اتفاقية هعفراه: عندما تصافح الصهاينة والنازيون من أجل طرد اليهود إلى فلسطين

إنضم
7 مارس 2022
المشاركات
13,228
التفاعل
19,932 363 12
الدولة
Egypt
بسم الله الرحمن الرحيم

قد يبدو من الجنون أن يُذكر اسم هتلر إلى جانب كلمة صهيونية في سياق اتفاق مشترك، لكن التاريخ، حين يُقرأ بصدق، يفضح ما عجزت الدعاية عن إخفائه.
في عام 1933، وبعد أشهر من صعود الرايخ النازي، وقّعت نخبة من زعماء الحركة الصهيونية اتفاقًا رسميًا مع حكومة هتلر. لم يكن هذا الاتفاق يهدف إلى إنقاذ اليهود من الاضطهاد، بل إلى اختيار من يُنقذ ومن يُترك للموت، حسب ما يخدم مشروع بناء وطن استيطاني في فلسطين.


اتفاقية هافارا لم تكن سوى عملية تصفية ناعمة لليهود في ألمانيا:
من كان يملك المال، خُصص له مخرجٌ نحو "الوطن القومي" المزعوم.
أما الفقراء – أولئك الذين لا يصلحون لبناء الدولة ولا يجلبون معها الاموال للاستثمار في الوطن الجديد– فقد تُركوا لمصيرهم في الأحياء المغلقة ومعسكرات الموت.


الصهيونية لم تكن مشروعًا لحماية اليهود، بل مشروعًا لاختيار نوع معين منهم:
القابل للتهوّر القومي، القادر على الهجرة، المستعد لتحويل مأساته إلى طوبة في جدار الدولة الجديدة، حتى لو تطلب ذلك التحالف مع الجلاد.


في تلك اللحظة، أصبح النازي – الذي يطرد اليهود – شريكًا مرحّبًا به، بينما أصبح اليهودي الفقير غير المناسب للمشروع الصهيوني عبئًا يجب تجاهله.


هافارا ليست مجرد اتفاق اقتصادي أو صفقة مشبوهة، بل شهادة موثقة على أن بعض اليهود لم يُقتلوا فقط بأيدي النازي، بل بخيانة من يدّعون تمثيلهم.

في سطور هذه الاتفاقية، كتب الصهاينة أول فصول دولتهم بالحبر النازي، وعلى حساب دماء أولئك الذين ماتوا بلا أسماء.


1752669259881.png

عملات معدنية سُكت احتفالاً بالتعاون النازي الصهيوني، 1933.



طموح بلا ضمير: كيف أرادت الصهيونية فلسطين ولو على جثث اليهود


■ الصهيونية: مشروع قومي لا ديني، لا إنساني​


من يقرأ التاريخ من بعيد، قد يتصور أن الحركة الصهيونية وُلدت كملجأ أخلاقي لليهود المضطهدين في أوروبا، وأنها جاءت تحمل شعلة الخلاص لجماعة ممزقة بين أممٍ لم تقبلهم يومًا. لكن الحقيقة كانت أبعد ما تكون عن هذا التصور النبيل.فالحركة الصهيونية، كما تشكّلت في نهايات القرن التاسع عشر، لم تنطلق من وجدان ديني، ولا من إحساس تضامني مع يهود الشتات، بل من عقل سياسي أوروبي جاف، استنسخ فكرة القومية كما ظهرت في ألمانيا وفرنسا، وطبّقها على اليهود، لا باعتبارهم جماعة دينية، بل باعتبارهم "شعبًا يجب أن تكون له دولة". لم يكن هذا التفكير مقبولًا في أوساط اليهود أنفسهم، بل قوبل في بداياته بالاستهجان.


لكن الصهيونية، كما صاغها تيودور هرتزل الذي لم يكن رجل دين، ولا ناشطًا اجتماعيًا بين المجتمعات اليهودية الفقيرة في أوروبا الشرقية، بل كان صحفيًا مثقفًا مندمجًا في المجتمع النمساوي الألماني، وكتب أفكاره من مقاهي فيينا وقاعات المؤتمرات البرجوازية. حتي انه في كتابه الشهير "الدولة اليهودية" (1896)، لم تكن يتهم بآراء الجماهير اليهودية أو أحلامهم، بل شاف أن خلاص اليهود لا يكون بالاندماج، بل بخلق كيان يهودي مستقل بأي وسيلة، على أرض مختارة، وبقيادة نخبة اقتصادية وفكرية, لذلك كان من الواضح ان هرتزل لم يكتب دفاعًا عن يهود الحارات الضيقة في بولندا أو روسيا، بل كتب نداءً إلى القوى العظمى كي تمنح اليهود بقعة أرض ينشئون عليها دولتهم، لا باعتبارهم ضحايا، بل باعتبارهم مشروعًا سياسيًا حديثًا، قادرًا على جلب الاستثمار، والانضباط، والعلم الحديث.


و في عام 1897، عُقد أول مؤتمر صهيوني في مدينة بازل السويسرية، حيث تم الإعلان رسميًا عن إنشاء المنظمة الصهيونية العالمية، التي جعلت من فلسطين الهدف السياسي الأول، رغم أن الأرض كانت مأهولة بشعب آخر، له تاريخه وحقوقه, و في تلك اللحظة، لم يكن حديثه عن وطن لليهود، بل عن مستوطنة نفعية تنتقي من اليهود فقط من يصلحون للزراعة والعمل والانضباط والبناء، أي النخبة فقط. أما البقية – من الفقراء، المتدينين، والمندمجين في المجتمعات الأوروبية – فلم يكن لهم مكان في هذا المشروع. لقد رآهم عبئًا، أو في أحسن الأحوال، مادة خام يجب أن تُشكَّل من جديد.


وقد عبّر هرتزل بوضوح عن هدفه النخبوي الانتقائي، حين كتب في مذكراته:



"سيرحل الأغنياء أولًا، والبقية سيتبعونهم لاحقًا. سنتولى نحن خلق بيئة صعبة لا تجعل اليهود قادرين على البقاء في أوروبا."

كأنما كان يقول: لن ننقذ اليهود من الكارثة، بل سنخلقها بأنفسنا إذا تطلّب الأمر ذلك... لكي يأتوا إلينا.

1752669413878.png


"اليهود الخطأ": الفقراء والمتدينون والمندمجون


لم تكن الصهيونية تمثل يهود أوروبا، لا عدديًا ولا فكريًا. بل كانت تُهاجم علنًا:


  • اليهود المتدينين الذين اعتبروا أن العودة إلى فلسطين لا تجوز إلا بيد الله، لا السياسة.
  • واليهود الاندماجيين الذين رأوا أنفسهم مواطنين ألمان أو فرنسيين من الديانة اليهودية، لا "شعبًا غريبًا".

وقد كتبت "رابطة اليهود الألمان" في أحد بياناتها عام 1935:


"نحن مواطنون ألمان من الديانة اليهودية، لا نريد أن تُفرض علينا قومية لم نطلبها. الصهيونية تشكّل خطرًا على ولائنا ووجودنا."

الصهاينة، بدورهم، لم يخفوا ازدراءهم بهؤلاء, ففي مؤتمرات المنظمة الصهيونية العالمية خلال العقود التالية، كتب أحد القياديين في المنظمة في عشرينيات القرن العشرين قائلًا:"نحن لا نسعى لنقل كل اليهود إلى فلسطين. هذا وهم. نحن نحتاج إلى من يمكنهم بناء دولة، لا من يطلبون الخلاص."حتى في الرسائل المتبادلة بين الزعماء الصهاينة، كان هناك قلق واضح من أن يؤدي نقل اليهود الفقراء من أوروبا الشرقية إلى فلسطين إلى "تشويه البنية الديموغرافية للمشروع"، ولهذا سعوا إلى فرض شروط مالية وعملية على الهجرة، بحيث لا يصل إلا من تتوفر فيه الصفات المطلوبة.

قال ناحوم غولدمان، أحد أبرز وجوه الحركة الصهيونية لاحقًا:



"لم يكن هدفنا إنقاذ اليهود من الموت، بل خلق يهود جدد لبناء الدولة. كان لا بد من اختيار من يصلحون، لا من يحتاجون."


ألمانيا: أرض التنوير... وكراهية مكبوتة


بينما كانت الصهيونية تختار من "يستحق الحياة في وطن قومي"، كانت ألمانيا تغلي على نار بطيئة. ففي النصف الثاني من القرن التاسع عشر، بدت ألمانيا وكأنها بلد المستقبل، قوة صناعية صاعدة، ذات مؤسسات حديثة، وفكر علماني منفتح. وقد وجد فيها اليهود بيئة واعدة: انخرطوا في الجامعات، تسلقوا السلم الاقتصادي، وأصبحوا جزءًا من الطبقة الوسطى، بل والنخبة في بعض الأحيان.
لكن خلف هذا الاندماج، ظلت كراهية مكبوتة تتغذى على القومية الجرمانية المتطرفة، وعلى التصورات القديمة التي ربطت اليهود بالمال والفساد والانحلال الثقافي.


بعد الحرب العالمية الأولى، سقط القناع. ألمانيا المهزومة، المذلولة بشروط معاهدة فرساي، وجدت في اليهود هدفًا جاهزًا لإسقاط اللوم. ارتفعت نسب البطالة، انهار الاقتصاد، وتضخّم الغضب الشعبي، وظهر الخطاب الذي يقول: "اليهود خانوا الوطن"، و"اليهود يسيطرون على البنوك والإعلام".


أحد ملصقات الدعاية اليمينية عام 1928 كتب:
"اليهود سرقوا خبزنا، وثقافتنا، وكرامتنا. أعيدوهم من حيث أتوا."

1752670273330.png

تصوير اليهود على أنهم ماركسيين ومرابين ومستعبدين للآخرين

صعود النازية: من الكراهية العشوائية إلى البرنامج المنظم​


لم تكن تلك الأفكار وليدة النازيين، لكنها وجدت في أدولف هتلر من يجمعها في خطاب سياسي شامل. وحين أصدر كتابه كفاحي، أظهر فيه موقفًا لا لبس فيه: "اليهود ليسوا جزءًا من ألمانيا، بل خطر داخلي يجب اقتلاعه". لكنه، رغم تطرفه، لم يدعُ في البداية إلى القتل، بل إلى الطرد والترحيل. كان يرى أن الحل هو إخراج اليهود من أوروبا تمامًا، وقد راودته، كما تُظهر وثائق لاحقة، أفكار عدة: إرسالهم إلى مدغشقر، أو إلى بولندا الشرقية، أو أي مكان يقبلهم.


في خطاب له عام 1937، قال هتلر:
"إذا تعاون اليهود مع مشروع ترحيلهم الجماعي، فسنُسهل لهم ذلك. نحن لا نريد قتلهم، بل التخلص منهم."

وقد فسر الصهاينة هذا العرض ليس كتهديد، بل كـ"فرصة تاريخية".
وصرّح أحد مسؤولي الحركة الصهيونية الألمانية، كورت بلومنفلد:



"إذا أغلق العالم أبوابه، وفتح هتلر باب الرحيل إلى فلسطين، فليكن. لن نطلب من الجميع أن يُنقَذوا."

وفي هذا السياق بالضبط، بدأت جسور الاتصال الأولى مع الحركة الصهيونية. لقد تلاقى الطرفان – النازية والصهيونية – في قناعة واحدة، وإن اختلفت دوافعهما:أن لا مكان لليهود في أوروبا.


النازيون أرادوا "تطهير ألمانيا".والصهاينة أرادوا "بناء وطن نقي".أما يهود ألمانيا العاديون، فقد وجدوا أنفسهم بين فكّي كماشة: نظام يطردهم، وحركة تدّعي تمثيلهم لكنها لا تريدهم، إلا إذا كانوا يملكون المال والرغبة في الهجرة إلى فلسطين.


في هذه اللحظة، لم تعد الخيانة احتمالًا... بل صارت سياسة.
 

ولادة الاتفاق: حين جلس الصهاينة والنازيون على الطاولة ذاتها


في صيف عام 1933، لم يكن مضى على وصول أدولف هتلر إلى الحكم سوى بضعة أشهر. ومع ذلك، كانت حملة اضطهاد اليهود قد بدأت في كل زاوية من زوايا ألمانيا: المقاطعة الاقتصادية، الحرق العلني للكتب اليهودية، فصل الموظفين من مؤسسات الدولة، والاعتداءات اليومية على الأفراد والمتاجر والمعابد. بدا الأمر كما لو أن ألمانيا دخلت حقبة تطهير هادئ... لكنه منظم.


وسط هذه العاصفة، لم تكن كل القوى اليهودية في أوروبا موحدة في موقفها. في نيويورك ولندن وباريس، ارتفعت الأصوات المطالبة بفرض مقاطعة اقتصادية عالمية على ألمانيا النازية، خاصة من قِبَل المنظمات اليهودية الليبرالية واليسارية. الصحف اليهودية شنت حملة ضد الرايخ الثالث، والمظاهرات خرجت في المدن الكبرى، تحمل لافتات: "لا نشتري من قاتلينا".



1752670941306.png


لكن في الجهة الأخرى من العالم، كان هناك صوت مختلف تمامًا... وأكثر هدوءًا، لكنه أكثر تأثيرًا.


في فلسطين، كانت الوكالة اليهودية – الذراع السياسي للحركة الصهيونية – تتابع الوضع في ألمانيا بعين القلق، لكن قلقها لم يكن إنسانيًا بقدر ما كان استراتيجيًا. فقد رأت في هذا الاضطهاد فرصة لا تُقدّر بثمن: إنه أخيرًا السبب الكافي لدفع اليهود إلى الهجرة إلى فلسطين. لكن كيف يمكن ذلك، إذا كانت بريطانيا – صاحبة الانتداب – تفرض قيودًا على الهجرة؟ وإذا كان اليهود الفقراء، الذين يشكّلون غالبية المتضررين، لا يملكون ما يسمح لهم بتأسيس حياة جديدة؟


هنا بزغت الفكرة: عقد اتفاق رسمي مع الحكومة النازية لنقل فئة منتقاة من اليهود الألمان إلى فلسطين، بشرط أن تُتاح لهم فرصة نقل جزء من أموالهم، لا مباشرة، بل عبر آلية اقتصادية تضمن الاستفادة منها في فلسطين فقط. وهكذا، بدأت المفاوضات.


من الجانب الصهيوني، قاد العملية فرع المنظمة الصهيونية في ألمانيا، الذي كان على علاقة – ليست سرية – ببعض الشخصيات النازية ذات النفوذ. ومن أبرز هؤلاء كان هيمار شاخت، وزير الاقتصاد في الرايخ، والمقرّب من هتلر. شاخت لم يكن يعادي الصهيونية، بل وجد فيها "حلًا اقتصاديًا ذكيًا" للمشكلة اليهودية، طالما أنها تساعد في التخلص من اليهود، وتنقذ الاقتصاد الألماني من ضغوط المقاطعة.


المفاوضات لم تأخذ وقتًا طويلًا. فقد كان الطرفان جاهزين. النازيون يريدون إخراج اليهود بأي وسيلة، دون أن يفقدوا رأس المال الألماني المتراكم لديهم. والصهاينة يريدون انتقاء من يصلح للهجرة إلى فلسطين – بشرط أن يكون غنيًا بما فيه الكفاية ليدفع، وقويًا بما يكفي ليبني.


وفي 25 أغسطس 1933، تم توقيع ما سُمِّي لاحقًا بـ "اتفاقية هافارا" (Haavara Agreement). الكلمة مأخوذة من العبرية، وتعني "الترحيل" أو "التحويل"، لكنها كانت في الواقع اسمًا رمزيًا لتصفية منهجية هادئة.


بموجب الاتفاق، يُسمح لليهودي الألماني الذي يرغب في الهجرة إلى فلسطين، أن يودع مبلغًا من ماله في حساب داخل ألمانيا، يُستخدم بعد ذلك لشراء سلع ألمانية تُصدَّر إلى فلسطين، وتُباع هناك، ثم تُحوّل عائداتها إلى المهاجر عند وصوله.
وهكذا، لا يخرج المال نقدًا من ألمانيا (وهذا يُرضي النازيين)، ولا يُحرم المهاجر اليهودي من كل ثروته (وهذا يُرضي الصهاينة)، ويتم دعم الاقتصاد الألماني بالعملية التجارية (وهو مكسب واضح للرايخ).



1752671013114.png

تفاقية النقل المستخدم من قبل Palästina Treuhandstelle (مكتب أمانة فلسطين[14])، الذي تأسس خصيصًا لمساعدة اليهود الفارين من النظام النازي على استعادة جزء من الأصول المالية التي أجبروا على تسليمها عندما فروا من ألمانيا النازية.


من ينظر إلى هذا الترتيب بتجرد، سيظنه اتفاقًا ماليًا بحتًا. لكن الحقيقة كانت أعقد وأخطر: لقد كانت تلك أول مرة يعترف فيها النظام النازي رسميًا بالحركة الصهيونية كشريك تفاوضي، ويمنحها شرعية داخل الأراضي الألمانية، بينما يُحظر التعامل مع سائر المنظمات اليهودية الأخرى، التي كانت تُوصف بـ "العالمية والخائنة".


ولم يتوقف الأمر عند الاعتراف؛ بل بدأت الحكومة الألمانية تدعم الصحف الصهيونية داخل ألمانيا، مثل Jüdische Rundschau، وتمنح تأشيرات سفر خاصة للمهاجرين إلى فلسطين، وتُسهل إجراءاتهم، في الوقت الذي كانت فيه تمنع يهود أوروبا الشرقية من الدخول إلى البلاد أو مغادرتها.


بين عامي 1933 و1939، نُقل بموجب الاتفاق أكثر من 60 ألف يهودي ألماني إلى فلسطين، وتم تحويل ما يعادل 100 مليون مارك ألماني من أموالهم عبر هذه الآلية، ما ساهم بشكل مباشر في تمويل البنية الاقتصادية للمشروع الصهيوني الناشئ.


لكن من لم يُنقَل؟
لم يُنقَل الفقراء، ولم يُنقَل كبار السن، ولم يُنقَل الأطفال، ولم يُنقَل من لا يملك الحد الأدنى من رأس المال. هؤلاء تُركوا لمصيرهم، وهم الذين شكّلوا غالبية من ماتوا لاحقًا في معسكرات الإبادة.


1752671154456.png


وفي الأثناء، كانت الحملة العالمية لمقاطعة ألمانيا تفقد زخمها. فالاتفاق، وإن لم يُعلن عنه صراحة في البداية، كان معروفًا في دوائر القرار. وقد اعتبر كثير من المفكرين اليهود واليساريين الغربيين أن ما فعله الصهاينة هو "خيانة صريحة للمعركة الأخلاقية ضد النازية".


كتب فلاديمير جابوتنسكي، الصهيوني القومي الذي اختلف مع التيار العام في الوكالة اليهودية، بمرارة:



"لقد باعوا دماء إخوانهم مقابل بضعة قوافل مهاجرين، وسمّوها نصرًا دبلوماسيًا. لن تُغفر لهم."

لكن الزعماء الصهاينة لم يندموا. بل قال أحدهم، في اجتماع لاحق:


"إذا كان علينا أن نختار بين مقاطعة رمزية، وهجرة عملية إلى فلسطين، فنحن لا نتردد. السياسة ليست أخلاقًا."

وهكذا، لم تكن اتفاقية هافارا مجرد وثيقة اقتصادية، بل لحظة مفصلية كشفت عن جوهر الحركة الصهيونية: مستعدة للتحالف مع العدو، طالما أنه يخدم حلمها، ومستعدة للتضحية بأبناء جلدتها، طالما أنهم لا يصلحون للمستقبل.

1752671305588.png

شهادة هافارا نادرة جدًا، مؤرخة في 12 أغسطس 1935، بشأن تحويل 205.24 مارك ألماني من قبل يعقوب وبنيامين ليفكوفيتز




من الذي استفاد؟ ومن الذي تُرك للمحرقة؟ التصفية الطبقية داخل الجسد اليهودي


حين وُقّعت اتفاقية هافارا عام 1933، كانت تُقدَّم، في الخطاب العلني الصهيوني، كـ"نصر" و"حل عملي" و"اختراق سياسي أنقذ آلاف اليهود من براثن النازية". لكن وراء هذا السرد الرسمي، كانت الحقيقة أبشع من أن تُقال على الملأ: الاتفاق لم يكن إنقاذًا جماعيًا لليهود، بل عملية انتقاء منظمة، نُقل فيها من يمكن توظيفه في بناء الدولة، وتُرك الباقي لمصيرهم تحت أحذية الجستابو.


الآلية التي فرضتها اتفاقية هافارا لم تكن مفتوحة للجميع. لم يكن في وسع أي يهودي ألماني أن يستيقظ صباحًا، ويقرر أن يهاجر إلى فلسطين محمّلًا ببقايا ماله وكرامته. الاتفاق اشترط أن يكون المهاجر قادرًا على إيداع ما يعادل ألف جنيه استرليني تقريبًا في حساب خاص داخل ألمانيا، وهو مبلغ ضخم حينها، لا يملكه إلا من كان من أبناء الطبقة الوسطى العليا أو الأثرياء.


ولم يكن يكفي أن تمتلك المال. كان لا بد أن تكون شابًا، سليم البدن، تملك حرفة أو معرفة زراعية أو صناعية. يجب أن تكون مفيدًا للمستوطنة، لا عبئًا. كان يُنظر إلى المهاجرين كـ"بذور بناء الدولة"، لا كضحايا يجب إنقاذهم. ومن لم تنطبق عليه هذه الشروط – وكانوا الأغلبية الساحقة – لم يُؤخذ بعين الاعتبار.


بهذا المعنى، تحوّلت الهجرة إلى فلسطين إلى نوع من التصفية الطبقية. فالمال أصبح جوازًا للنجاة، والشباب كان تصريحًا بالمرور. أما كبار السن، الأطفال، الأرامل، الفقراء، العاجزون، المتدينون، الذين لم يرغبوا في الانخراط في المشروع القومي، أو لم يمتلكوا الوسائل لذلك، فقد تُركوا وراء الجدار، في قلب الجحيم الألماني.


وفيما كان قادة الحركة الصهيونية يحتفلون بوصول القوافل الأولى من "المهاجرين المختارين"، كانت الشرطة النازية تملأ شوارع برلين وليبزيج وهامبورج، تعتقل المئات يوميًا، وتُغلِق المؤسسات، وتُرحّل العائلات. وكانت القوانين العرقية تصدر تباعًا، تحرم اليهود من التعليم، والمواطنة، والطبابة، والتملك. لكن كل هذا لم يدفع القائمين على الاتفاق إلى إعادة النظر فيه أو توسيعه ليشمل الفئات المستضعفة.


ما جعل الأمر أكثر مأساوية هو أن بعض المهاجرين، بعد وصولهم إلى فلسطين، بدأوا يُعامَلون لا كناجين، بل كـ"عناصر مهاجرة نفعية"، عليهم أن يثبتوا جدارتهم بالوجود، وأن يخضعوا للانضباط الاقتصادي والسياسي للمشروع الصهيوني. لم تكن هناك عناية خاصة بضحايا الهولوكوست لاحقًا، ولا مراعاة لتجاربهم المروعة. بل إن بعض القيادات، مثل دافيد بن غوريون، عبّروا علنًا عن امتعاضهم من "النفسية الانهزامية" التي جاء بها كثير من اللاجئين بعد الحرب، معتبرين أن هؤلاء ليسوا مؤهلين ليكونوا بناة أمة، بل يجب "إعادة تربيتهم"!


وفي تلك اللحظة، أصبح اليهودي الضحية مُطالبًا بإثبات صلاحيته للصهيونية. لقد تحوّلت الهجرة إلى فلسطين من ملاذ إلى اختبار.
ومن لم ينجح في الاختبار، لم يُنظر إليه كفرد يحتاج الحماية، بل كـ"فائض بشري".


من ناحية أخرى، استفاد النازيون اقتصاديًا من الاتفاق. فقد حافظت ألمانيا على جزء من تدفق صادراتها، عبر السلع المرسلة إلى فلسطين، وهو أمر ساعد في خرق جزئي للمقاطعة الاقتصادية الدولية التي فُرضت على الرايخ في تلك السنوات. كانت الحسبة النازية واضحة: بدل أن نخسر أموال اليهود المهجّرين، فلنحوّلها إلى تجارة خارجية تخدم الدولة.



ومن الجانب الصهيوني، كانت الفائدة مزدوجة: تمويل مباشر للاستيطان عبر الأموال المحوّلة، وشرعية دولية مضاعفة، خاصة أن التعاون مع حكومة كبرى، حتى وإن كانت فاشية، أعطى للحركة الصهيونية موقعًا تفاوضيًا أقوى أمام بريطانيا، التي بدأت تراجع موقفها من وعد بلفور بفعل ثورة الفلسطينيين الكبرى (1936–1939).


لكن الثمن الأخلاقي كان هائلًا. آلاف اليهود تُركوا لأنهم لم يمتلكوا "الملف المالي الصحيح"، أو لم يكونوا مناسبين للبناء القومي. كثير منهم أُحرقوا لاحقًا في أوشفيتز، أو جُوّعوا في حي وارسو، أو قُتلوا في حفر جماعية في بولندا وروسيا. كان بالإمكان – على الأقل – أن تُوجَّه الجهود لإنقاذهم أو الضغط لفتح الأبواب لهم في أي مكان. لكن حتى ذلك لم يكن من أولويات الوكالة اليهودية.


بل إن هناك وثائق ظهرت لاحقًا، تشير إلى أن بعض القيادات الصهيونية رفضت مقترحات بديلة لنقل أعداد كبيرة من اليهود إلى أماكن أخرى غير فلسطين، بحجّة أن ذلك قد "يُضعف فكرة الوطن القومي"، ويجعل اليهود يرضون بالشتات مجددًا.


في إحدى مراسلات دافيد بن غوريون عام 1938، كتب بوضوح مروّع:



"إذا خُيِّرنا بين إنقاذ كل أطفال اليهود في ألمانيا عبر إرسالهم إلى إنجلترا، أو إرسال نصفهم إلى فلسطين، فنحن نختار النصف الذي يذهب إلى فلسطين."

ما قيل في تلك السطور، وما فُعِل في تلك السنوات، لم يكن دفاعًا عن حق اليهود في الحياة، بل دفاعًا عن مشروع سياسي لا يحتمل الضعفاء.
لقد قسمت اتفاقية هافارا اليهود إلى طبقتين:
فئة تستحق الحياة... وفئة لا بأس إن ماتت.


1752671661137.png

ملصق باللغة العبرية يدين اتفاقية هعفارا
 

المرفقات

  • 1752671792040.png
    1752671792040.png
    6.4 MB · المشاهدات: 3

ردود الفعل: من احتج؟ ومن صمت؟ وماذا قالت الجماعات اليهودية حول العالم؟


حين بدأت تفاصيل اتفاقية هافارا تتسرب إلى خارج ألمانيا، لم تكن الهزة الأولى داخل الشارع الأوروبي، بل في أوساط اليهود أنفسهم.
فقد كان وقع الخبر في البداية غير قابل للتصديق: كيف تتفاوض منظمة صهيونية – تزعم أنها تمثل آمال الأمة اليهودية – مع أكثر الأنظمة معاداة للسامية في أوروبا، بعد شهور قليلة فقط من صعود هتلر إلى السلطة؟
كيف يمكن لفكرة "الإنقاذ" أن تبدأ بسلام الشرف مع الجلّاد؟


الصدمة الأولى جاءت من الولايات المتحدة، حيث كانت المنظمات اليهودية الليبرالية والاشتراكية نشطة للغاية في الدفاع عن اليهود الألمان، وتنظيم حملات لمقاطعة الاقتصاد النازي.
ففي نيويورك، قادت اللجنة اليهودية الأمريكية (AJC) ورابطة مكافحة التشهير (ADL) تحركات واسعة، دعت فيها إلى وقف التعامل مع أي جهة تتعاون مع حكومة هتلر.


1752672396447.png


وقد نظّمت الجاليات اليهودية مظاهرات ضخمة في مدن مثل نيويورك وشيكاغو وبوسطن، رُفعت فيها لافتات تقول:


"لا تعامل مع النازيين... ولا تبرئة للصهاينة!"

أما الصحف اليهودية في أوروبا، خاصة في بريطانيا، فقد عبّرت عن استهجانها الصريح للاتفاق، ووصفت ما جرى بأنه "تضحية سياسية بأرواح الأبرياء في سبيل مشروع قومي ضيق".


في ألمانيا ذاتها، ورغم القبضة النازية المشددة، حاولت بعض الجماعات اليهودية المحافظة، مثل "رابطة اليهود الألمان"، أن ترفع صوتها احتجاجًا، فكتبت في منشور سرّي وُزّع على نطاق ضيق:



"لقد تخلّت عنا المنظمة التي تزعم تمثيلنا. لقد اختارت أن تنقذ من يناسب مشروعها، لا من هو في خطر. هذه ليست تمثيلًا... بل تخلٍّ."

أما اليهود الأرثوذكس، الذين لم يؤمنوا أصلًا بالمشروع الصهيوني، فقد عبّروا عن غضبهم بأسلوب ديني أكثر، معتبرين أن ما جرى هو "تحالف مع الشر، مخالف لتعاليم التوراة". كتب أحد حاخامات أوروبا الشرقية الكبار في رسالة دينية إلى أتباعه:


"من يفاوض الفراعنة، ويقبل مال فرعون ليبني معبدًا في الصحراء، لا يبني وطنًا... بل يكرّس المنفى."

لكن ربما كانت أكثر الردود مرارة وتأثيرًا تلك التي صدرت عن المفكر اليهودي النمساوي الاشتراكي برونو كرايسكي – الذي أصبح لاحقًا مستشارًا للنمسا – فقد كتب لاحقًا في مذكراته:


"الصهاينة لم ينقذوا اليهود من النازية، بل أنقذوا مشروعهم من الفشل على حساب اليهود. من يقرأ أوراق تلك الاتفاقية يعرف أن المال، لا الأرواح، هو الذي حُمل إلى فلسطين."

ولم تقتصر المعارضة على اليهود. فقد كتب بعض الصحفيين اليساريين الأوروبيين مقالات شديدة النقد للاتفاق. نشرت صحيفة Le Populaire الفرنسية، التابعة للحزب الاشتراكي، مقالًا بعنوان:


"صفقة العار: كيف أنقذت الصهيونية تجارة الرايخ على حساب الموتى القادمين؟"

لكن في مقابل هذا كله، ساد الصمت في أماكن أخرى.


الوكالة اليهودية العالمية – التي قادت التفاوض – دافعت عن الاتفاق بلا مواربة.
بل أرسلت إلى الجاليات اليهودية منشورات تُبرر فيه التعاون مع النازيين، بزعم أنه "حل واقعي أمام عالم مغلق الأبواب".
وحين سُئل أحد أعضائها البارزين، في اجتماع مغلق، عمّا إذا كان يعتبر الاتفاق تنازلًا أخلاقيًا، أجاب ببرود:



"الأخلاق لا تبني دولًا. والعدو الذي يسمح لنا بالمرور ليس عدونا، بل ممر إلزامي."

حتى دافيد بن غوريون، الذي عُرف لاحقًا بلقب "أبو إسرائيل"، لم يُظهر أي ندم أو تردد في الدفاع عن هافارا. بل قال لاحقًا، في اجتماع داخلي عام 1938:


"لن نبني وطنًا من جثث العاطفيين. من لا يملك المال أو القوة، فلن يكون جزءًا من المستقبل."

بهذه الصراحة الجارحة، تتضح الملامح. لم يكن ما جرى خلافًا تكتيكيًا بين فصائل يهودية، بل انقسامًا وجوديًا بين من رأى أن اليهود شعب يجب إنقاذه، ومن رأى أنهم مادة تُصهر لبناء دولة، وتُلقى بقاياها في النسيان.


هافارا لم تكن اتفاقًا بين الصهاينة والنازيين فقط، بل كانت خيانة موثّقة من قِبَل نخبة ادّعت تمثيل شعب، ثم ذبّحت هذا الشعب بأدوات المصالح والحسابات.




ما بعد الاتفاق: كيف مهّدت هافارا لواقع إسرائيل... ولمحرقة الملايين؟


حين تتبّع المؤرخون لاحقًا مسار الأحداث بين 1933 و1945، تبيّن أن اتفاقية هافارا لم تكن مجرد حل مؤقت لأزمة مرحلية، بل لحظة محورية في التاريخ الحديث.
فهي أول حلقة موثقة لتحالف تكتيكي – لكن بالغ التأثير – بين أكثر نظام معادٍ لليهود في التاريخ الحديث، وبين حركة تدّعي تمثيلهم، لكنها كانت تختار من بينهم من يستحق النجاة، وتشيح وجهها عن من لا يخدم مشروعها.


في فلسطين، كانت آثار الاتفاق شبه فورية. آلاف المهاجرين الأثرياء من ألمانيا، مع ما حملوه من رؤوس أموال وخبرات صناعية وزراعية، أعطوا دفعة قوية للاستيطان اليهودي.
ففي غضون بضع سنوات فقط، تغيّرت ملامح الاقتصاد المحلي.
الطبقة الوسطى اليهودية الجديدة القادمة من برلين وفرانكفورت أسّست المصارف، والمصانع، ومزارع البرتقال، والورش الحديثة.
ولم تكن هذه النهضة بمعزل عن السياسة، بل شكلت لاحقًا البنية الاقتصادية للنواة الصلبة للدولة التي أُعلنت عام 1948.


وبينما كانت هذه المشاريع تتوسع، كان الفلسطينيون يُقتلعون من أراضيهم تدريجيًا، إما بالمضايقات القانونية تحت الانتداب البريطاني، أو عبر الشراء المدعوم من رأس المال القادم في حقائب “الناجين” المنتقين بعناية.
بمعنى آخر، لم تكن اتفاقية هافارا مجرّد إنقاذ لفئة من اليهود، بل كانت سلاحًا اقتصاديًا يمهّد لإحلال ديموغرافي قادم، ساهمت فيه بريطانيا بتواطئها، وألمانيا بمساهمتها غير المباشرة، والصهيونية بحسابها البارد.


أما في أوروبا، فكانت النتائج مأساوية على نحو لا يمكن ستره.
فمنذ لحظة توقيع الاتفاق، تراجعت زخم حملة المقاطعة الدولية للنازية. أصيبت حركة التضامن اليهودي بالانقسام، وصار صوت "التعامل الواقعي" هو الأعلى.
وفي هذا المناخ، وجد هتلر أن من يعارضونه داخل المجتمع اليهودي صاروا معزولين حتى من داخل جماعتهم نفسها.
وكلما ارتفعت أصوات الاستغاثة من داخل الأحياء اليهودية في برلين وميونيخ، كانت تُقابل بصمت أو تهرّب من قبل الزعامات الصهيونية.


بعض المؤرخين – مثل لينني برينر في كتابه Zionism in the Age of the Dictators – ذهبوا أبعد من ذلك، فرأوا أن تعاون الصهيونية مع الرايخ لم يساعد فقط في نقل الأموال، بل ساهم في منح النظام النازي غطاء أخلاقي مؤقت، أخر ردود الفعل الدولية، ومهّد بالتالي لمحرقة لاحقة جرت بهدوء قاتل.
فالعالم الذي رأى أن اليهود أنفسهم يتفاوضون مع هتلر، لم يكن مستعدًا لاحقًا للتدخل حين بدأت القطارات تمتلئ، والمداخن تتصاعد.


والأسوأ، أن ما جرى لاحقًا – أي الإبادة الجماعية لستة ملايين يهودي – لم يدفع الحركة الصهيونية لمراجعة نفسها، بل حوّلت الكارثة إلى أداة تبرير لاحقة، وشرعية جديدة لدولة أُقيمت في فلسطين، لا في أوروبا التي احترقت فيها الجثث.
صار من يُشكك في الصهيونية يُتّهم بعدم احترام ذاكرة الهولوكوست، وكأن الدولة التي ساعدت على فرز الضحايا، تلبّست لاحقًا ثوب المأساة لتبرير مشروعها بالكامل.


وفي هذه المعادلة، كانت فلسطين هي الضحية التي لا صوت لها.
فالأرض التي فُرض عليها أن تستقبل المشروع الصهيوني، لم تكن يوما هي المسؤولة عن اضطهاد اليهود في أوروبا، لكنها دفعت الثمن، بكل ما للكلمة من معنى:
اقتلاع، تشريد، نكبة، قتل، احتلال... وكل ذلك باسم "الخلاص من الاضطهاد".
بل إن رواية الصهيونية للعالم كانت، ببساطة: "نحن عائدون من جحيم أوروبا، وأنتم ملزمون بأن تعطونا الأرض والتاريخ والمستقبل."


لكن المأساة الحقيقية كانت داخل الصف اليهودي نفسه.
فلم يكن كل يهودي ضحية، ولم يكن كل صهيوني منقذًا.
هافارا أثبتت أن من لم يُناسب المشروع، رُمي خلفه.
وأن الحلم لم يكن إنسانيًا، بل سياسيًا باردًا، لا يرى الإنسان بل يراه أداة.


ربما يكون القول الأشهر الذي يلخص كل هذا ما قاله لاحقًا المؤرخ اليهودي إسرائيل شاحاك:


"إن الصهيونية لم تفشل في إنقاذ اليهود... لأنها لم تحاول قط."

1752672809344.png
 

الخاتمة: حين يصبح الخلاص ملوّثًا بالخيانة


ليست اتفاقية هافارا مجرد سطر غامض في هامش تاريخ الهولوكوست، ولا تفصيلًا إداريًا في نشأة إسرائيل، بل مرآة عاكسة لما يمكن أن يفعله المشروع السياسي حين يتحرر من الأخلاق، ويُقيّم الناس بميزان المنفعة، لا بالعدالة.


لقد جلست الحركة الصهيونية، في لحظة ضعف تاريخي لليهود، إلى الطاولة مع الجلاد. لم تساوم على حياتهم جميعًا، بل اختارت منهم من تراه جديرًا بالنجاة.
وهكذا، لم يكن "الخلاص" الذي قدمته اتفاقية هافارا خلاصًا جماعيًا، بل صفقة نخبوية، غُسلت فيها الأموال بدماء الفقراء، ونُقلت النخبة إلى الوطن الموعود، بينما تُركت الجماهير في أفران الغاز.


ما يجعل هذه القصة أكثر مأساوية هو أن ضحايا النازية الحقيقيين – الذين لم يُنقذوا – صاروا لاحقًا مبررًا لقيام دولة لم تكن لهم، بل أُقيمت على حساب شعبٍ آخر، لم يكن له يد في كل هذه الجرائم.
لقد تم استخدام رماد المحرقة لبناء جدار من الصمت، لا يُسمح لأحد بتجاوزه، وجُعل من الصهيونية صوت الضحية، في حين أنها – في لحظة الحقيقة – لم تكن سوى مقاول فرعي في مشروع التهجير الجماعي.


ومن المفارقات السوداء، أن من يجرؤ اليوم على كشف هذه الحقائق، يُتهم بـ"معاداة السامية"، وكأن التواطؤ مع النازية صار أقل جرمًا من فضحه.
لكن الحقيقة لا تموت.
والتاريخ، مهما كُتب بأيدي الأقوياء، يظل يحتفظ بذاكرته الأصلية، التي يمكن لمن يفتّش جيدًا أن يسمع فيها صوتًا ضعيفًا، لكنه عنيدًا... صوت اليهود الذين لم يكونوا صهاينة، ولم يكونوا عملاء، بل فقط بشرًا، تُركوا للموت لأنهم لم يصلحوا "للمشروع".


هؤلاء هم الذين غُدر بهم مرتين: مرةً على يد هتلر، ومرةً على يد من زعموا أنهم يمثّلونهم.


وإذا كان هناك من درسٍ أخلاقي من هذه القصة، فهو أن الضحايا لا يصبحون دائمًا أنبياء، وأن بعض من تَمسّك بصفة "الناجي" كان أول من ساهم في صناعة مأساة جديدة، على أرض جديدة، ضد شعب جديد.


لقد تصافح الصهاينة والنازيون ذات يوم... ومن هذا السلام، وُلدت دولة، وماتت قِيَم.
 
الصهيونيه حسب ما اعرفه عنها ان لم تكن معلوماتي خاطئه هي علمانيه سياسيه رأس ماليه تكاد تكون ملحده في بعض الأحيان لمصالحها الخاصه وهي حركه لا علاقه لها باليهوديه ولكن تتغطي بغطاء الدين اليهودي لتحقيق مصالحها.

علي العموم بأحث في التاريخ @بأحث في التاريخ جهز نفسك لتدليس وتكذيب طسم لموضوعك عندما يعلم به. الله يعينك عليه وشكرا لك علي تعبك في كتابه الموضوع 🌹
 
الصهيونيه حسب ما اعرفه عنها ان لم تكن معلوماتي خاطئه هي علمانيه سياسيه رأس ماليه تكاد تكون ملحده في بعض الأحيان لمصالحها الخاصه وهي حركه لا علاقه لها باليهوديه ولكن تتغطي بغطاء الدين اليهودي لتحقيق مصالحها.

علي العموم بأحث في التاريخ @بأحث في التاريخ جهز نفسك لتدليس وتكذيب طسم لموضوعك عندما يعلم به. الله يعينك عليه وشكرا لك علي تعبك في كتابه الموضوع 🌹
مؤسسينه و متبني أفكاره معظمهم ملاحده اصلاً

كان في مقطع مضحك شفته لواحد اسرائيلي ملحد بيقول ان دي أرض ربنا أداها ليهم و في نفس الوقت بيقول انه ملحد

طسم انا بسميه جهلول المنتدي عامل ليه تجاهل و بريح دماغي من هبده
 
مؤسسينه و متبني أفكاره معظمهم ملاحده اصلاً

كان في مقطع مضحك شفته لواحد اسرائيلي ملحد بيقول ان دي أرض ربنا أداها ليهم و في نفس الوقت بيقول انه ملحد

طسم انا بسميه جهلول المنتدي عامل ليه تجاهل و بريح دماغي من هبده
مفيش يهودى ملحد قابلت يهودى علمانى من قبل ولكنه يدعم اسرائيل وبعض الصناديق دعم مالى رغم أنه غير متدين ويكره المتدينين ولكن فكر وطن قومى لليهود يدعمه العلمانى قبل المتدين
 
مفيش يهودى ملحد قابلت يهودى علمانى من قبل ولكنه يدعم اسرائيل وبعض الصناديق دعم مالى رغم أنه غير متدين ويكره المتدينين ولكن فكر وطن قومى لليهود يدعمه العلمانى قبل المتدين
كثير من اليهود يعتبر ملاحده اصلا هرتزل ذات نفسه يعتبر ملحد اكتر من كونه يهودي و غيره كتير

عموما اليهودي المتدين مش عدل يعني كلهم اوسخ من بعض
 


شكرا لجهودك في هذا الموضوع
حقيقة الموضوع كتب باسلوب ممتع للقارئ
 
عودة
أعلى