تاريخ اليهود في العراق منذ السبي الآشوري وحتى الهجرة إلى فلسطين
أول ظهور لليهود في أرض العراق القديمة:
يعد أول وجود لليهود في أرض العراق القديمة مسألة مختلف عليها دينياً، حيث يدّعي اليهود أن تاريخهم يرجع إلى عهد إبراهيم الخليل _عليه السلام_، وأنهم كانوا بصحبته مهاجرين من بلاد الرافدين إلى فلسطين، ولم يكن عددهم في تلك الهجرة الجماعية يزيد على أربعة آلاف نسمة، غير أن الكثير من الباحثين يحددون تاريخ ظهور أول مجموعة يهودية في العراق في أواخر القرن السادس وأوائل القرن السابع قبل الميلاد، وأن هذا التاريخ يأتي متطابق مع تاريخ السبي الآشوري إلى شمال العراق بحدود عام 626ق.م طبقاً لسياسة الإمبراطورية الآشورية في تشتيت الأسرى الواقعين تحت سيطرتهم إلى عدة مناطق نائية منعزلة عن أي تجمع سكاني قريب آخر، وذلك لعدم إمكانيتهم التجمع والتكتل والتعاطف مع أي مجتمعات أخرى، خوفاً من تطييعهم معها، وبالتالي إمكانية عودتهم إلى المناطق التي نزحوا منها وهم في الأسر.
وتأيداً لهذا الأمر يخبرنا الله _تبارك وتعالى_ في كتابه الكريم بأن اليهود لم يكونوا مع نبي الله إبراهيم _عليه الصلاة والسلام_، {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْأِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ} [آل عمران:65]
معظم كتب التاريخ، بالإضافة إلى الرقم والنقوش الموجودة على الألواح الطينية والصخرية، (ومنها ما دونه أحد ملوك الدولة الآشورية الملك سنحاريب) تؤكد أن أول وجود لليهود في أرض العراق القديمة هي في القرن السادس قبل الميلاد، والتي حدثت عندما نقل الآشوريون إلى منطقة آشور القديمة (مناطق في العراق) اليهود الموجودين في أرض فلسطين القديمة في ثلاث حملات متتالية على إسرائيل ويهوذا بلغ ما يربو على أربعمائة ألف نسمة،
ففي الحملة الأولى استولى الملك تجلات بلاشر الثالث على كل مدن إسرائيل عدا (السامرة)، ونقل جميع سكان هذه المدن إلى آشور، ومع أنه لم يذكر عددهم، إلا أن أغلب الظن أن الرقم كان يزيد على المائتي ألف نسمة إذا قسنا هذه الحملة بحملة سنحاريب التي نقل فيها أكثر من مائتي ألف نسمة من يهوذا وحدها، ولما كانت يهوذا تؤلف سبطين، وإسرائيل تؤلف عشرة أسباط على قول التوراة فيكون ما قدرناه عن عدد الذين نقلهم تجلات بلاشر الثالث من جميع مدن إسرائيل بمائتي ألف نسمة أو ما يزيد تقديراً معتدلاً، ثم ينبئنا سرجون الثاني أنه نقل ما تبقى من يهود إسرائيل في مدينة السامرة التي احتلتها في الحملة الثانية ما مقداره 27.290 نسمة، كما أن سنحاريب يدعي في مدوناته أنه نقل من أسرى يهوذا 200.150 نسمة إلى المنطقة نفسها (أي: آشور)، فمجموع هؤلاء يبلغ أكثر من أربعمائة ألف نسمة" (1)
السبي البابلي على يد نبوخذ نصر:
وبعد سقوط الدولة الآشورية، ومجيء الدولة البابلية، حدث السبي البابلي المشهور لليهود على يد الملك نبوخذ نصر الثاني، وهو أشهر ملوك هذه الدولة، حيث حكم البلاد 43 سنة بين سنة 605 وسنة 562ق.م
وجاء السبي البابلي لليهود في حملتين: الأولى في سنة 597ق.م والثانية في سنة 586 ق.م، وحصلت الأولى عندما تمرد الملك (يهوياقيم) ملك يهوذا (608-597ق.م) على (نبوخذ نصر)، وذلك بعد أن أظهر طاعته وخضوعه إلى الملك الكلداني، فشنَّ "نبوخذ نصر" سنة 597 ق.م حملة على (يهوياقيم)، وحاصر أورشليم إلا أن (يهوياقيم) تُوفي أثناء هذا الحصار فخلفه ابنه (يهوياكين) الذي اضطر إلى الاستسلام فسبى "نبوخذ نصر" كل يهود أورشليم وكل الرؤساء وجميع جبابرة البأس وعشرة آلاف صبي وجميع الصناع والأقيان، لم يُبقِ أحداً إلا مساكين شعب الأرض، كما سبى (يهوياكين)وأمّه ونساءه ورجاله من أورشليم إلى بابل، وأخرج (نبوخذ نصر) جميع خزائن (بيت الرب) وخزائن بيت الملك وكسر كل آنية الذهب، ثم عيَّن "صدقيا" عم "يهوياكين" الذي أكَّد ولاءه للملك الفاتح خلفاً ليهوياكين.
كان هذا السبي الأول، ثم تبعه السبي الثاني سنة 586ق.م، وهذا وقع على أثر نقض "صدقيا" لعهد الولاء إلى "نبوخذنصر" إذ دخل في حوالي سنة 589ق.م في تحالف مع المدن السورية والفلسطينية بتحريض من "حوفرا" ملك مصر، الذي كان يطمح أن يستعيد سيطرة مصر على سورية، وهكذا فقد وضع "صدقيا" مصيره في مصر وحلفائها فغضب "نبوخذنصر" غضباً شديداً، وجاء هذه المرة بنفسه على رأس حملة قوية إلى سورية الشمالية وعسكر في "ربلة" على نهر العاصي، وكان ذلك سنة 587ق.م
وأرسل الملك "نبوخذ نصر" من حاصر أورشليم، إلا أن دخول "جوفرا" ملك مصر إلى فلسطين اضطر البابليين إلى رفع الحصار لمحاربته، فظنِّ اليهود أن النصر بات حليفهم، لكن البابليين استطاعوا صد المصريين وإرجاعهم على أعقابهم ثم أعادوا بسط الحصار على أورشليم في الحال، ولم يمضِ وقت طويل حتى تفشت المجاعة وربما الوباء في المدينة مما اضطر اليهود أن يرضخوا ويستسلموا، فدخلت الجيوش البابلية المدينة في اليوم الرابع من شهر تموز سنة 586 قبل الميلاد، أما "صدقيا" فهرب هو وأفراد عائلته، ولكن البابليين لحقوا به في سهول أريحا حيث قبضوا عليه وحملوه إلى "ربله" حيث مقر معسكر الملك نبوخذ نصر، وهناك ذبح أولاده أمام عينيه، ثم فقئت عيناه وأُخذ مكبلاً مع الأسرى إلى بابل، أما أورشليم فخربت ودمرت تدميراً كاملاً فأُحرق (بيت الرب) وبيت الملك وكل بيوت أورشليم وكل بيوت العظماء وسلبت الخزائن ونقلت إلى بابل، وقد خمن عدد الأسرى الذين سيقوا إلى بابل ليلتحقوا باليهود من السبي الأول بحوالي 50.000 نسمة" (2)
ويلاحظ أن بعض المؤرخين كان يظن أن الأسرى من السبي البابلي التقوا بأبناء جلدتهم من الأسر الآشوري، فيوسف غنيمة مؤلف كتاب (نزهة المشتاق في تاريخ يهود العراق) مثلاً كان محتاراً متردداً في الأمر كيف يربط الأسرى من السبي الآشوري "لم يبق منهم باق"، ثم يعود فيقول: "إن قوافل الأسرى من السبي البابلي شاهدوا أبناء جلدتهم جالية ضخمة من أعقاب أسرى شلمناصر وسنحاريب وأسرحدون فتعانقوا معانقة أعز الإخوان وتعاونوا في منفاهم على حفظ كيانهم وصيانة تقاليدهم من كل مس"، والواقع أن الأسرى اليهود من السبي البابلي لم يشاهدوا أبناء جلدتهم من أسرى الآشوريين إطلاقاً؛ لأن الآشوريين كانوا قد أقصوا أسراهم إلى مناطق جبلية وعرة نائية وفرقوهم في مختلف الأنحاء من جبال بلاد آشور، بحيث كان يصعب الوصول إليهم أو الاتصال بهم، إذ كان اليهود من السبي البابلي يعتقدون أن أسرى الآشوريين من أبناء جلدتهم اندمجوا في البيئة الوثنية وأخذوا بالديانة الوثنية، لذلك عدوا بحكم المفقودين أو الأسباط المفقودة، ولو كان التقى أسرى بابل بأسرى السبي الآشوري لذكرت التوراة ذلك أو لذكر ذلك التلمود، ولكن لم نجد أية إشارة فيهما حول ذلك، ويلاحظ أن يوسف غنيمة استدرك قائلاً: "إن اللقاء بين أسرى بابل وأسرى آشور لم يذكره أحد من المؤرخين بل إنه ظن بحت"(3).
اليهود في بابل في زمن الكلدانيين (612-539ق.م):
يظن أكثر الباحثين أن اليهود المسبيين إلى بابل كانوا يحيون في الأسر حياة ضيق وتعاسة تحت كابوس مظالم الكلدانيين وتعسفهم، ومصدر هذه المزاعم هو بعض الكتابات اليهودية التي كانت ترمي من وراء ذلك بث هذه المزاعم لاستدرار العطف على اليهود المسبيين الذين أُبعدوا عن ديارهم في فلسطين، وهذه المزاعم لا تستند إلى البراهين والأدلة؛ لأن أكثر المصادر التاريخية الموثوقة، ومن ضمنها مصادر يهودية تعترف بما روته المصادر الكلدانية، وهو: أن نبوخذ نصر سمح للأسرى أن يصحبوا عائلاتهم وينقلوا معهم ممتلكاتهم ومواشيهم، وتؤكِّد هذه المصادر أن نبوخذ نصر وهب اليهود بعد نقلهم إلى بابل أخصب مقاطعاته وأسكنهم فيها مثل منطقة "نفر" (نيبور) التي كانت تُعد من أغنى مقاطعات بابل، ومنحهم كذلك أوسع الحريات في العمل وممارسة طقوسهم الدينية، وكانت السلطات الحاكمة تعاملهم على أحسن وجه.
ولقد استفاد اليهود كثيراً من الامتيازات التي منحهم إياها الكلدان، فأصبح في صفوفهم الكثير ممن تمرسوا على أساليب الحكم والسياسة وممن أتقنوا الحرف والصناعات المختلفة، وعظم شأنهم بين البابليين".
وتعترف المصادر اليهودية بأنَّ اليهود في بابل أصبحوا في غضون مدة وجيزة أغنى أهل بابل، فبعضهم امتلك الأراضي الزراعية والبعض الآخر كان يزرع بالفعل على الأراضي التي أقطعت لهم، وقد حفروا شبكة من جداول الري والقنوات لإيصال المياه السيحية إلى مزارعهم، وأنشؤوا الحقول والبساتين ووجهوا عنايتهم لوقايتها من الغرق، فأقاموا السدود ونظموا أعمال الري على أحسن وجه، وقد اعتنوا عناية خاصة بتطهير الجداول والمبازل من الراسبات الغرينية، بحيث تحوَّلت هذه المنطقة إلى حقول مثمرة، وكان يعمل بعضهم في حقل التجارة، ويرى البعض أنه لولا أنبياء المهجر الذين كانوا لا ينفكون عن تنبيه اليهود إلى أخطار الانصهار وحثهم على ضرورة التفكير في العودة إلى يهوذا لانصهر اليهود في الشعب الكلداني انصهاراً تاماً بسبب ما توافر لهم من رغد العيش والأمن والاستقرار.(4)
ويعد اليهود بابل وطنهم الثاني، إلا أن شروط المواطنة الأساسية، وهي: الوطن الواحد والتاريخ الواحد والتراث المشتركين غير متوافرة فهم أسرى رهن العبودية لدى الكلدانيين.
اليهود في بابل في زمن الفرس الأخمينيين (539-331ق.م):
استفاد اليهود في أثناء وجودهم في بابل من حضارة البابليين وثقافتهم فاقتبسوا الكثير منها، وخاصة ما يتعلق بفنون الزراعة والري، فأخذ أكثرهم يمارسون الزراعة التي تعتمد على الإرواء الدائم بما في ذلك أساليب شق الجداول وتطهيرها وطرق الإرواء، وفي بابل مارسوا شعائرهم الدينية وواصل كهنتهم أعمالهم الدينية، وهناك مَن يرى أن الكنيس اليهودي كتجمع تعبدي هو من آثار المنفى، وعن هذه التجمعات نشأت الكنس كمؤسسات دينية، ثم استمرت إلى ما بعد العودة وبناء الهيكل من جديد؛ لأنها وجدت أنها تؤدِّي خدمة لا غنى لليهود عنها.
ولما فتح كورش الأخميني الفارسي بلاد بابل (539-538ق.م) سار في فتوحاته حتى احتل سورية وفلسطين ومن ضمنها أورشليم، فسمح لمَن أراد من أسرى نبوخذ نصر الرجوع إلى فلسطين، وأعاد إليهم كنوز الهيكل التي كان قد سلبها نبوخذ نصر، وأمر بإعادة بناء الهيكل في أورشليم على نفقة بيت الملك فعاد فريق منهم بقيادة "زوربابيل" بن شلائيل بن يهوياكين ملك يهوذا الأخير".(5)
اليهود في بابل في زمن الإغريق (331-139ق.م):
يبدأ هذا العصر في بداية حملة الإسكندر الكبير (356-323ق.م) على بلاد الشرق سنة 334ق.م، فكان الإسكندر يرمي من حملته هذه تأسيس إمبراطورية واسعة تضم الغرب والشرق بلا حدود تفصلها، تخضع سياسياً واقتصادياً وثقافياً للنفوذ الإغريقي، وذلك بتأسيس مستوطنات إغريقية في مختلف أنحاء هذه الإمبراطورية، وإنشاء قواعد عسكرية على طول خطوط المواصلات مع إقامة مراكز ثقافية تتولى نشر الثقافة اليونانية بما في ذلك اللغة اليونانية، وقد قام الإسكندر بذلك فعلاً بعد احتلاله للشرق، فأسّس سبعين مدينة يونانية جديدة بأسماء يونانية، ومع أن حلمه لم يتحقق بالشكل الذي أراد؛ لأنه لم يطل بقاؤه في البلاد، فقد سلك خلفاؤه الطريق نفسه لتطبيق منهجه في نشر الثقافة اليونانية، والدليل على رسوخها أن رسالة المسيح أُذيعت بعد ثلاثة قرون باللغة اليونانية على العالم المتمدن، ولم يستثن من هذا النفوذ الشعب اليهودي ولغته، وقد كانت حصة يهود فلسطين كبيرة من هذه الحركة، وأما حصة يهود بابل وبين النهرين فكانت ضئيلة وقلَّ من اهتمَّ بدرسها والتوسع فيها. (6)
ويروي يوسفوس أن الملك أنطيوخس الثالث الملقب بالكبير (323-187ق.م) نقل من بابل وبين النهرين ألفي أسرة يهودية مع أجهزتها الحربية إلى ليديا وفريجيا في آسيا الصغرى لتأسيس حامية منهم هناك موالية لحكم السلوقيين.
يهود العراق في العصر العباسي:
كان يهود العراق منذ قيام الخلافة العباسية حتى وفاة هارون الرشيد (762-809م) يتمتعون بحرية تامة وبحياة آمنة، ثم لمّا وقعت حروب وفتن بين الأمين والمأمون وأصحابهما سادت الفوضى ودام الاضطراب الذي شمل كل أطراف العراق إلى سنة 813م حين انتهى حكم الخلافة إلى المأمون، فلحق بالناس الأذى بسبب الفتن والاضطرابات الشيء الكثير وأصاب من بين ما أصاب اليهود.
ولما وُلِّيَ المأمون الخلافة أبدى تسامحاً ليس تجاه اليهود فقط، بل شمل هذا التسامح كل الرعايا فاستفاد الشعب من مواهبهم العلمية على اختلاف أديانهم وتباين مذاهبهم وأطلق الحرية التامة في النشر والكلام، وقد أسَّس في عهده المركز العلمي المشهور المعروف ببيت الحكمة الذي كان ينقطع إليه الباحثون من كل فج، وقد ألحق به خزانة للكتب عامرة، وفي ذلك يقول بارون في كتابه (تاريخ اليهود الاجتماعي والديني): "لقد أدت الفتوحات الإسلامية منذ القرن السابع الميلادي إلى توحيد مناطق واسعة من إفريقية وآسيا هيأت لليهود محيطاً غنياً بالعدد والأهمية ليس في العراق وحده، بل في إيران وفلسطين ومصر أيضاً، ولم يمض وقت طويل على تأسيس الكوفة حتى انحدروا إليها من الحيرة القريبة منها، ولما أُسِّست بغداد عام 149هـ (763م) قصدها الناس من مختلف الأصقاع واللغات والأديان، وكان منهم اليهود وكان معظم الخلفاء العباسيين يتميز بالتسامح والتساهل فتمتع اليهود مثل غيرهم من السكان بدرجة كبيرة من الاستقرار والطمأنينة والازدهار خلال القرون الأولى من حكم الدولة العباسية".
واستمر يهود العراق في عهد العباسيين على هذا المنوال متقلبين في نعيم العيش حتى عهد المتوكل (847-861م) فكان شديد الوطأة على أهل الذمة؛ إذ أمرهم سنة 849م بأن يلبسوا لباساً يميّزهم عن المسلمين، وأن يركبوا سروجاً تختلف عن سروجهم، وأن يجعلوا على أبواب دورهم علامات خاصة تميز دورهم عن دور المسلمين، كما أمر بهدم معابدهم المحدثة وتسوية قبورهم مع الأرض، وكان نتيجة لذلك أن تعطَّل منصب رأس الجالوت الذي كان يساعد على إدارة شؤون اليهود الداخلية، وفي عهد القادر بالله (991-1031م) أغلقت جميع المدارس اليهودية في العراق، ثم لما تولَّى المقتدي بأمر الله الخلافة (1075-1094م) سار على سيرة المتوكل بالنسبة لمعاملة أهل الذمة، إلا أن الوضع قد تغيّر بعده، إذ أُعيد لليهود في القرن الثاني عشر للميلاد حريتهم وحسن معاملتهم، وذلك على إثر استيلاء السلطان مسعود بن محمد بن مالكشاه سنة 1132م على مقاليد الحكم في بغداد، وقد استمر حكم السلطان مسعود في عهد الخليفة المسترشد بالله (1118-1135م)، واستمر معه حسن معاملة اليهود، فالوصف الذي تركه لنا الرابي بنيامين التطيلي الذي زار العراق في عهد خلافة المستنجد بالله (1160-1170م) يؤيِّد حالة اليهود المزدهرة في هذا العهد، حيث يقول: "ويقيم ببغداد نحو أربعين ألف يهودي، وهم يعيشون بأمان وعز ورفاهية في ظل أمير المؤمنين الخليفة، وبين يهود بغداد عدد كبير من العلماء وذوي اليسار، ولهم فيها ثمانية وعشرون كنيساً، قسم منها في جانب الرصافة، ومنها في جانب الكرخ على الشاطئ الغربي من نهر حدقل (دجلة) الذي يمر في المدينة فيشطرها شطرين.
وكنيس رأس الجالوت بناء جسيم، فيه الأساطين الرخام المنقوشة بالأصباغ الزاهية المزوقة بالفضة والذهب، وتزدان رؤوس الأساطين بكتابات من المزامير بحروف من ذهب، وفي صدر الكنيس مصطبة يصعد إليها بعشر درجات من رخام، وفوقها الأريكة المخصصة لرأس الجالوت" .(7)
يهــود العـــراق في العهد العثماني
بعد دخول السلطان سليمان الأول سنة (941هـ/1534م) وفي عهده لم يلحق بهم أي أذى البتة وفي عهد السلطان مراد الرابع الذي استرجع بغداد من يد الفرس عام 1047هـ/1637م بدأت معالم الحياة الاجتماعية ليهود العراق في الظهور على سطح الأحداث في المجتمع التركي الجديد، وفي هذه المدة أخذ اليهود بالتحرك نحو إعادة تقوية أسس حياتهم بعد أن عصفت بهم رياح الفرس،
وعلى العموم فإن السلطان مراد الرابع أحسن إليهم ولبى الكثير من مطالبهم، وفي منتصف القرن السابع عشر الميلادي استقرت الحالة الأمنية ليهود العراق حيث تم تحركهم في شتى أنحاء العراق لغرض إيجاد مأوى لهم يستقرون فيه، فنراهم موجودين في الموصل وكركوك والسليمانية وأربيل، ووصلوا إلى أبعد منطقة في القطاع الشمالي من حدود العراق، حيث التقوا هناك ببعض أبناء ملتهم الذين يدعون أنهم من بقايا السبي الآشوري الأول،
وفي نفس الوقت أخذوا في إعادة بناء وترميم المزارات التي تخصهم في تلك المنطقة، وخاصة مزار النبي ناحوم في قصبة القوش التي تبعد عن مدينة الموصل حوالي 50كم، وأخذوا ينظمون الزيارات لذلك المقام بعد أن تم تطويره والعناية به، وكما تحرك اليهود نحو الشمال فإنهم تحركوا إلى الوسط والجنوب من العراق، وأول شيء قاموا به صيانة مزاراتهم ، وخاصة الكفل والنبي يوشع،
ودلالة على ما تمتع به يهود العراق في تلك المدة أواسط القرن السابع عشر فما فوق أن أحد أثريائهم ساعد الجند العثمانيين ومدهم بالمال الوفير في قتالهم مع الفرس، حيث شن الشاه كريم خان حربه، وكان ذلك في العام (1190هـ/1776م)، وكان اسم هذا اليهودي الخواجة يعقوب.
أما في عهد المماليك فإن الأمور الحياتية ليهود العراق كانت قد سارت سيراً جيداً خاصة في زمن الوالي داود باشا بالرغم من حدوث بعض الأزمات المالية لكبار تجارهم، منهم: الخواجة داود ساسون.
وفي بداية القرن الثامن عشر الميلادي أصاب اليهود غيرهم من سكان بغداد موجة من موجات مرض الهيضة، فأخذ الموت يحصد بهم حصداً لا يفرق بين شيخ وشاب، وما كان من يوم السابع والعشرين من شهر نيسان حدث أن هدم قسم من سور المدينة في الجانب الشمالي الغربي، ودخلت المياه محلة اليهود وهدمت نحو 220 بيتاً.
وظلت أحوال يهود العراق بين مد وجذر، وعلى العموم كانت أحـوالهم مستقرة أكثر من أي مدة أخرى حتى جاء السلطان عبد المجيد سنة 1856م، وأصدر مرسوماً تضمنت بعض فقراته نصوصاً في حقوق الطوائف غير المسلمة، وفي مقدمتها: اليهود والنصارى، علماً بأن عدد يهود العراق كان أكثر بكثير من عدد نصارى العراق، وخاصة في مدينة بغداد أثناء مدة الحكم العثماني،
وفي زمن السلطان عبد المجيد نفسه أخذت تباشير انتشار العلم والمعرفة والثقافة بين صفوف أبناء الطائفة اليهودية، وذلك بتأسيس مدرسة الاتحاد التي تعد النواة الأولى لانتشار المدارس اليهودية في العراق.
وعلى عهد مدحت باشا عاش يهود العراق عيشاً رغداً، وذلك في العام 1868م، حيث بث بين المواطنين كافة روح العدالة والمساواة والحرية، وبذلك اتسعت الأعمال التجارية عندهم وتحسنت أمورهم الاجتماعية، وتطورت محاكمهم الروحانية، وبدأت انتخابات اللجان المشرفة على الشؤون الدينية وغير الدينية من ثقافية وصحية، وخاصة لجان بتأسيس المستشفيات وفي مقدمة أولئك (مستشفى مير إلياس).
ولما فتح مجلس المبعوثين سنة 1876م انتخب من بغداد النائب مناحيم دانيال عضواً فيه ممثلاً للطائفة اليهودية في العراق بينما لم ينتخب عضو مسيحي لنفس الغرض، وهذا ما يؤيد أن كثافة اليهود السكانية في بغداد كانت أكثر من كل طائفة أخرى، ومن الولاة العثمانيين الذي يذكرهم اليهود بطيب الذكر المشير رجب باشا الذي كان أصلاً قائداً للجيش، إذ في عهده انتشرت الحرية وأظهر من التساهل والحلم في إدارة شؤون الولاية وكل سكانها مما يؤيد كونه غير منحاز في أحكامه وكل تصرفاته الإدارية.
ولعل الوالي ناظم باشا كان أكثر كل الولاة العثمانيين في بغداد عطفاً على اليهود محباً لهم ميسراً أمورهم، وعندما وصل بغداد تم إعفاؤه من منصبه فحزنت الطائفة اليهودية على ذلك، والتمست من الباب العالي أن يعيد النظر في إجرائه، ولكن ما كل ما كان اليهود يشتهونه لينفذ.
بعد نشوب الحرب العالمية الأولى وعلى عهد الوالي نامق باشا لحق يهود العراق ظلماً كبيراً، وأحاطت بهم نوائب متلاحقة من الجور والحيف، واشتدت الأزمات وهي تكاد أن تكون متلاحقة في أخريات أشهر الحرب، وكان يضيق معاون الوالي فائق بك ومدير الشرطة سعد الدين بك الخناق عليهم، فكانت التهم تكال إليهم ودوائر الدولة شبه المعطلة لا تلتفت لمطالبهم، وكلما كان من الأمر أن يدعوهم إلى دفع الرشوة حتى يلتفت إلى شكاواهم، وظلوا على تلك الحالة التعسة القلقة حتى انتهاء الحرب العالمية الأولى وسقوط بغداد بيد الإنكليز عندما دخلها الجنرال مود في العام 1917م،حيث واصلوا السير في الحياة تحت ظل الاحتلال، ومن ثم أثناء مدة الحكم الملكي في العراق، وبعدها في العهد الجمهوري ولا زال إلى حد كتابة هذه الأسطر قسم قليل من أبناء الطائفة اليهودية في العراق لا يتجاوز عددهم على 500 نسمة قاطنين في البلد الذي احتوى أجدادهم قبل آلاف السنين.(8)
أماكن سكن اليهود وتعداد نفوسهم
يذكر كتاب (يهود العراق) ليعقوب كوريه الأماكن التي حرص اليهود في العراق على الحضور والانتشار فيها، بالإضافة على تعدادهم خلال بعض السنوات، فيقول: "منذ أن توطأوا في هذه البلاد وعلى مر العصور والأزمنة نجد أن اليهود بدأت تحركاتهم رويداً رويداً بالزحف على المناطق المجاورة لبابل طلباً لإيجاد بقعة أرض للسكن فيها، ومحاولة إيجاد مصدر للرزق في جوانبها، وكانت من أوائل المناطق التي قصدتها فصائل منهم بعد تحركهم من بابل مناطق الجنوب العراقي في أراضي المنتفك والبصرة والعمارة، ثم واصلوا زحفهم بعد ذلك إلى بغداد وبقية مناطق الوسط العراقي، فنجد منهم من اتخذ كربلاء والكوت والنجف والديوانية محلاً لإقامته ومركزاً لإدارة تجارته ولم يكتفوا بذلك، بل اتجهوا إلى الغرب والشمال فكانت بعض مدن الدليم تعج بهم، خاصة في مدينة عانه ورواة وحديثة وكثيراً منهم من تلقب باسم المدينة أو القضاء الذي ترعرع فيه، فهناك ألقاب العاني ، الراوي ، البغدادي ، السامرائي ، الشهربلي ، العمادي التصقت بهم، وأصبحوا يعرفون بها، ونتيجة لذلك أصبح تجمعهم في محل خاص يطلق عليه اسم طائفتهم، فمثلاً سوق اليهود وعكد اليهود وحارة اليهود كثيراً من أمثال هذه التسميات تلاحظ في البصرة وبغداد والموصل مراكز المدن الكبيرة وحتى الصغيرة منها.
ففي سامراء مثلاً كان هناك سوق يسمى سوق اليهود في العشرينات من هذا القرن، أما أكبر تجمع سكاني يهودي، فقد كان في بغداد حيث انتشرت الطائفة اليهودية فيها من شمالها إلى جنوبها، أي: من قصر شعشعوع في الأعظمية حتى سدة خضوري في الكرادة، أما الطبقات الشعبية من الطائفة فلقد اتخذت من محلات سوق حنون، عكد الجام، عكد الجنائز، محلة التوراة، بني سعيد الشورجة، شارع غازي، ساحة الأمين.
أما تعداد نفوسهم في العراق فلا نجد غير تخمينات هنا وهناك من قبل بعض الذين كتبوا عنهم، ففي أيام الوالي داود باشا الذي حكم بغداد ما بين سنة 1816-1836م يذكر الرحالة الإنكليزي "ولستد" أن في بغداد حوالي سبعة آلاف يهودي، علماً أن رحلة السيد "ولستد" كانت في العام 1830م وفي مطلع القرن التاسع عشر قدر عددهم في بغداد حوالي (2500) أسرة يهودية، أما في مدينة السليمانية فقد قدر عددهم بـ(300) أسرة، وهم موجودون في مدينة عانة بنسب مختلفة في ذلك الوقت، ولهم جالية ومعبد في كفري، أما في الموصل فهم بحدود ألف نسمة. في إحصاء لجنة الأمم المتحدة في العام 1924م حول مشكلة الموصل ظهر أن في الموصل 3579 نسمة من اليهود، ويذكر يوسف غنيمة أن حكومة الاحتلال قامت بإحصاء لسكان العراق فكان عدد يهود العراق 87448 نسمة موزعين على خمسة عشر مدينة عراقية أكبرها مدينة بغداد، حيث كان يقطنها 50000 خمسون ألف يهودي، وأقلها مدينة كربلاء، حيث كان اليهود فيها لا يتجاوزون المائة وستون فرداً.
أما في إحصاء عام 1947م، فلقد بلغ تعدد اليهود في العراق 117877 مائة وسبعة عشر ألف وثمانمائة وسبعة وسبعون نسمة، وخلال مدة ثلاثين عاماً أي من تاريخ تعداد الاحتلال 1917م وحتى تعداد 1947م كانت بغداد تضم أكبر عدد منهم، إذ وصل تعدادهم فيها حوالي 77524 سبعة وسبعون ألفاً وخمسمائة واثنان وأربعون نسمة، وكانت كربلاء والنجف المقدستين لا تحوي غير 39 شخصاً لا غيرهم، أما إحصاء عام 1957 فلم يكن من أبناء الطائفة اليهودية سوى بضعة آلاف من العوائل متمركزة غالبيتها في بغداد، وكان عدد أبناء الطائفة اليهودية بعد عام 1967م قدر ما بين 2500 – 3000 فرداً بينهم عدد كبير من الأغنياء وذوي الاختصاصات، وفي أواسط الثمانينات لم يزد عدد يهود العراق أكثر من 500 نسمة، وكان لليهود مقبرة خاصة بهم تقع في شارع الشيخ عمر". (9)
هجرة اليهود من العراق:
بعد أكثر من 2500 عام على أول وجود لليهود في أرض العراق القديمة، بدأت هجرات اليهود المنظمة تخرج من العراق باتجاه فلسطين المحتلة، عن طريق الحركة الصهيونية العالمية التي حاولت إغراق فلسطين المحتلة بالشتات اليهود من كل مكان في العالم من أجل صنع وطن لهم في أرض عربية مسلمة.
السؤال الذي يثير نفسه هنا: لماذا قرر اليهود بعد أكثر من 2500 عام من الاستقرار في أرض العراق التي ولد فيها أجداد أجدادهم، والتي أصبح لهم فيها مكانة معينة، وتجارة نشطة، وحرية واسعة..
الجواب هو نفس الجواب الذي سيثار حول هجرة جميع اليهود الشتات في العالم، من أثيوبيا أو أمريكا أو روسيا أو بولندا أو أي بلد آخر.
إذ بات من المعروف عالمياً أن المنظمة الصهيونية العالمية سعت وتسعى من أجل استقدام جميع يهود العالم إلى أرض فلسطين المحتلة بأي ثمن، حتى لو كان هذا الأمر على حساب أرواح بعض اليهود.
تاريخ غرس اليهودية في العراق:
ينقل الدكتور عدنان الباجة جي في كتابه (سيرة وذكريات) عن أحد الأعضاء اليهود في مجلس الأعيان العراقي، (وهو عزرا مناحين دانيا) كلمته خلال جلسة المجلس المنعقدة في 18 يوليو/تموز عام 1948م، حيث قال فيها:
".... إلا أنني أرى من واجبي الآن أن أستعرض تاريخ غرس الصهيونية في العراق، والعوامل التي اعتمدتها لغاية تنوير المجلس العالي، وليتخذ منها عبرة في المستقبل عند توجيه سياستنا العراقية،
ففي أواسط سنة 1925ميلادية، أي بعد تشكيل الحكومة بقليل حضر إلى العراق مندوب من قبل الجمعية الصهيونية في فلسطين لغرض تأسيس وكالة صهيونية ونادي ومدرسة في هذا البلد، لترويج مبادئ الصهيونية لدى الجيل الناشئ، وبث الدعاية للهجرة إلى فلسطين.
هال هذا الأمر الطائفة الإسرائيلية فاجتمع وجهاؤها وتباحثوا فيما يؤول إليه الأمر من إنشاء هذه الفكرة من النتائج الوخيمة، وقرروا واعتمدوا وفداً لدى المراجع ذات الشأن لأجل منع هذه، وراجع الوفد دائرة السامي البريطاني بالنظر لما كان معروضاً أن إشارة خفيفة من هذا الجانب تكون كافية لمنع هذه التشكيلات، وبالنظر لما كان ينتظر من هذا الجانب من العطف على هذه الدولة الفتية التي لم تلبث أن شكلها وأن سكانها من العرب واليهود عاشوا متحابين مطمئنين الواحد من الثاني في عصور عديدة تتجاوز الألفين سنة.
ولكن فضلاً عن أنه لم تثمر هذه الجهود بأي نتيجة، رأينا مندهشين أن الحكومة العراقية ذاتها تبنت هذا المشروع، مشروع غرس نواة الصهيونية في العراق بسماحها بتأسيس وكالة صهيونية ونادي ومدرسة بإجازة من المعارف ذاتها، بدأت هذه المؤسسات ببث الدعاية لترويج وتحبيذ الصهيونية في العراق، وتشجيع الهجرة إلى فلسطين تحت رعاية الحكومة وحمايتها.
أن المعتمد الذي عينته الوكالة الصهيونية في فلسطين للعراق كان معترفاً به رسمياً وكانت دائرة السفر والجنسية لا تعطي جواز سفر إلى فلسطين إلا أن يصادق على هذا الجواز المعتمد المذكور، بالوقت ذاته اتخذت الحكومة العراقية تدابير معاكسة في نشر الدعاية الصهيونية في المدارس الرسمية وفي وحدات الجيش وفي المطبوعات، وعندما قامت المظاهرات (ضد السر الفرد موند) عند قدومه للعراق في 1928م باعتباره أحد أقطاب الصهيونية، لم تفكر بإلغاء إجازة المدرسة الصهيونية الممنوحة من قبلها، بل استثمرت هذه المدرسة والمؤسسات الأخرى في أعمالها، ولم تقدم الحكومة على إلغائها إلا بعد أن قامت الطائفة الإسرائيلية باحتجاج شديد لدى أولياء الأمر على هذه الأعمال ذات الوجهين، وكان ذلك في العام 1934م، أي بعد اثنتي عشرة سنة من تأسيس هذه التشكيلات، ويشهد على ذلك من كان في مسؤولية الحكم في ذلك التاريخ".(10)
على غرار عملها في معظم دول العالم، حاولت الصهيونية، وتحاول، استدراج جميع اليهود الموجودين في العالم، وتوطينهم في فلسطين المحتلة، من أجل خلق وطن قومي لهم على أرض عربية، لن تتحقق بدون وجود العنصر البشري، وبأعداد كبيرة، تحقق لها نمواً سكانياً وعمرانياً واقتصادياً وعسكرياً..
ومن بين الدول التي دأبت على استدراج اليهود فيها هي دولة العراق، والتي كانت تضم مئات الآلاف من اليهود، الذين يعيشون جنباً إلى جنب مع الشعب العراقي المسلم.
ولم يبق اليوم من اليهود في العراق سوى أعداد قليلة لا تتجاوز العشرات من كبار السن، رغم أن عدد يهود العراق، كان يأتي في المرتبة الثانية من عدد اليهود العرب بعد يعود المغرب، وبلغ تعداد يهود العراق في منتصف القرن الماضي، أي بعد قيام إسرائيل نحو 120 ألف يهودي، وتراجعوا سنة 1958م إلى ستة آلاف، ثم تناقصوا سنة 1969م إلى ألفين وخمسمائة يهودي!
هذا غير اليهود الأكراد الذين بلغ عددهم 100 ألف (موسوعة اليهود واليهودية د.عبد الوهاب المسيري)، وفي المقابل كان يهود البلاد العربية يشكلون أقلية صغيرة بالنسبة ليهود العالم، وأصبح اليهود العرب يشكلون أغلبية سكان إسرائيل.
وقد استطاعت الحركة الصهيوني اجتذاب هؤلاء اليهود من العراق بطرق تحريضية وقسرية، حيث افتعلت بعض الأحداث بين اليهود، واستغلت أحداثاً أخرى.
ومن هذه الأحداث ما أطلق عليه اسم "أحداث فرهود" سنة 1941م.
أحداث فرهود:
يقول شيخ المؤرخين العراقيين السيد عبد الرزاق الحسني واصفاً لما حدث في أحداث فرهود التي واكبت هزيمة الكيلاني وجنوده في صد التدخل البريطاني في العراق عام 1941م:
" صادف يوم الأحد أول حزيران 1941م عيد زيارة النبي يوشع عند اليهود، فخرج لفيف منهم إلى المطار المدني للتنزه، وللتفرج على مهرجان استقبال الأمير عبد الإله، وكان فريق من المسلمين والمسيحيين قد خرج إلى هذا المطار للغرض نفسه، فحدثت مشادة كلامية بين أحد اليهود وأحد المسلمين، أدت إلى ضرب ولكم، اشترك فيهما لفيف من الفريقين، وأسفرا عن جرح سبعة عشر يهودياً ووفاة اثنين من المجروحين، فأسف الجميع لهذا الحادث غير المنتظر، وعد حادثاً اعتيادياً انتهى باعتقال المعتدين، فلما كان مساء اليوم المذكور أذاعت متصرفية لواء بغداد البيان الآتي على طلب من (لجنة الأمن الداخلي).
(يسمح للجمهور التجول في العاصمة وضواحيها ليلاً كالسابق، بدون تحديد الوقت اعتباراً من مساء الإثنين الموافق 2/6/1941) – متصرف لواء بغداد –
وعدَّ الجمهور من مسلمين ومسيحيين ويهود أن الحالة في العاصمة أصبحت اعتيادية، وأن لكل واحد أن يتمتع بكامل حريته، دون أن يدركوا ما كان يبيته القدر، فلما كان اليهود يرتادون مجالس النزهة والتسلية ونوادي الترف والفرح، ويعلنون عن انشراحهم بانتهاء الحركات العسكرية واندحار الكيلاني وجماعته، حتى وجدوا قطعات الجيش العراقي تنسحب من ميادين القتال وعليها آثار الخيبة والكآبة، ويظهر أن بعض الشبان (اليهود) أظهر شماتته بهذه النتيجة، وأسمع الجيش المنسحب الكلمات الاستفزازية.
وكان الجيش البريطاني الزاحف على بغداد يلتمس وسيلة لمشاغلة الأهلين، على نحو ما فعله بالعشار في صباح يوم السابع من آيار 1941م، كما أن أنصار السيد الكيلاني كانوا يبحثون عن وسيلة لإقلاق الرأي العام، فحصلت مناوشات كلامية بين الفريقين (من يهود وقوات الجيش العراقي المنسحب) في نحو الساعة الثامنة مساء تطورت إلى التدافع، فتضارب فاقتتال، فأسرعت سيارة الشرطة إلى موضع الاضطراب، واستطاعت أن تعيد الأمن إلى نصابه.
وخرج الناس إلى الشوارع العامة في صباح اليوم التالي (2 حزيران) وهم لا يعلمون عن حوادث الليلة الماضية إلا شيئاً يسيراً، وكانت القطعات العراقية مستمرة في انسحابها، تنسحب من (معسكر الوشاش) في جانب الكرخ إلى (معسكر الرشيد) و(الفلعة المدفعية) في جانب الوصافة عابرة (جسر المأمون) فتكررت حركات الشبان اليهود الاستفزازية وغلا الحماس في نفوس فريق من الشبان المسلمين، فحدثت تراشقات مؤسفة بين شبان الفريقين، تطورت إلى مصادمات دامية.
ولما كانت العاصمة بقيت بدون حكومة مسؤولة، هاجم الأعراب المحيطون بها بعض الأنحاء، وشرعوا في نهب البيوت والأسواق، وانضم لفيف من الرعاع إلى هؤلاء الأعراب فوقعت حوادث أدمت القلوب وخلقت الرعب في نفوس الناس، وكان الزعيم الركن حميد نصرة في داره بالكرخ، وبصفة كونه ممثل الجيش في (لجنة الأمن الداخلي) انتقل إلى مقر عمله في الرصافة، واتصل بمدير الشرطة العام حسام الدين جمعة (العضو الثاني في هذه اللجنة) وسأله عن أسباب عدم منع الغوغاء من أعمال السلب والنهب والقتل فرد المدير على ذلك بأن المنع يتطلب استعمال القوة، وأن متصرف لواء بغداد السيد خالد الزهاوي غير موجود ولا يعرف محله ليعطي الأمر اللازم باستعمال القوة بحسب السلطة القانونية المخولة له، وبعد أخذ ورد طويلين، اتصل الفريق إسماعيل نامق بصفة كونه أكبر قائد في الجيش آنئذ اتصل بصاحب السمو الوصي وعرض عليه أن الحالة تتطلب أن يدون سموه أمراً باستعمال القوة لقمع الاضطراب وإنهاء الفوضى فوافق على هذا العرض ووقع الأمر الآتي نصه:
إلى رئاسة أركان الجيش
بناء على عودتي للعراق، فقد توليت السلطة بكاملها لذا آمركم أن تقوموا بمنع المظاهرات الموجودة في البلد الآن، وضرب العابثين منهم بالنظام والناهبين والمعتدين على الأهلين، ولكم مطلق الحرية في استعمال السلاح لهذه الغاية إذا تطلب الأمر ذلك.
2حزيران 1941م الوصي على عرش العراق: عبد الإله
فأسرع لواء الخيالة ومعه بعض السرايا من المشاة المدججين بالسلاح إلى النزول في شوارع العاصمة وأسواقها وأعقبتها السيارات المصفحة، فاحتلت مداخل الشوارع الرئيسية وأقامت المتاريس على مفترقات الطرق، وشرعت في إطلاق النار في نحو الساعة الحادية عشر والنصف، فقتل 110 نسمات وجرح كثيرون، وصدر على الإثر هذا البيان بتوقيع رئيس أركان الجيش محمد أمين العمري الذي تولى هذا المنصب في هذه المدة العصيبة:
إلى الشعب العراقي الكريم
سبق إذ أذاعت عليكم (لجنة الأمن الداخلي) بياناً رسمياً من عقد الهدنة مع الحكومة البريطانية وفقاً لشروط شريفة حفظت لنا استقلال بلادنا، وعرف جيشنا الباسل غير منقوصين، فالجيش الذي كان لا يزال الحارس الأمين للبلاد وحقوقها قد أخذ على عاتقه في هذه الآونة العصيبة من تاريخ بلادنا السيطرة على الموقف سيطرة كاملة، وذلك بغية توطيد الأمن في البلاد، وتمهيداً لفتح صفحة جديدة في حياة هذه الأمة التي أثبتت جدارتها للحرية والاستقلال،
ولهذا نطلب من أبناء شعبنا الكريم مؤازرتنا، مؤازرة فعلية لحفظ حقوق الأفراد وملازمة الهدوء والسكينة في كافة أنحاء المملكة،
وبمناسبة قيام بعض الغوغاء بأعمل دنيئة في العاصمة، فإني أعلن منع التجول منعاً باتاً منذ الآن وحتى إشعار آخر، وقد أصدرت أمراً قاطعاً بإطلاق الرصاص على كل شخص يخالف هذا الأمر، أما أولئك الذين يحاولون الاعتداء على حرمة البيوت والمتاجر فيعدمون أينما وجدوا.
فيا أبناء الوطن الكريم اثبتوا للعالم في هذه اللحظة الرهيبة من تاريخ أمتنا أنكم أهل للحرية، وجديرون بالاستقلال الذي تمتعتم بحلاوته، فتعاونوا مع جيشكم الباسل في حفظ السكينة والهدوء لحين تأليف الوزارة الذي سيتم قريباً وفقاً للأسس الدستورية.
بغداد 2حزيران 1941 رئيس أركان الجيش: محمد أمين العمري"(11).
الحركة الصهيونية تفتعل تفجيرات عام 1950م:
أيقنت الحركة الصهيونية بعد تلك الأحداث، وبعد الفشل في الاستحواذ على اليهود العراقيين وإرغامهم على الهجرة إلى فلسطين المحتلة أن هنالك طريقة واحدة يمكن أن تحقق لها النجاح في مهمتها الصعبة، فليس من السهل أبداً إرغام آلاف اليهود الذين يعيشون في أمن وسلام في العراق، ويتمتعون بنفوذ تجاري ضخم يستحوذ على تجارات معينة كالذهب والصرافة، أن يتركوا كل شيء ويذهبوا إلى وطن مصطنع.
قررت الحركة الصهيونية أن العنف و الرعب هما السلاحان الوحيدان اللذان يمكن أن يجبرا اليهود العراقيين لمغادرة بلادهم، لذلك ومع بداية عام 1950م، بدأت هذه الحركة بتنفيذ مخطط العنف والإرهاب.
" ففي 8/4/1950م وفي الساعة التاسعة والنصف مساء يوم السبت المذكور، وعندما كان يهود بغداد عائدين إلى بيوتهم بعد أن تمتعوا بتمضية عطلة نهاية الأسبوع في شارع أبي نواس تصحبهم عوائلهم، إذ يدوي انفجار هائل عنيف لم تعتد على أمثاله مدينة بغداد الآمنة يهز شارع أبي نواس، و مكان الحادث بالضبط يقع في الشارع الفرعي الذي يربط شارع السعدون بشارع أبي نواس، وهو الفرع الثاني عند مدخل شارع أبي نواس الذي تقع فيه كازينو البيضاء، لم يسفر الانفجار المذكور عن أية ضحايا، بل جرح بعض الأفراد نتيجة تطاير شظايا القنبلة المنفجرة.
وعند قيام السلطات الشرعية بإجراء التحقيق البدائي لم يتمكنوا من العثور على أية أدلة لتوجيه التهمة لأي كان، ووضع الحادث تحت أنظار المسؤولين، وأعلنت السلطات بأن التحقيقات ما زالت جارية، أخذ الناس يتناقلون الخبر غير السار بينهم من الخلف، ولقد ظهر ذلك واضحاً على أبناء الطائفة اليهودية، حيث شنت حملة إعلامية من قبل أطراف صهيونية ضليعة بالحادث الإجرامي المذكور لتهويل ما حدث، وإعطاء مفهوم بأن مستقبلاً مظلماً لا يعرفه إلا الله بانتظار الطائفة اليهودية إذا ما هي أصرت على البقاء في العراق،
وما الذي حدث مساء السبت إلا نذير العاصفة ووحدت الأيدي الصهيونية العاملة، أما رد الفعل للانفجار الأول عند أبناء الطائفة لم يكن كما ينبغي حسب المخطط المرسوم له، فقد عدَّ ما حدث غير مقصود ضد جهة معينة رغم كثافة الإعلام الصهيوني المضاد وخاصة وأنه لم تتمخض عنه أي خسائر بشرية أو مادية ذات قيمة، فانتبهت الصهيونية إلى ذلك وصارت في حيرة من أمرها وهي الداعية العاملة على تهجير يهود العراق بكل وسيلة ممكنة وبأسرع وقت مستطاع، فأجلت القيام بالمزيد من عمليات الانفجار قرابة الثمانية أشهر حين حصل الانفجار الثاني بتاريخ 14/1/1951م عند كنيس مسعود شمطوب على إثر انفجار قنبلة يدوية، أما الانفجار الثالث فقد وقع في بناية مكتب الاستعلامات الأمريكية الكائن في شارع الرشيد 19/3/1951م باب الأغا، وألحق بانفجار رابع على منطقة أنبية لاوي للسيارات، والذي استعملت فيه مادة متفجرة وانتهت هذه الحوادث بحادث الانفجار الأخير الذي وقع قرب بناية ستانلي شعشعوع في شارع الرشيد، هذه هي سلسلة الانفجارات التي أريد بها زعزعة النظام في العراق والعمل على إراقة الدماء فيه، وعلى إثر ذلك أصدرت الدوائر المتخصصة بياناً حول الأحداث أعلنت فيه أن الحكومة عازمة على الضرب بيد من حديد على كل من تسول له نفسه العبث بالأمن في هذا البلد، ومما جاء في البيان المذكور الذي صدر بتاريخ 16/1/1951م أن الحكومة باذلة أقصى ما في وسعها لمعرفة الجناة فضاعفت الشرطة جهودها من التحقيقات والتحريات تبين وجود شبكات جاسوسية في بغداد، فألقي القبض على شخصين هما العقل المدبر للشبكة، وتوصلت إلى معرفة شركائها الفعليين فألقي القبض على أغلبهم، ولقد تبين أيضاً الذين قاموا بإلقاء المتفجرات هم من المقبوض عليهم، وكان غرضهم الإخلال بالأمن وإظهار العراق أمام الرأي العام العالمي على غير حقيقته، وكذلك كشف الحقيقة أن هناك متفجرات وأسلحة من أنواع مختلفة أخفيت في محلات عديدة من دار المتهمين يوسف وسليم ولدي عبد الله مراد خبازة الواقع في محلة البتاوين، ومن جملة ما عثر عليه وثيقة مؤرخة في 4/4/1950م تشير إلى وجود أسلحة في كنيس عزرا داود الواقع في البتاوين، كذلك عثر على خرائط ذات أهداف عسكرية وسجلات بأسماء الأعضاء المنتسبين إليها أحيل المتهمون الذين ألقي القبض عليهم وأودعوا التوقيف، وهنا حصل ما لم يكن بالحساب فقد استطاعت الصهيونية توكيل أبرز محامي العراق للدفاع عن المتهمين، وفعلاً فقد تم طلاق سراح أخطر المتهمين الموقوفين أمثال: (نسيم موشي نسيم) الذي كان قد توكل عنه المحامي الكردي جلال بابان الذي كان يشغل منصباً وزارياً سابقاً بعد أن ربط بكفالة مقدارها (600) دينار، وتمكن بعدئذٍ من الهرب إلى تل أبيب، وانبرت الصحافة الوطنية تهاجم أولئك المحامين الذين توكلوا في قضايا اليهود"(12).
الهجرة وإسقاط الجنسية:
لم تكن الحركة الصهيونية لتستطيع عن طريق هذه التفجيرات والأحداث الدموية أن تحقق هدفها الذي تطمح إليه إلا من خلال تعاون الحكومة العراقية نفسها، كأن تصدر قانوناً لهجرة اليهود على سبيل المثال.
وبالفعل فقد كشف نعيم جيلاوي اليهودي العراقي المقيم في نيويورك مؤخراً، عن جانب من نشاط الحركة الصهيونية في العراق، والذي يقوم فيه.. "تم لقاء بين بن جوريون ونوري السعيد سنة 1948م في فيينا بترتيب خاص من السلطات البريطانية،
وطرح خلال هذا اللقاء كلب بن جوريون تسهيل هجرة اليهود العراقيين إلى إسرائيل، واستقبال العراق عدد من الفلسطينيين، وأن ينقل يهود العراق بشاحنات عراقية عن طريق الأردن.
وكان رأي الإنجليز أن هذه مقايضة لم يحن أوانها بعد.
وبعدها أرسلت إسرائيل مردخاي بن بوارت إلى بغداد، الذي وعد نوري السعيد بمساعدات مالية كبيرة، إذا صدر قانون يجرد اليهود العراقيين من الجنسية..".
وهو ما وقع بالفعل بعد ذلك عام 1950م، عندما شكل توفيق السويدي وزارته، وكان صالح جبر وزيراً للداخلية، وأصدرت الحكومة قانون إسقاط الجنسية عن اليهود الراغبين في ترك العراق!"
و بعد أحداث المتفجرات التي وقعت في مناطق مختلفة من مدينة بغداد ، وجدت وزارة توفيق السويدي الوقت المناسب لإصدار قانون الهجرة اليهودية والذي بموجبه يحق لكل يهودي عراقي أن يترك العراق بإرادته، وذلك في خلال مدة معينة من تاريخ اعتبار القانون المذكور نافذ المفعول، ولقد دافع توفيق السويدي ووزير داخليته صالح جبر عن الأسباب الموجبة لإصدار القانون، وادعوا أنه كان من أجل مصلحة الوطن والشعب حفظاً على سلامة الاقتصاد العراقي، حيث كانت هناك معارضة قوية داخل البرلمان ضد إصدار هذا القانون.
وورد في إفادة توفيق السويدي رئيس الوزراء عندما تم إسقاط الجنسية عن اليهود، وبعد أن اتهم بالضلوع في مؤامرة ترحيل اليهود إلى فلسطين المحتلة ما يلي "أنا سيدي أحب أن أسترعي أنظار المحكمة إلى الفائدة التي حصلت من إسقاط الجنسية. الحقيقة اليهود كانوا ما يقرب 120 ألف شخص، وكلهم تقريباً 108 آلاف منهم كانوا في بغداد ومستولين على التجارة وعلى الاقتصاد، وكذلك مؤلفين رتل خاص لهم، وأعتقد أكثركم مطلع على ما كشفته الشرطة بعد ذلك من مخابئ وأسلحة ومفرقعات... إلخ، فأنا وجدت طالما أن إسرائيل أصبحت عقدة من العقد في بطن الدول العربية لا يمكن أن يعول على مقدار كبير مائة وثمانية آلاف شخص من اليهود في استتباب الأمن، وعلى ذلك فأنا الذي عملت قانون إسقاط الجنسية وأفتخر؛ لأنه لم أحب أن أسقط عنهم أنا الجنسية، وإنما قلت لهم: بإمكانكم رفض الجنسية العراقية، وإذا رفضوا فلهم الحق أن يبقوا شهراً وبعدها يجب أن يسافروا ويأخذوا معهم 25 دينار فقط".!!
اعترافات يهودية عن دورهم في التهجير:
كتب نعيم جيلاوي اليهودي العراقي مقالاً حول "يهود العراق"، وهو الذي أصدر كتاب "فضائح بن جوريون" وكيف أخرجت الموساد والهاجانا اليهود من ديارهم"، والذي اعترضت عليه الرقابة في إسرائيل، ونشره على نفقته في أمريكا، وهو يبلغ من العمر تسعة وستين عاماً، ويعترف أنه ارتكب أعمالاً في صباه عندما كان في الثامنة عشرة من عمره، اشترك مع الحركة الصهيونية في أعمال بهدف دفع يهود العراق إلى الرحيل، وهو يعد نفسه ينتمي إلى الثقافة العربية، فهو عربي الثقافة، يهودي الديانة، أمريكي الجنسية.. "فنحن اليهود القادمين من البلاد الإسلامية لم نغادر ديارنا نتيجة أي صورة من صور العداء للسامية، لذا أطالب الولايات المتحدة بوقف تأييدها للعنصرية في إسرائيل، والمتمثلة في التفرقة بين اليهود والفلسطينيين، وبين اليهود الاشكناز والسفارديم، ووقف تأييدها للاستيلاء على أراضي الغير..".
ويروي قصته أو قل اعترافاته، وكيف ألقي القبض عليه خلال قيامه بتهريب اليهود من الحدود العراقية الإيرانية سنة 1947م "رغم أني كنت أعيش سعيداً مع عائلتي في مدينة الحلة القريبة من مدينة بلبليون، ورفضت عائلتي الحركة الصهيونية، وتمكنت من الهرب من سجون العراق في سبتمبر 1949م، واستقر بي المقام في إسرائيل، حيث عانيت من العنصرية، وهناك اختفى الحلم الصهيوني أمام ضراوة العنصرية، وتبينت أن الاشكناز يعملون على تشجيع اليهود العرب على الهجرة إلى إسرائيل، حتى يوفروا لهم عمالة رخيصة.
ونجحت الحركة الصهيونية في تهجير 125 ألف يهودي من العراق، بين سنتي 1940م و1952م، عن طريق ترويعهم، وبقيت أسرتي ضمن ستة آلاف يهودي تمسكوا بالبقاء في العراق.
وقادته تجاربه المريرة ومعاناته من العنصرية إلى الانضمام إلى حركة "الفهود السود"، ثم يستعرض ما قامت به الصهيونية بجبر يهود العراق على الهجرة، ولا يكتفي بذكر أقوال مرسلة، بل يقدم معلومة موثقة، وشهادة شهود عاشوا جانباً من هذه الأحداث.
ثورة الكيلاني
ويقدم تحقيقاً موثقاً عن وقائع "المذبحة" التي وقعت لليهود في منتصف سنة 1941م أثناء الحرب العالمية الثانية، مؤكداً أن السلطات البريطانية هي التي دبرت وحرضت عليها، واشترك فيها عدد من رجالها، حتى يصبح التوتر العنصري ذريعة لتدخل القوات البريطانية بحجة فرض القانون والنظام.
ووقعت تلك المذبحة في ظل صراع حاد بين السلطات الاستعمارية والحركة الوطنية، عقب قيام ثورة رشيد عالي الكيلاني سنة 1940م، وسقوط وزارة نوري السعيد.
وبدأت الاضطرابات بعد سقوط رشيد عالي الكيلاني وفراره إلى إيران، وحصل التمهيد لهذه الفتنة من البصرة ثاني أكبر المدن العراقية، والتي كان يعيش بها ثلاثون ألف يهودي، عندما نشرت الصحف في عناوين كبيرة على الصفحات الأولى "يهود البصرة يستقبلون القوات البريطانية بالورود"! وعندما بدأ الشغب، وأغار الغوغاء على أحياء اليهود ومحلاتهم، ووقعت مذبحة استمرت يومين في أول يونيو سنة 1941م.
هذه هي الوقائع التي يحققها ويعلق عليها نعيم جيلاوي ويقول: "كانت العلاقات بين يهود العراق وبقية المجتمع العربي جيدة، واشترك عدد من اليهود في ثورة رشيد الكيلاني، فكيف انقلبت الصورة؟
ويستشهد بأقوال الصهيوني يوسف ماير، اليهودي العراقي الذي يعيش في إسرائيل.."بعد فشل ثورة رشيد الكيلاني، قامت السلطات البريطانية بإشعال الفتنة في بغداد، حتى تتدخل قوات الاحتلال.."، ويعلق نعيم جيلاوي.. "أن أقوال ماير صحيحة، وتأكدت منها، عندما التقيت في الأربعينيات في إيران، بأحد الممرضين الذي كان يعمل في مستشفى بغداد، خلال وقوع هذه الأحداث، وهو أرمني اسمه ميشيل تومسيان، والذي قال له، أثار اهتمامه اثنان من المصابين استقبلهما المستشفى، وكلاهما ادعى الصمم وعدم القدرة على الكلام، أحدهما أصيب بطلقة في كتفه والآخر في دقمه، ورفض كل منهما خلع ملابسه لإزالة آثار الدماء، وتبين أنه حول رقبة أحدهما أداة التعريف بشخصيته، والتي تستخدمها القوات البريطانية، والثاني لديه وشم هندي على كتفه، أي أنه من القوات الهندية المصاحبة للقوات البريطانية، وأخرجهما من المستشفى في الصباح الباكر لليوم التالي أحد الضباط البريطانيين.
ولا يكتفى بهذا الدليل على ما وقع، ولكنه يستشهد بإحدى محاضرات دافيد كيمحي في لندن، عندما سئل عن المذابح التي ترتكبها القوات الإسرائيلية ضد المدنيين، استفزه السؤال فقام بتذكير الحضور بما قامت به القوات البريطانية في مذبحة بغداد سنة 1941م.
ويضيف "إنه رجل يعرف الحقيقة، فقد عمل في المخابرات البريطانية ثم في الموساد وأخيراً مديراً لوزارة الخارجية الإسرائيلية.." لذا لم يعد لدي شك أن الطلقات التي أطلقت على اليهود عام 41 كانت مخططة من السلطات البريطانية بدوافع سياسية".
قنابل صهيونية
ويستعرض بعد ذلك أحداث 19 مارس سنة 1950م، عندما انفجرت القنابل في أماكن تجمع اليهود في بغداد، فانفجرت المتفجرات في المركز الثقافي الأمريكي والمكتبة الأمريكية, مما أدى إلى تدمير وإصابة عدد من المواطنين.
ويؤكد أن هذه العمليات كانت بتدبير المنظمات الصهيونية لحث اليهود على الهجرة، وهي وقائع تشبه وقائع فضيحة "لافون" في مصر، عندما سعى الموساد إلى تفجير بعض المراكز الأمريكية حتى يوقع بين حكومة الثورة في مصر والولايات المتحدة، وانفجرت المتفجرات في بغداد لدوافع سياسية أيضاً.
وبعدها قامت سيارة في 8 أبريل 1950م يقودها ثلاثة شبان، وألقت قنبلة على مقهى الدار البيضاء في بغداد، وهو المقهى الذي اعتاد اليهود اللقاء فيه، وأصيب أربعة منهم بإصابات خطيرة.
ويقول أهارون بريجمان في كتابه (تاريخ إسرائيل): إن اليهود كانوا ينقلون من العراق إلى إسـرائيل في عملية تسمى "عزرا ونحميا"، والتي استمرت من مايو 1950م حتى ديسمبر1950م.
واللافت للنظر قول السير فرانس همفري السفير البريطاني في بغداد: "يتمتع اليهود في العراق بامتيازات فريدة تزيد عن أي أقلية أخرى في أي بلد آخر حتى تدخلت الصهيونية بين العرب واليهود.
لذلك سارع الصهاينة بتوزيع منشورات في المعابد تحتوي على شعارات تسيء إلى العلاقات بين اليهود وباقي شعب العراق، مثل: "لا تشتروا من المسلمين"، ثم تحريضهم على الهجرة إلى إسرائيل،
وتتابع إلقاء المتفجرات وإطلاق الرصاص ومع تتابعها تزايدت هجرة اليهود إلى إسرائيل.
والملاحظة الجديرة بالتسجيل – وما زال الكلام للسيد نعيم جيلاوي – أنه خلال حرب فلسطين سنة 1948م، لم يمس أي يهودي، ولم تكن هناك أحداث جديدة في سنتي 1950م و1951م تثير الضغينة والمشاعر ضد يهود العراق، والحقيقة المرعبة أن القنابل التي انفجرت، والمدافع التي أطلقت كانت بأيد صهيونية.
وقد نشرت مجلة هحولام هازيه عام 1966م مقالاً بقلم يوري أفندين اتهم فيه صراحة مردخاي بن بورات بالمسؤولية عن ا نفجارات بغداد، وما زال يهود العراق يطلقون عليه "مراد أبو القنابل" ومراد هي مردخاي بالعبري.
وتتوالى الأسرار، وأن الكثير من المعلن غير ما هو خفي، والظاهر ليس مثل الباطن، ويؤكد جيلاوي أن عبد الكريم قاسم بعد ثورة 1958م، أرسل وفداً عراقياً للاتفاق مع إسرائيل، ويزعم أن بن جوريون رفض استقبال الوفد؛ لحرصه على استمرار التوتر بين العرب وإسرائيل لكي يخدم سياسته في هذه المدة
وفي هذه المرحلة، رفعت ثورة 1958م عن اليهود كل القيود، بل وألغى قانون إسقاط الجنسية.
ومن ناحية أخرى أصدر محسن الحكيم مرجع الشيعة الأعلى، ووالد محمد باقر الحكيم – فتوى بضرورة حسن معاملة اليهود ورفع أي ظلم عنهم.
وسمحت العراق لليهود الذين هاجروا إلى إسرائيل بحق العودة.
ويختم نعيم جيلاوي مقاله بالقول: "لقد سجلت تلك الحقائق التاريخية مع علمي أن الأسهل على العالم أن يقبل كذبة بسيطة على أن يقبل حقيقة مركبة، فأسهل على العالم أن يقبل ادعاءات الصهيونية بهجرة اليهود نتيجة العداء للسامية، وأن يقبلوا أن الإسرائيليين وليس العرب هم طلاب السلام"!
الهوامش :-
1 - من كتاب (ملامح التاريخ القديم ليهود العراق) تأليف الدكتور أحمد سوسة. الطبعة الثانية (ص:57)
2- ملامح من التاريخ القديم ليهود العراق. مرجع سابق(ص:125-126).
3- ملامح من التاريخ القديم ليهود العراق. مرجع سابق (ص:126).
4 - كتاب (المفسدون في الأرض) للمؤلف س . ناجي _ص:70) نقلاً عن (أنبياء الأرض) للودس (ص:202).
5- كتاب (نزهة المشتاق في تاريخ يهود العراق) للمؤلف يوسف غنيمة (ص:61).
6 - (نزهة المشتاق في تاريخ يهود العراق). مرجع سابق (ص:67).
7 - ملامح من التاريخ القديم ليهود العراق. مرجع سابق(ص:193-194).
8- كتاب (يهود العراق)، ليعقوب يوسف كوريه. الطبعة الأولى 1998 (ص: 10- 13).
9 - كتاب (يهود العراق) مرجع سابق (ص: 14، 16- 17).
10 - كتاب (سيرة وذكريات) الدكتور عدنان الباجة جي، مزاحم الباجة جي (ص:124).
11 - كتاب (يهود العراق) مرجع سابق (ص:143-147 )
12- كتاب (يهود العراق) مرجع سابق (ص:115- 117)
أول ظهور لليهود في أرض العراق القديمة:
يعد أول وجود لليهود في أرض العراق القديمة مسألة مختلف عليها دينياً، حيث يدّعي اليهود أن تاريخهم يرجع إلى عهد إبراهيم الخليل _عليه السلام_، وأنهم كانوا بصحبته مهاجرين من بلاد الرافدين إلى فلسطين، ولم يكن عددهم في تلك الهجرة الجماعية يزيد على أربعة آلاف نسمة، غير أن الكثير من الباحثين يحددون تاريخ ظهور أول مجموعة يهودية في العراق في أواخر القرن السادس وأوائل القرن السابع قبل الميلاد، وأن هذا التاريخ يأتي متطابق مع تاريخ السبي الآشوري إلى شمال العراق بحدود عام 626ق.م طبقاً لسياسة الإمبراطورية الآشورية في تشتيت الأسرى الواقعين تحت سيطرتهم إلى عدة مناطق نائية منعزلة عن أي تجمع سكاني قريب آخر، وذلك لعدم إمكانيتهم التجمع والتكتل والتعاطف مع أي مجتمعات أخرى، خوفاً من تطييعهم معها، وبالتالي إمكانية عودتهم إلى المناطق التي نزحوا منها وهم في الأسر.
وتأيداً لهذا الأمر يخبرنا الله _تبارك وتعالى_ في كتابه الكريم بأن اليهود لم يكونوا مع نبي الله إبراهيم _عليه الصلاة والسلام_، {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْأِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ} [آل عمران:65]
معظم كتب التاريخ، بالإضافة إلى الرقم والنقوش الموجودة على الألواح الطينية والصخرية، (ومنها ما دونه أحد ملوك الدولة الآشورية الملك سنحاريب) تؤكد أن أول وجود لليهود في أرض العراق القديمة هي في القرن السادس قبل الميلاد، والتي حدثت عندما نقل الآشوريون إلى منطقة آشور القديمة (مناطق في العراق) اليهود الموجودين في أرض فلسطين القديمة في ثلاث حملات متتالية على إسرائيل ويهوذا بلغ ما يربو على أربعمائة ألف نسمة،
ففي الحملة الأولى استولى الملك تجلات بلاشر الثالث على كل مدن إسرائيل عدا (السامرة)، ونقل جميع سكان هذه المدن إلى آشور، ومع أنه لم يذكر عددهم، إلا أن أغلب الظن أن الرقم كان يزيد على المائتي ألف نسمة إذا قسنا هذه الحملة بحملة سنحاريب التي نقل فيها أكثر من مائتي ألف نسمة من يهوذا وحدها، ولما كانت يهوذا تؤلف سبطين، وإسرائيل تؤلف عشرة أسباط على قول التوراة فيكون ما قدرناه عن عدد الذين نقلهم تجلات بلاشر الثالث من جميع مدن إسرائيل بمائتي ألف نسمة أو ما يزيد تقديراً معتدلاً، ثم ينبئنا سرجون الثاني أنه نقل ما تبقى من يهود إسرائيل في مدينة السامرة التي احتلتها في الحملة الثانية ما مقداره 27.290 نسمة، كما أن سنحاريب يدعي في مدوناته أنه نقل من أسرى يهوذا 200.150 نسمة إلى المنطقة نفسها (أي: آشور)، فمجموع هؤلاء يبلغ أكثر من أربعمائة ألف نسمة" (1)
السبي البابلي على يد نبوخذ نصر:
وبعد سقوط الدولة الآشورية، ومجيء الدولة البابلية، حدث السبي البابلي المشهور لليهود على يد الملك نبوخذ نصر الثاني، وهو أشهر ملوك هذه الدولة، حيث حكم البلاد 43 سنة بين سنة 605 وسنة 562ق.م
وجاء السبي البابلي لليهود في حملتين: الأولى في سنة 597ق.م والثانية في سنة 586 ق.م، وحصلت الأولى عندما تمرد الملك (يهوياقيم) ملك يهوذا (608-597ق.م) على (نبوخذ نصر)، وذلك بعد أن أظهر طاعته وخضوعه إلى الملك الكلداني، فشنَّ "نبوخذ نصر" سنة 597 ق.م حملة على (يهوياقيم)، وحاصر أورشليم إلا أن (يهوياقيم) تُوفي أثناء هذا الحصار فخلفه ابنه (يهوياكين) الذي اضطر إلى الاستسلام فسبى "نبوخذ نصر" كل يهود أورشليم وكل الرؤساء وجميع جبابرة البأس وعشرة آلاف صبي وجميع الصناع والأقيان، لم يُبقِ أحداً إلا مساكين شعب الأرض، كما سبى (يهوياكين)وأمّه ونساءه ورجاله من أورشليم إلى بابل، وأخرج (نبوخذ نصر) جميع خزائن (بيت الرب) وخزائن بيت الملك وكسر كل آنية الذهب، ثم عيَّن "صدقيا" عم "يهوياكين" الذي أكَّد ولاءه للملك الفاتح خلفاً ليهوياكين.
كان هذا السبي الأول، ثم تبعه السبي الثاني سنة 586ق.م، وهذا وقع على أثر نقض "صدقيا" لعهد الولاء إلى "نبوخذنصر" إذ دخل في حوالي سنة 589ق.م في تحالف مع المدن السورية والفلسطينية بتحريض من "حوفرا" ملك مصر، الذي كان يطمح أن يستعيد سيطرة مصر على سورية، وهكذا فقد وضع "صدقيا" مصيره في مصر وحلفائها فغضب "نبوخذنصر" غضباً شديداً، وجاء هذه المرة بنفسه على رأس حملة قوية إلى سورية الشمالية وعسكر في "ربلة" على نهر العاصي، وكان ذلك سنة 587ق.م
وأرسل الملك "نبوخذ نصر" من حاصر أورشليم، إلا أن دخول "جوفرا" ملك مصر إلى فلسطين اضطر البابليين إلى رفع الحصار لمحاربته، فظنِّ اليهود أن النصر بات حليفهم، لكن البابليين استطاعوا صد المصريين وإرجاعهم على أعقابهم ثم أعادوا بسط الحصار على أورشليم في الحال، ولم يمضِ وقت طويل حتى تفشت المجاعة وربما الوباء في المدينة مما اضطر اليهود أن يرضخوا ويستسلموا، فدخلت الجيوش البابلية المدينة في اليوم الرابع من شهر تموز سنة 586 قبل الميلاد، أما "صدقيا" فهرب هو وأفراد عائلته، ولكن البابليين لحقوا به في سهول أريحا حيث قبضوا عليه وحملوه إلى "ربله" حيث مقر معسكر الملك نبوخذ نصر، وهناك ذبح أولاده أمام عينيه، ثم فقئت عيناه وأُخذ مكبلاً مع الأسرى إلى بابل، أما أورشليم فخربت ودمرت تدميراً كاملاً فأُحرق (بيت الرب) وبيت الملك وكل بيوت أورشليم وكل بيوت العظماء وسلبت الخزائن ونقلت إلى بابل، وقد خمن عدد الأسرى الذين سيقوا إلى بابل ليلتحقوا باليهود من السبي الأول بحوالي 50.000 نسمة" (2)
ويلاحظ أن بعض المؤرخين كان يظن أن الأسرى من السبي البابلي التقوا بأبناء جلدتهم من الأسر الآشوري، فيوسف غنيمة مؤلف كتاب (نزهة المشتاق في تاريخ يهود العراق) مثلاً كان محتاراً متردداً في الأمر كيف يربط الأسرى من السبي الآشوري "لم يبق منهم باق"، ثم يعود فيقول: "إن قوافل الأسرى من السبي البابلي شاهدوا أبناء جلدتهم جالية ضخمة من أعقاب أسرى شلمناصر وسنحاريب وأسرحدون فتعانقوا معانقة أعز الإخوان وتعاونوا في منفاهم على حفظ كيانهم وصيانة تقاليدهم من كل مس"، والواقع أن الأسرى اليهود من السبي البابلي لم يشاهدوا أبناء جلدتهم من أسرى الآشوريين إطلاقاً؛ لأن الآشوريين كانوا قد أقصوا أسراهم إلى مناطق جبلية وعرة نائية وفرقوهم في مختلف الأنحاء من جبال بلاد آشور، بحيث كان يصعب الوصول إليهم أو الاتصال بهم، إذ كان اليهود من السبي البابلي يعتقدون أن أسرى الآشوريين من أبناء جلدتهم اندمجوا في البيئة الوثنية وأخذوا بالديانة الوثنية، لذلك عدوا بحكم المفقودين أو الأسباط المفقودة، ولو كان التقى أسرى بابل بأسرى السبي الآشوري لذكرت التوراة ذلك أو لذكر ذلك التلمود، ولكن لم نجد أية إشارة فيهما حول ذلك، ويلاحظ أن يوسف غنيمة استدرك قائلاً: "إن اللقاء بين أسرى بابل وأسرى آشور لم يذكره أحد من المؤرخين بل إنه ظن بحت"(3).
اليهود في بابل في زمن الكلدانيين (612-539ق.م):
يظن أكثر الباحثين أن اليهود المسبيين إلى بابل كانوا يحيون في الأسر حياة ضيق وتعاسة تحت كابوس مظالم الكلدانيين وتعسفهم، ومصدر هذه المزاعم هو بعض الكتابات اليهودية التي كانت ترمي من وراء ذلك بث هذه المزاعم لاستدرار العطف على اليهود المسبيين الذين أُبعدوا عن ديارهم في فلسطين، وهذه المزاعم لا تستند إلى البراهين والأدلة؛ لأن أكثر المصادر التاريخية الموثوقة، ومن ضمنها مصادر يهودية تعترف بما روته المصادر الكلدانية، وهو: أن نبوخذ نصر سمح للأسرى أن يصحبوا عائلاتهم وينقلوا معهم ممتلكاتهم ومواشيهم، وتؤكِّد هذه المصادر أن نبوخذ نصر وهب اليهود بعد نقلهم إلى بابل أخصب مقاطعاته وأسكنهم فيها مثل منطقة "نفر" (نيبور) التي كانت تُعد من أغنى مقاطعات بابل، ومنحهم كذلك أوسع الحريات في العمل وممارسة طقوسهم الدينية، وكانت السلطات الحاكمة تعاملهم على أحسن وجه.
ولقد استفاد اليهود كثيراً من الامتيازات التي منحهم إياها الكلدان، فأصبح في صفوفهم الكثير ممن تمرسوا على أساليب الحكم والسياسة وممن أتقنوا الحرف والصناعات المختلفة، وعظم شأنهم بين البابليين".
وتعترف المصادر اليهودية بأنَّ اليهود في بابل أصبحوا في غضون مدة وجيزة أغنى أهل بابل، فبعضهم امتلك الأراضي الزراعية والبعض الآخر كان يزرع بالفعل على الأراضي التي أقطعت لهم، وقد حفروا شبكة من جداول الري والقنوات لإيصال المياه السيحية إلى مزارعهم، وأنشؤوا الحقول والبساتين ووجهوا عنايتهم لوقايتها من الغرق، فأقاموا السدود ونظموا أعمال الري على أحسن وجه، وقد اعتنوا عناية خاصة بتطهير الجداول والمبازل من الراسبات الغرينية، بحيث تحوَّلت هذه المنطقة إلى حقول مثمرة، وكان يعمل بعضهم في حقل التجارة، ويرى البعض أنه لولا أنبياء المهجر الذين كانوا لا ينفكون عن تنبيه اليهود إلى أخطار الانصهار وحثهم على ضرورة التفكير في العودة إلى يهوذا لانصهر اليهود في الشعب الكلداني انصهاراً تاماً بسبب ما توافر لهم من رغد العيش والأمن والاستقرار.(4)
ويعد اليهود بابل وطنهم الثاني، إلا أن شروط المواطنة الأساسية، وهي: الوطن الواحد والتاريخ الواحد والتراث المشتركين غير متوافرة فهم أسرى رهن العبودية لدى الكلدانيين.
اليهود في بابل في زمن الفرس الأخمينيين (539-331ق.م):
استفاد اليهود في أثناء وجودهم في بابل من حضارة البابليين وثقافتهم فاقتبسوا الكثير منها، وخاصة ما يتعلق بفنون الزراعة والري، فأخذ أكثرهم يمارسون الزراعة التي تعتمد على الإرواء الدائم بما في ذلك أساليب شق الجداول وتطهيرها وطرق الإرواء، وفي بابل مارسوا شعائرهم الدينية وواصل كهنتهم أعمالهم الدينية، وهناك مَن يرى أن الكنيس اليهودي كتجمع تعبدي هو من آثار المنفى، وعن هذه التجمعات نشأت الكنس كمؤسسات دينية، ثم استمرت إلى ما بعد العودة وبناء الهيكل من جديد؛ لأنها وجدت أنها تؤدِّي خدمة لا غنى لليهود عنها.
ولما فتح كورش الأخميني الفارسي بلاد بابل (539-538ق.م) سار في فتوحاته حتى احتل سورية وفلسطين ومن ضمنها أورشليم، فسمح لمَن أراد من أسرى نبوخذ نصر الرجوع إلى فلسطين، وأعاد إليهم كنوز الهيكل التي كان قد سلبها نبوخذ نصر، وأمر بإعادة بناء الهيكل في أورشليم على نفقة بيت الملك فعاد فريق منهم بقيادة "زوربابيل" بن شلائيل بن يهوياكين ملك يهوذا الأخير".(5)
اليهود في بابل في زمن الإغريق (331-139ق.م):
يبدأ هذا العصر في بداية حملة الإسكندر الكبير (356-323ق.م) على بلاد الشرق سنة 334ق.م، فكان الإسكندر يرمي من حملته هذه تأسيس إمبراطورية واسعة تضم الغرب والشرق بلا حدود تفصلها، تخضع سياسياً واقتصادياً وثقافياً للنفوذ الإغريقي، وذلك بتأسيس مستوطنات إغريقية في مختلف أنحاء هذه الإمبراطورية، وإنشاء قواعد عسكرية على طول خطوط المواصلات مع إقامة مراكز ثقافية تتولى نشر الثقافة اليونانية بما في ذلك اللغة اليونانية، وقد قام الإسكندر بذلك فعلاً بعد احتلاله للشرق، فأسّس سبعين مدينة يونانية جديدة بأسماء يونانية، ومع أن حلمه لم يتحقق بالشكل الذي أراد؛ لأنه لم يطل بقاؤه في البلاد، فقد سلك خلفاؤه الطريق نفسه لتطبيق منهجه في نشر الثقافة اليونانية، والدليل على رسوخها أن رسالة المسيح أُذيعت بعد ثلاثة قرون باللغة اليونانية على العالم المتمدن، ولم يستثن من هذا النفوذ الشعب اليهودي ولغته، وقد كانت حصة يهود فلسطين كبيرة من هذه الحركة، وأما حصة يهود بابل وبين النهرين فكانت ضئيلة وقلَّ من اهتمَّ بدرسها والتوسع فيها. (6)
ويروي يوسفوس أن الملك أنطيوخس الثالث الملقب بالكبير (323-187ق.م) نقل من بابل وبين النهرين ألفي أسرة يهودية مع أجهزتها الحربية إلى ليديا وفريجيا في آسيا الصغرى لتأسيس حامية منهم هناك موالية لحكم السلوقيين.
يهود العراق في العصر العباسي:
كان يهود العراق منذ قيام الخلافة العباسية حتى وفاة هارون الرشيد (762-809م) يتمتعون بحرية تامة وبحياة آمنة، ثم لمّا وقعت حروب وفتن بين الأمين والمأمون وأصحابهما سادت الفوضى ودام الاضطراب الذي شمل كل أطراف العراق إلى سنة 813م حين انتهى حكم الخلافة إلى المأمون، فلحق بالناس الأذى بسبب الفتن والاضطرابات الشيء الكثير وأصاب من بين ما أصاب اليهود.
ولما وُلِّيَ المأمون الخلافة أبدى تسامحاً ليس تجاه اليهود فقط، بل شمل هذا التسامح كل الرعايا فاستفاد الشعب من مواهبهم العلمية على اختلاف أديانهم وتباين مذاهبهم وأطلق الحرية التامة في النشر والكلام، وقد أسَّس في عهده المركز العلمي المشهور المعروف ببيت الحكمة الذي كان ينقطع إليه الباحثون من كل فج، وقد ألحق به خزانة للكتب عامرة، وفي ذلك يقول بارون في كتابه (تاريخ اليهود الاجتماعي والديني): "لقد أدت الفتوحات الإسلامية منذ القرن السابع الميلادي إلى توحيد مناطق واسعة من إفريقية وآسيا هيأت لليهود محيطاً غنياً بالعدد والأهمية ليس في العراق وحده، بل في إيران وفلسطين ومصر أيضاً، ولم يمض وقت طويل على تأسيس الكوفة حتى انحدروا إليها من الحيرة القريبة منها، ولما أُسِّست بغداد عام 149هـ (763م) قصدها الناس من مختلف الأصقاع واللغات والأديان، وكان منهم اليهود وكان معظم الخلفاء العباسيين يتميز بالتسامح والتساهل فتمتع اليهود مثل غيرهم من السكان بدرجة كبيرة من الاستقرار والطمأنينة والازدهار خلال القرون الأولى من حكم الدولة العباسية".
واستمر يهود العراق في عهد العباسيين على هذا المنوال متقلبين في نعيم العيش حتى عهد المتوكل (847-861م) فكان شديد الوطأة على أهل الذمة؛ إذ أمرهم سنة 849م بأن يلبسوا لباساً يميّزهم عن المسلمين، وأن يركبوا سروجاً تختلف عن سروجهم، وأن يجعلوا على أبواب دورهم علامات خاصة تميز دورهم عن دور المسلمين، كما أمر بهدم معابدهم المحدثة وتسوية قبورهم مع الأرض، وكان نتيجة لذلك أن تعطَّل منصب رأس الجالوت الذي كان يساعد على إدارة شؤون اليهود الداخلية، وفي عهد القادر بالله (991-1031م) أغلقت جميع المدارس اليهودية في العراق، ثم لما تولَّى المقتدي بأمر الله الخلافة (1075-1094م) سار على سيرة المتوكل بالنسبة لمعاملة أهل الذمة، إلا أن الوضع قد تغيّر بعده، إذ أُعيد لليهود في القرن الثاني عشر للميلاد حريتهم وحسن معاملتهم، وذلك على إثر استيلاء السلطان مسعود بن محمد بن مالكشاه سنة 1132م على مقاليد الحكم في بغداد، وقد استمر حكم السلطان مسعود في عهد الخليفة المسترشد بالله (1118-1135م)، واستمر معه حسن معاملة اليهود، فالوصف الذي تركه لنا الرابي بنيامين التطيلي الذي زار العراق في عهد خلافة المستنجد بالله (1160-1170م) يؤيِّد حالة اليهود المزدهرة في هذا العهد، حيث يقول: "ويقيم ببغداد نحو أربعين ألف يهودي، وهم يعيشون بأمان وعز ورفاهية في ظل أمير المؤمنين الخليفة، وبين يهود بغداد عدد كبير من العلماء وذوي اليسار، ولهم فيها ثمانية وعشرون كنيساً، قسم منها في جانب الرصافة، ومنها في جانب الكرخ على الشاطئ الغربي من نهر حدقل (دجلة) الذي يمر في المدينة فيشطرها شطرين.
وكنيس رأس الجالوت بناء جسيم، فيه الأساطين الرخام المنقوشة بالأصباغ الزاهية المزوقة بالفضة والذهب، وتزدان رؤوس الأساطين بكتابات من المزامير بحروف من ذهب، وفي صدر الكنيس مصطبة يصعد إليها بعشر درجات من رخام، وفوقها الأريكة المخصصة لرأس الجالوت" .(7)
يهــود العـــراق في العهد العثماني
بعد دخول السلطان سليمان الأول سنة (941هـ/1534م) وفي عهده لم يلحق بهم أي أذى البتة وفي عهد السلطان مراد الرابع الذي استرجع بغداد من يد الفرس عام 1047هـ/1637م بدأت معالم الحياة الاجتماعية ليهود العراق في الظهور على سطح الأحداث في المجتمع التركي الجديد، وفي هذه المدة أخذ اليهود بالتحرك نحو إعادة تقوية أسس حياتهم بعد أن عصفت بهم رياح الفرس،
وعلى العموم فإن السلطان مراد الرابع أحسن إليهم ولبى الكثير من مطالبهم، وفي منتصف القرن السابع عشر الميلادي استقرت الحالة الأمنية ليهود العراق حيث تم تحركهم في شتى أنحاء العراق لغرض إيجاد مأوى لهم يستقرون فيه، فنراهم موجودين في الموصل وكركوك والسليمانية وأربيل، ووصلوا إلى أبعد منطقة في القطاع الشمالي من حدود العراق، حيث التقوا هناك ببعض أبناء ملتهم الذين يدعون أنهم من بقايا السبي الآشوري الأول،
وفي نفس الوقت أخذوا في إعادة بناء وترميم المزارات التي تخصهم في تلك المنطقة، وخاصة مزار النبي ناحوم في قصبة القوش التي تبعد عن مدينة الموصل حوالي 50كم، وأخذوا ينظمون الزيارات لذلك المقام بعد أن تم تطويره والعناية به، وكما تحرك اليهود نحو الشمال فإنهم تحركوا إلى الوسط والجنوب من العراق، وأول شيء قاموا به صيانة مزاراتهم ، وخاصة الكفل والنبي يوشع،
ودلالة على ما تمتع به يهود العراق في تلك المدة أواسط القرن السابع عشر فما فوق أن أحد أثريائهم ساعد الجند العثمانيين ومدهم بالمال الوفير في قتالهم مع الفرس، حيث شن الشاه كريم خان حربه، وكان ذلك في العام (1190هـ/1776م)، وكان اسم هذا اليهودي الخواجة يعقوب.
أما في عهد المماليك فإن الأمور الحياتية ليهود العراق كانت قد سارت سيراً جيداً خاصة في زمن الوالي داود باشا بالرغم من حدوث بعض الأزمات المالية لكبار تجارهم، منهم: الخواجة داود ساسون.
وفي بداية القرن الثامن عشر الميلادي أصاب اليهود غيرهم من سكان بغداد موجة من موجات مرض الهيضة، فأخذ الموت يحصد بهم حصداً لا يفرق بين شيخ وشاب، وما كان من يوم السابع والعشرين من شهر نيسان حدث أن هدم قسم من سور المدينة في الجانب الشمالي الغربي، ودخلت المياه محلة اليهود وهدمت نحو 220 بيتاً.
وظلت أحوال يهود العراق بين مد وجذر، وعلى العموم كانت أحـوالهم مستقرة أكثر من أي مدة أخرى حتى جاء السلطان عبد المجيد سنة 1856م، وأصدر مرسوماً تضمنت بعض فقراته نصوصاً في حقوق الطوائف غير المسلمة، وفي مقدمتها: اليهود والنصارى، علماً بأن عدد يهود العراق كان أكثر بكثير من عدد نصارى العراق، وخاصة في مدينة بغداد أثناء مدة الحكم العثماني،
وفي زمن السلطان عبد المجيد نفسه أخذت تباشير انتشار العلم والمعرفة والثقافة بين صفوف أبناء الطائفة اليهودية، وذلك بتأسيس مدرسة الاتحاد التي تعد النواة الأولى لانتشار المدارس اليهودية في العراق.
وعلى عهد مدحت باشا عاش يهود العراق عيشاً رغداً، وذلك في العام 1868م، حيث بث بين المواطنين كافة روح العدالة والمساواة والحرية، وبذلك اتسعت الأعمال التجارية عندهم وتحسنت أمورهم الاجتماعية، وتطورت محاكمهم الروحانية، وبدأت انتخابات اللجان المشرفة على الشؤون الدينية وغير الدينية من ثقافية وصحية، وخاصة لجان بتأسيس المستشفيات وفي مقدمة أولئك (مستشفى مير إلياس).
ولما فتح مجلس المبعوثين سنة 1876م انتخب من بغداد النائب مناحيم دانيال عضواً فيه ممثلاً للطائفة اليهودية في العراق بينما لم ينتخب عضو مسيحي لنفس الغرض، وهذا ما يؤيد أن كثافة اليهود السكانية في بغداد كانت أكثر من كل طائفة أخرى، ومن الولاة العثمانيين الذي يذكرهم اليهود بطيب الذكر المشير رجب باشا الذي كان أصلاً قائداً للجيش، إذ في عهده انتشرت الحرية وأظهر من التساهل والحلم في إدارة شؤون الولاية وكل سكانها مما يؤيد كونه غير منحاز في أحكامه وكل تصرفاته الإدارية.
ولعل الوالي ناظم باشا كان أكثر كل الولاة العثمانيين في بغداد عطفاً على اليهود محباً لهم ميسراً أمورهم، وعندما وصل بغداد تم إعفاؤه من منصبه فحزنت الطائفة اليهودية على ذلك، والتمست من الباب العالي أن يعيد النظر في إجرائه، ولكن ما كل ما كان اليهود يشتهونه لينفذ.
بعد نشوب الحرب العالمية الأولى وعلى عهد الوالي نامق باشا لحق يهود العراق ظلماً كبيراً، وأحاطت بهم نوائب متلاحقة من الجور والحيف، واشتدت الأزمات وهي تكاد أن تكون متلاحقة في أخريات أشهر الحرب، وكان يضيق معاون الوالي فائق بك ومدير الشرطة سعد الدين بك الخناق عليهم، فكانت التهم تكال إليهم ودوائر الدولة شبه المعطلة لا تلتفت لمطالبهم، وكلما كان من الأمر أن يدعوهم إلى دفع الرشوة حتى يلتفت إلى شكاواهم، وظلوا على تلك الحالة التعسة القلقة حتى انتهاء الحرب العالمية الأولى وسقوط بغداد بيد الإنكليز عندما دخلها الجنرال مود في العام 1917م،حيث واصلوا السير في الحياة تحت ظل الاحتلال، ومن ثم أثناء مدة الحكم الملكي في العراق، وبعدها في العهد الجمهوري ولا زال إلى حد كتابة هذه الأسطر قسم قليل من أبناء الطائفة اليهودية في العراق لا يتجاوز عددهم على 500 نسمة قاطنين في البلد الذي احتوى أجدادهم قبل آلاف السنين.(8)
أماكن سكن اليهود وتعداد نفوسهم
يذكر كتاب (يهود العراق) ليعقوب كوريه الأماكن التي حرص اليهود في العراق على الحضور والانتشار فيها، بالإضافة على تعدادهم خلال بعض السنوات، فيقول: "منذ أن توطأوا في هذه البلاد وعلى مر العصور والأزمنة نجد أن اليهود بدأت تحركاتهم رويداً رويداً بالزحف على المناطق المجاورة لبابل طلباً لإيجاد بقعة أرض للسكن فيها، ومحاولة إيجاد مصدر للرزق في جوانبها، وكانت من أوائل المناطق التي قصدتها فصائل منهم بعد تحركهم من بابل مناطق الجنوب العراقي في أراضي المنتفك والبصرة والعمارة، ثم واصلوا زحفهم بعد ذلك إلى بغداد وبقية مناطق الوسط العراقي، فنجد منهم من اتخذ كربلاء والكوت والنجف والديوانية محلاً لإقامته ومركزاً لإدارة تجارته ولم يكتفوا بذلك، بل اتجهوا إلى الغرب والشمال فكانت بعض مدن الدليم تعج بهم، خاصة في مدينة عانه ورواة وحديثة وكثيراً منهم من تلقب باسم المدينة أو القضاء الذي ترعرع فيه، فهناك ألقاب العاني ، الراوي ، البغدادي ، السامرائي ، الشهربلي ، العمادي التصقت بهم، وأصبحوا يعرفون بها، ونتيجة لذلك أصبح تجمعهم في محل خاص يطلق عليه اسم طائفتهم، فمثلاً سوق اليهود وعكد اليهود وحارة اليهود كثيراً من أمثال هذه التسميات تلاحظ في البصرة وبغداد والموصل مراكز المدن الكبيرة وحتى الصغيرة منها.
ففي سامراء مثلاً كان هناك سوق يسمى سوق اليهود في العشرينات من هذا القرن، أما أكبر تجمع سكاني يهودي، فقد كان في بغداد حيث انتشرت الطائفة اليهودية فيها من شمالها إلى جنوبها، أي: من قصر شعشعوع في الأعظمية حتى سدة خضوري في الكرادة، أما الطبقات الشعبية من الطائفة فلقد اتخذت من محلات سوق حنون، عكد الجام، عكد الجنائز، محلة التوراة، بني سعيد الشورجة، شارع غازي، ساحة الأمين.
أما تعداد نفوسهم في العراق فلا نجد غير تخمينات هنا وهناك من قبل بعض الذين كتبوا عنهم، ففي أيام الوالي داود باشا الذي حكم بغداد ما بين سنة 1816-1836م يذكر الرحالة الإنكليزي "ولستد" أن في بغداد حوالي سبعة آلاف يهودي، علماً أن رحلة السيد "ولستد" كانت في العام 1830م وفي مطلع القرن التاسع عشر قدر عددهم في بغداد حوالي (2500) أسرة يهودية، أما في مدينة السليمانية فقد قدر عددهم بـ(300) أسرة، وهم موجودون في مدينة عانة بنسب مختلفة في ذلك الوقت، ولهم جالية ومعبد في كفري، أما في الموصل فهم بحدود ألف نسمة. في إحصاء لجنة الأمم المتحدة في العام 1924م حول مشكلة الموصل ظهر أن في الموصل 3579 نسمة من اليهود، ويذكر يوسف غنيمة أن حكومة الاحتلال قامت بإحصاء لسكان العراق فكان عدد يهود العراق 87448 نسمة موزعين على خمسة عشر مدينة عراقية أكبرها مدينة بغداد، حيث كان يقطنها 50000 خمسون ألف يهودي، وأقلها مدينة كربلاء، حيث كان اليهود فيها لا يتجاوزون المائة وستون فرداً.
أما في إحصاء عام 1947م، فلقد بلغ تعدد اليهود في العراق 117877 مائة وسبعة عشر ألف وثمانمائة وسبعة وسبعون نسمة، وخلال مدة ثلاثين عاماً أي من تاريخ تعداد الاحتلال 1917م وحتى تعداد 1947م كانت بغداد تضم أكبر عدد منهم، إذ وصل تعدادهم فيها حوالي 77524 سبعة وسبعون ألفاً وخمسمائة واثنان وأربعون نسمة، وكانت كربلاء والنجف المقدستين لا تحوي غير 39 شخصاً لا غيرهم، أما إحصاء عام 1957 فلم يكن من أبناء الطائفة اليهودية سوى بضعة آلاف من العوائل متمركزة غالبيتها في بغداد، وكان عدد أبناء الطائفة اليهودية بعد عام 1967م قدر ما بين 2500 – 3000 فرداً بينهم عدد كبير من الأغنياء وذوي الاختصاصات، وفي أواسط الثمانينات لم يزد عدد يهود العراق أكثر من 500 نسمة، وكان لليهود مقبرة خاصة بهم تقع في شارع الشيخ عمر". (9)
هجرة اليهود من العراق:
بعد أكثر من 2500 عام على أول وجود لليهود في أرض العراق القديمة، بدأت هجرات اليهود المنظمة تخرج من العراق باتجاه فلسطين المحتلة، عن طريق الحركة الصهيونية العالمية التي حاولت إغراق فلسطين المحتلة بالشتات اليهود من كل مكان في العالم من أجل صنع وطن لهم في أرض عربية مسلمة.
السؤال الذي يثير نفسه هنا: لماذا قرر اليهود بعد أكثر من 2500 عام من الاستقرار في أرض العراق التي ولد فيها أجداد أجدادهم، والتي أصبح لهم فيها مكانة معينة، وتجارة نشطة، وحرية واسعة..
الجواب هو نفس الجواب الذي سيثار حول هجرة جميع اليهود الشتات في العالم، من أثيوبيا أو أمريكا أو روسيا أو بولندا أو أي بلد آخر.
إذ بات من المعروف عالمياً أن المنظمة الصهيونية العالمية سعت وتسعى من أجل استقدام جميع يهود العالم إلى أرض فلسطين المحتلة بأي ثمن، حتى لو كان هذا الأمر على حساب أرواح بعض اليهود.
تاريخ غرس اليهودية في العراق:
ينقل الدكتور عدنان الباجة جي في كتابه (سيرة وذكريات) عن أحد الأعضاء اليهود في مجلس الأعيان العراقي، (وهو عزرا مناحين دانيا) كلمته خلال جلسة المجلس المنعقدة في 18 يوليو/تموز عام 1948م، حيث قال فيها:
".... إلا أنني أرى من واجبي الآن أن أستعرض تاريخ غرس الصهيونية في العراق، والعوامل التي اعتمدتها لغاية تنوير المجلس العالي، وليتخذ منها عبرة في المستقبل عند توجيه سياستنا العراقية،
ففي أواسط سنة 1925ميلادية، أي بعد تشكيل الحكومة بقليل حضر إلى العراق مندوب من قبل الجمعية الصهيونية في فلسطين لغرض تأسيس وكالة صهيونية ونادي ومدرسة في هذا البلد، لترويج مبادئ الصهيونية لدى الجيل الناشئ، وبث الدعاية للهجرة إلى فلسطين.
هال هذا الأمر الطائفة الإسرائيلية فاجتمع وجهاؤها وتباحثوا فيما يؤول إليه الأمر من إنشاء هذه الفكرة من النتائج الوخيمة، وقرروا واعتمدوا وفداً لدى المراجع ذات الشأن لأجل منع هذه، وراجع الوفد دائرة السامي البريطاني بالنظر لما كان معروضاً أن إشارة خفيفة من هذا الجانب تكون كافية لمنع هذه التشكيلات، وبالنظر لما كان ينتظر من هذا الجانب من العطف على هذه الدولة الفتية التي لم تلبث أن شكلها وأن سكانها من العرب واليهود عاشوا متحابين مطمئنين الواحد من الثاني في عصور عديدة تتجاوز الألفين سنة.
ولكن فضلاً عن أنه لم تثمر هذه الجهود بأي نتيجة، رأينا مندهشين أن الحكومة العراقية ذاتها تبنت هذا المشروع، مشروع غرس نواة الصهيونية في العراق بسماحها بتأسيس وكالة صهيونية ونادي ومدرسة بإجازة من المعارف ذاتها، بدأت هذه المؤسسات ببث الدعاية لترويج وتحبيذ الصهيونية في العراق، وتشجيع الهجرة إلى فلسطين تحت رعاية الحكومة وحمايتها.
أن المعتمد الذي عينته الوكالة الصهيونية في فلسطين للعراق كان معترفاً به رسمياً وكانت دائرة السفر والجنسية لا تعطي جواز سفر إلى فلسطين إلا أن يصادق على هذا الجواز المعتمد المذكور، بالوقت ذاته اتخذت الحكومة العراقية تدابير معاكسة في نشر الدعاية الصهيونية في المدارس الرسمية وفي وحدات الجيش وفي المطبوعات، وعندما قامت المظاهرات (ضد السر الفرد موند) عند قدومه للعراق في 1928م باعتباره أحد أقطاب الصهيونية، لم تفكر بإلغاء إجازة المدرسة الصهيونية الممنوحة من قبلها، بل استثمرت هذه المدرسة والمؤسسات الأخرى في أعمالها، ولم تقدم الحكومة على إلغائها إلا بعد أن قامت الطائفة الإسرائيلية باحتجاج شديد لدى أولياء الأمر على هذه الأعمال ذات الوجهين، وكان ذلك في العام 1934م، أي بعد اثنتي عشرة سنة من تأسيس هذه التشكيلات، ويشهد على ذلك من كان في مسؤولية الحكم في ذلك التاريخ".(10)
على غرار عملها في معظم دول العالم، حاولت الصهيونية، وتحاول، استدراج جميع اليهود الموجودين في العالم، وتوطينهم في فلسطين المحتلة، من أجل خلق وطن قومي لهم على أرض عربية، لن تتحقق بدون وجود العنصر البشري، وبأعداد كبيرة، تحقق لها نمواً سكانياً وعمرانياً واقتصادياً وعسكرياً..
ومن بين الدول التي دأبت على استدراج اليهود فيها هي دولة العراق، والتي كانت تضم مئات الآلاف من اليهود، الذين يعيشون جنباً إلى جنب مع الشعب العراقي المسلم.
ولم يبق اليوم من اليهود في العراق سوى أعداد قليلة لا تتجاوز العشرات من كبار السن، رغم أن عدد يهود العراق، كان يأتي في المرتبة الثانية من عدد اليهود العرب بعد يعود المغرب، وبلغ تعداد يهود العراق في منتصف القرن الماضي، أي بعد قيام إسرائيل نحو 120 ألف يهودي، وتراجعوا سنة 1958م إلى ستة آلاف، ثم تناقصوا سنة 1969م إلى ألفين وخمسمائة يهودي!
هذا غير اليهود الأكراد الذين بلغ عددهم 100 ألف (موسوعة اليهود واليهودية د.عبد الوهاب المسيري)، وفي المقابل كان يهود البلاد العربية يشكلون أقلية صغيرة بالنسبة ليهود العالم، وأصبح اليهود العرب يشكلون أغلبية سكان إسرائيل.
وقد استطاعت الحركة الصهيوني اجتذاب هؤلاء اليهود من العراق بطرق تحريضية وقسرية، حيث افتعلت بعض الأحداث بين اليهود، واستغلت أحداثاً أخرى.
ومن هذه الأحداث ما أطلق عليه اسم "أحداث فرهود" سنة 1941م.
أحداث فرهود:
يقول شيخ المؤرخين العراقيين السيد عبد الرزاق الحسني واصفاً لما حدث في أحداث فرهود التي واكبت هزيمة الكيلاني وجنوده في صد التدخل البريطاني في العراق عام 1941م:
" صادف يوم الأحد أول حزيران 1941م عيد زيارة النبي يوشع عند اليهود، فخرج لفيف منهم إلى المطار المدني للتنزه، وللتفرج على مهرجان استقبال الأمير عبد الإله، وكان فريق من المسلمين والمسيحيين قد خرج إلى هذا المطار للغرض نفسه، فحدثت مشادة كلامية بين أحد اليهود وأحد المسلمين، أدت إلى ضرب ولكم، اشترك فيهما لفيف من الفريقين، وأسفرا عن جرح سبعة عشر يهودياً ووفاة اثنين من المجروحين، فأسف الجميع لهذا الحادث غير المنتظر، وعد حادثاً اعتيادياً انتهى باعتقال المعتدين، فلما كان مساء اليوم المذكور أذاعت متصرفية لواء بغداد البيان الآتي على طلب من (لجنة الأمن الداخلي).
(يسمح للجمهور التجول في العاصمة وضواحيها ليلاً كالسابق، بدون تحديد الوقت اعتباراً من مساء الإثنين الموافق 2/6/1941) – متصرف لواء بغداد –
وعدَّ الجمهور من مسلمين ومسيحيين ويهود أن الحالة في العاصمة أصبحت اعتيادية، وأن لكل واحد أن يتمتع بكامل حريته، دون أن يدركوا ما كان يبيته القدر، فلما كان اليهود يرتادون مجالس النزهة والتسلية ونوادي الترف والفرح، ويعلنون عن انشراحهم بانتهاء الحركات العسكرية واندحار الكيلاني وجماعته، حتى وجدوا قطعات الجيش العراقي تنسحب من ميادين القتال وعليها آثار الخيبة والكآبة، ويظهر أن بعض الشبان (اليهود) أظهر شماتته بهذه النتيجة، وأسمع الجيش المنسحب الكلمات الاستفزازية.
وكان الجيش البريطاني الزاحف على بغداد يلتمس وسيلة لمشاغلة الأهلين، على نحو ما فعله بالعشار في صباح يوم السابع من آيار 1941م، كما أن أنصار السيد الكيلاني كانوا يبحثون عن وسيلة لإقلاق الرأي العام، فحصلت مناوشات كلامية بين الفريقين (من يهود وقوات الجيش العراقي المنسحب) في نحو الساعة الثامنة مساء تطورت إلى التدافع، فتضارب فاقتتال، فأسرعت سيارة الشرطة إلى موضع الاضطراب، واستطاعت أن تعيد الأمن إلى نصابه.
وخرج الناس إلى الشوارع العامة في صباح اليوم التالي (2 حزيران) وهم لا يعلمون عن حوادث الليلة الماضية إلا شيئاً يسيراً، وكانت القطعات العراقية مستمرة في انسحابها، تنسحب من (معسكر الوشاش) في جانب الكرخ إلى (معسكر الرشيد) و(الفلعة المدفعية) في جانب الوصافة عابرة (جسر المأمون) فتكررت حركات الشبان اليهود الاستفزازية وغلا الحماس في نفوس فريق من الشبان المسلمين، فحدثت تراشقات مؤسفة بين شبان الفريقين، تطورت إلى مصادمات دامية.
ولما كانت العاصمة بقيت بدون حكومة مسؤولة، هاجم الأعراب المحيطون بها بعض الأنحاء، وشرعوا في نهب البيوت والأسواق، وانضم لفيف من الرعاع إلى هؤلاء الأعراب فوقعت حوادث أدمت القلوب وخلقت الرعب في نفوس الناس، وكان الزعيم الركن حميد نصرة في داره بالكرخ، وبصفة كونه ممثل الجيش في (لجنة الأمن الداخلي) انتقل إلى مقر عمله في الرصافة، واتصل بمدير الشرطة العام حسام الدين جمعة (العضو الثاني في هذه اللجنة) وسأله عن أسباب عدم منع الغوغاء من أعمال السلب والنهب والقتل فرد المدير على ذلك بأن المنع يتطلب استعمال القوة، وأن متصرف لواء بغداد السيد خالد الزهاوي غير موجود ولا يعرف محله ليعطي الأمر اللازم باستعمال القوة بحسب السلطة القانونية المخولة له، وبعد أخذ ورد طويلين، اتصل الفريق إسماعيل نامق بصفة كونه أكبر قائد في الجيش آنئذ اتصل بصاحب السمو الوصي وعرض عليه أن الحالة تتطلب أن يدون سموه أمراً باستعمال القوة لقمع الاضطراب وإنهاء الفوضى فوافق على هذا العرض ووقع الأمر الآتي نصه:
إلى رئاسة أركان الجيش
بناء على عودتي للعراق، فقد توليت السلطة بكاملها لذا آمركم أن تقوموا بمنع المظاهرات الموجودة في البلد الآن، وضرب العابثين منهم بالنظام والناهبين والمعتدين على الأهلين، ولكم مطلق الحرية في استعمال السلاح لهذه الغاية إذا تطلب الأمر ذلك.
2حزيران 1941م الوصي على عرش العراق: عبد الإله
فأسرع لواء الخيالة ومعه بعض السرايا من المشاة المدججين بالسلاح إلى النزول في شوارع العاصمة وأسواقها وأعقبتها السيارات المصفحة، فاحتلت مداخل الشوارع الرئيسية وأقامت المتاريس على مفترقات الطرق، وشرعت في إطلاق النار في نحو الساعة الحادية عشر والنصف، فقتل 110 نسمات وجرح كثيرون، وصدر على الإثر هذا البيان بتوقيع رئيس أركان الجيش محمد أمين العمري الذي تولى هذا المنصب في هذه المدة العصيبة:
إلى الشعب العراقي الكريم
سبق إذ أذاعت عليكم (لجنة الأمن الداخلي) بياناً رسمياً من عقد الهدنة مع الحكومة البريطانية وفقاً لشروط شريفة حفظت لنا استقلال بلادنا، وعرف جيشنا الباسل غير منقوصين، فالجيش الذي كان لا يزال الحارس الأمين للبلاد وحقوقها قد أخذ على عاتقه في هذه الآونة العصيبة من تاريخ بلادنا السيطرة على الموقف سيطرة كاملة، وذلك بغية توطيد الأمن في البلاد، وتمهيداً لفتح صفحة جديدة في حياة هذه الأمة التي أثبتت جدارتها للحرية والاستقلال،
ولهذا نطلب من أبناء شعبنا الكريم مؤازرتنا، مؤازرة فعلية لحفظ حقوق الأفراد وملازمة الهدوء والسكينة في كافة أنحاء المملكة،
وبمناسبة قيام بعض الغوغاء بأعمل دنيئة في العاصمة، فإني أعلن منع التجول منعاً باتاً منذ الآن وحتى إشعار آخر، وقد أصدرت أمراً قاطعاً بإطلاق الرصاص على كل شخص يخالف هذا الأمر، أما أولئك الذين يحاولون الاعتداء على حرمة البيوت والمتاجر فيعدمون أينما وجدوا.
فيا أبناء الوطن الكريم اثبتوا للعالم في هذه اللحظة الرهيبة من تاريخ أمتنا أنكم أهل للحرية، وجديرون بالاستقلال الذي تمتعتم بحلاوته، فتعاونوا مع جيشكم الباسل في حفظ السكينة والهدوء لحين تأليف الوزارة الذي سيتم قريباً وفقاً للأسس الدستورية.
بغداد 2حزيران 1941 رئيس أركان الجيش: محمد أمين العمري"(11).
الحركة الصهيونية تفتعل تفجيرات عام 1950م:
أيقنت الحركة الصهيونية بعد تلك الأحداث، وبعد الفشل في الاستحواذ على اليهود العراقيين وإرغامهم على الهجرة إلى فلسطين المحتلة أن هنالك طريقة واحدة يمكن أن تحقق لها النجاح في مهمتها الصعبة، فليس من السهل أبداً إرغام آلاف اليهود الذين يعيشون في أمن وسلام في العراق، ويتمتعون بنفوذ تجاري ضخم يستحوذ على تجارات معينة كالذهب والصرافة، أن يتركوا كل شيء ويذهبوا إلى وطن مصطنع.
قررت الحركة الصهيونية أن العنف و الرعب هما السلاحان الوحيدان اللذان يمكن أن يجبرا اليهود العراقيين لمغادرة بلادهم، لذلك ومع بداية عام 1950م، بدأت هذه الحركة بتنفيذ مخطط العنف والإرهاب.
" ففي 8/4/1950م وفي الساعة التاسعة والنصف مساء يوم السبت المذكور، وعندما كان يهود بغداد عائدين إلى بيوتهم بعد أن تمتعوا بتمضية عطلة نهاية الأسبوع في شارع أبي نواس تصحبهم عوائلهم، إذ يدوي انفجار هائل عنيف لم تعتد على أمثاله مدينة بغداد الآمنة يهز شارع أبي نواس، و مكان الحادث بالضبط يقع في الشارع الفرعي الذي يربط شارع السعدون بشارع أبي نواس، وهو الفرع الثاني عند مدخل شارع أبي نواس الذي تقع فيه كازينو البيضاء، لم يسفر الانفجار المذكور عن أية ضحايا، بل جرح بعض الأفراد نتيجة تطاير شظايا القنبلة المنفجرة.
وعند قيام السلطات الشرعية بإجراء التحقيق البدائي لم يتمكنوا من العثور على أية أدلة لتوجيه التهمة لأي كان، ووضع الحادث تحت أنظار المسؤولين، وأعلنت السلطات بأن التحقيقات ما زالت جارية، أخذ الناس يتناقلون الخبر غير السار بينهم من الخلف، ولقد ظهر ذلك واضحاً على أبناء الطائفة اليهودية، حيث شنت حملة إعلامية من قبل أطراف صهيونية ضليعة بالحادث الإجرامي المذكور لتهويل ما حدث، وإعطاء مفهوم بأن مستقبلاً مظلماً لا يعرفه إلا الله بانتظار الطائفة اليهودية إذا ما هي أصرت على البقاء في العراق،
وما الذي حدث مساء السبت إلا نذير العاصفة ووحدت الأيدي الصهيونية العاملة، أما رد الفعل للانفجار الأول عند أبناء الطائفة لم يكن كما ينبغي حسب المخطط المرسوم له، فقد عدَّ ما حدث غير مقصود ضد جهة معينة رغم كثافة الإعلام الصهيوني المضاد وخاصة وأنه لم تتمخض عنه أي خسائر بشرية أو مادية ذات قيمة، فانتبهت الصهيونية إلى ذلك وصارت في حيرة من أمرها وهي الداعية العاملة على تهجير يهود العراق بكل وسيلة ممكنة وبأسرع وقت مستطاع، فأجلت القيام بالمزيد من عمليات الانفجار قرابة الثمانية أشهر حين حصل الانفجار الثاني بتاريخ 14/1/1951م عند كنيس مسعود شمطوب على إثر انفجار قنبلة يدوية، أما الانفجار الثالث فقد وقع في بناية مكتب الاستعلامات الأمريكية الكائن في شارع الرشيد 19/3/1951م باب الأغا، وألحق بانفجار رابع على منطقة أنبية لاوي للسيارات، والذي استعملت فيه مادة متفجرة وانتهت هذه الحوادث بحادث الانفجار الأخير الذي وقع قرب بناية ستانلي شعشعوع في شارع الرشيد، هذه هي سلسلة الانفجارات التي أريد بها زعزعة النظام في العراق والعمل على إراقة الدماء فيه، وعلى إثر ذلك أصدرت الدوائر المتخصصة بياناً حول الأحداث أعلنت فيه أن الحكومة عازمة على الضرب بيد من حديد على كل من تسول له نفسه العبث بالأمن في هذا البلد، ومما جاء في البيان المذكور الذي صدر بتاريخ 16/1/1951م أن الحكومة باذلة أقصى ما في وسعها لمعرفة الجناة فضاعفت الشرطة جهودها من التحقيقات والتحريات تبين وجود شبكات جاسوسية في بغداد، فألقي القبض على شخصين هما العقل المدبر للشبكة، وتوصلت إلى معرفة شركائها الفعليين فألقي القبض على أغلبهم، ولقد تبين أيضاً الذين قاموا بإلقاء المتفجرات هم من المقبوض عليهم، وكان غرضهم الإخلال بالأمن وإظهار العراق أمام الرأي العام العالمي على غير حقيقته، وكذلك كشف الحقيقة أن هناك متفجرات وأسلحة من أنواع مختلفة أخفيت في محلات عديدة من دار المتهمين يوسف وسليم ولدي عبد الله مراد خبازة الواقع في محلة البتاوين، ومن جملة ما عثر عليه وثيقة مؤرخة في 4/4/1950م تشير إلى وجود أسلحة في كنيس عزرا داود الواقع في البتاوين، كذلك عثر على خرائط ذات أهداف عسكرية وسجلات بأسماء الأعضاء المنتسبين إليها أحيل المتهمون الذين ألقي القبض عليهم وأودعوا التوقيف، وهنا حصل ما لم يكن بالحساب فقد استطاعت الصهيونية توكيل أبرز محامي العراق للدفاع عن المتهمين، وفعلاً فقد تم طلاق سراح أخطر المتهمين الموقوفين أمثال: (نسيم موشي نسيم) الذي كان قد توكل عنه المحامي الكردي جلال بابان الذي كان يشغل منصباً وزارياً سابقاً بعد أن ربط بكفالة مقدارها (600) دينار، وتمكن بعدئذٍ من الهرب إلى تل أبيب، وانبرت الصحافة الوطنية تهاجم أولئك المحامين الذين توكلوا في قضايا اليهود"(12).
الهجرة وإسقاط الجنسية:
لم تكن الحركة الصهيونية لتستطيع عن طريق هذه التفجيرات والأحداث الدموية أن تحقق هدفها الذي تطمح إليه إلا من خلال تعاون الحكومة العراقية نفسها، كأن تصدر قانوناً لهجرة اليهود على سبيل المثال.
وبالفعل فقد كشف نعيم جيلاوي اليهودي العراقي المقيم في نيويورك مؤخراً، عن جانب من نشاط الحركة الصهيونية في العراق، والذي يقوم فيه.. "تم لقاء بين بن جوريون ونوري السعيد سنة 1948م في فيينا بترتيب خاص من السلطات البريطانية،
وطرح خلال هذا اللقاء كلب بن جوريون تسهيل هجرة اليهود العراقيين إلى إسرائيل، واستقبال العراق عدد من الفلسطينيين، وأن ينقل يهود العراق بشاحنات عراقية عن طريق الأردن.
وكان رأي الإنجليز أن هذه مقايضة لم يحن أوانها بعد.
وبعدها أرسلت إسرائيل مردخاي بن بوارت إلى بغداد، الذي وعد نوري السعيد بمساعدات مالية كبيرة، إذا صدر قانون يجرد اليهود العراقيين من الجنسية..".
وهو ما وقع بالفعل بعد ذلك عام 1950م، عندما شكل توفيق السويدي وزارته، وكان صالح جبر وزيراً للداخلية، وأصدرت الحكومة قانون إسقاط الجنسية عن اليهود الراغبين في ترك العراق!"
و بعد أحداث المتفجرات التي وقعت في مناطق مختلفة من مدينة بغداد ، وجدت وزارة توفيق السويدي الوقت المناسب لإصدار قانون الهجرة اليهودية والذي بموجبه يحق لكل يهودي عراقي أن يترك العراق بإرادته، وذلك في خلال مدة معينة من تاريخ اعتبار القانون المذكور نافذ المفعول، ولقد دافع توفيق السويدي ووزير داخليته صالح جبر عن الأسباب الموجبة لإصدار القانون، وادعوا أنه كان من أجل مصلحة الوطن والشعب حفظاً على سلامة الاقتصاد العراقي، حيث كانت هناك معارضة قوية داخل البرلمان ضد إصدار هذا القانون.
وورد في إفادة توفيق السويدي رئيس الوزراء عندما تم إسقاط الجنسية عن اليهود، وبعد أن اتهم بالضلوع في مؤامرة ترحيل اليهود إلى فلسطين المحتلة ما يلي "أنا سيدي أحب أن أسترعي أنظار المحكمة إلى الفائدة التي حصلت من إسقاط الجنسية. الحقيقة اليهود كانوا ما يقرب 120 ألف شخص، وكلهم تقريباً 108 آلاف منهم كانوا في بغداد ومستولين على التجارة وعلى الاقتصاد، وكذلك مؤلفين رتل خاص لهم، وأعتقد أكثركم مطلع على ما كشفته الشرطة بعد ذلك من مخابئ وأسلحة ومفرقعات... إلخ، فأنا وجدت طالما أن إسرائيل أصبحت عقدة من العقد في بطن الدول العربية لا يمكن أن يعول على مقدار كبير مائة وثمانية آلاف شخص من اليهود في استتباب الأمن، وعلى ذلك فأنا الذي عملت قانون إسقاط الجنسية وأفتخر؛ لأنه لم أحب أن أسقط عنهم أنا الجنسية، وإنما قلت لهم: بإمكانكم رفض الجنسية العراقية، وإذا رفضوا فلهم الحق أن يبقوا شهراً وبعدها يجب أن يسافروا ويأخذوا معهم 25 دينار فقط".!!
اعترافات يهودية عن دورهم في التهجير:
كتب نعيم جيلاوي اليهودي العراقي مقالاً حول "يهود العراق"، وهو الذي أصدر كتاب "فضائح بن جوريون" وكيف أخرجت الموساد والهاجانا اليهود من ديارهم"، والذي اعترضت عليه الرقابة في إسرائيل، ونشره على نفقته في أمريكا، وهو يبلغ من العمر تسعة وستين عاماً، ويعترف أنه ارتكب أعمالاً في صباه عندما كان في الثامنة عشرة من عمره، اشترك مع الحركة الصهيونية في أعمال بهدف دفع يهود العراق إلى الرحيل، وهو يعد نفسه ينتمي إلى الثقافة العربية، فهو عربي الثقافة، يهودي الديانة، أمريكي الجنسية.. "فنحن اليهود القادمين من البلاد الإسلامية لم نغادر ديارنا نتيجة أي صورة من صور العداء للسامية، لذا أطالب الولايات المتحدة بوقف تأييدها للعنصرية في إسرائيل، والمتمثلة في التفرقة بين اليهود والفلسطينيين، وبين اليهود الاشكناز والسفارديم، ووقف تأييدها للاستيلاء على أراضي الغير..".
ويروي قصته أو قل اعترافاته، وكيف ألقي القبض عليه خلال قيامه بتهريب اليهود من الحدود العراقية الإيرانية سنة 1947م "رغم أني كنت أعيش سعيداً مع عائلتي في مدينة الحلة القريبة من مدينة بلبليون، ورفضت عائلتي الحركة الصهيونية، وتمكنت من الهرب من سجون العراق في سبتمبر 1949م، واستقر بي المقام في إسرائيل، حيث عانيت من العنصرية، وهناك اختفى الحلم الصهيوني أمام ضراوة العنصرية، وتبينت أن الاشكناز يعملون على تشجيع اليهود العرب على الهجرة إلى إسرائيل، حتى يوفروا لهم عمالة رخيصة.
ونجحت الحركة الصهيونية في تهجير 125 ألف يهودي من العراق، بين سنتي 1940م و1952م، عن طريق ترويعهم، وبقيت أسرتي ضمن ستة آلاف يهودي تمسكوا بالبقاء في العراق.
وقادته تجاربه المريرة ومعاناته من العنصرية إلى الانضمام إلى حركة "الفهود السود"، ثم يستعرض ما قامت به الصهيونية بجبر يهود العراق على الهجرة، ولا يكتفي بذكر أقوال مرسلة، بل يقدم معلومة موثقة، وشهادة شهود عاشوا جانباً من هذه الأحداث.
ثورة الكيلاني
ويقدم تحقيقاً موثقاً عن وقائع "المذبحة" التي وقعت لليهود في منتصف سنة 1941م أثناء الحرب العالمية الثانية، مؤكداً أن السلطات البريطانية هي التي دبرت وحرضت عليها، واشترك فيها عدد من رجالها، حتى يصبح التوتر العنصري ذريعة لتدخل القوات البريطانية بحجة فرض القانون والنظام.
ووقعت تلك المذبحة في ظل صراع حاد بين السلطات الاستعمارية والحركة الوطنية، عقب قيام ثورة رشيد عالي الكيلاني سنة 1940م، وسقوط وزارة نوري السعيد.
وبدأت الاضطرابات بعد سقوط رشيد عالي الكيلاني وفراره إلى إيران، وحصل التمهيد لهذه الفتنة من البصرة ثاني أكبر المدن العراقية، والتي كان يعيش بها ثلاثون ألف يهودي، عندما نشرت الصحف في عناوين كبيرة على الصفحات الأولى "يهود البصرة يستقبلون القوات البريطانية بالورود"! وعندما بدأ الشغب، وأغار الغوغاء على أحياء اليهود ومحلاتهم، ووقعت مذبحة استمرت يومين في أول يونيو سنة 1941م.
هذه هي الوقائع التي يحققها ويعلق عليها نعيم جيلاوي ويقول: "كانت العلاقات بين يهود العراق وبقية المجتمع العربي جيدة، واشترك عدد من اليهود في ثورة رشيد الكيلاني، فكيف انقلبت الصورة؟
ويستشهد بأقوال الصهيوني يوسف ماير، اليهودي العراقي الذي يعيش في إسرائيل.."بعد فشل ثورة رشيد الكيلاني، قامت السلطات البريطانية بإشعال الفتنة في بغداد، حتى تتدخل قوات الاحتلال.."، ويعلق نعيم جيلاوي.. "أن أقوال ماير صحيحة، وتأكدت منها، عندما التقيت في الأربعينيات في إيران، بأحد الممرضين الذي كان يعمل في مستشفى بغداد، خلال وقوع هذه الأحداث، وهو أرمني اسمه ميشيل تومسيان، والذي قال له، أثار اهتمامه اثنان من المصابين استقبلهما المستشفى، وكلاهما ادعى الصمم وعدم القدرة على الكلام، أحدهما أصيب بطلقة في كتفه والآخر في دقمه، ورفض كل منهما خلع ملابسه لإزالة آثار الدماء، وتبين أنه حول رقبة أحدهما أداة التعريف بشخصيته، والتي تستخدمها القوات البريطانية، والثاني لديه وشم هندي على كتفه، أي أنه من القوات الهندية المصاحبة للقوات البريطانية، وأخرجهما من المستشفى في الصباح الباكر لليوم التالي أحد الضباط البريطانيين.
ولا يكتفى بهذا الدليل على ما وقع، ولكنه يستشهد بإحدى محاضرات دافيد كيمحي في لندن، عندما سئل عن المذابح التي ترتكبها القوات الإسرائيلية ضد المدنيين، استفزه السؤال فقام بتذكير الحضور بما قامت به القوات البريطانية في مذبحة بغداد سنة 1941م.
ويضيف "إنه رجل يعرف الحقيقة، فقد عمل في المخابرات البريطانية ثم في الموساد وأخيراً مديراً لوزارة الخارجية الإسرائيلية.." لذا لم يعد لدي شك أن الطلقات التي أطلقت على اليهود عام 41 كانت مخططة من السلطات البريطانية بدوافع سياسية".
قنابل صهيونية
ويستعرض بعد ذلك أحداث 19 مارس سنة 1950م، عندما انفجرت القنابل في أماكن تجمع اليهود في بغداد، فانفجرت المتفجرات في المركز الثقافي الأمريكي والمكتبة الأمريكية, مما أدى إلى تدمير وإصابة عدد من المواطنين.
ويؤكد أن هذه العمليات كانت بتدبير المنظمات الصهيونية لحث اليهود على الهجرة، وهي وقائع تشبه وقائع فضيحة "لافون" في مصر، عندما سعى الموساد إلى تفجير بعض المراكز الأمريكية حتى يوقع بين حكومة الثورة في مصر والولايات المتحدة، وانفجرت المتفجرات في بغداد لدوافع سياسية أيضاً.
وبعدها قامت سيارة في 8 أبريل 1950م يقودها ثلاثة شبان، وألقت قنبلة على مقهى الدار البيضاء في بغداد، وهو المقهى الذي اعتاد اليهود اللقاء فيه، وأصيب أربعة منهم بإصابات خطيرة.
ويقول أهارون بريجمان في كتابه (تاريخ إسرائيل): إن اليهود كانوا ينقلون من العراق إلى إسـرائيل في عملية تسمى "عزرا ونحميا"، والتي استمرت من مايو 1950م حتى ديسمبر1950م.
واللافت للنظر قول السير فرانس همفري السفير البريطاني في بغداد: "يتمتع اليهود في العراق بامتيازات فريدة تزيد عن أي أقلية أخرى في أي بلد آخر حتى تدخلت الصهيونية بين العرب واليهود.
لذلك سارع الصهاينة بتوزيع منشورات في المعابد تحتوي على شعارات تسيء إلى العلاقات بين اليهود وباقي شعب العراق، مثل: "لا تشتروا من المسلمين"، ثم تحريضهم على الهجرة إلى إسرائيل،
وتتابع إلقاء المتفجرات وإطلاق الرصاص ومع تتابعها تزايدت هجرة اليهود إلى إسرائيل.
والملاحظة الجديرة بالتسجيل – وما زال الكلام للسيد نعيم جيلاوي – أنه خلال حرب فلسطين سنة 1948م، لم يمس أي يهودي، ولم تكن هناك أحداث جديدة في سنتي 1950م و1951م تثير الضغينة والمشاعر ضد يهود العراق، والحقيقة المرعبة أن القنابل التي انفجرت، والمدافع التي أطلقت كانت بأيد صهيونية.
وقد نشرت مجلة هحولام هازيه عام 1966م مقالاً بقلم يوري أفندين اتهم فيه صراحة مردخاي بن بورات بالمسؤولية عن ا نفجارات بغداد، وما زال يهود العراق يطلقون عليه "مراد أبو القنابل" ومراد هي مردخاي بالعبري.
وتتوالى الأسرار، وأن الكثير من المعلن غير ما هو خفي، والظاهر ليس مثل الباطن، ويؤكد جيلاوي أن عبد الكريم قاسم بعد ثورة 1958م، أرسل وفداً عراقياً للاتفاق مع إسرائيل، ويزعم أن بن جوريون رفض استقبال الوفد؛ لحرصه على استمرار التوتر بين العرب وإسرائيل لكي يخدم سياسته في هذه المدة
وفي هذه المرحلة، رفعت ثورة 1958م عن اليهود كل القيود، بل وألغى قانون إسقاط الجنسية.
ومن ناحية أخرى أصدر محسن الحكيم مرجع الشيعة الأعلى، ووالد محمد باقر الحكيم – فتوى بضرورة حسن معاملة اليهود ورفع أي ظلم عنهم.
وسمحت العراق لليهود الذين هاجروا إلى إسرائيل بحق العودة.
ويختم نعيم جيلاوي مقاله بالقول: "لقد سجلت تلك الحقائق التاريخية مع علمي أن الأسهل على العالم أن يقبل كذبة بسيطة على أن يقبل حقيقة مركبة، فأسهل على العالم أن يقبل ادعاءات الصهيونية بهجرة اليهود نتيجة العداء للسامية، وأن يقبلوا أن الإسرائيليين وليس العرب هم طلاب السلام"!
الهوامش :-
1 - من كتاب (ملامح التاريخ القديم ليهود العراق) تأليف الدكتور أحمد سوسة. الطبعة الثانية (ص:57)
2- ملامح من التاريخ القديم ليهود العراق. مرجع سابق(ص:125-126).
3- ملامح من التاريخ القديم ليهود العراق. مرجع سابق (ص:126).
4 - كتاب (المفسدون في الأرض) للمؤلف س . ناجي _ص:70) نقلاً عن (أنبياء الأرض) للودس (ص:202).
5- كتاب (نزهة المشتاق في تاريخ يهود العراق) للمؤلف يوسف غنيمة (ص:61).
6 - (نزهة المشتاق في تاريخ يهود العراق). مرجع سابق (ص:67).
7 - ملامح من التاريخ القديم ليهود العراق. مرجع سابق(ص:193-194).
8- كتاب (يهود العراق)، ليعقوب يوسف كوريه. الطبعة الأولى 1998 (ص: 10- 13).
9 - كتاب (يهود العراق) مرجع سابق (ص: 14، 16- 17).
10 - كتاب (سيرة وذكريات) الدكتور عدنان الباجة جي، مزاحم الباجة جي (ص:124).
11 - كتاب (يهود العراق) مرجع سابق (ص:143-147 )
12- كتاب (يهود العراق) مرجع سابق (ص:115- 117)