تصريحات مدير المخابرات الحربية أثناء حرب أكتوبر ومدير المخابرات العامة الأسبق

يحي الشاعر

كبير المؤرخين العسكريين
عضو مميز
إنضم
2 فبراير 2008
المشاركات
1,560
التفاعل
98 0 0
من أكثر السطور إجتذابا ... هى السطور التى يدلى بهم مدير مخابرات أى دولة

ولا يختلف ذلك ، إذا كان الشخص ... مديرا سابقا ... أو من دولة عربية أو أمريكية أو مصرية

وقامت "المصرى اليوم" بسابقة نادرة .. وأجرى محمد السيد صالح خلال الأسابيع الماضية
حديثا صحفيا مع اللواء فؤاد نصار ت مدير المخابرات الحربية أثناء حرب أكتوبر ومدير المخابرات العامة الأسبق ... وكانت التصريحات التاريخية التالية التى أنشرهم كاملا نقلا عن "المصرى اليوم"


يحى الشاعر

المصدر





اقتباس:
اللواء فؤاد نصار مدير المخابرات العامة الأسبق »:السادات اختارني مديراً للمخابرات لتنفيذ اعتقالات سبتمبر فوافقت علي المنصب ورفضت المشاركة في الحملة«١-٤»

حوار محمد السيد صالح ١٦/٧/٢٠٠٧http://www.almasry-alyoum.com/photo.aspx?ID=16607&ImageWidth=300[/IMG]</IMG>

photo.aspx



فؤاد نصار

العظماء لن تجدهم الآن إلا في الظل بعيداً عن الأضواء والشهرة وضجيج الإعلام الرسمي.. وادعاءات رجال السلطة للبطولة والزعامة.. بحثت في الأرشيف وعلي مواقع الإنترنت عن معلومات حول اللواء فؤاد نصار المدير الأسبق لجهاز المخابرات العامة ومدير المخابرات الحربية وقت حرب أكتوبر فلم أجد إلا اليسير.. معلومات بسيطة.. معظمها خاطئ، عن كشفه الجاسوسة هبة سليم.
الرجل كان قد وافق علي الحديث إلينا.. وكنت أبحث عن مسؤول كبير في المخابرات اقترب من أشرف مروان ليقول لنا القول الفصل: هل كان الغامض الراحل جاسوساً أم وطنياً مخلصاً لبلده؟
لكني اكتشفت خلال حوار استمر لما يزيد علي ٤ ساعات كاملة، أن حكاية مروان هي الأقل أهمية في ذاكرة الرجل وأولوياته، وأنه كنز حقيقي من العظمة والخبرة والمعلومات، ومثال علي عبقرية المصريين في التحول من النكسة للانتصار، الرجل صاحب تاريخ ومواقف ممتدة مع الزعماء من ١٩٤٤ وحتي الآن، البداية برفضه تقبيل يد الملك فاروق في طابور تخرجه في الكلية الحربية، ثم اشتراكه في الثورة.. ومعاناة عائلته منها فيما بعد..
وشاهد علي النكسة وصُناعها حين كان أحد القادة الذين يشكلون مربعاً ناقص ضلع لاستقبال المشير بسيناء في ٥ يونيو، وصانع للنصر في ١٩٧٣ تحت قيادة السادات وإلي جوار العظماء إسماعيل والشاذلي والجمسي.. وغيرهم.. ثم إحدي الأدوات الاستراتيجية للرئيس الراحل للتعامل مع بدو سيناء حرباً وسلماً.. وثعلب في الصحراء الغربية لمواجهة أطماع القذافي..
آخر محطات الرجل كانت مع مبارك في موقفين.. الأول برفضه الحصول علي قرار جمهوري في ١٩٨٣ ليبقي في منصبه كمدير للمخابرات العامة ما بعد الستين.. بالمخالفة لقانون المخابرات العامة الذي تغير فيما بعدوالموقف الثاني حين وثق مبارك في نصار لتوثيق وقائع الثغرة.
.. هل عملت مع أشرف مروان أو اطلعت علي عملياته أثناء توليك إدارة المخابرات الحربية أو المخابرات العامة؟
- كانت علاقة أشرف مروان مباشرة مع الرئيس السادات.. وكنت قبيل وأثناء الحرب مديراً للمخابرات الحربية والتي بدأت عملي فيها خلال الفترة من ١٩٧٢ وحتي ١٩٧٦.
ولكن في هذه الفترة كانت جميع الأجهزة، مخابرات عامة، مخابرات حربية، وحتي الرئيس نفسه، يشاركون في تخطيط عملية المباغتة للعدو، والتي أعتبرها السبب الرئيسي في انتصارات أكتوبر، وعملية المفاجآت أو المباغتات أنواع، منها مفاجأة استراتيجية، وأخري سياسية.. والأهم هي المفاجأة العسكرية.
وأنا كان لي تخصص معين في الناحية العسكرية، والناحية الاستراتيجية العسكرية، أما الناحية الاستراتيجية الدولية والسياسية فلم تكن من اختصاصي، ولكن كانت من اختصاص الرئيس السادات وبشكل مباشر هو الذي كان يشرف عليها، وأنا أعتبر السادات رجلاً سياسياً حقيقياً، فجمال عبدالناصر زعيم، أما أنور السادات فهو سياسي.
.. وما الفارق بينهما في عمل المخابرات؟
- لم أشارك في أي جهاز مخابراتي أيام عبدالناصر، ولكن كانت علاقته المباشرة بالمخابرات العامة عن طريق صلاح نصر الذي كان يتولي تنفيذ سياساته في الشؤون الداخلية، وإدارة البلاد، وعبدالناصر كان زعيماً، ولكل زعيم أخطاؤه وإيجابياته، أما السادات فكان سياسياً حقيقياً، ولذلك فهو كان يشارك في عملية الخداع الاستراتيجي السياسي الدولي، وكان يستخدم أشرف مروان في هذا، ولكن لم يكن لهذا النوع من العمل علاقة بالجانب العسكري، لذلك لم نكن شركاء فيه.
.. وماذا تعلم عن أشرف مروان؟
- ما أعلمه عن مروان أنه كان شريكاً في صنع الخداع الاستراتيجي، وأنا متأكد من ذلك، ولكن نوع العمل الذي قام به بالتفصيل لا أستطيع أن أحكم عليه.
.. ولكن مارأيك في المزاعم الإسرائيلية حوله؟
- إسرائيل لها أهداف كثيرة من استغلال قصة أشرف مروان وتحويرها، ومن وجهة نظري أن حرب ١٩٧٣ كانت نقطة تغير كبيرة ورئيسية لهم في شكل تكوينها وأطماعها، ولذلك فهي تثير من آن لآخر نوعاً من أنواع عدم الثقة والتقليل من شأنها.
.. لكن عندما توليت منصب مدير المخابرات العامة في أغسطس ١٩٨١ كان بعض كبار الصحفيين في مصر وخاصة في الأخبار وأخبار اليوم قد شنوا حملة قوية ضد أشرف مروان وثروته وعلاقته بالسعودية وليبيا، وبصفقات السلاح وقيامه بعمليات سمسرة فيها، حتي أن موسي صبري قال إن المخابرات العامة وافقت علي قيام النيابة العامة بتفتيش منزله.. فهل تصفحت أو اطلعت علي أوراق تخصه في المخابرات في هذه الفترة؟
- لا لا.. لم تعرض علي أي أوراق تخص مروان، وأنا سمعت أمين هويدي، الذي تولي مسؤولية المخابرات العامة خلال فترة عمل مروان إلي جوار الرئيس، وهو رجل علي خلق ودراية، يقول إنه لا توجد أي أوراق تخص أشرف مروان في الجهاز.. أنا أيضاً لم أعثر علي أي أوراق تخصه.
.. في رأيك، هل قتل أشرف مروان أم انتحر؟
- أنا في تقديري أن عملية الليثي ناصف وعمليتي أشرف مروان وسعاد حسني، مسألة غير عادية، ما هي، لا أعرف لكنها عملية غير عادية.
.. بمناسبة الحديث عن هذا السيناريو المكرر، ما علاقة سعاد حسني بإسرائيل؟
- سعاد حسني لم تكن عميلة مزدوجة أو تعمل لصالح إسرائيل.
.. ألم تر أي أوراق تخص سعاد حسني أو أحداً من المشاهير في هذا الصدد؟
- سعاد حسني كانت مجندة للمخابرات المصرية هي وغيرها، وهذا كان أسلوباً من الأساليب التي تتبعها المخابرات للحصول علي معلومات من الشخصيات التي تميل تجاه السيدات، فكانت المخابرات تأتي بهن وتوصلهن بهذه الشخصيات ليجلسن معهم ويدخلن غرفهم ويسجلن لهم، وبهذا يكون معنا سلاح ضد هذه الشخصيات.
.. وهل كانت تستخدم هذه الأساليب مع العرب فقط أم أن هناك شخصيات أجانب؟
- عرب فقط.
.. وفي عصر من استخدمت المخابرات هذا الأسلوب؟
- أيام صلاح نصر.
.. ألم تتم عمليات مشابهة أيام السادات؟
- لا.
.. لكن السادات قال إن أشرف مروان يقوم بمهام نترفع أن نقوم بها، وقيل إنه كان علي علاقة جيدة مع الليبيين، خاصة عبدالسلام جلود؟
- الذي أعلمه فعلاً أنه كانت له علاقة طيبة بجميع الحكام وكان رجلاً دبلوماسياً وكان له علاقة شخصية بالنسبة لهم، محبوب ومطلوب، ويستطيع تنفيذ العديد من الأشياء، وله دور في عملية «الخداع الاستراتيجي» وكذلك كانت له علاقات جيدة مع العرب من خلال الهيئة العربية للتصنيع.
.. إذن، ما السيناريو الذي تتخيله لوفاة مثل هذه الشخصيات من حيث تشابه أسباب وظروف الوفاة؟
- هو كلما ذهب شخص إلي لندن يسقط من البلكونة ويقع! هل هذا منطق؟ ما الذي يكمن وراء ذلك، هذا عمل غير طبيعي، لكني أعتقد أن هناك أجهزة مخابراتية داخلة في هذه المواضيع.
.. في قضية أشرف مروان قد تكون إسرائيل وراء قتله؟
- ولمَ لا!
.. ذكرت أن عمل المخابرات العامة في فترة السلام أهم من فترة الحرب؟
- من يعمل في المخابرات فهو في قتال دائم، وحرب لا نهاية لها، ولا يوجد شيء اسمه سلام في المخابرات، والعمل في السلام مثلما أقول دائماً هو عبارة عن تجهيز لسياسة دولة في جميع المجالات «عسكرية وسياسية واقتصادية واستراتيجية ودولية» أكثر من العمل في الحرب، فالعمل في السلام أكثر من العمل في الحرب.
.. أنت جئت مديراً للمخابرات العامة بعد كامب ديفيد، فما ظروف اختيارك للمنصب؟
- أنا كنت قبلها محافظاً لمطروح، وأعتقد أني قمت بدوري فيها وكنت مبسوطاً مما أقوم به، وأعتقد أن الدولة كانت تري هذا أيضاً، وفي العيد القومي لمطروح في آخر أغسطس ١٩٨١ (قبل الاعتقالات) وأثناء الاحتفال، جاء لي مدير مكتبي وقال: النائب حسني يريدك علي التليفون، فقلت له أن يبلغه أني في الاستعراض وسوف أعاود الاتصال به بعد الانتهاء منه، وعندما اتصلت به بعد انتهاء الاستعراض، قال لي: إن طائرة غادرت القاهرة متجهة إلي مطروح، اركب فيها وتعال بسرعة، فقلت له: لماذا؟، قال: عندما تأتي ستعرف، قلت له: لا أريد أن أعرف، ما هو الأمر؟، قال لي: ستعرف عندما تأتي..
بعد قليل اتصل بي مرة أخري قائلاً: إن الطائرة في المطار منذ نصف ساعة، لماذا لم تأت؟، فقلت له: إنه العيد القومي ولدي مؤتمر صحفي، فإذا غادرت الآن، ما الذي ستقوله الناس.. قال لي: فليكمل مدير الأمن، وتعال إلي القاهرة، لكنه رفض أن يقول لي لماذا، فاتصلت بزوجتي في المنزل كي ترسل لي الحقيبة علي المطار، فوصلت وقابلت النائب حسني، فوراً، لم أقابل السادات. وقال لي مبارك: اللواء سعيد الماحي مدير المخابرات العامة موجود الآن في مكتبه، اذهب الآن وتسلم منه.
فقلت له: مخابرات، لماذا؟ فحكي لي علي مؤامرات واغتيالات وتقارير النبوي إسماعيل وزير الداخلية.. ومقدمات عملية التحفظ.. وقال لي الرئيس بيقول إنك تمسك المخابرات في هذا الوقت.. ذهبت ووجدت الماحي يجلس وكان السادات قد عينه محافظاً للإسكندرية علي الفور.. ومسكت المخابرات العامة ولم أقابل الرئيس السادات في اليوم نفسه.. بل التقيته بعد ٣ أيام.. وخلالها حكي لي الزملاء في المكتب التحريات الجديدة في البلد، وكلمني حسني مبارك وقال لي نحن ذاهبون لمقابلة الرئيس والطائرة ستقوم تعال معنا.
.. وأين كان الرئيس آنذاك؟
- في المعمورة، حيث ذهبت أنا ومبارك والنبوي إسماعيل وآمال عثمان و٢ آخران لن أقول اسميهما.
.. لماذا؟
- لأنهما قاما بأشياء لا يصح أن أقولها.
.. أشياء مثل ماذا؟
- سأحكي لك.. وصلنا المعمورة، وعند هبوط الطائرة وجدنا جيهان السادات منتظرة. وقالت إن السادات تعبان شوية، فخفوا عليه وعندما دخلنا وجدنا مائدة طويلة وعليها أوراق والرئيس يجلس، فجلسنا، لكني وجدت أن هذين الشخصين كل واحد منهما يخرج ورقة فيها اسماء.. هم يملون علي الرئيس، والرئيس يكتب، وأخذا يتكلمان عن الاعتقالات.
.. النائب حسني لم يتحدث نهائياً عن الاعتقالات؟
- لا، ولا النبوي إسماعيل ولا آمال عثمان.. ولما انتهوا من الحديث عن الاعتقالات، أخذوا يتحدثون في تفاصيل الوضع الداخلي. أنا قلت للسادات: تسمح سيادتك برأي المخابرات العامة. فقال لي: ما هو رأي المخابرات العامة. فقلت: أنا لم أنم منذ ٣ أيام، وسمعت تقارير شاملة عن الوضع.. ونري أن الاعتقالات بهذا الحجم ستكون خاطئة، وإذا كان هناك أناس يتآمرون ولدينا تسجيلات لهم وهي موجودة في المخابرات نمسكهم بالفعل.. أما الباقون فنراقبهم.
.. تقصد نعتقل من ونراقب من؟
- نعتقل كل من خطط وجهز لعمليات اغتيال أو عمليات إثارة في البلد، والباقي كله يراقب. لكن كوني أمسك كل هؤلاء الناس بهذا الوضع، المخابرات تقول رأيها لا. وأتذكر أن السادات رد بالنص الآتي: علي ما يبدو أن المخابرات ليست في الصورة. يا نبوي: خذه وتنزل من عندي الآن وكل الذي قلته لي، قله مجدداً له.
نزلت وذهبت مع النبوي إسماعيل إلي مكتبه في القاهرة حيث أطلعني علي شرائط التسجيل ونية بعض الإسلاميين لاغتيال السادات فقلت له: لا يوجد شيء جديد. كل ما قلته موجود في المخابرات العامة ورأيته، وأنا أري أنه لا توجد فائدة. طلبت الرئيس السادات ثاني يوم وقلت له علي لقاء النبوي. رد علي رداً لم أكن أتصوره عمري: قال لي أنا لم آت بك كي آخذ رأيك، أنا أتيت بك علشان التنفيذ، القرار سيوقع غداً. ووقّع قرار الاعتقال. مفيش بعدها بكام يوم حصل اللي حصل وجت أكتوبر وتم اغتيال السادات.
.. من هما الشخصيتان اللتان أمليتا علي السادات أسماء المعتقلين؟
- لن أقول.
.. هناك من أشار لهما من قبل؟
- الذي يشير يشير، إنما أنا لا.
.. هل هما وزيران؟
ـ واحد منهما كان في الجامعة.
.. لكن هذه شهادة للتاريخ، ليست أسرار مخابرات؟
ـ لا، فأنت تطعن في ناس.
.. وما دورك في الاعتقالات نفسها..؟
ـ كمخابرات؟
.. نعم؟
ـ لم ننفذ أي اعتقالات.. فهذا ليس عملنا.
.. إذن، ماذا كان دوركم في هذه الفترة.. وماذا فعلتم بعد اجتماع الرئيس لتأمين البلد؟
ـ راقبنا الأحداث الموجودة وبدقة.. فأساس شغلنا هو مراقبة ما يحدث في البلد وتتبع الأحداث والناس واجتماعاتهم وآرائهم.
.. أليس هذا دور أمن الدولة؟
ـ لا.. المخابرات أصلها أقسام.
.. هذا اللبس موجود لدي الكثيرين، ما الفرق بين الوظائف المحلية في المخابرات وبين أمن الدولة؟
ـ هناك أمن قومي وأمن سري وخدمات سرية ومعلومات، فالمخابرات فيها جميع المهام، وكل مهمة لها جهاز، وهناك جهاز حصول علي معلومات وهناك جهاز خدمة سرية، وهناك جهاز أمن قومي داخلي، وجهاز أمن خارجي، فهناك العديد من الأجهزة في المخابرات.
.. وعدد ضخم من الموظفين؟
ـ كل عدد يناسب الحجم الذي يعمل فيه، ولدينا جهاز سري يراقب جهاز المخابرات يتبع مدير المخابرات مباشرة، وهذا الجهاز مقره ليس في مبني المخابرات إنما في مكان آخر، ولا أحد يعلم عنه شيئاً.
.. برستيج رجل المخابرات الآن، هل مثلما كان في الستينيات والسبعينيات؟
ـ المخابرات مراحل، فالمخابرات أيام صلاح نصر تختلف عن المخابرات الآن.
.. هل لديك حنين لمرحلة صلاح نصر؟
ـ لا، فنصر كانت مهامه الرئيسية تتركز في الناحية الداخلية أكثر من الناحية الخارجية.
.. ألم يكن هناك جهاز أمن دولة في هذه الأيام؟
ـ وما المانع.. الآن موجود جهاز أمن قومي في المخابرات العامة، فالمخابرات العامة فيها جزء رئيسي عن الأمن الداخلي.
.. ما مآخذك علي صلاح نصر؟
ـ «الأسلوب»، كان أسلوب الحكم في ذلك الوقت يعتمد علي الإكراه يعني عملية الاعتقالات والتجنيد والشرب والإكراه.
.. واستخدام النساء مثلا؟
ـ استخدام النساء أصله أسلوب.
.. وهل لايزال موجوداً؟
ـ لا.
.. لم تجاوبني عن السؤال: لماذا قلت مكانة أو برستيج رجل المخابرات عن الفترات السابقة؟
ـ لأن أيام نصر كانت العملية «إرهاباً» وليست برستيج، كنت تخاف من ضابط المخابرات، لأنه ممكن يعمل فيك أي حاجة في أي وقت ولأي سبب.
.. نعود إلي فترة بداية توليك الجهاز، جيء بك لهذا المنصب من أجل اعتقالات سبتمبر، لكنك لم تشارك فيها.. فهل هذا صحيح..؟
ـ نعم لم أشارك.
.. ألم يغضب منك الرئيس؟
ـ لماذا يغضب مني، هل فعلت شيئاً خطأ؟ أنا لم أفعل شيئاً خطأ، أنا قلت رأيي وقال لا، وجاء التنفيذ.. خلاص. لم أشارك فيها نهائياً طبعا.
.. ماذا فعلت في المهام التي جاءت بعد ذلك؟
ـ كانت المخابرات تؤدي واجبها: أمن داخلي وخارجي وتجنيد وحفاظ علي المعلومات والحصول علي معلومات.. عملنا الأساسي.
.. كنتم تحصلون علي معلومات من داخل إسرائيل؟
ـ من كل مكان، من داخل إسرائيل ومن داخل أمريكا وداخل أوروبا ومن داخل روسيا.
.. وهل لنا عملاء داخل إسرائيل؟
ـ لو قلت يوجد يبقي غلط، ولو قلت لا يوجد يبقي غلط، عملي هو الحصول علي معلومات عن إسرائيل بكل الوسائل المتاحة ويكفي أن تعلم أن إسرائيل في وقت من الأوقات كانت تأخذ معلوماتها عن القوات المسلحة من صفحة الوفيات.
.. أنت تركت المخابرات في ١٩٨٣.. ألم تجمعك أي مناسبة بالرئيس مبارك؟
ـ لا، أنا لا توجد علاقة بيني وبين الرئيس مبارك غير علاقة العمل، أنا كنت مخابرات حربية، هو كان قوات جوية، كان هناك علاقة عمل.. شغل.
.. تاريخ تخرجك قريب من دفعته؟
ـ لا، هو بعدي، أنا دفعة ١٩٤٤ إنما لا توجد علاقة خاصة بيني وبينه، ولا يوجد أي نوع من أنواع الصلة الآن.
.. بعد تخرجك.. رفضت تقبيل يد الملك فاروق لماذا؟
ـ أنا دخلت القوات المسلحة فعلاً حبا في القوات المسلحة لخدمة البلد، وأنا سنة ما أخذت التوجيهي، كانت الكلية الحربية مغلقة، وظلت كذلك لمدة عامين، لا تقبل دفعات، فتحوها أيام تولي الوفد الحكومة، فدخلنا في ذلك الوقت حوالي ٥٠٠ واحد، وناس بالتوجيهية وناس بالثقافة، ودخلنا في ذلك الوقت ١٩٤٢، ولم يكن هناك صف ضباط، كانت فارغة، فعملوا لنا امتحانات في النصف، وربنا وفقني فيها، ومكثت فيها سنتين وليس ٣، وفيه ناس ظلت ٤ سنوات، لأنهم عملوا لنا امتحاناً في النصف وفقت فيه.
فانتقلت للسنة النهائية وأخذت صف ضابط، سنة ١٩٤٤ وبعد تخرجنا أقام الملك فاروق حفلة شاي للخمسة الأوائل من كل الجامعات في عابدين، وأنا كنت من الـ ٥ الأوائل في الكلية الحربية، فذهبت إلي عابدين في الجنينة بعد انتهاء حفلة الشاي، خارجين من ممر صغير وهو واقف ماسك عصاية في يده اليسري وحاطط جوانتي في يده اليمني، وكل الأوائل يسلمون عليه.. ثم يقبلون يده..
أي يقبلون «الجوانتي»، عندما جاء دوري سلمت وعظمت ومشيت.. ثالث يوم قدمت نفسي في سلاح الإشارة «الأوائل كانوا يختارون السلاح الذي يريدونه، وأنا اخترت الإشارة لأني كنت ثانوية علمي» ذهبت وجدت زملائي يسألون عني.. إنت فين المدير يسأل عليك فدخلت للمدير وكان اسمه البرديني الله يرحمه، وقال لي: لماذا لم تقبل يد الملك، قلت له: أنا لم أدخل الجيش دخلت الجيش كي أخدم بلدي، فقال لي: يا ابني الجيش يريد أمثالك، بس إنت هتتعب.
.. ألم تنضم إلي الضباط الأحرار؟
ـ نعم، لكني شاركت في الثورة، ولم أكن أعلم شيئا اسمه الضباط الأحرار، ولكن عندما التقيت جمال سالم في القاهرة حكي لي عن تنظيم الضباط الأحرار.. وقال إنه يريد مني خدمة وهي أن أشكل مجموعة وغداً عندما تقوم الثورة، نذهب للاستيلاء علي مصلحة التليفونات في شارع رمسيس ونسيطر عليها وحدث ذلك فعلياً. رجعت إلي سلاح الإشارة وأحضرت مجموعة من الزملاء والجنود.. ومع قيام الثورة.. استوليت علي مصلحة التليفونات، واقمت إقامة كاملة فيها.
-أنت رفضت تقبيل يد الملك.
وأيام السادات عارضت الاعتقالات، ومبارك ليس لك علاقة به بعد الوظيفة الرسمية، فماذا لو حدث هذا «الكوكتيل» اليوم من شخصية عامة أخري..؟
- أنا فكرت في هذا الموضوع كثيراً. هل في هذا العصر وأنا في نفس الأوضاع كنت اتصرفت هذا التصرف، وهل لو عاد بي الزمن.. وتقلدت نفس المناصب كنت تصرفت بنفس الطريقة.. بالطبع لا.
.. لماذا؟
- الظروف الآن لا تجعل الشخص المستقيم قادراً علي النجاح أو التفوق. فاليوم كي تصل، يجب أن يكون لديك صفات ومواصفات خاصة تصل بها، والكفاءة ليست وحدها طريقاً للنجاح..



 
التعديل الأخير:
المصدر

اقتباس:
اللواء فؤاد نصار يواصل حواره لـ «المصرى اليوم »:(٢-٤)أمريكا شاركت في القتال خلال حرب أكتوبر .. وأسقطت طائرة مصرية

photo.aspx


حوار محمد السيد صالح ١٧/٧/٢٠٠٧
اللواء فؤاد نصار

أكد اللواء فؤاد نصار مدير المخابرات الحربية أثناء حرب أكتوبر ومدير المخابرات العامة الأسبق أن أمريكا شاركت في حرب أكتوبر ليس فقط من خلال دعم وتزويد إسرائيل بالأسلحة ولكنها اشتركت في العمليات القتالية وأسقطت طائرة مصرية، وكشف نصار في الجزء الثاني من حواره مع «المصري اليوم» أسباب الهزيمة في حرب ١٩٦٧ ونجاح إسرائيل في اختراق وسائل الاتصالات المصرية وتسجيل كل ما يحدث فضلاً عن حالة التدني والتراخي التي كانت تسيطر علي مراكز القيادة في مصر.
وحمل نصار المشير عبد الحكيم عامر والرئيس الأسبق جمال عبد الناصر مسؤولية الهزيمة مؤكداً أن تعيين عامر الذي كان مجرد رائد رئيساً للأركان رسخ عادة مصرية استمرت بعد ذلك وهي تعيين أهل الثقة وليس أهل الخبرة، وتطرق مدير المخابرات العامة الأسبق إلي قصة الثغرة لافتاً إلي أن الفريق سعد الشاذلي رئيس الأركان تعرض لضغط نفسي حينما فشل في إغلاقها وأن قرار عدم الانسحاب من سيناء لسد الثغرة كان سليماً ١٠٠%.
وناقش نصار باستفاضة دور المخابرات الحربية في الحرب والمذبحة التي أشرف علي تنفيذها للضباط المقصرين والمتجاوزين والذين ارتبطوا بعلاقات خاصة مع القيادت ومنهم الرئيس السادات.. وإلي الحوار:
.. شاركت في حربي ١٩٦٧ و١٩٧٣.. وكان الفارق بينهما كبيراً في تشكيلات الجبهة والحالة المعنوية.. ولكن في البداية.. ماذا كانت طبيعة عملك في ١٩٦٧؟
ـ تم استدعائي لأكون رئيساً لإشارة القيادة الشرقية، لم يكن هناك في هذا الوقت جيش ثان أو جيش ثالث.. وتسلمت عملي قبل الحرب بـ ٢٠ يوماً فقط، وحينها أرسل لي قائدي المباشر في كلية الأركان، وكنت برتبة مقدم، وقال لي المشير عبد الحكيم عامر أصدر قراراً بأن تتولي إشارة القيادة الشرقية
.. هل كان يعرفك بشكل مباشر؟
- لا.. ولكنه قرأ سيرتي الذاتية وخبراتي وعملي في حرب ١٩٤٨.. وكذلك البعثات والدورات التي حصلت عليها إضافة إلي سمعتي كمدرس في كلية الأركان.. كنت أعرف عبد الناصر، وقابلته قبل اندلاع الثورة مرة واحدة.
المهم أنني نفذت الأوامر.. وذهبت للقيادة الشرقية ولكنني طلبت من القادة أن يكون مسمي الوظيفة التي أشغلها هو مساعد لرئيس الإشارة والذي كان برتبة عميد وموجوداً فعلياً علي الجبهة.. ونفذت الأوامر.. وذهبت لأجد هذه القيادة تقف في طابور طويل قرب الإسماعيلية.. وسألت أحد القادة: أين أنتم ذاهبون، قالوا: لسيناء، فقلت له لماذا؟ قال: لا أعلم.. فقط تلقينا أوامر لكي نعبر القنال، فسألته: الخطة دفاع أم هجوم، فقال: دفاع.. فقلت له: أنتم ذاهبون لسيناء لتدافعوا ضد ماذا؟
ذهبت ورأيت أشياء تحدث ولم نتعلمها ولم نُعلمها لأحد من العسكريين.. ولا أعلم من أين أتوا بها.. أناس بجلابيب.. أوامر عشوائية، قادة يذهبون ويأتي آخرون بسرعة عجيبة.
وجاءتني تعليمات بأن أذهب لوسط سيناء، وكان الفريق سعد الشاذلي قد شكل وحدات للمظلات والصاعقة وبدأ العمل هناك.. وذات يوم.. فوجئت باتصال من شخص في مكتب المشير عامر يقول أن عامر يريد أن يتحدث مع الشاذلي، فقلت له: ممكن عن طريق اللاسلكي، أما الاتصال الهاتفي فمستحيل لأنه لا يوجد لدينا خطوط مباشرة لكل هذه المسافات، فقال لي: ألا يوجد لديكم الخط الألماني؟.. ولكني رفضت لأن هذا الخط يستخدم لأغراض معينة وللعمليات.. ولكن قائد القيادة الشرقية صلاح محسن أمرني بمد الخط.. بعدها بيومين صدر قرار بتعييني رئيساً للإشارة..
ونقل العميد الذي كان يتولي الإدارة للقاهرة.. أيام قليلة ووجدت القائد يكلمني ويقول المشير قادم إلي سيناء.. ويريدك أن تكون معنا في استقباله بالمطار.. وهو طلبك بالاسم وكنت لا أعرفه علي الإطلاق. جاءت طائرة هليكوبتر كان فيها القائد العام للقوات المسلحة ورئيس الأركان ورئيس العمليات وأنا.. ووصلنا مطار شمادة. وحينما وضعنا اقدامنا علي الأرض كانت إسرائيل تدك سيناء بدون أي رد فعل.. القادة جميعهم في المطار يشكلون مربعاً ناقص ضلع ينتظرون المشاركة في تشريفة المطار.. ولا يوجد قائد في وحدته أو مركز القيادة يعطي الأوامر.
.. إذن أنت شاهد علي مقدمات النكسة.. وسببها الرئيسي.
ـ نعم.. عامر هو المسؤول عنها. كيف يتحول رائد شاب إلي مشير بقرار واحد وليكون قائداً للقوات المسلحة.. عملية الترقية هذه كانت ذات دوافع شخصية كاملة.
.. لماذا لا تحمل النكسة مباشرة إلي المسؤول عن ترقيته، جمال عبد الناصر؟
ـ أتفق معك.. لما قام الانقلاب في ٢٣ يوليو.
.. تسميه انقلاباً.. أنت قلت من قبل أنها ثورة؟!
ـ إذن هي ثورة.. ولكن كانت عدة انقلابات قد وقعت في دول عربية وخاصة في سوريا التي شهدت ٣ انقلابات متتالية.. فخاف عبد الناصر ورفاقه من أن يتكرر الأمر معهم وخاصة بعد تمرد سلاح الفرسان والخلاف مع محمد نجيب.. لذلك اختار عبد الناصر أقرب الضباط إليه وعينه قائداً للجيش ولكي يحمي الثورة، وبعد ذلك، أصبحت عادة مصرية، أن أهل الثقة هم الذين يتم تعيينهم، وليس أهل الخبرة، لجميع المستويات القيادية.
.. نعود لوقائع النكسة؟
ـ الحرب بدأت.. وعامر بيننا .. ولا نعرف ماذا نفعل، سألني صلاح محسن: ماذا نفعل، فقلت له نعود للقيادة، فقال لي: القادة كلهم أمامك.
في اليوم التالي، فوجئنا بأوامر المشير بالانسحاب الكامل مع ترك الأسلحة الثقيلة.
كانت خسائر الإشارة محدودة، وتمسكت بألا أعود للقاهرة، كما كانت تقضي الأوامر، ولكن عبرت إلي الإسماعيلية.
حدث بعد ذلك تغيير في قيادات القوات المسلحة إلي أن تم اختيار الرجل الذي لم يأخذ حقه حتي الآن.. المشير أحمد إسماعيل وزيراً للحربية وقائداً عاماً للقوات المسلحة، فبدأت الاستعدادات الخططية للحرب، وتدربنا كثيراً في التل الكبير وبإشراف إسماعيل والجمسي بشكل شخصي .. وكنت أقدم لهما تقارير يومية عن العمليات وعن تحركات الإسرائيليين غرب القناة.
وبدأت القوات المسلحة في تنفيذ ما تعلمناه بشكل متكامل وسريع.
.. لماذا تقول إن أحمد إسماعيل لم يأخذ حقه؟
لأنه رجل وقائد حقيقي.. وأنا شاهد علي حنكته ودقته في الاستعداد للحرب وإدارتها.
.. لماذا تنحاز بعض الأقلام الآن لموقف سعد الشاذلي ولكفاءته أكثر من أحمد إسماعيل؟
ـ هؤلاء ينطلقون من خلاف الرجلين حول موضوع الثغرة.. وعلي فكرة الثغرة من صنع الأمريكيين ولدي دلائل كثيرة ومشاهدات وخاصة أنني كنت مديراً للمخابرات الحربية وقت المعركة، وأتذكر أننا وبعد العبور، كانت هناك تعليمات للطيران الإسرائيلي بألا يقترب من القناة بمسافة ٢٠ كيلو متراً خوفاً من مدي الصواريخ المصرية.. والمضادات الأخري.. لكننا فوجئنا بكتيبة صواريخ مصرية علي القناة يتم تدميرها.. ولا نعلم لماذا ولا كيف.. وبعدها بقليل جري تدمير كتيبة أخري.
أستدعاني السادات وسألني عن السبب فقلت: لا أعلم.. ولكننا سندرس الوضع سريعاً، كان لدينا في المخابرات الحربية عالم عبقري ترك الطب وتولي إدارة وحدة البحوث العسكرية في المخابرات.. وعمله الأساسي البحث في العالم كله عن الأشياء الجديدة والمتطورة.. وبعد بحث دقيق قال لي: الجيش الأمريكي اخترع نوعاً جديداً من الصواريخ تحمله الطائرات ويمكن أن تطلقه وهي علي بعد ٣٠ كيلو متراً علي أهدافها وهذا الصاروخ يتبع موجة الرادار عكسياً ويصيب محطة الإطلاق.. وما حولها.
وتأكدنا أن هذه الصواريخ التي تستخدمها إسرائيل لم يكن قد تم استخدامها بعد في الجيش الأمريكي.
ذهبت إلي السادات وعرضت عليه نتائج الأبحاث والمعلومات التي لدينا، وبعدها قال تعبيره الشهير: أنا أقدر أحارب إسرائيل.. لكني لا أستطيع محاربة أمريكا.
بعد الحرب جاء قائد أمريكي كبير من الذين خططوا ونفذوا جسر الإمداد الجوي لإسرائيل بعد اندلاع معركة أكتوبر، وكانت زيارته من أجل إلقاء محاضرة في أكاديمية ناصر كنت حينها مازلت أعمل مديراً للمخابرات الحربية.. استدعيت هذا القائد الأمريكي.
وقلت له: أنا سأحضر المحاضرة غداً، وعندي أسئلة وسأقوم بتوجيهها إليك الآن حتي لا تتفاجأ بها وأنا أطرحها عليك أمام الناس، ولكي تجهز الردود عليها، ولكي لا تحرج وسط الحضور.
ـ السؤال الأول: الإمداد بالمعدات في ميدان المعركة يعتبر اشتراكاً في الحرب أم لا، قلت له: نحن لدينا دبابات أمريكية حصلنا عليها كغنائم في سيناء.. ولم تعمل في الميدان أكثر من مائتي كيلو.. وهذه الدبابات مصدرها جسركم الجوي.
ـ السؤال الثاني عن طبيعة اشتراككم في أكتوبر وللعلم فأنني حصلت علي معلومات من مصادرنا الاستخباراتية ووحدات الاستطلاع بأن الجسر الجوي الأمريكي الذي طلبته جولدامائير من واشنطن يطير قبالة السواحل الليبية، وأبلغت السادات علي الفور.. فطلب مني أن أبلغ حسني مبارك قائد القوات الجوية وبسرعة، وقال لي: قل لحسني يطلع طائراتنا تقابل طائراتهم ولا تشتبك معها. وبالفعل قام عدد محدود من طائراتنا بالاقتراب من طائرات الجسر.. لكن الأمريكيين أسقطوا لنا طائرة.
وكررت سؤالي الثاني عليه: هل القتال في سبيل توصيل الإمدادات يعتبر اشتراكاً في الحرب.. أنتم أسقطتم لنا طائرة.
.. هذه معلومة أول مرة أسمعها.. هل حقيقة أمريكا أسقطت لنا طائرة في أكتوبر؟
ـ نعم.. هذه حقيقة.
السؤال الثالث: كان حول الصواريخ التي دمرت رادارات وقواعد صواريخنا بطول القناة.. وقلت له: أنا شاركت في بعثة في الولايات المتحدة.. وكان هناك بعض المحاضرات مخصصة للضباط الأمريكيين فقط.. ويتم منعنا من دخولها، وللعلم فهذا الكلام لايزال موجوداً، وخاصة مع العرب.
سألته: الصواريخ هذه التي لم تستخدم في الولايات المتحدة.. من الذي أمر باستخدامها ضد المصريين؟
فقال لي القائد الأمريكي: لي طلب.. لا تحضر هذه المحاضرة. وأنا أعدك بأنني سأنسق مع إدارتي في واشنطن وسأرسل لك ردوداً وافية علي جميع الأسئلة، فطلبت مشورة السادات واتصلت به.. فقال لي: لا تحضر.
وبعد شهر تقريباً جاءني خطاب شامل من الرجل قال فيه: الإمداد في ميدان القتال لا يعتبر اشتراكاً في الحرب.. أما مسألة إسقاط طائرة عسكرية مصرية.. فإننا فوجئنا بطائرات مقاتلة تقترب من سربنا فقمنا بالدفاع عن أنفسنا، أما الصواريخ فيوجد في جيشنا الأمريكي ضباط من اليهود تطوعوا للعمل مع إسرائيل وإمدادهم بالأسلحة الحديثة.
ولكنه لم يجب عن سؤالي: من سمح لهم بالحصول علي هذه الصواريخ واستخدامها في ميدان المعركة.. وهم مجرد متطوعين، علي حد زعمه ذهبت بالورقة للسادات، وقرأها بعمق، وقال لي: هذا أقوي كارت معي في المفاوضات.
.. هل هذا الخطاب معك الآن؟
ـ بل احتفظ به السادات لنفسه.
.. نعود إلي ميدان المعركة.. وقصة الثغرة تحديداً.
ـ عندما حدثت الثغرة، تم تكليف الفريق سعد الدين الشاذلي رئيس الأركان بأخذ مجموعة من الصاعقة والمظلات للتعامل مع الإسرائيليين ومحاولة إغلاقها.. وعزل قواتهم الموجودة غرب القناة.. الشاذلي استمر في مهمته لمدة يومين، لكنه لم يستطع ذلك. وعاد رئيس الأركان إلي مركز القيادة في القاهرة ولديه نوع من الاضطراب النفسي، ولم يكن يفكر بعقله، وكان يتصور أنه طالما لم يستطع أن يغلق الثغرة فإن الإسرائيليين قادرون علي تهديد القاهرة.
واقترح أن نسحب كل القوات الموجودة في سيناء كي ندافع بها عن القاهرة.. ونمنع اليهود من الوصول إليها.. وطلب اجتماع قيادة.. وأحمد إسماعيل وافق علي مناقشة الخطة، ودعا للاجتماع.. واتصل بالسادات فحضر.. وشاركت أنا والجمسي ومبارك وجميع قادة الأسلحة، والذي يحدث في هذه الاجتماعات أن يبدأ رئيس المخابرات الحربية بالكلام ويتحدث علي أنه العدو ويشرح طبيعة قواته وحجمها وتمركزها وكيف تخطط وبناء علي هذا العرض..
كل واحد يعرض خططه، قلت إنه لا توجد أي مؤشرات أو خطط تقدم نحو القاهرة.. وكان تقديري أن عملية الثغرة هدفها سياسي أكثر منه عسكرياً.. ومحاولة خلق واقع جديد بعدالعبور.. وإمكانية المساومة عسكرياً واستراتيجياً مع بدء التفاوض، وقلت: علينا التعامل مع الثغرة بتدمير قواتها مع المحافظة علي الإسماعيلية والسويس.
ووافق القادة علي التصور الذي قدمته، والحقيقة أن السادات وأحمد إسماعيل لم يسمعا كلام الشاذلي. الرئيس لم يتحدث يومها مع الشاذلي علي الإطلاق.. والشاذلي لم يتكلم.. وصدر قرار عدم الانسحاب.. وأعتقد أنه كان قراراً سليماً بنسبة ١٠٠%.
.. قبل توليك المخابرات كنت قادم من الإشارة؟
- لا كنت قائداً لإشارة الجبهة الشرقية في ٦٧ ولكنني عدت كمدرس في كلية أركان الحرب في ١٩٦٩ حين عملوا جيشين في الجبهة (الثاني والثالث) بدلاً من القيادة الشرقية ففقدنا مناصبنا، لذا رجعت في ١٩٦٩ وأرسل لي أحمد إسماعيل وكان وقتها رئيس الأركان، وكنت عائداً من بعثة في موسكو.. وقدم لي إسماعيل ورقة مكتوبة باللغة الروسية تقول: جميع محادثاتكم وخططكم وأسراركم موجودة في إسرائيل..
وقال لي: أرجو منكم أن تنشئوا إدارة للحفاظ علي سريتكم في التخطيط والمحادثات.. وسموها «أسرار العمليات»، وبعد ذلك قال لي: مارأيك في هذه الإدارة واسمها وطبيعة عملها؟!.. فقلت له: اسمها إدارة «أمن السيطرة» فوافق علي ذلك وقال لي: اختر الضباط المناسبين لمهمتك هذه، فطلبت أن أتولي المنصب ٣ شهور بشكل تجريبي.
وتسلمت عملي في المخابرات الحربية فعلياً، وبعد مرور ٣ شهور بالتحديد، وذات ليلة فوجئت باتصال هاتفي.. رفعت السماعة وقلت: من المتحدث، فقال: أنا أنور السادات.. الـ ٣ شهور انتهوا.. ما رأيك، فقلت له: ممكن، لكن أريد سنة كاملة، فقال لي: ٩ شهور كفاية، فقلت: نعم ممكن.
.. ٩ شهور لكي تستطيع أن تحارب؟
ـ نعم .. وقلت للسادات: اللي يتعمل في سنة نستطيع بتوفيق الله أن نؤديه في ٩ شهور.. فقال لي: علي بركة الله.
في بداية عملي خرجت ذات يوم من مكتبي «لتفقد الكتيبة».. وسألت عن قائد هذه الكتيبة، فقالوا لي إنه لم يأت اليوم.. فقلت: وأين هو الآن، فقالوا لي إنه في بيت الرئيس السادات.. فسألت ماذا يفعل هناك. فقالوا هو علي علاقة وطيدة بأسرة الرئيس، ويذهب في كثير من الأحيان إلي هناك، وأحياناً يأتي لمكتبه هنا.
ذهبت مباشرة إلي مكتبي، وأصدرت قراراً بنقل هذا القائد، ليكون رئيساً لاستطلاع البحر الأحمر، بعد ذلك جاء هذا الضابط، ولما قرأ القرار ضحك، لأنني في عملي منذ شهرين تقريباً، وقال لأصدقائه في سخرية مش أنا اللي هامشي، هو اللي هيمشي.. ويقصدني أنا.
بعد أيام، وفي المساء، وجدت اتصالاً هاتفياً.. من الرئيس السادات بنفسه، فقلت له: نعم يا أفندم، فسألني مباشرة: ما رأيك في فلان، وهو قائد الكتيبة، وبالمناسبة هذا الولد كان غاية في الكفاءة والوطنية والإنجاز، وكان الرئيس السادات يعرفه بشكل مباشر من أيام حرب اليمن، حيث كان السادات مسؤولاً عن ملف اليمن، ويعرف عملياته الكبيرة هناك، قلت للسادات: هو ضابط ممتاز، فقال لي: عارف هو عمل إيه في اليمن، فقلت نعم وعددت عملياته كلها هناك، فسألني: لماذا نقلته للبحر الأحمر إذن، فقلت: أقوم بتجهيز المخابرات للحرب، فقال وبالحرف الواحد: أعمل اللي تعمله، وكانت وجهة نظري في هذا الشأن: إما يتركني أعمل وأقود، وإما يقول أنت أخطأت بهذا القرار وأمشي.. وهو بحكم منصبه كقائد أعلي للقوات المسلحة له الحق في ذلك.
كان هدفي هو التزام الناس وأن يكون لدينا جيش حقيقي، وننهي مسألة العلاقات المباشرة بالرئيس أو بغيره ومن لا يعجبه ذلك هناك لوائح وقرارات يمكن تطبيقها عليه.بعد أسبوع واحد من هذه الواقعة، أصدرت نشرة تضمنت عودة ٢٠ ضابطاً في المخابرات الحربية إلي أسلحتهم، سموها في ذلك الوقت «مذبحة المخابرات» وكانت قناعتي أن كل ضابط غير ملتزم أو قام بحبس أحد من الناس أو عمل مع المخابرات العامة أو أو.. كل ما كان يحدث من تجاوزات عليه الرجوع إلي سلاحه.. وأنا لا أريد هذه النوعيات، وإنما أريد ضابطاً مقاتلاً، بايع نفسه لبلده.
أما من بقي في المخابرات الحربية في ذلك الوقت، إضافة إلي الذين استقدمتهم، فكانوا أناساً أفتخر بهم.. كان شعارهم جميعاً في الحرب إما أداء المهمة أو الشهادة.. وأنا لا أبالغ في قول ذلك.
.. نعود لأجواء المخابرات والحرب؟
ـ قبل الحرب كان في كل مدينة علي الجبهة مكتب مخابرات حربية، الإسماعيلية بورسعيد والسويس، وجمعت قادة المكاتب قبل الحرب مباشرة، وقلت لهم: من المحتمل أن يهاجم اليهود «مصر»، لم أقل لهم إننا سنحارب، وقلت لهم الأوامر أن كل مكتب يعمل عنده في بلده مقاومة مجموعة من المتطوعين الأهالي، يقوم بتدريبهم ويسلحهم، ويكون مسؤولاً عنهم، وكانت الأوامر مقاومة الإسرائيليين حتي الموت إذا دخلوا أي بلد أي واحد من ينسحب من أي بلد هيتحاكم، ممنوع أي فرد مخابرات أن يترك البلد التي كلف فيها بهذه المهمة واحتلتها إسرائيل.
وبدأت المخابرات تقوم بهذا الدور. وتم توزيع أجهزة لاسلكي علي البيوت ليكونوا علي اتصال بنا مهما حصل، وكان هناك واحد اسمه محمد عباس «ضابط مخابرات» في السويس، لما قامت الحرب لبس بالطو أبيض وعمل تمرجياً بمستشفي السويس، وأدار معركة السويس وهو تومرجي في المستشفي حتي انتهت الحرب، وهو أحد الأسباب التي حافظت علي السويس رغماً عن الثغرة.




 
التعديل الأخير:
المصدر


اقتباس:

اللواء فؤاد نصار يواصل حواره لـ «المصري اليوم» : (٣-٤)إصلاح حال البلد هو الطريق لسد ثغرات التجسس

حوار محمد السيد صالح ١٨/٧/٢٠٠٧


photo.aspx





اللواء فؤاد نصار

في ١٩٧٨ ظهر فيلم «الصعود إلي الهاوية» في دور العرض السينمائي وسط القاهرة.. الفيلم مأخوذ عن قصة تجسس حقيقية بطلتها المصرية هبة سليم وخطيبها الضابط فاروق مدير مكتب سلاح الصاعقة في بداية السبعينيات، وأحداث الفيلم، الذي كتبه صالح مرسي
وقال إن مادته مأخوذة من ملفات المخابرات العامة أثارت ردود فعل واسعة.. لعمق أداء مديحة كامل، «هبة» التي تحول اسمها إلي عبلة في الفيلم، ومحمود ياسين ضابط المخابرات العامة.. وللرؤية الإخراجية المتميزة للراحل كمال الشيخ، اللواء فؤاد نصار يؤكد أن الفيلم به كثير من الأخطاء أهمها أن المخابرات الحربية ـ التي كان يتولي منصب مديرها إبان الحرب ـ هي التي كشفت قصة التجسس في القاهرة وتولت أمر هبة في باريس إلي أن تمت إعادتها لمصر بدهاء وذكاء رجال المخابرات الحربية..
يقول أيضًا إن السلطات الليبية، القريبة من القاهرة ومن السادات في هذا التوقيت، ساعدت كثيرًا في الإيقاع بهبة لأن والدها كان يعمل في طرابلس في هذا التوقيت.. لكن سوء العلاقات بين السادات والقذافي وقت إعداد الفيلم تسبب في نقل مقر عمل الأب إلي عاصمة مغاربية أخري. نصار يحكي في الجزء الثالث من حواره مع «المصري اليوم» حكايته كاملة مع الضابط فاروق..
وكيف ساعد هذا «الخائن» مصر بعد كشفه.. وكيف استفادت المخابرات الحربية منه في خطة الخداع الاستراتيجي.. ويتناول نصار تنسيق القاهرة ودمشق قبيل الحرب، ويؤكد أن إبلاغ السادات للملك حسين بموعد الحرب كان قرارًا خاطئًا، لكن الأكثر سخونة فيما يقوله هو رأيه في رجال المخابرات العامة الآن.. كما يعلق هنا علي تغيير قانون المخابرات العامة لصالح الوزير عمر سليمان بعد أن رفض نصار صدور قرار جمهوري من الرئيس مبارك ليبقي في منصبه بعد الستين.
* أنت شاهد علي التنسيق المصري السوري للإعداد للحرب في ١٩٧٣؟
-كل علاقتي بالتنسيق المصري السوري كانت في تحديد ميعاد الحرب.
* كنت من القلة التي علمت بساعة الصفر في الحرب؟
- أنا وأحمد إسماعيل والجمسي من القوات المسلحة المصرية، ولم نحدد موعدًا.. أنا كمدير مخابرات، وأحمد إسماعيل كقائد عام للقوات المسلحة لم نعلم بموعد الحرب إلا قبلها بخمسة عشر يومًا، وقبل ذلك كنا حددنا ثلاثة مواعيد، وتركنا القادة يختارون، أنا أتحدث عن السرية، الضباط لم يكونوا يعلمون فقد كان كل واحد يأخذ الأمر في ظرف مغلق يقال له يفتح الساعة كذا،
وهذه من ضمن الإجراءات التي قمت بها وأنا مدير إدارة أمن السيطرة، كان كل قائد معه نوتة يكتب فيها بخط يده ما يخصه فقط وهذا من ضمن الأشياء التي جعلتنا نعرف قضية هبة سليم؟
* هل كنت تعرف ساعة الصفر قبل الرئيس مبارك، قائد القوات الجوية آنذاك؟
* عندما تم تحديد الموعد، وعلمناه قبل خمسة عشر يومًا من الحرب، كانت القادة قد عرفته؟ وعندما تكلم الرئيس مبارك عن أشرف مروان قال إن موعد الضربة لم يكن يعلمه أحد، وأننا أرسلنا موعد الضربة في أظرف مغلقة في ٥ أكتوبر مساء، وقلنا لا تفتح إلا الساعة كذا صباحًا.
* كان هناك من يركب الطائرة، ولا يعرف إلي أين يذهب؟
* متي عرف السوريون الموعد؟
ـ في نفس الموعد الذي عرفناه، وبنفس الطريقة؟ ولم تعرف الموعد أية عاصمة عربية أخري
* أنت تقصد الملك حسين؟
- معلوماتي أن السادات أعطي الإشارة لأحمد إسماعيل بأن يخطره ربما باليوم وليس بالساعة، وأن جولدامائير علمت وطلبت من السفير الأمريكي أن يتصل بأمريكا وروسيا.
*ماذا كان هدف السادات من إبلاغ الملك حسين بموعد الحرب؟
*-دولة عربية لها حدود مع إسرائيل.
*البعض قال إن السادات أبلغ الملك حسىن للتموىه؟
*- أنا سأحكي لك حكاية مهمة.. في عام ١٩٤٨ الملك عبد الله جد الملك حسين، تم اختياره ليكون قائدًا للقوات العربية، أرسلوا بعثة من مصر مكونة من ثلاثة: واحد من الفرسان اسمه سابور، واحد من المدفعية اسمه حافظ بكري،
وواحد من الطيران اسمه حشاد، هؤلاء يمثلون مصر في القيادة العامة للقوات العربية التي يرأسها الملك عبد الله، وكنت في ذلك الوقت ملازمًا، ومن أجل أن يذهب هؤلاء كان لابد من اتصالات،
وبالتالي أجهزة لاسلكي، وعلشان تروح أجهزة اللاسلكي لابد أن يذهب ضابط فذهبت أنا الرابع في هذه المجموعة، وذهبنا في معسكر اسمه «الزرقا»، واجتمعنا بالتنسيق.. ويومها قال الملك عبد الله: الايد اللي ما تقدرش تدوسها بوسها، وأمر الملك عبد الله بالانسحاب من القدس ومعروف أن الملك عبد الله كان ينفذ تعليمات القائد البريطاني ولم يكن يقود فعليا.. ولم يجتمع بنا سوي أربع مرات.
*لماذا إذن أبلغ السادات الملك حسين بالموعد، وهو على دراىة بالدور الأردنى كله؟
*- الإسرائيليون عرفوا موعد الحرب يوم ٥ أكتوبر، والمراقبون للمخازن أكدوا أن المخازن فتحت صباح السادس من أكتوبر، وأنه تمت تعبئة جزئية، ولكن الحرب حدثت الظهر ولم يكن هناك وقت.
* الإسرائيليون عرفوا الموعد من أشرف مروان، ومن الملك حسين، فلماذا لم يقوموا بتعبئة؟
-عرفوا وقاموا بالتعبئة وفتحوا المخازن، وخرجت قواتهم، لكنهم لم يكن لديهم وقت، المفاجأة كانت «الساعة الثانية»، لم يكونوا يتصورون أن الحرب ستكون الساعة الثانية ظهرًا.
*لو أخذ السادات رأيك فى إبلاغ الأردن بساعة الصفر، ماذا كنت تقول باعتبارك رئىس مخابرات؟-ولماذا نبلغهم، هم لم يكونوا مشتركين في الحرب، أتصور أنه أبلغه لغرض سياسي وليس عسكريا، فربما احتاج إليه.
*ولكن الرجل لم يتحرك فى ٧٣؟-لا ، لم يتحرك.
*كيف تم التنسىق بىن المخابرات الحربىة والمخابرات العامة قبل المعركة؟-المخابرات العامة لها مهمة مختلفة عن المخابرات الحربية. الأخيرة تعمل في حدود عمل القوات المسلحة.. والحصول علي معلومات عن العدو.. ومنع العدو من الحصول علي معلومات عن قواتنا،
المخابرات العامة في المقابل تشتغل علي الدولة كلها، المخابرات الحربية مهمتها عسكرية، أما المخابرات العامة فمهمتها استراتيجية فالفارق كبير بين المهمتين، وكل حرب في العالم مهما طالت لها بداية ونهاية.. ماعدا حرب المخابرات.. سواء حربية أو عامة.. هي حرب بلا نهاية.. والرجل الذي يعمل في المخابرات يعيش طول عمره يحارب.. للحصول علي معلومات.. وليمنع الغير من الحصول علي معلومات عنه.
*أعود للتنسيق قبىل الحرب.-لا يوجد هناك تنسيق بشكل مباشر بين الطرفين هذه لها مهام وتلك لها مهام أخري، إنما التنسيق يتم علي المستوي الاستراتيجي بواسطة القيادة العليا.
* وبماذا تفسر أن معظم قادة المخابرات العامة جاءوا من المخابرات الحربية؟
- أنا فقط الذي جئت من المخابرات الحربية للمخابرات العامة، ولم يحدث هذا الأمر قبلي.
&lt;اللواء عمر سلىمان كان مدىرًا للمخابرات الحربىة؟&gt;-هذا أمر تكرر بعدي أنا وأنا سأحكي واقعة تؤكد لك أنني لا أحب كراسي المناصب مهما كانت أهميتها.. كنت رئيسًا للمخابرات العامة حتي ١٩٨٣..
وفي يوم اتصل بي الرئيس حسني مبارك وكان يخطط لزيارة الولايات المتحدة، وقال لي: جهز نفسك للسفر معي وكان السفر بعدها بشهر تقريبًا.. ولكني قلت له ياريس في هذا التاريخ سأكون قد خرجت إلي المعاش أي سأكون بلغت الستين، لكنه قال لي: أليس مدير المخابرات بدرجة وزير؟..
فقلت له: نعم فقال: الوزير ليس له سن معاش لأن منصبه سياسي ولكنني كنت قد قرأت القانون المنظم للمخابرات وكذلك لوائحه الداخلية..
وقال لي: علينا أن نسأل جهة بعينها لتغيير هذا الموقف وهل منصب مدير المخابرات سياسي أم إداري، فقلت له نسأل وزير العدل، مبارك كان كثيرًا ما يأخذ علي الرئيس السادات أنه كان ينتهز إجازة مجلس الشعب ويصدر مجموعة من القرارات التي لها قوة القانون.. ويأتي مجلس الشعب بعدها ليقول: آمين.. وكان مبارك يقول لي أنه لا يوافق علي مثل هذا الإجراء.
* لكن الرئيس كثيرًا ما يلجأ لهذا الإجراء الآن!
-لا تعليق.. المهم أن وزير العدل قال لي: أرسل لي قانون المخابرات.. وبعد يومين قال لي ممكن أستعين بفلان لمساعدتي.. وكان يقصد الاستعانة بأخي وكان وكيلاً لوزارة العدل.. فقلت له.. طيب وأنا مالي.. هو يعمل معك.. اختر من شئت.
&lt;أنت مدىر للمخابرات العامة.. وممكن الرجل كان ىخشاك؟&gt;- أنا أقول ما حصل.. في اليوم التالي كلمني، وقال لي: مدير المخابرات يخرج للمعاش.. ولكي لا يخرج للمعاش يحتاج لقرار جمهوري للمد.. فقلت له: لن أطلب هذا القرار ولا أحتاجه، هذا ما حدث بالفعل، بعد فترة كلمني الرئيس مبارك.. وأخذ رأيي في إصدار قرار بالمد، وكان مجلس الشعب في إجازة، فقلت له: سيادتك ستأخذ قرارًا في غياب مجلس الشعب.. ليه ياريس، هل مصر لا يوجد بها من يصلح لهذا المنصب؟ فقط أنا لي رجاء،
فقال لي: ما هو؟.. قلت أن تختار من سيشغل المنصب بعدي ليعمل معي لمدة ٣ شهور.. وقلت للرئيس: أنا تهت في ملفات المخابرات وإداراتها لعدة شهور.. ولأول مرة تحدث هذه الخطوة ووافق الرئيس، وأتمني أن تتكرر في كل الإدارات والوزارات،
وظل اللواء نور عفيفي يعمل معي بالفعل لـ ٣ شهور.. أنا في مكتبي وهو في مكتب مجاور أدرس مسألة ما وأشرحها له.. وهو يستشيرني في أمور عديدة.. وفي النهاية كانت الموضوعات تعرض عليه هو ويدرسها ويعرض علي قراره لأقول له: نعم أو لا.. إلي أن تولي المنصب رسميا. وأنا أسأل لماذا لا يتكرر هذا الأمر.
- هل استمر عفيفي في منصبه طويلاً؟
* لا.. سنوات معدودة.
- لكن قانون المخابرات هل تغير.. اللواء عمر سليمان تجاوز السبعين؟
* سليمان صدر له قرار بالمد.. أي لا معاش له.. وتغير القانون من أجله.
- أي أن ما كنت ترفضه أنت.. ويعاتب مبارك السادات عليه.. عاد ورضي به؟
* نعم.. عمر سليمان راجل كويس.. والرئيس يعتقد أنه ناجح معه.. ويخدمه سياسيا واستراتيجيا.. وهما متفقان.. لذلك الرئيس مطمئن له.
* في رأيك مثل هذا الإجراء صحيح.. وأقصد المد في المناصب الحساسة.
ـ لماذا تسألني عن المخابرات فقط.. طب ما الرئيس قاعد من ٢٥ سنة.. المبدأ نفسه.
* أنا أقصد المناصب العامة والحساسة.. ولكن الرئيس عدل الدستور.. وأصبح المنصب بالانتخاب وليس بالتعيين منذ سنتين فقط؟
ـ في أمريكا يقولون: الإنسان حياته مقسمة إلي ٣ مراحل: وهذا التقسيم يعجبني جدًا، المرحلة الأولي: حتي سن العشرين.. والفرد فيها لا يتصرف في نفسه.. أهله هم الذين يربونه ويعلمونه.. وفي نهاية المرحلة يضع رجله علي بداية الحياة العملية، المرحلة الثانية أنه في العشرين سنة التالية مسؤول عن نفسه ويبني نفسه، حتي عندما يصل إلي الأربعين يكون قد وصل إلي مرحلة يستطيع فيها أن يتمتع في عمله ووظيفته بالعشرين سنة التالية وهي من الأربعين إلي الستين..
.. بعد الستين.. يعيش الفرد لنفسه.. الحمد لله أملك الستر والصحة.. وأنا مرتاح لكل خطوة أو قرار أو وظيفة شغلتها.
* هل تشعر أنك نلت التكريم المناسب لمسيرة عطائك؟
- أي تكريم تعني.. التكريم الأساسي هو رضائي عن نفسي.. وهل أنا مرتاح.. وسعيد بنفسي.. الحمد لله ربنا أعطاني الصحة والستر وأولاداً جيدين وأعيش في هذا العمر، وقد تجاوزت الثمانين بصحة جيدة والحمد لله.
* بهذه الفلسفة والسعادة التي تعيش فيها كما قلت الآن.. بماذا تنصح الرئيس وقد استمر في الحكم لنحو ١٧ عاماً بعد الستين.؟
- أنا أنصحه لماذا.. بصفتي إيه.. لا صديق.. ولا سألني ولا طلب مني النصيحة.. فلماذا أنصحه؟
* عملتما معاً؟
- طيب وماله.. لو نصحته يكون لي أولاً صفة نحوه، ولكني أقول لك، في أمريكا عندما يأخذ القائد درجة «FOUR STAR GENERAL» لا يخرج إلي المعاش.. بل يكون له مكتب.. وسكرتارية، ويكون له الحق في أن يقول كل ما يريد بلا رقابة.. وبلا أي مساءلة.
* هل هي رتبة مماثلة للمشير أو «الفيلد مارشال»؟
- نعم.. تقاليدهم هكذا.
* اللواء عمر سليمان هل خدم معك؟
- لا لم يخدم معي.. جاء إلي المخابرات الحربية بعد أن تركتها أنا.. وهو في الأساس لم يكن ضابط مخابرات.. كان ينتمي إلي أحد التشكيلات ثم جاء إلي المخابرات الحربية.. ثم المخابرات العامة.
* قصة الجاسوسة هبة سليم لها خلفيات عديدة، نريد أن نتعرف عليها منكم؟
- الإنسان الذي قام بهذه العملية بالقوات المسلحة ضابط وطني جداً، والمخابرات استغلته استغلالاً شديداً جداً، كان يعمل بالصاعقة، رتبته مقدم، كنا نقول كل واحد يعرف ما يخصه فقط، كان هناك ضابط اسمه عبدالغني عرض علي جواباً مكتوباً بالحبر السري مرسلاً إلي فتاة بفرنسا اسمها هبة سليم، وفيه تفاصيل الخطة بتاعتنا فيما يخص الصاعقة،
وتفاصيل حقيقية في بداية ١٩٧٣، بدأنا نتتبع العملية ونراقب الناس، جاءني جواب آخر يقول أنا ركبت إيريال فوق سطح العمارة وتقدروا النهارده تتصلوا بي عن طريق الإشارات، كله بالحبر السري.
واستدعيت رجال المخابرات وقلت لهم الناس اللي يعرفوا المعلومات دي من أحمد إسماعيل إلي أصغر عسكري، وذهبت إلي أحمد إسماعيل وقلت له ذلك: معلهش يا افندم سيادتك تحت المراقبة، قال يعني إيه تحت المراقبة؟ قلت له فيه معلومات كيت وكيت، وأنا أعطيت أوامر، وسألته: أنت تعرف هذه الخطة؟ قال: أنا؟ قلت له ليس بالضرورة أنت، ربما من حولك ويعملون معك، إنما كلهم تحت المراقبة.
فراقبوا وأحضروا لي قائمة بأسماء، وعندما أرسل المصدر رسالته: أنا ركبت الإيريال، قلت: تطلع مجموعات علي الأسماء اللي إحنا كاتبينها دي، ويشوفوا العمارات اللي مركبة إيريال (راديو) فالعمارة اللي مركبة إيريال، تشوفوا تبع أي شقة وتدخلوا وتقبضوا علي اللي فيها مهما كان،
وأذكر أنه أيامها كان هناك اجتماع لقيادة القوات المسلحة برئاسة أنور السادات، وذهبت وقلت له أرسلت مجموعات وكل مجموعة معها وكيل نيابة عسكري ليعطي الأمر، واللي حنلقي عنده الإيريال سيتم القبض عليه مهما كانت شخصيته.
وأنا أحب أن أقول لكم علشان تبقوا عارفين، بعد وقت اتصل بي عبدالغني وقال: لقينا الإيريال في شقة لضابط اسمه فاروق في الصاعقة، والشقة مغلقة وهو غير موجود.
وكان هناك ضابط اسمه نبيل شكري قائد قوات الصاعقة قلت له في مكتبي: مارأيك في فاروق، قال: من أحسن الضباط عندي، عمل معي منذ تسع سنوات وهو اليد اليمني لي، وهو الذي يقوم بكل شيء، قلت له: أنا عندي معلومات إنه يسكر ويعرف بنات، فهل ممكن يكون لما يسكر ويعرف بنات يتكلم ويقول حاجة، قال: استحالة، قلت له: هو فين دلوقتي،
قال: مستنيني في المكتب لما أرجع من الاجتماع علشان أقول له إيه اللي حصل في الاجتماع علشان يطلع الأوامر، قلت له: طيب، قل له يقابلك عند مكتب رئيس هيئة العمليات، وكلمت رئيس هيئة العمليات إنه يسيب المكتب، وفتحي عبدالغني يقعد في المكتب، فاروق جاء ودخل غرفة رئيس هيئة العمليات ووجد فتحي عبدالغني علي مكتبه، فقال فاروق: انتوا عرفتوا؟،
قال له: عرفنا كل حاجة، وجابه وجه وكنا أنا ونبيل شكري وهو، قلت له: إيه اللي أنت بتعمله ده، بتطلع أسرار القوات المسلحة؟ قال: قوات مسلحة إيه، إنتوا حتحاربوا، بقالكم سنين بتقولوا حتحاربوا، إنتوا بتضحكوا علينا، أنا لو عارف انكوا حتحاربوا ماكنتش عملت كده، إنما إنتوا بتضحكوا علينا، وإحنا بنضحك ع الناس، وكلنا بنضحك علي بعض فقلت له: إيه قصتك، وقصة البنت اللي بتبعت لها؟
قال: دي بنت كنت أعرفها وحبينا بعض، وحنتجوز، وأبوها ماوافقش، راحت هي سافرت إلي فرنسا، وأبوها إلي ليبيا، وأنا بقيت هنا، وقعدتوا تقولوا حنحارب، مش حنحارب، والبنت بعتت لي إنها محتاجة معلومات، وكل معلومة حتبعت عليها فلوس، وحنلم قرشين ونتجوز ونعيش في فرنسا.
قلت له: يابني الكلام ده مش مضبوط، واحنا حنحارب، قال: لا لا لا.
* ألم يكن يعلم أنه جاسوس، وأن هذه المعلومات تذهب إلي إسرائيل؟
- هذا الولد نفعنا جداً، كانت علاقتنا بليبيا كويسة، وأبوها كان يعمل بالتدريس هناك، واتصلنا به وقلنا له هناك عملية إنزال بالطائرة، بنتك مشتركة بها في فرنسا، وسيحدث لها أذي، ونحن لا نريد أن تؤذي ابنتك في هذه العملية، فأرسل إليها أنه سيموت ويريد أن يراها قبل أن يموت، وأدخلناه إلي المستشفي، وأرسلت إليه أن هناك طائرة مجهزة ستأتي إليك وتأخذك للعلاج في فرنسا فلا تحمل هماً.
فأصدرت الأوامر بمنع زيارته في المستشفي، وأبلغت كل من يزوره بأنه ممنوع زيارته، وممنوع نقله وأن حالته خطرة، وسيموت خلال يومين.
البنت حضرت من فرنسا، فقلت للضباط بمجرد أن تنزل من الطائرة الفرنسية انقلوها إلي الطائرة المصرية التي جاءت بها إلي القاهرة، وكان فاروق محتجزاً في فيلا للمخابرات.
وقلت له: حنجيب هبة، وسألناها فحكت أنها ذهبت إلي فرنسا وكانت تعمل بالمطاعم، ثم تعرفت علي أشخاص قاموا بتشغيلها في شركة، ووفروا لها شقة، وأن هؤلاء اشترطوا أن تمدهم بمعلومات عسكرية عن مصر.
وقالت: ظللت أراسل فاروق مدة شهر ولم يكن يرد علي، وفقدت الوظيفة بسبب ذلك ورجعت أعمل بالمطاعم، إلي أن عادت الشركة ووفرت لي تذكرة للذهاب إلي مصر حتي أتمكن من الاتصال المباشر بفاروق.
وقالت إنها قابلت فاروق، وذهبا معاً إلي الإسكندرية، وفي طريقهما إلي الإسكندرية مرا علي مطار غرب القاهرة، ففتحت موضوع الحرب معه، فقال ليس هناك حرب، وقال: حناخد قرشين ونعيش مع بعض في فرنسا، وبدأ يرسل معلومات وأنا أرسلها إلي إسرائيل، وكل معلومة أرسلها يرسلون مقابلها نقوداً.
كانت الحرب قد اقتربت، قلت لفاروق الحقيقة أننا سنحارب، وأنت ستحاكم بالتأكيد، إنما لن أحاكمك إلا بعد الحرب، لو انتصرنا فأنت شريك معنا، ولو فشلنا فأنت السبب.
قال: وما العمل، قلت: تظل علي صلة بإسرائيل، وترسل إليها المعلومات التي نقولها لك، وطلبنا من هبة سليم إبلاغ الإسرائيليين بأن هناك حرباً حقيقية، وأنها ينبغي أن تكون بجانب فاروق لإرسال المعلومات مباشرة عن طريق اللاسلكي، وبدأ فاروق يرسل المعلومات التي نمده بها واشترك بشكل كامل في عملية خداع إسرائيل.
وانتهت الحرب، وكنت في صراع شديد: نحاكمه، أم لا، نعم شارك في خداع إسرائيل، وأسهم في إحراز النصر، إنما لم يكن باختياره، هو خائن، ولو لم نكتشفه لكان تمادي، إنما نحن أجبرناه، وقررت أن نقدمه للمحاكمة العسكرية والتي حكمت بإعدامه ورفضت أن يقوم نبيل شكري بإطلاق الرصاص عليه وحده.
* البعض ألمح إلي أن فاروق كان مديراً لمكتب سعد الدين الشاذلي؟
- لا، كان مديراً لمكتب نبيل شكري.
* ولم يعط معلومات عن حائط «الصواريخ»؟
- لا.
* هبة سليم أعدمت؟
- نعم.
* ما علاقتها بعائلة صالح سليم؟
- لا أعرف.
* ظروف إعدامها؟
- حوكمت مدنياً، وأعدمت مدنياً.
* هل توسط كيسنجر لوقف إعدامها؟
- حقيقة لا أعرف، أنا قوات مسلحة.
* إنما الأب كان في ليبيا، فلماذا صور فيلم «الصعود إلي الهاوية» الذي حكي الواقعة علي أنه كان في تونس؟
- الفيلم لم يحك الصورة الواقعية الحقيقية.
* البعض أعطي القليل وهو الآن مستمتع بما أعطاه للبلد، وأنت أعطيت الكثير؟
- أنا لم أعط شيئاً، أنا قمت بالواجب الذي كان علي أن أقوم به.
* ألم تحصل علي أنواط؟
- أنا أخذت أكثر من عشرين نوطاً ووساماً، أخذت كل شيء.
* لماذا الشباب يقبلون علي التجسس؟
- الوضع صعب وليس سهلاً، جيل آخر.
* كيف نسد ثغرات التجسس؟
- نصلح حال البلد، الناس الذين هزموا في ١٩٦٧ لماذا عادوا وانتصروا في ١٩٧٣، هناك تغير تم.. الوطنية والإخلاص ثمنهما غال، ولابد أن يتم دفعه.. نبطل فساد، والمناصب تذهب لأهل الخبرة بدلاً من أهل الثقة، والناس تأخذ حقها، وتنتهي فكرة التمييز بين الناس.
أنا أريد أن أقول إن الإنسان -طبقاً لما تربي عليه من مبادئ ورأيي أن ذوي الكفاءات الذين يصلون ويتحققون، لا يفعلون ذلك أبداً، ورأيي أنهم يستطيعون أن يصلوا بكفاءتهم وقدراتهم فما الذي يدفعهم لفعل الخطأ.
* البعض يقول إن جهاز المخابرات يميل إلي إعطاء إحساس بأهميته، فيقوم بالكشف عن إحدي العمليات حتي ولو كانت صغيرة، أو غير ناضجة، أو تحمل قصة حقيقية، المحكمة برأت شريف الفيلالي علي سبيل المثال؟
- والقضاء ماله.
* القضاء قال إنها قضية غير مكتملة، والجهات السيادية أكدت أنها قضية تجسس، وحكم علي هذا الأساس.
* عايز تقول إن هُمه ملفقينها له؟
- مش بالضبط.. تقريباً المحكمة كانت حتقول إن مافيش قضية.. انت عارف إن ده ممكن يحصل في المحاكم العسكرية ومحاكم الطوارئ ممكن أنا ما اعتقدش.. إذا وصلنا إلي هذه المرحلة يبقي خلاص، ويبقي علي البلد السلام.
* كنت أريد أن تكشف عن صور مضيئة جديدة للمخابرات لم تنشر من قبل؟
ـ يعني أحكي عن أشياء لم تنشر.
* حتي لو بالإشارة ؟
ـ إشارة ليه.. ليه ما اتكلمش بصراحة وبوضوح.
* اتفضل حضرتك؟
ـ لو فيه حاجة تستحق النشر وتعلن أقولها، إنما بحكم وظيفتي وبحكم وضعي وبحكم حفاظي علي أسرار البلد والقوات المسلحة والدولة، «ما أقدرش أقول حاجة ما اتقالتش أو ما اتنشرتش، غلط أنت كصحفي عايز تأخذ سبق، إنما كل شيء له وقت».
* المخابرات موجودة في الشارع أكثر من الأول، لماذا، بسهولة يقول لك أحدهم أنا أعمل في المخابرات.. في الماضي كان هناك قدر من التخفي، وكأن أفراد المخابرات يبحثون عن دور في الشارع وليس في العمل؟
ـ عايز تقول الناس بتكشف عن عملها في المخابرات علشان تاخد «وضع معين».
مش مفروض أن رجل المخابرات يكشف عن نفسه، ليس إذاً رجل مخابرات، إذا عمل في المخابرات معناها أنه إنسان عادي، إنما هو يري أن البلد اليوم لم يعد ينظر إليه باحترام كامل، ولكي يأخذ الوضع والاحترام يفعل هذا، وهذا ليس في المخابرات فقط، هذا في كل مكان اليوم الإنسان الذي ينظر إليه باحترام لابد أن يكون ذا وضع ومركز، حتي تتعامل معه باعتباره إنساناً له وضع وله مركز، إنما في الماضي لا.
* ربما النظام يريد بشكل أو بآخر أن يفرض سيطرته وهيمنته علي الشارع من خلال هؤلاء؟
- لا.. لا النظام موجود، لكن المجتمع هو الذي فرض علي رجل المخابرات هذا، تصرفات المجتمع وأسلوب الحياة هي التي فرضت هذا، يعني أنت النهارده لو أنا بكلمك عادي أختلف عني لو أنا بكلمك باعتباري مخابرات.
* لو المخابرات أرادت أن تقوم بعملية، واحتاجت إلي عميل، هل من السهل أن يقبل المواطن العادي هذه المهمة، وهل ينظر إليها باعتبارها مهمة وطنية مثلما كان فترة الحرب والمد القومي؟
* هل غياب المشروع يؤثر علي نظرة المواطن العادي إلي هذه المهمة؟
- طبعاً اختلفت الأمور، الرجل الوطني الذي تتحدث عنه لم يعد موجوداً، أسلوب الحياة أختلف، التقييم والقيمة، السؤال اليوم أنت من ومعك كم، وهذا خطأ.
الروح الوطنية والتضحية في سبيل البلد وإنكار الذات، كل ذلك اختفي.
زمان كان البني آدم العادي محترم، اليوم لا يحترم إلا من يمتلك المال أو المركز، والباقي غير محترم.. أي إنسان هكذا اليوم.. إعادة بناء المجتمع مطلوبة.
* من الذي يبني المجتمع؟
ـ كل إنسان يستحق من يحكمه.
* أنا كواحد من الشعب ماذا أفعل؟
ـ تمشي صح وتحتقر الذي ينظر إلي الإنسان من خلال قيمة المال والمركز وتشارك.. كم واحد مستعد أن يموت اليوم في سبيل بلده؟
الناس الذين ضحوا بأنفسهم في ٧٣، والطلبة والمظاهرات اليوم لا، لماذا؟ لأن المجتمع لا يحترم هؤلاء، أو لا يعطيهم حقهم، المجتمع يعطي الحق للإنسان صاحب المركز والمال.
* هل شاركت في الانتخابات الماضية؟
ـ أنا لا أشارك في أي انتخابات، وليس عندي بطاقة انتخابات.
* لماذا، هل أنت معترض علي شكل الديمقراطية؟
ـ هو فيه ديمقراطية؟
الديمقراطية لا يعطيها أحد، إنما تنتزع.
* هل تنتزع بشكل من أشكال التمرد؟
ـ ليس تمرداً، وإنما بعدم القبول، لا شك أن هناك نوعاً من أنواع التطور، إنما هل هو في الطريق الصحيح أم لا.
* إنما لا تريد أن توجه نصيحة للرئيس؟
ـ عندما يطلب مني النصيحة أنصحه.
* بشكل عام؟
ـ كيف أنصحه بشكل عام.
* أنت تقول ليس هناك ديمقراطية؟
ـ لدينا ٢٥ حزباً لا أعرفها، هل هذه ديمقراطية.. تبقي الديمقراطية كلام صوري، إنما لابد أن يحدث تغيير حقيقي وسيحدث، إنما علي مراحل وفترات


 
التعديل الأخير:
المصدر


اقتباس:
الجزء الاخيــــــــــر من حديث اللواء نصار:
اللواء فؤاد نصار مدير المخابرات الحربية الأسبق: (٤-٤) دور بدو سيناء في أكتوبر لا يقل عن دور القوات المسلحة

حوار محمد السيد صالح ١٩/٧/٢٠٠٧

photo.aspx

http://www.almasry-alyoum.com/photo.aspx?ID=16695&ImageWidth=300[/IMG]</IMG>

فؤاد نصار

اتصلت باللواء فؤاد نصار.. وعرضت عليه إجراء هذا الحوار وفكرته، فرحب الرجل لكنه أبلغني انه في الساحل الشمالي وبالتحديد في قرية سيدي كرير.. وسيبقي لعدة أسابيع هناك حيث إنه في مرحلة النقاهة بعد اجرائه عملية جراحية ناجحة.
سألنا حارس الأمن عند مدخل القرية عن اللواء نصار فأرشدنا إلي مكان شقته دون أن تبدو علي ملامحه أو زملائه أي معرفة بالرجل وقيمته وتاريخه.. قلت لنفسي وللزميل المصور حسام فضل: طبيعي نحن صحفيان ولم نكن نعلم عنه شيئًا حتي يومين فقط، عندما استقبلنا الرجل في شقته المتواضعة، لا في الشاليهات الفارهة المطلة علي البحر، لاحظنا أن لديه عدة «لزمات» في الكلام مثل إنه لا يحب كرسي السلطة ولم يسع إليه يومًا ما، وأن صحته الجيدة وتركيزه في هذه السن أكبر تكريم تلقاه..
وأن الدولة لم تقصر في حقه أبدًا وأن لديه ما يزيد علي ٢٠ نيشاناً.. والعديد من المناصب الرفيعة.. كان الرجل يقاطع سؤالي المتكرر والذي حمل إلحاحًا وإحراجًا- وهو «هل حصلت علي التكريم المناسب لعطائك.. خاصة أن كثيرين ممن لم يقدموا شيئًا لمصر حصدوا الكثير؟ كان الرجل يقطع إلحاحي بحكايات عن رضا النفس والقناعة، وأنه راض عن نفسه وفخور بأن الشقة التي تزوج فيها بمنطقة الدقي لا يزال يسكن فيها..

وأنه رفض قصرا منحه إليه السادات، أما عن «سيدي كرير» فيقول: «تصور عندما كنت محافظًا لمطروح كانت المنطقة تتبعني إداريا.. ولما قرر المهندس حسب الله الكفراوي وزير الإسكان في حينها بناء قرية بالمنطقة.. نصحني البعض بأن أحجز لنفسي أحد الشاليهات علي البحر لكنني رفضت وقلت لهم بعنف: «تريدونني أن أستغل منصبي» ويضيف: عندما احتجت مكانًا هنا، وكنت علي المعاش، قالوا لي: لم يبق إلا الشقق!

في الجزء الأخير من حواره مع «المصري اليوم»، يروي نصار قصص البطولة لأهالي سيناء أثناء الحرب، كما يحكي ذكرياته في مطروح كـ «ثعلب مصري في الصحراء الغربية» أراد السادات له أن يكون حارسًا للبوابة الغربية في وجه أطماع القذافي التي ظهرت في النصف الثاني من سبعينيات القرن الماضي.
.. أنت عملت في أماكن كثيرة قائدًا عسكريا.. ورجل مخابرات ثم محافظًا والمهم أنك راصد لحركة الشعب.. هل تطور المصريون أو تأخروا عن ١٩٧٣؟
.. الشعب في حيرة كبيرة.. أنا سأحكي لك قصة في هذا السياق بعيدًا عن الجبهة.. أنا عندي ولدين وبنت.. وفي يوم نايم في السرير.. جاءني ابني الذي يعمل مهندسًا في إحدي الشركات وقال لي: عندي موضوع وأريد رأيك فيه.. فقلت له: فيه إيه، فقال لي: أعطيت إحدي العمليات لمقاول.. ونفذ العملية بشكل ممتاز.. وأخذ كل حقوقه.. ولكن هذا المقاول جاءني ومعه مظروف فيه ١٠ آلاف جنيه.. أعمل إيه. قلت له: إنت عايز تعمل إيه.. فقال: عايز أبلغ الأجهزة الرقابية.. وأعمل له كمينًا وأمسكه، فقلت: في هذا الوقت وظروفنا الحالية.. هذا الكلام لا ينفع.. قال لي: لماذا.. فقلت له: أنت رجل في السوق.. ومهندس قطاع خاص، وعندما تقدم علي هذا الإجراء فلن يتم فهم موقفك جيدًا.. وأنصحك بأن تأخذ هذه الفلوس من الرجل.. واطلب المدير المالي للشركة أن يأتي لمكتبك في حضور المقاول واعطي له المظروف وقل له: ضع هذا المبلغ في حساب العملية كمكسب للشركة.
وبالفعل نفذ ما قلته.. بعدها بأسبوعين.. أبلغني أن رئيس مجلس إدارة الشركة منحه مكافأة ٣ آلاف جنيه كرد فعل علي هذا السلوك المحترم والهادئ.
.. أريد أن أعيدك مرة جديدة للجبهة ما قبل الحرب.. ودور أبناء سيناء في هذه الفترة؟
- كان الشيء الوحيد الذي نتميز به عن إسرائيل وبشكل قوي هو العنصر البشري.. طيب.. أنا أريد أخبارًا ومعلومات، وكان لدي سؤال رئيسي وبناء عليه أقول: سأحارب أم لا وهو: هل علمت إسرائيل بأننا سنحارب أم لا.. طيب أعرف إزاي؟ كان لديهم مخازن في سيناء اسمها مخازن الطوارئ.. وكان في كل واحد دبابة جاهزة ببنزينها وذخيرتها.
ولم تحصل عملية تعبئة يكون كل واحد علي علم بالدبابة التي سيركبها.. أو المدفع الذي سيقاتل به. إذن الحل الوحيد هو حراسة هذه المخازن لمدة ٢٤ ساعة يوميا.. ولو تم فتحها.. وخرجت الدبابات أو المدافع فستكون إسرائيل قد عرفت بأننا سنحارب.. وطوال فترة إغلاقها أكون أنا مطمئنًا ولكنني علي قناعة بأننا إذا لم نستطع أن نحافظ علي سرية قرار الحرب فينبغي ألا نحارب وللعلم فهذه المخازن تم فتحها صباح يوم ٦ أكتوبر.. ولكن هم يأخذون وقتًا للتعبئة مدته ٤٨ ساعة.. وواقعيا، لما بدأوا يخرجون من المخازن وصولاً للخطوات المقبلة، كانت الحرب قد بدأت فعليا وتم العبور.
.. أفهم من كلامكم أنهم كان لديهم موعد تقريب بالحرب.
- بالضبط.. هم فتحوا المخازن صباح ٦ أكتوبر.. إذن هم علموا بأن هناك حرباً.. وقاموا بالتعبئة الجزئية.. وهذا الموضوع له قصة معروفة كتبها بعض العسكريين الإسرائيليين فيما بعد.
واستخدمت لهذه العملية عنصرين: ضباط القوات المسلحة.. وأبناء سيناء.. وقمت بإجراء عجيب في هذه الفترة حيث أنشأت ما يسمي «القوات الخاصة للمخابرات» وكان شعارها قدرة مقاتلي القوات المسلحة للعمل خلف خطوط العدو.. بشرط واحد: أن كل فرد يخدم ٣ شهور متصلة في سيناء وفي موقع محدد ليحصل علي المعلومات المطلوبة وكنا نقوم بتدريبهم قبل بدء عملياتهم علي المهام الاستخباراتية وكيفية إرسال المعلومات، وطبيعة المعلومات المطلوبة، وكنا نؤكد لكل واحد أن جيشه مدته ٣ شهور فقط.. يعود بعدها المجند وأقول له: أنت أنهيت مدة خدمتك.. وأديت ما عليك لبلدك.. «روح بيتكم»، ولا أبالغ في ذلك.. كان فيه ناس بعد فترة يعودون ويقولون: نريد العودة لسيناء ولمهام جديدة بالفعل كان هناك البعض يفرح بانتهاء جيشه ولا يعود لكن عادت نسبة عالية من الجنود من تلقاء نفسها للقيام بمهام جديدة.
.. ما هي طريقة عبور هؤلاء إلي عمق سيناء عبر القناة؟
- عن طريق أبناء سيناء أنفسهم.. وأتذكر أنني أعطيت رتبة عميد لأحد أبناء سيناء، حيث كان ينتمي لقبيلة كبيرة، وكانت مهمته الأساسية هي تجنيد أبناء سيناء.. وكان دورهم يمتد أيضًا إلي مقابلة هؤلاء الضباط والمجندين الفدائيين عند القناة، ويقومون بتوصيلهم إلي المناطق المطلوبة.. وكانت القبائل تتولي إعاشة هؤلاء.. أكلهم وشربهم وطلباتهم.. وبعد انتهاء مهمة الفدائي تتم إعادته إلينا، هذا هو العنصر البشري الذي اعتمدت أنا عليه.
وأتذكر هنا حكاية وطنية رائعة وهي لآنسة مصرية تطوعت للعمل من غزة.. كانت قد ذهبت للعمل كممرضة في القطاع.. وجاءت إلينا وقالت: أريد أن أساعدكم.
.. ولكن غزة كانت محتلة؟
- ولكن كان مسموحًا للمصريين وفقًا لبعض الضوابط المرور إلي هناك.. فجاءت هذه الآنسة إلينا وأخذت «كورس» مدته ٣ شهور.. وحصلت علي جهاز لاسلكي، وبعد عودتها إلي غزة كانت لديها مهمة وحيدة وهي: استقبال الفدائيين والعاملين خلف الخطوط بمعلوماتهم.. وهي ترسلها إلينا، وكأنها محطة إرسال مصرية.. واستمر عملها حتي نهاية الحرب.
.. أين هي الآن.. وهل تم تكريمها؟
- يعني إيه تكريم..
.. لم اسمع عن هذه القصة البطولية من قبل.. لماذا لا ننشر مثل هذه القصص لتكون نموذجًا وقدوة مشرفة للشباب الآن.
- أنت سمعتها الآن!.. كل معلوماتي أنها بقيت في أحد مستشفيات غزة فترة طويلة ما بعد الحرب.. ولا أتذكر اسمها أو أين هي الآن، ولكن كنت أسمي هذه الفتاة «سمراء البشرة.. بيضاء القلب».
كانت لدينا مجموعة ثالثة، يقودها ضابط بطل اسمه إبراهيم الرفاعي.. وكانوا عبارة عن مجموعة من الضباط تقوم بالتطوع بغرض القتال في سبيل الحصول علي معلومات.. أي أننا كنا نحصل علي المعلومات بالاستطلاع عن طريق أبناء سيناء أو بالمجندين، نحارب للحصول علي هذه المعلومات ومجموعة القتال ٤٤ هذه والتي يقودها الرفاعي عبرت القناة ٣٥ مرة قبل الحرب.
وكان شعار المجموعة: تنفيذ المهمة أو الشهادة، مثلاً هم الذين أتوا إلينا بمواسير النابالم علي خط بارليف.. مرة أخري أحضروا إلينا سلاحًا جديدًا من خط بارليف.
.. احضروا صوره.
-لا.. أحضروا السلاح نفسه.. قتلوا الطاقم الإسرائيلي وعبروا القناة عائدين إلينا به.. وكان سلاحًا متطورًا للغاية.
.. قرأت في بعض المراجع والصحف عن «منظمة سيناء» ودورها في الحرب.. أنت حكيت عن دورها تقريباً الآن.. ولكن هل كان لها تشكيل معين.. وطريقة تمويل؟
- كان لدينا أحد شيوخ القبائل المحترمين واسمه اليماني بن الشيخ زويد وقام بتجنيد عدد كبير من أبناء القبائل المختلفة.. وفي مناطق مختلفة في الشمال والجنوب، بحيث يقومون بمتابعة وتوجيه رجال الاستطلاع.. وهذا ما أطلقت عليه اسم «منظمة سيناء» وسأحكي لك قصة طريفة.. أثناء عملي كمدير للمخابرات العامة، تمت محاكمة أحد أعضاء مجلس الشعب عن جنوب سيناء بتهمة الاتجار في المخدرات.. هذا الرجل، وبالفعل ساعدنا كثيراً قبل وأثناء الحرب، أنزلنا مجموعة كبيرة من المظليين في جنوب سيناء قبل الحرب بقليل لنصور للإسرائيليين أن كل هدفنا هو إغلاق خليج العقبة.. خاصة بعد سحب قوات الطوارئ الدولية وانقطعت الصلة مع رجال المظلات هؤلاء.. وكان عددهم ١٢٠ تقريباً.. لكنني كنت قد تكلمت مع هذا الرجل بنفسي.. وكلفته بإحضارهم واستضافتهم لنحو شهر كامل، كان الرجل يقوم بتسريبهم مثلما يقوم بتسريب الحشيش واحدًا واحدًا.
.. يعني أنت كنت تعلم أنه يتاجر في الحشيش؟
-نعم بالطبع.. وسألوني في المحكمة.. عندما كنت شاهداً في القضية.. وأخبرتهم أنه حاصل علي نيشان المخابرات ونجمة سيناء.. وهو يتاجر في الحشيش «طيب.. أنا مالي» الرجل فعل من أجل مصر الكثير ويستحق النيشان، وكون أنه تاجر حشيش هذا ليس عملي، ولكن عملكم أنتم، سألوني: هكذا قلت لهم أيضاً هل تعلم أنه يتاجر في الحشيش قلت: نعم.. وهو لم يكن يتاجر في المخدرات لكان من الصعب استضافة كل هذا العدد والإنفاق عليهم.. بل وتسريبهم، هذا الجهد يحتاج قدرات مالية.
.. لكن هذا النوع من الرجال لا يمكن أن يكون عميلاً مزدوجاً، خاصة أن كثيرًا من المخدرات تكون عابرة من إسرائيل؟
ـ هذا الشخص لا.. لأن أحد شيوخ القبائل هو الذي اختاره.. واختاره الآخرون أيضاً.. فلم أكن أختارهم وحدي.
وأنقلك لقصة لها علاقة بهذا الموضوع «البدو» في ١٩٧٦، كانت قد انتهت الحرب.. وتم التوقيع علي «فض الاشتباك» والحديث عن الهدنة، وذهبت بنفسي للرئيس السادات.
.. في آخر أيامك بالمخابرات الحربية؟
ـ نعم.. قلت له.. لا أستطيع أن أكمل العطاء في موقعي.. و«أنا تعبان جداً» فأرجو أن أخرج.. قال لي: لا تخرج تعبان.. تروح محافظ البحر الأحمر٤ شهور ترتاح.. كان البحر الأحمر خالياً تماماً، ويكمل السادات: بعد انتهاء فض الاشتباك تماماً.. تمسك محافظ سيناء وتستمر معنا إلي أن نحصل عليها بالسلام.. كما أخذنا الجزء الأكبر منها بالحرب.
.. هناك من يشيع أن أول محافظ لسيناء تم تعيينه بعد كامب ديفيد؟
ـ لا.. هذا خطأ شائع.. أنا أول محافظ لسيناء.. تسلمت عملي في البحر الأحمر ٤ شهور.. وتوليت منصبي في سيناء بعدها.. ولم يكن هناك شمال أو جنوب فقط.. محافظًا للمنطقة المحررة.. تقريباً حدودها الشيخ زويد في الشمال.
.. ولكن أعتقد أنها كانت سلطة محدودة؟ وأقصد أيضاً أن المنطقة المحررة كانت بسيطة؟
ـ كنا نسيطر علي ٤٠ كيلو في العمق.. وهي محصلة الحرب ومرحلة فض الاشتباك الأول.. وأنا في سيناء.. كنت أعتبر أن لأهل سيناء جميلاً.. وعلينا رده، وكان معظمهم يعيشون في بيوت من الصفيح.
تخلصت من هذه البيوت.. وسعيت لإنشاء قري جديدة.. وكانت خطتي هي إقامة هذه القري فوق المرتفعات لكي تكون صحية.. وفي الوقت نفسه يتم استخدامها في الاستطلاع عند الضرورة. كنت أبني مدارس بسرعة ولو في أكشاك خشب.. وأسعي لأبناء سيناء لتعليمهم. فالحرب أفادت سيناء، لأنه خلال فترة التهجير ذهبوا إلي محافظات العمق ابتداء من بورسعيد وتعلم بعض أبنائهم في الجامعات.. وكنت أهتم بهؤلاء الجامعيين المتواجدين خارج محافظتهم.. باعتبارهم الطليعة المثقفة لسيناء.
بقيت محافظاً لسيناء لمدة عامين، و في يوم اتصل بي النائب حسني مبارك وقال لي: الرئيس عينك محافظاً لمطروح.. وعليك أن تتسلم مهام منصبك غداً.. فقلت له: الرئيس قال لي: أنت باق في سيناء إلي أن تعود إلينا بالسلم، وقال: هذه وجهة نظري أيضاً وقلتها للرئيس، لكن قال لي: يذهب لمطروح.. ولما نأخذ سيناء سنعيده، وبالفعل ذهبت لمحافظتي الجديدة.. في هذا التوقيت، كان القذافي علي خصام شديد مع مصر، وقام بنسف أحد القطارات بالإسكندرية.. وأشرف علي تفجير آخر في مجمع التحرير، وصعدت مصر ضده عسكرياً، لكنه عملياً كان مسيطراً بشكل تام علي محافظة مطروح.
.. بأي طريقة؟
- عن طريق البدو.. كان يعطي بطاقة هوية للبدو باسم «صحراء شرقية» أو «ص. ش»، كما هو معروف في ذلك الوقت - أي أن هذه جنسيتهم.. وليسوا مصريين أو ليبيين.. وإنما «صحراء شرقية» ويدخلون بهذه البطاقة ويخرجون بها كما يريدون، كان يستغل حاجاتهم واعتمادهم علي تربية وتجارة الأغنام وكان يأخذها منهم بأسعار مرتفعة.
وكان يغدق علي مشايخ القبائل.. ويعاملهم كأنهم ملوك.. ولكن خاضعون له، أخبرتني القيادة السياسية بهذا الوضع الغريب.
.. تعني أن الرئيس السادات كان يريد تعاملاً محدداً مع هذا الوضع.. وأن تتعامل أنت مع البدو.
ـ قال لي النائب حسني: الرئيس السادات يقول لك وبالنص: أنت مسؤول عن بوابة مصر الغربية، كنت وقتها ضمن جهاز مسؤول عن أمن مصر من الجهة الشرقية، ولكن هذا وضع جديد لأكون مسؤولاً عن هذه المساحة الضخمة.. وفي ظروف حساسة، والحقيقة أن خدمتي في سيناء ومن قبلها البحر الأحمر أفادتني كثيراً.. وأعطتني فكرة جيدة للتعامل مع البدو هؤلاء أناس لا يجدي معهم نوعية التعامل التي تصلح مع سكان العاصمة أو المدن الكبري.. هم أناس لديهم عادات وتقاليد وأصول وأوضاع مطلوب مراعاتها وبدقة.
توليت عملي، ودرست الأوضاع الأساسية، ووجدت أنهم خمسة قبائل رئيسية في مطروح والقذافي كان مستوليًا عليهم.. خاصة مشايخ القبائل كانت تحدث ترشيحات.. والقبائل تتنافس، وهو يزكي واحدًا علي الآخر بالمال أو بالوعود.. وهكذا.
.. القذافي كان سنداً لمصر قبل مرحلة الحرب وأثناءها.. فلماذا انقلب هكذا؟
ـ هو كانت لديه أطماع كبيرة في هذه المنطقة.. كان يريد ضمها إلي ليبيا.. أنا تعرفت وتواصلت بشكل جيد مع الأعراف البدوية.. واجتمعت مع شيوخ القبائل.. وعملنا عقدًا عرفيًا.. أقررنا فيه بأننا مصريون وعائلة واحدة.. وقلت لهم: أحترم محاكمكم العرفية إلي أقصي حد.
واتفقنا أي القبائل الخمس والمحافظ علي العمليات الأساسية في المحافظة سواء الترشيحات وعضوية مجلس الشعب وكذلك القرارات التنفيذية.. ومن يخالف الإجماع يعاقب في محكمة عرفية.. ومن ضمن الأشياء التي اتفقنا عليها، أنه عندما يكون هناك ترشيح لانتخابات «مجلس الشعب» أو «الشوري» فإن نظام الدور هو الشكل المناسب لطبيعة المجتمع القبلي.. ولو أن القبيلة عليها الدور فإنها ترشح شخصين، والمحافظ يختار واحداً منهما.. وإذا لم أرض علي الاثنين.. أطلب منهم إعادة الترشيح.. وعندما أختار أنا واحدًا منهم.. الجميع عليه الموافقة علي هذا الاختيار ومن لا يوافق تتم محاكمته. أريد أن أقول إن هناك أسلوباً يصلح مع البدو ولا يصلح مع سكان المدن أو الوادي والدلتا.. أما وأن «الداخلية» تنفذ القانون وتضرب وتعتقل هذا خطأ كبير.
بدأت أزور الناس في أماكنهم، وأحفر لهم آبارًا للزراعة.. وكان القذافي قد أوقف شراء الأغنام منهم.. ووفقت في تصديرها فيما بعد إلي السعودية.
ومن المواقف التي لا أنساها في هذه المرحلة، أن الملك السنوسي كان يعيش في مصر، وكان له بيت في مدينة الحمام.. وكان بعض شيوخ القبائل يبلغوني بذلك وانطلاقاً من تكويني كمخابرات، أصبح لي ناس وعيون ورجال في البدو.. فكنت محافظًا ومخابرات في الوقت نفسه.
وكنت أستغل زيارة السنوسي للحمام جيداً..، وكنت أجعل هؤلاء الرجال يذهبون إلي ليبيا ويقولون إن الجيش المصري يدعم السنوسي.. ويساعده في ضم طرابلس إلي مطروح.. ويترك الباقي للقذافي.
.. كانت هذا الإجراءات بالاتفاق مع القيادة العليا في القاهرة.. خاصة السادات.
- ابداً.. أنا المسؤول وحدي.. وكنت استدعي قائد المنطقة الغربية.. وأقول له.. أحشد «شوية قوات علي الحدود» وينفذ الرجل.. القذافي في المقابل يسلم الدولة.. ويعمل تعبئة.. ولذلك كنت أسرب معلومات جديدة مفادها أنه طالما القذافي قد علم سنقوم بالتأجيل.
فعلت هذا الإجراء مرتين، ثالث مرة استدعاني السادات، الله يرحمه، وقال لي: إنت بتعمل إيه.. قلت له: هل هناك شيء غريب.. فقال: الأمريكان كلموني.. وقالوا لي «بلاش حكاية طرابلس دي» وشرحت للرئيس دوافعي، فهاج وقال: إزاي تعمل كده من غير ما تقول لي.. فقلت له: ألم تقل لي إنني مسؤول عن بوابة مصر الغربية.. وإذا كان ما فعلته خطأ فلتخبرني.
فقال: لا تكررها بدون أن تقول لي.. فقلت له: حاضر.
.. أعود للقذافي.. وتغير موقفه من السادات؟
- ما أعتقده أنا شخصياً أن علاقة جمال عبدالناصر بالقذافي كانت شديدة للغاية رغم أنها لم تستمر سوي سنة واحدة.. كان القذافي يعتبر عبدالناصر مثله الأعلي بل والده.. وقدوته. ولما جاء السادات اختلفت الأمور بشكل تام، القذافي لم ير في السادات أي صورة من صور الرمز عبدالناصر..
.. هل كانت أطماعه هذه في مصر موجودة قبل أن تظهر للعلن بعد نهاية الحرب.
- إذا كنت تقصد بأطماعه قبل السادات، فإنه كان لا يجرؤ، مجرد التفكير، في الحديث عن أطماعه هذه في المنطقة الغربية بمصر.. بالعسكر، كان يريد الانضمام إلي مصر أيام عبدالناصر.. والآن أطماعه وأفكاره انتقلت إلي أفريقيا.
.. انطلاقاً من قصتك الممتدة هذه مع البدو.. ما تعليقك علي ما كان يحدث في سيناء طوال الأعوام القليلة الماضية من استهداف للناس هناك.. وما تردد عن أخطاء الأمن في التعامل مع البدو.
- معظم المحافظين الذين جاءوا بعدي للقيادة في الشمال أو الجنوب، كانوا من قيادات ١٩٧٣.. ويعلمون جيداً ماذا فعل أهل سيناء لمصر.. وللعلم معظم هؤلاء المحافظين سواء للشمال أو الجنوب خدموا في المخابرات الحربية.. وكانوا يعلمون جيداً أنهم ذاهبون لخدمة هؤلاء المواطنين الذين حُرموا لفترات طويلة من حقوقهم إلي أن جاءت المرحلة الأخيرة.
.. كيف ؟
- عمليتا طابا.. وشرم الشيخ.. وغيرهما من العمليات الإرهابية لا يمكن أن يقوم بها البدو وحدهم.. مستحيل: إنما هي لعبة من ألعاب الشرق الأوسط الكبير.. وقطعاً اشتركت في هذه العمليات عناصر خارجية.
الأمر الثاني، المعالجة لم تتم بالطريقة الصحيحة مع البدو.. وأقصد أنه من الخطأ الكبير إعطاء «الداخلية» وحدها كل هذه المسؤولية للتعامل مع المسائل المعقدة.
.. «الداخلية».. واقعياً تتعامل مع تحديات كثيرة.. لماذا ترصد الخطأ في تعاملها مع أحداث سيناء فقط؟
- أنا حكيت لك.. كيف تعاملت مع البدو في سيناء ومطروح.. الأمر مختلف عن تعاملي معكم أنتم سكان القاهرة.. أو في تعاملي مع أتباع الإخوان المسلمين أو الجماعات الإسلامية، البدو في حاجة لأسلوب معين في التعامل معهم.
.. ومن يستطيع التعامل معهم؟
- حكامهم بالطبع.
.. لو أنت حاكم.. ماذا تفعل بعد حدوث تفجيرات.
- دعني أقول إن أخطاءً كبيرة حدثت.. ومرحلة التصحيح بدأت في سيناء فعلياً.. الدولة كلها تتجه إلي فهم أهل سيناء والتعامل معهم بشكل سليم، والأخطاء كانت تتم في كل مكان، أعرف إحدي الأسر في سيناء ابنها طالب في كلية الهندسة.. وجري اعتقاله ضمن الأحداث الأخيرة.. وللعمل فعلاقاتي بمعظم القبائل والأسر هناك مازالت متينة. المهم طلبت مني العائلة التوسط لمعرفة مكان اعتقال ابنهم.. فرجال الأمن أخذوه .. والعائلة لا تعرف مكان احتجازه.. وبالفعل اتصلت بالجهات المسؤولة.. فقيل لي: لدينا تعليمات ألا نفصح عن مكان المعتقلين.. خوفاً من قيام أبناء سيناء بمظاهرات أمام أماكن الاحتجاز..
«الداخلية» خطأها الأساسي أنها تعاملت مع جميع البدو وكأنهم جماعات إرهابية وأنا أقول وأؤكد أن العمليات الأخيرة تمت بتفكير وتدبير بواسطة جهات وعناصر من خارج سيناء وإن كان المنفذون من المنطقة فعلياً.
وإسرائيل شريكة أساسية في كل هذه العمليات.
.. بماذا تفسر طلب بدو سيناء التعامل مع الجيش وليس الشرطة في كل أزماتهم الأخيرة.
- لأنه ببساطة الجيش يعرف ولاء وإخلاص أهل سيناء وما قمت به معهم أو في مطروح هو نموذج لفهم رجال الجيش لطبيعة البدو.
.. ولكن الشرطة تتعامل مع كل المصريين بهذه الطريقة، اشتباه وتحقيق واعتقال.. وأحياناً تعذيب.
- هذا خطأ.. المعاملة لابد أن تختلف بين الجماعات الإرهابية والبدو.. الداخلية لم تدرس البدو ولم تعاشرهم.. أنا لا أقول إن ممارسات الداخلية كلها خطأ.. ولكنهم كانوا بحاجة إلي أسلوب مختلف في سيناء.
تصحيح
ورد بطريق الخطأ في الحلقة الثانية من هذا الحوار أن الضابط محمد عباس ادار عمليات المقاومة في السويس والصحيح أن العقيد فتحي عباس هو الذي أدار العمليات وكان حينها مديراً للمخابرات الحربية في السويس وترقي فيما بعد لرتبة لواء وتم تكريمه.


 
التعديل الأخير:
رد: تصريحات مدير المخابرات الحربية أثناء حرب أكتوبر ومدير المخابرات العامة الأسبق

رجل عظيم من زمن العظماء
 
عودة
أعلى