العقيدة العسكرية للدولة تتحدد بناء على الإمكانات المادية والتكنولوجية والبشرية للدولة من ناحية، ومن ناحية أخرى تقويمها وتقديرها لقدرات وإمكانات الدول المتنافسة معها. كما أن العوامل السياسية والأيديولوجية والجغرافية تلعب دورا مهما في تحديد العقيدة العسكرية للدولة، وهكذا فإن العقيدة العسكرية ليست شيئا جامدا ولكنها قد تتغير تبعا لتغير محدداتها. والهند منذ استقلالها تولي اهتماما كبيرا بزيادة قوتها العسكرية، لاسيما أنها استخدمتها بعد الاستقلال مباشرة ضد باكستان، ثم كانت حربها مع الصين عام 1962، وتبعتها الحرب الهندية الباكستانية الثانية عام 1965، ثم الثالثة عام 1971.
وقد أدت هذه المواجهات بين الهند وكل من باكستان والصين إلى اعتبارهما المصدرين الأساسيين للتهديد، ومن ثم فإنها في سعيها لمواجهة هذا التهديد اتجهت لتدعيم علاقاتها مع الاتحاد السوفياتي، ومن جانبها فإن باكستان التي ترى في الهند التهديد الرئيسي دعمت علاقاتها مع الصين، وفي مرحلة لاحقة ومع التطورات التي حدثت على الساحة الدولية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي عملت الهند على تدعيم روابطها العسكرية مع الولايات المتحدة الأميركية. وقد عملت الهند دائما على الاحتفاظ بقوات مناسبة على الجبهتين الباكستانية والصينية، بعدما كانت لا تولي الجبهة الصينية الاهتمام الكافي قبل حرب 1962. ومن ثم فإنها حتى أواخر السبعينيات كانت تتبع سياسة الدفاع الكافى Sufficient defense ، ومع بداية الثمانينيات بدأت تتحول إلى سياسة الردع المحدود Limited deterrence.
وقد استمرت الهند في اتباع سياسة الردع، وقد بررت امتلاكها للأسلحة النووية بردع الآخرين عن استخدام هذه الأسلحة ضدها، وفي حال إقدامهم على استخدامها ضدها أي في حالة انهيار الردع فإنها تؤكد على قدرتها على الرد على الضربة الأولى. وبالطبع فإن ذلك يتطلب عددا كافيا من الأسلحة النووية ونظاما قويا للقيادة والسيطرة ونظاما فعالا للرقابة والإنذار المبكر وتخطيطا وتدريبا شاملا يتفق مع الإستراتيجية المعلنة والقدرة على توظيف القوات والأسلحة النووية. وبالطبع فإن فعالية القدرات العسكرية التقليدية لا تقل أهمية عن فعالية القدرات النووية. وتقوم العقيدة النووية الهندية على أساس التأكيد على القدرة على التحول السريع من الانتشار وقت السلم إلى التوظيف الكامل للقوات فى أقصر وقت ممكن، والقدرة على الرد بفعالية حتى في حالة التأثر الشديد بالهجمات المعادية. ويتطلب هذا تعدد وسائل إطلاق الأسلحة النووية من الطائرات والصواريخ والقوات البحرية.
وتدرك الهند أن القوة العسكرية عامل مهم يساعدها في مسعاها للعب دور إقليمي ودولي فاعل عبر فرض السيطرة في جنوب آسيا والمحيط الهندي، لدرجة أن البعض تحدث عن مبدأ مونرو الهندي بالنسبة لجنوبي آسيا، ويستدلون على ذلك بمعارضة الهند الشديدة للوجود الأجنبي أو التدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية لدول جنوبي آسيا أو في الخلافات في ما بينها. والهند ترى أنها لا تشكل تهديدا لجيرانها، وأنها لا تريد ذلك حيث إنها تعتبر أن أمن جيرانها هو جزء من أمنها.
التفوق على باكستان
التوتر هو السمة الغالبة على العلاقات بين الهند وباكستان، وكما سبق القول فقد دخلت الدولتان فى ثلاث حروب منذ الاستقلال، ناهيك عن الاشتباكات التى تحدث بينهما من حين إلى آخر منذ عودة التوتر إلى كشمير مع نهاية الحرب الباردة. ومن أحدث الاشتباكات تلك التى تتم بشكل شبه يومي منذ حادث الاعتداء على البرلمان الهندي في ديسمبر/ كانون الأول 2001، والذى اتهمت فيه الهند باكستان بدعمها لمنفذي الهجوم. كما أن الهند تتهم باكستان بدعم ما تسميه بالإرهاب في كشمير وتسهيل تسلل عناصر عبر خط السيطرة في كشمير لتنفيذ عمليات في الأراضي الهندية. وهكذا فإن قضية كشمير أهم قضية تثير الخلاف والنزاع بين الجانبين، حيث ترى الهند أن كشمير جزء لا يتجزأ من الأراضي الهندية، في حين ترى باكستان أنه يجب أن يعطى الشعب الكشميرى حق تقرير المصير.
وقد حرصت الهند دوما على تحقيق التفوق العسكري على باكستان سواء على المستويات التقليدية أو غير التقليدية، ومن جانبها فإن باكستان حريصة على ألا تتسع الفجوة بينهما كثيرا، ومن ثم فإن الجانبين يوجد بينهما سباق للتسلح. وفي سعيها لتحقيق التفوق العسكري على باكستان فإن الهند حريصة على امتلاك نظم تسليحية أكثر تطورا مما هو موجود لدى باكستان. ومن ذلك على سبيل المثال قرارها عام 1981 بشراء طائرات بريطانية من طراز Jaguar وطائرات سوفياتية من طراز ميج 23 ودبابات سوفياتية طراز T-72 بعد أن حصلت باكستان على طائرات F-16 الأميركية وصواريخ M.901 المضادة للدبابات. وهكذا فإن كلا من الطرفين يسعى لتوثيق روابطه بالأطراف الدولية الرئيسية المصنعة والموردة للسلاح من أجل الحصول على الأسلحة وتكنولوجيا تسليحها.
والواقع أن الهند تحقق تفوقا كبيرا على باكستان في مجال الأسلحة التقليدية، وكانت تريد تأكيد هذا التفوق في مجال الأسلحة غير التقليدية بامتلاك الأسلحة النووية، ولكن باكستان ردت بسرعة على هذه المحاولة بامتلاك نفس النوع من الأسلحة.
القدرة على مواجهة الصين
القدرة على مواجهة الصين ركن أساسى في العقيدة العسكرية الهندية، لا سيما بعد هزيمة الهند من الصين عام 1962 تم قيام الصين بالتفجير النووى الأول عام 1964، واستمرار المطالب الإقليمية الصينية فى بعض الأراضي التي تسيطر عليها الهند، وتمركز جزء كبير من القوات الصينية بالقرب من الحدود مع الهند. ناهيك عن أن الهند تنظر بقلق إلى تنامي القوة العسكرية والاقتصادية الصينية وتسعى لمجاراتها، تماما كما تفعل باكستان بالنسبة للهند، وهذا ما يتضح في مجالات التسليح المختلفة. وفي هذا الإطار نركز على مجال الصواريخ الباليستية، ففي حين يمكن للصواريخ الصينية أن تطال كل الأراضي الهندية حيث تمتلك صواريخ يصل مداها إلى أكثر من أربعة آلاف كم كما هو الحال بالنسبة للصاروخ DF-4 والذي يصل مداه إلى 4.750كم، فإن الهند تحاول جاهدة تطوير صواريخها لتطال جزءا كبيرا من الأراضي الصينية، أملا في إمكانية الوصول إلى كل الأراضي الصينية، وهو نفس الهدف الذي تسعى إليه باكستان ولكن في مواجهة الهند. ومن ثم فإن الهند تطور منذ عام 1994 صاروخا من المتوقع أن يتراوح مداه بين 8-12 ألف كم يطلق عليه ساريا Sarya أو أغني-4 وإن كانت بعض المصادر تشير إلى أن مداه سوف يكون 5.500 كم فقط وهذا هو الطراز الرابع من صواريخ أغنى التي بدأت بـ أغني-1 الذي يترواح مداه بين 725 كم إلى 1500 كم وأغني -2 الذي يصل مداه إلى 2000 كم وأغني -3 الذي يصل مداه إلى 3000 كم.
وبالنسبة لباكستان فإن لديها صواريخ شاهين وجوري حيث يصل مدى الصاروخ شاهين -1 إلى حوالى 750 كم والصاروخ شاهين -2 يصل مداه إلى 2500 كم، أما الصاروخ جوري فإن الطراز الأول منه يصل مداه إلى حوالي 1300 كم، في حين يصل مدى جوري -2 إلى 2.300 كم، والصاروخ جوري -3 يصل مداه إلى حوالي 3000 كم. والأمر نفسه ينطبق على السلاح النووي كما سيتضح في القسم الثاني من هذه المقالة.
محاولة السيطرة على المحيط الهندي
تلعب البحرية دورا مهما في الإستراتيجية الهندية، بحكم موقع الهند ورغبتها في لعب دور إقليمي ودولي أكثر فعالية، ومن مقومات لعب هذا الدور بسط السيطرة على المحيط الهندي. وتضم القوات البحرية الهندية أسطولين أولهما الأسطول الشرقي، والذي يتركز في خليج البنغال، وثانيهما الأسطول الغربى، والذي يتركز في بحر العرب. وتمتلك الهند حوالى 19 غواصة، و25 قطعة سطح رئيسية، و6 مدمرات، و18 فرقاطة، و20 قطعة كاسحة ألغام، و10 قطع برمائية، و49 قطعة دورية وساحلية، و28 قطعة مختلفة للدعم والإسناد البحرى.
والسؤال المهم هو هل تكفي هذه القوة لفرض السيطرة الهندية على المحيط الهندي؟ الواقع أن هناك صعوبات قد تحول دون ذلك، وتتمثل في: هل ستسمح الولايات المتحدة بذلك؟ باعتبارها القوة العسكرية الأولى في العالم، والتحديات التي تفرضها قوى مثل الصين وباكستان، ومستوى تطور القوة البحرية الهندية. بادئ ذي بدء سنجد أن البحرية الهندية تواجه تحديات تقنية عده، حيث إن معظم القطع البحرية الهندية قديمة وبحاجة إلى تحديث وإحلال، كما أن جهود بناء السفن محليا مازالت دون المستوى المطلوب لتحقيق الأهداف المرجوة. ومن حيث التحديات التي تفرضها القوى الإقليمية نجد أن القوتين البحريتين الصينية والباكستانية هما اللذان يمثلان التحدي الرئيس فالقوة البحرية الباكستانية وإن كانت ليست فى نفس قوة البحرية الهندية إلا أنها استطاعت تحقيق خطوات مهمة في سبيل تطوير قوتها البحرية. كما أن البحرية الصينية في نمو مطرد مما يجعل من السيطرة الهندية على المحيط الهندي مشكوكا فيها. ومن ثم فإن الهند تخشى من زيادة التعاون بين الصين ودول مثل بنغلاديش وسريلانكا وباكستان، وما تمنحه من تسهيلات للبحرية الصينية. ولأهمية موانئ سريلانكا بالنسبة للبحرية الصينية عند توجهها إلى باكستان وبنغلاديش فإن الهند قد حصلت من سريلانكا على حق الاعتراض على استخدام موانيها من جانب قوى أخرى. ومما يوضح إدراك الهنود لتطور القوة البحرية الصينية أن المخططين الهنود يبررون تطوير قوتهم البحرية بتحديث الصين لقوتها البحرية.
وبخصوص الولايات المتحدة، فإن الهند حريصة على التنسيق معها، ويبدو أن الولايات المتحدة سوف تسمح للهند بأن تقوم بدور أكبر في المحيط الهندى، في ظل التقارب في العلاقات بينهما، وحتى تكون أحد القوى الموازنة للقوة الصينية في آسيا، ولكنها لن تسمح بتوسع هذا الدور إلى الدرجة التي تهدد المصالح الأميركية.
ومن ثم فإن الهند تعمل جاهدة على تحديث قواتها البحرية، ففي عام 1989 أعلنت أنها تخطط من أجل بناء غواصات نووية، وقبل ذلك بعام كانت قد دربت طواقم هندية على غواصة نووية سوفياتية، وفي عام 1993 أعلنت عن نيتها بناء حاملة طائرات، وقد أشارت العديد من التقارير إلى احتمال شراء من خمس إلى سبع غواصات نووية من روسيا الاتحادية، وفي عام 1998 تمكنت الهند من بناء مدمرة ضخمة، تحمل صواريخ سطح سطح (SSM) يصل مداها إلى 100كم وصواريخ أرض جو ومدافع (100م م) ونظام إنذار مبكر تم تطويره محليا، كما أنها وقعت عقدا مع روسيا من أجل شراء حاملة طائرات. وعلى الرغم من كل ذلك فإن بعض خبراء الدفاع الهنود يقولون إن البحرية الهندية مازالت دون المستوى المطلوب لتلبية الاحتياجات الوطنية.
بعد الاستقلال بعام واحد تم إصدار قانون الطاقة الذرية، وفي العام التالى 1949 تم إنشاء لجنة الطاقة الذرية، وفي عام 1950 تم إنشاء وحدة البحث عن الخامات النادرة التي تستخدم في البرامج النووية مثل اليورانيوم والثوريوم، وبعد أربع سنوات تم إنشاء هيئة الطاقة الذرية. في عام 1955 تم إنشاء أول مفاعل بحثي بقدره واحد ميغاوات، والذي بدأ العمل في العام التالي بمساعدة من إنجلترا وفرنسا. وفى العام نفسه بدأ التعاون مع كندا، حيث تم إنشاء مفاعل قوته 40 ميغاوات يعمل باليورانيوم الطبيعي. في عام 1957 تم إنشاء مصنع لإنتاج اليورانيوم المنضب من خامات محلية. وفي عام 1964 استكملت الهند دورة الوقود النووي على المستوى البحثي والتجريبي. ومنذ ذلك التاريخ وطوال عشر سنوات قامت بعمليات إجراء فصل البلوتونيوم. وفي عام 1974 كان التفجير النووي الهندي الأول، والذي وصفته بأنه من أجل الأغراض السلمية. وبعد التفجير استمرت الهند في تطوير قدرتها النووية، حيث بدأت في تشغيل مفاعل قدرته مائة ميغاوات عام 1985، مما جعل الهند أكثر قدرة على إجراء التفجيرات وامتلاك السلاح النووي، وهو ما حدث بالفعل فى مايو/ أيار 1998 عندما أجرت خمسة تفجيرات نووية، ثلاثة فى الحادى عشر واثنين في الثالث عشر. وكانت الهند قد أعلنت قبل إجراء التفجيرات بحوالي خمسة أشهر عن صفقة مع روسيا تحصل بموجبها على مفاعلين بقوة ألف ميغاوات لتوليد الطاقة الكهربائية. وهكذا فإن الهند قد استفادت من التعاون مع العديد من الدول مثل كندا وبريطانيا والاتحاد السوفياتى وخليفته روسيا وحتى الولايات المتحدة التي زودت الهند ببعض المعدات المهمة للبرنامج النووي في عام 1964.
وهكذا فإن الهند قد وفرت قاعدة بشرية وعلمية وتكنولوجية، ومراكز أبحاث علمية ومعاهد ومعامل متخصصة، ومفاعلات نووية، وهي العناصر التي تمثل البنية الأساسية في أي برنامج نووي، كما أنها قد عملت جاهدة على تدبير الخامات النووية اللازمة، ووفرت التمويل اللازم للبرنامج النووي مما مكنها في النهاية من امتلاك الأسلحة النووية.
ويرجع استمرار البرنامج النووي الهندي وامتلاك السلاح النووي إلى الإرادة السياسية القوية، التي أصرت على تحقيق أهدافها، رغم الضغوط الخارجية والمصاعب الاقتصادية، إلى جانب التأييد الشعبى الجارف للبرنامج النووي. ويرجع ذلك إلى اعتبار السلاح النووي وسيلة ردع تجاه الخصوم القائمين أو المحتملين الحائزين للسلاح النووي أو المحتمل حيازتهم له.
والسؤال المهم هنا هو لماذا كان امتلاك السلاح النووي من جانب الهند في التوقيت الذي تم فيه؟ واقع الأمر أن العوامل السياسية قد لعبت دورا في ذلك، والمتمثلة في وصول حزب بهارتيا جاناتا إلى السلطة، والذي كان يرفع في برنامجه الانتخابي شعار امتلاك الأسلحة النووية. وإن كان ذلك لا يعني أن الحزب هو وحده صاحب خيار امتلاك السلاح النووي، حيث إن التقدم الذي وصل إليه البرنامج النووي يثبت أنه كان من الممكن امتلاك السلاح النووي وأن الاختلاف كان حول التوقيت والظروف المناسبة لذلك. ويجب ألا تنسى أن الهند قد رفضت الانضمام إلى اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية في ظل عدم تحقيق تقدم فى نزع السلاح النووى من جانب الدول الخمس النووية واستمرار التمييز ضد الدول غير النووية. فضلا عن اعتبارات المكانة الإقليمية والدولية التي تطمح الهند إلى تحقيقها.
وقد بررت الهند امتلاك السلاح النووي بأنه وسيلة للدفاع عن الأمن القومي للهند من خلال توفير الرادع المناسب. وأكدت أنها لن تستخدم الأسلحة النووية أو تهدد باستخدامها ضد أي دولة، وإنما هى لردع الآخرين عن استخدام السلاح النووي ضدها. وأعربت عن استعدادها للدخول في اتفاق مع أي دولة تتعهد فيه الهند بألا تكون البادئة باستخدام الأسلحة النووية، مؤكدة أنها لن تدخل في سباق تسلح نووى كما كان الوضع بين القطبين أثناء الحرب الباردة. وينقلنا ذلك إلى مناقشة احتمالات استمرار.
سباق التسلح النووي بين الهند وباكستان
إلى أي مدى سيستمر سباق التسلح النووي بين الهند وباكستان.
يجب أن نشير أولا إلى أن باكستان قد أعلنت عام 1965 أنها لن تدخر وسعا لامتلاك السلاح النووي إذا ما امتلكته جارتها الهند، ومن ثم فإن باكستان قد استمرت في تطوير برنامجها النووي الذي بدأ بتشكيل لجنة الطاقة الذرية في منتصف الخمسينيات من القرن العشرين. وعندما قامت الهند بتفجيرها النووي الأول عام 1974 زادت باكستان إصرارا على المضي قدما في تطوير برنامجها النووي وعدم الارتكان إلى التأكيدات الهندية بأن التفجير كان للأغراض السلمية، مؤكدة أنها لن تقبل الهيمنة الهندية وأنها لن تذعن لأى تهديد نووى هندي. ومن ثم فإن باكستان تمكنت من تطوير برنامجها النووي على الرغم من الضغوط الخارجية بحيث أصبحت منذ أواخر الثمانينيات قادرة على امتلاك السلاح النووي، وهذا ما أشار إليه رئيس الأركان الباكستاني عام 1993. وما يؤكد ذلك أن باكستان لم تتأخر في الرد على التفجيرات الهندية حيث ردت بعد أسبوعين بخمسة تفجيرات في 28 مايو/ أيار وتجربة سادسه بعد يومين من التجارب الخمس الأولى. ولو أن هناك نقصا في البرنامج النووي الباكستاني لما تمكنت من الرد بهذه السرعة.
وقد أكدت باكستان أن تجاربها النووية كانت مرتبطة بالظروف الجديدة في جنوبي آسيا بعد التفجيرات الهندية، حيث باتت باكستان في وضع شديد الحرج، ومثلها مثل الهند أعلنت أنها لا ترغب في الدخول في سباق تسلح نووى، وأنها سوف تنتهج إستراتيجية الحد الأدنى من الرادع النووى، ولكن أيا من الدولتين لم تحدد طبيعة ولا حجم هذا الرادع.
والواقع أن ذلك يجعل احتمال الاستمرار في سباق التسلح النووي قائما على الرغم من إعلان الدولتين عدم رغبتهما في الدخول في مثل هذا السباق. ويجب ألا ننسى أن الدولتين لم تغلقا باب التجارب النووية، كما أنه يوجد بينهما سباق مؤكد في ما يتعلق بوسائل إيصال السلاح النووي كما اتضح في مجال الصواريخ الباليستية، ولا يقف الأمر عند ذلك وإنما يشمل الطائرات والغواصات القادرة على إطلاق الأسلحة النووية. ويجب ألا ننسى أنه فى ظل استمرار التوتر بين البلدين فإن احتمالات الحرب بينهما تظل عالية، كما أن احتمالات الانزلاق إلى المواجهة النووية قائمة إذا لم يكن بشكل مخطط فقد يكون بطريق الخطأ أو سوء التقدير أو حتى المصادفة. ومن ثم فإن تسوية الخلافات القائمة بين البلدين من شأنها تقليل التوتر بينهما وتوفير جزء من النفقات الدفاعية الضخمة، بحيث توجه إلى البرامج التنموية التي تحتاج إليها كل من الدولتين.
الصين والسلاح النووي الهندي
قبل الحرب الهندية الصينية وما تبعها من إجراء الصين أول تفجير نووي كانت الهند ترى أن القنبلة النووية لن تساعدها في حل أي من مشاكلها على الرغم من أن قادتها كانوا يعلنون عن قدرة الهند على تصنيعها. وفي ما بعد أثير نقاش في البرلمان حول الموضوع، وكان هناك إقرار لأول مرة بحاجة الهند إلى تصنيع السلاح النووي. وإن استمرت السياسة الرسمية تعلن عن رفضها ذلك، إلى جانب رفضها لتوفير مظلة نووية من القوى الأجنبية، ثم كان رفضها الانضمام إلى معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية. وكما أشرنا من قبل إلى تطور البرنامج النووي الهندي، والذي كان يأخذ في الحسبان القوة النووية الصينية في ذاتها والتخوف من تعاونها مع باكستان، ومن ثم فإن الهند كانت قلقة جدا من التقارير التي أشارت عام 1983 إلى أن الصين قد نقلت إلى باكستان التصميم الكامل للقنبلة النووية واليورانيوم الكافي للقيام بالتفجير. وهكذا فإن العلاقات النووية بين الصين والهند وباكستان متداخلة.
ويجب ألا ننسى أن بعض المسؤولين الهنود يعلنون حتى بعد تحسن العلاقات مع الصين في السنوات الأخيرة أنها مازالت تمثل التهديد الرئيسي للهند، وأن مواجهة هذا التهديد تتطلب حيازة الأسلحة النووية. ولا تقتصر هذه الرؤية على المسؤولين وإنما هى رائجة بين الرأى العام الهندي.
وإذا كانت الصين عاملا رئيسيا في امتلاك الهند للسلاح النووي إلا أنها ليست العامل الوحيد، حيث توجد عوامل أخرى منها تحقيق التفوق على باكستان، وعدم تحقيق تقدم في مجال نزع الأسلحة النووية، والتغيرات في البيئة الدولية واعتبارا للهيبة والمكانة الدولية التي تسعى الهند لتحقيقها.
المواقف الدولية من السلاح النووي الهندي
أثار امتلاك الهند وبعدها بأيام قليلة باكستان السلاح النووي ردود فعل واسعة على الساحة الدولية. حيث أصدر مجلس الأمن بيانا رئاسيا بعد التجارب النووية الهندية بيوم واحد فى 14 مايو/ أيار 1998 استنكر فيه بشدة التجارب النووية الهندية، وحث الهند على عدم إجراء المزيد من التجارب، معتبرا أن هذه التجارب تتعارض مع الجهود الدولية لمنع انتشار الأسلحة النووية، وحث البيان الهند على الانضمام لاتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية واتفاقية الحظر الشامل للتجارب النووية دون تأخير ومن دون أي شروط.
وفى الرابع من يونيو/ حزيران 1998 أصدر وزراء خارجية الدول الخمس الأعضاء فى الأمم المتحدة بيانا مشتركا بعد اجتماعهم في جنيف، أدانوا فيه التجارب التي أجرتها كل من الهند وباكستان، والتى من شأنها تهديد السلام والاستقرار في المنطقة، وحثوا الطرفين على بذل الجهود من أجل الحيلولة دون سباق التسلح النووى والصاروخي جنوبى آسيا، وحثوا الطرفين على حل خلافاتهم بالطرق السلمية، والتوقف عن إنتاج المواد الانشطارية التي تستخدم في تصنيع الأسلحة النووية.
بعد يومين من البيان الوزارى السابق أصدر مجلس الأمن القرار رقم 1172 كرر فيه ما ورد في البيان الوزاري، وطالب كلا من الهند وباكستان بالامتناع عن تصدير تكنولوجيا تصنيع الأسلحة أو التكنولوجيا التي تساعد على ذلك.
ومن جانبها فإن الولايات المتحدة قد اعتبرت أن ما حدث في جنوبي آسيا يمثل تحديا مباشرا للنظام العالمي الجديد الذي تقوده منفردة منذ انتهاء الحرب الباردة. وقامت بفرض عقوبات اقتصادية على الهند وباكستان، وإن كان قد تم تخفيفها في ما بعد. وقد كررت الولايات المتحدة المطالب التي وردت في قرار مجلس الأمن، وإن كانت الولايات المتحدة تتعامل مع الأسلحة النووية في جنوبي آسيا كواقع، وليس أدل على ذلك من قول وزير الدفاع الأميركى دونالد رمسفيلد في 9 يونيو/ حزيران 2001 من أن الولايات المتحدة وغيرها من القوى الدولية المهتمة بالقضية النووية عليها أن تشجع الهند وباكستان على تعلم كيفية التعايش مع الأسلحة النووية دون استخدامها
وقد أدت هذه المواجهات بين الهند وكل من باكستان والصين إلى اعتبارهما المصدرين الأساسيين للتهديد، ومن ثم فإنها في سعيها لمواجهة هذا التهديد اتجهت لتدعيم علاقاتها مع الاتحاد السوفياتي، ومن جانبها فإن باكستان التي ترى في الهند التهديد الرئيسي دعمت علاقاتها مع الصين، وفي مرحلة لاحقة ومع التطورات التي حدثت على الساحة الدولية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي عملت الهند على تدعيم روابطها العسكرية مع الولايات المتحدة الأميركية. وقد عملت الهند دائما على الاحتفاظ بقوات مناسبة على الجبهتين الباكستانية والصينية، بعدما كانت لا تولي الجبهة الصينية الاهتمام الكافي قبل حرب 1962. ومن ثم فإنها حتى أواخر السبعينيات كانت تتبع سياسة الدفاع الكافى Sufficient defense ، ومع بداية الثمانينيات بدأت تتحول إلى سياسة الردع المحدود Limited deterrence.
وقد استمرت الهند في اتباع سياسة الردع، وقد بررت امتلاكها للأسلحة النووية بردع الآخرين عن استخدام هذه الأسلحة ضدها، وفي حال إقدامهم على استخدامها ضدها أي في حالة انهيار الردع فإنها تؤكد على قدرتها على الرد على الضربة الأولى. وبالطبع فإن ذلك يتطلب عددا كافيا من الأسلحة النووية ونظاما قويا للقيادة والسيطرة ونظاما فعالا للرقابة والإنذار المبكر وتخطيطا وتدريبا شاملا يتفق مع الإستراتيجية المعلنة والقدرة على توظيف القوات والأسلحة النووية. وبالطبع فإن فعالية القدرات العسكرية التقليدية لا تقل أهمية عن فعالية القدرات النووية. وتقوم العقيدة النووية الهندية على أساس التأكيد على القدرة على التحول السريع من الانتشار وقت السلم إلى التوظيف الكامل للقوات فى أقصر وقت ممكن، والقدرة على الرد بفعالية حتى في حالة التأثر الشديد بالهجمات المعادية. ويتطلب هذا تعدد وسائل إطلاق الأسلحة النووية من الطائرات والصواريخ والقوات البحرية.
وتدرك الهند أن القوة العسكرية عامل مهم يساعدها في مسعاها للعب دور إقليمي ودولي فاعل عبر فرض السيطرة في جنوب آسيا والمحيط الهندي، لدرجة أن البعض تحدث عن مبدأ مونرو الهندي بالنسبة لجنوبي آسيا، ويستدلون على ذلك بمعارضة الهند الشديدة للوجود الأجنبي أو التدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية لدول جنوبي آسيا أو في الخلافات في ما بينها. والهند ترى أنها لا تشكل تهديدا لجيرانها، وأنها لا تريد ذلك حيث إنها تعتبر أن أمن جيرانها هو جزء من أمنها.
التفوق على باكستان
التوتر هو السمة الغالبة على العلاقات بين الهند وباكستان، وكما سبق القول فقد دخلت الدولتان فى ثلاث حروب منذ الاستقلال، ناهيك عن الاشتباكات التى تحدث بينهما من حين إلى آخر منذ عودة التوتر إلى كشمير مع نهاية الحرب الباردة. ومن أحدث الاشتباكات تلك التى تتم بشكل شبه يومي منذ حادث الاعتداء على البرلمان الهندي في ديسمبر/ كانون الأول 2001، والذى اتهمت فيه الهند باكستان بدعمها لمنفذي الهجوم. كما أن الهند تتهم باكستان بدعم ما تسميه بالإرهاب في كشمير وتسهيل تسلل عناصر عبر خط السيطرة في كشمير لتنفيذ عمليات في الأراضي الهندية. وهكذا فإن قضية كشمير أهم قضية تثير الخلاف والنزاع بين الجانبين، حيث ترى الهند أن كشمير جزء لا يتجزأ من الأراضي الهندية، في حين ترى باكستان أنه يجب أن يعطى الشعب الكشميرى حق تقرير المصير.
وقد حرصت الهند دوما على تحقيق التفوق العسكري على باكستان سواء على المستويات التقليدية أو غير التقليدية، ومن جانبها فإن باكستان حريصة على ألا تتسع الفجوة بينهما كثيرا، ومن ثم فإن الجانبين يوجد بينهما سباق للتسلح. وفي سعيها لتحقيق التفوق العسكري على باكستان فإن الهند حريصة على امتلاك نظم تسليحية أكثر تطورا مما هو موجود لدى باكستان. ومن ذلك على سبيل المثال قرارها عام 1981 بشراء طائرات بريطانية من طراز Jaguar وطائرات سوفياتية من طراز ميج 23 ودبابات سوفياتية طراز T-72 بعد أن حصلت باكستان على طائرات F-16 الأميركية وصواريخ M.901 المضادة للدبابات. وهكذا فإن كلا من الطرفين يسعى لتوثيق روابطه بالأطراف الدولية الرئيسية المصنعة والموردة للسلاح من أجل الحصول على الأسلحة وتكنولوجيا تسليحها.
والواقع أن الهند تحقق تفوقا كبيرا على باكستان في مجال الأسلحة التقليدية، وكانت تريد تأكيد هذا التفوق في مجال الأسلحة غير التقليدية بامتلاك الأسلحة النووية، ولكن باكستان ردت بسرعة على هذه المحاولة بامتلاك نفس النوع من الأسلحة.
القدرة على مواجهة الصين
القدرة على مواجهة الصين ركن أساسى في العقيدة العسكرية الهندية، لا سيما بعد هزيمة الهند من الصين عام 1962 تم قيام الصين بالتفجير النووى الأول عام 1964، واستمرار المطالب الإقليمية الصينية فى بعض الأراضي التي تسيطر عليها الهند، وتمركز جزء كبير من القوات الصينية بالقرب من الحدود مع الهند. ناهيك عن أن الهند تنظر بقلق إلى تنامي القوة العسكرية والاقتصادية الصينية وتسعى لمجاراتها، تماما كما تفعل باكستان بالنسبة للهند، وهذا ما يتضح في مجالات التسليح المختلفة. وفي هذا الإطار نركز على مجال الصواريخ الباليستية، ففي حين يمكن للصواريخ الصينية أن تطال كل الأراضي الهندية حيث تمتلك صواريخ يصل مداها إلى أكثر من أربعة آلاف كم كما هو الحال بالنسبة للصاروخ DF-4 والذي يصل مداه إلى 4.750كم، فإن الهند تحاول جاهدة تطوير صواريخها لتطال جزءا كبيرا من الأراضي الصينية، أملا في إمكانية الوصول إلى كل الأراضي الصينية، وهو نفس الهدف الذي تسعى إليه باكستان ولكن في مواجهة الهند. ومن ثم فإن الهند تطور منذ عام 1994 صاروخا من المتوقع أن يتراوح مداه بين 8-12 ألف كم يطلق عليه ساريا Sarya أو أغني-4 وإن كانت بعض المصادر تشير إلى أن مداه سوف يكون 5.500 كم فقط وهذا هو الطراز الرابع من صواريخ أغنى التي بدأت بـ أغني-1 الذي يترواح مداه بين 725 كم إلى 1500 كم وأغني -2 الذي يصل مداه إلى 2000 كم وأغني -3 الذي يصل مداه إلى 3000 كم.
وبالنسبة لباكستان فإن لديها صواريخ شاهين وجوري حيث يصل مدى الصاروخ شاهين -1 إلى حوالى 750 كم والصاروخ شاهين -2 يصل مداه إلى 2500 كم، أما الصاروخ جوري فإن الطراز الأول منه يصل مداه إلى حوالي 1300 كم، في حين يصل مدى جوري -2 إلى 2.300 كم، والصاروخ جوري -3 يصل مداه إلى حوالي 3000 كم. والأمر نفسه ينطبق على السلاح النووي كما سيتضح في القسم الثاني من هذه المقالة.
محاولة السيطرة على المحيط الهندي
تلعب البحرية دورا مهما في الإستراتيجية الهندية، بحكم موقع الهند ورغبتها في لعب دور إقليمي ودولي أكثر فعالية، ومن مقومات لعب هذا الدور بسط السيطرة على المحيط الهندي. وتضم القوات البحرية الهندية أسطولين أولهما الأسطول الشرقي، والذي يتركز في خليج البنغال، وثانيهما الأسطول الغربى، والذي يتركز في بحر العرب. وتمتلك الهند حوالى 19 غواصة، و25 قطعة سطح رئيسية، و6 مدمرات، و18 فرقاطة، و20 قطعة كاسحة ألغام، و10 قطع برمائية، و49 قطعة دورية وساحلية، و28 قطعة مختلفة للدعم والإسناد البحرى.
والسؤال المهم هو هل تكفي هذه القوة لفرض السيطرة الهندية على المحيط الهندي؟ الواقع أن هناك صعوبات قد تحول دون ذلك، وتتمثل في: هل ستسمح الولايات المتحدة بذلك؟ باعتبارها القوة العسكرية الأولى في العالم، والتحديات التي تفرضها قوى مثل الصين وباكستان، ومستوى تطور القوة البحرية الهندية. بادئ ذي بدء سنجد أن البحرية الهندية تواجه تحديات تقنية عده، حيث إن معظم القطع البحرية الهندية قديمة وبحاجة إلى تحديث وإحلال، كما أن جهود بناء السفن محليا مازالت دون المستوى المطلوب لتحقيق الأهداف المرجوة. ومن حيث التحديات التي تفرضها القوى الإقليمية نجد أن القوتين البحريتين الصينية والباكستانية هما اللذان يمثلان التحدي الرئيس فالقوة البحرية الباكستانية وإن كانت ليست فى نفس قوة البحرية الهندية إلا أنها استطاعت تحقيق خطوات مهمة في سبيل تطوير قوتها البحرية. كما أن البحرية الصينية في نمو مطرد مما يجعل من السيطرة الهندية على المحيط الهندي مشكوكا فيها. ومن ثم فإن الهند تخشى من زيادة التعاون بين الصين ودول مثل بنغلاديش وسريلانكا وباكستان، وما تمنحه من تسهيلات للبحرية الصينية. ولأهمية موانئ سريلانكا بالنسبة للبحرية الصينية عند توجهها إلى باكستان وبنغلاديش فإن الهند قد حصلت من سريلانكا على حق الاعتراض على استخدام موانيها من جانب قوى أخرى. ومما يوضح إدراك الهنود لتطور القوة البحرية الصينية أن المخططين الهنود يبررون تطوير قوتهم البحرية بتحديث الصين لقوتها البحرية.
وبخصوص الولايات المتحدة، فإن الهند حريصة على التنسيق معها، ويبدو أن الولايات المتحدة سوف تسمح للهند بأن تقوم بدور أكبر في المحيط الهندى، في ظل التقارب في العلاقات بينهما، وحتى تكون أحد القوى الموازنة للقوة الصينية في آسيا، ولكنها لن تسمح بتوسع هذا الدور إلى الدرجة التي تهدد المصالح الأميركية.
ومن ثم فإن الهند تعمل جاهدة على تحديث قواتها البحرية، ففي عام 1989 أعلنت أنها تخطط من أجل بناء غواصات نووية، وقبل ذلك بعام كانت قد دربت طواقم هندية على غواصة نووية سوفياتية، وفي عام 1993 أعلنت عن نيتها بناء حاملة طائرات، وقد أشارت العديد من التقارير إلى احتمال شراء من خمس إلى سبع غواصات نووية من روسيا الاتحادية، وفي عام 1998 تمكنت الهند من بناء مدمرة ضخمة، تحمل صواريخ سطح سطح (SSM) يصل مداها إلى 100كم وصواريخ أرض جو ومدافع (100م م) ونظام إنذار مبكر تم تطويره محليا، كما أنها وقعت عقدا مع روسيا من أجل شراء حاملة طائرات. وعلى الرغم من كل ذلك فإن بعض خبراء الدفاع الهنود يقولون إن البحرية الهندية مازالت دون المستوى المطلوب لتلبية الاحتياجات الوطنية.
السلاح النووي الهندي
كيف استطاعت الهند امتلاك السلاح النووي؟بعد الاستقلال بعام واحد تم إصدار قانون الطاقة الذرية، وفي العام التالى 1949 تم إنشاء لجنة الطاقة الذرية، وفي عام 1950 تم إنشاء وحدة البحث عن الخامات النادرة التي تستخدم في البرامج النووية مثل اليورانيوم والثوريوم، وبعد أربع سنوات تم إنشاء هيئة الطاقة الذرية. في عام 1955 تم إنشاء أول مفاعل بحثي بقدره واحد ميغاوات، والذي بدأ العمل في العام التالي بمساعدة من إنجلترا وفرنسا. وفى العام نفسه بدأ التعاون مع كندا، حيث تم إنشاء مفاعل قوته 40 ميغاوات يعمل باليورانيوم الطبيعي. في عام 1957 تم إنشاء مصنع لإنتاج اليورانيوم المنضب من خامات محلية. وفي عام 1964 استكملت الهند دورة الوقود النووي على المستوى البحثي والتجريبي. ومنذ ذلك التاريخ وطوال عشر سنوات قامت بعمليات إجراء فصل البلوتونيوم. وفي عام 1974 كان التفجير النووي الهندي الأول، والذي وصفته بأنه من أجل الأغراض السلمية. وبعد التفجير استمرت الهند في تطوير قدرتها النووية، حيث بدأت في تشغيل مفاعل قدرته مائة ميغاوات عام 1985، مما جعل الهند أكثر قدرة على إجراء التفجيرات وامتلاك السلاح النووي، وهو ما حدث بالفعل فى مايو/ أيار 1998 عندما أجرت خمسة تفجيرات نووية، ثلاثة فى الحادى عشر واثنين في الثالث عشر. وكانت الهند قد أعلنت قبل إجراء التفجيرات بحوالي خمسة أشهر عن صفقة مع روسيا تحصل بموجبها على مفاعلين بقوة ألف ميغاوات لتوليد الطاقة الكهربائية. وهكذا فإن الهند قد استفادت من التعاون مع العديد من الدول مثل كندا وبريطانيا والاتحاد السوفياتى وخليفته روسيا وحتى الولايات المتحدة التي زودت الهند ببعض المعدات المهمة للبرنامج النووي في عام 1964.
وهكذا فإن الهند قد وفرت قاعدة بشرية وعلمية وتكنولوجية، ومراكز أبحاث علمية ومعاهد ومعامل متخصصة، ومفاعلات نووية، وهي العناصر التي تمثل البنية الأساسية في أي برنامج نووي، كما أنها قد عملت جاهدة على تدبير الخامات النووية اللازمة، ووفرت التمويل اللازم للبرنامج النووي مما مكنها في النهاية من امتلاك الأسلحة النووية.
ويرجع استمرار البرنامج النووي الهندي وامتلاك السلاح النووي إلى الإرادة السياسية القوية، التي أصرت على تحقيق أهدافها، رغم الضغوط الخارجية والمصاعب الاقتصادية، إلى جانب التأييد الشعبى الجارف للبرنامج النووي. ويرجع ذلك إلى اعتبار السلاح النووي وسيلة ردع تجاه الخصوم القائمين أو المحتملين الحائزين للسلاح النووي أو المحتمل حيازتهم له.
والسؤال المهم هنا هو لماذا كان امتلاك السلاح النووي من جانب الهند في التوقيت الذي تم فيه؟ واقع الأمر أن العوامل السياسية قد لعبت دورا في ذلك، والمتمثلة في وصول حزب بهارتيا جاناتا إلى السلطة، والذي كان يرفع في برنامجه الانتخابي شعار امتلاك الأسلحة النووية. وإن كان ذلك لا يعني أن الحزب هو وحده صاحب خيار امتلاك السلاح النووي، حيث إن التقدم الذي وصل إليه البرنامج النووي يثبت أنه كان من الممكن امتلاك السلاح النووي وأن الاختلاف كان حول التوقيت والظروف المناسبة لذلك. ويجب ألا تنسى أن الهند قد رفضت الانضمام إلى اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية في ظل عدم تحقيق تقدم فى نزع السلاح النووى من جانب الدول الخمس النووية واستمرار التمييز ضد الدول غير النووية. فضلا عن اعتبارات المكانة الإقليمية والدولية التي تطمح الهند إلى تحقيقها.
وقد بررت الهند امتلاك السلاح النووي بأنه وسيلة للدفاع عن الأمن القومي للهند من خلال توفير الرادع المناسب. وأكدت أنها لن تستخدم الأسلحة النووية أو تهدد باستخدامها ضد أي دولة، وإنما هى لردع الآخرين عن استخدام السلاح النووي ضدها. وأعربت عن استعدادها للدخول في اتفاق مع أي دولة تتعهد فيه الهند بألا تكون البادئة باستخدام الأسلحة النووية، مؤكدة أنها لن تدخل في سباق تسلح نووى كما كان الوضع بين القطبين أثناء الحرب الباردة. وينقلنا ذلك إلى مناقشة احتمالات استمرار.
سباق التسلح النووي بين الهند وباكستان
إلى أي مدى سيستمر سباق التسلح النووي بين الهند وباكستان.
يجب أن نشير أولا إلى أن باكستان قد أعلنت عام 1965 أنها لن تدخر وسعا لامتلاك السلاح النووي إذا ما امتلكته جارتها الهند، ومن ثم فإن باكستان قد استمرت في تطوير برنامجها النووي الذي بدأ بتشكيل لجنة الطاقة الذرية في منتصف الخمسينيات من القرن العشرين. وعندما قامت الهند بتفجيرها النووي الأول عام 1974 زادت باكستان إصرارا على المضي قدما في تطوير برنامجها النووي وعدم الارتكان إلى التأكيدات الهندية بأن التفجير كان للأغراض السلمية، مؤكدة أنها لن تقبل الهيمنة الهندية وأنها لن تذعن لأى تهديد نووى هندي. ومن ثم فإن باكستان تمكنت من تطوير برنامجها النووي على الرغم من الضغوط الخارجية بحيث أصبحت منذ أواخر الثمانينيات قادرة على امتلاك السلاح النووي، وهذا ما أشار إليه رئيس الأركان الباكستاني عام 1993. وما يؤكد ذلك أن باكستان لم تتأخر في الرد على التفجيرات الهندية حيث ردت بعد أسبوعين بخمسة تفجيرات في 28 مايو/ أيار وتجربة سادسه بعد يومين من التجارب الخمس الأولى. ولو أن هناك نقصا في البرنامج النووي الباكستاني لما تمكنت من الرد بهذه السرعة.
وقد أكدت باكستان أن تجاربها النووية كانت مرتبطة بالظروف الجديدة في جنوبي آسيا بعد التفجيرات الهندية، حيث باتت باكستان في وضع شديد الحرج، ومثلها مثل الهند أعلنت أنها لا ترغب في الدخول في سباق تسلح نووى، وأنها سوف تنتهج إستراتيجية الحد الأدنى من الرادع النووى، ولكن أيا من الدولتين لم تحدد طبيعة ولا حجم هذا الرادع.
والواقع أن ذلك يجعل احتمال الاستمرار في سباق التسلح النووي قائما على الرغم من إعلان الدولتين عدم رغبتهما في الدخول في مثل هذا السباق. ويجب ألا ننسى أن الدولتين لم تغلقا باب التجارب النووية، كما أنه يوجد بينهما سباق مؤكد في ما يتعلق بوسائل إيصال السلاح النووي كما اتضح في مجال الصواريخ الباليستية، ولا يقف الأمر عند ذلك وإنما يشمل الطائرات والغواصات القادرة على إطلاق الأسلحة النووية. ويجب ألا ننسى أنه فى ظل استمرار التوتر بين البلدين فإن احتمالات الحرب بينهما تظل عالية، كما أن احتمالات الانزلاق إلى المواجهة النووية قائمة إذا لم يكن بشكل مخطط فقد يكون بطريق الخطأ أو سوء التقدير أو حتى المصادفة. ومن ثم فإن تسوية الخلافات القائمة بين البلدين من شأنها تقليل التوتر بينهما وتوفير جزء من النفقات الدفاعية الضخمة، بحيث توجه إلى البرامج التنموية التي تحتاج إليها كل من الدولتين.
الصين والسلاح النووي الهندي
قبل الحرب الهندية الصينية وما تبعها من إجراء الصين أول تفجير نووي كانت الهند ترى أن القنبلة النووية لن تساعدها في حل أي من مشاكلها على الرغم من أن قادتها كانوا يعلنون عن قدرة الهند على تصنيعها. وفي ما بعد أثير نقاش في البرلمان حول الموضوع، وكان هناك إقرار لأول مرة بحاجة الهند إلى تصنيع السلاح النووي. وإن استمرت السياسة الرسمية تعلن عن رفضها ذلك، إلى جانب رفضها لتوفير مظلة نووية من القوى الأجنبية، ثم كان رفضها الانضمام إلى معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية. وكما أشرنا من قبل إلى تطور البرنامج النووي الهندي، والذي كان يأخذ في الحسبان القوة النووية الصينية في ذاتها والتخوف من تعاونها مع باكستان، ومن ثم فإن الهند كانت قلقة جدا من التقارير التي أشارت عام 1983 إلى أن الصين قد نقلت إلى باكستان التصميم الكامل للقنبلة النووية واليورانيوم الكافي للقيام بالتفجير. وهكذا فإن العلاقات النووية بين الصين والهند وباكستان متداخلة.
ويجب ألا ننسى أن بعض المسؤولين الهنود يعلنون حتى بعد تحسن العلاقات مع الصين في السنوات الأخيرة أنها مازالت تمثل التهديد الرئيسي للهند، وأن مواجهة هذا التهديد تتطلب حيازة الأسلحة النووية. ولا تقتصر هذه الرؤية على المسؤولين وإنما هى رائجة بين الرأى العام الهندي.
وإذا كانت الصين عاملا رئيسيا في امتلاك الهند للسلاح النووي إلا أنها ليست العامل الوحيد، حيث توجد عوامل أخرى منها تحقيق التفوق على باكستان، وعدم تحقيق تقدم في مجال نزع الأسلحة النووية، والتغيرات في البيئة الدولية واعتبارا للهيبة والمكانة الدولية التي تسعى الهند لتحقيقها.
المواقف الدولية من السلاح النووي الهندي
أثار امتلاك الهند وبعدها بأيام قليلة باكستان السلاح النووي ردود فعل واسعة على الساحة الدولية. حيث أصدر مجلس الأمن بيانا رئاسيا بعد التجارب النووية الهندية بيوم واحد فى 14 مايو/ أيار 1998 استنكر فيه بشدة التجارب النووية الهندية، وحث الهند على عدم إجراء المزيد من التجارب، معتبرا أن هذه التجارب تتعارض مع الجهود الدولية لمنع انتشار الأسلحة النووية، وحث البيان الهند على الانضمام لاتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية واتفاقية الحظر الشامل للتجارب النووية دون تأخير ومن دون أي شروط.
وفى الرابع من يونيو/ حزيران 1998 أصدر وزراء خارجية الدول الخمس الأعضاء فى الأمم المتحدة بيانا مشتركا بعد اجتماعهم في جنيف، أدانوا فيه التجارب التي أجرتها كل من الهند وباكستان، والتى من شأنها تهديد السلام والاستقرار في المنطقة، وحثوا الطرفين على بذل الجهود من أجل الحيلولة دون سباق التسلح النووى والصاروخي جنوبى آسيا، وحثوا الطرفين على حل خلافاتهم بالطرق السلمية، والتوقف عن إنتاج المواد الانشطارية التي تستخدم في تصنيع الأسلحة النووية.
بعد يومين من البيان الوزارى السابق أصدر مجلس الأمن القرار رقم 1172 كرر فيه ما ورد في البيان الوزاري، وطالب كلا من الهند وباكستان بالامتناع عن تصدير تكنولوجيا تصنيع الأسلحة أو التكنولوجيا التي تساعد على ذلك.
ومن جانبها فإن الولايات المتحدة قد اعتبرت أن ما حدث في جنوبي آسيا يمثل تحديا مباشرا للنظام العالمي الجديد الذي تقوده منفردة منذ انتهاء الحرب الباردة. وقامت بفرض عقوبات اقتصادية على الهند وباكستان، وإن كان قد تم تخفيفها في ما بعد. وقد كررت الولايات المتحدة المطالب التي وردت في قرار مجلس الأمن، وإن كانت الولايات المتحدة تتعامل مع الأسلحة النووية في جنوبي آسيا كواقع، وليس أدل على ذلك من قول وزير الدفاع الأميركى دونالد رمسفيلد في 9 يونيو/ حزيران 2001 من أن الولايات المتحدة وغيرها من القوى الدولية المهتمة بالقضية النووية عليها أن تشجع الهند وباكستان على تعلم كيفية التعايش مع الأسلحة النووية دون استخدامها
التعديل الأخير: