المياه في الوطن العربي

sword1988

عضو
إنضم
4 سبتمبر 2010
المشاركات
821
التفاعل
729 0 0





[FONT=MCS Hijon S_U normal.]الحمد لله الذي بنعمة تتم الصالحات ، وبالعمل بطاعته تطيب الحياة وتنزل البركات ، والصلاة والسلام على الرحمة المهداة للعالمين والنعمة المسداة على الخلق أجمعين . سيدنا محمد وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين وعلى أتباعه وحزبه إلى يوم الدين [/FONT]
[FONT=MCS Hijon S_U normal.]وبعد :- [/FONT]
[FONT=MCS Hijon S_U normal.]فإن الثقافة زاد لا غنى لشباب الإسلام عنه ، يوسعون به مداركهم ويطعمون به مجالسهم . [/FONT]
[FONT=MCS Hijon S_U normal.] [/FONT]
[FONT=MCS Hijon S_U normal.]والآن أترككم للقراءة والاستمتاع والإفادة والاستفادة من هذه المعلومات المتواضعة . [/FONT]
[FONT=MCS Hijon S_U normal.] [/FONT]
[FONT=MCS Hijon S_U normal.]والله أسأل أن ييسر لنا السبيل وأن يمدني بعونه وتوفيقه[FONT=MCS Hijon S_U normal.] [/FONT][/FONT]
[FONT=MCS Hijon S_U normal.] [/FONT]
[FONT=MCS Hijon S_U normal.].. إنه سميع مجيب .[/FONT]​
















المياه في الوطن العربي


يكتسب موضوع المياه أهمية خاصة في الوطن العربي بالنظر لمحدودية المتاح منها كمياه الشرب وطبقاً للمؤشر الذي يفضي الى ان أي بلد يقل فيه متوسط نصيب الفرد فيه من المياه سنوياً عن 1000- 2000 متر مكعب يعتبر بلداً يعاني من ندرة مائية، وبناءً على ذلك فان 13 بلداً عربياً تقع ضمن فئة البلدان ذات الندرة المائية. وهذه الندرة في المياه تتفاقم باستمرار بسبب زيادة معدلات النمو السكاني العالية. ويوضح تقرير البنك الدولي لسنة 1993 ان متوسط نصيب الفرد السنوي من الموارد المائية المتجددة والقابلة للتجدد في الوطـن العربي (مع استبعاد مخزون المياه الكامنة في باطن الأرض) سيصل الى 667 مترا مكعبا في سنة 2025 بعدما كان 3430 مترا مكعبا في سنة 1960، أي بانخفاض بنسبة 80%. أما معدل موارد المياه المتجددة سنوياً في المنطقة العربية فيبلغ حوالي 350 مليار متر مكعب، وتغطي نسبة 35% منها عن طريق تدفقات الأنهار القادمة من خارج المنطقة، إذ يأتي عن طريق نهر النيل 56 مليار متر مكعب، وعن طريق نهر الفرات 25 مليار متر مكعب، وعن طريق نهر دجلة وفروعه 38 مليار متر مكعب. وتحصل الزراعة المروية على نصيب الأسد من موارد المياه في العالم العربي، حيث تستحوذ في المتوسط على 88%، مقابل 6.9% للاستخدام المنزلي، و5.1% للقطاع الصناعي. وقد حدد معهد الموارد العالمية منطقة الشرق الأوسط بالمنطقة التي بلغ فيها عجز المياه درجة الأزمة، وأصبحت قضية سياسية بارزة، خاصة على امتداد أحواض الأنهار الدولية.
وقد غدا موضوع المياه مرشحاً لإشعال الحروب في منطقة الشرق الأوسط وفقاً لتحليل دوائر سياسية عالمية، خاصة ان اغلب الأقطار العربية لا تملك السيطرة الكاملة على منابع مياهها. فأثيوبيا وتركيا وغينيا وإيران والسنغال وكينيا وأوغندا وربما زائير ايضاً هي بلدان تتحكم بحوالي 60% من منابع الموارد المائية للوطن العربي. ويدور الحديث الآن حول ارتباط السلام في الشرق الأوسط بالمياه بعد اغتصاب إسرائيل لمعظم نصيب دول الطوق العربي من المياه. كما ان بعض الدول أخذت تتبنى اقتراحاً خطيراً للغاية يتمثل في محاولات إقناع المجتمع الدولـي بتطبيق اقتراح تسعير المياه، وبالتالي بيع المياه الدولية. ويقع على رأس هذه الدول تركيا وإسرائيل. والأخطر من ذلك تبني بعض المنظمات الدولية (كالبنك الدولي ومنظمة الفاو) لتلك الاقتراحات، متناسين حقيقة الارتباط الوثيق بين الأمن المائي والأمن الغذائي من جهة، والأمن القومي العربي من جهة أخرى.
وفي كلمة الأمين العام للجامعة العربية الدكتور عصمت عبد المجيد في مؤتمر الأمن المائي في القاهرة جاء: «إن قضية المياه في الوطن العربي تكتسب أهمية خاصة نظراً لطبيعة الموقع الاستراتيجي للامة العربية، حيث تقع منابع حوالي 60% من الموارد المائية خارج الأراضي العربية، مما يجعلها خاضعة لسيطرة دول غير عربية، وما يزيد الأمر تعقيداً يكمن فيما يعانيه الوطن العربي من فقر مائي يصل في وقت قريب الى حد الخطر مع تزايد الكثافة السكانية وعمليات التنمية المتواصلة».
وذكر عبد المجيد ثلاثة تحديات على العرب مواجهتها لحل مشكلة المياه وهي:
اولاً: قضية مياه نهري دجلة والفرات وكيفية حل ما هو قائم حالياً بين تركيا وسوريا والعراق من جهة، وبين كل من سوريا والعراق من جهة أخرى.
ثانياً: مطامع إسرائيل التي اتهمها باستخدام المياه كعنصر أساسي في الصراع العربي الإسرائيلي، حيث تشكل المياه أحد أهم عناصر الاستراتيجية الإسرائيلية سياسياً وعسكرياً وذلك لارتباطها بخططها التوسعية والاستيطانية في الأراضي العربية. وتشمل تلك الأطماع في الموارد المائية العربية نهر الأردن وروافده ونهر اليرموك وينابيع المياه في الجولان وانهار الليطاني والحاصباني والوزاني في لبنان. إضافة الى سرقة إسرائيل للمياه الجوفية في الضفة الغربية وقطاع غزة لمصلحة مستوطناتها الاستعمارية.
ثالثاً: كيفية مواجهة مخاطر الشح المتزايد في مصادر المياه العربية والمترافقة مع التزايد السكاني والتي تتطلب مواجهتها بذل الجهود العربية المشتركة سياسياً واقتصادياً وعلمياً، من اجل تحديد الأولويات في توزيع الموارد المائية وترشيد استثمارها، بالإضافة الى تنمية الوعي البيئي لمخاطر التلوث، وتطوير التقنيات المستخدمة والاعتماد على الأساليب التكنولوجية الحديثة في الري ومعالجة التصحر ومشروعات تكرير وتحلية المياه التي سوف تشهد المرحلة المقبلة تزايداً على استخدامها واستثمارها.
ثم جدد الدكتور عبد المجيد الدعوة لعقد «قمة عربية بشأن المياه لدراسة جميع الجوانب المتعلقة بالأمن المائي العربي».
وإذا كان الواقـع المائي صعباً في الوطن العربي حيث لا يتجاوز نصيبه من الإجمالي العالمي للأمطار 1.5% في المتوسط بينما تتعدى مساحته 10% من إجمالي يابسة العالم، فان واقع الحال في المشرق العربي يبدو اكثر تعقيداً، إذ لا يتعدى نصيبه 0.2 % من مجمل المياه المتاحة في العالم العربي، في الوقت الذي ترتفع فيه معدلات الاستهلاك بشكل كبير. فخلال الفترة 1980-1990 تضاعف الطلـب على المياه لأغراض الزراعة في دول مجلس التعاون ثماني مرات، رغبة منها في تحقيق الاكتفاء الذاتي بالنسبة لبعض المواد الغذائية، كما ازداد الاستهلاك المنزلي بمقدار ثلاثة أمثاله، خلال نفس الفترة، بسبب تحسن مستوى المعيشة. وأهمية موضوع المياه محلياً، بل وإقليمياً، تكمن في الواقع في صـلاته المباشرة بجهود التنمية بوجه عام، وبصلاته الوثيقة بالقطاع الزراعي بوجه خاص، والواقع ان سياسات الدعم الحكومي للقطاع الزراعي تعتبر أحد ابرز الأسباب المؤدية الى مشاكل استنزاف الميـاه الجوفية. إلا ان تلك الصلات لا تتوقف عند ذلك الحد، بل تمتد لتطال موضوعات عدة، ربما انطوى كل منها على تحد، كالبيئة والموارد الطبيعية وحتى عجز الميزانية العامة للدولة.
وفي دراسة عن مستقبل المياه في المنطقة العربية توقعت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم والمركز العربي لدراسات المناطق الجافة والأراضي القاحلة، ظهور عجز مائي في المنطقة يقدر بحوالي 261 بليون م3 عام 2030، فقد قدرت الدراسة الأمطار التي هطلت في الدول العربية بنحو 2238بليون م3 يهطل منها 1488بليون م3 بمعدل 300 ملم على مناطق تشكل 20% من مساحة الوطن العربي ونحو 406 بلايين م3 تهطل على مناطق اكثر جفافاً يتراوح معدل أمطارها بين 100 و 300 ملم بينما لا يتجاوز هذا المعدل 100 ملم في المناطق الأخرى. وأوضحت الدراسة التي نـاقشها وزراء الزراعة والمياه العرب ان الوطن العربي يملك مخزوناً ضخماً من الموارد المائية غير المتجددة يعتبر احتياطاً استراتيجياً ويستثمر منه حالياً حوالي 5%. وتقدر كمية المياه المعالجة والمحلاة بنحو 10.9 بلايين م3 سنوياً منها 4.5 بلايين م3 مياه محلاة و6.4 بلايين م3 مياه صرف صحي وزراعي وصناعي. أما بالنسبة للحاجات المائية المستقبلية فهي مرتبطة بمعدلات الزيادة السكانية في العالم العربي التي أصبحت بين الأعلى في العالم. فمن المتوقع ان تصل الى 735 مليون نسمة عام 2030 مقابل 221 مليون نسمة عام 1991. ولتضييق الفجوة القائمة بين الموارد المائية المتاحة والحاجات المستقبلية، اقترحت الدراسة محورين للحل: يتمثل الأول في تنمية مصادر مائية جديدة واستثمار مصادر مائية جوفية ممثلة في أحواض دول عدة. أما الحل الثاني فيتمثل في ترشيد استخدامات المياه وحمايتها .
ومن ذلك يتضح ان على الدول العربية ان تعطي موضوع تنمية الموارد المائية والمحافظة عليها الأولوية القصوى عند وضـع استراتيجيتها الأمنيـة، ويجب ان يكون موضوع «الأمن المائي» على راس قائمة الأولويات، وذلك بسبب قلة الموارد المائية التقليدية، مما يستدعي العمل الجاد على المحافظة على هذه الموارد ومحاولة تنميتـها وكذلك إيجاد موارد مائية جديدة. وخصوصاً ان معظم منابع الأنهار بيد دول غير عربية مما لا يعطيـها صفة المورد الآمن، كما ان المياه الجوفية، في اغلب الدول العربية، محدودة ومعظمها غيـر متجدد (ناضب) لعدم توفر موارد طبيعية متجددة كالأمطار تقوم على تغذية هذه المكامن وتزيد من مواردها. لذلك يجب أن ينصب اهتمام القائمين على إدارة الموارد المائية على المحافظة على موارد المياه الجوفية وزيادة كمياتها، بل وتحسين نوعيتها واعتبارها مخزونا استراتيجيا في مكامن آمنة. وقد لخص الدكتور سامر مخيمر البدائل المطروحة لتجاوز الفجوة المائية الحالية ما بين العرض والطلب (الموارد المائية المتاحة والاحتياجات الفعلية للاستهلاك) في المنطقة العربية فيما يلي:
1- ترشيد استهلاك الموارد المائية المتاحة.
2- تنمية الموارد المائية المتاحة.
3- إضافة موارد مائية جديدة.
فبالنسبة الى ترشيد الاستهلاك هناك عدة أساليب يمكن إتباعها مثل: رفع كفاءة وصيانة وتطوير شبكات نقل وتوزيع المياه، تطوير نظم الري، رفع كفاءة الري الحقلي، تغيير التركيب المحصولي وكذلك استنباط سلالات وأصناف جديدة من المحاصيل تستهلك كميات اقل من المياه، وتتحمل درجات أعلى من الملوحة.
أما بالنسبة الى تنمية الموارد المائية المتاحة ، فهناك عدة جوانب يجب الاهتمام بها مثل: مشروعات السدود والخزانات وتقليل المفقود من المياه عن طريق البخر من أسطح الخزانات ومجاري المياه وكذلك التسريب من شبكات نقل المياه.
أما بخصوص إضافة موارد مائية جديدة، وهو الموضوع الأهم من وجهة نظرنا وخصوصاً لدول الخليج العربية، فيمكن تحقيقه من خلال محورين:
اولاً: إضافة موارد مائية تقليديـة مثل المياه السطحية والمياه الجوفية، حيث ان هناك أفكارا طموحة في هذا المجال مثل جر جبال جليديـة من المناطق القطبية وإذابتها وتخزينها، ونقل الفائض المائي من بلد الى آخر عن طريق مد خطوط أنابيب ضخمة وكذلك إجراء دراسات واستكشافات لفترات طويلة لإيجاد خزانات مياه جوفية جديـدة. ولكن جميع هذه الأفكار هي في الواقع أفكار مكلفة للغاية وتحتاج الى وقت طويل لتطبيقها عملياً بالإضافة الى أنها لا يمكن الاعتماد عليها كمصدر أمن للمياه.
ثانياً: إضافة موارد مائية غير تقليدية (اصطناعية) ويمكن تحقيق ذلك عن طريق استغلال موردين مهمين هما مياه الصرف الصحي ومياه التحلية. ولعل هذا الموضوع هو من أهم المواضيع التي يجب على الدول الفقيرة بالموارد المائية الطبيعية، ومنها دول الخليج العربية، الاهتمام بها والتركيز عليها كمصدر أساسي ومتجدد (غير ناضب) للميـاه. فمياه الصرف، سواءً الصناعي أو الزراعي او الصحي، يمكن معالجتها بتقنيات حديثة وإعادة استخدامها في ري الأراضي الزراعية وفي الصناعة وحتى للاستخـدام الآدمي (تحت شروط وضوابط معينة) بدلاً من تصريفها دون معالجة الى المسطحات المائية مما يتسبب في مشاكل بيئية خطيرة تؤدي إلى هدر مصدر مهم من مصادر الثروة المائية. ولعل تزايد اهتمام الدول الغنية بالموارد المائية، مثل الدول الأوروبية وأميركا، والمتمثل في المبـالغ الطائلة التي تنفق سنويـاً بهدف تحسين تقنيات معالجة هذه المياه وإعادة استخدامها لهو الدليل القاطع على أهمية هذا المورد وعلى ضرورة اهتمام الدول الفقيرة به والعمل على توفيره كمصدر إضافي للموارد المائية.
أما بالنسبة لمياه التحلية، فمما لا شك فيه ان معظم الدول العربية هي دول ساحلية مما يعطيها ميزة وجود مصدر للمياه بكميات لا حدود لها يمكن تحليتها والاعتماد عليها كمورد إضافي، بل في بعض الدول مثل الدول الخليجية كمصـدر أساسي للمياه. فعلى سبيل المثال تمثل مياه البحر المحلاة اكثر من 75% من المياه المستخدمة في دول الخليج العربية بينما ترتفع النسبة إلى 95% في دولة الكويت.
وتمتاز موارد مياه التحلية عن الموارد الطبيعية بالتالي:
* اصبح بالإمكان اعتبارها مورداً مائياً يعتمد عليه لتوفير المياه العذبة كما هو متبع الآن في منطقة الخليج.
* يمكن إقامتها في مواقع قريبة من مواقع الاستهلاك مما يؤدي الى توفير إنشاء خطوط نقل مكلفة جداً.
* يمكن اعتبارها ضماناً أكيدا لتلافي نقص الموارد المائية، بغض النظر عن واقع الدورة الهيدرولوجية وتقلباتها.
* تحتاج الى تكلفة رأسماليـة منخفضة لكل وحدة سعة مقارنة بتكلفة إقامة وتشغيل منشآت تقليدية مثل السدود، ولكنها تحتاج الى تكلفة تشغيلية أعلى بكثير.
* تتألف من معدات ميكانيكية، ولذلك فمـن المتوقع ان يستمر تطوير كفاءتها واقتصادياتها.
* لها القدرة على معالجة وتحويل مياه البحر والمياه المالحة الأخرى الى مياه ذات نوعية ممتازة صالحة للشرب ، ولذلك فهي تخلو من عوائق سياسية أو اجتماعية أو قانونية كتلك العوائق التي تتعلق باستغلال الموارد الطبيعية المشتركة مثل الأنهار.
* متوفرة بأحجام متنوعـة وتقنيات مختلفة بحيث يمكن استخدام المناسب منها للغرض المطلوب لتلبية احتياجات المياه.
* مناسبة اكثر لعمليات تنظيم تمويل مشاريعها مقارنة بعمليات تمويل المشاريع المائية التقليدية.
* فترة إنشائها اقصر بكثير من فترة إقامة خطوط نقل مياه من مناطق نائية.
لذا فان على القائمين على تخطيط الموارد المائية في كافة أنحاء العالم ان يأخذوا موارد مياه التحلية في اعتبارهم لتؤدي الأغراض التالية:
* مصدر مائي متكامل قائم بذاته ويمكن استخدامه كذلك كمصدر مياه عذبة إضافي لتكملة موارد المياه التقليدية.
* مورد أساسي للاعتماد عليه في حالات الطوارئ خاصة في مواسم الجفاف وعدم توفر مياه كافية.
* مورد بديل لنقل المياه عبر مسافات طويلة.
* تقنية يعتمد عليها لتحسين ودعم نوعية المياه المتوفرة.
* مصدر مائي لنوعية مياه مناسبة جداً لتطبيقات صناعية وغيرها من الأغراض.
* تقنية مناسبة لمعالجة وإعادة استخدام مياه الصرف الصحي وإزالة جميع الملوثات ومسببات الأمراض.

ومن لغط القول الحديث بان تحلية المياه مكلفة أو مكلفة جداً دون الأخذ بالاعتبار الأوضاع السياسية والجغرافية واقتصاديات موارد المياه البديلة. فعلى سبيل المثال فان العديد من الدول تفضل ان يتوفر لديها موارد مائية ذاتية تفي بكافة احتياجاتها مهما كان الثمن. وقد طرحت أفكار عديدة لنقل المياه بواسطة الأنابيب وعبر أقطار متعددة، ولكن لم يطبق أي منها لاعتبارات اقتصادية أو سياسية- جغرافيـة. وقد أظهرت دراسة أعدت من قبل مفوضية الطاقة النووية في فيينا عام 1992 بان تكلفة نقل المياه بواسطة ناقلات النفط من أوروبا الى تونس تزيد على دولار أميركي واحد لكل متر مكعب، كما أظهرت نفس الدراسة بان تكلفة نقل المياه بواسطة الأنابيب لمسافة تزيد عن 300 كم أعلى من تكلفة إنتاجها بواسطة طرق التحلية.
وفي المناطق التي تعاني من نقص شديد في المياه العذبة، تعتبر هذه السلعة ثمينة جداً وذات أهمية استراتيجية، وقد اكتسبت صفة السلعة الاستراتيجية لكونها ذات أهمية حيوية وسلعة نادرة، حالها في ذلك حال السلع الاستراتيجية الأخرى التي تتصف بالندرة والحاجة الحيوية لها مثل النفط وبعض المعادن الثمينة. والسلع الاستراتيجية المذكورة تتصف بخواص مشتركة أهمها:
1- الحاجة الى توفيرها وتخزينها.
2- الحاجة الى أعمال بحث وتطوير لتقليل استخدامها والمحافظة عليها ومعالجتها وإعادة استخدامها.
3- البحث عن موارد لبدائلها.
ومن هذا المنطلق، فان على أصحاب القرار ان يأخذوا باعتبارهم مورد تحلية المياه كبديل جديد، وعليهم أن يقوموا بتقييم البدائل بما فيها التحلية، وان يضعوا توصياتهم بناء على تحليل فني واقتصادي وجغرافي وسياسي يجعل من السهل على صاحب القرار اختيار البديل المناسب للتزود بالمياه العذبة مشمولاً بأقل التكاليف واضمن الوسائل وأفضلها من وجهة نظر سياسية - جغرافية.

شكلت المياه في مسيرة الإنسانية عاملاً مهماً في ظهور الحضارات وتقدمها، لما يشكله الماء من حالة استقطاب للأفراد وللجماعات مهدت لإقامة المجتمع وإرساء أسسه وإيجاد اللبنة الأولى لقيامه من خلال إقامة التجمعات السكانية بالقرب من الموارد المائية الطبيعية، ولم تتوقف حاجة الإنسان للمياه عند حدود الاستخدام الشخصي بما يمثله من حجر الزاوية مع الهواء في بقاء الحياة ولا عند أهمية الاستقطاب والتجمع، بل تعدته لتشمل كل مجالات الحياة في النقل والزراعة والصناعة وتربية الحيوانات وغيرها وبقدر ما تشكله المياه من نقاط التقاء وتواصل بين المجتمعات والحضارات، كانت هناك أيضاً حواجز طبيعية حافظت على بناء الحضارة لمجتمعات عديدة من تأثير العوامل الخارجية المدمرة أو منعت وجمدت مجتمعات أخرى بدائية. الحضارات العظيمة التي قامت في العراق ومصر مثلاً على مر التاريخ الطويل لهذين البلدين، سعى الإنسان فيهما بإرادته القوية إلى توظيف العناصر والظروف الموضوعية، حيث حباهما الخالق بالأساسيات المتمثلة بالأرض والماء والمناخ فانتقلت من حالتها السلبية إلى حالة إيجابية أي إلى حضارة.
ومعروف أن المياه تغطي اكثر من ثلاثة أرباع الكرة الأرضية لكن بالرغم من كل ذلك فان الصالح منها للاستخدام يبقى قليلاً مع تزايد الحاجة إليه ويقدر الحجم الكلي للماء بحوالي 1360 متراً مكعباً، 97% من هذا الحجم موجود في البحار و 2% مجمد في الطبقات الجليدية وبذلك فلم يبق غير 1% موزع على الأنهار والمسطحات المائية الداخلية غير المالحة والتي يحتاجها الإنسان في تلبية حاجاته إلى الشرب والري والى كثير من الصناعات.
وهذا يسوقنا إلى موضوع ارتباط نشوء الحضارات بالموارد المائية وإلى الحديث عن البقعة الجغرافية المسماة (عراق) كمثال لذلك الارتباط والتي تعني في العربية كلمة (الشاطئ) حيث انها كانت تشكل منطقة جذب للعديد من الأقوام الذين سكنوها وشادوا فيها أرقى الحضارات نظراً لما تتمتع به من وفرة في المياه وخصوبة في الأرض يشار إليها بالبنان وادى إلى تسميتها بأرض السواد حيث أشارت الكتابات المسمارية القديمة إلى تلك الجهود الكبيرة التي بذلها العراقيون القدماء في إقامة السدود وكذلك شق القنوات والأنهر وذلك لدرء خطر الفيضانات وزراعة اكبر قدر من المساحات الممكنة من الأرض حتى غدت هذه الأرض من أغنى دول المنطقة زراعياً وبذلك ولد قانون ينظم استخدام المياه في هذه البقعة من العالم حيث يعتبر نهر الفرات الذي يمر في هذه المنطقة من أهم الأنهار في العالم نظراً لأهميته التاريخية حيث نشأت على ضفافه أول حضارة يرجع تاريخها إلى خمسة آلاف سنة قبل الميلاد هي الحضارة السومرية ولكن هناك أقواماً أخرى سكنت على ضفاف الفرات قبل هذا التاريخ حيث ان الأساطير تذكر لنا ان أول موطئ قدم للإنسان في التاريخ كان في هذه البقعة من العالم.
إن نهر الفرات أحد انهر الفردوس الأربعة التي وردت في سفر التكوين حيث انه يحمل مع توأمه نهر دجلة مياه الحياة ويشكلان أصل الحضارات التي ازدهرت في أرض ما بين النهرين منذ الأزمنة السحيقة.
وللدلالة على ارتباط الأنهار، بما تمثله من كونها موارد طبيعية، مع الحضارات ونشوئها نذكر قول الباحث فكتور كوزين: »اعطني خريطة لدولة ما ومعلومات وافية عن تلك الدولة من ناحية موقعها ومناخها ومائها ومظاهرها الطبيعية الأخرى ومواردها وإمكاناتها الطبيعية بعد ذلك سيكون بإمكاني على ضوء كل ذلك ان احدد لك وفقاً لهذه المعلومات أي نوع من الإنسان يمكن ان يعيش في هذه الدولة وأي دور يمكن ان تلعبه هذه الدولة في التاريخ وكذلك الدور الذي يلعبه الإنسان الذي يعيش ضمن هذه الدولة«. ليس هذا الحكم قائماً على مجرد الصدفة بل هو قائم على أساس الضرورة التي تحتمها البيئة ولا ينطبق ذلك على فترة واحدة محددة من تاريخ حياة الدولة بل ينطبق على جميع مراحلها وفتراتها.
لقد ورث السومريون من أسلافهم العبيديين منظومة ري متكاملة وقاموا بتطوير هذه المنظومة لدرء فيضانات نهر الفرات دون تدمير مزروعاتهم وأقاموا أول سد عرفه التاريخ وهو السد الغاطس الذي انشأه (أبو ناتم) أحد ملوك لكش وذلك في منتصف الألف الثالث قبل الميلاد على الجداول الرئيسية في لكش المسماة (كيرسو) وقد وجد في مقبرة الملكة سميراميس ملكة آشور مخطوطة يعود تاريخها إلى 2200 سنة قبل الميلاد تتحدث على لسانها بقولها: (انني استطعت كبح جماح النهر القومي ليجري وفق رغبتي وسقت ماءه لاخصاب الأراضي التي كانت من قبل بوراً غير مسكونة).
وفي سنة 2400 قبل الميلاد انشأ (انيمتنا) سداً آخراً لدرء فيضان الفرات حيث كان اهتمام البابليين عظيماً بالزراعة بعد ان ورثوا عن أسلافهم حضارة متكاملة كان أساسها الزراعة وقد عانوا كما عانى أقرانهم من طغيان الفرات - حيث ورد ذلك في كتاباتهم - واهتم حمورابي في 1792 قبل الميلاد بشؤون الري واستخدم البابليون منخفض الحبانية وابو دبس لدرء فيضان الفرات واتسم عهد الكلدانيين أيضاً بتطوير منظومات المياه من نهر الفرات وقد استمر سكنة ضفاف الفرات في تطوير الري والاعتناء بالزراعة وما من حضارة ازدهرت في العهد القديم إلا وكانت الزراعة أحد أركانها الأساسية.
عند سقوط الدولة العباسية على يد (هولاكو) في عام 1258 والذي دمر بغداد وخرب السدود وشبكات الري تراجعت الزراعة بشكل كبير ورافق كل ذلك المجاعة والموت والأمراض التي حصدت أعداداً كبيرة من سكان الفرات في حين أسهم تخريب السدود في حدوث الفيضانات التي جلبت الخراب والموت لاهالي بغداد وكان هذا تحديداً في أعوام 1621، 1633، 1656، 1786، 1822، 1831، 1892، 1895 وهناك بعض الدراسات أجريت خلال القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر حول نهر الفرات كان أبرزها رحلة (جيزاني) الأولى ما بين 1830- 1831 في نهر الفرات وكان هدف الرحلة تسيير السفن البخارية عبر نهر الفرات للنقل التجاري وفي عام 1836 اعيدت المحاولة من جديد وتم خلالها التوصل إلى عدم صلاحية نهر الفرات للملاحة وفي عام 1908 استكملت رحلة (جيزاني) من خلال السير وليم كوكس الذي انتدبته الحكومة العثمانية لاجل تطوير مشاريع الري في العراق مثل: مشروع سدة الهندية، مشروع بحيرة الحبانية، مشروع سد الفلوجة، مشروع وادي الثرثار، وهذه المشاريع في مجموعها تقع جنوب مدينة بغداد.
وفقاً لهذا يتبين لنا انه لم تسبق حضارة ضفاف الفرات أية حضارة أخرى في حوض الفرات ولم تستثمر مياه الفرات بقدر استثمارها في صنع الحضارات في العراق ولم تسكن مجموعة بشرية في حوض الفرات في التاريخ القديم والحديث بحجم المجموعات البشرية في العراق.
ان نهر الفرات يقع بين خطي عرض 31-41 درجة شمالاً ويبلغ اكبر امتداد له في العراق مسافة 1200 كم وهكذا فان الفرات مرتبط تاريخياً بأرض العراق.
كان دور الماء ومنذ الأزل بالغ الأهمية في تحديد استقرار التجمعات البشرية وكان أحد عوامل الصراع الذي بدأ مع بداية الخليقة لكنه لم يصل في أحواله إلى ما نحن عليه الآن ومستقبلاً كمصدر للصراعات والمساجلات والحروب فالماء سر الحياة وهو سر التكوين وبداية الخليقة وتاريخياً تذكر لنا جميع الأساطير ان الماء هو الوجود ومنه انبثق كل شيء وما دوّنه البابليون في ملحمة التكوين البابلية (الاينو ما ايليش) مطلع الألف الثاني قبل الميلاد لا يختلف في هذا السياق عما جاء في الأساطير السومرية.
وقد كان البابليون يعتقدون ان للفرات إلهاً وحينما يغضب على رعيته يعاقبهم بالطوفان وكانت هذه الرعية تنذر إليه وتتضرع له لئلا يغضب عليها وقد عثر على رقيم بابلي فيه خطاب موجه إلى نهر الفرات ومما جاء فيه:
(أيها النهر يا خالق كل شيء، حينما حفرتك الآلهة العظام قد أقاموا أشياء طيبة على شطآنك وانعموا عليك بفيض من المياه لا نظير له والنار والغضب والجلال والرهبة، أنت الذي تقضي في قضايا الناس).

أزمــة الميـــاه في المنطقـــة

إن المياه تغطي أكثر من ثلاثة أرباع الكرة الأرضية إلا أن الصالح منها للاستخدام يبقى ضئيلاً مع الحاجة إليه ولأن المياه غير موزعة على حسب الحاجات فقد برزت أزمات ومشاكل عديدة في هذا الجانب وفي معظم أنحاء العالم ومنها الدول العربية.
إن معظم الدول العربية ستعاني - مستقبلاً - من أزمة حادة في المياه وهذه هي الصورة الحقيقية التي تستدعي دعم كفاية الموارد المائية في تلبية متطلبات الموازنة مع عدد السكان الآخذ بالازدياد.
إن الوضع المائي في المنطقة والعالم حرج بسبب حدة الخلافات حول تقسيم المياه، مما أثار قلقاً دولياً حيال هذه المسألة، انعكس وبشكل واضح في عدة مناسبات وفي عدة مؤتمرات عقدت لدراسة هذه المشكلة وامكانية وضع الحلول المناسبة لها، فقد عقد مؤتمر (قمة الأرض) في (ريودوجانيرو) في البرازيل ومؤتمر (برلين) ومؤتمر السكان في »القاهرة« وكذلك مؤتمر (اسطنبول) وغيرها من المؤتمرات التي تكررت فيها تحذيرات منظمة الأمم المتحدة للعالم من نقص المياه والتلوث البيئي في المدن الكبرى على وجه الخصوص.
فقد أشار التقرير الافتتاحي لمؤتمر إسطنبول إلى أن أكثر من مليار ونصف المليار (من البشر) سيواجهون في العام (2025) ظروفاً تهدد حياتهم وصحتهم بالخطر إذا لم يتم إتخاذ تدابير جذرية لحل المشكلات المتفاقمة في هذا المجال وانعكاسات ذلك على زيادة الفقر والتشرد والبطالة وانهيار القيم الاجتماعية لمجاميعهم الكبيرة.
لقد قدر التقرير عدد الوفيات الناتجة من تناول مياه الشرب الملوثة في كافة مدن العالم الثالث بعشرة ملايين حالة وفاة سنوياً ولا تقتصر شحة المياه على مدن المنطقة بل تشمل مدناً أوروبية عديدة حيث تقدر إحصائيات الأمم المتحدة عدد الذين لا يحصلون على مياه الشرب الصحية بأكثر من مليار إنسان.
إن سبب هجرة اكثر من 25 مليون إنسان سنوياً هو تدهور ظروف الحياة وانهيار التوازن البيئي في أماكن سكناهم حتى صار هؤلاء يسمون بـ(لاجئي البيئة) نظراً لارتباط هجرتهم بعوامل التصحر والجفاف والتلوث وزيادة مشاكل البطالة والفقر.
ان علماء المناخ والمتخصصين يقرعون ناقوس الخطر من ارتفاع حرارة الأرض حيث يعتقد ان هناك علاقة مباشرة له بحالات الجفاف في المناطق التي لم تشهد حالات جفاف من قبل كالشمال الأوروبي.
كما إن الأمم المتحدة خصصت يوماً في السنة هو يوم 22 آذار أطلقت عليه اسم اليوم العالمي للمياه بهدف جلب انتباه العالم إلى المخاطر الناجمة عن إهمال قضية المياه أو العبث بها. ولقد تم انشاء المجلس العالمي للمياه كأكبر منظمة غير حكومية تعنى بدراسة الشؤون المائية بما فيها شحتها والمحافظة على نوعيتها وإيجاد وتطوير أسس وأطر موحدة عالمياً لمعالجة المشكلة المائية برمتها.
إن المشكلة كبيرة جداً وتستدعي الاهتمام حيث يعاني 40% من سكان الأرض موزعين في 89 بلداً من درجات متفاوتة من شحه المياه وللتغلب على هذه المشكلة نشر البنك الدولي لشؤون البيئة تقريراً مفاده: إن المجتمع الدولي قد رصد مبلغاً مقداره (600) مليار دولار وهو رقم خيالي قياساً مع إمكانيات الدول الفقيرة لتأمين الحصول على المياه. والتي تعد اكثر قرباً من مواطن أزمة المياه وتلوثها.
ويبرز التقرير نفسه أن الشرق الأوسط والشمال الافريقي هما اكثر مناطق العالم تعرضاً لنقص المياه البالغ 40% للشخص الواحد وسترتفع النسبة إلى حوالي 80% في العام (2025) حيث ستبلغ حاجة الفرد (6670) متراً مكعباً في السنة بعد ان كانت (3430) متراً مكعباً في 1960.
ان الخصائص الديموغرافية والسياسية هي التي تجعل منطقتي الشرق الأوسط والشمال الافريقي محط اهتمام الدراسات حول مشكلة المياه فسكان المنطقة يشكلون 5% من مجمل سكان الأرض في حين تمثل المياه المتجددة المتاحة للاستعمال 1% فقط من مجموع مياه الأرض العذبة وتقدر حصة الفرد الواحد من المياه بحوالي 1250 متراً مكعباً في السنة علماً ان التوزيع السكاني بين بلدان المنطقة هذه لا يتناسب مع توزيع المياه في حين ترتفع نسبة النمو السكاني إلى 3% في السنة الواحدة.
ان هذا الواقع يسبب وبشكل واضح زيادة في المنافسة للحصول على الكميات المطلوبة من المياه لتحقيق مستوى حياة صحية معقولة أما في وقتنا الحالي فيقدر البنك الدولي عدد السكان الذين لا يحصلون على مياه شرب صحية في المنطقة بـ (45) مليون وعدد السكان المحرومين من أنظمة الصرف الصحي بـ(8) ملايين نسمة ويتوقع أن ترتفع هذه الأرقام بسرعة تزامناً مع سرعة التزايد السكاني وتلكؤ التنمية الاقتصادية والاجتماعية في العديد من البلدان.
إن تلكؤ التنمية الاقتصادية والاجتماعية يؤدي بالضرورة إلى إفقار مئات عديدة من السكان.بل إن جميع من يعملون في مجالات البيئة وبمختلف مشاريعهم يركزون على شعار أساسي هو: (فكر كونياً وانشط محلياً) ومعلوم ان هذا ليس شعاراً اعتباطياً أو عشوائياً بل انه شعار يضع مسؤولية حماية البيئة على عاتق الإنسان كفرد وكمجتمع، فإضافة إلى المسؤوليات التي تتحملها الدول يلعب الأفراد والمجاميع المحلية المختلفة دوراً أساسياً في العمل على منع التلوث والحفاظ على جمال البيئة ونقائها بما ينسجم وحجم الدور المطلوب في هذا الشأن ولما فيه خير الإنسان الذي حباه الله جل جلاله بهذه النعمة والكثير من النعم.
لابد لنا من إضاءة جانب المشكلة في منطقتنا ولعل هناك من يفكر وهو محق بان المنطقة تتميز بانتهاكات مفجعة لحقوق الإنسان، والحروب تجعل التفكير بالبيئة شيئاً من الترف، ان هذه المنطوقة صحيحة ولكن لا بد من معرفة ان العمل في سبيل البيئة النقية لا ينفصل عن النضال من اجل الحقوق الإنسانية للإنسان والعيش بكرامة وحرية.
ان الإنسان المعاصر لا يستطيع ولا يمكن له مهما ضاق مجال اختصاصه ان يعيش منعزلاً عن مصير الآخرين، فمثلاً نرى أن تعاون الدول المتشاطئة لابد منه لتجنب الكوارث التي من الممكن ان تحل بشعوبها نتيجة الخلافات ومن ثم الأحتراب على تقسيمات الحصص المائية لكل من تلك الدول علماً ان العالم في بدايات القرن المقبل سيتعرض الى انفجار سكاني وبطبيعة الحال سيؤدي هذا الانفجار السكاني إلى زيادة في استهلاك كل شيء وفي مقدمة ذلك المياه الضرورية للزراعة والاستعمال البشري.
ان العوامل المؤثرة والمحركة للأزمة حول المصادر المائية بين الدول لم تتمحور حول جانب واحد كالجانب الاقتصادي أو السياسي بل تتداخل الجوانب مع بعضها بحيث ان الفصل بين محركات الأزمة يسبب أزمة لوحده وهذا عائد إلى تشابك المصالح الأقليمية والدولية وبروز مظاهر النظام العالمي الجديد.
إن ضمان استمرارية تدفق المياه هو أحد الأهداف الحيوية والأساسية لأية دولة، وقد احتلت مسألة الأمن المائي خلال السنوات الأخيرة الماضية المكانة الأولى في سلم الأولويات واصبح الحديث عنها لا يقل عن أهمية الحديث عن الأمن العسكري ويكاد يزداد الأمر تعقيداً بالنسبة للشرق الأوسط وخاصة الجزء العربي منه الذي تشكل الصحراء فيه حوالي 43% من مساحته في حين لا تتجاوز نسبة الأراضي الصالحة للزراعة فيه الـ4،9% من إجمالي مساحته ويرى المحللون بان ندرة المياه في المنطقة هذه قد تؤدي إلى احتمال توتر الأوضاع ونشوب حروب إقليمية في المستقبل.

صـــراع الميـــاه

وقد تتمحور المشكلة حول الجدلية القائمة بين محدودية الموارد المائية وازدياد الحاجة الى الماء في مختلف البلدان، إضافة إلى ذلك تخلف طرق الاستهلاك المائي وغياب التخطيط الاستراتيجي له في منطقتنا. مع الأخذ بنظر الاعتبار زيادة نسبة النمو السكاني إلى 3% عن معدلاته.
إن الدور السياسي والاستراتيجي والاقتصادي سيزداد خلال العقود المقبلة على مستوى العالم بصفة عامة وتشير كل الدلائل إلى أن مستقبل المياه في المنطقة هو في غاية الخطورة؛ حتى أن الكل يجمع على أن الصراع على المياه هو السمة التي سوف يتميز بها العقد القادم في المواجهة بين العرب وإسرائيل من جهة، ومن جهة أخرى بين العرب ودول الجوار المتمثلة بتركيا واثيوبيا باعتبار أن تركيا تمتلك أطول حدود مع دولتين هما سوريا والعراق وتشترك معهما في منابع دجلة والفرات، كما إن أثيوبيا ينبع منها نهر النيل الذي يخترق اراضي دولتين عربيتين هما السودان ومصر.
إن ما يثير في هذا الأمر هو التحرك الإسرائيلي والدور الذي تلعبه الصهيونية باتجاه التحالف مع دول المنبع للتنسيق معها لإشعال الأزمة بين دول المنطقة ومن ثم الهائها عن هدف الصراع الحقيقي.
ان إدراك الصهيونية العالمية المتمثلة بدويلة إسرائيل لمدى أهمية المياه للمنطقة هو المحور الذي تبني عليه سياساتها المستقبلية حيالها؛ عالمةً بأن الوطن العربي تصل مساحته إلى 9% من اجمالي مساحة العالم ويضم تجمعاً بشرياً يعد الخامس في العالم، في حين لا تتجاوز موارده المائية الـ74% من الموارد المائية في العالم وبذلك تكون موارده المائية غير كافية لسد حاجته.
وعليه فان الأمن المائي العربي سيحتل موقعاً متقدماً على قائمة أولويات ومكونات الأمن القومي العربي خلال السنوات القليلة القادمة وان مشكلة المياه ستبقى إحدى معوقات التوصل إلى سلام حقيقي في الشرق الأوسط وربما ستشكل الحالة هذه الورقة المهمة في الصراع بين المنطقة وإسرائيل.

النمو السكاني وتطوير الموارد المائية في الشرق الأوسط

مثلما هو معروف فان الحاجة إلى المياه تزداد طردياً مع الزيادة السكانية في العالم، فحصة الفرد السنوية من المياه تتعلق بحجم الاستخدام المنزلي وبمقدار الاستثمارات الزراعية والصناعية في البلد ولكن يتحدد ذلك بوفرة المياه المتجددة سنوياً ومما لاشك فيه إن هناك اعتبارات أخرى قد تلعب دوراً في هذا التجديد.
تحدد الحاجات المائية ببعض العوامل منها النمو السكاني حيث تزداد الحاجات المائية بزيادة عدد السكان وهذه تترافق حتماً مع زيادة المساحات المزروعة والتي بدورها تحتاج إلى حجم اكبر من المياه لاغراض الري.
إن هذه الزيادة المطلوبة للزراعة تتعلق كذلك بنوع الزراعة وكذلك حجم تطور وسائل الري الحديثة بالإضافة إلى الموقع الجغرافي. فمثلاً في البلدان الحارة تكون متطلبات الري اكبر منها في المناطق الباردة وتتوقف حصة الفرد السنوية من المياه على وفرة المياه ومقدار الاستخدام.
ومن العوامل المهمة الأخرى التي تحدد الحاجات المائية هو مستوى تطور القطاع الزراعي الذي يعتمد على طرق الري لان الطرق التقليدية أصبحت متخلفة لانها تسبب هدراً كبيراً للمياه، فعلى سبيل المثال ان المياه التي تلزمنا لري هكتار واحد من الأرض المزروعة لو سقيناه بالطرق التقليدية لاحتجنا إلى 12 ألف متر مكعب في حين أننا لو استخدمنا الطرق الحديثة لري نفس المساحة فلا يلزمنا لذلك غير 7500 متر مكعب وهذا يتعلق كذلك بنوع النبات المزروع فكلما كانت النباتات شرهة للمياه زادت الحاجات المائية؛ لهذا فلابد من اختيار نوع وصنف النبات قبل الزراعة لغرض حساب احتياجاته وعلى سبيل المثال فانه يلزمنا لانتاج طن واحد من القمح 5000 متر مكعب في حين يلزمنا لانتاج طن واحد من القطن 7500 متر مكعب ونفس الحالة تنطبق على القطاع الصناعي فمثلاً نحتاج لانتاج طن واحد من الورق إلى 100 ألف غالون من الماء بينما نحتاج لانتاج طن واحد من الالمنيوم إلى 98.300 غالون من الماء، والحديد يتطلب 62.600 غالون للطن الواحد.
أما العامل الثالث الذي يحدد الحاجات المائية فهو درجة التحضر السكاني ففي البلدان المتقدمة تكون حصة الفرد اليومية من المياه مرتفعة قياساً مع الدول النامية فمثلاً في الولايات المتحدة تكون حصة الفرد 568 وفي الدنمارك 340 وفي اليابان 303 لترات في اليوم الواحد وتعتمد هذه الحاجات على حجم المدن، وفي القرى والضواحي يكون حجم الاستهلاك المائي اقل.
إن نسبة التحضر في البلدان لا بد من أخذها بنظر الاعتبار في احتساب الاحتياجات المائية فنسبة التحضر في العراق قياساً بعدد سكانه مرتفعة لذلك فان متطلبات السكان أكبر، وحصة الفرد في تركيا تتجاوز الـ4000 متر مكعب سنوياً في حين لا تزيد في كل من سوريا والعراق عن 1700، 2400 متر مكعب سنوياً على التوالي.
ومثلما نعرف فان حاجة القطاع الزراعي للمياه تعتبر الأكبر بين القطاعات الأنتاجية خاصة في دول العالم النامي التي يشكل الانتاج الزراعي القسم الأعظم من انتاجها القومي وبالطبع تختلف متطلبات الانتاج تبعاً للمساحة والاصناف النباتية وطرق الري إضافة إلى نسبة العاملين بالقطاع لذا فان هذه الحاجات المائية تشير بشكل واضح إلى حدوث أزمة بالمياه في الشرق الأوسط يمكن ان تجر المنطقة إلى حروب بسبب نقص المياه وزيادة الطلب والذي يعود إلى زيادة عدد السكان وتراجع مناسيب موارد المياه عن معدلاتها السابقة إضافة إلى عامل التلوث للبيئة المائية لذا فالحاجة باتت ماسة إلى تطوير الموارد المائية وتقنينها عبر الاستخدام الأمثل لهذه الموارد ولقد حظيت أبحاث تطوير الموارد المائية باهتمام المختصين الباحثين باعتبارها الحل الأمثل لزيادة هذه الموارد إضافة إلى تلافي الصراعات والحروب المحتملة التي قد تحدث بسبب نقص المياه وقد أسفرت بعض الاقتراحات والدراسات عن إيجاد حلول لتطوير الموارد المائية في المنطقة وذلك عبر بناء شبكات لنقل المياه إلى دول المنطقة التي تعاني أزمة حقيقية في مواردها الحالية أو في المستقبل وقد لاقى البعض من هذه الاقتراحات الترحيب في دول المنطقة في حين لاقى القسم الأخر منها جملة من الانتقادات بسبب الكلفة العالية أو بسبب عدم إمكانية تنفيذ المشاريع لأسباب سياسية تتعلق بالاعتبارات الاستراتيجية لدول المنطقة. هذا إضافة إلى خشية دول المنطقة من استخدام المياه كسلاح ضدها مستقبلاً من قبل الدول المصدرة للمياه أو الدول التي تمر عبرها شبكة المياه نظراً لعدم وجود ضمانات دولية كافية وملزمة تردع الدول التي قد تقوم باستخدام المياه كسلاح ضد دول أخرى فالقانون الدولي لازال قاصراً وليس له صفة الالزام للدول الموقعة عليه.
ومن هذه المشاريع:
أولاً مشروع سحب كتل جليدية من القطب إلى دول الخليج، فالقسم الاعظم من المياه العذبة يقع ضمن المنطقة المتجمدة من الكرة الأرضية وهو غير قابل للاستخدام في الوقت الحاضر على الأقل لذلك يقترح البعض استغلال هذه الموارد وذلك عبر سحب كتل من الجبال الجليدية من القطب الجنوبي إلى دول المنطقة عبر البحار وبعد ذلك تذويب هذه الكتل واستغلالها باعتبارها مياهاً عذبة، لكن هذا الاقتراح لم يلق القبول التام نظراً لكلفته العالية إضافة إلى ذوبان القسم الأكبر منه أثناء فترة النقل عبر البحار وبسبب فارق درجات الحرارة العالية واختلاف المناطق.
أما المشروع الآخر فهو النقل البحري للمياه من الباكستان إلى دول الخليج، وذلك يتم بواسطة البواخر العملاقة وهذا المشروع المقترح يمكن ان نقول عنه انه قابل للتنفيذ في حال انخفاض الكلفة بالقياس بتحلية مياه البحر الذي تعتمده دول الخليج، وكذلك هناك مشروع ثالث وهو مد خط أنابيب بطول 70 كم عبر البحر العربي بعمق 600 متر تحت سطح البحر لنقل المياه بمعدل 520 الف متر مكعب باليوم من نهر منغوي الباكستاني إلى الإمارات العربية المتحدة وتمت دراسة هذا المشروع من قبل شركة بريطانية.
ومن بين المشاريع الأخرى مد خط أنابيب بين إيران وقطر لنقل المياه من نهر الإيراني إلى قطر وذلك لغرض تعزيز العلاقات بين إيران ودول مجلس التعاون الخليجي ولكن هذا المشروع معطل ولم يباشر به مثل باقي المشاريع للمخاوف التي تحاول الولايات المتحدة إثارتها لدى قيادات المنطقة من الدور الإيراني في المنطقة.
أما المشروع الآخر فهو مشروع مد شبكة أنابيب من تركيا إلى دول المنطقة وهو الذي يسمى بمشروع أنابيب السلام الذي اقترحته تركيا لتزويد دول المنطقة بستة ملايين متر مكعب يومياً من مياه نهر سيحون وجيحون وما يعيق تنفيذ المشروع هو الكلفة العالية له والعامل السياسي. أما مشروع مد خط الأنابيب بين السعودية والسودان على ان يتم ذلك عبر البحر الأحمر لتزويد السعودية بالمياه من نهر النيل فممكن أن نقول عنه بأنه مشجع لكن حرب الخليج الثانية التي أهدرت الكثير من الأموال حالت دون تنفيذ هذا المشروع رغم أن كلفة نقل متر مكعب واحد من المياه تعادل 29 سنتاً وهو اقل من كلفة تحلية مياه البحر إضافة إلى ان السودان دولة عربية لا تسعى مستقبلاً لاستخدام المياه كسلاح ضد دولة عربية أخرى كما يعتبر المشروع خطوة نحو التكامل الاقتصادي ويساعد في حل مشكلة السودان الاقتصادية.
إضافة إلى ما ذكرنا من مشاريع مقترحة فإن هناك مشروعين آخرين جرى التفكير بهما الأول هو مد خط أنابيب من العراق إلى الأردن حيث جرت مباحثات بين الجانب الأردني والجانب العراقي حول أمكانية مد خط أنابيب من نهر الفرات إلى الهضبة الشمالية للاردن لكن الشكوك أحاطت بالجدوى الاقتصادية للمشروع وامكانية تمويله نتيجة طول المسافة ووعورة التضاريس وارتفاع التكاليف حيث بينت الدراسة لهذا المشروع ان تكاليفه ستكون بحدود المليار دولار لنقل 160 مليون متر مكعب سنوياً وان كلفة نقل المتر المكعب الواحد من مياه الفرات إلى الأردن تقدر بنحو نصف دولار في الخط الشرقي وبنحو دولار واحد في الخط الغربي.
والمشروع الأخير هو مد أنابيب من العراق الى الكويت حيث قامت بأول دراسة لهذا المشروع شركة بريطانية عام 1953 وفي بداية السبعينات باشرت شركة سويدية بدراسة المشروع تبعتها أخرى فرنسية في مطلع الثمانينات وقدرت الدراسة أن يتم نقل ما يعادل 6165 متراً مكعباً من المياه يومياً منها 1850متراً مكعباً من شط العرب و 4315 متراً مكعباً من نهر دجلة وقد وقعت الكويت في آذار 1989 اتفاقية مع العراق لنقل المياه من جنوب العراق بحجم يتراوح ما بين 550 -1200 مليون غالون يومياً أي ما يعادل 5,2 مليون متر مكعب باليوم كمرحلة أولى وفي المرحلة الثانية بحجم 700 مليون غالون يومياً من مياه الشرب، 500 مليون غالون باليوم للري وتقدر كلفة المشروع بـ5،1 مليار دولار ومدة التنفيذ تستغرق 10 سنوات ولكن المشروع جمد في حينه بسبب الحرب العراقية - الإيرانية ومن ثم حرب الخليج الثانية إضافة إلى الابتزاز الذي مارسه النظام العراقي مع الكويت لغرض تنفيذ المشروع.
هذه مجمل المشاريع المطروحة والتي كان الغرض منها نقل المياه إلى دول المنطقة وهناك تصورات أخرى حول إمكانية استغلال ناقلات البترول العملاقة لنقل المياه وذلك عن طريق ضخ كتلة من غطاء النايلون البلاستيكي ضمن خزاناتها لغرض تغطية جدران الخزانات الداخلية ولابد من استغلال الأنابيب الحالية لنقل المياه بين دول المنطقة بعد إجراء التعديل اللازم عليها. كذلك هناك تصورات حول تحويل نهري سيحون وجيحون ليصبا في نهر الفرات ومن خلاله يتم نقل المياه إلى دول الخليج عبر العراق وذلك بكلفة اقل، بواسطة تنفيذ مشروع أنابيب السلام وكذلك تقليل نسب التبخر من المسطحات المائية باستخدام مواد زيتية او مواد بلاستيكية لتغطية المسطحات المائية الكبيرة بغية تقليل نسبة التبخر.
والدراسة في هذا المجال لازالت تلاقي الفشل وذلك لان الأمواج في البحيرات والأنهار تكسر الغشاء الزيتي الرقيق وتبدده مما يحول دون أداء مهمته.
كما ان الظروف السياسية بعد حرب الخليج الثانية وانقسام دول المنطقة ولجوئها إلى إقامة علاقات خارجية على حساب الدول المجاورة الأخرى، والتدخل العسكري والتواجد الدائم للقوات الاجنبية في المنطقة جعل مجمل هذه المشاريع بحكم المؤجلة إلى حين تغيير الظروف الحالية، كما إن الدول الخليجية التي كان باستطاعتها تنفيذ مثل هذه المشاريع تعاني حالياً من عجز في ميزانياتها، ووجود أولويات في قوائم هذه الميزانيات السنوية جعل من هذه المشاريع ليست مؤجلة فحسب وإنما ملغية.

كيـــف نتعــامـل مع أزمــة الميـــاه

وبعد أن استقصينا جوانب الأزمة، والمشاريع العملية وغير العملية المقترحة لحلها، لا بد أن نعرج على كيفية التعامل مع مشكلة قائمة في أكثر الدول الإسلامية ولا سيما المنطقة العربية عموماً، مع وجود فائض مائي في بعض هذه الدول، والذي يمكن من خلاله إيجاد نوع من التوازن في التوزيع حسب حاجات هذه الدول، كما إن أغلب الدول التي تعاني أو ستعاني من نقص المياه في المستقبل القريب هي من الدول الغنية بالبترول، وبإمكان هذه الدول توظيف هذه الثروة في سبيل توفير موارد المياه لمناطقها وضمان مستقبلها في سد هذه الحاجة الضرورية لإدامة الحياة فيها.
ومن المؤسف أن بعض الدول الإسلامية الغنية بالمياه وتحت ضغوط خارجية حاولت أن تجعل من هذه النعمة ورقة ابتزاز - كما ذكرنا في مثال تركيا - ضد الدول الإسلامية الأخرى، وأطلقت بعض التصريحات الرسمية التي تطالب صراحة بمبادلة الماء بالبترول!
وقد طرح بعض العلماء المعاصرين حلولاً لأزمة المياه والآثار التي تترتب عليها (راجع كتاب: البيئة للإمام محمد حسن الشيرازي) حيث عرض لجوانب هامة لهذه الأزمة، كقضايا التلوث المائي وتقسيم المياه.
وإذا كان لا بد من خلاصة للبحث، فإن أي حلول خارجية بعيدة عن الحل الإسلامي للأزمة لا تجدي نفعاً، أو لنقل بصورة أدق، ان حل أزمة المياه في المنطقة هو حل داخلي يجب ان تعيه دول المنطقة وتشرع في خطط عملية لتأمين هذا المورد الحياتي المهم.


الزحف الصحراوي

زحف الصحاري يؤدي الي ‏تدمير الاراضي الزراعية والغابات، وافريقيا القارة الاكثر تضررا من هذه الظاهرة. ان ظاهرة التصحر تهدد ‏ ‏مائة وعشرة دول في العالم ويتضرر بسببها حوالي مائتين وخمسين مليون نسمة، وان ‏ما يسمى بالزحف الصامت للتصحر يسبب خسائر اقتصادية تقدر بنحو 42 مليار دولار ‏ ‏سنويا منها تسعة مليارات في افريقيا وحدها.
وذكر التقرير أن عوامل التصحر ‏اصابت نحو مليار وتسعة اعشار المليار هكتار من اراضي العالم منها نحو خمسمائة ‏ ‏وخمسون مليونا في آسيا ونحو خمسمائة مليون في افريقيا مسببة خسائر عالمية ‏ ‏سنوية تقدر باثني عشرة مليار دولار.
وحذر من خطورة التدهور المستمر للاراضي الزراعية وعمليات إزالة الغابات وتعرية ‏الاراضي الصالحة للزراعة المتزامنة مع الزيادة المستمرة في اعداد السكان وما تفرضه ‏من تحد كبير فيما يتعلق بضرورة تحقيق الامن الغذائي.
ونبه من انه اذا استمر خطر التصحر علي هذا النحو فسوف ينكمش نصيب الفرد من ‏ ‏الاراضي الصالحة للزراعة الى اربعة اعشار بالمائة هكتار فقط بحلول عام 2010 في ‏مقابل ثمانية وخمسة الاعشار بالمائة من الهكتار للفرد الواحد حاليا.‏ ‏
كما حذر من مخاطر استغلال الاراضي الزراعية المحيطة بالمدن والمناطق الريفية في ‏اغراض غير زراعية ودعا الحكومات الى دعم سكان ‏ ‏المناطق الريفية باعتبار ان ذلك من اكثر السبل الفعالة لتخفيف الضغط علي ‏الارض.
ويعتبر الجفاف احد اسباب التصحر لكن الجانب الاكبر منه يأتي من خلال ‏الممارسات البشرية الخاطئة تحت ضغوط سكانية واقتصادية وسياسية.
واوضح تقرير برنامج الامم المتحدة للبيئة ان المزارعين في دول العالم الثالث، والذين لا يوجد امامهم أي خيار اخر لإطعام عائلاتهم، يقومون باقتلاع الاشجار في ‏مساحات واسعة من الغابات الاستوائية لزراعة محاصيل غذائية وبعد ان يتم استنزاف ‏التربة ببعض المناطق في مواسم معينة يتم الانتقال الي منطقة اخري من الغابة.‏ ‏
واكد ان نحو ثلاثمائة وخمسين مليون شخص خاصة في الدول الاستوائية يعيشون بفضل ‏انشطة زراعية وصناعية قائمة علي هذه الغابات.‏ ‏
واشار الى ان ظاهرة التصحر تؤثر علي حوالي مائتين وخمسين مليون نسمة ويتعرض ‏ ‏لخطرها مليار آخر من البشر يشكلون خمس سكان العالم.‏
وتعتبر افريقيا القارة الاكثر تضررا من مشكلة الجوع في ربع القرن الاخير، ويرجح ‏خبراء البيئة ذلك للجفاف الحاد الذي تشهده القارة منذ الثمانينيات.‏ ‏
واشار التقرير الي أن افريقيا تخسر نحو ستة بالمائة من مساحة الغابات سنويا اي ‏ما يعادل حوالي ثلاثة ملايين وثلاثة اعشار المليون هكتار، وان زحف الصحاري أدي الي ‏زيادة كبيرة في مساحة الاراضي الجافة التي تمثل حاليا نصف مساحة القارة مما الحق ‏اضرارا بالغة بحياة نحو ثلاثمائة مليون نسمة يمثلون اربعين بالمائة من ‏سكان القارة.‏
وذكر ان حوالي اربعة وخمسين بالمائة من الافارقة محرمون من مياه الشرب النقية ‏وستة وستين المائة محرومون من مرافق الصرف الصحي.
ويعد التصحر من اخطر المشكلات البيئية التي تواجه دول المنطقة العربية ‏التي تقع معظم اراضيها في المنطقتين الجافة وشبه الجافة, وحذر البرنامج الانمائي ‏للامم المتحدة ان المنطقة العربية تعد من اكثر المناطق جفافا في العالم حيث تعاني ‏احد عشرة دولة من مشكلات نوعية مياه الشرب والزراعة.‏
وتشمل ظاهرة التصحر في الوطن العربي جوانب عديدة اهمها الانجراف المائي في ‏مناطق محدودة خلف السدود او في الحقول الزراعية.
وفي هذا الصدد يشير المختصون الي ان عدم الالتزام بالارشادات الزراعية ادي إلي ‏تدني خصوبة الاراضي وخروج مساحات واسعة من الخير الزراعي وفقدان العناصر الغذائية ‏مما ادي الي انخفاض القدرة الانتاجية للاراضي وتدهورها بدرجات مختلفة
كما ان ‏ ‏المسائل المتعلقة بطبيعة المناخ في الوطن العربي أدت بشكل رئيسي لزيادة التصحر في ‏اراضي الوطن العربي بسبب الجفاف الذي يستمر عدة فصول.
يذكر ان اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة التصحر في باريس التي وقعتها الدول ‏العربية عام 1994 تهدف الي تجنب عواقب التصحر طويلة الاجل مثل الهجرة الجماعية ‏وحدوث نقص في السلالات الحيوانية والنباتية والتغيرات المناخية والحاجة الي ارسال ‏مساعدات عاجلة للسكان في وقت الازمات
مشكلة المياه العربية والدور الأمريكي
مقدمة:‏
تعد مشكلة المياه العربية من أخطر المشكلات المعاصرة في الوطن العربي، نظراً لتشابك عوامل عديدة تدفع هذا الجزء من العالم لصراع مسلح وإلى تطورات إقليمية، قد لا تكون في صالح العرب، فأغلب منابع الأنهار الرئيسية وروافدها تقع خارج نطاق السيطرة العربية. كما تتضح لنا ظاهرة التقلص التدريجي المستمد للحصص العربية من مياه الأنهار بعد تصميم دول المنبع (تركيا، وأثيوبيا) على تنفيذ مشروعات مائية وإقامة سدود ضخمة. إضافة إلى استيلاء الكيان الصهيوني بالقوة على مصادر المياه العربية. كل هذه كانت عوامل تؤجج الصراع وتزيده حدة في المنطقة.‏

ومن يؤكد احتمالات الصراع في هذا الجزء المهم من العالم، أنه يقع ضمن الإقليم الجاف كما ينجم عنه ندرة في الموارد المائية، كما أن هذا الجزء أيضاً يتصف بأعلى نسبة في زيادة معدل النمو السكاني في العالم بعد إفريقيا، مما جعل حصة الفرد العربي من المياه تتناقض سنة بعد أخرى.‏
كما يكتسب الوطن العربي ودول الجوار الجغرافي له، أهميته في الاستراتيجية الدولية وبشكل خاص الولايات المتحدة الأمريكية، فقلب الوطن العربي وجواره يقع استراتيجياً شرق البحر المتوسط بمحاذاة الجناح الجنوبي لحلف شمال الأطلسي، كما يحتوي على اثنين من الممرات المائية الدولية المهمة جداً هما قناة السويس والمضايق التركية، كما أن جميع هذه الدول تؤدي دوراً مهماً في ميزان القوى والاستقرار في هذا الجزء من العالم. إضافة إلى أن جميع هذه الدول تعاني من مشكلات مائية حرجة يمكن أن تخل بالاستقرار إذا لم يتم علاجها، كما تكتسب هذه المنطقة أهميتها من حجم سكانها الذي يمثل ثلثي سكان الوطن العربي، كل ذلك يخلق وضعاً قلقاً وغير مستقر فيه، مما يزيد حدة الصراع فيه خاصة إذا امتنعت دول المنبع من الالتزام بمبدأ تقسيم المياه مع الدول المتشاطئة معها.‏
في ضوء ما تقدم حاولت الولايات المتحدة الأمريكية أن تكون طرفاً في المشكلات المائية في المنطقة، مستثمرة عوامل الضعف الجيويوليكلي لدول المصب لتضغط عليها وقت ما تشاء لتحقيق أهدافها المركزية وتحافظ على مصالحها في هذا الجزء المهم من العالم. وقد تم ذلك من خلال دعمها المباشر أو غير المباشر لكل من تركيا وأثيوبيا والكيان الصهيوني.‏

إن مواقف الولايات المتحدة هذه لم تتخذ من فراغ، فمنذ عام 1988 أكد مركز الدراسات الاستراتيجية والاقتصادية بواشنطن بأن المياه في عام (2000) وليس النفط ستكون القضية المهيمنة في الشرق الوسط، وبناء على ذلك الاعتقاد تمارس الولايات المتحدة الأمريكية سياستها في المنطقة، كما يعني أيضاً الاهتمام المبكر بهذه المشكلة.‏
وفي ضوء ما تقدم فإن هذا البحث يهدف إلى بيان الدور الأمريكي في قضية المياه التي تعد من أبرز القضايا الخطرة التي تهدد في أبعادها المختلفة، الوطن العربي. وتتضح لنا جسامة تلك المخاطر إذا ما علمنا بأن الولايات المتحدة تسهم وبدون توقف في تقوية المثلث المائي الخطر، تركيا وأثيوبيا والكيان الصهيوني كمراكز تهديد للوطن العربي؟‏

"مشكلة المياه العربية والدور الأمريكي‏
أولاً: الموقف الأمريكي وأزمة المياه:‏
تحظى قضية المياه باهتمام كبير من قبل الدول العربية ودول الجوار الجغرافي لما لها من آثار كبيرة على مستقبل هذه المنطقة وعلى طبيعة العلاقات فيما بينها.‏
إلا أن هذه القضية أصبحت أكثر تعقيداً عندما اعتبرتها الولايات المتحدة الأمريكية من مهددات مصالحها في هذا الجزء الحيوي من العالم، فهي تطمح إلى إضفاء صفة الاستقرار والهدوء فيها، لأن حالات القلق والتوتر سيؤدي إلى تهديد تلك المصالح والإضرار بها.‏
فأمريكا حريصة على بقاء وثبات أهدافها المركزية استراتيجية والاقتصادية التي أجملها سوار تسكوف بما يلي(1):‏
1- ارتباط الاقتصاد الأمريكي بشكل مباشر بالخليج الذي يحتوي على ثلثي الاحتياطي النفطي العالمي.‏
2- إن الاستقرار في المنطقة أساسي للمدى البعيد لمستقبل (السلام العربي-الإسرائيلي).‏
3- إن المنطقة تحتوي على مفاتيح عقد التواصل العالمي جواً وبحراً والتي تربط أوربا والمتوسط بإفريقيا وآسيا والمحيط الهندي، وهي خطوط مهمة جداً لاستقبال وإرسال البضائع إلى تلك الأماكن.‏
ولما كانت المياه لا يقتصر تأثيرها على البعد الاجتماعي والاقتصادي فحسب بل تعدى ذلك إلى البعد السياسي، فقد استخدمت المياه عامل ضغط يهدد الوطن العربي بشكل خاص. والجزء الحيوي من الوطن العربي يضم سبع دول عربية تشكل منطقة القلب فيه حيث تتوسط الشقين الآسيوي والإفريقي من الوطن العربي، كما أن عدد سكان هذه الدول السبع يمثلون ثلثي عدد السكان في الوطن العربي بمجمله.‏


إن البعد السياسي لأزمة المياه في المنطقة لا يشمل تأثيره كل الدول العربية، بل يقتصر تأثيره بشكل واضح على الدول العربية السبع وهي: مصر والسودان، العراق وسوريا، لبنان، فلسطين، والأردن.‏
ومن الحقائق الجديرة بالذكر في هذا المجال:‏
1- إن نصيب الفرد في العالم انخفض من 12.900 م3/ لسنة عام 1970 إلى 7.600م3/ السنة عام 1996. وفي الوطن العربي انخفض نصيب الفرد من المياه في نفس الفترة من 2400 م 3/ السنة إلى 1200م3/ السنة(2).‏
2- تقدر كمية المياه للأغراض المختلفة في الوطن العربي لعام 2000 (229) مليار م3/ السنة لعدد سكان يبلغ تعدادهم 298 مليون نسمة لنفس العام.‏
3- وصل العجز العربي للمياه في عام 2000 إلى 127 مليار م 3 وسيصل في عام 2035 إلى 176 مليار م 3.‏
4- تعد الدول العربية من أكبر مستوردي الغذاء في العالم حيث زادت قيمة السلع الغذائية التي تستوردها الدول العربية من (30) مليار دولار عام 1988 إلى (60) مليار دولار بحلول عام 2000(3).‏
إضافة إلى هذه العوامل يمكن تحديد بعض الأسباب الرئيسة لبؤر التوتر الشديد في الوطن العربي والتي قد تتحول إلى صراعات عسكرية وهي(4):‏
1- تناقض المخزون المائي العربي وتدني معدل المياه المتاحة إلى ما دون المعدل الوسطي العالمي.‏
2- النهب والاستغلال غير الشرعي والمجحف لموارد المياه العربية والاعتداء الدائم على الحقوق العربية في المياه واستنزافها.‏
3- وجود ينابيع المياه الرئيسة خارج الوطن العربي تتحكم في أكثر من 85% من منابع المياه الداخلية.‏
4- تنامي الحاجات الإنسانية والتنموية في الوطن العربي.‏
5- عدم وجود اتفاقات دولية منظمة بين دول المنابع الأجنبية المجاورة وبين دول المصب أو الجوار. أو لم يتم التوصل للآليات الدولية الكفيلة بحسن تطبيق العرفية والاتفاقية الوضعية. وفي رأي الباحث أن الأصح:عدم التزام دول الجوار الجغرافي ببنود الاتفاقيات المعقودة مع الدول العربية.‏
ويبدو لنا مما تقدم من حقائق أن هذا القلب من الوطن العربي تكمن فيه بؤر الصراع، وأن احتمالات التوتر ممكنة في مجال أربعة أحواض رئيسة هي: حوض نهر الأردن وحوض الجنوب اللبناني، وحوض دجلة والفرات، وحوض نهر النيل، الأمر الذي سيجعل من هذا الجزء من الوطن العربي قلقاً وغير مستقر لا بسبب السياسات المائية لدول الجوار الجغرافي والتدابير المتخذة لتنفيذها فحسب وإنما بسبب تدخل الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني في تلك السياسات ودعمها للضغوط على الدول العربية المتشاطئة مع دول أحواض هذه الأنهار.‏
لقد أصبح الماء في المشرق العربي عنصراً أساسياً في صياغة سياسة الولايات المتحدة الأمريكية والتي تتركز على مدى تأثير مشكلات المياه في هذه المنطقة على مصالحها الاستراتيجية. الأمر الذي أدى إلى بروز الاهتمام الأمريكي بمياه الوطن العربي وجعله على رأس هذه الاهتمامات في المنطقة.‏
فقد ذكر روبرت كاداج رئيس الخدمات الهندسية الأمريكية في ماندوفيا بولاية كاليفورنيا أن: الصراع في الشرق الأوسط على مصادر المياه المحدودة والمهددة بالخطر يمكن أن يقود إلى هيجان لم يسبق له مثيل في المنطقة، وأن لشحة المياه آثار كبرى على التنمية الاقتصادية والاستقرار السياسي. فظهور مشاكل المياه في المنطقة سيكون له أثراً كبيراً على المصالح الاستراتيجية(5).‏
كما جسد هذه الأفكار تقرير مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن عام 1988 حول السياسة الخارجية الأمريكية بشأن مصادر المياه في الشرق الأوسط:‏
كان الهدف المركزي لهذه الدراسة هو: التوصية بانتهاج استراتيجية للمستقبل يكون من شأنها حماية وتعزيز المصالح الأمريكية(6)".‏
ويطرح هذا التقرير "دوراً جديداً للحكومة الأمريكية" لحل المشكلات المائية الجديدة في منطقة المشرق العربي. وأوصى التقرير أيضاً: بأن تركز الحكومة الأمريكية لتجاوز الأزمة المائية في هذه المنطقة على النواحي الآتي ذكرها(7):‏
1- التنمية وتكنولوجيا الماء المتطورة.‏
2- تشجيع حكومات المنطقة على إنتاج أشكال جديدة أكثر كفاءة لإدارة الموارد المائية واستراتيجيات تخزين الماء.‏
3- تحسين التنسيق بين الوكالات الأمريكية التي تتعامل مع مسائل الماء.‏
4- الاهتمام بالبحوث طويلة المدى والتخطيط البعيد المدى أيضاً.‏
5- إنشاء برنامج مائي مشترك بين الولايات المتحدة ودول الشرق الأوسط.‏
ومن الجدير بالذكر أن الاهتمام الأمريكي بأهمية المياه في سياسة المنطقة كان مبكراً، فمنذ الثمانينات حددت مصادر الاستخبارات الأمريكية عشرة مناطق محتملة لأن تكون ساحات صراع على المياه وقد قسمت تلك المناطق إلى ثلاث مستويات من الخطر(8):‏
1- مناطق تشتعل فيها حروب المياه في فترة قريبة وتقع أغلبها في الشرق الأوسط.‏
2- مناطق محفوفة بالمخاطر، وقد تدخل منطقة الخطر حالما تستنفذ مصادر مياهها السطحية والجوفية، وتقع في نطاق هذا الحزام دول شبه الجزيرة العربية والخليج.‏
3- مناطق توتر مائي قابلة للدخول في مستوى الخطر في فترة عشر إلى عشرين سنة قادمة وتدخل في هذا الحزام مصر وبلدان المغرب العربي.‏
ويبدو لنا أن الدوائر الأمريكية تحاول أن تتعامل مع مسألة المياه من أجل استثمارها في إطار الاستراتيجية الأمريكية الدولية، ولخدمة ما يسمى بحماية "المصالح القومية الأمريكية".‏

ومع إيماننا بأن الاستفادة من الخبرات الدولية مسألة مطلوبة لمواجهة الأزمة المائية التي يعاني منها الوطن العربي إلا أن الأكثر أهمية هو أن تكون هذه الاستفادة جزءاً من استراتيجية قومية تهدف إلى حماية المصالح القومية العربية لا أن تكون رأس جسر يربطنا بالاستراتيجية الأمريكية ويعمل على "تشكيل اتجاهات تنموية" في بلادنا وفقاً لما يخطط له الآخرون.‏
ثانياً: التدخل الأمريكي في أحواض النهار‏
تؤكد كل الدعوات التي ظهرت في الغرب لمعالجة مسألة المياه في الوطن العربي بأنها كانت تهدف إلى التمهيد لدخول الولايات المتحدة الأمريكية إلى هذه المنطقة بحجة وضع حلول لها، نظراً لما تمتلكه من إمكانات تكنولوجية، إلا أن حقيقة الأمر أنها كانت ترمي لتحقيق هدفين:‏
1- دعم الكيان الصهيوني في سياسته المائية للحصول على حاجته من المياه وبشكل خاص من الدول العربية المجاورة.‏
2- استخدام دول المنبع كوسيلة ضغط على الدول العربية المجاورة لها.‏
ولبيان دور الولايات المتحدة وسياستها المائية في هذا الجزء المهم من الوطن العربي، سنتناول الموضوع من خلال رصد حركتها على أبرز أحواض الأنهار الرئيسة في الوطن العربي وعلى النحو الآتي:‏
1- حوض نهر الأردن ونهر الليطاني:‏
1- التعاون الأمريكي الصهيوني في المشاريع المائية:‏
للتعاون الأمريكي الصهيوني جذور بعيدة، وبشكل خاص في مسألة المياه. فقد استقدمت الوكالة اليهودية والتي تتولّى قيادة الحركة الصهيونية، الخبير الأمريكي لودرميلك عام 1938 للقيام بدراسة الأوضاع المائية وتنميتها لصالح "الدول الإسرائيلية المرتقبة". وتركز مشروعه على تحويل مياه نهر الأردن الأعلى إلى سواحل فلسطين ونقلها إلى صحراء النقب مع الاستيلاء على مياه الحاصباني وبانياس والليطاني(9). وهذا ما فعله الكيان الصهيوني بعد عدوان 1967.‏
وفي عام 1944 ألف المهندس لودرميلك كتاباً عنوانه "فلسطين أرض الميعاد" ضمنه مشروعه لمياه نهر الأردن الذي قدمه عام 1938 للحركة الصهيونية وأصبح ذلك المشروع قضية الحركة الصهيونية الاستراتيجية(10).‏
ثم جاء بعده مشروع المهندس الأمريكي هيز الذي يعد الوليد لمشروع لودرميلك ويرمي إلى تطبيقه عملياً، وتبعه مشروع ماكدونالد مروراً بمشروع الخبير الأمريكي بانجر وصولاً إلى مشروع جونستون في مرحلة الخمسينات الذي يُعتبر المعبِّر عن التدخل الأمريكي في السياسة المائية للمنطقة. فقد عني هذا المشروع بتوزيع مياه الحوض الشمالي للبحر الميت، ومياه نهري الأردن واليرموك على دول المنطقة: "إسرائيل" والأردن ولبنان وسوريا
وبدراسة متأنية ومعمقة لمشروع جونستون ومراميه السياسية تتضح لنا الحقائق الآتية



1- إن الولايات المتحدة كانت تسعى لتحقيق أهداف سياسية من مشروع جونستون لمياه الأردن تركز على دعمها "لإسرائيل" وضمان وجودها.‏
2- إن طرح المشروع ومحاولة الحصول على موافقة العرب عليه يهدف إلى قبول "إسرائيل" ككيان في المنطقة في وقت كان العرب يعتبرون "إسرائيل" مغتصبة لفلسطين بدعم من الغرب.‏
3- إن الولايات المتحدة كانت تعمل وبحرص على ضمان وجود "إسرائيل" وذلك باقتراحها تقسيم مياه نهر الأردن بينها وبين العرب وهي بالكامل مياه عربية.‏
4- إن ما جاء في المشروع حول توفير المياه للفلسطينيين على ضفتي النهر يعني ضمناً عدم عودة فلسطين إلى الفلسطينيين.‏
ومن الجدير بالذكر أن الكيان الصهيوني يأخذ اليوم (650) مليون متر مكعب من نهر الأردن و 100 مليون متر مكعب من نهر اليرموك، بينما خصص له مشروع جونستون الأمريكي عام‏
1955، وكان كريما (375) مليون متر مكعب من نهر الأردن و (22) مليون متر مكعب من نهر اليرموك(13).‏
وفي إطار العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 سقط مشروع جونستون من جدول الأعمال. ثم تبعت هذا المشروع عدة مشاريع أخرى جسدت سياسة الكيان الصهيوني المائية الهادفة إلى الهيمنة على أرض فلسطين واستغلال مياهها لبناء المستوطنات الصهيونية فيها، وتمثلت هذه في مشاريع جديدة أبرزها مشروع "كوتن" الذي وضعه الكيان الصهيوني وهو لا يختلف عن مشروع "جونستون" بل أضاف إليه زيادة حصة الكيان الصهيوني من المياه، وإضافة مياه الليطاني إليها.‏
ثم تبعه مشروع بيكر هيرزا عام 1955 لإقامة السدود على الأنهر لاستثمار مياهها من قبل الكيان الصهيوني، وصولاً إلى مشروع "نايتس"‏



خريطة رقم "1"‏

1‏

الذي قدمه الكيان الصهيوني بعد حزيران 1967، والذي يدعو فيه إلى الاستفادة من نهر الليطاني(14).‏
والذي يمكن أن نخلص إليه أن حرص الإدارة الأمريكية وخبرائها في المياه كان متواصلاً لدعم الحركة الصهيونية وطموحاتها في إنشاء الكيان الصهيوني وبقائه في فلسطين من خلال السيطرة على المياه العربية.‏
ب- المياه في المفاوضات المتعددة الأطراف:‏
حظيت المياه في الوطن العربي باهتمام العديد من الدول وبشكل خاص الولايات المتحدة التي اتخذت منها مجالاً حيوياً لحركتها من أجل الهيمنة على هذه المنطقة الحيوية من العالم، للحفاظ على مصالحها فيها.‏
ففي مؤتمر مدريد "للسلام" عام 1991 أدرج الرئيسان السابقان الأمريكي والسوفيتي جورج بوش وميخائيل غورباتشوف "المياه" باعتبارها المسألة الأولى التي يجب أن تتركز حولها المفاوضات المتعددة الأطراف في جولتها الثالثة، ومثل هذا التوجه قرر الرئيسان منذ بداية "عملية السلام" أنه لا يمكن الوصول إلى حل شامل في الصراع "العربي- الإسرائيلي" دون تأمين الموارد المائية الكافية لسد حاجات الكيان الصهيوني الراهنة والمستقبلية(15).‏
لقد كانت هذه التوجهات الدولية تنصب لخدمة الكيان الصهيوني وتأمين حاجاته من المياه على حساب الحق العربي، الأمر الذي شجع هذا الكيان في المحادثات المتعددة الأطراف (موسكو، كانون ثاني 1992) على تقديم قائمة مقترحات وبرامج للتعاون الاقتصادي في مجالات ومشروعات محددة ومنها المشاركة في الموارد الطبيعية والتكنولوجية والبشرية والتعاون في مجال البحث العلمي(16).‏
وقبل بدء محادثات "السلام" كانت التقديرات تشير إلى أن حاجة الكيان الصهيوني من مياه الاستهلاك المنزلي ستبلغ (700) مليون متر مكعب في عام 2000 وإلى نحو (1500) مليون متر مكعب في عام 2020(17).‏
لذا فإن سلوك الإدارة الأمريكية وتوجهاتها في مفاوضات "السلام" كانت تدور في إطار(18):‏
1- تأمين حاجات الكيان الصهيوني الآنية والمستقبلية من المياه لارتباطها العضوي بقضية أمن الكيان الصهيوني.‏
2- إن رسالة الضمانات الأمريكية للكيان الصهيوني في شأن مفاوضات التسوية مع العرب وضعت قضية المياه على رأس لائحة الموضوعات الإقليمية.‏
3- إن السياسة الأمريكية لا تلتفت في تركيزها على موضوع المياه إلى حاجات البلدان العربية غير القريبة من الأحواض الثلاثة الأساسية الرافدين، النيل، الأردن. بل هي لا تهتم بحاجات تلك الدول العربية الواقعة على تخوم هذه الأحواض وتصل نظرتها إلى أكثر من ذلك انحيازاً عندما تدعو لبنان إلى اقتسام مياهه مع الكيان الصهيوني وهي مياه لبنانية منبعاً ومصباً من دون اعتبار لحاجات لبنان للمياه العذبة في الحاضر وفي المستقبل متخذة ذلك شرطاً لتنفيذ قرار الأمم المتحدة (425) للانسحاب من جنوب لبنان وعدم سرقة مياه نهر الليطاني.‏
إن هذا الانحياز الأمريكي الواضح لصالح الكيان الصهيوني لمسألة المياه دفعه ليكون أكثر تمادياً في الاستحواذ على المياه العربية، كما جعل مواقفه في التعامل مع قضية المياه العربية والتفاوض حولها أكثر تصلباً وعناداً. فقد اعترض الكيان الصهيوني خلال المفاوضات المتعددة الأطراف على المياه في فينا 1992 على أي إعادة لتوزيع المياه في المنطقة(19). كما أعلن شمعون بيريز وزير الخارجية الأسبق للكيان الصهيوني في خطاب لـه أمام المجلس الاستشاري للطائفة اليهودية في الولايات المتحدة: : لو اتفقنا على الأرض ولم نتفق على المياه، فقد نكتشف أنه ليس لدينا اتفاق حقيقي(20).‏
ويقول زفتي أورتبنرغ رئيس هيئة مياه بحيرة طبرية في هذا الخصوص أيضاً: أنه إذا ازداد‏
نقص المياه في إسرائيل ولم نستطع التوصل إلى حل المشاكل بالطرق السلمية، فلا بد من حلها بواسطة الحرب(21).‏
ومما يؤكد إصرار الكيان الصهيوني على عدم التخلي عن الأراضي العربية التي سيطر عليها بعد عدوان 1967 هو أهميتها في إمداده بحاجته من المياه. فالكيان الصهيوني يحصل حالياً على 65% من حاجته من المياه بطرق غير مشروعة منها (25% مياه لبنانية). ويشير أحد تقارير الأمم المتحدة إلى أن 67% من استهلاك "إسرائيل" من الماء يأتي من خارج حدود عام 1948 منها 35% من الضفة الغربية والباقي من هضبة الجولان ولبنان(22). انظر خريطة "2".‏
وفي ضوء ما تقدم يتضح لنا بأن الكيان الصهيوني أقام نظريته حول أزمة المياه في الضفة الغربية وقطاع غزة، على عدم التنازل عما اغتصبه من مياههما في السابق بل سيعمد وبكل السبل إلى توفير المياه من مصادر أخرى له. ويهدف الكيان الصهيوني من وراء ذلك إلى خلق انطباع بأن مشكلة عدم كفاية موارد المياه ليست مشكلة كيانه فقط بل هي مشكلة الإقليم بشكل عام، ومن هنا بدأ التفكير بحلول إقليمية لـ "مشكلة المياه" بدعم أمريكي ليجد مسوغات له في مد ذراعه إلى مياه نهر الفرات ونهر النيل إضافة إلى مياه نهر الأردن والليطاني.‏
2- حوض نهر الفرات:‏
تحتل تركيا موقعاً مهماً في التخطيط الاستراتيجي الأمريكي في الشرق الأوسط، فتركيا عضو في منطقة حلف شمالي الأطلسي، وهي الدولة الشرق أوسطية الوحيدة التي لها حدود مشتركة مع الاتحاد السوفيتي السابق، وتوجد فيها قواعد عسكرية عديدة للولايات المتحدة الأمريكية.‏
كما أن موقع تركيا الجغرافي السياسي المهم فيما يتعلق بالعراق وسوريا وإيران يساعد في الإبقاء على أهميتها الاستراتيجية بالنسبة إلى الولايات المتحدة. إضافة لما تتمتع به تركيا من ميزات كثيرة، فهي ذات مساحة واسعة وغنية بالموارد مع وجود مناطق خصبة فيها، وفائض من المخزون المائي، ولدى تركيا الإمكانيات‏



الخريطة رقم "2"‏
منطقة تحويل مياه الليطاني إلى حوض الأردن- ومنشآت تحويل ممكنة‏

2‏


لكي تصبح لاعباً مهماً في الشرق الأوسط، ولكن على الرغم من تلك المزايا، فإن توجه تركيا غير واضح، كما أن نجاحها في المستقبل غير مضمون(23).‏
ولأن الماء بات أغلى من النفط فإن تركيا تستعجل الخطى لبناء إمبراطورية المياه وربط دول المشرق العربي بكنفدرالية اقتصادية، حيث تعمل تركيا على الإفادة من التحولات الإقليمية والدولية التي جاءت لصالح المعسكر الأمريكي، ومن المرجح أن تلعب دوراً جيوبو ليتيكيا فاعلاً في محاولة منها لأن تكون القوة الإقليمية الأولى في المنطقة(24).‏
لقد استثمرت الولايات المتحدة هذا التوجه والرغبة لدى تركيا، فقدمت لها الدعم المادي والمعنوي للاستحواذ على مياه نهر الفرات لتشكل من خلال ذلك ضغطاً مباشراً على كل من العراق وسوريا.‏
كما أن محاولة تركيا البحث عن دور لها في ترتيبات النظام الإقليمي الجديد الذي تخطط له الإدارة الأمريكية وتسعى إلى فرضه على بلدان المنطقة أدى إلى اندماج الحكومة التركية في سيناريوهات ومؤتمرات المياه المنبثقة عن مؤتمر مدريد.‏
وفي هذه السياسة تجد تركيا الرضا الأمريكي ما دامت هي عامل إضعاف وتهديد للعراق وللعرب(25).‏
وحاولت الأوساط السياسية والإعلامية الغربية وخاصة الأمريكية تسويق دور تركيا في المنطقة من خلال المشروع التركي المسمى "أنابيب السلام" الذي اقترحه الرئيس التركي الراحل توركوت أوزال عام 1987 لنقل مياه نهري سيحون وجيحون إلى بعض الدول العربية والكيان الصهيوني كمساهمة من تركيا لحل مشاكل المياه في المنطقة(26). وكانت الشركة الأمريكية "براون اندروت Brown and Root Anternational Co قد أعدت الدراسة الأولية للمشروع عام 1986 وخلصت إلى جدوى المشروع فنياً واقتصادياً(27).‏
إن فكرة نقل المياه وبيعها فكرة لا سابق لها في تاريخ العلاقات المائية الدولية فلا توجد أية معاهدة ثنائية أو متعددة الأطراف بهذا المعنى ولا أية ممارسة عملية ولا حتى أية مطالبة رسمية، بممارسة حق البيع(28).‏
لقد كانت الولايات المتحدة الأمريكية على رأس الذين قدموا الدعم الكبير لتركيا لتنفيذ المشاريع في جنوب شرق الأناضول (الكاب Gap) رغم الاعتراضات المتكررة لكل من العراق وسوريا؛ فقد بلغ الدعم المالي الأمريكي لتركيا لتنفيذ مشروع جنوب شرق الأناضول (112.097) مليون دولار أمريكي، وإذا ما أضفنا لهذا الدعم حصة الكيان الصهيوني البالغة (43.000) مليون دولار أمريكي، وحصة البنك الدولي للإعمار والتنمية الخاضع للإدارة الأمريكية وضغوطها (929.200) مليون دولار أمريكي، فيكون إجمالي هذا الدعم (1084.497) مليون دولار أمريكي(29).‏
ناهيك عن الدعم الأوربي لهذا المشروع أيضاً.‏
إن الإدارة الأمريكية تدرك بعمق المخاطر التي تسفر عن تنفيذ هذا المشروع التركي الضخم والتي ستصيب أضراره بشكل مباشر كلاً من العراق وسوريا. فقد أكد الخبير الأمريكي توماس ناف أنه:‏
إذا ما استخدمت تركيا كل كميات المياه التي تخطط لاستخدامها فإن تدفق المياه إلى سوريا سيقل بمقدار 40%، وبعد أن تحصل سوريا وتركيا على كل ما تحتاجان إليه، فإن التدفق المائي إلى العراق سيزداد ملوحة وشحة إلى درجة تكفي بالكاد لغمر قاع النهر، وهي كمية تعادل ما بين ثمن وربع ما يتلقاه الآن(30).‏
ومن الجدير بالذكر هنا، التأكيد على حقيقة مفادها أنه حتى لو اكتملت مشاريع الري التركية فإنها بحاجة إلى دعم مالي أكبر لاستمرار برنامجها المكثف فهي تحتاج إلى: تخصيص ملايين الدولارات يومياً حتى تحافظ على استمراريتها. وهذه المبالغ الضخمة من النقد الأجنبي لا تتوافر بسهولة لدى تركيا مما سيدفعها إلى الاقتراض الواسع من الخارج، وهو أمر صعب وغالباً ما يتم تأجيله، وقد اضطرت السلطات التركية إلى طلب إعادة جدولة تكلفة ديونها الخارجية من التزامات قصيرة الأجل إلى التزامات متوسطة الأجل(31).‏
ولعلَّ هذا التوجه التركي في إدامة برنامج مشروع جنوب شرق الأناضول سيحمل تركيا على الخضوع إلى ضغوطات مالية وسياسية شديدة من قبل الإدارة الأمريكية وحلفائها لدفعها إلى اتخاذ مواقف تخدم الأهداف الإمبريالية في منطقة المشرق العربي بشكل خاص.‏
ولبيان مدى التأثير الأمريكي في استخدام المياه كسلاح للضغط على الدول العربية، فقد تحدثت بعض التقارير الصحفية في الولايات المتحدة الأمريكية في تشرين ثاني 1990 إن واشنطن اقترحت على تركيا قطع مياه دجلة والفرات عن العراق واستخدام المياه كسلاح سياسي لإجبار العراق على الانسحاب من الكويت(32).‏
كما كان الجهد الأمريكي واضحاً في التأثير على السياسة التركية في تقديم الدعم للكيان الصهيوني في عمليات التسوية واستخدام المياه كوسيلة ضغط لتحقيق هذا الهدف.‏
لقد تميزت تركيا بمحاولة إيجاد توازن في علاقاتها بين العرب والكيان الصهيوني مشكلة بذلك مظلة لتمرير مشاريع التسوية الأمريكية المرسومة لمنطقة المشرق العربي، وفي هذا السياق يمكن رصد ثلاثة اتجاهات في خطة التسوية الأمريكية تتلخص في(33):‏
1- بضمان وجود "إسرائيل في مجال حيوي هجومي من أبرز معالمه التحكم بمصادر المياه.‏
2- تطبيع العلاقات العربية "الإسرائيلية".‏
3- ممارسة هيمنة إقليمية (تركية- إسرائيلية) على العرب ترتبط بشكل دقيق بالولايات المتحدة.‏
ويأتي التعاون التركي- الإسرائيلي على صعيد المشاريع المائية لخلق أرضية قوية تمكّن تركيا من مدّ الكيان الصهيوني بالمياه بواسطة مستوعبات ضخمة لمياه الشرب(34). إضافة لما تهدف إليه جميع مشاريع نقل المياه المقترحة من " أنانبيب السلام التركي" إلى المشروع الصهيوني "قناة السلام" إلى "النقل بالحاويات"(35)، لتجهيز الكيان الصهيوني بحاجاته من المياه، وربط هذا الكيان بفكرة التعاون الإقليمي التي طرحت تحت عنوان "الشرق أوسطية".‏
إن جميع هذه المشاريع تشكل في حقيقتها قمة التآمر على الأمن القومي العربي، لذا نجد أن الولايات المتحدة الأمريكية تقف وراءها مساندة للمنظمة الصهيونية الأمريكية، دافعة تركيا لتقديمها نيابة عنها.‏
3- حوض نهر النيل:‏
تمثل أثيوبيا أحد الأهداف الاستراتيجية المهمة للولايات المتحدة الأمريكية، كونها تشكل مصدراً مهماً من مصادر تغذية المياه لنهر النيل، حيث يسهم حوض أنهار هضبة الحبشة بنسبة 85% من مياه نهر النيل، أما الباقي فمصدره حوض البحيرات الاستوائية.‏
ولما كانت مصر والسودان تعتمدان كلياً على مياه نهر النيل لذا فإن أثيوبيا أصبحت ورقة ضغط جيوبوليتيكي تهدد هاتين الدولتين باستمرار. وقد أدركت هذه الحقيقة كل من الإدارة الأمريكية والكيان الصهيوني مما دفعها إلى استخدام "المياه الأثيوبية" أداة للضغط على مصر والسودان كلما اقتضى الأمر ذلك.‏
لقد وجدت الولايات المتحدة الأمريكية في أثيوبيا الأرضية الخصبة لتحقيق أطماعها التوسعية في ثلاثة محاور(36):‏
1- التنكر للاتفاقيات المبرمة بين دول حوض النيل التي تؤكد حقوق مصر والسودان التاريخية بمياه هذا النهر الحيوي، بحجة أن هذه الاتفاقيات تعود إلى عهود الاحتلال السابقة وهي اتفاقيات إذعان غير مشروعة.‏
2- التوسع ببناء السدود على روافد النيل الأزرق بقصد خفض كمية المياه الهابطة إلى السودان ومصر، متبعة الطريقة ذاتها التي تلجأ إليها تركيا حالياً بشأن دجلة والفرات.‏
3- رفض التعاون والتنسيق مع سائر دول حوض النيل، وعدم السماح بإجراء أية رقابة هيدروميترولوجية على روافد النيل الأثيوبية.‏
وفي رأي الباحث أن أثيوبيا لا تحظى بأي سند قانوني يمنحها حق عدم الاعتراف بتلك الاتفاقيات والتخلي عن الالتزام ببنودها، بل إن القوانين والأعراف الدولية تؤكد على الحق التاريخي لكل من السودان ومصر في نهر النيل. كما أن القوانين والأعراف الدولية نفسها تؤكد على ضرورة الأخذ بنظر الاعتبار أحقية دول المصب من المياه في حالة رغبة دول المنبع بإنشاء المشاريع على النهر وروافده. حتى أن موافقة البنك الدولي في نظامه وشروط تقديمه المساعدات لدول المنبع في إنشاء المشاريع على أنهارها، لا تتم إلا بعد حصول موافقات دول المصب عليها.‏
لقد شخص تقرير مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية في واشنطن عام 1988 أزمة حوض نهر النيل بإرجاعها إلى ثلاثة أسباب أساسية(37):‏
1- الاستهلاك المتزايد للماء المرتبط بالنمو السكاني والتوسع الزراعي والصناعي.‏
2- قصور أعمال الصيانة، والتشغيل الخاطئ للمنشآت المائية.‏
3- الافتقار إلى التعاون بين الدول التي تشترك في موارد مشتركة تقع في منطقة محفوفة بالعداوات العرقية والدينية والسياسية.‏
ولكي نحدد أبعاد التدخل الأمريكي في دول حوض النيل والكشف عن الوسائل المستخدمة للضغط على الدول العربية سنتناول المحاور الآتية:‏
1- التعاون الأمريكي- الأثيوبي:‏
يبقى هدف تأمين المياه إلى مصر دائماً أحد ثوابت التوجهات العليا لأي نظام سياسي، كون مصر هي المستفيدة الأولى من نهر النيل، وأن معظم دول الحوض ليست مجتمعات نيلية أي لا تعتمد على مياه النهر. ولذا فقد أصبح صحيحاً كما يقول جمال حمدان: إن من يملك السيطرة على منابع النيل يمكن أن يصيب مصر بالشرق أو الغرق، أي أن النيل –نظرياً- مقتل كامن أو ممكن لمصر(38).‏
في ضوء هذه الحقائق أدركت الإدارة الأمريكية والكيان الصهيوني أن بإمكانهما تهديد مصر بوساطة مياه نهر النيل، وخاصة أن مصر قد تعرضت عبر تاريخها إلى مثل هذه التهديدات من قبل قوى استعمارية خارجية مثل البرتغاليين والإيطاليين والبريطانيين.‏
وفي مرحلة الخمسينات انعكست العلاقات الحميمة التي تجمع الإمبراطور هيلا سيلاسي مع الولايات المتحدة على العلاقات المصرية الأثيوبية، لأن الإدارة كانت تناصب العداء لعبد الناصر ولسياسته القومية العربية(39). مما يشجع أثيوبيا على توسعها الجيوبوليتيكي في القرن الإفريقي، انظر خريطة رقم "3".‏
كما استطاعت أثيوبيا في ظل الدعم الأمريكي عام 1952 أن تقيم اتحاداً فدرالياً مع أريتريا تمهيداً لاحتلالها عسكرياً ثم ضمها إلى الإمبراطورية عام 1962. وحققت أثيوبيا بذلك هدفها الجيوبوليتيكي بوصولها إلى البحر والمياه المفتوحة وخروجها من العزلة البرية، وفي مواجهة الدعم العربي الكبير لثورة الشعب الأرتيري، اندفعت أثيوبيا بتقوية علاقاتها مع الكيان الصهيوني لتحقيق الهدف المشترك لها وهو: كسر الطوق العربي في البحر الأحمر ونزع الصفة القومية عن هذا البحر، لذلك جعلت أثيوبيا شواطئ أرتيريا وجزرها تحت السيطرة الأمريكية والإسرائيلية، كما قدمت لهاتين الدولتين تسهيلات استراتيجية غير محدودة(40).‏
وتطورت العلاقة بين أثيوبيا والكيان الصهيوني أيضاً في عهد منغيستو حيث كان الكيان الصهيوني يهدف إلى استخدام أثيوبيا ورقة ضغط على مصر لإجبارها على تنفيذ المشروع الذي اقترحه السادات (الرئيس المصري الراحل) القاضي بمد قناة "ترعة السلام" من نهر النيل إلى صحراء النقب لتغذيتها بنسبة 1% من حصة مصر في مياه نهر النيل.‏
وبعد سقوط حكم منغيستو أثبتت أحداث القرن الإفريقي أن الولايات المتحدة والكيان الصهيوني تعدان أثيوبيا لدور مركزي إقليمي أكثر أهمية تدور في فلكه دول مجمع البحار (أي الدول المشرفة على مضيق باب المندب) ودول مجمع الأنهار (أي الدول المشرقة على‏

حوض السودان)، وذلك في إطار ترتيبات جيو سياسية من أبرز ملامحها:(41)‏
أ- إنشاء كيانات صغيرة وضعيفة من حول أثيوبيا، وهي أرتيريا (التي أصبحت دولة مستقلة في نيسان 1993) والصومال (الذي يعاني اضطرابات وتمزقاً يهدد وحدته ومصيره) وأوغندا وجنوب السودان (الذي تسعى حركة المنشق جون غارنق إلى إعلانه دولة منفصلة).‏
ب- استخدام أثيوبيا قاعدة أمريكية- إسرائيلية، يسهل من خلالها السيطرة على هذه المنظومة الإقليمية، وبالتالي إحكام الطوق على "المنطقة العربية" عبر محور أثيوبيا – "إسرائيل"- تركيا.‏
جـ- توثيق علاقة هذه المنظومة الأمريكية بالكيان الصهيوني وهذا ما أكده الرئيس الأثيوبي، وقائد قواد الجبهة الثورية الديمقراطية لشعوب أثيوبيا "ملس زيناوي" من أن بلاده تقيم علاقات ودية مع إسرائيل.‏
مهينة بذلك لتاريخ أرتيريا وكفاح شعبها ضد الاستعمار الأثيوبي وحليفته "إسرائيل".‏
2- الدعم الأمريكي للمشاريع الأثيوبية:‏
كانت الإدارة الأمريكية قد أعدت دراسات لحسابات أثيوبيا عندما تدهورت علاقاتها مع مصر عام 1958- 1964، وكان الغرض من ذلك تنبيه عبد الناصر –خلال مرحلة بناء السد العالي- أنها قادرة على أن تصيب منه مقتلاً.‏
ففي هذه الفترة قام المكتب الأمريكي لاستصلاح الأراضي الزراعية بوضع دراسة موسعة لاستصلاح الأراضي على الحدود السودانية الأثيوبية. وتستهدف هذه الدراسة استصلاح (400) ألف هكتار من الأرض وتوليد كمية ضخمة من الكهرباء، وهذه المشاريع إذا ما نفذت كفيلة بخفض تدفقات المياه إلى السودان ومصر بنحو (5) مليار متر مكعب من الماء(42).‏
ويبرز الكيان الصهيوني دوره في هذا المجال لينفذ المشاريع المائية التي سبق أن أعلنت أثيوبيا عزمها على تنفيذها، ويصل عددها إلى (40) مشروعاً مائياً على نهر النيل الأزرق. ويعد السد التخزيني على نهر "فينشيا" أحد أهم روافد النيل الأزرق، والذي يقتطع (25) مليار متر مكعب من المياه(43).‏
لقد أسهم الكيان الصهيوني في دعم أثيوبيا في إنشاء الخزانات على نهر فينشيا الأثيوبي من خلال تدخله في الضغط على البنك الدولي لتمويل المشروع على أن يتولى الفنيون الإسرائيليون وضع الدراسات الفنية والإشراف على التنفيذ(44). ومن الجدير بالذكر أن هذا التمويل للمشروع كان دون إذن الدول المجاورة كما تقتضي اتفاقية مياه النيل.‏
إن الإدارة الأمريكية والصهيونية تحاولان أن تجعلا من السدود الأثيوبية وسيلة ضغط قوية على كل من السودان ومصر من خلال مطالبة أثيوبيا بسحب امتيازات الحق التاريخي التي تتمتع بها مصر في محاولات الإيحاء بالقدرة على التأثير في حصة مصر من المياه، إضافة إلى موقف أثيوبيا الرافض للاتفاقية الموقعة بين مصر والسودان عام 1959 لاقتسام مياه نهر النيل. كل ذلك يجعل التلويح بالمخاطر حالة قائمة تهدد باستمرار كلاً من السودان ومصر بشكل خاص.‏
3- بناء مشروع السد العالي:‏
في عام 1954 بدأ التوجه في بناء السد العالي على نهر النيل لتفادي مشاكل التفاوت في إيرادات نهر النيل. ووافق البنك الدولي على منح مصر قرضاً للبدء في تنفيذ المشروع، كما قدمت أمريكا وبريطانيا وألمانيا معونات للمساهمة في إقامة هذا المشروع الضخم.‏
إلا أن تنفيذ هذا المشروع كان مرهوناً بضغوط سياسية مارستها أمريكا على مصر. فقد كانت مطالب أمريكا تنص على: أن تكون مصر في المعسكر المعادي للاتحاد السوفيتي، وأن على مصر إلغاء صفقة الأسلحة التشيكية عام 1955- 1956، إضافة إلى الصلح مع الكيان الصهيوني، وحين رفضت مصر كل المطالب، أعلن وزير خارجية أمريكا جون فوستر دالس في 19 تموز 1956 سحب العرض الأمريكي لبناء السد العالي.‏
وعندها ردت مصر بتأميم قناة السويس لتوجيه إيرادها لبناء السد العالي. وما كان من بريطانيا وفرنسا والكيان الصهيوني إلا أن وقعوا اتفاقية "سيفر" للقيام بعملية عسكرية لغزو مصر، فكان العدوان الثلاثي على مصر في 31 تشرين أول عام 1956(45).‏
بعد هذا العدوان توقفت المفاوضات مع الدول الغربية الثلاث فتوجهت مصر بطلبها إلى الاتحاد السوفيتي حيث وافق في عام 1956 على تمويل مرحلتي بناء السد. وبعد تنفيذ جميع التصميمات الهندسية اللازمة في عام 1958 تم التوقيع بين مصر والاتحاد السوفيتي على الاتفاقية النهائية لبناء السد(46).‏
وفي التاسع من كانون الثاني 1960 أي بعد ثمانية أعوام من بداية المباحثات حول إنشاء السد، ثم البدء في بناء المرحلة الأولى منه.‏
وفي عام 1964 تم الانتهاء من بناء المرحلة الأولى وتم الشروع في بناء المرحلة الثانية حتى عام 1970 حيث تم الانتهاء من بناء السعد العالي في أسوان(47).‏
لقد كان السد العالي المشروع المستقبلي لمصر لحمايتها من حالة تذبذب مياه نهر النيل ومن مخاطر الجفاف التي من الممكن أن تواجهها مصر. هذه الأهمية العظمى لهذا المشروع الضخم هي التي جعلت الإدارة الأمريكية وحلفائها تقف بوجه تنفيذ هذا المشروع بكل الوسائل والسبل، إلا أن تصميم مصر وإرادتها كانت هي الأقوى في تنفيذ هذا المشروع العلاق.‏
ولبيان الأهمية الاستراتيجية لمشروع السد العالي يتطلب منا ذكر حقيقة: إنه في الفترة 1978- 1987 انخفض متوسط إيراد النيل إلى حوالي (75.6) مليار متر مكعب أي أن الإيراد قد نقص بمعدل (8.3) مليار في السنة خلال الأعوام التسعة الماضية.‏
وقد أمكن تعويض هذا العجز المائي من مخزون السد الحالي، ونتج عن ذلك أيضاً أن انحسر المخزون أمام السد العالي من (125) مليار متر مكعب عام 1980- 1981 إلى حوالي (46) مليار متر مكعب في عام 1986- 1987(48). فكان هذا المشروع العلاق هو المنقذ لمصر من مخاطر العطش المتحقق.‏
4- قضية جنوب السودان:‏
تعد قضية جنوب السودان من القضايا التي تشكل في أهدافها خطراً يهدد وحدة السودان ومستقبله، بسبب التدخل الأمريكي والبريطاني والصهيوني فيها ودعمهم لزعيم حركة التمرد والانفصال (جون غارنغ). كما يلقى دعماً أيضاً من قبل أثيوبيا وأريتريا وكينيا.‏
إن الهدف المركزي للقوى الاستعمارية من دعم حركة التمدد والانفصال في جنوب السودان يكمن في عرقلة مشاريع المياه في هذه المنطقة، والسيطرة على مياه نهر النيل لتهديد كل من مصر والسودان. ومن هنا كان التنسيق الأثيوبي- الإسرائيلي في عهد منغيستو هيلامر يام (الذي أطاح بالإمبراطور هيلا سيلاسي عام 1974) لدعم العقيد المنشق جون غارنغ لفصل جنوب السودان الذي يشكل حوض بحر الجبل (الناظم الأول لنهر النيل) وبذلك تكتمل حلقة المؤامرة بسيطرة أثيوبيا على الشريان الرئيسي وهو النيل الأزرق، وسيطرة المنشق غارنغ على الشريان الآخر وهو بحر الجبل(49).‏
لقد استهدفت حركة التمرد في جنوب السودان مشروعاً إروائياً ضخماً هو مشروع "جونكلي" الذي أسهمت فيه كل من مصر والسودان لاستثمار المياه في جنوب السودان وإيصالها إلى نهر النيل. فقد بلغت تكاليف الإنفاق على المشروع (150) مليون دولار أمريكي وبلغ التعويض المدفوع للشركات الدولية المعنية (17.1) مليون دولار، وقد توقف العمل في حفر القناة عام 1983 بسبب الحرب الأهلية بجنوب السودان، بعد أن بلغ المنجز من المشروع (260) كم من إجمالي (360) كم(50). والحقيقة أن هذا المشروع يعد أنموذجاً لمشروعات التعاون المصرية السودانية الهادفة لزيادة الإيراد المائي كما أنه يؤكد التكامل على المستوى الإقليمي بين شطري السودان: جنوبه وشماله.‏
إن مشروع جونكلي يوفر خلال مرحلتيه حوالي (7.5) مليار متر مكعب من المياه تقسم مناصفة بين مصر والسودان، حيث ستقوم هذه القناة بتمرير حوالي (45) مليون متر مكعب من المياه يومياً من إيراد بحر الجبل تحملها في خط مباشر في بور إلى مصب نهر السوباط
لقد كان للتدخل الأمريكي والصهيوني دوراً في تأجيج الصراع بين الدول الإفريقية من جهة ومصر والسودان من جهة أخرى، كما كان سبباً رئيسياً في رفع نسبة الخسارة في استثمار مشاريع الري بين دول حوض النيل، ولا تغالي إذا ما قلنا إن تأخر بدء الاستفادة من قناة جونكلي لمدة (15) سنة أدى خسارة مصر والسودان حوالي (60) مليار متر مكعب من المياه كانتا ستستفيدان منها مناصفة.‏
وبناء على ما تقدم فإن التحركات الدبلوماسية الأمريكية والصهيونية في منطقة هضبة البحيرات الاستوائية والهضبة الأثيوبية (منابع النيل) يجب النظر إليها بحذر شديد.‏
ثالثاً: الهيمنة الأمريكية على البنك الدولي:‏
يخضع البنك الدولي للسيطرة والهيمنة الدولية وبشكل خاص الولايات المتحدة الأمريكية.‏
فبالرغم من كون البنك الدولي مؤسسة دولية مالية ذات شخصية مستقلة تهدف إلى مساعدة الدول المختلفة في مشروعات التنمية إلا أنه يخضع للتأثيرات الأمريكية والصهيونية في العديد من قراراته.‏
فليس ببعيد مواقفه المتمثلة في امتناعه من تمويل مشروع جنوب شرق الأناضول في تركيا وكذلك تمويل مشروع سد فينيشيا في أثيوبيا بالرغم من عدم موافقة دول الجوار لهذه الدول على إنشاء هذه المشاريع.‏

المتتبع لإصدارات البنك الدولي الحديثة والمتعلقة بموضوع المياه يلاحظ أنها دأبت في الآونة الأخيرة على الترويج لمجموعة من المفاهيم التي تحاول أن تخضع لها دول منطقة الشرق الأوسط ومن ذلك: "تسعير المياه"، إنشاء "بنك المياه" و "بورصة المياه" و "أسواق المياه". ومن الجدير بالذكر أن هذه المفاهيم تتطابق مع العديد من الدراسات الأمريكية التي صدرت مواكبة لهذا الاتجاه أو النهج من البنك الدولي ومؤيدة له. ومن ذلك الدراسة التي أعدتها جامعة هارفارد الأمريكية عن أهمية الوضع الراهن للمياه في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا(52).‏
وبمراجعة هذا النهج المطروح من البنك الدولي وتحليله يمكن الخروج ببعض النتائج الهامة(53):‏
1- إن البنك الدولي بهذه الطروحات أو البدائل التي يعرضها (أسواق المياه، والإدارة المائية، وتسعير المياه...) لا يمكن أن يعد طرفاً محايداً في أزمة المياه حيث يتبنى وجهات نظر بعض الأطراف (كإسرائيل وتركيا) ويهمل الأطراف الأخرى (الدول العربية).‏
2- إن التحول نحو الخصخصة في سلعة حيوية كالمياه، أمر خطير جداً يمكن أن يؤدي إلى اهتزازات اقتصادية واجتماعية وسياسية داخل المجتمعات العربية، الأمر الذي يجب أن نأخذه بحذر شديد.‏
3- إن تسعير المياه وتحويلها إلى سلعة اقتصادية من شأنه أن يشعل الحروب بين دول المنبع ودول المصب، ويهدد الحقوق المكتسبة عبر التاريخ، حيث ستطالب دول المنبع بحقوقها المالية كثمن كل متر مياه يذهب للدول الأخرى.‏
إن العجز المائي الذي تعاني منه دول المنطقة بدرجة أو بأخرى من الممكن إيجاد الحلول المناسبة له، وذلك عن طريق استخدام بدائل مياه غير تقليدية، أما أن تتحول المياه إلى سلعة ضاغطة فهو الأمر الذي لا يمكن قبوله على الإطلاق.‏
ولمواجهة أزمة المياه في المشرق العربي والتدخل الأمريكي والصهيوني فيها، يتطلب منا الرجوع إلى التأكيد على جوهر الأمن المائي العربي لكونه يمثل: حماية الموارد المائية المتاحة من التهديدات الخارجية وضمان استمرارها وحرية استخدامها وفق المتطلبات والأولويات الوطنية والقومية، والقدرة على تطوير هذه المصادر المائية وتنميتها بما يتلاءم مع الاحتياجات المتجددة للمياه في المستقبل المنظور(54).‏
إن الأمن المائي له متطلبات وأهداف يتوجب التأكيد عليها والعمل على تحقيقها، ويمكن ذكرها على النحو الآتي(55):‏
1- التأكيد على أهمية الأمن المائي العربي وعلى المنهجية المتبعة لتنفيذه وفق مخطط قومي شامل.‏
2- تحقيق الأمن المائي العربي يتطلب تضامن الجهود القطرية والقومية.‏
3- الترابط بين الأمن المائي والأمن الغذائي والأمن القومي الشامل.‏

4- تنسيق السياسة المائية مع السياسات السكانية والاجتماعية على المستوى القطري مع استراتيجية الأمن الغذائي القوي.‏
5- وضع سياسة مائية واقعية تكفل ديمومة الموارد المائية.‏
6- تعزيز القدرات الذاتية للمؤسسات المائية القطرية والعربية المشتركة عن طريق تنمية القوى البشرية والكفاءات المتخصصة.‏
7- تنمية الموارد المائية التقليدية وغير التقليدية لمواكبة الطلب المتزايد على المياه، ونقل وتطوير التقنيات المستخدمة في تنمية وإدارة الموارد المائية وتطبيقها على نحو ملائم للوسط العربي.‏
8- تدعيم الهيئات القطرية في مجال التشريع المائي.‏

خاتمة:‏
تشكل تركيا وأثيوبيا والكيان الصهيوني أخطر مثلث يهدد الأمن المائي العربي. ومما يزيد في هذه الخطورة هو الدعم الخارجي لهذه الدول من قبل الولايات المتحدة الأمريكية.‏
ويرجع الدعم الأمريكي للكيان الصهيوني في مسألة المياه إلى مرحلة تاريخية تسبق الوجود الصهيوني في فلسطين عام 1948.‏
وتعدد مسوغات استمرار هذا الدعم إلى أن هذا الوجود مرهون بحاجته إلى المياه لاستقبال المستوطنين الصهاينة وإسكانهم في فلسطين. كما أن هذا الدعم المستمر حفز الكيان الصهيوني على العدوان على العرب عام 1967 واحتلال أراضي عربية جديدة واستثمار مياهها ليضمن بذلك حزاماً أمنياً مائياً، وهذا ما أكده الكيان الصهيوني في مباحثات التسوية من أن التفاوض يكون على الأرض وليس على المياه.‏
كما أدّت الإدارة الأمريكية الدور نفسه في دعم تركيا لرسم دور إقليمي جديد لها (الشرق أوسطية) حيث شجعتها على الاستحواذ على مياه نهر الفرات، بتقديم الدعم المالي والفني لها لبناء مشاريع الري بالرغم من عدم حصول موافقة جيرانها العرب.‏
إضافة إلى ترويجها لمشاريعها المائية المتمثلة بـ "أنابيب السلام" لبيع المياه إلى العرب والكيان الصهيوني، مما شجع الأخير إلى تعاون استراتيجي مع تركيا لدعمها في تحقيق هذه الأفكار.‏
لقد دفع الكيان الصهيوني كل إمكاناته وخبراته الفنية إلى تركيا لتمكينها من تنفيذ مشاريعها الإروائية وخاصة مشروع جنوب شرق الأناضول (GAP) طمعاً منه في استثمار منطقة "غازي عنتاب" المحاذية للحدود التركية- السورية، ليكون بهذا الموقع الجغرافي المتحكم الأول في حصص العراق وسوريا من مياه نهر الفرات.‏

ولم يقتصر الدعم الأمريكي إلى كل من الكيان الصهيوني وتركيا فحسب، بل تعدى ذلك إلى أثيوبيا، كونها طرفاً آخر في مثلث الخطر الذي يهدد الأمن المائي العربي. فأثيوبيا تمد مصر والسودان بنسبة 85% من مياه نهر النيل. وهذه الخاصية دفعت الإدارة الأمريكية لدعم أثيوبيا بالمال والخبرة لإنشاء مشاريعها الإروائية، ودفعت الكيان الصهيوني لبناء علاقات مع أثيوبيا إضافة إلى تقديمه الدعم المالي والخبرة أيضاً، لاستثمار عوامل الضغوط الجيوبوليتيكي الأثيوبي ضد كل من السودان ومصر.‏
وقتل الجهد المشترك للإدارة الأمريكية والكيان الصهيوني أيضاً في دعم حركة التمدد والانفصال في جنوب السودان لعرقلة تنفيذ مشروع جونقلي، وقد أفلحا في ذلك، إضافة إلى تأثيرهما المباشر على دول البحيرات الاستوائية ودفعها لاستثمار مياه نهر النيل في مشاريع جديدة مستهدفة من ذلك تقليل حصة مصر والسودان من مياه نهر النيل.‏
ولم تكتفِ الإدارة الأمريكية والصهيونية في حربها المائية المعلنة على الحق العربي في مياهه، بل حاولتا من خلال هيمنتها وتأثيرها على البنك الدولي من منع هذه المؤسسة المالية الدولية من تقديم الدعم المالي للعرب لبناء مشاريعهم التنموية. بل والأخطر من ذلك تلك الطروحات التي أطلقها البنك الدولي بشأن المياه والتي جاءت متطابقة مع توجهات الإدارة الأمريكية والكيان الصهيوني لتهديد الأمن المائي العربي.‏
وختاماً يمكن القول أنه ليس من خيار أمام العرب، إلا مواجهة هذه التحديات الخطرة، باستخدام كل الإمكانات لديهم وتوظيفها لتحقيق أهداف الأمن المائي العربي قبل فوات الأوان.‏

 
رد: المياه في الوطن العربي

لابد لنا من الحفاظ على المياه
 
خاتمة:‏

تشكل تركيا وأثيوبيا والكيان الصهيوني أخطر مثلث يهدد الأمن المائي العربي. ومما يزيد في هذه الخطورة هو الدعم الخارجي لهذه الدول من قبل الولايات المتحدة الأمريكية.‏
ويرجع الدعم الأمريكي للكيان الصهيوني في مسألة المياه إلى مرحلة تاريخية تسبق الوجود الصهيوني في فلسطين عام 1948.‏
وتعدد مسوغات استمرار هذا الدعم إلى أن هذا الوجود مرهون بحاجته إلى المياه لاستقبال المستوطنين الصهاينة وإسكانهم في فلسطين. كما أن هذا الدعم المستمر حفز الكيان الصهيوني على العدوان على العرب عام 1967 واحتلال أراضي عربية جديدة واستثمار مياهها ليضمن بذلك حزاماً أمنياً مائياً، وهذا ما أكده الكيان الصهيوني في مباحثات التسوية من أن التفاوض يكون على الأرض وليس على المياه.‏

كما أدّت الإدارة الأمريكية الدور نفسه في دعم تركيا لرسم دور إقليمي جديد لها (الشرق أوسطية) حيث شجعتها على الاستحواذ على مياه نهر الفرات، بتقديم الدعم المالي والفني لها لبناء مشاريع الري بالرغم من عدم حصول موافقة جيرانها العرب.‏
إضافة إلى ترويجها لمشاريعها المائية المتمثلة بـ "أنابيب السلام" لبيع المياه إلى العرب والكيان الصهيوني، مما شجع الأخير إلى تعاون استراتيجي مع تركيا لدعمها في تحقيق هذه الأفكار.‏

لقد دفع الكيان الصهيوني كل إمكاناته وخبراته الفنية إلى تركيا لتمكينها من تنفيذ مشاريعها الإروائية وخاصة مشروع جنوب شرق الأناضول (GAP) طمعاً منه في استثمار منطقة "غازي عنتاب" المحاذية للحدود التركية- السورية، ليكون بهذا الموقع الجغرافي المتحكم الأول في حصص العراق وسوريا من مياه نهر الفرات.‏

ولم يقتصر الدعم الأمريكي إلى كل من الكيان الصهيوني وتركيا فحسب، بل تعدى ذلك إلى أثيوبيا، كونها طرفاً آخر في مثلث الخطر الذي يهدد الأمن المائي العربي. فأثيوبيا تمد مصر والسودان بنسبة 85% من مياه نهر النيل. وهذه الخاصية دفعت الإدارة الأمريكية لدعم أثيوبيا بالمال والخبرة لإنشاء مشاريعها الإروائية، ودفعت الكيان الصهيوني لبناء علاقات مع أثيوبيا إضافة إلى تقديمه الدعم المالي والخبرة أيضاً، لاستثمار عوامل الضغوط الجيوبوليتيكي الأثيوبي ضد كل من السودان ومصر.‏

وقتل الجهد المشترك للإدارة الأمريكية والكيان الصهيوني أيضاً في دعم حركة التمدد والانفصال في جنوب السودان لعرقلة تنفيذ مشروع جونقلي، وقد أفلحا في ذلك، إضافة إلى تأثيرهما المباشر على دول البحيرات الاستوائية ودفعها لاستثمار مياه نهر النيل في مشاريع جديدة مستهدفة من ذلك تقليل حصة مصر والسودان من مياه نهر النيل.‏

ولم تكتفِ الإدارة الأمريكية والصهيونية في حربها المائية المعلنة على الحق العربي في مياهه، بل حاولتا من خلال هيمنتها وتأثيرها على البنك الدولي من منع هذه المؤسسة المالية الدولية من تقديم الدعم المالي للعرب لبناء مشاريعهم التنموية. بل والأخطر من ذلك تلك الطروحات التي أطلقها البنك الدولي بشأن المياه والتي جاءت متطابقة مع توجهات الإدارة الأمريكية والكيان الصهيوني لتهديد الأمن المائي العربي.‏

وختاماً يمكن القول أنه ليس من خيار أمام العرب، إلا مواجهة هذه التحديات الخطرة، باستخدام كل الإمكانات لديهم وتوظيفها لتحقيق أهداف الأمن المائي العربي قبل فوات الأوان.‏
 
1616880413194.png



اخر مشاركة

١٧ مارس

:O_0:
 
روسيا وافريقيا فيها فائض ماء ليش ما ينقلونه علينا بخطوط مثل خطوط التاب لاين ؟
 
عودة
أعلى