قصة النكسة

قصة النكسة ( لماذا كانت هزيمة يونيو .. لازمة )

وإذا وضعنا هذه القواعد الإسلامية الشريفة إلى جوار قول القائل فى إحدى الأغانى ..
( من المحيط الهادر .. إلى الخليج الثائر .. لبيك عبد الناصر !!! )
ونحن نتساءل حقا وصدقا ؟!
لم هذا الإصرار على استخدام المفردات الدينية المقدسة في أغانى تلك الفترة !
وغنت أم كلثوم في باكورة أعمالها للثورة بعد حادثة المنشية قائلة ..
( يا جمال يا مثال الوطنية !! )
وخرج عبد الحليم بالعشرات , وكان منها قوله :
(أبو خالد نوارة بلدى .. ) وفى أغنية أخرى عن تأميم القناة ( دى ضربة كانت من معلم ! )
ومسكين أيزنهاور وتشرشل الذين قادوا شعوبهم إلى النصر في أشرس حرب في العالم الحديث .. الحرب العالمية الثانية , ولم يجد تشرشل ــ الذى أنقذ بريطانيا ـ في انتظاره بعد النصر إلا قرار الناخب البريطانى بإسقاطه في الإنتخابات !!
رغم أنه خاض الإنتخابات بشبه يقين في الفوز بعد النصر لكن الناخب العاقل رأى فيه قائدا حربيا منتصرا أدى واجبه , وحانت اللحظة لحكومة سلام تلتفت إلى إعادة الإعمار بعيدا عن التمجيد الشخصي !!
مسكين تشرشل بالفعل لم يجد شاعرا واحدا يغنى له ( أبو مايكل نوارة بلدى !)

أما المطربة اللبنانية صباح فى إحدى أغانيها فقالت ( أنا شفت جمال ... !! )
ولم يسألها أحد وماذا بعد أن رأيت جمال ؟! هل نلت صك الجنة أو العتق من النار أم ماذا بالضبط ؟!
بخلاف الأغنيات المستفزة حقيقة , وهى الأغنيات التي تتحدث عن بطولات وإنتصارات ووحدة عربية لو فتشنا تاريخ تلك الفترة صفحة .. صفحة بحثا عنها لن نجد لها أثرا إلا في مكتبات الأغانى !!
مثلا الأغنية الوطنية ( وطنى الأكبر ) وهى من انتاج الستينيات عندما كان العالم العربي لا يجمعه شيئ إلا الشتائم المتبادلة بين مختلف قادته والمعارك الضارية بين الدول العربية على خلافات عقيمة !
ومع ذلك سمع هذا الجيل وغنى قائلا ..
( وطنى حبيبي الوطن الأكبر ×× يوم ورا يوم أمجاده بتكبر !!
وانتصاراته مالية حياته ×× وطنى بيكبر وبيتحرر !! )
فهل سمع أحد عن هذه الإنتصارات في تلك الفترة ! وهل رأى أحدكم مجدا من تلك الأمجاد ولو مصادفة على قارعة الطريق !

ويواصل اللحن قائلا ..
( ياللى ناديت بالوحدة الكبري ×× بعد ما شفت جمال الثورة !!
وانت كبير كبير كبير ×× أكبر من الوجود كله يا وطنى ! )
بينما الكبير حقا في تلك الفترة كانت خيبة الأمل الثقيلة على هؤلاء الشعراء المخدرين , فأين رأوا الوحدة الكبري أو حتى الصغري وأين هو الوطن الذى فاق في مجده الوجود كله !
ثم يواصل اللحن ..
( حلو يا مجد يا مالى قلوبنا ×× حلو يا مجد يا كاسي رايتنا !!
حلوة يا وحدة يا جامعة شعوبنا .. )
وهذا بلا شك كلام أناس من مرضي إدمان المخدرات , فالمخدرات هى الدواء الوحيد الذى يقلب الخيال حقيقة !
ويواصل اللحن ..
( قوميتنا اللى بنحميها ×× واللى حياتنا شموع حواليها
جنة بتضحك للى يساهم ×× وجحيم ثاير على أعاديها )
قبح الله هذه القومية الذى غنوا لها في نفس الفترة التي كانت الجيوش المصرية والسعودية تطحن بعضها بعضا , بل وقف الجيش المصري على حدود السودان ليتدخل لانتزاع حلايب وشلاتين !
على حدود السودان التي كانت جزء أصيلا من مصر قبل أن يقطعه رواد القومية ,
ويتقاتل الأردنيون والفلسطينيون مع بعضهم البعض , وتشتعل فيها المعارك الإعلامية بين العراق ومصر والعراق وسوريا والمغرب والجزائر و ... وهلم جرا !
ويواصل اللحن ..
( وطنى يا زاحف لانتصاراتك ×× ياللى حياة المجد حياتك
في فلسطين وجنوبنا الثاير ×× حنكملك حرياتك )
وللأمانة فقد أكمل النظام القومى دوره ومنح إسرائيل بقية الأرض الفلسطينية كلها المتبقية من حرب 1948 م , ومعها الجولان وسيناء هدية تعبر عن حماقة الشعب العربي !
أما أطرف مقطع على الإطلاق فكان من نصيب عبد الحليم حافظ الذى غنى قائلا ..
( احنا وطن يحمى .. ولا يهدد ×× احنا وطن بيصون ما يبدد )
والعندليب الأسمر عكس المعنى حقيقة ,
فنظام القومية اعتمد التهديد والتلويح بالقوة استراتيجية لم يتخل عنها منذ عام 1956 م , أما الصيانة وعدم التبديد فنمتنع عن التعليق عليها تفاديا لمواد قانون العقوبات !
وفى أغنية شهيرة أخرى لعبد الحليم حافظ , كان عنوانها ( يا أهلا بالمعارك ) تحدث فيها مشيدا مع غيره بالإنتصار الهائل الذى حققه الثوار في العدوان الثلاثي , والذي نجحت الآلة الإعلامية الصحفية في تصويره على أنه كان انتصارا عسكريا حقيقيا على جيوش ثلاث دول !!
وصدقت جموع الشعب الخدعة ولم يُسمح لأحد أن يتحدث عن دور الولايات المتحدة والإتحاد السوفياتى في تهديد أطراف العدوان الثلاثي بالإنسحاب فيما عُرف باسم ( إنذار بولجانين ) والذي هدد فيه السوفيات باستخدام القوة النووية لردع إنجلترا وفرنسا عن مصر وتضامنت معها الولايات المتحدة لتنسحب الدولتان ,
وتركتا مصر الذى رددت ( انتصرنا .. انتصرنا ) دون إفصاح عن طبيعة الإنتصار السياسي الذى حققناه والفشل العسكري الذى واجهناه عندما تم سحب الجيش المصري من سيناء ولم يُسمح له بمواجهة اليهود , واستولت إسرائيل على سيناء ثم وافقت على الإنسحاب بشرط أن تضمن الولايات المتحدة لها حرية الملاحة في خليج العقبة !
وقبل عبد الناصر الشرط ونزلت قوات الأمم المتحدة لتحتل شرم الشيخ وتعسكر على الجانب المصري من الحدود وتم عزل سيناء ومنع الدخول إليها إلا بتصريح كما لو كانت قطعة من أرض أجنبية , وذلك حتى تتم عملية التعتيم الإعلامى على الإتفاقية السرية التي سمحت لإسرائيل باستخدام خليج العقبة !
وظلت الطبول تغنى لانتصار 56 حتى يوم النكسة , وكان من أهم أسبابها أن عبد الناصر أصابته عقدة 56 وظن أن كل مواجهة مع إسرائيل سيجد منها حماية كافية من إحدى القوى العظمى تسمح له بانتصارات سياسية سهلة مبنية على الاتفاقيات السرية بينه وبين القوى العظمى .. في نفس الوقت الذى يخرج فيه على الناس منددا بالإمبريالية الأمريكية ,
وهو نفس الطبع الذى توارثه عنه بقية حكام العرب ,
ففي الوقت الذى وقفت فيه الدول العربية تندد بالهجوم الأمريكى على العراق واحتلاله عام 2004 م , كانت القذائف الأمريكية تنطلق من القواعد العربية !!

وهكذا تغنى عبد الحليم مهددا ..
( يا أهلا بالمعارك يا بخت مين يشارك
بنارها نستبارك ونطلع منصورين
ملايين الشعب تدق الكعب تقول كلنا جاهزين
فايت ساعة الصبحية والناس رايحين جايين
خطوتهم فكرتني بأيام 56
راجع في المغربية شوفت عيون الثوار
نظرتهم فكرتني بالظباط الأحرار )
ولا عزاء للشعوب !
ثم يواصل الغناء قائلا ..
(عبدالناصر حبيبنا قايم بيننا يخاطبنا
نجاوبوه ويجاوبنا قائد ومجندين
قول ما بدا لك إحنا رجالك ودراعك اليمين قول
عبدالناصر يقول الله اكبر ويوم الازهر في وجداني
ياشعب قمنا لقهر الصعب من تاني
وعود ماعنديش مافيش إلا النضال عندي وشقى ومعارك مريرة كتير كتير يا أخواني
اطلب تلاقي تلاتين مليون فدائي في جميع الميادين قول
عبدالناصر يقول على كل باب في الميثاق مصباح بيهدينا )
وهكذا كما قلنا أصبح الميثاق هو المصباح الهادى والقرآن الجديد للأمة !!
ثم يقول عبد الحليم ..
( للأفراح والرفاهية حانمد طريق عالنيل
اسمه في الإشتراكية التصنيع التقيل
بس نضاعف إنتاجنا أضعاف أضعاف أضعاف
وندبر مهما احتاجنا ونحارب الإسراف
وبقرش الإدخار نتحدى الاستعمار )
وهكذا أصبحت الإشتراكية بستان أحلام الشعب فى تحدى الإستعمار , ليتم وقف التصنيع الثقيل نهائيا فى مجال الأسلحة بعد النكسة وضاعت مشروعات الأسلحة التى قدمتها العقول المصرية فى الطيران والصواريخ بناء على نتائج النكسة واتجه الإقتصاد كله إلى استيراد السلاح .. تماما كان كان يريد الإتحاد السوفياتى الذى كان يستغل حاجة الشعوب للسلاح لفرض توجهاته وسيطرته السياسية ,
وليس سرا أن السوفيات تدخلوا لتقليص القدرات الإنتاجية العسكرية فى مصر حتى لا يفقدوا ورقة ضغطهم الوحيدة !
ثم خربها عبد الحليم عندما قال ..
( نشوف جهادنا العظيم على فين مودينا
للأفراح يا ناصر والرفاهية يا ناصر ) !!
وبالطبع تم منع هذه الأغنية تماما بعد النكسة وحتى يوم الناس هذا !!
 
قصة النكسة ( لماذا كانت هزيمة يونيو .. لازمة )

ولا ينبغي أن يستهين القارئ بتلك الأغنيات وهذا الأسلوب ,
فأثره العميق على الشعوب العربية تفوق على مجموع ما قام به الإعلام من صحافة وإذاعة وخطب و.. الخ ,
لأن جموع الشعب في تلك الفترة كانت قلوبها تتعلق بهؤلاء المطربين الذين كانوا بحق رواد تربية الرأى العام وأدوات توجيهه وأصبحت إذاعة صوت العرب منبع رئيسي يهز العروش والجيوش في المنطقة إذا ذُكر فيه اسم عبد الناصر !!
ودخلت الجماهير في غيبوبة خدر هائلة استمتعت بها ورفضت أى تعكير لصفو الصورة الهلامية ,
ولإدراك مدى التأثير الفادح على الجمهور , يكفي أن نعلم أن عددا من أبرز الكتاب والصحفيين والمفكرين ظلوا رهنا لتجربة الناصرية مسبحين بحمدها حتى بعد النكسة , وحتى يومنا هذا , رغم أنهم جميعا من ضحايا معتقلاتها !
بخلاف هيكل طبعا الذى يمكن فهم سر دفاعه , لكن الإستغراب قائم على المفكرين الكبار من أمثال محمود السعدنى ومحمد عودة وأحمد فؤاد نجم وحمدى قنديل ومحمود عارف ويوسف القعيد وغيرهم عشرات ,,
فهؤلاء جميعا ذاقوا ويلات المعتقلات في عهد عبد الناصر نفسه رغم إخلاصهم العنيف له , ولنظامه , ولتجربته , وكانت التهم التي أوصلتهم للمعتقلات من التفاهة بمكان !
وعاشوا في ذل القيد والإعتقال في الصحراء سنوات طوال , ولو أخذنا محمود السعدنى مثالا لوجدنا أنه عبر عن تجربة سجنه في سجن الواحات الرهيب في إحدى كتبه الشهيرة وهو ( الطريق إلى زمش ) وذكر فيه ما تعرض له هو ورفاقه من أساتذة الجامعات وكبار المفكرين والصحفيين والروائيين من صنوف وألوان التعذيب والإهانة والضرب المبرح بلا أدنى مبرر !
ويذكر السعدنى ببساطة تفاصيل عمليات التعذيب القمعى وكيف أن أكبر عقول البلاد تم إجبارهم من زبانية السجن الحربي على اتخاذ اسم امرأة تحقيرا وإذلالا , وعلى المشي عرايا في فناء السجن , بخلاف حفلات التعذيب الذى ذكرها والتى كانت تقيمها إدارة السجن إشباعا لنازية قائد المعتقل !
ومع ذلك فقد ظل السعدنى يقدم نفسه حتى آخر عمره باعتباره سفير الناصرية لدى طبقات الشعب , على اعتبار أن هيكل هو سفير الطبقات العليا ,
وظل يتمنى أن يموت وهو ناصري وأن يُبعث يوم القيامة ناصريا !!
فإذا كان هذا حال المفكرين الكبار .. فللشعب علينا حق العذر حتما !

وبهذه الوسيلة ارتفعت حماسة الجماهير إلى درجة الإلتهاب والإلتحام ولما كانت الأغانى أكثر كثافة بكثير من المنجزات على أرض الواقع , فقد اضطر المطربون إلى أن يغنوا لكل شركة أو مشروع تم إنشاؤه ولو كان مشروعا تافها !
ثم أصبحوا يغنون لكل عربة نقل تحمل بعضا من معدات السد العالى !
ورحم الله محمد على باشا ..
بنى مصر الحديثة كلها وجعلها أقوى قوة في الشرق الأوسط ومد فيها الترع والمصارف والقناطر الخيرية , وكل هذا بتمويل داخلى دون اقتراض مليم من الخارج وبكفاءة هندسية مصرية وبعمالة مصرية وزاحم الدول الأوربية بجيش وطنى رهيب في العتاد والعدة والإنتصارات ..
ورغم ذلك لم يجد كلبا شاردا يهز له ذيله مستحسنا !!

ولو أخذنا مثالا واحدا لمطرب مثل محمد قنديل وهو في هذا العصر من مطربي الصف الثانى أو الثالث , فقد أحصيت له خمسين أغنية على الأقل في موقع ( سماعى ) الموسيقي تتمحور حول قناة السويس والسد العالى وعبد الناصر والناصرية والضباط الأحرار والإشتراكية والحرية وحتى شركات الزيوت والصابون !
هذا العدد لمطرب واحد بخلاف نجوم الصف الأول الذين كان لكل منهم في العام الواحد عدد معروف من الأغنيات والقصائد التي يتم التغنى فيها بنفس المنجزات المحدودة في مناسبات ومواسم ذكراها في كل عام !
ولما فرغت سائر الإنجازات واحتاجت الحماسة إلى ما يغذيها لجأ المطربون والشعراء إلى اختراع ما يغنون له , فتوجهوا بكليتهم إلى شخص عبد الناصر ومزاياه وهيبته وصوته وخطبه وأولاده و .. الخ
وقد وصل التغييب بهيكل حدا غير متصور دفعه في كتابه ( خريف الغضب ) وهو في معرض حديثه عن خالد الإسلامبولى ــ قاتل السادات ــ أن يشير بصريح العبارة إلى أن أحمد الإسلامبولى ـ والد خالد ـ قام بتسمية ابنه بخالد تيمنا باسم خالد جمال عبد الناصر لأنه وُلد في الفترة الفوارة بالوطنية والتى كان فيها عبد الناصر وأولاده ذروة الحلم !!
ولست أدرى أين كان عقل هيكل وهو يكتب هذا الكلام !!
فخالد الإسلامبولى وعائلته كلها ذات اتجاه دينى صرف ووالده كان أحد أئمة المساجد , وشقيق خالد الأكبر كان ناشطا في مجال الدعوة وتم اعتقاله في نهاية عصر السادات لهذا السبب ,
فكيف تصور هيكل أن يسمى الرجل ولده بخالد تيمنا باسم ابن عبد الناصر ويترك خالد بن الوليد سيف الله المسلول !!
وإذا كان الرجل من دروايش الناصرية ألم يكن من الأجدى أن يسمى ولده بجمال نفسه بدلا من خالد ؟!
لكن هيكل في كتابه هذا كان واقعا تحت تأثير نشوة اغتيال السادات والتى قابلها بشماتة ظاهرة في سطور كتابه ( خريف الغضب ) ولم تكن فرحة هيكل كاملة لسبب واحد , [1]
أن من اغتال السادات هو تنظيم الجهاد وكان يتمنى من أعماقه أن يغتاله أحد الناصريين ولهذا سعى إلى التعسف غير المعقول في محاولة إثبات ولاء أسرة الإسلامبولى لعبد الناصر
ويرجع ذلك إلى أن السادات في عرف الناصريين مرتد مهدور الدم ـ وأنا هنا لا أمزح ـ فالناصريون في كافة كتاباتهم عندما يتحدثون عن فترة السادات يسمونها فترة ( الردة الساداتية ) !!
ولهذا كان يتمنى هيكل أن تكون نهاية السادات بيد واحد من مجاهدى الناصرية ! فلما جاءت على يد التيار الإسلامى الذى يكرهه هيكل كراهية التحريم , حاول أن يخترع إنتماء ناصريا لأسرة الإسلامبولى
رغم أن أصغر طفل في الحقل السياسي يعرف موقف الجماعات الإسلامية من عبد الناصر بعدما فعله هذا الأخير بهم في السجون والمعتقلات , ومن الغريب أن هيكل نفسه وهو يتحدث عن جماعة الجهاد أورد بداياتها وكيف أنها نشأت في قلب المعتقلات الناصرية تحت وطأة التعذيب الرهيب مما دفع هؤلاء الشباب لاعتقاد كفر عبد الناصر ونظامه , لأن ما يفعلوه بهم أمر خارج حدود الإنسانية والحيوانية أيضا !
فبدأت عندئذ فكرة تكفير النظام الحاكم وتطورت فيما بعد إلى تكفير المجتمع كله بسبب ولائه لهذه الحكومات !
ولست أدرى ما الذى كان هيكل فاعله لو كان جمال عبد الناصر اسمه محمدا !

خلاصة القول أن هؤلاء الفنانين كانوا في معظمهم مؤمنين بالتجربة بالفعل , ويصدقون ما يقال لهم في الإعلام الرسمى عن أعظم قوة ضاربة في الشرق الأوسط وعن الأساطير التي تم نسجها خلف كل مشروع ,
وتم تصوير هذه المشاريع على أنها إنجازات تتقاصر دونها همم دول العالم !
لهذا فقد اندفعوا بعاطفة جياشة وتعبير صادق ليمتعوا الملايين بمئات الأناشيد والأغانى التي تحرك الأحجار , ويكفي أى قارئ اليوم أن يعود لأرشيف أغنيات عبد الحليم حافظ ( مطرب الثورة الأول وراعيها ) ويستمع إلى أغنيات مثل أغنية صورة ـ السد العالى ـ يا أهلا بالمعارك ـ أحلف بسماها وبترابها ـ حكاية شعب ـ وعشرات غيرها ,
سيدرك القارئ أى تأثير سحرى لهذه الألحان وهذه الكلمات التي عظّمت الحلم في جماهير الأمة العربية لدرجة أسطورية التفت كلها حول عبد الناصر من المحيط للخليج تنتظر إشارة منه في ثقة عمياء مطلقة ,
ولنا أن نتخيل ما أصاب الجماهير عندما أفاقوا من هذا الحلم على كابوس الواقع ,
فبعد أن صنع لهم عبد الناصر أسطورة تتضاءل أمام أساطير اليونان ,
انهارت فجأة كل تلك الأحلام , ولهذا انتهى عهد الأغنيات الوطنية الحافلة الغزيرة بقدوم عام 67 , بل إن الإذاعة نفسها لم تكن تعيد بثها لما تحتويه هذه الأغنيات من حديث ثائر عن تحرير القدس والوحدة العربية والتضامن العربي والقوة الهائلة التي يرتكن إليها الشعب ,
ومن المفارقات الطريفة أن القارئ سيلاحظ على موقع يوتيوب أن بعض هذه الأغنيات التي تم تأليفها فيما قبل عام 1967 م لم يجد الجيل الحالى أفضل منها للتعبير بها عن نصر أكتوبر !
رغم أن أغنية أهلا بالمعارك وأغنية صورة وأغنية أحلف بسماها كلها من منتجات ما قبل النكسة ,
لكن هذا يدلك على مدى الإحباط الذى أسكت ألسنة المطربين وأخرس يراع الشعراء !
وفى مقابل هذا الكم الهائل من الأغانى في عصور الهزائم والخديعة , لم نعثر من هذا الجيل على عدد يتجاوز الأغنيات الخمسة الشهيرة لحرب أكتوبر وفقط !
وهذا أمر طبيعى وردة فعل منطقية كما أوضحنا وتعتبر إحدى الآثار الساطعة لتجربة النكسة ,
ولعل تجربة شاعر وطنى قدير مثل الشاعر صلاح جاهين الذى كتب كلمات أعظم الأزجال الوطنية , كان هو نفسه مؤلف فيلم ( خلى بالك من زوزو ) بعد تجربة النكسة مباشرة عندما انهارت كل القيم واندثر الطموح !

والذي يتأمل هذا التغييب الإعلامى المتعمد عن واقع العالم العربي وأحواله , يجد العذر للمجتمع عندما كفر بكل تلك القيم عقب النكسة , وقد أورد الكاتب الصحفي وجيه أبو ذكرى في كتابه ( مذبحة الأبرياء في 5 يونيو ) رسالة طويلة من أحد الجنود الناجين من مذبحة سيناء , وملأ الرجل رسالته بدموعه وهو يسب ويشتم ويكفّر وجيه أبو ذكرى ورفاقه ويتهمهم بأنهم كانوا السبب الرئيسي للثقة الفارغة التي دفعته ورفاقه إلى جحيم يونيو 67 ! [2]
ويأبي الناصريون اليوم أن يعترفوا بهذا التغييب أو يفيقوا قليلا ليتأملوا العالم من حولهم , ولا زالت مواقعهم على الإنترنت تبث حنينهم للماضي البائس كمان لو كان تاريخا مشرفا أو عملاقا بالفعل ,
ويبدو أن الإدمان الناصري تفوق على سائر أنواع الإدمان ,
وكان المرء يأمل لو أن هيكل ـ بعد هذا العمر المديد ـ وفى ظل رسالته التوعوية التي يمارسها في الشأن الجارى , كنا نأمل لو نزع عنه ثياب القومية واكتفي بما اقترفت يداه ـ وهو كثير ـ وحاول إصلاح ما أفسد ,
لكنه لا زال مصرا !
لم يكتف هيكل بأنه قام مع عبد الناصر بنفس دور هامان مع فرعون ( وهذا القياس والتشبيه لداعية شهير )
ففرعون قبل هامان لم تخطر بباله فكرة إدعاء الألوهية حتى جاء شيطانه هذا فأقنعه بها فعينه وزيرا لبلاطه ونشر هامان العقيدة الجديدة بين الناس وحاول إضلالهم بها كما أضل فرعون نفسه ,
لكن الناس لم تستجب لهامان بقدر ما استجابت لهيكل !
وهذا يعطينا فكرة عن القدرات الخيالية التي يتمتع بها هيكل في مجال السياسة والإعلام !
ولكن .. ياللأسف ,
لو كان هذا كله في سبيل الله !

الهوامش :


[1] ـ خريف الغضب ـ محمد حسنين هيكل ـ طبعة الأهرام الكاملة
[2]ـ مذبحة الأبرياء فى 5 يونيو ـ وجيه أبو ذكرى ـ المكتب المصري للنشر

 
قصة النكسة ( لماذا كانت هزيمة يونيو .. لازمة )

لكن من المستحيل أن يكون هذا كله في سبيل الله , والعقيدة نفسها مختلة ,
ووالله لو أن الناصريين يحبون عبد الناصر حقا ,
لرجموا هيكل بالحجارة على ما فعله بعبد الناصر ,
فليت أنه اكتفي بأن يضيع عبد الناصر في الدنيا بل ضيعه في الآخرة أيضا لو كان صادقا في الرواية التي يرويها عن عبد الناصر في كتابه ( الطريق إلى رمضان ) ,
أورد هيكل الحوار الآتى بينه وبين عبد الناصر قبيل وفاة هذا الأخير بأيام ! [1] :
( وسكت عبد الناصر قليلا ثم سألنى سؤالا غريبا عدت إليه فيما بعد : هل أنت مؤمن
فقلت : أجل بالقطع أنا مؤمن
فسأل قائلا : إذن قل لى ماذا بعد الموت ؟!
فقلت : ذلك سؤال بالغ الصعوبة { !! علامة التعجب من عندى .. والتقيل ورا }
وقلت : أعتقد أن الجنة والنار هما هنا فوق الأرض .. وربما كان القصد من ذكرهما هو الرمز للخير والشر وفى إمكاننا نحن بأنفسنا أن نجعل من حياتنا جنة أو نارا .. بعد الموت ربما كانت النهاية
فقال عبد الناصر : أتعنى أن يفعل خيرا في الأرض لا يدخل الجنة
قلت : لا أدرى { !!! أيضا علامات التعجب من عندى } وإنما أظن أن الجنة والنار رموز
قال : ذلك يعنى أننا بالموت ننتهى .. وهذا كل شيئ
قلت : هذا كل شيئ { شفتوا الحلاوة يا جدعان !! }
فقال : هذا ليس مطمئنا ..
وبعد هذا الحديث بثلاثة أيام كان عبد الناصر قد انتقل إلى رحاب الله )
{ انتهى كلام هيكل بحروفه }

هل رأيتم الكارثة !
لو مات عبد الناصر وهو مقتنع بما أدخله هيكل في عقله بأيامه الأخيرة فسيكون مع فرعون رأسا برأس !
أى أن هيكل لم يكتف بأن هو الذى اخترع لعبد الناصر دين الناصرية وروجه له , وصاغ له كتابه الميثاق وغيره , بل تعدى الأمر حدا أن أفسد على الرجل معتقده الذى نشأ عليه !
ولست أدرى حقيقة ما هى الحكمة أن يلعب هيكل بعقيدة عبد الناصر على هذا النحو , وما الذى كان يضير هيكل ـ ما دام منكرا للبعث والحساب ـ أن يظل عبد الناصر على عقيدته لأنها ـ حتى بمنطق هيكل ـ إن لم تنفعه فلن تضره !
وما كان هيكل يعتقده ـ نأمل أن يكون قد تراجع ـ هو الإلحاد بعينه , والإلحاد أمر لازم وضرورى لكل أصحاب المنهج الإشتراكى الذى يستلهم الشيوعية ويتعالى على الدين ويحاول إبعاده عن الحياة بوسائل مختلفة ,

ومن الغريب أن هيكل غضب جدا من السادات عندما أعلن السادات في خطابه يوم 14 سبتمبر 1981 م , أن هيكل رجل ملحد وأنه لا يؤمن بالأديان , وأنه كان يفطر في رمضان علنا ويسخر من الشعائر الدينية !
وعلق هيكل في ( خريف الغضب ) قائلا أن هذه التهمة ألقاها السادات جزافا دون أن يدلل عليها بدليل واحد , ونسي هيكل أنه حتى الإفتراء لابد أن يكون أصل من الواقع حتى يكون قابلا للتصديق ,
ولو لم يكن السادات قد رأى شيئا عليك يشي بذلك لما خطرت بباله فكرة اتهامك بالإلحاد من الأصل ,
هذا فضلا على أن كتاب ( الطريق إلى رمضان ) تم نشره عام 1975 م , وفيه بالطبع هذا الحوار الأخير !
ولو أن العلمانيين والإشتراكيين في عالمنا العربي لا يذكرون عقيدتهم صراحة خوفا من استهجان الناس , إلا أن عقيدتهم الحقيقية تتسرب رغما عنهم من حيث لا يدركون ,
فهذه هى العقيدة التي حكمت هيكل في فترة تنظيره للناصرية , ولهذا نقول أن الناصريين كانوا ـ ولا زالوا ـ ينظرون للإشتراكية والناصرية على أنها دين آخر .. عقيدة أخرى بكل ما في الكلمة من معنى ,
وها قد أفصح عنها هيكل صراحة , بعد أن تلمسناها من خلال استخدامهم لمفردات الدين في وصف علاقتهم بعبد الناصر وبالإشتراكية ,
وما كان هيكل يعتقده هو نفس حال الإشتراكيين ورموز العهد الناصري ,
فلم يكن الأمر مقتصرا على هيكل وحده ,
فلو عدنا لمذكرات حسن الزيات سنجد أن يدمغ معتقدات الإشتراكية والناصرية وشخص عبد الناصر بألفاظ الإعتقاد والإيمان وغيرها , ويعبر عن فترة السادات بفترة الردة !
ولو أننا عدنا لمذكرات مراد غالب وزير الخارجية وسفير مصر الأسبق بموسكو لمدة أربعة عشر عاما , ومهندس العلاقات مع الإتحاد السوفياتى وأحد رموز الناصريين ,
لو عدنا لمذكراته سنجد ما هو أصرح من ذلك , والكارثة أنهم يذكرون هذا الأمر بشكل شبه صريح يشعر المرء معه وكأنهم أخرجوها دون تعمد ,
يتحدث مراد غالب في مذكراته عن المذاهب الجديدة وعن الإشتراكية والشيوعية التي أعجبته أفكارها , لكنه يورد عليها نقدا وحيدا , فتعالوا نتأمل كنه هذا النقد الذى فشلت فيه الإشتراكية في رأى مراد غالب
( كانت هناك فرضية مهمة لم يستطع عقلي أن يسلم بها , وهى أصل الكون المادى فالمادية تفترض وجود المادة ثم تطورها ولكنى كنت أسأل نفسي دائما هذا السؤال :
ومن أوجد هذه الكميات الهائلة التي تكون منها هذا الكون اللامحدود ؟!!
إن المادية تفترض وجودها وتبنى نظريتها عليها ولا تبحث في منشأ وجودها أصلا فهى بالنسبة لى لم تحل قضية الخلق )
ثم يتابع ..
( وحتى الآن فالعلماء يتحدثون عن الإنفجار الكبير الذى حدث لكتلة هائلة من الطاقة أوجدت الكواكب والنجوم وأعتقد أنهم وصلوا إلى أصل الكون ولكنهم لم يفصحوا لنا ..
من الذى أوجد هذه الكتلة الهائلة من المادة .. وأين كانت موجودة وهى نفس المشكلة التي قابلتنى في الحديث عن الماركسية الجدلية والتاريخية )
ثم يورد مراد غالب نقاط القوة والتميز في نظرية الماركسية فيقول :
( ولكنى أعترف بأن كثيرا من أدبيات الماركسية شدتنى إليها خصوصا أنها تعتمد على العلم والإقتصاد ونظريات التطور وكلها عناصر يلمسها الإنسان وليست غيبيات يؤمن بها أو لا يؤمن )
خيبك الله يا دكتور مراد !
تتساءل وأنت الآن في الثمانين من العمر من الذى أوجد الكون ومادته الأولية !
ولا زلت تعجب بنظرية التطور التي سقطت من المعاهد العلمية منذ نصف قرن واعتبرها العلماء سببا في تأخر علم الأحياء لمائة عام !

لكن كما قلنا ..
هذه نتيجة طبيعية للإشتراكية وأخواتها , ولا ينبغي لنا أن تثير دهشتنا ,
فلولا هذا المنطق الإلحادى لما اعتنى القوميون بأنفسهم ورفعة أنفسهم وذواتهم وتحقيق المجد الشخصي حتى لو كان على حساب الأمة العربية بأكملها .. والتى يدعون أنهم قاموا من أجلها !!
لأن منطق الإلحاد لا يري إلا الدنيا , وبالتالى يصبح من قبيل الحماقة أن يسلك الإنسان مسلك الصدق مع النفس ومع الغير وأن يمارس الإخلاص والتجرد والتضحية ,
فهذه المشاعر كلها جزاؤها معقود بالآخرة وحدها , وهؤلاء لا يؤمنون بالبعث أصلا , فليس من حقنا إذا أن نلوم عليهم ما فعلوه بالأمة طيلة ثمانية عشر عاما قاحلة !
لم يكتفوا فقط بصناعة الزيف والتضليل , بل أصروا عليه حتى آخر لحظة من أعمارهم , بل لا زال هيكل لليوم يمارس نفس المنطق الإعلامى الذى أورد فيه الناس مورد التهلكة عندما جعلهم بكتاباته يعيشون الوهم ويجترون الأحلام بعد أن فشل واقعهم المرير في تحقيق أى إنجاز موعود ,
وقد صرح هيكل ـ في معرض حديثه على قناة الجزيرة أثناء شرحه لحرب الإستنزاف ـ أن حرب الإستنزاف هى حرب حقيقية وإنجاز غير مسبوق ولكنها ـ على حد كلامه بحروفه ـ ذات أبطال لم يغنى لهم أحد ولم يتذكرهم أحد !!
ياللمصيبة .. أغانى تانى !!
أو بعد ثمانية عشر عاما من الأغانى والتسبيح بحمد الإنجازات الوهمية , تتحسر على أن الفعل الإيجابي الوحيد الذى تم في عهد عبد الناصر لم يغنى له أحد !
وتفتخر وتعتز لدرجة الإنتفاخ بعمليات المقاومة في الإستنزاف الذى كلفتنا مقابلا ضخما وتحملناه صابرين , وتريد أن تبيع هذا الإنجاز على أنه معادل لانجاز أكتوبر لمجرد أن عبد الناصر كان على قيد الحياة حينها !
من الطبيعى جدا ألا يغنى أحد لحرب الإستنزاف ,
لأنها أقل القليل الذى كان لزاما علينا فعله في مواجهة هزيمة ساحقة أكلت الأخضر واليابس وفضحت الجيش المصري في العالمين , فضلا على أن خسائرنا فيها فاقت خسائر إسرائيل في العدة والخسائر البشرية أيضا
فإذا تغنينا ـ بعد هزيمة يونيو ـ بإغراق مدمرة أو غواصة لجلبنا لأنفسنا سخرية العالم أجمع على هذا الشعب الأحمق الذى فنى جيشه في هزيمة مروعة ثم يطنطن في الإعلام لعمليات محدودة تكفي بالكاد لإعادة الثقة بالنفس !

ومن الطبيعى جدا أن تذوب حرب الإستنزاف عن الذاكرة بعد الإنجاز الرهيب في حرب أكتوبر والذي كان ـ بشهادة الإسرائيليين ـ صورة معكوسة من هزيمة يونيو , ونجح المصريون في عبور الهزيمة قبل أن يعبروا قناة السويس
وبفضل صيحة الله أكبر والإيمان الذى استرده المقاتلون حققوا المعجزات في بدر الصغري وبهروا العالم كله وصارت معاركهم كتبا يتدارسها أباطرة الحرب في العالم
والذين حققوا إنجاز أكتوبر , هم نفس الشباب الذين حققوا إنجاز حرب الإستنزاف ,
وعليه من الطبيعى أن نركز في تذكر حرب أكتوبر ونشيد بها ونغنى لها ونهمل ما قبلها , إذ أن الفاعل واحد في الحالتين ,
ولا يوجد عاقل يقول أن التغنى بتفوق طالب في الإعدادية بمجموع 50 في المائة أفضل من التغنى لهذا الطالب بتفوق أعظم في الثانوية بمجموع مائة في المائة !

لكن السر ينكشف في تغنى هيكل ومطالبته بأن يهتم الناس بحرب الإستنزاف , سببه ـ كما قلنا ـ العقدة النفسية المروعة التي يعيشها الناصريون بسبب حرب أكتوبر ,
فقائدهم ـ الذى غنوا له كل هذه الأغانى ـ لم يحشد جيشه للهجوم إلا على اليمن والسعودية والسودان , ولم يطلق طلقة واحدة تجاه إسرائيل بمبادرة هجومية منه ,
بل كان دائما أبدا مدافعا في مواجهتها ,
والكارثة أنه فشل حتى في الدفاع وبفضيحة مروعة , فانسحب الجيش تحت قيادته في حربين متتاليتين
والجيش المصري ـ تحت قيادة عبد الناصر ـ هو الجيش الوحيد في العالم الذى انسحب من نفس الجبهة في سيناء مرتين , وليته كان انسحابا مشرفا , بل كان هروبا وبأوامر رسمية , فالإنسحاب فن تكتيكى مستقل , أما ما حدث في سيناء في المرتين فهو هروب حيث صدر الأمر بانسحاب كل رجل على مسئوليته!
وفى المرتين ترك سلاحه ـ دون قتال ـ غنيمة سهلة لليهود ,
وكان أيضا هو الجيش الوحيد الذى تم تدمير سلاحه الجوى مرتين من نفس العدو وبنفس الطريقة وعلى الأرض دون أن يقاتل الطيارون أو يمنحوهم الفرصة لذلك وبأوامر من عبد الناصر أيضا كما سنرى ..
وهو الجيش الوحيد الذى تم تدمير سلاحه الجوى في معركة عسكرية ثم ظل نفس قائد السلاح ـ الفريق صدقي محمود ـ في نفس موقعه حتى تم تدمير السلاح مرة أخرى وتحت قيادته في حرب 67 ,
فمن الطبيعى جدا أن تنهش قلوبهم الغيرة من وقوع حرب أكتوبر في عهد خصمهم السادات , بينما مات زعيمهم بدون أى انتصار حقيقي في حياته , وهم يؤمنون بذلك رغم محاولاتهم المستميتة في اختراع الإنتصارات له !
وهيكل يعتبر معركة 56 نصرا كاملا تاما لم يسبق في التاريخ الحديث !!
وكأن مصر وجيشها انتصروا بمفردهم على الدول الثلاث , وكأن القوتين الأعظم لم تتدخلا وتنقذا مصر من براثن العدوان تحقيقا لمصالحهما ؟!
ولست أدرى أى إنتصار هذا الذى يفخر به هيكل وقد جاءه بعلم أمريكى سوفياتى !

لكن هذا الزيف ينكشف عندما نطالب هيكل بشهادة واحد من السياسيين الغربيين ـ نظرا لإعجابه بالغرب ـ يقول أننا انتصرنا على هذه الدول أو على الأقل يقول أن نصر 56 أكمل انتصار في التاريخ الحديث !
بينما يشهد مئات المحللين والدارسين الغربيين أن انتصار أكتوبر كان ـ ولا يزال ـ معجزة منفردة غيرت بعض مفاهيم الحرب العالمية الثانية نفسها !
وقام بها الجيش المصري وحده , في مواجهة أعتى الدول الإستعمارية ,

ولست أدرى ما الذى يبتغيه هيكل من كل هذا بعد كل هذا العمر !
إن الملايين التي ضللتها هالات التعظيم والبيانات المزورة والعظمة الكاذبة , ذنبها في رقبة هيكل الذى صاغ عناصر هذا العهد , ودماء الآلاف من شهداء يونيو الذين ذهبوا هباء , وتركوا جثثهم للكلاب والذئاب في سيناء , واستخدمتهم إسرائيل في تجارة الأعضاء .. يقع وزرها على هيكل وإعلامه الذى خدع عقول هؤلاء الشباب ودفعهم لحتفهم ,
فأى ضمير يحتمل هذا كله ؟!
إن مثلنا الإسلامية العليا ـ التي غابت عن هيكل , علمتنا درسا بليغا ما أحوج الناس إليه الآن
فأحمد بن حنبل رضي الله عنه في محنة خلق القرآن التي اخترعها الخليفة العباسي المأمون , وأمر العلماء وأجبرهم على القول بها وقف خلالها أحمد بن حنبل رافضا الإشتراك فيها ولو قتلوه ,
وقام المأمون بسجن الإمام الجليل وعذبه وضربه بالسياط حتى تفتق لحمه وتناثر عن جسده ,
فلما أشفق عليه بعض سجانيه , قالوا له : أليس لك رخصة في إطاعة الخليفة وأنت مضطر غير باغ
فقال الإمام أحمد للسجان : العالم لا يأخذ بالتقية , ولو أخذ بها فمن يبين الحق من الباطل ,
ثم أمره الإمام أحمد أن ينظر من نافذة السجن ,
فنظر السجان فوجد آلافا مؤلفة من الجماهير تنتظر أن يطل عليهم الإمام ويفتيهم , وعندئذ قال بن حنبل :
أرأيت هؤلاء الذين ينتظرون العلم منى , أقتل نفسي خيرا لى من أضل هؤلاء كلهم ..
فهل رأى الأستاذ هيكل هذه المثل أو سمع بها يا ترى !

وليتأمل القارئ إلى أين وصلت القومية بأصحابها ,
ليدرك كل منصف عاقل كيف أن نكسة يونيو كانت لازمة حتمية الحدوث ,
ويدرك أن وقائع النكسة ويومياتها البائسة ـ التي سنشرحها ـ عبارة عن نتيجة طبيعية لا ينبغي أن تثير الإستغراب أو الدهشة ,
ما دام القائمون علي أمر المسلمين تركوا الإسلام وتشبثوا بغيره



الهوامش :
[1]ـ الطريق إلى رمضان ــ محمد حسنين هيكل ـ دار النهار للنشر والتوزيع
 
رد: قصة النكسة

بصراحه المقال طويل ومشوق ويحتاج لوقت طويل من القراءه المتانيه

وانا موافق علي معظم الكلام لكن لي بعض الملحوظات
ولو لم يكن هناك أثر لغياب البعد الدينى مطلقا إلا أنه منح القيادة المصرية حق التفاوض المنفرد بعد الحرب ـ بسبب أن القضية أصبحت قضية قوميات ـ والإبتعاد , لكفانا كارثة !
ولولا تيار القومية ما استطاعت مصر تقديم قضية أرضها على قضية القدس

الظروف المحيطة بالموقف ايامها وانشغال كل بلد في مشاكلها ادي الي ان الدول العربية ادارت ظهرها للقضيه ولم تساعد دول المواجهه بشئ يذكر ....ولو فعلا مصر قدمت قضيتها علي قضيه القدس وباقي الاراضي العربية المحتلة فلماذا خاطب السادات الاسد ...قبل زيارته للقدس ...وقد عبر الاسد للسادات علي عدم ممانعته لزيارة السادات ثم اتي بعد ذلك الاسد وهاجم السادات وانضم لدول الرفض كما ذكر سفير روسي لاحقا هذه الحقائق ...وكذلك ياسر عرفات ...فقد وضع المساعدات العربية في كفه ....وحل القضيه بالانضمام الي المباحثات في الكفه الاخري ...واعتقد انه كان يستفيد من المساعدات العربية بصورة شخصيه والا ما ترك الملايين بعد وفاته ...مما ادي لرجاحه كفه المساعدات العربيه
فلنبحث معا ..ماذا لو لم تحل قضيه سيناء بواسطه الاتفاقيه ..؟؟ هل كان من الممكن ان تشن مصر او العرب جميعا حربا جديدة علي اسرائيل؟؟
الاتفاقيه ليست الحل الامثل للقضيه ...وهذا لا شك فيه ....لكنه الحل الافضل او الاوقع بين الخيارات الاخري

وفعلا قال كاتب المقال هذا الكلام لاحقا
إلا أنه وللأسف لم يقتصر الأمر على ذلك !
بل إستمر حاجز التضييق مع مفاوضات أوسلو التى هلل لها الإعلام العربي على نحو مضحك , رغم أن الشواهد كانت بادية الوضوح فى أن الجلوس إلى المفاوضات قبل الحصول على مكاسب واقعية على الأرض بقوة السلاح , لا تعتبر مفاوضات بل مهاترات , فالطرفان فى التفاوض ـ أى تفاوض ـ يتحدث كل منهما وهو يستند إلى ما يملكه فيفاوض به , فما الذى كان يملكه عرفات ـ غير الكلام الإنشائي طبعا ـ ليحتج به فى مفاوضات قوة لا مفاوضات مبادئ
أى أنهم فشلوا حتى فى تطبيق جيد للتيار القومى ولم يستطيعوا الإتحاد على كلمة واحدة تستثمر نتائج حرب أكتوبر كنقطة قوة أمام نقاط القوة التى تتمتع بها إسرائيل فيحققوا مكاسب مرحلية منها
فرفضوا الإنضمام للسادات ثم عادوا بعده منفردين كقوميين , تطبيقا لمبدأ ( كلٌ يغنى على ليلاه ! ) , وتفاوض كل منهم في طريق منفرد سعيا للمكاسب الشخصية في المقام الأول

وبالتالي كما ذكر الكاتب هنا .....لا مفاوضات بدون تحرك عسكري يضع لك الافضلية في المباحثات
فهل فعلا العرب كانوا يخططون لاي تحرك عسكري بعد 73 ؟؟
استطع ان اقول ...لا والف لا
فماذا قدموا كتعويض عن خسائر الحرب لمصر وسوريا بعد الحرب...تذكروا الدعم الامريكي الغير محدود لاسرائيل قبل واثناء وبعد الحرب وحتي ساعتنا هذه
 
رد: قصة النكسة

اولا شكرا لصاحب الموضوع
انا ارفض مصطلح نكسه بل هى هزيمه هزيمه فى حرب من طرف واحد حرب ضد نظام فاشل مضلل يتحمل المسوليه كامله نظام اوهم الشعب بقوة جيشه وحسن قيادتة وافق الشعب على الهزيمه واراد النظام تجميل الصوره فاطلق عليها اسم نكسه
 
رد: قصة النكسة

اولا شكرا لصاحب الموضوع
انا ارفض مصطلح نكسه بل هى هزيمه هزيمه فى حرب من طرف واحد حرب ضد نظام فاشل مضلل يتحمل المسوليه كامله نظام اوهم الشعب بقوة جيشه وحسن قيادتة وافق الشعب على الهزيمه واراد النظام تجميل الصوره فاطلق عليها اسم نكسه

كلمه نكسه في رايي الشخصي اشد وقعا من كلمة هزيمه
والاسباب كما وضحها كاتب المقال ...اسباب داخلية واخري خارجية ...عربية واجنبية
بالاضافه الي الاخطاء الفادحه علي كافة المستويات بدا من الرقيب المسؤل عن استقبال الاشارة او من يماثله علي الجانب الاردني ....مرورا بمدير مكتب المشير والذي خشي ان يوقظه صباحا وتركه لينام!!!!! ثم اندفاع المشير الي مركز القياده وضرب التسلسل الفني للقرارات عرض الحائط واصدر اكثر القرارات تدميرا في الحرب
طبعا بالاضافه الي الخيانات الاخري من تقاعس وغيرها ...وهي معروفه للجميع
بصراحه تكاتفت الظروف بشكل غريب ومذهل لصالح اسرائيل وحققت انتصار لم تكن تحلم به
طبعا في رايي ان اسرائيل كانت ستحقق انتصار في الحرب اذا لم تحدث هذه الخيانات او الاخطاء
لكن ما اقصده هنا سهولة انتصارهم وكبر حجم خسائرنا لم يكن ابدا ولا في احلام اسرائيل
 
رد: قصة النكسة

كلمه نكسه في رايي الشخصي اشد وقعا من كلمة هزيمه
والاسباب كما وضحها كاتب المقال ...اسباب داخلية واخري خارجية ...عربية واجنبية
بالاضافه الي الاخطاء الفادحه علي كافة المستويات بدا من الرقيب المسؤل عن استقبال الاشارة او من يماثله علي الجانب الاردني ....مرورا بمدير مكتب المشير والذي خشي ان يوقظه صباحا وتركه لينام!!!!! ثم اندفاع المشير الي مركز القياده وضرب التسلسل الفني للقرارات عرض الحائط واصدر اكثر القرارات تدميرا في الحرب
طبعا بالاضافه الي الخيانات الاخري من تقاعس وغيرها ...وهي معروفه للجميع
بصراحه تكاتفت الظروف بشكل غريب ومذهل لصالح اسرائيل وحققت انتصار لم تكن تحلم به
طبعا في رايي ان اسرائيل كانت ستحقق انتصار في الحرب اذا لم تحدث هذه الخيانات او الاخطاء
لكن ما اقصده هنا سهولة انتصارهم وكبر حجم خسائرنا لم يكن ابدا ولا في احلام اسرائيل
نظام عبد الناصر نظام فاشل بكل المقايييس
عامتا حالة مصر فى عهدة كانت اشبة بسباااااااااط عميق
نعانى منة الان داخليا وللاسف

للعلم تلك الحرب غيرت مفهوم مصر الاستراتيجى
وتلك من مزايا الهزيمة
والتى بانت هذا التغيير فى حرب الكرامة73
 
رد: قصة النكسة

انتصار اسرائيل لم يكن بمحض الصدفه بل كانت ترتب لذالك حيث استطاعت ان تقحم مصر فى حرب اليمن مستغله حب عبد الناصر لفكرة الوحده العربيه واتقانه لدور قائد العرب ومخلص الشعوب وكذالك قيام اسرائيل بتحالف غير معلن مع امريكا ومستغله الاوضاع الداخليه وحالة الشعب المصرى وعلاقته مع النظام الحاكم كل تلك الاسباب مهدت لانتصار اسرائيل فى حربه او بمعنى ادق ضرب الجيش المصر وتصفيته وكسر غرور جمال عبد الناصر
 
رد: قصة النكسة

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ,
كل الشكر لكم جميعا أيها الإخوة على ملحوظاتكم التى جاءت تنم عن وعى مستنير ,
وبالنسبة لكلمة نكسة وكلمة هزيمة ,
فتعبير نكسة صكه هيكل للتخفيف من وقع الهزيمة لكنه اكتسب مع مرور الوقت وظهور الكوارث وقعا أشد مرارة من ألف تعبير عن الهزيمة ,
والعبرة ليست فى صياغة اللفظ وإنما بمدلوله
ولو كان هيكل لا يزال على رأيه أنها نكسة بمعنى أنها أخف من الهزيمة
فليته يشرح لنا كيف تكون الهزيمة الساحقة إذا ؟!

وبالنسبة لوجهة نظرك أخى حمادة حول صدق موقف السادات
فلست أختلف معك ـ كما هو واضح من موضوعى عن أكتوبر ـ فى أن تصرفه كان سليما بالنسبة لوقته ,
وليس فى الإمكان ما هو أفضل ,
لكن انتقادى ليس فى تلك النقطة بل كنظرة عامة لو كانت المرجعية كلها مبنية على الفكر الإسلامى بناء حقيقيا لا بناء أجوف
ساعتها سيكون الاتحاد فى المصالح فعليا بين العرب ولن تكون هناك شعارات براقة دون فعل كما كان الحال مع القومية
فتصرف السادات كان سيصبح خاطئا لو أن المرجعية واحدة على قلب رجل واحد
أما قد كان ما كان , فلم يكن هناك أبدع مما كان

وأمر آخر آخذه على السادات هو الاتفاق الاستراتيجى مع الولايات المتحدة , وتبرع السادات لأمريكا بتنفيذ سياستها ومصالحها فى المنطقة ,
فلن يكون لنا كلمة إلا إذا تحررنا من هذا الاحتلال ـ عن بعد ـ الذى نخضع فيه للسياسة الامريكية منذ ذلك الحين

وتقبلوا احترامى
 
عودة
أعلى