--------------------------------------------------------------------------------
أين الحقيقة ..ألا ينتظر هذا التأويل .... ؟؟؟؟
وأين الوثائق والسجلات عن نكسة وهزيمة 1967 .... ؟؟؟؟
موضوع مؤلم .... وتعليلات ... لا تقبل ....
إنه التاريخ ... الذي نملكه ولنا الحق في معرفة خباياه ....
ماذا يتوقع أن بقول شمس بدران .... ؟؟؟؟؟ وغيره .....
مهما نكتب ونبحث ... فلن تكفي الطاقة لكشف جميع الخبايا التي تغطي هذه الأيام المشئومة ...
لقد فشلت القيادة ....
عسكريا .... وقياديا ...
وتتحمل القيادة السياسية نصيبها في المسئولية
....
الوطنية ... لا تعني أن ... نغلق أعيننا عن الحقائق ... حبا ... في شخص ما .... ولكنها تحتم علينا مواصلة البحث ... من أجل كرامة هذا الوطن ... التي هي أيضا ... كرامة هذا الشخص ...
....
.........
الرئيس جمال عبدالناصر
د. يحي الشاعر
http://www.elakhbar.org.eg/issues/17199/0403.html
اقتباس:
أربعون عاما علي 5 يونيو: هل أخطر ديجول عبدالناصر بموعد الضربة الإسرائيلية؟
بشهادة شمس بدران:
المشير عامر طلب تنفيذ الخطة الهجومية في أي لحظة
عبدالناصر يقول للطيارين في قاعدة أبوصوير: لن نحارب!
أين كانت المظلة الجوية؟ ولماذا أقيم حفل أنشاص ليلة 4 يونيو؟ في قاعدة أبو صوير 26 مايو 67
الرئيس عبد الناصر مع الطيارين المصريينتقرير يكتبه:
محمد وجدي قنديل
فقد كان عبدالناصر يتلقي معلومات من مصادر مختلفة ولا يبلغ بها احدا ­ومنها معلومة توقع الضربة الأولي يوم الاثنين الخامس من يونيو بالتحديد­ ولذلك اكد علي التحذير من هذه الضربة في اجتماع القيادة يوم الجمعة الثاني من يونيو.. وقد تردد ­من ضمن اقوال الشهود­ أن السفيرعبدالمنعم النجار­ في باريس وقتها­ قد ابلغ الرئيس عبدالناصر بتحذير سري بناء علي اخطار من الرئيس شارل ديجول يقول فيه: أن اسرائيل ستقوم بالهجوم علي مصر في الساعة التاسعة والنصف صباح 5 يونيو اثناء قيام الطيارين المصريين بتناول إفطارهم! وهي معلومة غير مؤكدة. بدليل الاتصال الذي جري بين ديجول وعبد الناصر وأعطي تأكيدا له بأنه لن يبدأ الحرب!
وبنظرة فاحصة علي تفاصيل اجتماع الجمعة 2 يونيو يتبين أن المحور الأساسي فيه ما دار بين الرئيس عبدالناصر وبين الفريق صدقي محمود قائد القوات الجوية.. وحسب شهادته امام لجنة كتابة التاريخ ­والمسجلة بالصوت­ والتي جرت يوم 14 يونيو 76­ وكذا ما قاله في حديث معي­ فإنه يروي: أن ماحدث لم يكن مؤتمرا في القيادة ­كما قيل­ وانما أنا طلبت المشير عبدالحكيم عامر في القيادة قبل المغرب بالتليفون وقال لي: ياصدقي.. اذا كنت فاضي تعالي لنا! وذهبت إليه وكان يصحبني من الذين يعملون معي الرائد طيار حسين عبدالناصر­ شقيق الرئيس­ ودخلت مكتب المشير وكان الجلوس حول مائدة، وكان الحاضرون الفريق انور القاضي رئيس هيئة العمليات واللواء علي عبد الخبير مدير الاركان بالقيادة العليا واللواء محمد احمد صادق مدير المخابرات الحربية وبعد فترة حضر شمس بدران وزير الحربية.. وكان الكلام عاديا وعاما عن أوضاع القوات المصرية في سيناء
عبدالناصر في القيادة
وفوجئنا بأن الرئيس عبدالناصر فتح الباب ودخل الغرفة ووقفنا جميعا وترك المشير عامر له مكانه وجلس الرئيس وبدأ يتكلم عن الاوضاع وبعد ذلك قال:والله انا بأشوف ان احتمال الحرب بقي كبير قوي.. وطرح سؤالا عن موقف القوات العراقية وهل وصلت الجبهة الاردنية أم لأ؟ فأجاب الفريق القاضي: أن القوات العراقية لم تصل وأمامها من 48 ساعة الي 72 ساعة حتي تأخذ مراكزها.. فقال الرئيس: والله لوفاتوا اليومين، ثلاثة دول بهدوء، موقفنا حيتحسن لما توصل القوات العراقية الي الاردن! ومضي قائلا: انا خايف ان الاسرائيليين يضربوا ضربة.. يضربوا لنا الزيتية مثلا­ وهي معامل البترول في السويس­ لحرماننا من الوقود.. ليه لأ؟ علشان كده أنا عاوز كل الخزانات الموجودة تكون مليانة بالكامل ويكون فيها احتياطي ­في كل البلد­ وعاوز تكثيف المدافع المضادة 'الرشاشة'.. فاوضحت ­والكلام لصدقي­ ان التكثيف سوف يكون علي حساب حاجة ثانية لأنه ليس عندي أي احتياطي..
ولكنني سأنفذ وسأكثف المدافع الرشاشة علي الزيتية..!
تلقي الضربة الأولي
وبعدها نظر الرئيس عبدالناصر ناحية الفريق صدقي وقال له: علي فكرة ياصدقي.. انا اتخذت قرار بأنك ما تضربش الضربة الأولي! ولأول مرة يعترض صدقي ويقول: قرار ايه اللي أخدته سيادتك ده..؟ فقال الرئيس بحسم: هو كده.. احنا مش هانضرب الضربة الأولي! وحاول صدقي أن يوضح معني القرار ودارت مناقشة بينه وبين الرئيس وقال: كوني اتلقي الضربة.. انها تشلني عن الحركة 'أو تعطلني'.. وقالها بالانجليزية! وبعدها التفت الرئيس عبدالناصر نحو المشير ثم قال: طيب ياصدقي.. تحب تضرب انت الضربة الأولي وبعد كده تحارب أمريكا واسرائيل؟ وسأله صدقي: هل سيادتك متأكد ان اسرائيل لو وجهت الضربة الأولي حاتكون وحدها برغم المعروف لنا من المخابرات؟ وكان جواب الرئيس: أيوه..! فقال صدقي: المسألة مش قادر أعقلها ولكن اذا كان كده يبقي أمري لله!
وقال الرئيس عبدالناصر بانفعال: عموما الموضوع كله سياسي وسيتم حله سياسيا! ثم انصرف.. وطلب الفريق صدقي من المشير عامر ان يتخذ أوضاعا دفاعية وليس الأوضاع المحددة في الخطة 'فجر' الهجومية، فرفض المشير وطلب منه ان يكون جاهزا لتنفيذها في أي لحظة..! واتفق صدقي مع المشير علي أن اسرائيل يمكن أن تهاجم بطيران منخفض علي مطارات سيناء، ولذلك فإن طائرات سيناء ترجع آخر ضوء غرب القناة وتقوم مع أول ضوء وتأخذ اماكنها في سيناء وبالفعل تم تنفيذ ذلك!
ويبدو أن عبدالناصر كان يتوقع أن تكون الحرب محدودة وعلي اهداف محددة­مثل الزيتية­ بدليل انه طلب من الفريق صدقي أنه يكثف الرشاشات المضادة للطائرات حولها بالاضافة الي ملء جميع خزانات البترول في العمق حتي لا يحدث شلل للمرافق ولحشود القوات المصرية في سيناء والمطارات، ولم يتوقع أن يكون هجوم اسرائيل شاملا بدليل قبوله بأن توجه اسرائيل الضربة الأولي، وبعدها تقوم مصر بالضربة المضادة وبذلك لا تتدخل امريكا في المعركة لان اسرائيل هي البادئة بالعدوان!
الخطة فجر جاهزة
والملاحظ أن المشير عامر لم يكن مقتنعا بتلقي الضربة الأولي من اسرائيل وامتصاصها بدليل انه طلب من الفريق صدقي ان يكون جاهزا لتنفيذ الخطة الهجومية 'فجر' في أي لحظة وان يبقي الطيران المصري مستعدا لتوجيه الضربة الأولي.. ولذلك تم وضع 'مظلة جوية' فوق المطارات والاهداف لمراقبة طلعات الطائرات الاسرائيلية والتصدي لها.. وكانت المخابرات قد ابلغت قيادة القوات الجوية في أواخر عام 66: ان اسرائيل لا يمكن ان تفاجئنا بالطيران المنخفض إلا في مطارات سيناء مثل مطار المليز!
وحسب شهادة شمس بدران وزير الحربية وقتها: في يوم 26 مايو­ أي قبل الحرب بأيام­ قام الرئيس عبدالناصر بزيارة قاعدة أبوصوير الجوية وعقد مؤتمرا مع الطيارين­ وحضره المشير عامر والفريق صدقي­ وكان الحماس يسود الطيارين، ولكن خطاب الرئيس كان يوضح بأننا لن نحارب وكان يميل الي التهدئة.. وأدي ذلك الي هبوط الروح المعنوية وشعر المشيرعامر بحالة الاحباط.. واتجه الي الطيارين ­عقب انتهاء الزيارة­ وقال لهم: لا تخافوا ياولاد.. احنا حنحارب!
فهل كان عبدالناصر يمهد بذلك لقراره بتلقي الضربة الاولي والذي أبلغه لضباط القيادة في اجتماع 2 يونيو؟ وهل كان يعلم ان القوات المصرية غير جاهزة للقيام بالهجوم ضد اسرائيل نظرا لوجود قوات ضاربة في اليمن؟
والملاحظ أن اجتماع القيادة لم يكن الوحيد وانما كانت هناك جلسات تحدث منذ يوم 15 مايو وكان الرئيس عبدالناصر يحرص علي الحضور في المساء الي مكتب المشير والاستماع منه الي الموقف في الجبهة 'سيناء' ومناقشة القادة الذين يتصادف وجودهم مع عامر.. وفي اجتماع 2 يونيو سأل عبدالناصر:
ماذا نخسر من الضربة الأولي؟ ورد صدقي محمود: علي الأقل 30 في المائة! ولكن الذي حدث أن 90 في المائة من الطائرات دمرت في الساعات الاولي من الحرب!
طائرة المشير في الجو
وما يثير التساؤل ويبدو غامضا: لماذا توجه المشير عبدالحكيم عامر بطائرة القيادة رقم 1101 الي جبهة سيناء­ وبالتحديد الي مطار المليز­ صباح الاثنين الخامس من يونيو 67­ حيث كان في انتظاره قادة الجبهة، وفوجيء بهجوم الطائرات الاسرائيلية رغم تحذير الرئيس عبدالناصر وتشديده علي ان الضربة الجوية الأولي ستحدث في ذلك اليوم؟ ولماذا تم ترتيب سفر طاهر يحيي رئيس الوزراء العراقي والوفد العسكري المرافق وبرفقته حسين الشافعي نائب الرئيس الي منطقة القناة وسيناء في نفس الوقت لكي يتفقد أوضاع القوات وبطائرة أخري بينما احتمالات الحرب قائمة، وكان ذلك يستدعي تقييد الدفاع الجوي في القناة وسيناء لتأمين مسار الطائرتين؟ ولماذا تحددت زيارة المشير في هذا اليوم وفي توقيت الضربة الأولي­ حوالي التاسعة صباحا­ وبينما تكون طائرته في الجو في الطريق إلي مطار سيناء؟؟!
كما يبدو من سير الوقائع ان القيادة السياسية والعسكرية لم تكن تتوقع ان يكون الهجوم الاسرائيلي 'الجوي' شاملا علي جميع المطارات، وكان تقدير الرئيس عبدالناصر ان تقتصر الضربة الاولي ضد 'الزيتية' لتدمير منشآت البترول وشل الطاقة ولذلك امر بتكثيف الحماية حولها.. ولذلك لم يأخذ المشير عامر معلومة توقيت الضربة صباح 5 يونيو باهتمام لأنه كان يجهل مصدرها، ولذلك توجه الي الجبهة للاطلاع علي اوضاع القوات المصرية المحتشدة في سيناء والتي اتخذت مواقعها 'الهجومية' علي المحاور الرئيسية في الشمال وفي الوسط­ وكان يصحبه الفريق أنور القاضي رئيس هيئة العمليات والفريق صدقي محمود وشمس بدران وزير الحربية­ والغريب أن احدا منهم لم يتذكر تحذير الرئيس من ان الهجوم الاسرائيلي قد يحدث في ذلك اليوم، خصوصا وانه كانت هناك مظلة جوية من الطائرات المصرية.
المظلة الجوية: أين؟
ولكن قيل: انه لم تكن هناك مظلة جوية في هذا اليوم، وان الهجوم وقع بين الثامنة والنصف والتاسعة صباحا وقت تناول الطيارين طعام الافطار؟ وقيل ايضا: ان السبب هو 'التراخي' في الاستعداد بدليل حفل الترفيه الذي أقيم في قاعدة انشاص مساء 4 يونيو بالتحديد.. ورغم حالة الاستعداد القصوي!
وحسب شهادة الفريق صدقي محمود: أن الطيارين الذين ليس عندهم حالة الاستعداد يتناولون بالفعل افطارهم بين الثامنة والتاسعة صباحا.. اما الطيارون المربوطون في طائراتهم للاقلاع في أي لحظة­طبقا لحالة الاستعداد­ فانهم يتناولون افطارهم في فترة الاستراحة عندما يقومون بالتبديل مع زملائهم.. والدليل علي ذلك انه حينما حدثت الضربة الاولي ­صباح 5 يونيو­ انطلقت من قاعدة انشاص حالة الاستعداد الاولي وعددها اربع طائرات وتلاها حالة الاستعداد الثانية بعد ثلاث دقائق بأربع طائرات أخري، وكان قائد اللواء الجوي سامي فؤاد هو الذي قام بالطلعة الاولي­ ولم يكن يتناول افطاره او مسترخيا­ وأسقط طائرة إسرائيلية ثم استشهد!
ضربات طوق الحمامة
واتوقف أمام ما قاله الجنرال موردخاي هود قائد الطيران الاسرائيلي وقتها: لقد كنا واثقين من نتائج العمليات والخطة الموضوعة للضربة الجوية ­واسمها السري 'طوق الحمامة'­اشارة الي استمرار الضربات الجوية عقب الضربة الاولي وبشكل لا يسمح للطيران المصري بامتصاص آثار الضربة وبصورة تشبه الطوق الابيض المحيط برقبة الحمامة!
وقد اكد الفريق صدقي محمود علي ذلك وقال: انهم قاموا بذلك ولكنه لم يتم بقوة اسرائيل وحدها وليس بواسطة عدد طائراتهم المعروفة لنا.. فان اعداد الطائرات التي هاجمت قواعدنا في موجات متلاحقة كان كبيرا وبحيث كانت الفترات بين الموجة والاخري قصيرة جدا ­وبدرجة مذهلة­لا تتجاوز خمس دقائق فقط.. وهو ما لا يسمح بعودتها الي المطارات الاسرائيلية لاعادة تموينها بالوقود وشحنها بالقذائف.. وذلك يدل علي اننا لم نحارب اسرائيل وحدها!
ويتبادر السؤال: هل دخلت امريكا علي الخط مع اسرائيل؟ وهل شاركت بطياريها وطائرات عليها علامات اسرائيلية في الضربة الجوية؟
بعد مضي 40 عاما علي مأساة 5 يونيو 1967
من الذي يتحمل المسئولية .. القيادة السياسية أم العسكرية؟'2' بقلم اللواء : جمال حماد
علي علي الرغم من توالي وصول الحشود العسكرية المصرية الضخمة الي سيناء فإن القيادة الإسرائيلية لم تضع في تقديراتها أن مصرتنوي الحرب فعلا وان تحضيراتها في سيناء ليست من باب الخداع أو التهويش إلا بعد أن عبرت الفرقة الرابعة المدرعة قناة السويس ليس فقط بحكم انها كانت اكبر تشكيل مدرع في القوات المسلحة المصرية بل أنها كانت الاحتياطي الاستراتيجي لدي القيادة العليا المصرية 'القيادة العامة فيما بعد' وقد تم وصول وحدات هذه الفرقة الي منطقة تجمعها في 'بير تمادا' مساء يوم 24 مايو .1967
وبالنسبة لأوضاع القوات المسلحة المصرية في مواجهة اسرائيل يتضح أن القيادة العسكرية المصرية قد وقعت في خطأ استراتيجي كبير فقد أشركت كل الاحتياطي التعبوي 'احتياطي الجيش الميداني' والاحتياطي الاستراتيجي للقيادة العليا 'الفرقة الرابعة المدرعة' في صلب النطاقات الدفاعية في سيناء ونتيجة لهذا الخطأ اصبحت قيادة الجيش الميداني عند نشوب الحرب عاجزة عن القيام بأي هجمات مضادة علي المستوي التعبوي 'Main Counter Attack' في حالة اختراق قوات العدو للنطاقات الدفاعية المصرية في سيناء كما اصبحت القيادة العليا ليست عاجزة فقط عن القيام بالضربة المضادة 'Counter Blow' بل اصبحت المنطقة من غرب قناة السويس حتي القاهرة مجردة تماما من اية قوات عسكرية مقاتلة يمكنها التصدي للعدو وصد هجومه في حالة نجاحه في عبور قناة السويس ليمكنه بعد ذلك التقدم صوب العاصمة او الدلتا. ويبدو أن القيادة العسكرية كانت تستهدف من حشد كل ما كان تحت قيادتها من قوات عاملة وقوات احتياطية علي ارض سيناء أن تبث الخوف والهلع في نفوس القيادات الاسرائيلية معتقدة ان حشد اضخم عدد ممكن من التشكيلات والوحدات المصرية سواء كان جنودها مدربين او غير مدربين هو مفتاح النصر والوسيلة الفعالة لقهرالعدو دون ان تدرك ان تجميع كل هذه الحشود الضخمة شرق القناة دون أن يكون لها غرب القناة أي احتياطيات سوف يكون اكبر اغراء للقيادة الاسرائيلية لدخول الحرب علي الفور للقضاء بضربة واحدة علي كل ما تملكه مصر من قوات مقاتلة وهو الامر الذي جري بالفعل في 5 يونيو .1967
القرارات السياسية التي أدت إلي الهزيمة
أصدرت القيادة السياسية العسكرية خلال المرحلة التحضيرية أربعة قرارات سياسية كان لها تأثير خطير علي مجري الأحداث وعلي نتائج الحرب مما سوف يوضح بجلاء اسباب الهزيمة النكراء التي حاقت بالقوات المسلحة المصرية في هذه الحرب وكذا تحديد المسئولية المشتركة للقيادتين السياسية والعسكرية اللتين اندمجتا معا في بوتقة واحدة علي غير المعهود في جميع الانظمة في الدول واستمرت في اصدار القرارات السياسية والعسكرية الخطيرة لحين وقوع الهزيمة الساحقة التي حاقت بمصر والتي لم يحدث لها مثيل في تاريخها. وفيما يلي بيان وتحليل هذه القرارات الاربعة:
اولا: طلب سحب قوات الطواريء الدولية من مواقعها في سيناء وقطاع غزة:
في الاجتماع الطاريء الذي عقده الرئيس عبدالناصر مع المشير عامر مساء يوم 13 مايو في منزل الرئيس بمنشية البكري لبحث الموقف وتداعياته عقب المعلومات الخطيرة التي وصلت عن الحشود الاسرائيلية علي الجبهة السورية فرض موضوع وجود قوات الطواريء الدولية في سيناء نفسه عند دراسة الخطط الواجب اتخاذها لمساندة سوريا وعقب النقاش الذي استمر الي ما بعد منتصف الليل استقر الرأي علي أن تطلب مصر اخلاء قوات الطواريء الدولية لمواقعها علي خط الحدود الدولية مع فلسطين كماكان الوضع عام 1948 وبناء علي ذلك بعث الفريق اول محمد فوزي يوم 16 مايو رسالة الي الجنرال ريكي قائد قوات الطواريء الدولية في مقر قيادته في غزة طلب منه اخلاء القوات الدولية علي الفور لنقاط المراقبة التي يحتلها علي الحدود المصرية مع اسرائيل وكان مطلب مصر كما تضمنته الرسالة تعني ان مصرتطالب بسحب قوات الطواريء التي تحتل نقاط مراقبة مع اسرائيل علي الحدود الدولية فقط ولكنها لا تطالب بسحب القوات الدولية الأخري المتمركزة في قطاع غزة ومنطقة شرم الشيخ.
وسرعان ماجاء رد يوثانت السكرتير العام للأمم المتحدة مخيبا لآمال عبدالناصر عن طريق برقية بعث بهاالسفير محمد عوض القوني مندوب مصر الدائم في الأمم المتحدة عقب لقائه مع يوثانت بناء علي دعوته له وكان فحوي الرد أن عمل قوات الطواريء الدولية هو وحدة لا تتجزأ وان الحكومة المصرية وحدها وليست قيادة قوات المسلحة هي التي تقرر اما سحب هذه القوات بالكامل أو ان تقبل بقاءها بالكامل. وازاء ذلك عقد الرئيس عبدالناصر اجتماعا موسعا في مكتبه حضره المشير عامر والسادة زكريا محيي الدين وانور السادات وعلي صبري ورئيس الوزراء صدقي سليمان ونائبه الدكتور محمود فوزي ومحمود رياض وزير الخارجية واوضح الرئيس ان رأيه هو ان تطورات الموقف بهذه الصورة لم تعد تسمح لمصر الا بطلب واحد وهو طلب السحب الكامل لقوات الطواريء الدولية وهكذا كلف محمود رياض وزير الخارجية بارسال رسالة الي السكرتير العام يوثانت بقرار الحكومة المصرية بانهاء وجود قوات الطواريء الدولية التابعة للأمم المتحدة علي الأراضي المصرية وقطاع غزة وانه يطلب منه اتخاذ الاجراءات اللازمة لسحب هذه القوات في أسرع وقت ممكن.
ثانيا: الدفاع عن قطاع غزة ومنطقة رفح: كان قطاع غزة يمثل مشكلة عسكرية معقدة للقيادة المصرية اذ كان من الصعب الدفاع عنه بحكم طبيعته الجغرافية والاستراتيجية كماكان من المتعذر استعادة القطاع ­في حالة سقوطه­ بهجوم مضاد من اتجاه الحدود المصرية لضيق الارض وعدم ملاءمتها للقوات كي تقوم بعملية الفتح او المناورة فضلا عن تعرض الجنب الأيمن للقوات القائمة بالهجوم المضاد للخطر نظرا لوجود سلسلة من المستعمرات الاسرائيلية علي امتداد القطاع ولهذه العوامل لم يدخل قطاع غزة ضمن الحد الامامي للدفاعات المصرية في سيناء وفقا للخطة 'قاهر' بل اصبح قطاعا منفصلا يتم الدفاع عنه بالموارد الذاتية.
وعندما اصدر المشير عامر ظهر يوم 14 اكتوبر أوامره برفع درجة استعداد القوات المسلحة واتمام حشدها في سيناء اصدرت هيئة العمليات امرها الي قائد قطاع غزة بالدفاع عن القطاع بالموارد الذاتية الموجودة لديه وكانت عبارة عن 2 لواء مشاة ولواء حرس وطني وكتيبة صاعقة وكتيبة فدائيين 'كلها من الفلسطينيين' مع دعمه ببعض الاسلحة المعاونة المخصصة له من قبل في منطقة العريش وكانت مكونة من فصيلة دبابات شيرمان وبعض قطع مدفعية ميدان من عيار 25 رطلا وبعض قطع المدفعية المضادة للدبابات وعدد من الهاونات المتوسطة ويقوم بتشغيلها جميعا اطقم مصرية واصبح قطاع غزة بهذه الصورة منطقة دفاعية مستقلة يفصلها عن اقصي الدفاعات في سيناء نحو 45 كيلو مترا.
وفي مساء يوم 25 مايو حضر الرئيس عبدالناصر مؤتمرا عقده المشير عامر في القيادة العليا للقوات المسلحة بمدينة نصرحضره قادة القوات الثلاث 'البرية والبحرية والجوية' والفريق أول محمد فوزي رئيس الاركان والفريق انور القاضي رئيس هيئة العمليات والفريق صلاح محسن قائد الجيش الميداني واللواء محمد صادق مدير المخابرات الحربية كما حضر المؤتمر كل من السادة زكريا محيي الدين وانور السادات وخلال المناقشات في المؤتمر لفت عبدالناصر انظار الحاضرين الي اهمية قطاع غزة واكد أن سقوطه سوف يؤثر علي هيبة مصر وأن القطاع يعد أضعف نقطة في النظام الدفاعي المصري ومن السهل وقوعه في يد الجيش الاسرائيلي. واوضح عبدالناصر أن فكرة وضع القوة الخفيفة رقم 1 بقيادة سعد الشاذلي ما بين رفح والشيخ زويد لن تؤثر علي نوايا اسرائيل في الهجوم علي قطاع غزة، ونتيجة لهذه العوامل ركز عبدالناصر علي ضرورة الاحتفاظ بقطاع غزة لماله من اهمية سياسية ومعنوية بالنسبة للشعب الفلسطيني.
وطالب القيادة العسكرية بتعزيز الدفاع عن القطاع بقوات كافية من حيث الحجم والكفاءة لإجبار اسرائيل علي عدم التفكير في مهاجمة القطاع والاستيلاء عليه ونظرا لأن الحد الامامي للدفاعات المصرية كان يقع غرب رفح بمسافة 38 كيلو مترا 'موقع الريسة والكيلو متر 38' فقد استلزم تنفيذ التوجيهات السياسية التي اصدرها الرئيس ضرورة امتداد خط الدفاعات المصرية شرقا حتي مدينة رفح 'علي بعد 45 كم من العريش' باعتبار ان منطقة رفح حيوية للدفاع عن قطاع غزة من جهة ولربط دفاعات القطاع بالنطاقات الدفاعية في سيناء من جهة أخري.
ومنذ يوم 26 مايو­ اليوم التالي للمؤتمر­ اتخذت الاجراءات لتنفيذ توجيهات الرئيس وقد اتخذ التنفيذ للأسف طابع السرعة والارتجال ومخالفة أبسط المباديء التكتيكية فقد صدرت التعليمات بدفع الفرقة 7 مشاة الي منطقة رفح وهي فرقة شكلت حديثا وسحبت بعض الويتها من فرق اخري وانتزعت من مواقعها المخصصة في الخطة الدفاعية. فقد انتزع اللواء 11 مشاة احد ألوية الفرقة من المواقع الدفاعية التي كان يحتلها في منطقة العريش والذي تدرب علي المهمة المخصصة له بالدفاع عنها وفقا للخطة الاصلية 'قاهر' طوال عام1966 مما جعله يجيدها اجادة تامة وهكذا طلب من اللواء 11 مشاة ان ينشيء علي وجه السرعة دفاعات جديدة في منطقة رفح ويحتلها ضمن دفاعات الفرقة السابعة بينما كلف اللواء 121 احتياط ليحل محله في منطقة العريش برغم ضعف تسليحه وتدريبه وبرغم ان العريش تعتبر مفتاح المحور الشمالي فكانت النتيجة الحتمية فشل كل من اللواءين في تأدية مهمته عند نشوب الحرب.. وكان العنصر المدرع الذي دعمت به الفرقة السابعة هو اللواء 14 المدرع وكان قد تم تكليفه بمهام متعددة أدت الي قيامه بتحركات بعيدة المدي علي طول الجبهة سيرا علي جنازير الدبابات زادت علي 800 كيلو متر قبل أن يشتبك في أي قتال أي انه فقد كفاءته القتالية قبل أن يطلق طلقة واحدة ضد العدو.
ونظرا لعدم ملاءمة الأرض في منطقة رفح للدفاع بحكم انها منطقة مفتوحة ويسهل علي المهاجم اختيار محاورعديدة لشن هجماته ضدها وكلها تؤدي الي منطقة العريش ونظرا لضيق الوقت وعدم امكان القيام بأعمال التجهيز الهندسي اللازمة وبث حقول الالغام بالكثافة المطلوبة لذا اضطرت الفرقة السابعة ووحدات دعمها الي احتلال خط دفاعي غير مجهز في شريط ساحلي ليس له أي عمق دفاعي ودون أن يسمح الوقت لوحدات الفرقة ­كما هو الواجب­ للتدريب علي المهام التي كلفت بها وأدت هذه العوامل الي تمكن قوات المحور الشمالي الاسرائيلي بقيادة الجنرال تال من اختراق المواقع المصرية في رفح دون أية صعوبة يوم 5 يونيو 67 برغم ما ابدته هذه القوات من بسالة وما حاق بها من خسائر فادحة كان من ضمنها استشهاد قائد الفرقة السابعة اللواء عبدالعزيز حسن سليمان ورئيس أركان الفرقة اللواء عبدالوهاب جمال الدين
وفيما يتعلق بقطاع غزة فقد سقط هو الآخر في ايدي القوات الاسرائيلية يوم 5 يونيو وثبت ان وجود الفرقة السابعة في رفح لم يكن له تأثير فعال من جهة الدفاع عن قطاع غزة. وكان لتدخل القيادة السياسية بهذه الصورة في الخطط العسكرية تأثير خطير علي الخطة الدفاعية 'قاهر' وزاد من فقدان توازنها فقد اضطرت القيادة العسكرية في سبيل تنفيذ توجيهات الرئيس الي سحب القوات من تشكيلاتها الاصلية وانتزاعها من مواقعها الدفاعية ومن مهامها التي تدربت عليها من قبل لتحل محلها قوات احتياطية ضعيفة التسليح معدومة التدريب لا تعلم عن مهامها التي أوكلت اليها شيئا ولا دراية لها بالأرض التي تعمل عليها او التي حولها وكانت النتيجة الحتمية تدمير الفرقة السابعة تعيسة الحظ في الساعات الأولي من المعركة.
الحلقة الثالثة غدا
الأخبار تقدم أحدث كتاب عن حرب 1967
'ثعالب طائرة فوق ديمونة'
هل خططت روسيا لحرب 5 يونيو
أم أن إسرائيل وأمريكا يحاولان الايحاء بذلك؟! رسالة نيويورك :
ثناء يوسف
مهما كانت ذكريات 5 يونيه 1967 فان الامر الذي لا يختلف عليه اثنان هو ان هذا اليوم غيٌر تاريخ المنطقة واعاد رسم خريطتها السياسية وخلق مشكلة اقليمية طغت باستمرار علي الاحداث العالمية بل وأدت الي مزيد من الحروب واتفاقيات سلام نجحت أحيانا واخفقت احيانا أخري.
المهم انه لا توجد خطة أو مبادرة سلام طرحت طوال السنوات الماضية وحتي يومنا هذا لا تشير الي هذا التاريخ والعودة لحدود 5 يونيه .1967
وبعد مرور 40 عاما علي هذا التاريخ ظهر هذا الاسبوع في الاسواق الامريكية وبرعاية جامعة يل كتاب يتناول حرب الايام الستة من زاوية جديدة ومنطق لم يتم تناوله من قبل.
والكتاب بعنوان 'ثعالب طائرة فوق ديمونة: المغامرة الروسية اثناء حرب الأيام الستة'.
والكتاب من تأليف المذيع الاسرائيلي جدعون ريميز وزوجته ايزابيلا جيتور الباحثة بمعهد هاري ترومان التابع للجامعة العبرية.
وتدور فكرة الكتاب بصفة اساسية علي محاولة إثبات ان الاتحاد السوفيتي كان وراء اندلاع حرب يونيه وان هدف موسكو كان وقف وتدمير البرنامج النووي الاسرائيلي قبل ان يتطور ويصل الي مرحلة انتاج اسلحة نووية وذلك بعد ان تأكد الروس أن اسرائيل مصممة علي اقتناء سلاح نووي.. واما عن الحشود العربية فقد كانت نتيجة تحريض سوفيتي يستهدف استفزاز اسرائيل وبالتالي يمكن لموسكو ان تقضي علي مفاعل ديمونة.
وقد اوضح المؤلفان أن اندفاعهما نحو هذه الفكرة كان اساسه حديث صحفي لقائد عسكري اوكراني له مصداقيته وكان يعمل في الجيش الروسي في ذلك الوقت اذ قال: ان القيادات العسكرية السوفيتية اصدرت اوامر بتجميع فرقة عسكرية مدربة علي مستوي عال قد يتم انزالها علي شواطيء حيفا.
ويؤكد المؤلفان ان فكرة تدخل الاتحاد السوفيتي في الحرب في 5 يونيه كانت حتي وقت قريب فكرة مجنونة حيث انه علي الرغم من القبول بفكرة قيام موسكو بتقديم معلومات غير صحيحة عن حشود اسرائيلية للهجوم علي سوريا وان هذه الفكرة كانت وراء اندلاع الحرب إلا ان موسكو سعت بعد ذلك علي احتواء الازمة ومنع الحرب بل تعاونت مع واشنطن لوقفها ويتحدث الكتاب عن صعوبة توثيق ما ورد به من احداث بتقديم مستندات وادلة بدعوي ان اغلب الاوامر الروسية كانت تصدر شفويا وربما كان هذا لسبب او لآخر.
ويقوم الكتاب علي اساس البحث في مذكرات وتقارير من عاصروا هذه الحرب ويقول المؤلفان انهما لا يريدان التعرض لما حدث في حرب الايام الستة بصفة عامة بل للدور الروسي الذي كان يعتبر دورا ثانويا الي ان اثبت البحث ان موسكو كان لها دور قوي وفاعل في هذه الحرب.
ويدعي المؤلفان ان الكتاب ليس له هدف سياسي بل هو بداية للمناقشة علي الرغم من طرحه لأسئلة حول ما اذا كان امتلاك اسرائيل لسلاح نووي يعتبر حماية لها في وقت تمتلك فيه دولة مثل ايران سلاحا نوويا.. ودون اجابات صريحة يرد المؤلفان علي كل سؤال بسؤال آخر.
تهديد حقيقي
ويقول الكتاب ان القلق ساد غرفة العمليات بالبيت الابيض عندما طالب الكسي كوسيجين رئيس وزراء الاتحاد السوفيتي وقف غزو اسرائيل لسوريا وهدد بتدخل عسكري سوفيتي قد يؤدي الي مواجهة مسلحة مع الولايات المتحدة وكان ذلك يوم 10 يونية ..1967 ولكن واشنطن علي الرغم من قلقها لم تكن واثقة من جدية التهديد الروسي حيث كانت التقديرات الامريكية تقوم علي ما يلي:
1 تحذير موسكو للقاهرة من قيام اسرائيل بحشد 10 كتائب عسكرية علي الجبهة الشمالية للهجوم علي سوريا ادي الي تصعيد المواجهة وان هذا التحذير قد يكون خطأ تكتيكيا غير مقصود.
2 موسكو لا تريد تصعيد العمليات العدائية وعندما رأت ان الامور قد تدهورت حاولت منع حلفائها العرب من الاندفاع.
3 مساندة موسكو للجانب العربي بالتهديد بتدخل عسكري لم تكن قائمة علي خطة بالمشاركة في الحرب.
ولكن الكتاب يري ان هذه التقديرات وبعد البحث يجب اعادة النظر فيها حيث يؤكد المؤلفان ان تهديد كوسيجين كان تهديدا حقيقيا وان السوفيت كانوا قد أعدوا لانزال بحري بمساعدة القوات الجوية علي شواطيء اسرائيل.. وان التعليمات صدرت بالفعل للقاذفات والقوات بالاستعداد للهجوم بل كان هناك التزام بمشاركة احدث الطائرات الروسية وامهر الطيارين في عمليات تحليق استطلاعية فوق المفاعل النووي الاسرائيلي لاستفزاز الجانب الاسرائيلي.
ويري الكتاب بطبيعة الحال ان فشل الخطة السوفيتية في استفزاز اسرائيل باللجوء الي سلاح غير تقليدي ادي الي قيام موسكو باخفاء اي معلومات عن هذه الخطة.. ويشير الي وجود تقارير لمعلومات اسرائيلية حول هذه الخطة.
وفي إطار تعامل الكتاب مع تاريخ اليهود في الاتحاد السوفيتي يقول الكتاب: ان معاداة السامية في روسيا كانت من الاسباب المباشرة لانتشار الصهيونية بين يهود روسيا.
ولكن هذا لم يمنع روسيا فيما بعد من مساندة قرار التقسيم سعيا وراء مصالحها بل لقد كان تحول السوفييت من اضطهاد الصهيونية في الاتحاد الروسي الي مساندة قيام دولة يهودية سريعا بصورة أذهلت الساسة الاسرائيليين كما يقول الكتاب ويفسر المؤلفان ذلك بأنه كان اجراء تكتيكيا يستهدف اولا ابعاد بريطانيا عن فلسطين.. واطماع روسية في ان يكون لها قاعدة عسكرية علي البحر المتوسط.. في اسرائيل بطبيعة الحال بل لقد وصل الامر كما يقول المؤلفان الي حد قيام ممثل اوكرانيا لدي مجلس الامن بتقديم اقتراح لقيام الاتحاد الروسي باستيعاب اكثر من 500 الف لاجيء فلسطيني في روسيا بوسط آسيا وانشاء منطقة روسية عربية مستقلة هناك.
مظلة روسية
ويتناول الكتاب قلق الاتحاد السوفيتي تجاه سعي اسرائيل لامتلاك السلاح النووي وسعيه لوقف هذا التوجه الذي يري الروس انه كان يتم برعاية مجموعة متشددة من قادة اسرائيل وبتحريض من ألمانيا الغربية التي كانت كما يدعي المؤلفان تتطلع الي وضع يدها علي سلاح نووي.. بل لقد عملت موسكو علي تشجيع مجموعة من يهود اسرائيل لتشكيل لجنة للعمل علي جعل منطقة الشرق الاوسط منطقة خالية من السلاح النووي إلا ان هذه المجموعة التي ينتمي اعضاؤها لتيارات سياسية مختلفة لم تنجز أي شيء بل سرعان ما تم حلها في اعقاب حرب الأيام الستة.
وعلي الرغم من عدم وجود ادلة لتوثيق ما ذكره المؤلفان فانهما اكدا من خلال مذكرات بعض أعضاء المجلس الأعلي للسوفيت ان موسكو كانت تضع البرنامج النووي الاسرائيلي علي رأس قائمة أولوياتها وكانت تريد رد فعل او مواجهة لهذا البرنامج.
ويقول الكتاب ان القاهرة بدأت تهتم بقضية مفاعل ديمونة في عام 1946 بعد ان هدأت عاصفة التعامل مع هذه القضية بعد عام .1961 وان هذا الاهتمام المصري واكب اهتمام موسكو بنفس القضية وقيام السفير الروسي في اسرائيل بابلاغ ابا ايبان عقب توليه وزارة الخارجية ان الاتحاد السوفيتي يعطي لقضية البرنامج النووي الاسرائيلي كل الاهتمام واشار الي ان السلاح النووي خطر علي وجود اسرائيل نفسها.. وردا علي ذلك ووفقا لمحاضر وزارة الخارجية الاسرائيلية نفي ابا ايبان جميع ما يقال عن ذلك بدعوي انه شائعات مفتعلة وانه لا يوجد في المنطقة من يمتلك هذا السلاح.
ويتناول الكتاب تحذير الرئيس عبدالناصر من شن حرب وقائية ضد اسرائيل اذا كانت الاخيرة قد اوشكت علي اقتناء سلاح نووي وقد جاء التحذير المصري في اعقاب قيام جريدة النيويورك تايمز بنشر تقرير بتاريخ 7 يناير 1966 الي قلق المراقبين نتيجة قيام اسرائيل بشراء 30 صاروخ متوسط المدي من فرنسا مما يعطي انطباعا علي ان اسرائيل بصدد تصنيع رؤوس نووية.
ويقول المؤلفان انه علي الرغم من تأكيد التقارير الصحفية واقتناع الامريكيين بأن موسكو رفضت الموافقة علي اعطاء مصر مظلة حماية نووية فان المصادر الروسية اكدت ان مصر حصلت علي الموافقة الروسية بشأن هذه المظلة عندما قام كوسيجين بزيارة مصر في مايو 1966 ويري المؤلفان ان تفاصيل هذا الاتفاق قد اتضحت قبل حرب الأيام الستة عندما قامت موسكو بنشر قواتها البحرية المزودة بالسلاح النووي في البحر المتوسط وفي البحر الاحمر وان هذه العملية لم تكن إلا لردع اسرائيل في حالة اي هجوم نووي علي مصر او سوريا.. ويؤكد الكتاب ان المخابرات الامريكية كانت لا تعرف بما يجري لانشغالها بحرب فيتنام.
ويتناول الكتاب كذلك الاتصالات الروسية السورية كما يذكر ان الاجراءات المصرية التي ادت الي اندلاع الحرب بما في ذلك اخلاء قوة الطواريء الدولية الموجودة في سيناء واغلاق مضيق تيران تمت بايحاء من القوات العسكرية الروسية ووضعت في اطار سياسي اطلق عليه 'خطة جريشكو عامر' نسبة للمارشال الروسي جريشكو والمشير عبدالحكيم عامر.
ويؤكد الكتاب ان الخطة العربية كانت بصفة اساسية صناعة روسية تستهدف استفزاز اسرائيل لشن هجوم يمكن احتواؤه والرد عليه بضربة عربية تؤدي الي تصعيد المعركة ونقلها الي الاراضي الاسرائيلية تمهيدا لضرب المواقع الحيوية بها.. ولكن المؤلفين اوضحا ان هذه الخطة كان بها خطأ واضح حيث انها كانت تمنع الجانب العربي من المبادرة بعمل هجومي مما ادي الي احباط آمال الجيش المصري من المشير عامر حتي اصغر جندي لرغبتهم في محو 'عار هزيمة 1956'.
ويقول الكتاب ان الروس اكدوا علي اهمية الشرعية الدولية في الوقت الذي كان العرب يرون ضرورة تقليل الخطر بالمبادرة بتوجيه الضربة الأولي.
ويري المؤلفان ان تجاهل الدور الروسي في هذه الحرب ليس إلا محاولة لاخفاء دور الاتحاد السوفيتي في اثارة الازمة.
ويقول الكتاب ان خروتشوف الذي لا يمكن ان يتهم بالسذاجة فيما يتعلق بالامور الخاصة بالمجلس الاعلي للسوفييت قد اكد في مذكراته ان موسكو تآمرت لاشعال الازمة وان ذلك تم من خلال تحريض الجانبين المصري والسوري ثم اقتناع القيادة الروسية بمساندة حرب تستهدف تدمير اسرائيل.
ويري المؤلفان ان خطاب برجينيف اثناء اجتماع مجلس السوفييت الاعلي في 12 ديسمبر من عام 1966 الذي تناول فيه السياسة الخارجية الروسية لم يتعرض لمنطقة الشرق الاوسط وان تفادي الاشارة لهذه المنطقة الحيوية يؤكد ان هناك قرارات سرية قد اتخذت بشأنها.
ويذكر الكتاب ان جروميكو وزير الخارجية السوفيتي قد قام بزيارة مفاجئة لمصر في آخر مارس 1967 حيث تم استعراض وضع القوات الدولية الموجودة في سيناء وعملية حصار ايلات ويربط ذلك بتصريحات الرئيس جمال عبدالناصر بشأن وضع القوات الدولية ثم بعد ذلك بتسريح هذه القوات وإغلاق المضايق.
ويتناول الكتاب باستفاضة الاتصالات النشطة فيما بين القيادات السياسية والعسكرية في مصر والاتحاد السوفيتي في الاشهر السابقة لاندلاع الحرب وكذلك تحركات الاسطول الروسي خلال شهر مايو 67 في البحر الابيض المتوسط والتسهيلات البحرية التي منحت له في عدد من الموانيء المصرية.
ويشير المؤلفان الي ان تحركات الأسطول السوفيتي قد ادت الي قيام قائد الاسطول السادس الامريكي الادميرال وليم مارتن الي الاحتجاج في خطاب ألقاه يوم 17 مايو بأن زيادة التواجد البحري السوفيتي في المتوسط يشكل تهديدا للأسطول السادس ويحد من قدرته كقوة ضاربة بحيث اصبح غير قادر علي توجيه أي هجوم ضد الاتحاد السوفيتي.
ويصف الكتاب البحر المتوسط بأنه اصبح اشبه بشارع مزدحم بمرور السفن والغواصات السوفيتية والامريكية في ذلك الوقت ثم يوضح كيف تم اخفاء اي وثيقة تشير الي هذا التواجد السوفيتي الكثيف بعد حرب يونيه. وفي الوقت الذي يؤكد فيه الكتاب تورط الروس في تقديم معلومات غير سليمة بشأن تحرك اسرائيلي للهجوم علي سوريا سعي المؤلفان الي تجاهل التهديدات الاسرائيلية وبعضها تصريحات علنية بل وضعا مثل هذه التهديدات في خانات البيانات البلاغية التي اعلن اشكول رئيس وزراء اسرائيل رفضها.
وقد حرص المؤلفان علي الاشارة الي ان فشل الخطة الروسية نتيجة نكسة يونيه لم تؤد الي عتاب من قدموا الخطة والمعلومات الكاذبة التي ادت الي اندلاع الحرب وذكرا ان عدم عقاب اي مسئول وبصفة خاصة وزير الدفاع جريشكو ومدير الكي.بي.جي اندروبوف انما يرجح الي صلتهما الوثيقة بالرئيس برجينيف وان النتيجة كانت ترقية في اعقاب الفشل مما يعطي انطباعا بأن الرئيس كان علي علم بأن المعلومات كاذبة.
ويدعي المؤلفان ان الرئيس عبدالناصر قد تجاهل تقريرا قدمه الفريق محمد فوزي بعد زيارة سوريا بأنه لا توجد حشود اسرائيلية وانه غير ذلك 'تخاريف روسية' ونقلا عن شخص منشق عن المخابرات الروسية 'ان الرئيس المصري فضل تصديق عملاء الروس علي الاقتناع بتقرير الفريق فوزي'.
وتناول الكتاب كذلك موقف واشنطن من عملية التصعيد وشكوي اسرائيل من ان الاتحاد السوفيتي يقف وراء الاجراءات المصرية من نقل قوات حاشدة الي سيناء وطرد قوات حفظ السلام وإغلاق المضايق.. ويشير المؤلفان بصورة عابرة الي ان واشنطن لم تكن مقتنعة تماما بفكرة قيام موسكو بعملية مساندة وتحريض مصر ونقلا حديثا فيما بين رئيس الموساد وممثل المخابرات الامريكية في اسرائيل حذر فيه الاخير من ان واشنطن ستقف الي جانب مصر اذا اقدمت اسرائيل علي بدء المعركة.. واشار الي ان الولايات المتحدة رفضت الطرح الاسرائيلي بأن الوضع يشكل مواجهة فيما بين موسكو وواشنطن.
زيارة بدران
وتناول الكتاب كذلك زيارة وزير الحربية شمس بدران لموسكو في الفترة من 25 حتي 28 مايو 1967 بتعليمات من الرئيس عبدالناصر وبعد ان اصبح من الواضح ان اسرائيل لم تعد تتحمل الازمة وانها قد تفكر في توجيه الضربة الأولي وهو ما أسعد السوفييت حيث ان هذا يعني ان خطة التحريض قد نجحت.. ويقول المؤلفان وفقا لتقرير عن محادثات بدران ان كوسيجين رفض الموافقة علي قيام مصر بتوجيه ضربة وقائية لاسرائيل.. واوضح للوفد المصري ان مثل هذا سيكون مخالفا لسياسة وموقف روسيا لأنه في حالة قيام مصر بضربة وقائية سيعني اعتبارها دولة معتدية.. وهذا لن يمكن موسكو من مساعدتها.
وأدي ذلك الي ضيق الوفد المصري لأن تعليمات الرئيس عبدالناصر كانت واضحة وهو انه في حالة رفض الاصدقاء الروس المساعدة فان مصر لن يكون لديها الخيار.. وقد كرر بدران طلب مصر مرة ثانية وتلقي نفس الرد وفي اليوم الثالث كان هناك رد من عبدالناصر وهو انه في حالة اصرار موسكو علي الرفض فان مصر لن تهاجم.
ووفقا لما جاء بالكتاب قبل الرئيس الامريكي جونسون بتقرير المخابرات الامريكية الذي اكد ان القوات المصرية في وضع دفاعي وحذر اسرائيل من المبادرة بأي هجوم.. وبعث برسالة عاجلة الي اشكول ارفق بها خطاب التهديد الذي بعث به كوسيجين وطالب اسرائيل بضبط النفس وقال نصا: ان اي عمل احادي من جانب اسرائيل سيكون عملا غير مسئول وسيؤدي الي كارثة.
الهجوم علي ديمونة
يحكي الكتاب نقلا عن جروميكو في مذكراته وبمناسبة قيام اسرائيل في 7 يونيه من عام 1981 بضرب المفاعل النووي العراقي علي الرغم من انه كان في نطاق حماية صواريخ سام السوفيتية ارض جو، انه مازال يذكر جيدا كيف قامت طائرتان من طراز ميج تابعتان لسلاح الطيران المصري في منتصف مايو 67 بعملية استطلاع فوق مفاعل ديمونة وكانت المفاجأة عودة الطائرتين بسلام علي الرغم من صواريخ هوك الامريكية التي تحيط بالمفاعل بل قام الطيران المصري بعملية اخري مماثلة بعد حوالي اسبوع ومرة أخري فشل الدفاع الاسرائيلي في منع العملية الثانية.. وفي وسط الانفعال امر المشير عبدالحكيم عامر بضرب المفاعل ومنشآت اسرائيلية اخري إلا ان الرئيس عبدالناصر ألغي هذا الامر بناء علي تدخل السوفيت.
ويقول جروميكو ان موسكو لم تكن تعرف ان مصر تريد تدمير المنشأة النووية الاسرائيلية وكان هناك اعتقاد لدي السوفييت أن مصر تريد فقط توجيه هجوم مفاجيء وقوي لبعض المنشآت الاسرائيلية المهمة.. ويؤكد جروميكو لو كنا نعرف في ذلك الوقت هدف الهجوم والرغبة في تدمير قدرات اسرائيل النووية لما سعينا الي اقناع عبدالناصر بالعدول عن إصابة الهدف.. ويحاول المؤلفان التأكيد علي ان موسكو كانت علي علم بنوايا الجيش المصري حيث ان الطيران قام بعدة تجارب لقصف مبني مماثل للمفاعل الاسرائيلي تم بناؤه في الصحراء ومثل هذه التدريبات كانت لا تتم بعيدا عن أعين السوفييت.
كما يشير الكتاب الي ان القوات الاسرائيلية استولت بعد حرب الايام الستة علي خرائط الجيش المصري التي توضح الاهداف ومنها مفاعل ديمونة وان كان قد كتب فوقه 'موقع لصواريخ هوك'. وعلي الرغم من محاولات الاشارة الي ان هذه العمليات الاستطلاعية كانت تتم بمعرفة الطيارين الروس فقد اكدت مصادر اسرائيلية عسكرية ان الرادار قد رصد حديث الطيار باللغة العربية مما يؤكد انه مصري.
وقد اكد الكتاب ان حالة المواجهة ادت الي الاسراع بانتاج سلاح نووي اسرائيلي وان اسرائيل كان لديها في ذلك الوقت قنبلتان نوويتان.. وفي اشارة اخري يقول المؤلفان ان فكرة استخدام سلاح نووي اسرائيلي قد نوقشت في ذلك الوقت وقد رفض شيمعون َيريس بعد مرور عدة سنوات ان يعترف بذلك وان كان قد ذكر انه قدم اقتراحا رفض في ذلك الحين .. وقد سعي المؤلفان من خلال الاستشهاد بأقوال شهود غير موثقة الي تأكيد الدور السوفيتي في توريط مصر وسوريا في حرب الأيام الستة.. وقيام موسكو بتقديم تعهدات المساندة والدعم لمصر ثم تراجعها عن هذا التعهد حتي لا تدخل في مواجهة مع الولايات المتحدة.. ومن خلال عدة فصول بالكتاب تطرح صورة الاتحاد السوفيتي وكأنها دولة لا تضع اي اعتبار لحلفائها بل تتجاهل جميع الاعراف الدبلوماسية اي ان الكتاب بصفة عامة هجوم عنيف علي الاتحاد السوفيتي.. إلا ان اكثر ما يلفت النظر هو محاولة المؤلفين إلقاء مسئولية اغراق السفينة الامريكية 'ليبرتي' علي السوفييت حيث ربطا وجود السفينة الامريكية التي كانت موجودة قبالة الشواطيء الاسرائيلية لجمع معلومات عما يدور من معارك بوجود بعض السفن السوفيتية في البحر المتوسط وهي مغالطة كبيرة حيث ان جميع التقارير الامريكية اكدت ان السفينة الامريكية التي اغرقتها اسرائيل هي كارثة وفضيحة.. ومازالت هناك بقايا لهذه القضية حيث قام اهالي ضحايا هذه السفينة مؤخرا بتقديم مساءلة لوزارة الدفاع الامريكية حول ضرورة فتح ملف التحقيق مرة أخري.
وقد اكد عدد من الضباط الذين اصيبوا في هذا الحادث ان القوات الاسرائيلية قد اطلقت عليهم صاروخا ثم قامت بارسال تعزيز جوي لاغراق السفينة علي الرغم من انها كانت ترفع العلم الامريكي.. ويرجع السر الي ان السفينة ليبرتي وما جمعته من معلومات ارسل بعضه بالاقمار الصناعية يوثق جرائم الحرب التي ارتكبتها اسرائيل اثناء حرب الأيام الستة.
الاخبار :
حرصت الاخبار علي عرض مختصر لأحدث الكتب التي صدرت حول معركة 5 يونيو....، ولكن يجب ألا ننسي أن هذه رؤية لكاتبين اسرائيليين يعيشان في أمريكا.
أين الحقيقة ..ألا ينتظر هذا التأويل .... ؟؟؟؟
وأين الوثائق والسجلات عن نكسة وهزيمة 1967 .... ؟؟؟؟
موضوع مؤلم .... وتعليلات ... لا تقبل ....
إنه التاريخ ... الذي نملكه ولنا الحق في معرفة خباياه ....
ماذا يتوقع أن بقول شمس بدران .... ؟؟؟؟؟ وغيره .....
مهما نكتب ونبحث ... فلن تكفي الطاقة لكشف جميع الخبايا التي تغطي هذه الأيام المشئومة ...
لقد فشلت القيادة ....
عسكريا .... وقياديا ...
وتتحمل القيادة السياسية نصيبها في المسئولية
....
الوطنية ... لا تعني أن ... نغلق أعيننا عن الحقائق ... حبا ... في شخص ما .... ولكنها تحتم علينا مواصلة البحث ... من أجل كرامة هذا الوطن ... التي هي أيضا ... كرامة هذا الشخص ...
....
.........
الرئيس جمال عبدالناصر
د. يحي الشاعر
http://www.elakhbar.org.eg/issues/17199/0403.html
اقتباس:
أربعون عاما علي 5 يونيو: هل أخطر ديجول عبدالناصر بموعد الضربة الإسرائيلية؟
بشهادة شمس بدران:
المشير عامر طلب تنفيذ الخطة الهجومية في أي لحظة
عبدالناصر يقول للطيارين في قاعدة أبوصوير: لن نحارب!
أين كانت المظلة الجوية؟ ولماذا أقيم حفل أنشاص ليلة 4 يونيو؟ في قاعدة أبو صوير 26 مايو 67
الرئيس عبد الناصر مع الطيارين المصريينتقرير يكتبه:
محمد وجدي قنديل
فقد كان عبدالناصر يتلقي معلومات من مصادر مختلفة ولا يبلغ بها احدا ­ومنها معلومة توقع الضربة الأولي يوم الاثنين الخامس من يونيو بالتحديد­ ولذلك اكد علي التحذير من هذه الضربة في اجتماع القيادة يوم الجمعة الثاني من يونيو.. وقد تردد ­من ضمن اقوال الشهود­ أن السفيرعبدالمنعم النجار­ في باريس وقتها­ قد ابلغ الرئيس عبدالناصر بتحذير سري بناء علي اخطار من الرئيس شارل ديجول يقول فيه: أن اسرائيل ستقوم بالهجوم علي مصر في الساعة التاسعة والنصف صباح 5 يونيو اثناء قيام الطيارين المصريين بتناول إفطارهم! وهي معلومة غير مؤكدة. بدليل الاتصال الذي جري بين ديجول وعبد الناصر وأعطي تأكيدا له بأنه لن يبدأ الحرب!
وبنظرة فاحصة علي تفاصيل اجتماع الجمعة 2 يونيو يتبين أن المحور الأساسي فيه ما دار بين الرئيس عبدالناصر وبين الفريق صدقي محمود قائد القوات الجوية.. وحسب شهادته امام لجنة كتابة التاريخ ­والمسجلة بالصوت­ والتي جرت يوم 14 يونيو 76­ وكذا ما قاله في حديث معي­ فإنه يروي: أن ماحدث لم يكن مؤتمرا في القيادة ­كما قيل­ وانما أنا طلبت المشير عبدالحكيم عامر في القيادة قبل المغرب بالتليفون وقال لي: ياصدقي.. اذا كنت فاضي تعالي لنا! وذهبت إليه وكان يصحبني من الذين يعملون معي الرائد طيار حسين عبدالناصر­ شقيق الرئيس­ ودخلت مكتب المشير وكان الجلوس حول مائدة، وكان الحاضرون الفريق انور القاضي رئيس هيئة العمليات واللواء علي عبد الخبير مدير الاركان بالقيادة العليا واللواء محمد احمد صادق مدير المخابرات الحربية وبعد فترة حضر شمس بدران وزير الحربية.. وكان الكلام عاديا وعاما عن أوضاع القوات المصرية في سيناء
عبدالناصر في القيادة
وفوجئنا بأن الرئيس عبدالناصر فتح الباب ودخل الغرفة ووقفنا جميعا وترك المشير عامر له مكانه وجلس الرئيس وبدأ يتكلم عن الاوضاع وبعد ذلك قال:والله انا بأشوف ان احتمال الحرب بقي كبير قوي.. وطرح سؤالا عن موقف القوات العراقية وهل وصلت الجبهة الاردنية أم لأ؟ فأجاب الفريق القاضي: أن القوات العراقية لم تصل وأمامها من 48 ساعة الي 72 ساعة حتي تأخذ مراكزها.. فقال الرئيس: والله لوفاتوا اليومين، ثلاثة دول بهدوء، موقفنا حيتحسن لما توصل القوات العراقية الي الاردن! ومضي قائلا: انا خايف ان الاسرائيليين يضربوا ضربة.. يضربوا لنا الزيتية مثلا­ وهي معامل البترول في السويس­ لحرماننا من الوقود.. ليه لأ؟ علشان كده أنا عاوز كل الخزانات الموجودة تكون مليانة بالكامل ويكون فيها احتياطي ­في كل البلد­ وعاوز تكثيف المدافع المضادة 'الرشاشة'.. فاوضحت ­والكلام لصدقي­ ان التكثيف سوف يكون علي حساب حاجة ثانية لأنه ليس عندي أي احتياطي..
ولكنني سأنفذ وسأكثف المدافع الرشاشة علي الزيتية..!
تلقي الضربة الأولي
وبعدها نظر الرئيس عبدالناصر ناحية الفريق صدقي وقال له: علي فكرة ياصدقي.. انا اتخذت قرار بأنك ما تضربش الضربة الأولي! ولأول مرة يعترض صدقي ويقول: قرار ايه اللي أخدته سيادتك ده..؟ فقال الرئيس بحسم: هو كده.. احنا مش هانضرب الضربة الأولي! وحاول صدقي أن يوضح معني القرار ودارت مناقشة بينه وبين الرئيس وقال: كوني اتلقي الضربة.. انها تشلني عن الحركة 'أو تعطلني'.. وقالها بالانجليزية! وبعدها التفت الرئيس عبدالناصر نحو المشير ثم قال: طيب ياصدقي.. تحب تضرب انت الضربة الأولي وبعد كده تحارب أمريكا واسرائيل؟ وسأله صدقي: هل سيادتك متأكد ان اسرائيل لو وجهت الضربة الأولي حاتكون وحدها برغم المعروف لنا من المخابرات؟ وكان جواب الرئيس: أيوه..! فقال صدقي: المسألة مش قادر أعقلها ولكن اذا كان كده يبقي أمري لله!
وقال الرئيس عبدالناصر بانفعال: عموما الموضوع كله سياسي وسيتم حله سياسيا! ثم انصرف.. وطلب الفريق صدقي من المشير عامر ان يتخذ أوضاعا دفاعية وليس الأوضاع المحددة في الخطة 'فجر' الهجومية، فرفض المشير وطلب منه ان يكون جاهزا لتنفيذها في أي لحظة..! واتفق صدقي مع المشير علي أن اسرائيل يمكن أن تهاجم بطيران منخفض علي مطارات سيناء، ولذلك فإن طائرات سيناء ترجع آخر ضوء غرب القناة وتقوم مع أول ضوء وتأخذ اماكنها في سيناء وبالفعل تم تنفيذ ذلك!
ويبدو أن عبدالناصر كان يتوقع أن تكون الحرب محدودة وعلي اهداف محددة­مثل الزيتية­ بدليل انه طلب من الفريق صدقي أنه يكثف الرشاشات المضادة للطائرات حولها بالاضافة الي ملء جميع خزانات البترول في العمق حتي لا يحدث شلل للمرافق ولحشود القوات المصرية في سيناء والمطارات، ولم يتوقع أن يكون هجوم اسرائيل شاملا بدليل قبوله بأن توجه اسرائيل الضربة الأولي، وبعدها تقوم مصر بالضربة المضادة وبذلك لا تتدخل امريكا في المعركة لان اسرائيل هي البادئة بالعدوان!
الخطة فجر جاهزة
والملاحظ أن المشير عامر لم يكن مقتنعا بتلقي الضربة الأولي من اسرائيل وامتصاصها بدليل انه طلب من الفريق صدقي ان يكون جاهزا لتنفيذ الخطة الهجومية 'فجر' في أي لحظة وان يبقي الطيران المصري مستعدا لتوجيه الضربة الأولي.. ولذلك تم وضع 'مظلة جوية' فوق المطارات والاهداف لمراقبة طلعات الطائرات الاسرائيلية والتصدي لها.. وكانت المخابرات قد ابلغت قيادة القوات الجوية في أواخر عام 66: ان اسرائيل لا يمكن ان تفاجئنا بالطيران المنخفض إلا في مطارات سيناء مثل مطار المليز!
وحسب شهادة شمس بدران وزير الحربية وقتها: في يوم 26 مايو­ أي قبل الحرب بأيام­ قام الرئيس عبدالناصر بزيارة قاعدة أبوصوير الجوية وعقد مؤتمرا مع الطيارين­ وحضره المشير عامر والفريق صدقي­ وكان الحماس يسود الطيارين، ولكن خطاب الرئيس كان يوضح بأننا لن نحارب وكان يميل الي التهدئة.. وأدي ذلك الي هبوط الروح المعنوية وشعر المشيرعامر بحالة الاحباط.. واتجه الي الطيارين ­عقب انتهاء الزيارة­ وقال لهم: لا تخافوا ياولاد.. احنا حنحارب!
فهل كان عبدالناصر يمهد بذلك لقراره بتلقي الضربة الاولي والذي أبلغه لضباط القيادة في اجتماع 2 يونيو؟ وهل كان يعلم ان القوات المصرية غير جاهزة للقيام بالهجوم ضد اسرائيل نظرا لوجود قوات ضاربة في اليمن؟
والملاحظ أن اجتماع القيادة لم يكن الوحيد وانما كانت هناك جلسات تحدث منذ يوم 15 مايو وكان الرئيس عبدالناصر يحرص علي الحضور في المساء الي مكتب المشير والاستماع منه الي الموقف في الجبهة 'سيناء' ومناقشة القادة الذين يتصادف وجودهم مع عامر.. وفي اجتماع 2 يونيو سأل عبدالناصر:
ماذا نخسر من الضربة الأولي؟ ورد صدقي محمود: علي الأقل 30 في المائة! ولكن الذي حدث أن 90 في المائة من الطائرات دمرت في الساعات الاولي من الحرب!
طائرة المشير في الجو
وما يثير التساؤل ويبدو غامضا: لماذا توجه المشير عبدالحكيم عامر بطائرة القيادة رقم 1101 الي جبهة سيناء­ وبالتحديد الي مطار المليز­ صباح الاثنين الخامس من يونيو 67­ حيث كان في انتظاره قادة الجبهة، وفوجيء بهجوم الطائرات الاسرائيلية رغم تحذير الرئيس عبدالناصر وتشديده علي ان الضربة الجوية الأولي ستحدث في ذلك اليوم؟ ولماذا تم ترتيب سفر طاهر يحيي رئيس الوزراء العراقي والوفد العسكري المرافق وبرفقته حسين الشافعي نائب الرئيس الي منطقة القناة وسيناء في نفس الوقت لكي يتفقد أوضاع القوات وبطائرة أخري بينما احتمالات الحرب قائمة، وكان ذلك يستدعي تقييد الدفاع الجوي في القناة وسيناء لتأمين مسار الطائرتين؟ ولماذا تحددت زيارة المشير في هذا اليوم وفي توقيت الضربة الأولي­ حوالي التاسعة صباحا­ وبينما تكون طائرته في الجو في الطريق إلي مطار سيناء؟؟!
كما يبدو من سير الوقائع ان القيادة السياسية والعسكرية لم تكن تتوقع ان يكون الهجوم الاسرائيلي 'الجوي' شاملا علي جميع المطارات، وكان تقدير الرئيس عبدالناصر ان تقتصر الضربة الاولي ضد 'الزيتية' لتدمير منشآت البترول وشل الطاقة ولذلك امر بتكثيف الحماية حولها.. ولذلك لم يأخذ المشير عامر معلومة توقيت الضربة صباح 5 يونيو باهتمام لأنه كان يجهل مصدرها، ولذلك توجه الي الجبهة للاطلاع علي اوضاع القوات المصرية المحتشدة في سيناء والتي اتخذت مواقعها 'الهجومية' علي المحاور الرئيسية في الشمال وفي الوسط­ وكان يصحبه الفريق أنور القاضي رئيس هيئة العمليات والفريق صدقي محمود وشمس بدران وزير الحربية­ والغريب أن احدا منهم لم يتذكر تحذير الرئيس من ان الهجوم الاسرائيلي قد يحدث في ذلك اليوم، خصوصا وانه كانت هناك مظلة جوية من الطائرات المصرية.
المظلة الجوية: أين؟
ولكن قيل: انه لم تكن هناك مظلة جوية في هذا اليوم، وان الهجوم وقع بين الثامنة والنصف والتاسعة صباحا وقت تناول الطيارين طعام الافطار؟ وقيل ايضا: ان السبب هو 'التراخي' في الاستعداد بدليل حفل الترفيه الذي أقيم في قاعدة انشاص مساء 4 يونيو بالتحديد.. ورغم حالة الاستعداد القصوي!
وحسب شهادة الفريق صدقي محمود: أن الطيارين الذين ليس عندهم حالة الاستعداد يتناولون بالفعل افطارهم بين الثامنة والتاسعة صباحا.. اما الطيارون المربوطون في طائراتهم للاقلاع في أي لحظة­طبقا لحالة الاستعداد­ فانهم يتناولون افطارهم في فترة الاستراحة عندما يقومون بالتبديل مع زملائهم.. والدليل علي ذلك انه حينما حدثت الضربة الاولي ­صباح 5 يونيو­ انطلقت من قاعدة انشاص حالة الاستعداد الاولي وعددها اربع طائرات وتلاها حالة الاستعداد الثانية بعد ثلاث دقائق بأربع طائرات أخري، وكان قائد اللواء الجوي سامي فؤاد هو الذي قام بالطلعة الاولي­ ولم يكن يتناول افطاره او مسترخيا­ وأسقط طائرة إسرائيلية ثم استشهد!
ضربات طوق الحمامة
واتوقف أمام ما قاله الجنرال موردخاي هود قائد الطيران الاسرائيلي وقتها: لقد كنا واثقين من نتائج العمليات والخطة الموضوعة للضربة الجوية ­واسمها السري 'طوق الحمامة'­اشارة الي استمرار الضربات الجوية عقب الضربة الاولي وبشكل لا يسمح للطيران المصري بامتصاص آثار الضربة وبصورة تشبه الطوق الابيض المحيط برقبة الحمامة!
وقد اكد الفريق صدقي محمود علي ذلك وقال: انهم قاموا بذلك ولكنه لم يتم بقوة اسرائيل وحدها وليس بواسطة عدد طائراتهم المعروفة لنا.. فان اعداد الطائرات التي هاجمت قواعدنا في موجات متلاحقة كان كبيرا وبحيث كانت الفترات بين الموجة والاخري قصيرة جدا ­وبدرجة مذهلة­لا تتجاوز خمس دقائق فقط.. وهو ما لا يسمح بعودتها الي المطارات الاسرائيلية لاعادة تموينها بالوقود وشحنها بالقذائف.. وذلك يدل علي اننا لم نحارب اسرائيل وحدها!
ويتبادر السؤال: هل دخلت امريكا علي الخط مع اسرائيل؟ وهل شاركت بطياريها وطائرات عليها علامات اسرائيلية في الضربة الجوية؟
بعد مضي 40 عاما علي مأساة 5 يونيو 1967
من الذي يتحمل المسئولية .. القيادة السياسية أم العسكرية؟'2' بقلم اللواء : جمال حماد
علي علي الرغم من توالي وصول الحشود العسكرية المصرية الضخمة الي سيناء فإن القيادة الإسرائيلية لم تضع في تقديراتها أن مصرتنوي الحرب فعلا وان تحضيراتها في سيناء ليست من باب الخداع أو التهويش إلا بعد أن عبرت الفرقة الرابعة المدرعة قناة السويس ليس فقط بحكم انها كانت اكبر تشكيل مدرع في القوات المسلحة المصرية بل أنها كانت الاحتياطي الاستراتيجي لدي القيادة العليا المصرية 'القيادة العامة فيما بعد' وقد تم وصول وحدات هذه الفرقة الي منطقة تجمعها في 'بير تمادا' مساء يوم 24 مايو .1967
وبالنسبة لأوضاع القوات المسلحة المصرية في مواجهة اسرائيل يتضح أن القيادة العسكرية المصرية قد وقعت في خطأ استراتيجي كبير فقد أشركت كل الاحتياطي التعبوي 'احتياطي الجيش الميداني' والاحتياطي الاستراتيجي للقيادة العليا 'الفرقة الرابعة المدرعة' في صلب النطاقات الدفاعية في سيناء ونتيجة لهذا الخطأ اصبحت قيادة الجيش الميداني عند نشوب الحرب عاجزة عن القيام بأي هجمات مضادة علي المستوي التعبوي 'Main Counter Attack' في حالة اختراق قوات العدو للنطاقات الدفاعية المصرية في سيناء كما اصبحت القيادة العليا ليست عاجزة فقط عن القيام بالضربة المضادة 'Counter Blow' بل اصبحت المنطقة من غرب قناة السويس حتي القاهرة مجردة تماما من اية قوات عسكرية مقاتلة يمكنها التصدي للعدو وصد هجومه في حالة نجاحه في عبور قناة السويس ليمكنه بعد ذلك التقدم صوب العاصمة او الدلتا. ويبدو أن القيادة العسكرية كانت تستهدف من حشد كل ما كان تحت قيادتها من قوات عاملة وقوات احتياطية علي ارض سيناء أن تبث الخوف والهلع في نفوس القيادات الاسرائيلية معتقدة ان حشد اضخم عدد ممكن من التشكيلات والوحدات المصرية سواء كان جنودها مدربين او غير مدربين هو مفتاح النصر والوسيلة الفعالة لقهرالعدو دون ان تدرك ان تجميع كل هذه الحشود الضخمة شرق القناة دون أن يكون لها غرب القناة أي احتياطيات سوف يكون اكبر اغراء للقيادة الاسرائيلية لدخول الحرب علي الفور للقضاء بضربة واحدة علي كل ما تملكه مصر من قوات مقاتلة وهو الامر الذي جري بالفعل في 5 يونيو .1967
القرارات السياسية التي أدت إلي الهزيمة
أصدرت القيادة السياسية العسكرية خلال المرحلة التحضيرية أربعة قرارات سياسية كان لها تأثير خطير علي مجري الأحداث وعلي نتائج الحرب مما سوف يوضح بجلاء اسباب الهزيمة النكراء التي حاقت بالقوات المسلحة المصرية في هذه الحرب وكذا تحديد المسئولية المشتركة للقيادتين السياسية والعسكرية اللتين اندمجتا معا في بوتقة واحدة علي غير المعهود في جميع الانظمة في الدول واستمرت في اصدار القرارات السياسية والعسكرية الخطيرة لحين وقوع الهزيمة الساحقة التي حاقت بمصر والتي لم يحدث لها مثيل في تاريخها. وفيما يلي بيان وتحليل هذه القرارات الاربعة:
اولا: طلب سحب قوات الطواريء الدولية من مواقعها في سيناء وقطاع غزة:
في الاجتماع الطاريء الذي عقده الرئيس عبدالناصر مع المشير عامر مساء يوم 13 مايو في منزل الرئيس بمنشية البكري لبحث الموقف وتداعياته عقب المعلومات الخطيرة التي وصلت عن الحشود الاسرائيلية علي الجبهة السورية فرض موضوع وجود قوات الطواريء الدولية في سيناء نفسه عند دراسة الخطط الواجب اتخاذها لمساندة سوريا وعقب النقاش الذي استمر الي ما بعد منتصف الليل استقر الرأي علي أن تطلب مصر اخلاء قوات الطواريء الدولية لمواقعها علي خط الحدود الدولية مع فلسطين كماكان الوضع عام 1948 وبناء علي ذلك بعث الفريق اول محمد فوزي يوم 16 مايو رسالة الي الجنرال ريكي قائد قوات الطواريء الدولية في مقر قيادته في غزة طلب منه اخلاء القوات الدولية علي الفور لنقاط المراقبة التي يحتلها علي الحدود المصرية مع اسرائيل وكان مطلب مصر كما تضمنته الرسالة تعني ان مصرتطالب بسحب قوات الطواريء التي تحتل نقاط مراقبة مع اسرائيل علي الحدود الدولية فقط ولكنها لا تطالب بسحب القوات الدولية الأخري المتمركزة في قطاع غزة ومنطقة شرم الشيخ.
وسرعان ماجاء رد يوثانت السكرتير العام للأمم المتحدة مخيبا لآمال عبدالناصر عن طريق برقية بعث بهاالسفير محمد عوض القوني مندوب مصر الدائم في الأمم المتحدة عقب لقائه مع يوثانت بناء علي دعوته له وكان فحوي الرد أن عمل قوات الطواريء الدولية هو وحدة لا تتجزأ وان الحكومة المصرية وحدها وليست قيادة قوات المسلحة هي التي تقرر اما سحب هذه القوات بالكامل أو ان تقبل بقاءها بالكامل. وازاء ذلك عقد الرئيس عبدالناصر اجتماعا موسعا في مكتبه حضره المشير عامر والسادة زكريا محيي الدين وانور السادات وعلي صبري ورئيس الوزراء صدقي سليمان ونائبه الدكتور محمود فوزي ومحمود رياض وزير الخارجية واوضح الرئيس ان رأيه هو ان تطورات الموقف بهذه الصورة لم تعد تسمح لمصر الا بطلب واحد وهو طلب السحب الكامل لقوات الطواريء الدولية وهكذا كلف محمود رياض وزير الخارجية بارسال رسالة الي السكرتير العام يوثانت بقرار الحكومة المصرية بانهاء وجود قوات الطواريء الدولية التابعة للأمم المتحدة علي الأراضي المصرية وقطاع غزة وانه يطلب منه اتخاذ الاجراءات اللازمة لسحب هذه القوات في أسرع وقت ممكن.
ثانيا: الدفاع عن قطاع غزة ومنطقة رفح: كان قطاع غزة يمثل مشكلة عسكرية معقدة للقيادة المصرية اذ كان من الصعب الدفاع عنه بحكم طبيعته الجغرافية والاستراتيجية كماكان من المتعذر استعادة القطاع ­في حالة سقوطه­ بهجوم مضاد من اتجاه الحدود المصرية لضيق الارض وعدم ملاءمتها للقوات كي تقوم بعملية الفتح او المناورة فضلا عن تعرض الجنب الأيمن للقوات القائمة بالهجوم المضاد للخطر نظرا لوجود سلسلة من المستعمرات الاسرائيلية علي امتداد القطاع ولهذه العوامل لم يدخل قطاع غزة ضمن الحد الامامي للدفاعات المصرية في سيناء وفقا للخطة 'قاهر' بل اصبح قطاعا منفصلا يتم الدفاع عنه بالموارد الذاتية.
وعندما اصدر المشير عامر ظهر يوم 14 اكتوبر أوامره برفع درجة استعداد القوات المسلحة واتمام حشدها في سيناء اصدرت هيئة العمليات امرها الي قائد قطاع غزة بالدفاع عن القطاع بالموارد الذاتية الموجودة لديه وكانت عبارة عن 2 لواء مشاة ولواء حرس وطني وكتيبة صاعقة وكتيبة فدائيين 'كلها من الفلسطينيين' مع دعمه ببعض الاسلحة المعاونة المخصصة له من قبل في منطقة العريش وكانت مكونة من فصيلة دبابات شيرمان وبعض قطع مدفعية ميدان من عيار 25 رطلا وبعض قطع المدفعية المضادة للدبابات وعدد من الهاونات المتوسطة ويقوم بتشغيلها جميعا اطقم مصرية واصبح قطاع غزة بهذه الصورة منطقة دفاعية مستقلة يفصلها عن اقصي الدفاعات في سيناء نحو 45 كيلو مترا.
وفي مساء يوم 25 مايو حضر الرئيس عبدالناصر مؤتمرا عقده المشير عامر في القيادة العليا للقوات المسلحة بمدينة نصرحضره قادة القوات الثلاث 'البرية والبحرية والجوية' والفريق أول محمد فوزي رئيس الاركان والفريق انور القاضي رئيس هيئة العمليات والفريق صلاح محسن قائد الجيش الميداني واللواء محمد صادق مدير المخابرات الحربية كما حضر المؤتمر كل من السادة زكريا محيي الدين وانور السادات وخلال المناقشات في المؤتمر لفت عبدالناصر انظار الحاضرين الي اهمية قطاع غزة واكد أن سقوطه سوف يؤثر علي هيبة مصر وأن القطاع يعد أضعف نقطة في النظام الدفاعي المصري ومن السهل وقوعه في يد الجيش الاسرائيلي. واوضح عبدالناصر أن فكرة وضع القوة الخفيفة رقم 1 بقيادة سعد الشاذلي ما بين رفح والشيخ زويد لن تؤثر علي نوايا اسرائيل في الهجوم علي قطاع غزة، ونتيجة لهذه العوامل ركز عبدالناصر علي ضرورة الاحتفاظ بقطاع غزة لماله من اهمية سياسية ومعنوية بالنسبة للشعب الفلسطيني.
وطالب القيادة العسكرية بتعزيز الدفاع عن القطاع بقوات كافية من حيث الحجم والكفاءة لإجبار اسرائيل علي عدم التفكير في مهاجمة القطاع والاستيلاء عليه ونظرا لأن الحد الامامي للدفاعات المصرية كان يقع غرب رفح بمسافة 38 كيلو مترا 'موقع الريسة والكيلو متر 38' فقد استلزم تنفيذ التوجيهات السياسية التي اصدرها الرئيس ضرورة امتداد خط الدفاعات المصرية شرقا حتي مدينة رفح 'علي بعد 45 كم من العريش' باعتبار ان منطقة رفح حيوية للدفاع عن قطاع غزة من جهة ولربط دفاعات القطاع بالنطاقات الدفاعية في سيناء من جهة أخري.
ومنذ يوم 26 مايو­ اليوم التالي للمؤتمر­ اتخذت الاجراءات لتنفيذ توجيهات الرئيس وقد اتخذ التنفيذ للأسف طابع السرعة والارتجال ومخالفة أبسط المباديء التكتيكية فقد صدرت التعليمات بدفع الفرقة 7 مشاة الي منطقة رفح وهي فرقة شكلت حديثا وسحبت بعض الويتها من فرق اخري وانتزعت من مواقعها المخصصة في الخطة الدفاعية. فقد انتزع اللواء 11 مشاة احد ألوية الفرقة من المواقع الدفاعية التي كان يحتلها في منطقة العريش والذي تدرب علي المهمة المخصصة له بالدفاع عنها وفقا للخطة الاصلية 'قاهر' طوال عام1966 مما جعله يجيدها اجادة تامة وهكذا طلب من اللواء 11 مشاة ان ينشيء علي وجه السرعة دفاعات جديدة في منطقة رفح ويحتلها ضمن دفاعات الفرقة السابعة بينما كلف اللواء 121 احتياط ليحل محله في منطقة العريش برغم ضعف تسليحه وتدريبه وبرغم ان العريش تعتبر مفتاح المحور الشمالي فكانت النتيجة الحتمية فشل كل من اللواءين في تأدية مهمته عند نشوب الحرب.. وكان العنصر المدرع الذي دعمت به الفرقة السابعة هو اللواء 14 المدرع وكان قد تم تكليفه بمهام متعددة أدت الي قيامه بتحركات بعيدة المدي علي طول الجبهة سيرا علي جنازير الدبابات زادت علي 800 كيلو متر قبل أن يشتبك في أي قتال أي انه فقد كفاءته القتالية قبل أن يطلق طلقة واحدة ضد العدو.
ونظرا لعدم ملاءمة الأرض في منطقة رفح للدفاع بحكم انها منطقة مفتوحة ويسهل علي المهاجم اختيار محاورعديدة لشن هجماته ضدها وكلها تؤدي الي منطقة العريش ونظرا لضيق الوقت وعدم امكان القيام بأعمال التجهيز الهندسي اللازمة وبث حقول الالغام بالكثافة المطلوبة لذا اضطرت الفرقة السابعة ووحدات دعمها الي احتلال خط دفاعي غير مجهز في شريط ساحلي ليس له أي عمق دفاعي ودون أن يسمح الوقت لوحدات الفرقة ­كما هو الواجب­ للتدريب علي المهام التي كلفت بها وأدت هذه العوامل الي تمكن قوات المحور الشمالي الاسرائيلي بقيادة الجنرال تال من اختراق المواقع المصرية في رفح دون أية صعوبة يوم 5 يونيو 67 برغم ما ابدته هذه القوات من بسالة وما حاق بها من خسائر فادحة كان من ضمنها استشهاد قائد الفرقة السابعة اللواء عبدالعزيز حسن سليمان ورئيس أركان الفرقة اللواء عبدالوهاب جمال الدين
وفيما يتعلق بقطاع غزة فقد سقط هو الآخر في ايدي القوات الاسرائيلية يوم 5 يونيو وثبت ان وجود الفرقة السابعة في رفح لم يكن له تأثير فعال من جهة الدفاع عن قطاع غزة. وكان لتدخل القيادة السياسية بهذه الصورة في الخطط العسكرية تأثير خطير علي الخطة الدفاعية 'قاهر' وزاد من فقدان توازنها فقد اضطرت القيادة العسكرية في سبيل تنفيذ توجيهات الرئيس الي سحب القوات من تشكيلاتها الاصلية وانتزاعها من مواقعها الدفاعية ومن مهامها التي تدربت عليها من قبل لتحل محلها قوات احتياطية ضعيفة التسليح معدومة التدريب لا تعلم عن مهامها التي أوكلت اليها شيئا ولا دراية لها بالأرض التي تعمل عليها او التي حولها وكانت النتيجة الحتمية تدمير الفرقة السابعة تعيسة الحظ في الساعات الأولي من المعركة.
الحلقة الثالثة غدا
الأخبار تقدم أحدث كتاب عن حرب 1967
'ثعالب طائرة فوق ديمونة'
هل خططت روسيا لحرب 5 يونيو
أم أن إسرائيل وأمريكا يحاولان الايحاء بذلك؟! رسالة نيويورك :
ثناء يوسف
مهما كانت ذكريات 5 يونيه 1967 فان الامر الذي لا يختلف عليه اثنان هو ان هذا اليوم غيٌر تاريخ المنطقة واعاد رسم خريطتها السياسية وخلق مشكلة اقليمية طغت باستمرار علي الاحداث العالمية بل وأدت الي مزيد من الحروب واتفاقيات سلام نجحت أحيانا واخفقت احيانا أخري.
المهم انه لا توجد خطة أو مبادرة سلام طرحت طوال السنوات الماضية وحتي يومنا هذا لا تشير الي هذا التاريخ والعودة لحدود 5 يونيه .1967
وبعد مرور 40 عاما علي هذا التاريخ ظهر هذا الاسبوع في الاسواق الامريكية وبرعاية جامعة يل كتاب يتناول حرب الايام الستة من زاوية جديدة ومنطق لم يتم تناوله من قبل.
والكتاب بعنوان 'ثعالب طائرة فوق ديمونة: المغامرة الروسية اثناء حرب الأيام الستة'.
والكتاب من تأليف المذيع الاسرائيلي جدعون ريميز وزوجته ايزابيلا جيتور الباحثة بمعهد هاري ترومان التابع للجامعة العبرية.
وتدور فكرة الكتاب بصفة اساسية علي محاولة إثبات ان الاتحاد السوفيتي كان وراء اندلاع حرب يونيه وان هدف موسكو كان وقف وتدمير البرنامج النووي الاسرائيلي قبل ان يتطور ويصل الي مرحلة انتاج اسلحة نووية وذلك بعد ان تأكد الروس أن اسرائيل مصممة علي اقتناء سلاح نووي.. واما عن الحشود العربية فقد كانت نتيجة تحريض سوفيتي يستهدف استفزاز اسرائيل وبالتالي يمكن لموسكو ان تقضي علي مفاعل ديمونة.
وقد اوضح المؤلفان أن اندفاعهما نحو هذه الفكرة كان اساسه حديث صحفي لقائد عسكري اوكراني له مصداقيته وكان يعمل في الجيش الروسي في ذلك الوقت اذ قال: ان القيادات العسكرية السوفيتية اصدرت اوامر بتجميع فرقة عسكرية مدربة علي مستوي عال قد يتم انزالها علي شواطيء حيفا.
ويؤكد المؤلفان ان فكرة تدخل الاتحاد السوفيتي في الحرب في 5 يونيه كانت حتي وقت قريب فكرة مجنونة حيث انه علي الرغم من القبول بفكرة قيام موسكو بتقديم معلومات غير صحيحة عن حشود اسرائيلية للهجوم علي سوريا وان هذه الفكرة كانت وراء اندلاع الحرب إلا ان موسكو سعت بعد ذلك علي احتواء الازمة ومنع الحرب بل تعاونت مع واشنطن لوقفها ويتحدث الكتاب عن صعوبة توثيق ما ورد به من احداث بتقديم مستندات وادلة بدعوي ان اغلب الاوامر الروسية كانت تصدر شفويا وربما كان هذا لسبب او لآخر.
ويقوم الكتاب علي اساس البحث في مذكرات وتقارير من عاصروا هذه الحرب ويقول المؤلفان انهما لا يريدان التعرض لما حدث في حرب الايام الستة بصفة عامة بل للدور الروسي الذي كان يعتبر دورا ثانويا الي ان اثبت البحث ان موسكو كان لها دور قوي وفاعل في هذه الحرب.
ويدعي المؤلفان ان الكتاب ليس له هدف سياسي بل هو بداية للمناقشة علي الرغم من طرحه لأسئلة حول ما اذا كان امتلاك اسرائيل لسلاح نووي يعتبر حماية لها في وقت تمتلك فيه دولة مثل ايران سلاحا نوويا.. ودون اجابات صريحة يرد المؤلفان علي كل سؤال بسؤال آخر.
تهديد حقيقي
ويقول الكتاب ان القلق ساد غرفة العمليات بالبيت الابيض عندما طالب الكسي كوسيجين رئيس وزراء الاتحاد السوفيتي وقف غزو اسرائيل لسوريا وهدد بتدخل عسكري سوفيتي قد يؤدي الي مواجهة مسلحة مع الولايات المتحدة وكان ذلك يوم 10 يونية ..1967 ولكن واشنطن علي الرغم من قلقها لم تكن واثقة من جدية التهديد الروسي حيث كانت التقديرات الامريكية تقوم علي ما يلي:
1 تحذير موسكو للقاهرة من قيام اسرائيل بحشد 10 كتائب عسكرية علي الجبهة الشمالية للهجوم علي سوريا ادي الي تصعيد المواجهة وان هذا التحذير قد يكون خطأ تكتيكيا غير مقصود.
2 موسكو لا تريد تصعيد العمليات العدائية وعندما رأت ان الامور قد تدهورت حاولت منع حلفائها العرب من الاندفاع.
3 مساندة موسكو للجانب العربي بالتهديد بتدخل عسكري لم تكن قائمة علي خطة بالمشاركة في الحرب.
ولكن الكتاب يري ان هذه التقديرات وبعد البحث يجب اعادة النظر فيها حيث يؤكد المؤلفان ان تهديد كوسيجين كان تهديدا حقيقيا وان السوفيت كانوا قد أعدوا لانزال بحري بمساعدة القوات الجوية علي شواطيء اسرائيل.. وان التعليمات صدرت بالفعل للقاذفات والقوات بالاستعداد للهجوم بل كان هناك التزام بمشاركة احدث الطائرات الروسية وامهر الطيارين في عمليات تحليق استطلاعية فوق المفاعل النووي الاسرائيلي لاستفزاز الجانب الاسرائيلي.
ويري الكتاب بطبيعة الحال ان فشل الخطة السوفيتية في استفزاز اسرائيل باللجوء الي سلاح غير تقليدي ادي الي قيام موسكو باخفاء اي معلومات عن هذه الخطة.. ويشير الي وجود تقارير لمعلومات اسرائيلية حول هذه الخطة.
وفي إطار تعامل الكتاب مع تاريخ اليهود في الاتحاد السوفيتي يقول الكتاب: ان معاداة السامية في روسيا كانت من الاسباب المباشرة لانتشار الصهيونية بين يهود روسيا.
ولكن هذا لم يمنع روسيا فيما بعد من مساندة قرار التقسيم سعيا وراء مصالحها بل لقد كان تحول السوفييت من اضطهاد الصهيونية في الاتحاد الروسي الي مساندة قيام دولة يهودية سريعا بصورة أذهلت الساسة الاسرائيليين كما يقول الكتاب ويفسر المؤلفان ذلك بأنه كان اجراء تكتيكيا يستهدف اولا ابعاد بريطانيا عن فلسطين.. واطماع روسية في ان يكون لها قاعدة عسكرية علي البحر المتوسط.. في اسرائيل بطبيعة الحال بل لقد وصل الامر كما يقول المؤلفان الي حد قيام ممثل اوكرانيا لدي مجلس الامن بتقديم اقتراح لقيام الاتحاد الروسي باستيعاب اكثر من 500 الف لاجيء فلسطيني في روسيا بوسط آسيا وانشاء منطقة روسية عربية مستقلة هناك.
مظلة روسية
ويتناول الكتاب قلق الاتحاد السوفيتي تجاه سعي اسرائيل لامتلاك السلاح النووي وسعيه لوقف هذا التوجه الذي يري الروس انه كان يتم برعاية مجموعة متشددة من قادة اسرائيل وبتحريض من ألمانيا الغربية التي كانت كما يدعي المؤلفان تتطلع الي وضع يدها علي سلاح نووي.. بل لقد عملت موسكو علي تشجيع مجموعة من يهود اسرائيل لتشكيل لجنة للعمل علي جعل منطقة الشرق الاوسط منطقة خالية من السلاح النووي إلا ان هذه المجموعة التي ينتمي اعضاؤها لتيارات سياسية مختلفة لم تنجز أي شيء بل سرعان ما تم حلها في اعقاب حرب الأيام الستة.
وعلي الرغم من عدم وجود ادلة لتوثيق ما ذكره المؤلفان فانهما اكدا من خلال مذكرات بعض أعضاء المجلس الأعلي للسوفيت ان موسكو كانت تضع البرنامج النووي الاسرائيلي علي رأس قائمة أولوياتها وكانت تريد رد فعل او مواجهة لهذا البرنامج.
ويقول الكتاب ان القاهرة بدأت تهتم بقضية مفاعل ديمونة في عام 1946 بعد ان هدأت عاصفة التعامل مع هذه القضية بعد عام .1961 وان هذا الاهتمام المصري واكب اهتمام موسكو بنفس القضية وقيام السفير الروسي في اسرائيل بابلاغ ابا ايبان عقب توليه وزارة الخارجية ان الاتحاد السوفيتي يعطي لقضية البرنامج النووي الاسرائيلي كل الاهتمام واشار الي ان السلاح النووي خطر علي وجود اسرائيل نفسها.. وردا علي ذلك ووفقا لمحاضر وزارة الخارجية الاسرائيلية نفي ابا ايبان جميع ما يقال عن ذلك بدعوي انه شائعات مفتعلة وانه لا يوجد في المنطقة من يمتلك هذا السلاح.
ويتناول الكتاب تحذير الرئيس عبدالناصر من شن حرب وقائية ضد اسرائيل اذا كانت الاخيرة قد اوشكت علي اقتناء سلاح نووي وقد جاء التحذير المصري في اعقاب قيام جريدة النيويورك تايمز بنشر تقرير بتاريخ 7 يناير 1966 الي قلق المراقبين نتيجة قيام اسرائيل بشراء 30 صاروخ متوسط المدي من فرنسا مما يعطي انطباعا علي ان اسرائيل بصدد تصنيع رؤوس نووية.
ويقول المؤلفان انه علي الرغم من تأكيد التقارير الصحفية واقتناع الامريكيين بأن موسكو رفضت الموافقة علي اعطاء مصر مظلة حماية نووية فان المصادر الروسية اكدت ان مصر حصلت علي الموافقة الروسية بشأن هذه المظلة عندما قام كوسيجين بزيارة مصر في مايو 1966 ويري المؤلفان ان تفاصيل هذا الاتفاق قد اتضحت قبل حرب الأيام الستة عندما قامت موسكو بنشر قواتها البحرية المزودة بالسلاح النووي في البحر المتوسط وفي البحر الاحمر وان هذه العملية لم تكن إلا لردع اسرائيل في حالة اي هجوم نووي علي مصر او سوريا.. ويؤكد الكتاب ان المخابرات الامريكية كانت لا تعرف بما يجري لانشغالها بحرب فيتنام.
ويتناول الكتاب كذلك الاتصالات الروسية السورية كما يذكر ان الاجراءات المصرية التي ادت الي اندلاع الحرب بما في ذلك اخلاء قوة الطواريء الدولية الموجودة في سيناء واغلاق مضيق تيران تمت بايحاء من القوات العسكرية الروسية ووضعت في اطار سياسي اطلق عليه 'خطة جريشكو عامر' نسبة للمارشال الروسي جريشكو والمشير عبدالحكيم عامر.
ويؤكد الكتاب ان الخطة العربية كانت بصفة اساسية صناعة روسية تستهدف استفزاز اسرائيل لشن هجوم يمكن احتواؤه والرد عليه بضربة عربية تؤدي الي تصعيد المعركة ونقلها الي الاراضي الاسرائيلية تمهيدا لضرب المواقع الحيوية بها.. ولكن المؤلفين اوضحا ان هذه الخطة كان بها خطأ واضح حيث انها كانت تمنع الجانب العربي من المبادرة بعمل هجومي مما ادي الي احباط آمال الجيش المصري من المشير عامر حتي اصغر جندي لرغبتهم في محو 'عار هزيمة 1956'.
ويقول الكتاب ان الروس اكدوا علي اهمية الشرعية الدولية في الوقت الذي كان العرب يرون ضرورة تقليل الخطر بالمبادرة بتوجيه الضربة الأولي.
ويري المؤلفان ان تجاهل الدور الروسي في هذه الحرب ليس إلا محاولة لاخفاء دور الاتحاد السوفيتي في اثارة الازمة.
ويقول الكتاب ان خروتشوف الذي لا يمكن ان يتهم بالسذاجة فيما يتعلق بالامور الخاصة بالمجلس الاعلي للسوفييت قد اكد في مذكراته ان موسكو تآمرت لاشعال الازمة وان ذلك تم من خلال تحريض الجانبين المصري والسوري ثم اقتناع القيادة الروسية بمساندة حرب تستهدف تدمير اسرائيل.
ويري المؤلفان ان خطاب برجينيف اثناء اجتماع مجلس السوفييت الاعلي في 12 ديسمبر من عام 1966 الذي تناول فيه السياسة الخارجية الروسية لم يتعرض لمنطقة الشرق الاوسط وان تفادي الاشارة لهذه المنطقة الحيوية يؤكد ان هناك قرارات سرية قد اتخذت بشأنها.
ويذكر الكتاب ان جروميكو وزير الخارجية السوفيتي قد قام بزيارة مفاجئة لمصر في آخر مارس 1967 حيث تم استعراض وضع القوات الدولية الموجودة في سيناء وعملية حصار ايلات ويربط ذلك بتصريحات الرئيس جمال عبدالناصر بشأن وضع القوات الدولية ثم بعد ذلك بتسريح هذه القوات وإغلاق المضايق.
ويتناول الكتاب باستفاضة الاتصالات النشطة فيما بين القيادات السياسية والعسكرية في مصر والاتحاد السوفيتي في الاشهر السابقة لاندلاع الحرب وكذلك تحركات الاسطول الروسي خلال شهر مايو 67 في البحر الابيض المتوسط والتسهيلات البحرية التي منحت له في عدد من الموانيء المصرية.
ويشير المؤلفان الي ان تحركات الأسطول السوفيتي قد ادت الي قيام قائد الاسطول السادس الامريكي الادميرال وليم مارتن الي الاحتجاج في خطاب ألقاه يوم 17 مايو بأن زيادة التواجد البحري السوفيتي في المتوسط يشكل تهديدا للأسطول السادس ويحد من قدرته كقوة ضاربة بحيث اصبح غير قادر علي توجيه أي هجوم ضد الاتحاد السوفيتي.
ويصف الكتاب البحر المتوسط بأنه اصبح اشبه بشارع مزدحم بمرور السفن والغواصات السوفيتية والامريكية في ذلك الوقت ثم يوضح كيف تم اخفاء اي وثيقة تشير الي هذا التواجد السوفيتي الكثيف بعد حرب يونيه. وفي الوقت الذي يؤكد فيه الكتاب تورط الروس في تقديم معلومات غير سليمة بشأن تحرك اسرائيلي للهجوم علي سوريا سعي المؤلفان الي تجاهل التهديدات الاسرائيلية وبعضها تصريحات علنية بل وضعا مثل هذه التهديدات في خانات البيانات البلاغية التي اعلن اشكول رئيس وزراء اسرائيل رفضها.
وقد حرص المؤلفان علي الاشارة الي ان فشل الخطة الروسية نتيجة نكسة يونيه لم تؤد الي عتاب من قدموا الخطة والمعلومات الكاذبة التي ادت الي اندلاع الحرب وذكرا ان عدم عقاب اي مسئول وبصفة خاصة وزير الدفاع جريشكو ومدير الكي.بي.جي اندروبوف انما يرجح الي صلتهما الوثيقة بالرئيس برجينيف وان النتيجة كانت ترقية في اعقاب الفشل مما يعطي انطباعا بأن الرئيس كان علي علم بأن المعلومات كاذبة.
ويدعي المؤلفان ان الرئيس عبدالناصر قد تجاهل تقريرا قدمه الفريق محمد فوزي بعد زيارة سوريا بأنه لا توجد حشود اسرائيلية وانه غير ذلك 'تخاريف روسية' ونقلا عن شخص منشق عن المخابرات الروسية 'ان الرئيس المصري فضل تصديق عملاء الروس علي الاقتناع بتقرير الفريق فوزي'.
وتناول الكتاب كذلك موقف واشنطن من عملية التصعيد وشكوي اسرائيل من ان الاتحاد السوفيتي يقف وراء الاجراءات المصرية من نقل قوات حاشدة الي سيناء وطرد قوات حفظ السلام وإغلاق المضايق.. ويشير المؤلفان بصورة عابرة الي ان واشنطن لم تكن مقتنعة تماما بفكرة قيام موسكو بعملية مساندة وتحريض مصر ونقلا حديثا فيما بين رئيس الموساد وممثل المخابرات الامريكية في اسرائيل حذر فيه الاخير من ان واشنطن ستقف الي جانب مصر اذا اقدمت اسرائيل علي بدء المعركة.. واشار الي ان الولايات المتحدة رفضت الطرح الاسرائيلي بأن الوضع يشكل مواجهة فيما بين موسكو وواشنطن.
زيارة بدران
وتناول الكتاب كذلك زيارة وزير الحربية شمس بدران لموسكو في الفترة من 25 حتي 28 مايو 1967 بتعليمات من الرئيس عبدالناصر وبعد ان اصبح من الواضح ان اسرائيل لم تعد تتحمل الازمة وانها قد تفكر في توجيه الضربة الأولي وهو ما أسعد السوفييت حيث ان هذا يعني ان خطة التحريض قد نجحت.. ويقول المؤلفان وفقا لتقرير عن محادثات بدران ان كوسيجين رفض الموافقة علي قيام مصر بتوجيه ضربة وقائية لاسرائيل.. واوضح للوفد المصري ان مثل هذا سيكون مخالفا لسياسة وموقف روسيا لأنه في حالة قيام مصر بضربة وقائية سيعني اعتبارها دولة معتدية.. وهذا لن يمكن موسكو من مساعدتها.
وأدي ذلك الي ضيق الوفد المصري لأن تعليمات الرئيس عبدالناصر كانت واضحة وهو انه في حالة رفض الاصدقاء الروس المساعدة فان مصر لن يكون لديها الخيار.. وقد كرر بدران طلب مصر مرة ثانية وتلقي نفس الرد وفي اليوم الثالث كان هناك رد من عبدالناصر وهو انه في حالة اصرار موسكو علي الرفض فان مصر لن تهاجم.
ووفقا لما جاء بالكتاب قبل الرئيس الامريكي جونسون بتقرير المخابرات الامريكية الذي اكد ان القوات المصرية في وضع دفاعي وحذر اسرائيل من المبادرة بأي هجوم.. وبعث برسالة عاجلة الي اشكول ارفق بها خطاب التهديد الذي بعث به كوسيجين وطالب اسرائيل بضبط النفس وقال نصا: ان اي عمل احادي من جانب اسرائيل سيكون عملا غير مسئول وسيؤدي الي كارثة.
الهجوم علي ديمونة
يحكي الكتاب نقلا عن جروميكو في مذكراته وبمناسبة قيام اسرائيل في 7 يونيه من عام 1981 بضرب المفاعل النووي العراقي علي الرغم من انه كان في نطاق حماية صواريخ سام السوفيتية ارض جو، انه مازال يذكر جيدا كيف قامت طائرتان من طراز ميج تابعتان لسلاح الطيران المصري في منتصف مايو 67 بعملية استطلاع فوق مفاعل ديمونة وكانت المفاجأة عودة الطائرتين بسلام علي الرغم من صواريخ هوك الامريكية التي تحيط بالمفاعل بل قام الطيران المصري بعملية اخري مماثلة بعد حوالي اسبوع ومرة أخري فشل الدفاع الاسرائيلي في منع العملية الثانية.. وفي وسط الانفعال امر المشير عبدالحكيم عامر بضرب المفاعل ومنشآت اسرائيلية اخري إلا ان الرئيس عبدالناصر ألغي هذا الامر بناء علي تدخل السوفيت.
ويقول جروميكو ان موسكو لم تكن تعرف ان مصر تريد تدمير المنشأة النووية الاسرائيلية وكان هناك اعتقاد لدي السوفييت أن مصر تريد فقط توجيه هجوم مفاجيء وقوي لبعض المنشآت الاسرائيلية المهمة.. ويؤكد جروميكو لو كنا نعرف في ذلك الوقت هدف الهجوم والرغبة في تدمير قدرات اسرائيل النووية لما سعينا الي اقناع عبدالناصر بالعدول عن إصابة الهدف.. ويحاول المؤلفان التأكيد علي ان موسكو كانت علي علم بنوايا الجيش المصري حيث ان الطيران قام بعدة تجارب لقصف مبني مماثل للمفاعل الاسرائيلي تم بناؤه في الصحراء ومثل هذه التدريبات كانت لا تتم بعيدا عن أعين السوفييت.
كما يشير الكتاب الي ان القوات الاسرائيلية استولت بعد حرب الايام الستة علي خرائط الجيش المصري التي توضح الاهداف ومنها مفاعل ديمونة وان كان قد كتب فوقه 'موقع لصواريخ هوك'. وعلي الرغم من محاولات الاشارة الي ان هذه العمليات الاستطلاعية كانت تتم بمعرفة الطيارين الروس فقد اكدت مصادر اسرائيلية عسكرية ان الرادار قد رصد حديث الطيار باللغة العربية مما يؤكد انه مصري.
وقد اكد الكتاب ان حالة المواجهة ادت الي الاسراع بانتاج سلاح نووي اسرائيلي وان اسرائيل كان لديها في ذلك الوقت قنبلتان نوويتان.. وفي اشارة اخري يقول المؤلفان ان فكرة استخدام سلاح نووي اسرائيلي قد نوقشت في ذلك الوقت وقد رفض شيمعون َيريس بعد مرور عدة سنوات ان يعترف بذلك وان كان قد ذكر انه قدم اقتراحا رفض في ذلك الحين .. وقد سعي المؤلفان من خلال الاستشهاد بأقوال شهود غير موثقة الي تأكيد الدور السوفيتي في توريط مصر وسوريا في حرب الأيام الستة.. وقيام موسكو بتقديم تعهدات المساندة والدعم لمصر ثم تراجعها عن هذا التعهد حتي لا تدخل في مواجهة مع الولايات المتحدة.. ومن خلال عدة فصول بالكتاب تطرح صورة الاتحاد السوفيتي وكأنها دولة لا تضع اي اعتبار لحلفائها بل تتجاهل جميع الاعراف الدبلوماسية اي ان الكتاب بصفة عامة هجوم عنيف علي الاتحاد السوفيتي.. إلا ان اكثر ما يلفت النظر هو محاولة المؤلفين إلقاء مسئولية اغراق السفينة الامريكية 'ليبرتي' علي السوفييت حيث ربطا وجود السفينة الامريكية التي كانت موجودة قبالة الشواطيء الاسرائيلية لجمع معلومات عما يدور من معارك بوجود بعض السفن السوفيتية في البحر المتوسط وهي مغالطة كبيرة حيث ان جميع التقارير الامريكية اكدت ان السفينة الامريكية التي اغرقتها اسرائيل هي كارثة وفضيحة.. ومازالت هناك بقايا لهذه القضية حيث قام اهالي ضحايا هذه السفينة مؤخرا بتقديم مساءلة لوزارة الدفاع الامريكية حول ضرورة فتح ملف التحقيق مرة أخري.
وقد اكد عدد من الضباط الذين اصيبوا في هذا الحادث ان القوات الاسرائيلية قد اطلقت عليهم صاروخا ثم قامت بارسال تعزيز جوي لاغراق السفينة علي الرغم من انها كانت ترفع العلم الامريكي.. ويرجع السر الي ان السفينة ليبرتي وما جمعته من معلومات ارسل بعضه بالاقمار الصناعية يوثق جرائم الحرب التي ارتكبتها اسرائيل اثناء حرب الأيام الستة.
الاخبار :
حرصت الاخبار علي عرض مختصر لأحدث الكتب التي صدرت حول معركة 5 يونيو....، ولكن يجب ألا ننسي أن هذه رؤية لكاتبين اسرائيليين يعيشان في أمريكا.