المملكة العربية السعودية..
التحديات وسبل المواجهة
التحديات وسبل المواجهة
بقلم الدكتور: صالح بن بكر الطيار
يتضح من خلال متابعة التحريض الإسرائيلي على المملكة العربية السعودية أن هذا التحريض، لا يقف عند حدود خطر الإمكانيات المالية والاقتصادية السعودية،بل يتعدى ذلك إلى ما يسمى بالخطر العسكري. وباعتقاد زعماء إسرائيل واللوبي الصهيوني واليمين المسيحي الأميركي أن السعودية التي تعتبر الأقوى اقتصادياً في الشرق الاوسطقادرة على أن تكون الأقوى عسكرياً لأسباب عديدة أهمها:
أولاً: قدرتها على استيعاب أفضل أنواع الأسلحة.
ثانياً: قدرتها الاقتصادية على شراء أو تصنيع أي نوع من الأسلحة المتطورة وفي الحالتين فإن هذا يمثل(خطراً داهماً على مستقبل الأمن الإسرائيلي) كما يقول ضباط رئاسة الأركان في تل أبيب ويذهب هؤلاء أكثر في هواجسهم إلى اعتبار أن السعودية (عدو نووي) قادم (يجب الاحتراز منه منذ اليوم)، والحقيقة أن المخاوف الإسرائيلية هذه تعود إلى الخمسينات حيث رفضت المملكة العربية السعودية سلسة عقود عسكرية. ثم تبين لاحقاً أن السعودية وخلافاً للتوقعات الأميركية – الإسرائيلية قادرة على استيعاب كل التقنيات القتالية الحديثة وأنها استطاعت بسرعة زمنية فائقة تطوير قدراتها على استيعاب كل التقنيات القتالية الحديثة وأنها استطاعت بسرعة زمنية فائقة تطوير قدراتها القتالي لا سيما في سلاحي الجو والبر.
وازداد القلق الإسرائيلي حين حصلت السعودية على طائرات الإنذار المبكر (الاواكس) من الولايات المتحدة والتي سمحت للسعودية برصد كل ما يجري على حدودها خصوصاً مع فلسطين المحتلة.
وفي عام 1980 انتقل هذا القلق إلى حدود الاحتكاك المسلح مع السعودية من خلال محاولة الطيران الإسرائيلي اختراق المجال السعودي، ولا يخفى أن السعودية حققت نجاحات باهرة في مواجهة اللوبي الإسرائيلي الذي وقف أكثر من مرة لمنع حصول السعودية على أسلحة أميركية متطورة مثل (الأواكس) و (أف –15).
وفي عام 1988 فتحت وسائل الإعلام الإسرائيلية ملف التسلح السعودي من خلال مزاعمها عن حصول السعودية على صواريخ (سي.أس.إس.2) الصيني الصنع؟. وهو صاروخ متوسط المدى يبلغ مداه 2500- 3000 كلم.
وليس سراً على أحد أن المزاعم حول تضخيم حجم القدرات العسكرية العربية والسعودية، هي سياسة إسرائيلية متبعة لابتزاز الإدارة الأميركية مالياً وتسليحياً ولإثارة الحوافز العدائية ضد العرب والمسلمين كما أنه حسب سراً أن السعودية سعت وما تزال لامتلاك أفضل أنواع الأسلحة في العالم. وهي لذلك عملت على تنوع المصادر، والحاجة السعودية إلى هذا السلاح ينطلق بالأساس من حاجة دفاعية، لأن دولة مثل السعودية لها حدود شاسعة بحراً وبراً من حقها حماية هذه الحدود. كما من حقها البحث عن خياراتها التسليحية خصوصاً في مجال الحصول على أسلحة تفوق جوي مثل طائرات (أف-15 وأف16 – ودبابات أميركية وبريطانية وفرنسية وكذلك على طرادات وفرقاطات وغواصات. ولأن الدفاع عن المملكة العربية السعودية مهمة وطنية مقدسة تستحق بذل كل ما هو غال ونفيس، فإن السعودية لن تقف عند حدود المزاعم الإسرائيلية حول خطر سعودي يهدد أمن العالم).
كما أن الحديث الإسرائيلي عن هذا الخطر يتواكب مع الحملات الإعلامية ضد السعودية منذ الحادي عشر من أيلول / سبتمبر عام 2001م ويهدف وباعتقاد زعماء الجدولة العبرية أن مزاعمهم حول (النزعة العسكرية السعودية) ومحاولة حصولها على الأسلحة النووية يزيد حظوظ وضع السعودية على (لائحة الإرهاب الدولي). وقد استخدم الإسرائيليون كل وسائلهم الإعلامية في سبيل ذلك ولتحقيق ذلك تم تحريك (الأبواق الصحافية) الأميركي مثل صحيفة (نيويورك تايمز) والواشنطن بوست التي زعمت في أيار / مايو عام 2002م أن السعودية حصلت على صواريخ متطورة، وقد رافق هذه المزاعم حملة إعلامية إسرائيلية حول (تطوير السعودية لقنبلة نووية إسلامية بالتعاون مع باكستان).
كما أعادت الصحف الإسرائيلية الى الأذهان صفقة الصواريخ الصينية وللزيادة في دعم هذه الافتراءات اختلق الإسرائيليون معلومان زعمت صحيفة (يديعوت احرونوت)أن القمر التجسسي الاسرائيلي (ايكونوس)نشر صوراً التقطت لصحراء السليل في نهاية آذار / مارس عام 2002م وتثبت أنه في السنوات الأخيرة استثمر السعوديون طاقة هائلة في تطوير المدينة العسكرية السرية، الملك خالد، هناك، وقال أنه بالمقارنة مع صور سابقة لمنطقة نفسها، اتضح تماما أن البناء المكثف في المنطقة التي تمتد لمئات الكيلومترات المربعة وسط الصحراء،وأن هناك مواقع إطلاق للصواريخ وطرق مرور وقيادات ومناطق سكنية واسعة ومسجداً للمهندسين وأعضاء الطاقم (المشرفين على القاعدة) وكذلك موقعاً مستحدثاً وكبيراً يمتد على 1400 كيلومتر مربع مليئاً بمخازن الأسلحة التقليدية وغير التقليدية، فيما ظهر شرقي قاعدة السليل قاعدة أخرى محاذية لسلاح الجو السعودي مع سربين من مقاتلات تورنيدو بريطانية الصنع.
وأبرزت الصور – حسب مزاعم الصحيفة – قاعدة الصواريخ الكبيرة وهي مكونة من منطقة داعمة ومنطقتي إطلاق تبعد الواحدة عن الأخرى مسافة 60 كيلومتراً وتقعان في أودية ضيقة وخفية، وقال أن المنطقة المساندة ستضم أكثر من 33 مبنى، ثمانية منها ضخمة إلى درجة تكفي لتخزين صواريخ ضخمة بحجم (سي.أس.إس – 2) بحلول 24 متراً، كما أن منطقة الإطلاق تشمل أبنية منتشرة وموقع إطلاق من الأسمنت (…) وفي كل واحدة من منطقتي الإطلاق تم تشخيص مبنى غير واضح مغطى بالتراب بطول حوالى 50 متراً، ومخزنين أرضيين للصواريخ وبنايتي إسناد كبيرتين ومرائب.
وقال كاتب التحقيق أن الأميركيين الغاضبين طلبوا توضيحات (من الرياض) فأجاب السعوديون بأنهم بحاجة إلى صواريخ من أجل الدفاع عن أنفسهم من إيران، وبأنهم لجأوا إلى الصبن لشرائها بعدما رفضت الولايات المتحدة بيعهم عام 1985م طائرات أف-15 بضغط إسرائيلي على الكونغرس يومذاك، وفي نهاية الأمر تم بيعهم 24 طائرة ولكن بعد انطلاق المشروع الصاروخي السعودي.
ونسبت الصحيفة ال "سي.أي.أيه" قولها أن الملك فهد بن عبد العزيز التزم بألا تسلح السعودية صواريخها الجديدة برؤوس نووية أو كيميائية، وإلا تستخدمها في أول هجوم (…) ومن اجل تبديد مخلوف واشنطن وقعت الرياض على ميثاق عدم نشر السلاح النووي، والتزم العاهل السعودي بألا تشارك بلاده في تطوير قنبلة نووية، واعداً بأنه بعد نشر الصواريخ (الصينية) فإن النشاط العسكري في منطقة السليل سيتوقف .. لكن ذلك لم يحدث …
وقال أنه على الرغم من ذلك،وعد السعوديون بتمكين رقابة أميركية على موقع السليل إذا ضمنت واشنطن ألا تهاجم إسرائيل المملكة، ولكن في نهاية المطاف لم يسمح لأي أميركي بزيارة تلك المنطقة (…) وأمرت الإدارة الأميركية إسرائيل بالتزام الهدوء …
ومن الطبيعي أن تجد إسرائيل من يصدق هذه (الترهات) في البيت الأبيض والبنتاغون وفي الإعلام الأميركي ومن الطبيعي أكثر أن يضع أصدقاء إسرائيل في الإدارة الأميركية الحالية (السيناريوهات) العجيبة الغريبة ضد السعودية في ظل تحكمهم بالقرارات السياسية وال إعلامية والعسكرية.
لكن من الطبيعي أن لا تقف السعودية مكتوفة اليدين فاقدة الإرادة.
فالسعودية التي رغبت منذ بداية (الحدث الجريمة) في 11 أيلول / سبتمبر عام 2002م إلى تحكيم العقل في مواجهة الغطرسة والغرور واستبداد الرأي ليست عاجزة كما يحلو لبعض صقور واشنطن وقادة إسرائيل فهي وانطلاقاً من إيمانها بعدالة القضية التي تناضل من أجلها ستواصل مواجهة التحديات وعلى كافة الأصعدة إذا ما قرر الآخرون ذلك، وعلى هذا الأساس فإن هذه المواجهة تفترض عدم الوقوع في (ردات الفعل) والاهتمام أكثر بإيجاد المناخات الإيجابية من خلال حملة إعلامية منظمة في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية لإبراز الوجه الحقيقي للإسلام والدور الريادي للسعودية على الصعيدين الدولي والإقليمي.
إضافة إلى هذه الحملة فإن السعودية وكما كانت سابقاً قادرة على إعادة (لملمة)الصف العربي ودفعه باتجاه وحدة الموقف السياسي والرؤية الصوابية لفتح حوار جدي وفاعل مع الولايات المتحدة والعالم الغربي وهذا الحوار القائم على :
الاعتراف بالآخر.
الإقرار بحقوق الشعوب في تقرير مصيرها.
احترام سيادة الدول والشعوب.
نبذ الحروب وبناء سلام عادل وشامل في منطقة الشرق الأوسط.
إيجاد حل عادل لقضية الشعب الفلسطيني وإقامة دولته المستقلة عاصمتها القدس.
ويبقى أن تاريخ الحادي عشر من أيلول / سبتمبر عام 2001م لاشك خلق الكثير من الانطباعات السيئة والرديئة ضد المسلمين ووهب الإسرائيليين الفرص السانحة الإضافية للمضي قدماً في إثارة الحساسيات والخلافات بين السعودية والولايات المتحدة الأميركية، لكن تبقى الآمال معقودة على العقلاء في واشنطن ولندن وباريس وغيرها من عواصم القرار.
والسعودية ستبقى دائما الدولة المؤمنة بحق الجميع في الوجود وحقهم في الحياة في الوقت ذاته لن تتخل عن حقوقها وحقوق العرب المشروعة، وبالأخص حق الشعب الفلسطيني.
الأطماع الأميركية منذ السبعينات:
ليس بجديد القول إن الولايات المتحدة الأميركية تتعامل مع كافة دول العالم وفق فلسفتها البراغماتية التي تنظر أولاً وأخيراً إلى كيفية مصالحها ومنافعها الذاتية.
ولهذا فإن حملتها لمكافحة الإرهاب وكذلك حملتها ضد العراق لا يمكن أن يفهم إلا وفق هذا المنظور وإلا لما كانت أعارت هذه الملفات أي أهمية.
فاستعانتها بأساطيلها وقواتها المجوقلة، واستعدادها لتكبد الخسائر المادية والبشرية ليس حفاظاً منها على كرامة الإنسانية ولا صوناً للسلام العالم وإنما لأنها وجدت أن مصالحها الاستراتيجية باتت مهددة.
والذي يطلع على الدراسات التي تعدها الدوائر المختصة في الولايات المتحدة الأميركية يتبين له عن كثب إن كافة هذه الدراسات حاولت أن تستشرف مستقبل المخاطر التي هدد المصالح الأميركية.
سننشر هنا خرائط مأخوذة عن دراسة نشرتها مجلة "فورتشن" الأميركية الممولة من قبل وزارة الدفاع الأميركية. وتم إعداد هذه الدراسة عام 1971م من قبل عدد من الاختصاصيين في البنتاغون بالتعاون مع نظراء لهم من "السي.أي.ايه".
وتضع الدراسة التي جاءت تحت عنوان "مخاطر النفط" عدة احتمالات لكيفية مواجهة أي محاولة تهدف إلى منع تسرب النفط إلى أميركا ومن هذه الاحتمالات:
احتمال غزو الروس لمنطقة الخليج.
أو إقدام السلطات السعودية على وقف شحنات النفط.
أو إقدام العراق على غزو الكويت أو السعودية.
أو إذا ما نفذ "متمردون" إنقلاباً في الرياضة.
أو إذا أغلق "متمردون" مضيق هرمز.
وتقترح الدراسة سيناريو لكيفية مواجهة أي خطر من هذه المخاطر الأنفة الذكر مع ما يستدعي ذلك عن من تدخل عسكري أو أميركي مباشر..
السيناريو الأول الذي وضعته وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) يلحظ صياغة خطة لمواجهة أي غزو يفكر الروس بالقيام به لمنطقة الخليج. وجاء في السيناريو: "قبل سقوط الشاه، كانت الإستراتيجية الأميركية ترتكز على استخدام القوات الإيرانية للدفاع عن المناطق الجبلية الشمالية للبلاد، والتي تناسب تمامً هذا النوع من القتال. وفي انثناء ذلك، تتمكن الولايات المتحدة من أن تدفع بفرق المدرعات الثقيلة والقوات الأخرى المطلوبة لدعم القوات الإيرانية. أما اليوم فإن الولايات المتحدة تقف عاجزة عن مواجهة هجوم سوفياتي، وان كان بإمكانها أن تلجأ لفرض حصار بحري واعتراضات جوية للقوات المعادية. والرادع الوحيد في هذه الحالة، هو إدراك السوفيات بأن مثل هذا الهجوم يشكل عملاً حربياً ضد الولايات المتحدة"…
السيناريو الثاني يتطرق إلى كيفية التعاطي عسكرياً مع الدولة السعودية في حال اتخذت قراراً لسبب من الأسباب بقطع النفط، وجاء في السيناريو: "على الرغم من أن قطع المساعدات العسكرية يجعل سلاح الجو السعودي عديم الفعالية خلال أسابيع قليلة، على فرقتي مشاة – 82و101 – والقوى الجوية المساندة لهما، أن تقاتل ضد القوات البرية السعودية، ومنع تدمير حقول النفط بصورة كاملة. وعلى الرغم من ذلك سيتطلب إصلاح المنشآت البحرية عدة أشهر،وحتى سنوات. كما سيتطلب الأمر عدة آلاف من الجنود لحفظ الأمن بعد ذلك "..
السيناريو الثالث يتطرق إلى كيفية مواجهة العراق في حال عمد إلى غزو الكويت أو السعودية. وجاء في السيناريو: "تستطيع القوات المدرعة العراقية، تستخدم بصورة رئيسية معدات سوفياتية، أن تكتسح أياً من الدولتين بسرعة. ستشمل المساعدة في المرحلة الأولى، إذاً ما طلبت القيام بغارات جوية تكتيكية أميركية ضد المدرعات العراقية والقوات الجوية المساندة لها، وربما التهديد بتدمير منشآت النفط العراقية. ويتطلب إبعاد القوات البرية العراقية إنزال قوات من مشاة البحرية من الأسطول السادس أو السابع، وقوات مشاة الفرقتين 82 و101".
السيناريو الرابع يتطرق إلى كيفية التعاطي مع إرهابيين فيما لو استطاعوا أن يشكلوا خطراً على الدولة السعودية. وجاء في السيناريو: "عند تقدم العائلة المالكة السعودية بطلب مساعدة، ستشمل القوات الأميركية اللازمة لاحتلال العاصمة وحدات ن فرقة المظليين 82 وقوات مشاة خفيفة من فرقة المجوقلة 101، وطوافات بمساعدة من "القبعات الخضر" والجوالة. ستكون فترة ردة الفعل، انطلاقاً من القواعد الأميركية، ثلاثة أيام".
السيناريو الخامس يتطرق إلى كيفية التعاطي مع إرهابيين إذا استطاعوا أن يغلقوا مضيق هرمز. وجاء في السيناريو: "يجب على البحرية الأميركية ان تتدخل إذا ما قام المتمردون والإرهابيون فيعمان بإطلاق المضيق عن طريق إغراق نفط عملاقة أو بلغمه، بمساعدة سوفياتية، ستقوم كاسحات الألغام والطوافات بتطهير الألغام، وإنقاذ الطاقم والناقلات،وسيقوم مظليو الفرقة 82 بتأمين للقوات البحرية وقواعد صواريخ مضادة للطائرات، وذلك بالإضافة إلى تشتيت قوات المخربين" ..
يتضح من خلال هذه السيناريوهات التي وضعتها وزارة الدفاع الأميركية أن الهاجس الرئيسي لديها ليس إشاعة الاستقرار والوئام في العالم، والسعي للقضاء على بؤر التوتر، بل أن هاجس واشنطن كان وسيبقى دائماً هو السعي لحصولها على مادة النفط باعتبارها مادة استراتيجية. وهذا ما يقود إلى كثير من التساؤلات عن جدوى الخطاب الأميركي الذي يتحدث دائماً عن الصداقة فيما الصديق الوحيد للولايات المتحدة الأميركية هو مصالحها ومنافعها.
كما يقود إلى التساؤل عن شكل النظام العالمي الجديد الذي ترغب واشنطن بفرضه على العالم والذي لا ترى من خلاله إلا هيمنتها الآحادية على الاقتصاد الدولي..!؟
سبل المواجهة:
إن منطق التحديات التي تواجهها المملكة العربية السعودية يفترض إحياء منطق البحث عن الوسائل والأساليب، وأولى الحقائق في هذا المجال هو معرفة مقدراتنا لأن في ذلك الأسلوب الفعال لإدراك معرفة ماهية أسلحتنا السياسية والفكرية والإعلامية وحتى لمقارعة أعدائنا وخصومنا. ولا يجب أن يغرب عن البال حقيقة أن الهدف من كل ما يريده أعداء المملكة وبالأخص "اللوبي الصهيوني" هو هدم ما تحمله من قيم ومفاهيم وما تمثله من مركز للقرار الإسلامي والعربي. وما يحدونا إلى التفاؤل هو تلك التحولات والتطورات الاجتماعية والإنمائية والسياسية التي شهدتها المملكة برغم ما حيك ضدها من دسائس منذ سنين طويلة.
وإيماننا أن المملكة العربية السعودية ستخرج منتصرة وهذا يتطلب مواصلة الانفتاح الداخلي والإقليمي والدولي.
من هنا فإن هذا الدور يجب أن يكون بمستوى ما هو مطلوب من العرب والمسلمين. ولهذا يجب على المملكة تعزيز:
أولاً: الحوار العربي –العربي.
ثانياً: الحوار العربي – الإسلامي.
ثالثاً: الحوار الإسلامي – الإسلامي.
رابعاً: الحوار العربي – الأوروبي.
خامساً: الحوار العربي – الآسيوي.
ومن خلال هذه الحوارات تستطيع المملكة تحقيق الأهداف المرجوة منها وهي الوصول إلى صيغ عربية – إسلامية مشتركة لمجابهة مثل ما حدث في 1 أيلول (سبتمبر).
فعلى الصعيد العربي، فإن للمملكة الدور الريادي في ذلك وقد تبين هذا في أكثر من مؤتمر ولقاء وكان آخرها مؤتمر القمة العربي في بيروت العام 2002 والمملكة (طول باع) في العمل لإنجاح التضامن العربي وتوحيد طاقات العرب السياسية والاقتصادية والعسكرية للوصول إلى ما يلي:
إثبات قدرة الرعب وإمكانياتهم أمام التحولات الدولية.
مواصلة الكفاح وفي جميع أشكاله لتحقيق أهداف الأمة العربية وبالأخص تحرير الدس وإحقاق الحق للشعب الفلسطيني في دولته المعترف بها عالمياً.
توحيد الجهود العربية والسياسية والدبلوماسية على الصعيد الدولي وتفعيل القرارات الدولية المتعلقة بالقضايا العربية والإسلامية.
وإلى جانب ذلك كله على السعودية العمل لدفع الدول العربية للاستفادة من تجربة 11 أيلول / سبتمبر وبالأخص من برز من نواقص في الجانب العربي وتحديداً في:
المجال الإعلامي، حيث تبين مدى الحاجة إلى وجود إعلام عربي موحد الأهداف والوسائل أمام إعلام صهيوني - أميركي يسير كافة الأمور ويوجهها باتجاهات مغالطة للحقائق وهذا يتطلب إدراك كل القائمين على الإعلام العربي الرسمي والخاص إلى الشعور بالمسؤولية القومية والخلقية والحضارية وإيمانهم المطلق بإيجاد محطة (C.N.N) عربية همها الوحيد شرح القضايا العربية بعيداً عن المشاحنات وزرع الشقاق في الصفوف العربية بدل توحيدها.
المجال الثقافي والحضاري والمعلوماتي.
إلى جانب النواقص الإعلامية برز غياب فاضح للعرب والمسلمين في الاستفادة من كل ما هو متوفر على صع¡عيد الفكر الدولي الذي يغذي بشكل أو بآخر المفاهيم العقائدية والإنسانية التي يتحلى بها الإنسان العربي والمسلم ويعزز من حضارته الإسلامية والعربية، وهذا يتطلب الاهتمام بالمجال المعلوماتي وهو غير ما معمول به حالياً في الأوساط العربية ولا يكفي أن نفتخر بأن لدينا مئات الآلاف من أجهزة الكمبيوتر العاملة في المؤسسات الرسمية والخاصة بل يجب البحث عن الاستفادة الفعلية من كل ما تملكه هذه الأجهزة من معلومات متوفرة باتجاه إيجاد مؤسسات متطورة للدراسات والتخطيط والأبحاث العلمية والمعلوماتية في عصر العولمة وفي مواجهة ابتكار التعصب والانعزال ومواجهة القوى الصهيونية المهيمنة على الإعلام العالمي وعلى مراكز المعلومات والدراسات والصحافة والمؤسسات المرئية والمسموعة.
أما على الصعيد الإسلامي، فقد برزت حاجة ماسة كي تلعب المملكة العربية السعودية دور "المركز الإسلامي" في استقطاب كل ما له علاقة بالعالم الإسلامي على الصعيدين السياسي والاقتصادي وفي كل النزاعات والخلافات الحدودية وفي التفاهم مع دول إقليمية تربطها أواصر الجغرافيا والتاريخ والعلاقات الدينية وبالأخص إيران وتركيا وباكستان وغيرها من الدول الآسيوية، والجميع يتذكر كيف نزعت المملكة العربية السعودية فتيل (الحرب المذهبية)التي كادت تقع عام 1988 بين دولة الطالبان وإيران. وكيف نزعت اكثر فتيل مذهبي وطائفي بين ايران وباكستان وعلى هذا الأساس فإنه على المملكة السعي الدؤوب لاستكمال دورها في هذه المجالات. والتفاهم بين المملكة ودول الجوار الإسلامي وبالأخص إيران يقلل من التدخلات الخارجية العسكرية والأمنية وبالأخص في منطقة الخليج العربي. كما يقلل من (نزعة التسلح) الخطير لدول الخليج وإيران. ورغم كل المحاذير بين المملكة ودول الجوار الإسلامية، إلا أن الخطير الأكبر يكمن في الخلافات مع هذه الدول ويتيح المجال أكثر للهيمنة الأميركية والإسرائيلية على مقدرات العرب والمسلمين.
ويبقى ان أحداث 11 أيلول / سبتمبر التي استحضرت عند صقور الإدارة الأميركية كل الخطط والمفاهيم الامبراطورية (الامبريالية) للسيطرة على العالم وبالأخص على الثروات النفطية والمعدنية والغذائية والتحكم بطرق المواصلات البحرية والجوية والبرية، لا شك ومن خلال طبول الحرب التي تقرعها واشنطن وتل أبيب وعواصم دولية أخري بحجة (مكافحة الإرهاب) الكثير من الثوابت في مناطقنا العربية والإسلامية وصولاً إلى محاولات تغيير الخارطة الجغرافية وربما العمل على سايكس – بيكو جديد. وتأتي الحملات الإعلامية الأميركية والصهيونية على المملكة العربية السعودية لتوحي للعالم بان "الثوابت السعودية" القائمة على الشرائع الدينية الإسلامية السمحاء ستهتز تحت ضغط التحولات الدولية المرتقبة فيحال سقط النظام الحاكم في بغداد.
المهم إننا لا يجب أن نجزع أمام كل هذه الضغوط والحملات الإعلامية والسياسية الهادفة إلى زعزعة الثقة بأنفسنا وبإيماننا وبقيمنا. ويجب أن تؤكد المملكة إزاء هذه المحاولات على:
الاستمرار في دعم كل الجمعيات والمؤسسات الإسلامية الثقافية والدينية العاملة بهدف نشر القيم والأخلاق الإسلامية في العالم.
استمرار العمل على التقوية الذاتية والاعتماد بقدر الإمكان على أنفسنا وعلى الأصدقاء في العالم.
تقوية الأسواق العربية والإسلامية المشتركة وعلى مختلف الجهات وبالأخص الاقتصادية والتسليحية.
اعتماد برامج وخطط واضحة اقتصادياً وإنمائياً وثقافياً تقلل من الاعتماد على الأسواق الخارجية وتنمي تطور السوق الداخلي.
إيلاء أهمية لمراكز الدراسات الاستراتيجية القادرة على استشراف المخاطر وصياغة المقترحات الكفيلة بمواجهتها.
مواصلة مسيرة التحديث والتطوير في داخل السعودية ليكون ذلك بمثابة رد على كل المشككين بالإمكانيات والطاقات السعودية.
سعي السعودية إلى جعل منطقة الشرق الأوسط منطقة هادئة وخالية من كل عوامل التوتر التي من شأنها أن تستنزف ليس فقط المقدرات السعودية بل أيضاً المقدرات العربية والإسلامية. ولجعل المنطقة هادئة فإن هادئة فإن ذلك يستوجب إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية. وإقامة أفضل العلاقات مع دول الجوار الإقليمي ونعني بذلك إيران وتركيا وباكستان، إضافة إلى قوى أخرى.
الانفتاح دولياً،والمقصود بذلك الانفتاح السياسي والاقتصادي أوروبياً وآسيوياً لتدارك الوقوع تحت الرحمة الأميركية حتى لا تستخدم واشنطن هذه الورقة للابتزاز مستقبلاً خاصة وأن التطورات العالمية قد بينت ان أميركا لا صديق لها إلا مصالحها ومنافعها الذاتية.
التعديل الأخير: