وقفات مع القائد طارق بن زياد
عندما نصبح فريسة سائغة لكل أنواع التشويه والاستلاب، ويكثر الهرج والمرج و يلتبس الحق بالباطل.. لا بد من العودة إلى مربع البداية، لنعرف من نحن وما هي رسالتنا وما هو تاريخنا، حتى نقرأ الحاضر بعين البصيرة والوعي، ومن ثمَّ نستشرف المستقبل بكل الأمل والثقة والسبق، فالتاريخ مليء بالقادة المسلمين الذين حملوا راية الإسلام إلى مشارق ومغاربها مجسدين أروع المثل في القيادة العسكرية ، والقائد المسلم طارق بن زياد واحد من أولئك القادة العضام ، أهلته صفاته الشخصية والقيادية وكفاءته الإدارية لقيادة جيش المسلمين في بلاد الأندلس ، راسماً بقيادته الحكيمة صفحات غير ذابلة من تاريخنا العسكري والسياسي في ذلك الفردوس المفقود الذي لم يتبق منه سوى الأطلال والموشحات ومثلت، في مجموعها جوانب هامة من حضارة الإسلام العسكرية، وأخلاق الجنود والقادة، ومقاصدهم ومعاركهم النبيلة ليؤكد أن(عقيدتنا المستمدة من رسالة السماء، وتاريخنا الذي هو التطبيق العملي لتعاليم الإسلام ورجالنا الذين هم الترجمة العملية لروح الإسلام، وتراثنا الذي هو حصيلة الفكر الإسلامي، هي أعظم وأرفع وأنصع وأروع وأنقى وأطهر وأسمى وأبهر من كل ما وجد على الأرض من عقائد وتواريخ وتراث
يا خيول طارق جاوزي الموانع والسدود، وتخطي البحار والأنهار، لا تتراجعي ولا تترددي، ستصمت أصوات الأجراس، وترتفع أصوات المآذن، ليذكر اسم الله في أرض كان يسودها الظلم والطغيان، وتسود مبادئ العدل والحق والحرية، فانطلقي على بركة الله !!
تتجلى عظمة الإسلام في تشريعاته وأخلاقياته التي تحكم معاملاته فيما بين أتباعه وبينهم وبين غير المسلمين في السلم والحرب، ودراسة العسكرية الإسلامية عنصر مهم جدًا في فهم آداب الحرب وآلياتها وأهدافها في الرؤية الإسلامية، فنظرة عابرة ومقارنة بسيطة بين الحروب الإسلامية والحروب التي خاضتها دول وقوي غير إسلامية علي مدار تاريخ الإنسانية تؤكد أن الإسلام لا يعمل بقاعدة الغاية تبرر الوسيلة حتي في الحرب، فقد تميزت الإستراتيجية العسكرية للقائد طارق بن زياد بأخلاقيات الحرب في الإسلام وبثقافة عسكرية إسلامية تتمحور حول التربية العسكرية الإسلامية وتعزيز دور العقيدة في تحقيق النصر ورفع كفاءة المقاتلين، فلقد غرس في نفوس أولئك الجند القلائل الذين خاضوا عجاج البحر أن النصر أساسه الاعتماد علي الله وإخلاص النية لله، و علمهم الثبات في المعركة، وان الاتحاد قوة، وان الإيمان الصحيح والعقيدة هما أساس النصر.
مولده ونشأته
هو طارق بن زياد بن عبد الله بن ولغو من أحدى القبائل البربرية التي تقول بعض الروايات أنها قبيلة نفزة البربرية، وتقول الروايات الأخرى انه من قبيلة الصدف وقد عاش مدة خمسين عاما تراوحت بين 670 - 720 ميلادية ، 50 - 102 بعد الهجرة، كانت قبيلته البربرية تسكن أعالي جبال أطلس إلى الشمال من أفريقيا فنشأ طارق في هذه البيئة وتعلم فيها الفروسية والشجاعة والإقدام والرجولة إكتسب صفات المحارب الفذ نشأ طارق نشأة الفارس المغوار واشتهر برجولة حقة وأتقن ركوب الخيل وكان قوي البنية، فقد ولد وفتح عينيه على الحياة ليجد المسلمين يجاهدون في سبيل الله، ويضحون بأموالهم وأنفسهم لنصرة دينه، وينتقلون من نصر إلى نصر، و تبينت له حقيقة ذلك الدين العادل الذي لا يميز إنسانا عن آخر إلا بالتقوى وتحدى الجهل وأهله عبدة الأصنام وأصبح الطفل الصغير شابًّا فتيًّا، فوهب نفسه لخدمة الإسلام، ولم يتردد لحظة في القيام بأي عمل من شأنه أن يرفع رايته.
وفي أحدى المرات بلغه أن موسى بن نصير يريد منه الذهاب ليقاتل بعض القبائل المغربية التي ما زالت تعكر صفو الأمن في البلاد، ، فتوجه إليه طارق ، ورأى فيه موسى بن نصير الشجاعة والبسالة والإخلاص وحب الجهاد في سبيل الله،وتمكن طارق من تجهيز كتيبة من الفرسان من أبناء قومه البربر الذين اسلموا معه وحشد كتيبة عربية أخرى وقام بشن حملاته على تلك القبائل ، ومن خلال المعارك التي خاضها طارق اثبت كفاءة قيادية وقتالية فاتخذه موسى معاونا له في قيادة الجيوش وإدارة شؤون البلاد الإسلامية ثم عينه واليا على طنجة حيث أنشأ فيها جيشا وأحسن حكمها وإدارتها وكان حريصا على المحافظة على أموال المسلمين وعلى راحتهم وحسن معيشتهم وكان مطيعا لرؤسائه, حانيا على مرؤوسيه، المنفذ التنفيذ الكامل لتعاليم الدين الإسلامي الحنيف.
الأندلس ودخول المد الاسلامي
ما كان للمسلمين أن يتجهوا إلى أرض القوط Goths، قبل أن يذعن المغرب لسلطانهم، وقد أمضى المسلمون في فتحه، أكثر من سبعين عاماً، بسبب شدة مراس البربر، وقوة شكيمتهم في المقاومة والحروب وبعد استقرار الأمر في بلاد المغرب، استشار موسى بن نصير، الخليفة في دمشق الوليد بن عبدالملك في فتح شبه الجزيرة الأيبيرية وقد تردد الوليد بادئ الأمر في القيام بهذا العمل الكبير، خوفا على المسلمين من المخاطرة في مفاوز، أو إيقاعهم في مهالك لكن موسى بن نصير، أقنع الخليفة بالأمر، ثم اتفقا على أن يسبق الفتح اختبار المكان بالسرايا أو الحملات الاستطلاعية وتنفيذاً للاتفاق، أرسل موسى بن نصير، في رمضان (91 هـ /710م) سرية استكشافية، إلى جنوب شبة الجزيرة، عددها خمسمائة جندي، منهم مائة فارس على رأسهم طريف بن مالك الملقب بأبي زرعة، وهو مسلم من البربر،وقد اجتازت هذه السرية المضيق من سبتة Ceuta، ونزلت قرب جزيرة بالوما أو فيها، في الجانب الأسباني وقد عرفت هذه الجزيرة بعد ذلك باسم هذا القائد جزيرة طريف Tarifa.
عادت حملة طريف، بالأخبار المطمئنة والمشجعة على الاستمرار في عملية الفتح فبعد أن درس القائد طريف أحوال المنطقة، وتعرف على مواقعها، أرسل رجاله إلى عدة أماكن، منها جبل طارق، وجاءت العيون بمعلومات كانت عوناً في وضع خطة الفتح، ونزول طارق بن زياد ـ فيما بعد ـ بجيشه على الجبل.
حملة طارق بن زياد
بعد رسم خطة البدء بعمليات الفتح، جهز موسى بن نصير، جيشاً من سبعة آلاف جندي من المسلمين البربر، ليس فيهم من المسلمين العرب إلا العدد القليل، واختار طارق بن زياد والي طنجة قائداً لهذه الحملة،وفي العام التالي لحملة طريف، عبر طارق بجيشه، من سبتة إلى الطرف الأسباني، في الخامس من شهر رجب 92 هـ (أبريل 711م) ،وكانت نقطة تجمع الجيش الإسلامي في الطرف الأسباني، بعد أن عبر طارق بجنوده على جبل صخري، عرف فيما بعد بجبل طارق Gibraltar.
ونزلت الحملة على الساحل الأسباني عام 92 للهجرة / 711م، وظلّت السفن توالي نقل الجند والعتاد، من الشاطئ المغربي، إلى الشاطئ الأسباني. على أن نزول طارق وجنوده عند سفح الجبل، لم يكن نزهة بحرية، فقد لقي مقاومة عنيفة، من جند القوط، الذين كانوا يحصنون السواحل الجنوبية، بحاميات عسكرية، تحسباً لأي هجوم متوقع. وهذا أمر طبيعي، خاصة بعد ما شقَّ جوليان، الطريق بحملته، ثم أتبعه طريف بن مالك، بسريّته الاستطلاعية.
خط سير الحملة
لجأ طارق إلى وسائل التمويه والحذر، لإخفاء أنباء جيشه، وهجومه، لكن ذلك لم يلبث أن تَكَشَّف لجيش لذريق، ولكن بعد فوات الأوان فلقدكان لذريق مشغولاً، في أقصى الشمال، بإخضاع بعض قبائل البشكنس الثائرة، في جبال البرانس Pyrenees، وكان ذلك يعني، أن حملة طارق اختارت الوقت المناسب، وأن الأخبار التي توافرت لديها عن تحركات لذريق مكنتها من الوثوب في اللحظة المناسبة.
وترامت أنباء الفتح الإسلامي إلى لذريق فأصدر أوامره بالتصدي للمسلمين الفاتحين، وإيقاف زحفهم. فتحرك جيش قوطي بقيادة (بنج) المعروف باسم (بنشو)، في المراجع الأسبانية ولكن (بنج) ما لبث أن هزمه المسلمون هزيمة نكراءوهنا اضطر لذريق أن يتحرك بنفسه، على رأس جيش كثيف العددبعد ما أيقن أن المسلمين قادمون للفتح، لا لمجرد الإغارة، والسلب والنهب والغنيمة كما روج عنهم خصومهم المُسْتَخِفون بشأنهم،وضماناً لتوحيد الصفوف وتشكيل جبهة عسكرية قوية، كان على لذريق أن يصالح أبناء غيطشة Witiza، الملك المخلوع، ثم ما لبث لذريق أن استولى على قرطبةCordobaليقطع الطريق على المسلمين ويتحرك صوبهم.
أما طارق بن زياد، فكان في موقف عسكري قوي بعد أن قام بحركة التفاف، حول الحامية الأسبانية المرابطة في أقصى الجنوبونزلت قواته العسكرية في مكامن حصينة أتاحت لها مواقع إستراتيجية قوية، وعمد طارق إلى تحصين أول قاعدة تسنى له الاستيلاء عليها قبل أن يتوغل إلى الداخل ثم استولى على بلدة ( الجزيرة الخضراء) قبالة الجبل الذي حل بسفحه ليحمل فيما بعد اسمه وفي الوقت نفسه، ظل طارق على اتصال وثيق بقاعدة سبتة الحصينة في العدوة المغربية.
وادي بكَّة واللحظات الفاصلة
في عام 92 هـ (711م) التقى الجيشان، جيش طارق بن زيادوجيش القوط، في كورة شذوُنَه Sidonia جنوب غرب أسبانيا في سهل الفرنتيرة Frontera جنوب بحيرة الخندق Janda ونهر برباطBarbate المتصل بها. وقد تُعْرَفُ معركة نهر برباط في الرواية الإسلامية بمعركة وادي بكَّة أو لَكَّةْ Guadalete،وكان اللقاء بين المسلمين والقوط حاسماً، ومنّ الله على المسلمين بالنصر الكبير فشُتِّتَ الجيش القوطي، وقُتِل لذريق وَصدَقَ المسلمون القتال، وحملوا حملة رجل واحد على أعدائهم، فخذلهم الله وزلزل أقدامهم وتبعهم المسلمون بالقتل والأسر، ولم يعرف لملكهم لذريق خبر ولا بان له أثر فقيل إنه تَرَجَّلَ وأراد أن يستتر في شاطئ الوادي، فصادف غديراً فغرق فمات .
وبدأ طارق يتعقب فلول الجيش القوطي، التي لاذت بالفرار وسار الجيش الإسلامي فاتحاً بقية شبه الجزيرة الأيبيرية وكانت معركة وادي برْبَاط فاصلة، غنّم فيها المسلمون غنائم كثيرة ولم يلاق المسلمون بعد هذه المعركة مثل هذا التجمع الكثيف وإن مرت بهم معارك حاسمة وقوية.
فَرَّق طارق بعض جنده في بعوث جانبية، وتوجه هو إلى طليطلة Toledo عاصمة مملكة القوط لكن الجيش القوطي تجمع عند مدينة اسْتجَّةَ Ecija، فزحف طارق إليه، فاتحا في طريقه بعض المدن .
مَرَّ طارق أولاً بمدينة شَذْونه وفتحها بعد حصار، ومضى إلى مَوْرُور Moron وفتحها، ثم عطف على مدينة قَرْمُونَة Carmona ثم تقدم إلى أشبيلية Sevilla، فتم له فتحها صلحاً، واتجه بعدها إلى مدينة اسْتِجَّة،ودارت معارك حامية هزم فيها الجيش القوطي وفتحت المدينة .
وجه طارق من اسْتِجة سرايا من جنده إلى عدة جهات فبعث جيشاً بقيادة مغيث الرومي لفتح مدينة قرطبة في سبعمائة فارس واستطاع مغيث فتح المدينة دون مشقة كبيرة، وأرسل جيشاً آخر إلى مدينة مالقة Malaga ، وأرسل جيشاً آخر إلى كُورة إلْبيرة. حيث فتح مدينة غرناطة Granada، ثم سار طارق شمالاً إلى منطقة وادي الحجارة Guadalajara، حتى وصل إلى مدينة المائدة والتي تعرف اليوم باسم قلعة هنارس Alcala de Henares، أو بعدها.
أسباب سرعة وسهولة فتح الأندلس
- كان طارق وجيشه امة فتية موحدة القوى والقلوب شجاعة بصيرة بالحروب
- براعة القادة وقدرة وحزم الولاة.
- التضحية والجهاد في سبيل نشر الإسلام.
- الاعتماد على النفس بسبب وجود المسلمين في بلاد غربة.
- العدل والرحمة والعفة في حكم الشعوب.
- لم يكن للمغانم الدنيوية في نظر المسلمين قيمة.
- الاستبداد بالشعب واستغلاله والظلم من قبل حكام القوط ونفور الأسبان من حكم لذريق.
- انتشار الرق واستقبال الناس للعرب كمنقذين من الظلم.
- القضاء على جيش لذريق فصارت كل مدينة تحاول حماية نفسها بنفسها.
مبادئ الحرب التي طبقها طارق بن زياد
لقد طبق عدة مبادئ حربية في حروبه من أهمها:
اختيار القصد وإدامته:كان طارق يختار مقصده بالضبط ويفكر في أفضل السبل للوصول إليه وقد ظهر هذا واضحا من خلال عملية العبور ومواصلته فتح بلاد الأندلس دون كلل أو ملل وكان هدفه إعلاء كلمة الله حيث قال في خطبته المشهورة: وقد انتخبكم الوليد بن عبد الملك أمير المؤمنين من الأبطال عربانا ورضيكم لملوك هذه الجزيرة أصهارا، ثقة منه بارتياحكم للطعان ومجالدة الأبطال والفرسان ليكون حظه منكم ثواب الله على إعلاء كلمته وإظهار دينه في هذه الجزيرة.
الاستطلاع: :عندما أرسل رسالة إلى موسى بن نصير يرفق فيها معلومات وافية عن الأندلس والتي حصل عليها طريف أثناء الغزوة التي قام بها بقوة قليلة على ظهر مراكب يوليان.
تكتيك الحروب الجبلية: نظم طارق بن زياد أشهر (سد استراتيجي) في (وادي لكة) حيث تم الاستناد إلى الجبال لتنظيم ترتيب قتالي عميق يمكن له الصمود في وجه قوات (القوط) المتفوقة والتي كان يتولى قيادتها رودريك وعندما نجح المسلمون في حسم المعركة جاء التحرك نحو الشمال عبر محاور متوازية بعيدة عن عوائق الجبال وصعوباتها.
حشد القوة: حيث حشد القوة اللازمة من رجال وسفن وخيول, وبذلك حشد القوة المادية والمعنوية لمقابلة الأعداء.
الاقتصاد بالجهد: عند مقارنة قوات طارق مع أعدائه نلاحظ مقدار حرصه على تطبيق هذا المبدأ الهام.
الاحتياط: خصص جزءا من قواته كاحتياط وتقدر بـ 2000 جندي مع 5 سفن لمواجهة أي تطورات غير متوقعة في مواجهة عدوه.
التعرض(الهجوم): كانت عملياته تعرضية ولم يتخذ موقعا دفاعيا واحدا مما ساهم في إحرازه النصر على أعداءه.
عبور الموانع المائية: طبق المبادئ التعبوية لعبور الموانع المائية المعروفة في الحرب الحديثة عندما عبر المضيق على مرحلتين مرحلة احتلال موطئ قدم بـ 8 سفن و1600 جندي معهم 800 فرس والمرحلة الثانية مرحلة عبور الجسم الرئيسي.
التعاون والتنسيق: من خلال تعاون قواته مع قوات موسى ابن نصير في فتح الأندلس.
الشؤون الإدارية: أن نجاح أي خطة عسكرية مرهون بالامكانات الإدارية وعملية عبور طارق وتجهيز جنوده بكافة متطلبات القتال الضرورية وإدامته لقواته باستمرار ما هو إلا نوع من الإدارة الفعالة.
الصفات القيادية لطارق بن زياد
من أهم الصفات القيادية التي تمتع بها ما يلي:
معرفة نفسيات المرؤوسين. لقد تحسس نفسيات مرؤوسيه ومزايا كل جندي من جنوده عندما خاطبهم بخطبته المشهورة.
الشجاعة الشخصية. وقد ظهرت جليا عندما قال مخاطبا جنده: إني لم أحذركم أمرا أنا عنه بنجوة, ولا حملتكم على خطة ارخص متاع فيها النفوس إلا ابدأ بنفسي. وبذلك ضرب مثلا أعلى وقدوة حسنة في الشجاعة الشخصية لجنوده وكذلك برز عامل العدل وهو من أهم الصفات للقائد لأنه ما ظلمك من ساواك بنفسه.
التقوى والورع. وهو العمود الفقري للصفات القيادية لطارق حيث تحسس في نفسه علامات الأيمان عندما كان قومه يعبدون الأوثان ووعى حقيقة الإسلام عندما سمع تعاليم الدين الإسلامي من المسلمين الذين وصلوا إلى مشارف بلاد المغرب وتوجه مع بقية الفتية من قومه إلى القائد المسلم موسى بن نصير وأعلن إسلامه.
إنكار ألذات. حيث نسب جميع أعماله وفتوحاته إلى موسى بن نصير عندما قال له إنما أنا مولاك وقائد قوادك لم استطع أن اكبح جماح انتصاري بعد ما هزمت العدو وكل ما فتحته وأصبته فإنما هو منسوب إليك وهذه الصفة من الصفات القيادية والإنسانية التي يجب أن يتمتع بها القائد.
حسن المعاملة. فلقد تعامل مع اليهود بلطف وسمح لهم بحرية العبادة وقام بتحويل الكنائس إلى مساجد.
القابلية البد نية. من المَسلم به أن طارق كان يتمتع بلياقة بدنية عالية لأنه نشأ وعاش بين أفراد قبيلته في أعالي جبال أطلس التي كانت تعتمد على الغزو والفروسية وقد نشأ فارسا وأتقن ركوب الخيل وامتاز بقوة الجسم وشدة البأس.
المثل الأعلى. على القائد أن يكون مثلا أعلى لجنده في جميع الصفات والأعمال حيث يقول طارق لجنوده: "واعلموا إني أول مجيب إلى ما دعوتكم إليه واني عند ملتقى الجمعين حامل بنفسي على طاغية القوم لوذريق فقاتله أن شاء الله تعالى فاحملوا معي".
الكفاءة والمعرفة كان ملما بمهنته كقائد أحسن إلمام وكان على علم تام بفن الحرب وظهر هذا من أسلوبه في عبور المضيق وأسلوبه في تقسيم قواته لمجموعات خلال عملياته المتلاحقة التي أجراها في البر الأسباني بكل نجاح.
الطاعة والولاء. لشخص الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك وموسى بن نصير من خلال تنفيذه لأوامر هما وذهابه مع موسى إلى دمشق امتثالا لأوامر الخليفة.
طارق بن زياد في الميزان
إن الإنجاز الكبير الذي حققه طارق بن زياد في فتح بلاد الأندلس وحكم المسلمين لها مدة ثمانية قرون لم يستطع العرب الحفاظ عليه بسبب اختلافهم على الحكم وتفرق كلمتهم، ولم يكن ركوب البحر من قبل طارق يتم للمرة الأولى في التاريخ الإسلامي فقد سبقه المسلمون بذلك في معركة ذات الصواري أيام الخليفة ألراشدي عثمان بن عفان.
إن القائد المسلم طارق بن زياد لم يأخذ حقه الذي يجب أن يناله جزاء فتوحاته فقد أهمله الذين تولوا الخلافة بعد الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك بل وأساءوا إليه والى موسى بن نصير.
لقد صور المؤرخون أن سبب فتح الأندلس هو اغتصاب لذريق لفلورندا ابنة يوليان وفي هذا مغالطة كبيرة فالسبب في هذا الفتح هو نشر الإسلام والخوف من هجوم القوط والفرنجة على بلاد المغرب العربي.
أثبتت الدراسات العسكرية الحديثة أن إحراق طارق بن زياد للسفن مسألة مشكوك في صحتها كون هذه السفن تعود ملكيتها ليوليان وليس للدولة الإسلامية كما أن الجيش الإسلامي بحاجة إلى هذه السفن لتأمين عودة الجنود إلى بلاد المغرب العربي عند اجتياز المانع المائي، وذلك لأن حرق السفن يخالف (مبدأ الاقتصاد بالقوة، أحد مبادئ الحرب المهمة، ولا يتفق مع المنطق والعقل) وقد كان طارق قائداً حصيفاً ذا مزايا قيادية، لا يتناسب أن يقدم على ذلك العمل المتهور، وطارق كان يبدأ أعماله بالاستطلاع المفصل ليكون على بينة من أمره فلا يضع خطوته إلا في موضع أمين، فهو يعمل دائماً بالنور.
ويخلص القول إلى أن القائد المسلم طارق شخصية عسكرية فذة وقائد محنك شجاع أهلته صفاته الشخصية والقيادية وكفاءته الإدارية لقيادة جيش المسلمين في بلاد الأندلس, فلقد ساهم طارق بن زياد مساهمة فعالة في فتح بلاد الأندلس والانتصار على القوط مما أدى إلى حكم هذه البلاد مدة ثمانية قرون متواصلة من قبل المسلمين لا يستطيع أي دارس لسيرته إلا أن يعجب بشخصيته وإنجازاته الحربية فهو جدير بالدراسة والتحليل كأحد القادة البارزين في التاريخ العسكري على مر العصور, فبالعزم والتصميم والذكاء والحنكة استطاع عبور المضيق وفتح الأندلس التي تعرف اليوم بأسبانيا وحقق ما عجز عن تحقيقه رجال عهده
عندما نصبح فريسة سائغة لكل أنواع التشويه والاستلاب، ويكثر الهرج والمرج و يلتبس الحق بالباطل.. لا بد من العودة إلى مربع البداية، لنعرف من نحن وما هي رسالتنا وما هو تاريخنا، حتى نقرأ الحاضر بعين البصيرة والوعي، ومن ثمَّ نستشرف المستقبل بكل الأمل والثقة والسبق، فالتاريخ مليء بالقادة المسلمين الذين حملوا راية الإسلام إلى مشارق ومغاربها مجسدين أروع المثل في القيادة العسكرية ، والقائد المسلم طارق بن زياد واحد من أولئك القادة العضام ، أهلته صفاته الشخصية والقيادية وكفاءته الإدارية لقيادة جيش المسلمين في بلاد الأندلس ، راسماً بقيادته الحكيمة صفحات غير ذابلة من تاريخنا العسكري والسياسي في ذلك الفردوس المفقود الذي لم يتبق منه سوى الأطلال والموشحات ومثلت، في مجموعها جوانب هامة من حضارة الإسلام العسكرية، وأخلاق الجنود والقادة، ومقاصدهم ومعاركهم النبيلة ليؤكد أن(عقيدتنا المستمدة من رسالة السماء، وتاريخنا الذي هو التطبيق العملي لتعاليم الإسلام ورجالنا الذين هم الترجمة العملية لروح الإسلام، وتراثنا الذي هو حصيلة الفكر الإسلامي، هي أعظم وأرفع وأنصع وأروع وأنقى وأطهر وأسمى وأبهر من كل ما وجد على الأرض من عقائد وتواريخ وتراث
يا خيول طارق جاوزي الموانع والسدود، وتخطي البحار والأنهار، لا تتراجعي ولا تترددي، ستصمت أصوات الأجراس، وترتفع أصوات المآذن، ليذكر اسم الله في أرض كان يسودها الظلم والطغيان، وتسود مبادئ العدل والحق والحرية، فانطلقي على بركة الله !!
تتجلى عظمة الإسلام في تشريعاته وأخلاقياته التي تحكم معاملاته فيما بين أتباعه وبينهم وبين غير المسلمين في السلم والحرب، ودراسة العسكرية الإسلامية عنصر مهم جدًا في فهم آداب الحرب وآلياتها وأهدافها في الرؤية الإسلامية، فنظرة عابرة ومقارنة بسيطة بين الحروب الإسلامية والحروب التي خاضتها دول وقوي غير إسلامية علي مدار تاريخ الإنسانية تؤكد أن الإسلام لا يعمل بقاعدة الغاية تبرر الوسيلة حتي في الحرب، فقد تميزت الإستراتيجية العسكرية للقائد طارق بن زياد بأخلاقيات الحرب في الإسلام وبثقافة عسكرية إسلامية تتمحور حول التربية العسكرية الإسلامية وتعزيز دور العقيدة في تحقيق النصر ورفع كفاءة المقاتلين، فلقد غرس في نفوس أولئك الجند القلائل الذين خاضوا عجاج البحر أن النصر أساسه الاعتماد علي الله وإخلاص النية لله، و علمهم الثبات في المعركة، وان الاتحاد قوة، وان الإيمان الصحيح والعقيدة هما أساس النصر.
مولده ونشأته
هو طارق بن زياد بن عبد الله بن ولغو من أحدى القبائل البربرية التي تقول بعض الروايات أنها قبيلة نفزة البربرية، وتقول الروايات الأخرى انه من قبيلة الصدف وقد عاش مدة خمسين عاما تراوحت بين 670 - 720 ميلادية ، 50 - 102 بعد الهجرة، كانت قبيلته البربرية تسكن أعالي جبال أطلس إلى الشمال من أفريقيا فنشأ طارق في هذه البيئة وتعلم فيها الفروسية والشجاعة والإقدام والرجولة إكتسب صفات المحارب الفذ نشأ طارق نشأة الفارس المغوار واشتهر برجولة حقة وأتقن ركوب الخيل وكان قوي البنية، فقد ولد وفتح عينيه على الحياة ليجد المسلمين يجاهدون في سبيل الله، ويضحون بأموالهم وأنفسهم لنصرة دينه، وينتقلون من نصر إلى نصر، و تبينت له حقيقة ذلك الدين العادل الذي لا يميز إنسانا عن آخر إلا بالتقوى وتحدى الجهل وأهله عبدة الأصنام وأصبح الطفل الصغير شابًّا فتيًّا، فوهب نفسه لخدمة الإسلام، ولم يتردد لحظة في القيام بأي عمل من شأنه أن يرفع رايته.
وفي أحدى المرات بلغه أن موسى بن نصير يريد منه الذهاب ليقاتل بعض القبائل المغربية التي ما زالت تعكر صفو الأمن في البلاد، ، فتوجه إليه طارق ، ورأى فيه موسى بن نصير الشجاعة والبسالة والإخلاص وحب الجهاد في سبيل الله،وتمكن طارق من تجهيز كتيبة من الفرسان من أبناء قومه البربر الذين اسلموا معه وحشد كتيبة عربية أخرى وقام بشن حملاته على تلك القبائل ، ومن خلال المعارك التي خاضها طارق اثبت كفاءة قيادية وقتالية فاتخذه موسى معاونا له في قيادة الجيوش وإدارة شؤون البلاد الإسلامية ثم عينه واليا على طنجة حيث أنشأ فيها جيشا وأحسن حكمها وإدارتها وكان حريصا على المحافظة على أموال المسلمين وعلى راحتهم وحسن معيشتهم وكان مطيعا لرؤسائه, حانيا على مرؤوسيه، المنفذ التنفيذ الكامل لتعاليم الدين الإسلامي الحنيف.
الأندلس ودخول المد الاسلامي
ما كان للمسلمين أن يتجهوا إلى أرض القوط Goths، قبل أن يذعن المغرب لسلطانهم، وقد أمضى المسلمون في فتحه، أكثر من سبعين عاماً، بسبب شدة مراس البربر، وقوة شكيمتهم في المقاومة والحروب وبعد استقرار الأمر في بلاد المغرب، استشار موسى بن نصير، الخليفة في دمشق الوليد بن عبدالملك في فتح شبه الجزيرة الأيبيرية وقد تردد الوليد بادئ الأمر في القيام بهذا العمل الكبير، خوفا على المسلمين من المخاطرة في مفاوز، أو إيقاعهم في مهالك لكن موسى بن نصير، أقنع الخليفة بالأمر، ثم اتفقا على أن يسبق الفتح اختبار المكان بالسرايا أو الحملات الاستطلاعية وتنفيذاً للاتفاق، أرسل موسى بن نصير، في رمضان (91 هـ /710م) سرية استكشافية، إلى جنوب شبة الجزيرة، عددها خمسمائة جندي، منهم مائة فارس على رأسهم طريف بن مالك الملقب بأبي زرعة، وهو مسلم من البربر،وقد اجتازت هذه السرية المضيق من سبتة Ceuta، ونزلت قرب جزيرة بالوما أو فيها، في الجانب الأسباني وقد عرفت هذه الجزيرة بعد ذلك باسم هذا القائد جزيرة طريف Tarifa.
عادت حملة طريف، بالأخبار المطمئنة والمشجعة على الاستمرار في عملية الفتح فبعد أن درس القائد طريف أحوال المنطقة، وتعرف على مواقعها، أرسل رجاله إلى عدة أماكن، منها جبل طارق، وجاءت العيون بمعلومات كانت عوناً في وضع خطة الفتح، ونزول طارق بن زياد ـ فيما بعد ـ بجيشه على الجبل.
حملة طارق بن زياد
بعد رسم خطة البدء بعمليات الفتح، جهز موسى بن نصير، جيشاً من سبعة آلاف جندي من المسلمين البربر، ليس فيهم من المسلمين العرب إلا العدد القليل، واختار طارق بن زياد والي طنجة قائداً لهذه الحملة،وفي العام التالي لحملة طريف، عبر طارق بجيشه، من سبتة إلى الطرف الأسباني، في الخامس من شهر رجب 92 هـ (أبريل 711م) ،وكانت نقطة تجمع الجيش الإسلامي في الطرف الأسباني، بعد أن عبر طارق بجنوده على جبل صخري، عرف فيما بعد بجبل طارق Gibraltar.
ونزلت الحملة على الساحل الأسباني عام 92 للهجرة / 711م، وظلّت السفن توالي نقل الجند والعتاد، من الشاطئ المغربي، إلى الشاطئ الأسباني. على أن نزول طارق وجنوده عند سفح الجبل، لم يكن نزهة بحرية، فقد لقي مقاومة عنيفة، من جند القوط، الذين كانوا يحصنون السواحل الجنوبية، بحاميات عسكرية، تحسباً لأي هجوم متوقع. وهذا أمر طبيعي، خاصة بعد ما شقَّ جوليان، الطريق بحملته، ثم أتبعه طريف بن مالك، بسريّته الاستطلاعية.
خط سير الحملة
لجأ طارق إلى وسائل التمويه والحذر، لإخفاء أنباء جيشه، وهجومه، لكن ذلك لم يلبث أن تَكَشَّف لجيش لذريق، ولكن بعد فوات الأوان فلقدكان لذريق مشغولاً، في أقصى الشمال، بإخضاع بعض قبائل البشكنس الثائرة، في جبال البرانس Pyrenees، وكان ذلك يعني، أن حملة طارق اختارت الوقت المناسب، وأن الأخبار التي توافرت لديها عن تحركات لذريق مكنتها من الوثوب في اللحظة المناسبة.
وترامت أنباء الفتح الإسلامي إلى لذريق فأصدر أوامره بالتصدي للمسلمين الفاتحين، وإيقاف زحفهم. فتحرك جيش قوطي بقيادة (بنج) المعروف باسم (بنشو)، في المراجع الأسبانية ولكن (بنج) ما لبث أن هزمه المسلمون هزيمة نكراءوهنا اضطر لذريق أن يتحرك بنفسه، على رأس جيش كثيف العددبعد ما أيقن أن المسلمين قادمون للفتح، لا لمجرد الإغارة، والسلب والنهب والغنيمة كما روج عنهم خصومهم المُسْتَخِفون بشأنهم،وضماناً لتوحيد الصفوف وتشكيل جبهة عسكرية قوية، كان على لذريق أن يصالح أبناء غيطشة Witiza، الملك المخلوع، ثم ما لبث لذريق أن استولى على قرطبةCordobaليقطع الطريق على المسلمين ويتحرك صوبهم.
أما طارق بن زياد، فكان في موقف عسكري قوي بعد أن قام بحركة التفاف، حول الحامية الأسبانية المرابطة في أقصى الجنوبونزلت قواته العسكرية في مكامن حصينة أتاحت لها مواقع إستراتيجية قوية، وعمد طارق إلى تحصين أول قاعدة تسنى له الاستيلاء عليها قبل أن يتوغل إلى الداخل ثم استولى على بلدة ( الجزيرة الخضراء) قبالة الجبل الذي حل بسفحه ليحمل فيما بعد اسمه وفي الوقت نفسه، ظل طارق على اتصال وثيق بقاعدة سبتة الحصينة في العدوة المغربية.
وادي بكَّة واللحظات الفاصلة
في عام 92 هـ (711م) التقى الجيشان، جيش طارق بن زيادوجيش القوط، في كورة شذوُنَه Sidonia جنوب غرب أسبانيا في سهل الفرنتيرة Frontera جنوب بحيرة الخندق Janda ونهر برباطBarbate المتصل بها. وقد تُعْرَفُ معركة نهر برباط في الرواية الإسلامية بمعركة وادي بكَّة أو لَكَّةْ Guadalete،وكان اللقاء بين المسلمين والقوط حاسماً، ومنّ الله على المسلمين بالنصر الكبير فشُتِّتَ الجيش القوطي، وقُتِل لذريق وَصدَقَ المسلمون القتال، وحملوا حملة رجل واحد على أعدائهم، فخذلهم الله وزلزل أقدامهم وتبعهم المسلمون بالقتل والأسر، ولم يعرف لملكهم لذريق خبر ولا بان له أثر فقيل إنه تَرَجَّلَ وأراد أن يستتر في شاطئ الوادي، فصادف غديراً فغرق فمات .
وبدأ طارق يتعقب فلول الجيش القوطي، التي لاذت بالفرار وسار الجيش الإسلامي فاتحاً بقية شبه الجزيرة الأيبيرية وكانت معركة وادي برْبَاط فاصلة، غنّم فيها المسلمون غنائم كثيرة ولم يلاق المسلمون بعد هذه المعركة مثل هذا التجمع الكثيف وإن مرت بهم معارك حاسمة وقوية.
فَرَّق طارق بعض جنده في بعوث جانبية، وتوجه هو إلى طليطلة Toledo عاصمة مملكة القوط لكن الجيش القوطي تجمع عند مدينة اسْتجَّةَ Ecija، فزحف طارق إليه، فاتحا في طريقه بعض المدن .
مَرَّ طارق أولاً بمدينة شَذْونه وفتحها بعد حصار، ومضى إلى مَوْرُور Moron وفتحها، ثم عطف على مدينة قَرْمُونَة Carmona ثم تقدم إلى أشبيلية Sevilla، فتم له فتحها صلحاً، واتجه بعدها إلى مدينة اسْتِجَّة،ودارت معارك حامية هزم فيها الجيش القوطي وفتحت المدينة .
وجه طارق من اسْتِجة سرايا من جنده إلى عدة جهات فبعث جيشاً بقيادة مغيث الرومي لفتح مدينة قرطبة في سبعمائة فارس واستطاع مغيث فتح المدينة دون مشقة كبيرة، وأرسل جيشاً آخر إلى مدينة مالقة Malaga ، وأرسل جيشاً آخر إلى كُورة إلْبيرة. حيث فتح مدينة غرناطة Granada، ثم سار طارق شمالاً إلى منطقة وادي الحجارة Guadalajara، حتى وصل إلى مدينة المائدة والتي تعرف اليوم باسم قلعة هنارس Alcala de Henares، أو بعدها.
أسباب سرعة وسهولة فتح الأندلس
- كان طارق وجيشه امة فتية موحدة القوى والقلوب شجاعة بصيرة بالحروب
- براعة القادة وقدرة وحزم الولاة.
- التضحية والجهاد في سبيل نشر الإسلام.
- الاعتماد على النفس بسبب وجود المسلمين في بلاد غربة.
- العدل والرحمة والعفة في حكم الشعوب.
- لم يكن للمغانم الدنيوية في نظر المسلمين قيمة.
- الاستبداد بالشعب واستغلاله والظلم من قبل حكام القوط ونفور الأسبان من حكم لذريق.
- انتشار الرق واستقبال الناس للعرب كمنقذين من الظلم.
- القضاء على جيش لذريق فصارت كل مدينة تحاول حماية نفسها بنفسها.
مبادئ الحرب التي طبقها طارق بن زياد
لقد طبق عدة مبادئ حربية في حروبه من أهمها:
اختيار القصد وإدامته:كان طارق يختار مقصده بالضبط ويفكر في أفضل السبل للوصول إليه وقد ظهر هذا واضحا من خلال عملية العبور ومواصلته فتح بلاد الأندلس دون كلل أو ملل وكان هدفه إعلاء كلمة الله حيث قال في خطبته المشهورة: وقد انتخبكم الوليد بن عبد الملك أمير المؤمنين من الأبطال عربانا ورضيكم لملوك هذه الجزيرة أصهارا، ثقة منه بارتياحكم للطعان ومجالدة الأبطال والفرسان ليكون حظه منكم ثواب الله على إعلاء كلمته وإظهار دينه في هذه الجزيرة.
الاستطلاع: :عندما أرسل رسالة إلى موسى بن نصير يرفق فيها معلومات وافية عن الأندلس والتي حصل عليها طريف أثناء الغزوة التي قام بها بقوة قليلة على ظهر مراكب يوليان.
تكتيك الحروب الجبلية: نظم طارق بن زياد أشهر (سد استراتيجي) في (وادي لكة) حيث تم الاستناد إلى الجبال لتنظيم ترتيب قتالي عميق يمكن له الصمود في وجه قوات (القوط) المتفوقة والتي كان يتولى قيادتها رودريك وعندما نجح المسلمون في حسم المعركة جاء التحرك نحو الشمال عبر محاور متوازية بعيدة عن عوائق الجبال وصعوباتها.
حشد القوة: حيث حشد القوة اللازمة من رجال وسفن وخيول, وبذلك حشد القوة المادية والمعنوية لمقابلة الأعداء.
الاقتصاد بالجهد: عند مقارنة قوات طارق مع أعدائه نلاحظ مقدار حرصه على تطبيق هذا المبدأ الهام.
الاحتياط: خصص جزءا من قواته كاحتياط وتقدر بـ 2000 جندي مع 5 سفن لمواجهة أي تطورات غير متوقعة في مواجهة عدوه.
التعرض(الهجوم): كانت عملياته تعرضية ولم يتخذ موقعا دفاعيا واحدا مما ساهم في إحرازه النصر على أعداءه.
عبور الموانع المائية: طبق المبادئ التعبوية لعبور الموانع المائية المعروفة في الحرب الحديثة عندما عبر المضيق على مرحلتين مرحلة احتلال موطئ قدم بـ 8 سفن و1600 جندي معهم 800 فرس والمرحلة الثانية مرحلة عبور الجسم الرئيسي.
التعاون والتنسيق: من خلال تعاون قواته مع قوات موسى ابن نصير في فتح الأندلس.
الشؤون الإدارية: أن نجاح أي خطة عسكرية مرهون بالامكانات الإدارية وعملية عبور طارق وتجهيز جنوده بكافة متطلبات القتال الضرورية وإدامته لقواته باستمرار ما هو إلا نوع من الإدارة الفعالة.
الصفات القيادية لطارق بن زياد
من أهم الصفات القيادية التي تمتع بها ما يلي:
معرفة نفسيات المرؤوسين. لقد تحسس نفسيات مرؤوسيه ومزايا كل جندي من جنوده عندما خاطبهم بخطبته المشهورة.
الشجاعة الشخصية. وقد ظهرت جليا عندما قال مخاطبا جنده: إني لم أحذركم أمرا أنا عنه بنجوة, ولا حملتكم على خطة ارخص متاع فيها النفوس إلا ابدأ بنفسي. وبذلك ضرب مثلا أعلى وقدوة حسنة في الشجاعة الشخصية لجنوده وكذلك برز عامل العدل وهو من أهم الصفات للقائد لأنه ما ظلمك من ساواك بنفسه.
التقوى والورع. وهو العمود الفقري للصفات القيادية لطارق حيث تحسس في نفسه علامات الأيمان عندما كان قومه يعبدون الأوثان ووعى حقيقة الإسلام عندما سمع تعاليم الدين الإسلامي من المسلمين الذين وصلوا إلى مشارف بلاد المغرب وتوجه مع بقية الفتية من قومه إلى القائد المسلم موسى بن نصير وأعلن إسلامه.
إنكار ألذات. حيث نسب جميع أعماله وفتوحاته إلى موسى بن نصير عندما قال له إنما أنا مولاك وقائد قوادك لم استطع أن اكبح جماح انتصاري بعد ما هزمت العدو وكل ما فتحته وأصبته فإنما هو منسوب إليك وهذه الصفة من الصفات القيادية والإنسانية التي يجب أن يتمتع بها القائد.
حسن المعاملة. فلقد تعامل مع اليهود بلطف وسمح لهم بحرية العبادة وقام بتحويل الكنائس إلى مساجد.
القابلية البد نية. من المَسلم به أن طارق كان يتمتع بلياقة بدنية عالية لأنه نشأ وعاش بين أفراد قبيلته في أعالي جبال أطلس التي كانت تعتمد على الغزو والفروسية وقد نشأ فارسا وأتقن ركوب الخيل وامتاز بقوة الجسم وشدة البأس.
المثل الأعلى. على القائد أن يكون مثلا أعلى لجنده في جميع الصفات والأعمال حيث يقول طارق لجنوده: "واعلموا إني أول مجيب إلى ما دعوتكم إليه واني عند ملتقى الجمعين حامل بنفسي على طاغية القوم لوذريق فقاتله أن شاء الله تعالى فاحملوا معي".
الكفاءة والمعرفة كان ملما بمهنته كقائد أحسن إلمام وكان على علم تام بفن الحرب وظهر هذا من أسلوبه في عبور المضيق وأسلوبه في تقسيم قواته لمجموعات خلال عملياته المتلاحقة التي أجراها في البر الأسباني بكل نجاح.
الطاعة والولاء. لشخص الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك وموسى بن نصير من خلال تنفيذه لأوامر هما وذهابه مع موسى إلى دمشق امتثالا لأوامر الخليفة.
طارق بن زياد في الميزان
إن الإنجاز الكبير الذي حققه طارق بن زياد في فتح بلاد الأندلس وحكم المسلمين لها مدة ثمانية قرون لم يستطع العرب الحفاظ عليه بسبب اختلافهم على الحكم وتفرق كلمتهم، ولم يكن ركوب البحر من قبل طارق يتم للمرة الأولى في التاريخ الإسلامي فقد سبقه المسلمون بذلك في معركة ذات الصواري أيام الخليفة ألراشدي عثمان بن عفان.
إن القائد المسلم طارق بن زياد لم يأخذ حقه الذي يجب أن يناله جزاء فتوحاته فقد أهمله الذين تولوا الخلافة بعد الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك بل وأساءوا إليه والى موسى بن نصير.
لقد صور المؤرخون أن سبب فتح الأندلس هو اغتصاب لذريق لفلورندا ابنة يوليان وفي هذا مغالطة كبيرة فالسبب في هذا الفتح هو نشر الإسلام والخوف من هجوم القوط والفرنجة على بلاد المغرب العربي.
أثبتت الدراسات العسكرية الحديثة أن إحراق طارق بن زياد للسفن مسألة مشكوك في صحتها كون هذه السفن تعود ملكيتها ليوليان وليس للدولة الإسلامية كما أن الجيش الإسلامي بحاجة إلى هذه السفن لتأمين عودة الجنود إلى بلاد المغرب العربي عند اجتياز المانع المائي، وذلك لأن حرق السفن يخالف (مبدأ الاقتصاد بالقوة، أحد مبادئ الحرب المهمة، ولا يتفق مع المنطق والعقل) وقد كان طارق قائداً حصيفاً ذا مزايا قيادية، لا يتناسب أن يقدم على ذلك العمل المتهور، وطارق كان يبدأ أعماله بالاستطلاع المفصل ليكون على بينة من أمره فلا يضع خطوته إلا في موضع أمين، فهو يعمل دائماً بالنور.
ويخلص القول إلى أن القائد المسلم طارق شخصية عسكرية فذة وقائد محنك شجاع أهلته صفاته الشخصية والقيادية وكفاءته الإدارية لقيادة جيش المسلمين في بلاد الأندلس, فلقد ساهم طارق بن زياد مساهمة فعالة في فتح بلاد الأندلس والانتصار على القوط مما أدى إلى حكم هذه البلاد مدة ثمانية قرون متواصلة من قبل المسلمين لا يستطيع أي دارس لسيرته إلا أن يعجب بشخصيته وإنجازاته الحربية فهو جدير بالدراسة والتحليل كأحد القادة البارزين في التاريخ العسكري على مر العصور, فبالعزم والتصميم والذكاء والحنكة استطاع عبور المضيق وفتح الأندلس التي تعرف اليوم بأسبانيا وحقق ما عجز عن تحقيقه رجال عهده