمكن أن تؤثر هذه التحولات على الأسعار الإقليمية والتدفقات التجارية، لا سيما في آسيا وأوروبا.

وقود المستقبل

يعكس استمرار المملكة في الاستثمار في السعة التكريرية التزاما مزدوجا بـالحفاظ على تدفقات الإيرادات القائمة على النفط، مع الاستعداد في الوقت نفسه لمستقبل منخفض الكربون. على سبيل المثال، شغلت "أرامكو" السعودية مصفاة جازان، وهي منشأة تحويل كامل سعتها 400 ألف برميل يوميا، إلى جانب أكبر محطة في العالم لتوليد الطاقة بتقنية التغويز المتكامل بالدورة المركبة، لتصل إلى مرحلة التشغيل الكامل في مطلع سنة 2021.


IMG_8925.jpeg


 
عودة
أعلى