الواضح عبر متابعة الإستراتيجيات والتقديرات والتصريحات والتطورات الأمنية العسكرية، أن المؤسسة الإسرائيلية لا تنام في مسألة النووي الإيراني، وهذه المسألة ليست إعلامية أو استهلاكية أو ملهاة، وإنما هي في منتهى الجدية الإسرائيلية، حيث إنهم هناك في "إسرائيل" يعتقدون أن إيران تكن عداء حقيقيا إستراتيجيا وجوديا لتلك الدولة "إسرائيل" ناهيكم عن أن الإستراتيجيات الإسرائيلية منذ البدايات لا تسمح من وجهة نظرهم لأي دولة إقليمية بالتعاظم أو بناء قدرات إستراتيجية يمكن أن تشكل تهديدا لهم.
نظريات بن غوريون وبيغن وديان
في هذه المضامين الأمنية الإستراتيجية، وكما في كل عام -منذ انعقاده الأول في 2000- يلقي مؤتمر هرتزليا للأمن والمناعة القومية، الضوء على الرؤية الأمنية الإسرائيلية، ويعكس إلى حد ما توجهات دائرة صنع القرار على الصعيد الأمني والسياسي الذي يعتبر الأمن مركبا هاما فيه، لذلك تعتبر التصريحات والرؤى الصادرة عنه بمثابة نظريات إستراتيجية تعتمدها وتتبناها المؤسسة الأمنية والحكومة الإسرائيلية، وقد عكف المؤتمر في دوراته الأخيرة على التركيز على النووي الإيراني بوصفه "التهديد الأول لوجود إسرائيل".
وفي هذا المعنى كان رئيس جهاز الاستخبارات الخارجية (الموساد) مئير دغان رجل العام في "إسرائيل" أعلن "أن إيران سيكون بحوزتها قنبلة نووية عام 2014" واعتبر ذلك "تهديدا وجوديا يجب إبعاده" معاريف.
وبينما يشير الخبير العسكري إيتان هابر في يديعوت أحرونوت إلى "أن القنبلة الإيرانية ووجود دولة إسرائيل على جدول الأعمال"، ويعلن الجنرال احتياط أفرايم سنيه في هآرتس أنه "ليس بإمكان إسرائيل أن تقبل بوجود سلاح نووي تحت سيطرة نظام يلتزم أيديولوجيا بإبادتها" يأتي الجنرال احتياط بنيامين بن أليعازر ليطلق تهديدا إباديا قائلا: "إذا تعرضت إسرائيل لهجوم سنزيل إيران عن الخارطة" 7/4/2008.
وفي البعد النووي والتهديدات الإستراتيجية لوجود ومستقبل "إسرائيل" تستحضر دائما الأدبيات الإسرائيلية، فكان الجنرال موشيه ديان أكثر من تحدث في نظريات الأمن الإستراتيجي ودرج على القول: "إن هناك حدوداً لعدد الدبابات التي تستطيع إسرائيل استيعابها، وبالتالي يجب على إسرائيل أن تتبنى إستراتيجية تقوم على أساس الردع النووي المشترك مع مبدأ استخدام القوة العسكرية التقليدية".
وهذا ينسجم مع الخط الذي أكده مناحيم بيغن زعيم اليمين ورئيس وزراء إسرائيل سابقا "إن إسرائيل يجب أن تبقى مالكة مفتاح التفوق العسكري، وخاصة التفوق النووي عن طريق منع أي دولة في الشرق الأوسط من امتلاك أو تطوير السلاح النووي" وقال بيغن عقب تدمير المفاعل النووي العراقي في يونيو/حزيران 1981 "نحن لن نقبل بأي شكل من الأشكال أو شرط من الشروط أن يقوم عدونا بتطوير سلاح دمار شامل ضد شعبنا".
أما بن غوريون أول رئيس لوزرائهم فقوله المشهور في هذا الصدد "إن الكيان الإسرائيلي يوجد ويعيش في حالة خطر دائم، ولذلك لا بد من إفراز الحلول اللازمة والضرورية للحفاظ على وجود ذلك الكيان وحمايته واستمراره في وجه الأخطار المحدقة به".
الأجندة الإسرائيلية للسيطرة على الشرق الأوسط
واستتباعا -فقد ربط قادة "إسرائيل" خيار الردع النووي بالأمن الإسرائيلي الشامل، وإستراتيجية السيطرة على الشرق الأوسط وتفكيك الملفات العربية.
فمنذ البدايات كان بن غوريون قد أشار في تقرير قدمه أمام المجلس العالمي لعمال صهيون عام 1937 إلى الأهداف الإستراتيجية الصهيونية بعيدة المدى في المنطقة حيث قال: "إن الدولة اليهودية المعروضة علينا بالحدود الحالية (على يد اللجنة الملكية البريطانية آنذاك) لا يمكن أبداً أن تكون الحل المنشود لمسألة اليهود، ولا هدف الصهيونية الذي سعت إليه طويلاً، حتى لو أجريت على هذه الحدود بعض التعديلات الممكنة واللازمة لصالحنا.. إلا أنه يمكن قبولها بوصفها المرحلة الأولى والأساسية التي تنطلق منها تتمة مراحل تحقيق الوطن الصهيوني الأكبر، وذلك عن طريق بناء قوة يهودية جبارة فيها، وبأقصر وقت ممكن، ثم احتلال باقي مناطق مطامحنا التاريخية كلها" عن كتاب الصهيونية فكراً وعملاً ص81.
البروفيسور الإسرائيلي المناهض للصهيونية إسرائيل شاحاك كان خير من شرح الإستراتيجية الصهيونية في كتابه "إسرائيل إستراتيجية توسعية مغلفة بالسلام" حيث قال: "إن الهدف الرئيسي للسياسة الإسرائيلية هو السيطرة الإقليمية على الشرق الأوسط بأكمله… والمخطط الإسرائيلي هو تحييد الفلسطينيين والسيطرة التامة عليهم، حتى تتفرغ إسرائيل لتحقيق أهدافها الحقيقية، والسيطرة على الشرق الأوسط أكثر أهمية في التفكير الإستراتيجي الإسرائيلي.. ومن أهم وسائل إسرائيل في تنفيذ مخططاتها هو النفوذ الإسرائيلي على السياسات الأميركية".
وعن الأسلحة الإستراتيجية أضاف شاحاك "إن إسرائيل لا يمكن أن تسمح لأي دولة في الشرق الأوسط بتطوير إمكانيات نووية، وتعطي لنفسها الحق في استخدام ما تراه مناسباً من وسائل لمنع مثل هذا الاحتمال حتى تظل في وضع احتكار السلاح النووي وامتلاك الرادع النووي دون منازع".
وجاء في قراءة ما بين سطور الإستراتيجية التي كان أعدها الجنرال باراك في حينه "أن إستراتيجية إسرائيل لعام 2020 ترفض الاندماج بالمحيط وتعتمد التفوق التكنولوجي" ولا حاجة هنا لنشرح الآفاق والمغازي الحقيقية لاصطلاح التفوق التكنولوجي من وجهة نظر صهيونية.
دائرة التهديدات الإستراتيجية لوجود "إسرائيل"
لذلك, وعلى طريق تحقيق الأجندة الإستراتيجية الإسرائيلية في السيطرة على الشرق الأوسط، وزعت المؤسسة الأمنية الإسرائيلية المنطقة إلى دوائر أطلقت عليها "دوائر التهديد الإستراتيجي لإسرائيل" لتسهيل مهمة تفكيكها والسيطرة عليها، وهي:
- الدائرة الفلسطينية التي تعمل "إسرائيل" على تفكيكها أولا.
- الدائرة العربية المحيطة بالدولة الإسرائيلية.
- دائرة الدول الأبعد قليلاً مثل إيران والعراق وليبيا وباكستان… إلخ.
- الدائرة الدولية بكافة امتداداتها وتأثيراتها على معادلات وموازين القوى في المنطقة.
(عن د.هيثم الكيلاني في دراسته حول البعد الإستراتيجي للصراع العربي-الإسرائيلي التي عرضها في مؤسسة شومان في إطار ندوة صراع القرن خلال أيام 19-21 /5/1998).
وفي إطار التعاطي الإسرائيلي مع هذه الدوائر التهديدية أخذت المؤسسة الإسرائيلية تركز -بعد أن فككت أهم الملفات العربية الكبرى، وحيدت معظم التهديدات الفلسطينية والعربية المحتملة في الدائرتين الأولى والثانية- في السنوات الأخيرة إلى حد كبير على الدائرة الثالثة والتهديدات القادمة من جهة العراق -وقد تم تفكيك وتحييد هذا التهديد- وكذلك التهديد القادم من جهة إيران التي تصر على تطوير تكنولوجيتها النووية التي تثير الرعب في قلوب "إسرائيل" إلى جانب التهديد الآتي من جهة حزب الله في الجبهة الشمالية القريبة الذي تعتبره "إسرائيل" الذراع الإستراتيجية الطويلة لإيران.
إيران كتهديد وجودي في الرؤية الإسرائيلية
ووفق التطورات والأدبيات السياسية الإسرائيلية المتراكمة في السنوات الأخيرة، فقد أخذت إيران تحتل قمة الأجندة الحربية الإسرائيلية، وبات النووي الإيراني في دائرة الاستهداف الإسرائيلي، وكما حدث مع العراق نتابع ذات السيناريو التمهيدي تجاه النووي الإيراني، والأدبيات الإسرائيلية في ذلك لا حصر لها:
فها هو نتنياهو يعلن أمام مؤتمر سابان "لن يحل السلام قبل مواجهة ثلاثة تهديدات لإسرائيل وهي: الأول سعي إيران للحصول على سلاح نووي، والثاني صواريخ حزب الله في لبنان وحماس في غزة التي تهدد إسرائيل، والثالث تحصين الأمن الإسرائيلي" الجزيرة 16/11/2009، ولذلك فإن الأجندة وراء ذلك تغدو صريحة، وهي أن "إسرائيل" مقبلة على المزيد من الحروب الإسرائيلية على مختلف الجبهات.
وقد ربط نتنياهو مؤخرا ربطا خطيرا ما بين المحرقة اليهودية وإيران، حيث قال عشية سفره إلى أوشفيتس: "يوجد شر في العالم، يجب القضاء على هذا الشر وهو في بدايته، هناك محافل تحاول نكران هذه الحقيقة" هآرتس 28/1/2010.
وفيما حذر رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الجنرال عاموس يدلين قائلا "الساعة التكنولوجية الإيرانية لتخصيب اليورانيوم وتقدم البرنامج النووي تواصل الدق بوتيرة عدد الكيلوغرامات في اليوم" إسرائيل اليوم الأربعاء 20 /1/2010، انضم وزير الحرب باراك إليه مطالبا الولايات المتحدة بأن "تتجهز لعملية عسكرية ضد إيران" محذرا من "أن تطوير إيران لأسلحة نووية يشكل خطرا وجوديا على إسرائيل".
أما أفيغدور ليبرمان فأعلن "أن إيران النووية هي بمثابة هتلر مع سلاح نووي يهدد وجود إسرائيل".
الوزير يوسي بيليد أضفى بعدا تاريخيا إلهيا على تهديداته فقال: "إن إسرائيل عليها مسؤولية وجودها الفيزيائي أولاً، وطبقا لهذا المبدأ علينا أن نتخذ القرارات... إن التاريخ منحنا هدية وحيدة لمرة واحدة، وهي (دولة) إسرائيل، وواجبنا الأعلى هو حمايتها والدفاع عنها" مبيناً "أنه إذا ضيعنا هذه الهدية فلن نحصل على فرصة أخرى... وإن مشروع الذرة الإيراني يجب أن يزعجنا ويقلقنا بالنظرة الوجودية".
النووي الإيراني في دائرة الاستهداف الإسرائيلي
نحن إذن أمام مشهد طافح بالتهديدات الإبادية بين "إسرائيل" وإيران التي يجمع قادتها أيضا على "حتمية زوال إسرائيل" لا يمكن أن يكون إعلاميا، أو زلة لسان من هنا أو هناك، فالتصعيد ممنهج مبيت مع سبق التخطيط والإصرار.
وهنا، لعل الأسئلة العاجلة دائما على أجندة الصراع الإسرائيلي الإيراني تتكثف في بعدها الإبادي، الذي يطلقون عليه في "إسرائيل" خيار شمشون.
فهل تسير الأوضاع فعلا نحو خيار شمشون؟ كان الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الذي تبنى الأجندة الأمنية والسياسية الإسرائيلية على مدى سنوات ولايتيه، قد هدد وحذر من "حرب عالمية ثالثة إذا حصلت إيران على السلاح النووي".
واليوم إدارة الرئيس أوباما تطلق التهديدات والتحذيرات على مدار الساعة و"تعجل خطاها في نشر أنظمة دفاع صاروخية في منطقة الخليج تحسبا لأي هجوم إيراني" الجزيرة 31/01/2010.
الإجماع الأوروبي إلى حد كبير مع وقف تطوير النووي الإيراني بكافة السبل ومع الأولوية للمفاوضات والعقوبات ولكن مع عدم إسقاط الخيار العسكري.
المحلل المناهض للسياسات الإسرائيلية جدعون ليفي كتب في هآرتس "كما تبدو عليه الأمور الآن إسرائيل تخطط لمستقبلها على هذا النحو، في كل مرة تحاول فيها دول شرق أوسطية التزود بسلاح نووي تقوم إسرائيل بقصفها، فالغرور الإسرائيلي الجنوني وصل الآن إلى مرحلة خطيرة في تاريخها" ويضيف المحلل الإستراتيجي إيتان هابر في يديعوت أحرونوت قائلا "يبلغ الصلف الإسرائيلي في هذه الأيام أوجه، كلما اقترب إتمام المنشأة الذرية في إيران، سنهاجم وحدنا وسنعطبها، سنضربهم بقوة وسنريهم". ليلحق الجنرال باراك مهددا أيضا "سوف ننتقل من الأقوال إلى الأفعال" الجزيرة نت.
ولعل هذه الثقافة الإبادية تصل ذروتها في استطلاع كندي للرأي العام الإسرائيلي أجراه بشكل مشترك كل من مؤسسة سيمونز، وأنجوس ريد جاء فيه أن "نحو 72% من الإسرائيليين يؤيدون استخدام الأسلحة النووية في ظروف خاصة".
وفي هذا البعد جاء في الأدبيات الدينية اليهودية ولاحقا في الأدبيات السياسية الصهيونية ما أطلق عليه خيار شمشون، في إشارة واضحة صريحة إلى تبني الدولة الصهيونية لهذا الخيار الشمشوني المستند إلى "علي وعلى أعدائي" في حال تعرضت تلك الدولة إلى أي تهديد وجودي من قبل المحيط العربي.
فمنذ الخمسينات قرر بن غوريون أنه "يتحتم على إسرائيل امتلاك سلاح قاس لا مثيل له في قوته التدميرية، لمواجهة احتمالات قاسية".
بينما كشفت المصادر العبرية النقاب عن أن خيار شمشون كان حاضرا بقوة كبيرة في حرب أكتوبر 1973، حيث طرح موشيه ديان (وزير حربهم آنذاك) في اليوم الثالث للحرب فكرة استخدام أكثر الوسائل إيلاما لصد المصريين، ليكون خيار شمشون بذلك قد ارتدى زيا نوويا صريحا كان يمكن اللجوء إليه في حرب "إما نكون أو لا نكون" في مواجهة مصر وسوريا.
وما بين احتمالية الخيار الشمشوني في حرب 1973, والتطورات الإستراتيجية المتصاعدة على الجبهتين الشمالية والإيرانية، ووفق ذلك الكم الهائل من الوثائق والتصريحات والتقديرات الاستخباراتية العسكرية الإسرائيلية، فإن احتمالية استحضار هذا الخيار في الملف النووي الإيراني ماثلة ومتزايدة.
نعتقد أن التصريحات والتهديدات الإبادية تجاه إيران، تدخل العالم عن سبق نية مبيتة إلى مناخات التحضير للمواجهة التي يبدو أنها أصبحت وفق جملة من المعطيات حتمية مع إيران.
المصدر: الجزيرة نت
الكاتب:نواف الزرو
نظريات بن غوريون وبيغن وديان
في هذه المضامين الأمنية الإستراتيجية، وكما في كل عام -منذ انعقاده الأول في 2000- يلقي مؤتمر هرتزليا للأمن والمناعة القومية، الضوء على الرؤية الأمنية الإسرائيلية، ويعكس إلى حد ما توجهات دائرة صنع القرار على الصعيد الأمني والسياسي الذي يعتبر الأمن مركبا هاما فيه، لذلك تعتبر التصريحات والرؤى الصادرة عنه بمثابة نظريات إستراتيجية تعتمدها وتتبناها المؤسسة الأمنية والحكومة الإسرائيلية، وقد عكف المؤتمر في دوراته الأخيرة على التركيز على النووي الإيراني بوصفه "التهديد الأول لوجود إسرائيل".
وفي هذا المعنى كان رئيس جهاز الاستخبارات الخارجية (الموساد) مئير دغان رجل العام في "إسرائيل" أعلن "أن إيران سيكون بحوزتها قنبلة نووية عام 2014" واعتبر ذلك "تهديدا وجوديا يجب إبعاده" معاريف.
وبينما يشير الخبير العسكري إيتان هابر في يديعوت أحرونوت إلى "أن القنبلة الإيرانية ووجود دولة إسرائيل على جدول الأعمال"، ويعلن الجنرال احتياط أفرايم سنيه في هآرتس أنه "ليس بإمكان إسرائيل أن تقبل بوجود سلاح نووي تحت سيطرة نظام يلتزم أيديولوجيا بإبادتها" يأتي الجنرال احتياط بنيامين بن أليعازر ليطلق تهديدا إباديا قائلا: "إذا تعرضت إسرائيل لهجوم سنزيل إيران عن الخارطة" 7/4/2008.
وفي البعد النووي والتهديدات الإستراتيجية لوجود ومستقبل "إسرائيل" تستحضر دائما الأدبيات الإسرائيلية، فكان الجنرال موشيه ديان أكثر من تحدث في نظريات الأمن الإستراتيجي ودرج على القول: "إن هناك حدوداً لعدد الدبابات التي تستطيع إسرائيل استيعابها، وبالتالي يجب على إسرائيل أن تتبنى إستراتيجية تقوم على أساس الردع النووي المشترك مع مبدأ استخدام القوة العسكرية التقليدية".
وهذا ينسجم مع الخط الذي أكده مناحيم بيغن زعيم اليمين ورئيس وزراء إسرائيل سابقا "إن إسرائيل يجب أن تبقى مالكة مفتاح التفوق العسكري، وخاصة التفوق النووي عن طريق منع أي دولة في الشرق الأوسط من امتلاك أو تطوير السلاح النووي" وقال بيغن عقب تدمير المفاعل النووي العراقي في يونيو/حزيران 1981 "نحن لن نقبل بأي شكل من الأشكال أو شرط من الشروط أن يقوم عدونا بتطوير سلاح دمار شامل ضد شعبنا".
أما بن غوريون أول رئيس لوزرائهم فقوله المشهور في هذا الصدد "إن الكيان الإسرائيلي يوجد ويعيش في حالة خطر دائم، ولذلك لا بد من إفراز الحلول اللازمة والضرورية للحفاظ على وجود ذلك الكيان وحمايته واستمراره في وجه الأخطار المحدقة به".
الأجندة الإسرائيلية للسيطرة على الشرق الأوسط
واستتباعا -فقد ربط قادة "إسرائيل" خيار الردع النووي بالأمن الإسرائيلي الشامل، وإستراتيجية السيطرة على الشرق الأوسط وتفكيك الملفات العربية.
فمنذ البدايات كان بن غوريون قد أشار في تقرير قدمه أمام المجلس العالمي لعمال صهيون عام 1937 إلى الأهداف الإستراتيجية الصهيونية بعيدة المدى في المنطقة حيث قال: "إن الدولة اليهودية المعروضة علينا بالحدود الحالية (على يد اللجنة الملكية البريطانية آنذاك) لا يمكن أبداً أن تكون الحل المنشود لمسألة اليهود، ولا هدف الصهيونية الذي سعت إليه طويلاً، حتى لو أجريت على هذه الحدود بعض التعديلات الممكنة واللازمة لصالحنا.. إلا أنه يمكن قبولها بوصفها المرحلة الأولى والأساسية التي تنطلق منها تتمة مراحل تحقيق الوطن الصهيوني الأكبر، وذلك عن طريق بناء قوة يهودية جبارة فيها، وبأقصر وقت ممكن، ثم احتلال باقي مناطق مطامحنا التاريخية كلها" عن كتاب الصهيونية فكراً وعملاً ص81.
البروفيسور الإسرائيلي المناهض للصهيونية إسرائيل شاحاك كان خير من شرح الإستراتيجية الصهيونية في كتابه "إسرائيل إستراتيجية توسعية مغلفة بالسلام" حيث قال: "إن الهدف الرئيسي للسياسة الإسرائيلية هو السيطرة الإقليمية على الشرق الأوسط بأكمله… والمخطط الإسرائيلي هو تحييد الفلسطينيين والسيطرة التامة عليهم، حتى تتفرغ إسرائيل لتحقيق أهدافها الحقيقية، والسيطرة على الشرق الأوسط أكثر أهمية في التفكير الإستراتيجي الإسرائيلي.. ومن أهم وسائل إسرائيل في تنفيذ مخططاتها هو النفوذ الإسرائيلي على السياسات الأميركية".
وعن الأسلحة الإستراتيجية أضاف شاحاك "إن إسرائيل لا يمكن أن تسمح لأي دولة في الشرق الأوسط بتطوير إمكانيات نووية، وتعطي لنفسها الحق في استخدام ما تراه مناسباً من وسائل لمنع مثل هذا الاحتمال حتى تظل في وضع احتكار السلاح النووي وامتلاك الرادع النووي دون منازع".
وجاء في قراءة ما بين سطور الإستراتيجية التي كان أعدها الجنرال باراك في حينه "أن إستراتيجية إسرائيل لعام 2020 ترفض الاندماج بالمحيط وتعتمد التفوق التكنولوجي" ولا حاجة هنا لنشرح الآفاق والمغازي الحقيقية لاصطلاح التفوق التكنولوجي من وجهة نظر صهيونية.
دائرة التهديدات الإستراتيجية لوجود "إسرائيل"
لذلك, وعلى طريق تحقيق الأجندة الإستراتيجية الإسرائيلية في السيطرة على الشرق الأوسط، وزعت المؤسسة الأمنية الإسرائيلية المنطقة إلى دوائر أطلقت عليها "دوائر التهديد الإستراتيجي لإسرائيل" لتسهيل مهمة تفكيكها والسيطرة عليها، وهي:
- الدائرة الفلسطينية التي تعمل "إسرائيل" على تفكيكها أولا.
- الدائرة العربية المحيطة بالدولة الإسرائيلية.
- دائرة الدول الأبعد قليلاً مثل إيران والعراق وليبيا وباكستان… إلخ.
- الدائرة الدولية بكافة امتداداتها وتأثيراتها على معادلات وموازين القوى في المنطقة.
(عن د.هيثم الكيلاني في دراسته حول البعد الإستراتيجي للصراع العربي-الإسرائيلي التي عرضها في مؤسسة شومان في إطار ندوة صراع القرن خلال أيام 19-21 /5/1998).
وفي إطار التعاطي الإسرائيلي مع هذه الدوائر التهديدية أخذت المؤسسة الإسرائيلية تركز -بعد أن فككت أهم الملفات العربية الكبرى، وحيدت معظم التهديدات الفلسطينية والعربية المحتملة في الدائرتين الأولى والثانية- في السنوات الأخيرة إلى حد كبير على الدائرة الثالثة والتهديدات القادمة من جهة العراق -وقد تم تفكيك وتحييد هذا التهديد- وكذلك التهديد القادم من جهة إيران التي تصر على تطوير تكنولوجيتها النووية التي تثير الرعب في قلوب "إسرائيل" إلى جانب التهديد الآتي من جهة حزب الله في الجبهة الشمالية القريبة الذي تعتبره "إسرائيل" الذراع الإستراتيجية الطويلة لإيران.
إيران كتهديد وجودي في الرؤية الإسرائيلية
ووفق التطورات والأدبيات السياسية الإسرائيلية المتراكمة في السنوات الأخيرة، فقد أخذت إيران تحتل قمة الأجندة الحربية الإسرائيلية، وبات النووي الإيراني في دائرة الاستهداف الإسرائيلي، وكما حدث مع العراق نتابع ذات السيناريو التمهيدي تجاه النووي الإيراني، والأدبيات الإسرائيلية في ذلك لا حصر لها:
فها هو نتنياهو يعلن أمام مؤتمر سابان "لن يحل السلام قبل مواجهة ثلاثة تهديدات لإسرائيل وهي: الأول سعي إيران للحصول على سلاح نووي، والثاني صواريخ حزب الله في لبنان وحماس في غزة التي تهدد إسرائيل، والثالث تحصين الأمن الإسرائيلي" الجزيرة 16/11/2009، ولذلك فإن الأجندة وراء ذلك تغدو صريحة، وهي أن "إسرائيل" مقبلة على المزيد من الحروب الإسرائيلية على مختلف الجبهات.
وقد ربط نتنياهو مؤخرا ربطا خطيرا ما بين المحرقة اليهودية وإيران، حيث قال عشية سفره إلى أوشفيتس: "يوجد شر في العالم، يجب القضاء على هذا الشر وهو في بدايته، هناك محافل تحاول نكران هذه الحقيقة" هآرتس 28/1/2010.
وفيما حذر رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الجنرال عاموس يدلين قائلا "الساعة التكنولوجية الإيرانية لتخصيب اليورانيوم وتقدم البرنامج النووي تواصل الدق بوتيرة عدد الكيلوغرامات في اليوم" إسرائيل اليوم الأربعاء 20 /1/2010، انضم وزير الحرب باراك إليه مطالبا الولايات المتحدة بأن "تتجهز لعملية عسكرية ضد إيران" محذرا من "أن تطوير إيران لأسلحة نووية يشكل خطرا وجوديا على إسرائيل".
أما أفيغدور ليبرمان فأعلن "أن إيران النووية هي بمثابة هتلر مع سلاح نووي يهدد وجود إسرائيل".
الوزير يوسي بيليد أضفى بعدا تاريخيا إلهيا على تهديداته فقال: "إن إسرائيل عليها مسؤولية وجودها الفيزيائي أولاً، وطبقا لهذا المبدأ علينا أن نتخذ القرارات... إن التاريخ منحنا هدية وحيدة لمرة واحدة، وهي (دولة) إسرائيل، وواجبنا الأعلى هو حمايتها والدفاع عنها" مبيناً "أنه إذا ضيعنا هذه الهدية فلن نحصل على فرصة أخرى... وإن مشروع الذرة الإيراني يجب أن يزعجنا ويقلقنا بالنظرة الوجودية".
النووي الإيراني في دائرة الاستهداف الإسرائيلي
نحن إذن أمام مشهد طافح بالتهديدات الإبادية بين "إسرائيل" وإيران التي يجمع قادتها أيضا على "حتمية زوال إسرائيل" لا يمكن أن يكون إعلاميا، أو زلة لسان من هنا أو هناك، فالتصعيد ممنهج مبيت مع سبق التخطيط والإصرار.
وهنا، لعل الأسئلة العاجلة دائما على أجندة الصراع الإسرائيلي الإيراني تتكثف في بعدها الإبادي، الذي يطلقون عليه في "إسرائيل" خيار شمشون.
فهل تسير الأوضاع فعلا نحو خيار شمشون؟ كان الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الذي تبنى الأجندة الأمنية والسياسية الإسرائيلية على مدى سنوات ولايتيه، قد هدد وحذر من "حرب عالمية ثالثة إذا حصلت إيران على السلاح النووي".
واليوم إدارة الرئيس أوباما تطلق التهديدات والتحذيرات على مدار الساعة و"تعجل خطاها في نشر أنظمة دفاع صاروخية في منطقة الخليج تحسبا لأي هجوم إيراني" الجزيرة 31/01/2010.
الإجماع الأوروبي إلى حد كبير مع وقف تطوير النووي الإيراني بكافة السبل ومع الأولوية للمفاوضات والعقوبات ولكن مع عدم إسقاط الخيار العسكري.
المحلل المناهض للسياسات الإسرائيلية جدعون ليفي كتب في هآرتس "كما تبدو عليه الأمور الآن إسرائيل تخطط لمستقبلها على هذا النحو، في كل مرة تحاول فيها دول شرق أوسطية التزود بسلاح نووي تقوم إسرائيل بقصفها، فالغرور الإسرائيلي الجنوني وصل الآن إلى مرحلة خطيرة في تاريخها" ويضيف المحلل الإستراتيجي إيتان هابر في يديعوت أحرونوت قائلا "يبلغ الصلف الإسرائيلي في هذه الأيام أوجه، كلما اقترب إتمام المنشأة الذرية في إيران، سنهاجم وحدنا وسنعطبها، سنضربهم بقوة وسنريهم". ليلحق الجنرال باراك مهددا أيضا "سوف ننتقل من الأقوال إلى الأفعال" الجزيرة نت.
ولعل هذه الثقافة الإبادية تصل ذروتها في استطلاع كندي للرأي العام الإسرائيلي أجراه بشكل مشترك كل من مؤسسة سيمونز، وأنجوس ريد جاء فيه أن "نحو 72% من الإسرائيليين يؤيدون استخدام الأسلحة النووية في ظروف خاصة".
وفي هذا البعد جاء في الأدبيات الدينية اليهودية ولاحقا في الأدبيات السياسية الصهيونية ما أطلق عليه خيار شمشون، في إشارة واضحة صريحة إلى تبني الدولة الصهيونية لهذا الخيار الشمشوني المستند إلى "علي وعلى أعدائي" في حال تعرضت تلك الدولة إلى أي تهديد وجودي من قبل المحيط العربي.
فمنذ الخمسينات قرر بن غوريون أنه "يتحتم على إسرائيل امتلاك سلاح قاس لا مثيل له في قوته التدميرية، لمواجهة احتمالات قاسية".
بينما كشفت المصادر العبرية النقاب عن أن خيار شمشون كان حاضرا بقوة كبيرة في حرب أكتوبر 1973، حيث طرح موشيه ديان (وزير حربهم آنذاك) في اليوم الثالث للحرب فكرة استخدام أكثر الوسائل إيلاما لصد المصريين، ليكون خيار شمشون بذلك قد ارتدى زيا نوويا صريحا كان يمكن اللجوء إليه في حرب "إما نكون أو لا نكون" في مواجهة مصر وسوريا.
وما بين احتمالية الخيار الشمشوني في حرب 1973, والتطورات الإستراتيجية المتصاعدة على الجبهتين الشمالية والإيرانية، ووفق ذلك الكم الهائل من الوثائق والتصريحات والتقديرات الاستخباراتية العسكرية الإسرائيلية، فإن احتمالية استحضار هذا الخيار في الملف النووي الإيراني ماثلة ومتزايدة.
نعتقد أن التصريحات والتهديدات الإبادية تجاه إيران، تدخل العالم عن سبق نية مبيتة إلى مناخات التحضير للمواجهة التي يبدو أنها أصبحت وفق جملة من المعطيات حتمية مع إيران.
المصدر: الجزيرة نت
الكاتب:نواف الزرو