اعتماد الرميكية وضياع مملكة اشبيلية*
اعتماد الرميكية لمن لا يعلم هي زوجة أمير مملكة اشبيلية "المعتمد بن عباد"، وكانت مملكة اشبيلية هي أكبر ممالك الأندلس في عصر ملوك الطوائف وأكثرها ثراءً واتساعاً، وكانت في الأصل جارية لرميك بن حجاج فنسبت إليه، واستطاعت اعتماد أن تجذب نظر المعتمد إليها يوم أن أجازت شطر بيت له عجز عن إجازته ابن عمار شاعر الأندلس المشهور، فأفحمته وكانت وقتها تغسل ثياب سيدتها علي شاطئ النهر الكبير في اشبيلية، فانبهر المعتمد بحسنها وذكائها، فاشتراها من سيدها وأعتقها من ذل الرق والعبودية، ثم تزوجها ورفع من شأنها وأجلسها بجواره على عرش مملكة اشبيلية، ومن شدة غرامه وعشقه لها غير من لقبه الملوكي واشتقه من اسمها، فقد كان لقبه قبل أن يتزوجها "الفائز بالله" فلما تزوجها وهام بها عشقاً غير لقبه واشتقه من حروف اسمها وجعله "المعتمد على الله" ليكون المعتمد وزوجته اعتماد.ومع الأيام صارت هي الآمرة الناهية في قصر اشبيلية، وكان لسمو مكانتها وتمكن نفوذها يطلق عليها لقب "السيدة الكبرى" تماماً مثل السيدات الأوليات في هذا الزمان وما أكثرهن!
كانت اعتماد أديبة شديدة البراعة في نظم الشعار مولعة بعقد مجالس الشعر والأدب تبرز للرجال وتجالسهم في هذا المضمار، وكانت مشهورة بالبذخ الشديد والإنفاق على مجالس اللهو والعبث الفارغ، ولها في ذلك أخبار ونوادر شهيرة، منها "يوم الطين"
فقد رأت بعض نساء البادية باشبيلية يبعن اللبن في القرَب وهنّ ماشيات في الطين، فاشتهت أن تفعل فعلهنّ، فأمر المعتمد بالعنبر والمسك والكافور وماء الورد، وصيّرها جميعاً طيناً في قصره وجعل لها قِرَباً وحِبالاً من إبريسم، فخاضت هي وبناتها وجواريها في ذلك الطين، وقد أنفق المعتمد الأحمق على هذا اللهو عشرين ألف دينار ذهبي.
أثر اعتماد على زوجها كان بالغ الخطر، وعظيم الضرر، ذلك أن المعتمد قد غلبه عشقها، وأسره هواها، فصار لا يقطع أمرا دونها، ولا يخطو خطوة إلا برأيها، فكانت غالب قراراته وخطواته بإشارة منها واسترضاء لها، وقد ضجر أهل اشبيلية من تدخلاتها وأثرها السيئ على ملكهم، خاصة وأنها قد ورطته في الخلاعة والمجون ومجالس البطالة واللذة، وغلب على أحوال المعتمد الاستهتار والمجاهرة بالمعاصي وتعطيل الصلوات وهجر الجمع والجماعات، ثم بلغ الأمر مداه بتدخلها في محالفة الأسبان الصليبيين ضد مملكة المرابطين وملكها البطل العظيم "يوسف بن تاشفين" فعندها ضج أهل اشبيلية وقرطبة من تصرفات ملكهم الطائش وزوجته المستهترة، فكتبوا إلى "يوسف بن تاشفين" يطلبون منه نجدة الأندلس قبل السقوط بيد الأسبان الصليبيين.
استجاب المرابطون لنداء مسلمي الأندلس وعبرت جيوشهم البحر، وأسقطوا ملك "المعتمد بن عباد" وأخذوه أسيرا هو وزوجته "اعتماد الرميكية" وانتزعوها من العز والقصر المنيف في اشبيلية، وحملوا إلى بلاد المغرب، ليتم سجنهم بتهمة الخيانة العظمي للإسلام والمسلمين في سجن أغمات على بعد أربعين كيلومتر من جنوب شرقي مراكش، وعادت اعتماد كما بدأت، عادت إلى الذل والفقر والملابس الخشنة وشظف العيش، فلا قصور ولا ضياع ولا مجالس لهو وخمر وشعر ومجون، بل بيت صغير بجدران صخرية، ونفقة ضئيلة لا تكفي لعول فرد واحد، وانزوت أيام عزها، وولت ليالي سيدة اشبيلية الكبرى أو الأولى، فلم تحتمل إلا قليلاً فذبل حسنها وانطفأ بريقها وضاع بهاؤها، وماتت ودفنت في قبر متواضع في أغمات، وصارت عبرة للأوليين والأخريين.
مقتطعة من مقالة لشريف عبدالعزيز
كانت اعتماد أديبة شديدة البراعة في نظم الشعار مولعة بعقد مجالس الشعر والأدب تبرز للرجال وتجالسهم في هذا المضمار، وكانت مشهورة بالبذخ الشديد والإنفاق على مجالس اللهو والعبث الفارغ، ولها في ذلك أخبار ونوادر شهيرة، منها "يوم الطين"
فقد رأت بعض نساء البادية باشبيلية يبعن اللبن في القرَب وهنّ ماشيات في الطين، فاشتهت أن تفعل فعلهنّ، فأمر المعتمد بالعنبر والمسك والكافور وماء الورد، وصيّرها جميعاً طيناً في قصره وجعل لها قِرَباً وحِبالاً من إبريسم، فخاضت هي وبناتها وجواريها في ذلك الطين، وقد أنفق المعتمد الأحمق على هذا اللهو عشرين ألف دينار ذهبي.
أثر اعتماد على زوجها كان بالغ الخطر، وعظيم الضرر، ذلك أن المعتمد قد غلبه عشقها، وأسره هواها، فصار لا يقطع أمرا دونها، ولا يخطو خطوة إلا برأيها، فكانت غالب قراراته وخطواته بإشارة منها واسترضاء لها، وقد ضجر أهل اشبيلية من تدخلاتها وأثرها السيئ على ملكهم، خاصة وأنها قد ورطته في الخلاعة والمجون ومجالس البطالة واللذة، وغلب على أحوال المعتمد الاستهتار والمجاهرة بالمعاصي وتعطيل الصلوات وهجر الجمع والجماعات، ثم بلغ الأمر مداه بتدخلها في محالفة الأسبان الصليبيين ضد مملكة المرابطين وملكها البطل العظيم "يوسف بن تاشفين" فعندها ضج أهل اشبيلية وقرطبة من تصرفات ملكهم الطائش وزوجته المستهترة، فكتبوا إلى "يوسف بن تاشفين" يطلبون منه نجدة الأندلس قبل السقوط بيد الأسبان الصليبيين.
استجاب المرابطون لنداء مسلمي الأندلس وعبرت جيوشهم البحر، وأسقطوا ملك "المعتمد بن عباد" وأخذوه أسيرا هو وزوجته "اعتماد الرميكية" وانتزعوها من العز والقصر المنيف في اشبيلية، وحملوا إلى بلاد المغرب، ليتم سجنهم بتهمة الخيانة العظمي للإسلام والمسلمين في سجن أغمات على بعد أربعين كيلومتر من جنوب شرقي مراكش، وعادت اعتماد كما بدأت، عادت إلى الذل والفقر والملابس الخشنة وشظف العيش، فلا قصور ولا ضياع ولا مجالس لهو وخمر وشعر ومجون، بل بيت صغير بجدران صخرية، ونفقة ضئيلة لا تكفي لعول فرد واحد، وانزوت أيام عزها، وولت ليالي سيدة اشبيلية الكبرى أو الأولى، فلم تحتمل إلا قليلاً فذبل حسنها وانطفأ بريقها وضاع بهاؤها، وماتت ودفنت في قبر متواضع في أغمات، وصارت عبرة للأوليين والأخريين.
مقتطعة من مقالة لشريف عبدالعزيز