د/سيد العربي .. تحكيم الشريعة هو حق الله تعالى على خلقه

عبدَ الله

<b><font color="#FF00FF">فرسان النهار</font></b>
إنضم
5 يناير 2008
المشاركات
559
التفاعل
6 0 0
25 - 3 - 2008




أجرى الحوار: محمد أبو الهيثم

الدكتور سيد العربي -حفظه الله- داعية مصري معروف، أثرى الدعوة الإسلامية بدروسه وخطبه في حقبة الثمانينيات والتسعينيات، وساهم في تصحيح مفاهيم الكثير من شباب الصحوة الإسلامية بمصر في الأعوام المنصرمة.ومن هذا المنطلق، ولقيمة الشيخ الدعوية والثقافية قام موقع «لواء الشريعة» بإجراء هذا الحوار مع فضيلته.

لواء الشريعة: برأي فضيلتكم ما هو دور أفراد الأمة للعودة بها إلى التحاكم لشريعة الرحمن؟
ج: تحكيم الشريعة هو حق الله تعالى على خلقه؛ لأنه الذي خلق، فلابد أن يحكم الخالق في خلقه قال تعالى: { أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ }، والمعنى ألا لله الخلق كله، والأمرُ الذي لا يُخالَف ولا يُردّ أمره، دون ما سواه من الأشياء كلها، ودون ما عبده المشركون من الآلهة والأوثان التي لا تضر ولا تنفع، ولا تخلق ولا تأمر، فله الخلق؛ لأنه خلقهم، وله الأمر يأمر في خلقه بما يشاء..

فالخلق: إيجاد الموجودات، والأمر تسخيرها للعمل الذي خلقت لأجله.. والتّعريف في الخلق والأمر تعريف الجنس، فتفيد الجملة قِصَر جنس الخلق وجنس الأمر على الكون في مِلك الله تعالى، فليس لغيره شيء من هدا الجنس..

وبالجملة إنه هو صاحب الخلق والأمر.. وكما أنه لا خالق معه، فكذلك لا آمر معه .. وهي قضية الألوهية والربوبية والحاكمية، وإفراد الله سبحانه بها.. وهي قضية العبودية من البشر في شريعة حياتهم.. فتحكيم شرع الله حق عظيم من حقوق الله على الخلق، وهو مطلب عظيم لكل من أراد السعادة في الدارين؛ لأن الإنسان في ظل الشريعة يأمن على كل ما يخاف عليه من نفس وعرض ومال؛ لأن الأحكام الشرعية لا تتَّبِع الهوى، بل هي تقيد الهوى بما يجره إلى الإصلاح والصلاح الذي لا فساد معه...
والدور المنشود من كل مسلم أيًّا كان قدره وموقعه -حتى نقيم شرع ربنا حاكمًا في أنفسنا ودمائنا وأعراضنا-:

أولاً: هو الإيمان بهذه القضية على هذا النحو الذي ذكرتُ في الكلام السابق.

وثانيًا: بثّه ونشره في الأمة لينتشر هذا الوعي الإيماني العقدي الضروري، بحيث تفيق الأمة من غفلتها التي تجعلها تقبل أي شرع يُعرَض عليها، وتسوِّي بينه وبين شرع الحكيم العليم، بل لعل من الأمة من يرى أن الشريعة الربانية لا تناسب الأوضاع القائمة والآونة الحالية.

وثالثًا: تحكيم الشرائع في كل ما نستطيع من أحوالنا وأمورنا، ونتخذ من فتاوى أهل العلم وأحكامهم في كل أمورنا مرجعًا وحَكَمًا.

رابعًا: عدم الإسراع في التحاكم إلى المحاكم الوضعية، واستبدال ذلك بتحكيم أُولي العلم، واعتبار مجالس تحكيم أهل العلم بمنزلة التحكيم الشرعي الذي لا يجوز مخالفة حكمه أبدًا؛ لأن على الظن أنه حكم الله تعالى نرضى بالحكم في هذه المجالس.

لواء الشريعة: هل حققت الصحوة الإسلامية خطوات واسعة نحو تحقيق الهدف الأول لأهلها، وهو تحكيم الشريعة؟
ج: لقد حققت الصحوة – إن صح تعبير الصحوة – خطوات واسعة في مظاهر كثيرة، منها كثرة أصحاب اللحى، ومنها كثرة أصحاب هدى الثياب الظاهر، خاصة في حجاب النساء، سواء الشرعي منه أو القومي (غير المطابق لشروط الحجاب الشرعية)، ومنها التعدد في الزواج، ومنها محاولات إيجاد سُبُل للتعليم الشرعي – وإن كانت غير منضبطة في كثير من الأحيان-، وغير ذلك كثير، لكن فيما يتعلق بتحكيم الشريعة فلا أرى - بحسب علمي القليل ورأيي العليل – أن الصحوة أعطت هذا الأمر كبيرَ اهتمامٍ من حيث التصور والاعتقاد، فضلاً على الخطوات العملية، فلا أرى أن أهل الصحوة قد اتخذوا في هذا المسار شيئًا يذكر بما يتناسب وحجم القضية؛ وذلك لأن قضية تحكيم الشريعة هي قضية تفعيل الدين في حياة المسلمين شعوبًا وقبائل وأفرادًا؛ لأن الدين لا يشعر به المسلم في حياته ومجتمعه وكل كيان متشعب إلا من خلال تحكيم شريعة الملك العزيز الوهاب، وإذا نظرنا لقضية تحكيم الشريعة من هذه الزاوية نعرف حجم التجاهل العملي لهذه القضية الشرعية التي من خلالها يكون كيان المسلمين أو لا يكون، والواقع يشهد بتبلد الصحوة عن القيام بخطوات عملية نحو تحقيق ذلك الهدف الذي ينبغي أن يكون سيد الأهداف في مسار حياتنا الشرعية!!


لواء الشريعة: ما أوجه القصور التي شابت العمل الدعوي في العقدين الأخيرين؟
ج: العمل الدعوي لا نستطيع تقييمه تقييمًا حقيقيًّا في الفترة السابقة – على مدار خمس عقود سابقة – لأنها كانت في معظم الأوقات مكبلة لا تعمل إلا بإذن، ومن لا يعمل إلا بإذن لا تستطيع أن تُقَيِّمه؛ لأنه يعمل بغير إرادته من حيث السبل وأنواع النشاط، لكني أستطيع مع ذلك أن أقرر حقيقة لا بد من التنبه إليها، وهي أننا في فترة السبعينيات – بالتأريخ الميلادي– سنحت للصحوة فرصة دعوية - بمقاييس الواقع الأليم - عظيمة جدًّا – بفضل الله وحده – لم نستثمرها كما ينبغي، ووقعنا في استعجالات أدت إلى كثير من المفاسد وضياع هذه الفرصة بغير اغتنام –على تفصيل ليس هذا محله - ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم !!!


لواء الشريعة: ما هي الوسائل التي ترونها كعلاج ناجع لتصحيح أوجه القصور؟
ج: أولاً وقبل الإجابة أحب أن أوجِّه عناية كل مسلم إلى أن كل قصور في مناحي الأعمال الشرعية من جهة عمل المسلمين، سواء كان منها الدعوي، أو الالتزام العملي بالدين علمًا وعملاً، فهو راجع إلى نقص أو انعدام التأصيل العقدي في المسلمين على المستوى الفردي والجماعي، هذه حقيقة لا بد من استقرارها في وجدان كل مسلم...
ومن ثم فإن من أهم الوسائل التي تجبر كسر المسلمين وتحملهم على معالجة أوجه القصور التي شابت كثير من مسالكهم –في كل الشئون– خاصة الدعوية يمكن أن تتلخص في ثلاثة محاور رئيسة ألا وهي:

أولاً: المعالجة العقدية للمسلمين على مستوى الفرد والجماعات كُلٌّ بحسبه؛ بحيث لا يترك المسلم نفسه فريسة لكل من هبّ ودبَّ ليملأ قلبه ووجدانه وعقله، بالسوس العقدي من إرجاء وتكرُّم ( نسبة إلى الكرَّامية الذين يرون أن الإيمان مجرد كلمة) وتشيُّع، فضلاً عن ضلال وفساد العلمنة، وسطوة المادية التي تذوب أمامها المبادئ والأعراض فتباع رخيصة، وسوقها البيع لله؛ حيث ثمنها الجنة!!!

ثانيًا: إلزام كل مسلم – كلّ بحسب وسعه – إلزامًا ذاتيًّا من منطلق عقيدته وإيمانه بقضيته وغيرته الملتهبة التي لا تنطفئ إلا بعز الإسلام والمسلمين وهلكة الكفر والكافرين، لا يُلْزِمه بذلك إلا إيمانه بربه واليوم الآخر، واتباعه لخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، التزامًا بنصرة الدين، وحمل هم المسلمين والعمل على دعوة النفس وتربيتها لتتأهل للعمل لله تعالى في كل ما يمكن عمله، تعلّمًا وعملاً ودعوة، ليكون من أحسن الناس قولاً وعملاً.. قال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}[فصلت:33].

ثالثًا: التعاون من أجل التعلم والعمل؛ وذلك لأن النفوس تقوى ببعضها؛ ولأن الله سبحانه أمر بذلك قال تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [المائدة: 2]... أي ليعن بعضكم بعضًا على البرّ والتقوى. وفائدة التعاون تيسير العمل، وتوفير المصالح، وإظهار الاتّحاد والتناصر، حتّى يصبح ذلك خُلقًا للأمّة.. ؛ لأن البرّ يَهدي للتقوى... وقوله: {وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} تأكيد لمضمون { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى}؛ لأن الأمر بالشيء، وإن كان يتضمّن النهي عن ضدّه، فالاهتمام بحكم الضدّ يقتضي النهي عنه بخصوصه.

والمقصود أنّه يجب أن يصدّ بعضكم بعضًا عن الظلم والفساد، وكل ما يجر للإثم والعدوان... وما وصل حال أمتنا إلى ما وصل إليه إلا بأسباب من أعظمها: عدم التعاون فيما بيننا في كثير من الأمور الشرعية عمومًا، والدعوية منها خصوصًا، والتفرق وعدم التعاون لا يؤديان إلى زيادة القصور فحسب، بل يؤديان إلى كثير من التخلف عن الأدوار التي تُناط بالأمة، فالله المستعان وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم!!!

لواء الشريعة: نصائح لشباب الصحوة للوقوف على أسس البناء العقدي للمسلم وكيفية تربية النفس والنشء؟
ج: إن تربية النفس هي من أعظم المطلوبات في مسيرة الالتزام الشرعية، يعني مسيرة العبودية التي ما خلق الله الخلق إلا لها قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات/56]... وتربية النفس لا تعني تدريبها وإلزامها بكثير من الوظائف الشرعية من صلوات وصيام وذكر.. لكن التربية هي إقامة أسس عقدية في النفس والوجدان القلبي على وفق المعايير الشرعية الإسلامية، تدفع العبد إلى حسن استقبال التكاليف والوظائف الشرعية بحيث تُؤَدَّى بحب وحرص وإخلاص... قال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى} [الأعلى:14].. عن ابن عباس، قوله: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى} يقول: مَنْ تَزَكَّى من الشرك... وعن عكرمة، من قال: لا إله إلا الله.. وقيل: {مَن تزكى} أي تطهر من الشرك بتذكره واتعاظه بالذكرى وحمله على ذلك ...

وأخرج البزار وابن مردويه عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في ذلك: «من شهد أن لا إله إلا الله، وخلع الأنداد، وشهد أني رسول الله»، واعتبر بعضهم أمرين فقال: أي تطهر من الكفر والمعصية، وعليه يجوز أن يكون ما تقدم من باب الاقتصار على الأهم، وقيل: تزكى أي تكثر من التقوى والخشية من الزكاء، وهو النماء، وقيل تطهر للصلاة...

إذا عرفنا ذلك عرفنا المطلوب من كل مسلم، وهو تزكية النفس، وكل واحد منا يسأل كيف ذلك؟ ... أقول بالتعلم والعمل، ومعنى ذلك أن يصير الدين أكبر الهمّ ومبلغ العلم، وكان الحسن يقول: «يا ابن آدم دينك دينك فإنه هو لحمك ودمك، إن يسلم لك دينك يسلم لك لحمك ودمك»... وكتب علي رضي الله عنه إلى ولده الحسن كتابًا جاء فيه: «أي بني إنك خلقت للآخرة لا للدنيا، وللفناء لا للبقاء، وإنك في منزل قلعة، ودار بلغة، وطريق الآخرة وإنك طريدة الموت الذي لا ينجو منه هاربه ولا يفوته طالبه، فاحذر أن يدركك وأنت على حال سيئة، وأعمال مردية، فتقع في ندامة الأبد، وحسرة لا تنفعك، فتفَقَّد دينك لنفسك، فدينك لحمك ودمك ولا ينقذك غيره، أي بني أكثر ذكر الموت، وذكر ما تهجم عليه وتفضي إليه بعد الموت إليه، واجعله نصب عينك حتى يأتيك، وقد أخذت له حذرك، ولا يأتيك بغتة فيبهرك، وأكثر ذكر الآخرة، وذكر نعيمها وحبورها وسرورها»!!!
 
الله يبارك فيك أخى الحبيب أبو حامد مشاركاتك تُضىء المنتدى
أسئل الله أن يهدى الحكام و عوام المسلمين للعوده للدين و تطبيق الشريعة وفق حدودهم
 
عودة
أعلى