هذه دراسة جيدة يااخوان
دخلت الحرب الإسرائيلية على غزة أسبوعها الثالث، ورغم قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1860 يستمر إطلاق النار الذي ابتدأته إسرائيل بتاريخ 27 ديسمبر/ كانون الأول 2009، ولكن الملامح الأساسية لنتائج الحرب وللدروس منها وعبرها باتت ترتسم بوضوح لتكون محل توقف الباحثين العسكريين الإستراتيجيين والعسكريين، الذين تشكل لهم هذه الحرب مادة دسمة تستعمل للإنارة على مستقبل الإستراتيجيات العسكرية بصورة عامة وفي الشرق الأوسط بصورة خاصة.
في ظل قرار غربي أميركي ببقاء التفوق الإستراتيجي العسكري الإسرائيلي قائماً في مواجهة كل دول المنطقة، تكون هذه الدول مضطرة لاعتماد إستراتيجية طرفها الأول الجيش و الثاني المقاومة الشعبية
"لماذا كانت هذه الحرب وكيف كان مسارها وإلى أي مآل وصلت، ثم ما هي الإستراتيجية الفلسطينية فيها وما هي فرص استمرارها وما هي آثارها على مستقبل الشأن العسكري في المنطقة؟ هذا ما نعالجه في هذه الدراسة.
أ. الهدف والخطة
حرب إسرائيل على غزة في ديسمبر/ كانون الأول 2008، تماثل في أهدافها ومسارها وإلى حد يقترب من التطابق مع حربها على لبنان في العام 2006، ما يمكن من التعامل مع الحربين كعملية أو تجربة واحدة وهنا نرى التماثل قائم في:http://www.aljazeera.net/NR/exeres/A4637803-A807-4CEC-A1AB-5E2909183A5D.htm?#
(1) الأهداف: خرجت إسرائيل للحرب من أجل القضاء على مقاومة شعبية (في لبنان وغزة \فلسطين) امتلكت قدرات عسكرية وتنظيمية اعتبرت تهديدا للمشروع التي تمثله إسرائيل في المنطقة ورمت إلى تعطيل مفاعيل هذا التهديد باجتثاث مصدره، وأرفقت هذا الهدف الإستراتيجي الأساسي بأهداف تكتيكية وعملياتية وسياسية شتى ليست ذات أهمية ولا يعتني بها عند إجراء تقييم الحرب نصراً أو هزيمة، لأن المنتصر في الحرب هو من يحقق إنجازه الميداني الرئيسي المتمثل بهدفه الإستراتيجي، ويحقق هذا الانتصار بحمل العدو على الانهيار والتوقف عن القتال بوجه من اثنين:
- الأول: هو الانهيار الإدراكي ما يعني التسليم للمهاجم دون خوض المعركة الميدانية الفعلية.
- والثاني: الانهيار الميداني ويكون بالتسليم للعدو بعد فقدان القدرة الميدانية على متابعة القتال.
(2) الخطة: اعتمدت إسرائيل للحرب خطة تقوم على مرحلتين، الأولى عملية جوية تؤدي إلى تدمير منظومة القيادة والسيطرة لدى المقاومة أو شلها وتعطيلها، ثم تدمير البنى التحتية والقواعد اللوجستية المستعملة خدمة للمقاومين، مع حرمان المقاومة من قدراتها النارية الصاروخية، وخنق صوت المقاومة بتدمير وسائل إعلامها، ويترافق ذلك مع ضغط على المدنيين لحملهم على الانفكاك عن المقاومة أو ما تبقى من أشلائها، ليسهل بعد ذلك عبر العمل الميداني البري "تطهير المنطقة" من المقاومين فيتحقق الهدف، بالإجهاز على المقاومة وإخراجها من الميدان قتلاً وتدميراً أو استسلاماً يرافقه الاعتقال والملاحقة.
ب. المسار والنتائج
إذا كانت إسرائيل مستمرة في حربها ما يعني أن النتائج النهائية لم ترسم وتثبت، فإننا وبعد أسبوعيين نرى أن ما ظهر من المسار والنتائج الأولية منها كاف لاتخاذ موقف يبنى عليه، وإن كانت في مسارها لا تختلف عن حرب تموز 2006 في الأساسيات، فإن نتائجها في القراءة العسكرية -بصرف النظر عما سيؤول إليه الحل السياسي والدبلوماسي- يمكننا تحديده بما يلي:
(1) المرحلة البرية وإستراتيجية المواجهة: بدأت الحرب بعملية جوية استمرت أسبوعاً، استهدفت كل الأماكن والمناطق التي حددت وجمعت في "بنك الأهداف" المعد "بعناية استخبارية" بالغة، وكان الطيران يعمل في وضع مثالي من حيث السيطرة الجوية المطلقة، فقد نفذت كل الطلعات الجوية كما لو أن الطائرات في حقل تدريب وليست في ميدان حرب بسبب انعدام التهديد بالمقاومات الأرضية أو الجوية، ولكن رغم كل هذه الظروف المؤاتية والقدرات العالية فشلت إسرائيل في تحقيق الأهداف العملياتية الميدانية التي توختها.
وأحدث هذا الفشل الصدمة الأولى للمخطط العسكري الإسرائيلي وللقيادة الميدانية البرية، حيث أن الإخفاق في إبطال فعالية المقاومة عقد تنفيذ العملية البرية خاصة لجهة رفع مستوى المخاطر المحتملة والخسائر المتوقعة.
ويعود قصور المرحلة الجوية عن تحقيق أهدافها إلى إستراتيجية المقاومة وتكتيكاتها في المواجهة، والتي يمكن تقوم على الآتي:
- توزع قوى المقاومة وانتشارها في الصفوف الشعبية، فالمقاومون ليسوا وحدات نظامية تتخذ مراكز عسكرية واضحة وثابتة يؤدي قصفها إلى إخراج الوحدة من الميدان، بل هم أفراد مدنيون يمارسون بمعظمهم أعمالهم المدنية العادية ويلتحقون بالعمل العسكري عند الحاجة، لذلك لا يكون من قيمة تذكر للمباغتة في قصف الأهداف لأنها ستطال غير المقاومين. وهذا ما حصل بالفعل إذ أن الذين قتلوا كانوا من المدنيين العاديين والعاملين في السلطة الأمنية أو الرسمية وليسوا هم المقاومين فعلياً.
"
ينتظر أن نشهد لدى الدول التي لا زالت في مواجهة عسكرية أو حالة عدائية مع إسرائيل إعمالا لنظرية المزاوجة بين الجيش والمقاومة الشعبية وفقاً للقدرات والظروف الداخلية لكل دولة
"- انتظام المقاومة في خلايا صغيرة يتراوح أفرادها بين 3 عناصر إلى 9 في الحد الأقصى، وترتكز في الميدان على قاعدة لامركزية العمل الميدان التنفيذي مع مركزية القرار الإجمالي العام، وهذا ما يعطل مفاعيل قطع الاتصال أو تدمير مراكز القيادات الرئيسية.
- التزام مبدأ إقليمية التنظيم المقاوم وقاعدة الاكتفاء الذاتي للمنطقة، بحيث يكون لكل منطقة مقاتليها ومخازنها ولوجستيتها، مما يعطل من مفاعيل الحصار والمراقبة الجوية الدائمة وقطع الطرق بالتدمير أو بالنار.
- تأهيل المقاتل المتعدد الكفاءات، مما يعطل مفاعيل قتل عنصر أو أكثر من المجموعة الكبرى، فمن يبقى حياً يتابع القتال وباستعمال كل الأسلحة المتوفرة.
- الإعداد المسبق لحماية الذخائر والاحتياجات اللوجستية، والاعتماد على التخزين وعلى الحفر والخنادق التي لا تتطلب عملاً هندسياً فائقاً.
- الاعتماد على شبكات الاتصال السلكية في أكثر الحالات ما عطل فرصة المس بمنظومة القيادة والسيطرة لدى المقاومة.
فهذا التنظيم حال دون تحقيق القصف الجوي لأهدافه، لأن هذا القصف لم يعدم المقاومة وسائلها القتالية واللوجستية، ولم يحرمها من الحد المطلوب للترابط والاتصال بين رأسها وجسمها وكذلك بين عناصر المقاومة وأعضائها، فحرم المهاجم من تحقيق الانهيار الميداني لدى المقاومة، وأهم من كل ما ذكر فإن المجازر التي ارتكبت والتدمير المنهجي الذي حصل لم يحدث الانهيار الإدراكي الذي يسعى إليه المهاجم عادة، ليحمل المدافع على الاعتقاد بان معركته خاسرة حتى ولو امتلك الوسائل اللازمة للقتال، لأن المهاجم متفوق عليه تفوقاً لا يمنحه فرصة الإفلات، فيقبل بالاستسلام من دون خوض المعركة.
وهنا كان تدخل الحالة الإيمانية التي تميز المقاتل المسلم الملتزم والثابت في إيمانه، والذي يدخل الميدان واضعاً نصب عينيه قاعدة النصر أو الشهادة، ما يعني أنه يرى نفسه مدفوعاً للقتال حتى يستشهد إن كان النصر صعباً ولا يستعجل الاستسلام ولا يقبل به، وهنا تبلورت قاعدة: "الإيمان يعصم من الانهيار الإدراكي".
وهكذا نرى أن التنظيم منع الانهيار الميداني، والإيمان منع الانهيار الإدراكي، والنتيجة إفشال أهداف المرحلة الجوية وهنا كان لا بد للمسؤول الإسرائيلي أن يختار بين وقف الحرب وتجرع الهزيمة أو ينطلق بالعملية البرية مع رفع مستوى تدابير الحذر والحيطة والتؤدة في التنفيذ ويمني نفسه بالنصر، فاختار الحل الثاني.
"
ستضطر إسرائيل ومهما كابرت، إلى إعادة النظر في سياستها المبنية أصلا على القوة، بعد أن تثبتت من عجز هذه القوة مرتين، مرة في لبنان والآن في غزة
"(2) المرحلة البرية وإستراتيجية المواجهة: كان مخططاً أن تنفذ العملية البرية، أو المرحلة الثانية من الحرب للإجهاز على من تبقى من المقاومين قتلاً أو أسرا، وهذا ما يسمى " تطهير الأرض من أعشاش المقاومة وخلاياها " وهي عملية أساسية لتغيير الوضع في المنطقة واجتثاث المقاومة تنفيذاً للهدف الإستراتيجي الذي وضع للحرب أصلا. http://www.aljazeera.net/NR/exeres/A4637803-A807-4CEC-A1AB-5E2909183A5D.htm?#
ووفقاً للمألوف في العمليات العسكرية، فإن هذه العملية تكون أسهل كلما كان القصف الإستراتيجي التدميري أكثر تأثير وأفعل تدميراً وتقطيعاً للأوصال. ولكن القيادة الميدانية الإسرائيلية وبعد تقدير موقف عسكري ميداني دقيق استخلصت أن ما ابتغته من المرحلة الجوية لم يتحقق بدليل استمرار القيادة المقاومة الآمرة، والقوة النارية الصاروخية الفاعلة، والفئات الشعبية الحاضنة للمقاومة رغم كل ما لحق بالشعب من ويلات.
لذلك كان لا بد لهذه القيادة من تجزئة العملية البرية ذاتها إلى مرحلتين: الأولى التقدم للتماس والتموضع على خطوط المهاجمة والإطباق، وتنفذ عبرها مهام جس النبض واعتبار إمكانات المقاومين في القتال كما ومعنوياتهم، والثانية تكون بالتنفيذ الفعلي للمهمة .
وبالفعل نفذت المرحلة الأولى بعد ثمانية أيام من بدأ الحرب، وكان مقدراً لها أن تنجز في 18 ساعة كحد أقصى حيث تستريح القوى لتنطلق بعدها في الهجوم الصاعق، وهنا اصطدمت القوات الإسرائيلية بما لا يسرها، حيث أنها لاقت بعض المقاومة في الأماكن المكشوفة التي لا ينتظر فيها وجود أحد من المقاومين، ثم كانت صدمتها أكبر عندما بدأ القتال الفعلي بعد 48 ساعة على بدأ العملية البرية حيث لاقت من المقاومة شراسة في القتال وتعدداً في أساليبه وارتفاعاً في معنويات المقاتلين، الأمر الذي كبدها خسائر بشرية فوق ما كانت تتوقع فاضطرت للتوقف بعد 6 ساعات من التحرك، وبدأت بتنفيذ سياسة المراوغة والمراوحة والمداورة في الميدان، هنا حكم على العملية بالفشل، وكان على إسرائيل أن تبحث عن مخرج مناسب يخرجها من ورطتها.
وعليه نستطيع القول وبالمعايير العسكرية الثابتة الاعتبار أن إسرائيل وصلت إلى الحائط المسدود ميدانياً وعليها القبول بموضوعية بما آل إليه أمر الميدان أي الفشل.
أما المكابرة والاستمرار في الحرب بعد كل هذه الإخفاقات فتكون برأينا عملاً انتحارياً وليس تصرفاً قتالياً، ولا يغير من الصورة تصاعد أعمال القتل وأحداث المجازر والتدمير، فالنصر يقاس بتحقيق الأهداف وليس بعدد القتلى وحجم الخسائر.
وهنا يطرح السؤال لماذا يصعب على إسرائيل بعد هذه المرحلة تحقيق الانتصار؟
في الإجابة نقول إن إسرائيل قبل بدأ العملية البرية قاتلت في دائرة قوتها أي التفوق بـ"القدرات النارية"، وكانت المقاومة تواجه في دائرة ضعفها، أما في المعركة البرية حيث تبدأ معارك الالتحام فإن الفريقين يتساويان في التعرض لمخاطر النار البعيدة، مما يعني اضطرار إسرائيل إلى وقف اللجوء إليها، ثم تكون معارك المواجهة القريبة وهنا يثبت من كان أكثر شجاعة وأكثر خبرة وتحضيراً للأرض، ما يعني ترجيحا لكفة المقاومين من الطراز العقائدي المتقدم الذكر، وسيشتد المأزق الإسرائيلي خطورة مع لجوء المقاومة إلى تنوع واسع في أساليب القتال وتحضير الأرض.
أ. من العرض المتقدم ومن مراقبة مجريات الأمور نستنتج أن إستراتيجية المقاومة في المواجهة قامت على أركان رئيسية هي:
1- العقيدة والإيمان: وهي الأساس المعنوي الذي بنيت عليه إستراتيجية المقاومة في غزة والقائم على العقيدة الإسلامية التي تحض على الجهاد في مقاومة الظلم وتعد بإحدى الحسنيين "النصر أو الشهادة".
2- الدعم الخارجي: والاستفادة منه خاصة في تقديم المأوى للقيادة والمركز الإعلامي والإمداد اللوجستي ضمن المتيسر وما تتيحه الظروف، مع تشكيل الرأي العام الإقليمي والدولي المؤيد.
3 - مرونة منظومة القيادة والسيطرة: وتتضمن عنصريين موضوعيا وذاتيا، وقد نجد هناك بعض الضعف في الأول أي الوسائل المادية المحكمة لاستمرار التواصل، بخلاف الثاني والذي منه العلاقات الذاتية والشخصية بين الرئيس والمرؤوس، والمبنية على وحدة الفكر والاتجاه والعقيدة المنتجة للطاعة في حال تلقي الأمر ثقة من المرؤوس بالقائد، أو العمل ضمن السياق العام للمشروع والاستمرار في الميدان من غير تراجع أو تقاعس، ومنه أيضا الالتزام بالتوجيه العام الذي قد يصله من أي طريق، خاصة إذا اطمأن إلى صدوره عن القيادة.
4- القوة النارية الصاروخية والمدفعية البعيدة أو المتوسطة المدى: في مواجهة مستعمرات العدو، وتتركز على إنتاج الخوف الذي يخلق حالة الضغط على القيادة الإسرائيلية لتتوقف عن الاستمرار في عدوانها، ما يعني أن الصواريخ التي تطلق على المدن والبلدات داخل إسرائيل ليست وظيفتها القتل والتدمير لأن ذلك يتطلب الكثير من القدرات النارية الأمر الذي لا يمكن للمقاومة الفلسطينية في غزة توفيره بسبب حالة الحصار، إنما تكون وظيفتها خلق حالة الرعب والخوف كما ذكرنا وبالتالي تكون هذه الإستراتيجية ناجحة طالما أن بمقدور المقاومة إطلاق بضعة صواريخ يومياً لإجبار الإسرائيليين الذين يستهدفون للبقاء في الملاجئ.
5- الإدارة اللامركزية للميدان: نظرا لقدرة العدو على فرض الحصار وتضييق الخناق إلى الحد الذي يمنع أي حركة أو نقل أو انتقال فقد بنيت إستراتيجية المقاومة على مبدأ اللامركزية الميدانية، بحيث خصص كل قطاع عملياتي بما يكفيه من المقاتلين واللوجستية التي تحتمل حصاراً وتتمكن من البقاء في الميدان لفترات طويلة نسبياً. لكن إحكام الحصار لمدة طويلة واستمرار القتال بتواصل يؤدي إلى نفاد الوسائل، خاصة الذخيرة عندها يضطر المقاتل وفي كثير من الحالات إلى إنهاء مهمته بعملية استشهادية، دون استبعاد الفشل في ذلك والوقوع في الأسر الذي يجهد المقاوم في تلافيه.
"
لن تستمر القوة العسكرية التقليدية هي الحل والسبيل لفرض القرار، فبعد حربي لبنان وغزة باتت المنطقة أمام عهد عسكري إستراتيجي جديد
"6 - الاستغلال الأقصى لطبيعة الأرض والإنشاءات الاصطناعية القائمة عليها: في الأصل لا تعتبر طبيعة الأرض وجغرافية قطاع غزة أرضا ملائمة لقتال العصابات وفي تصنيفها في هذا لمجال تأتي في الدرجة الرابعة، بينما نجد الجنوب اللبناني مثلاً مصنفاً في الدرجة الثانية أو الثالثة في أسوأ تقدير (الجبال الوعرة هي الفئة الأولى)، ومع ذلك عوضت المقاومة الفلسطينية ذلك في الجهد الإنساني المبذول عبر حفر الخنادق المموهة والأنفاق الطويلة، كما وأن حسن تحضير الأماكن المبنية هو ما جعلها تتخطى الكثير من السلبيات الجغرافية في القطاع. لكنها لم تصل إلى الحد الذي تتمكن فيه من تنظيم مقاومة فاعلة في الأرض السهلية المكشوفة والمفتوحة لحركة الدبابات، لهذا وجدت أن التصدي للعدو المتقدم في هذه المناطق لا يكون إلا ببعض النسفيات المحضرة مسبقاً أو النار البعيدة المحدودة التأثير.
7- التصنيع المحلي لبعض أنواع الذخائر والصواريخ: وقد استطاعت المقاومة عبره أن تتغلب على معضلة الحصار ومراقبة المعابر.
8- تنوع أساليب المواجهة: وأهم ما نذكر في هذا المجال اعتماد المقاومة:
- الكمائن: الخفيفة والثقيلة .
- الإغارات: الإغارة بالمجموعة الصغرى (مقاتلون) حيث تنتخب هدفاً منعزلاً ضعيفاً، أو الإغارة بالمجموعة الكبرى (5 الى15 )التي تهاجم أهداف متعددة في محلة واحدة .
- النسفيات والأفخاخ والألغام والتي من شأنها قطع الطرق، أو تدمير آلية أو أكثر للعدو.
- المراوغة الميدانية وعمليات الاستدراج إلى مناطق التقتيل، ثم المهاجمة.
- العمل ضد الدروع بنظام مقبول أو متواضع من الأسلحة والقذائف الصاروخية المتوفرة
- القنص من مسافات بعيدة.
- اللجوء ضمن قدرات متواضعة إلى قصف تجمعات العدو ومحاور تقدمه وحركته بقذائف الهاون (مورتر) وبالقذائف الصاروخية التي اعتمدت أصلا لقصف أهداف خارج القطاع.
- العمليات الاستشهادية.
ب. نقاط القوة في إستراتيجية المقاومة في غزة
تعتبر هذه الإستراتيجية من الوجهة العسكرية ناجحة في أمرين اثنين:
1- الأول: القدرة على المواجهة الفاعلة في بدء الحرب ولمدى معقول حيث يمكنها تأخير احتلال المدن والأحياء السكنية لمدة معقولة نسبياً مع القدرة على إيقاع الخسائر الكبيرة في صفوف العدو المقتحم، إضافة إلى القدرة على إخافة الإسرائيليين خارج قطاع غزة.
2- الثاني: القدرة على الاستمرار في القتال ولزمن مفتوح ولكن بفاعلية أقل، حيث تتحول المقاومة إلى خلايا متناثرة تزعج العدو وتربكه في حال الاحتلال والاستقرار.
لكن السلبية الأساسية في هذه الإستراتيجية تكمن في عدم قدرتها على توفير الأمان للمدنيين الفلسطينيين، الذين يتخذهم العدو أهدافَ رماية سهلةً بحيث يحدث فيهم المجازر بكل دم بارد من دون أي خوف من قدرة المقاومة على القيام بردة فعل حقيقية ومؤثرة على مدنيه، ومن دون خوف من أي رد فعل مؤثر من الرأي العام الدولي.
هـ . تأثير إستراتيجية المقاومة على إستراتيجية إسرائيل
نعلم أن الإستراتيجية الإسرائيلية في المجال العسكري تقوم على فكرة القوة النارية المدمرة والحاسمة، والحرب السريعة الخاطفة العالية المستوى إلى حد إيقاع أقصى درجات من الخسائر البشرية، وإبعاد الجبهة الداخلية عن أي أثر أو مفعول للحرب. وإذا أجرينا مقابلة بين الإستراتيجيتين نجد أن إستراتيجية المقاومة تتقدم على الإستراتيجية الإسرائيلية في الظروف القائمة لأنها:
في المبادئ العامة نجد أن تعطيل مفاعيل أمر ما يكون بالحد من إيجابياته أو إلغائها، وتفعيل سلبياته أو تفاقمها، وفي الحالة المبحوث فيها، نجد أن إسرائيل ومهما اجتهدت في أعمال التدريب والتسلح فإنها تزيد من فعاليتها في دائرة القوة التي لا ينازعها فيها احد، لكنها لا تستطيع التغلب على عناصر القوة في إستراتيجية المقاومة.
نظراً لأن هذه الإستراتيجية تقوم في الأساس على الإنسان العقائدي الذي يلجأ إلى الوسائل المتواضعة في المواجهة، ولهذا نستطيع أن نقول إن حرب إسرائيل على غزة بعد حربها على لبنان أدت إلى إرساء واقع في المنطقة هو: "عجز القوة "مهما تعاظمت في القدرات والتقنية والخبرات أمام المقاومة الشعبية، ومهما تضاءلت قدرات المقاومة وتراجعت تقنيتها في الوسائل المستعملة.
فالمهم الذي يعول عليه في هذه الإستراتيجية أمران: رفض التنازل والاستمرار في الميدان بأي شكل أو أثر. ومن جهة أخرى ينبغي لفت النظر إلى أن احتلال قطاع غزة وبالكامل لا يؤدي إلى اجتثاث المقاومة التي يمكنها أن تتراجع فتتقبل فقدان السيطرة الرسمية على القطاع، وتتحول إلى مقاومة سرية تعود وتتنامى كما بدأت وتعيد انطلاقتها مرة أخرى من واقع الخبير بينما كانت انطلاقتها السابقة من واقع المبتدئ.
وتكون حرب غزة وبصرف النظر عن حجم المجازر التي ارتكبت، والدمار والخسائر البشرية أو المادية التي لحقت بالقطاع، قد انتهت إلى تثبيت مبادئ أساسية نوجزها بالتالي:
دخلت الحرب الإسرائيلية على غزة أسبوعها الثالث، ورغم قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1860 يستمر إطلاق النار الذي ابتدأته إسرائيل بتاريخ 27 ديسمبر/ كانون الأول 2009، ولكن الملامح الأساسية لنتائج الحرب وللدروس منها وعبرها باتت ترتسم بوضوح لتكون محل توقف الباحثين العسكريين الإستراتيجيين والعسكريين، الذين تشكل لهم هذه الحرب مادة دسمة تستعمل للإنارة على مستقبل الإستراتيجيات العسكرية بصورة عامة وفي الشرق الأوسط بصورة خاصة.
خطة الحرب ومسارها والنتائج
"في ظل قرار غربي أميركي ببقاء التفوق الإستراتيجي العسكري الإسرائيلي قائماً في مواجهة كل دول المنطقة، تكون هذه الدول مضطرة لاعتماد إستراتيجية طرفها الأول الجيش و الثاني المقاومة الشعبية
"لماذا كانت هذه الحرب وكيف كان مسارها وإلى أي مآل وصلت، ثم ما هي الإستراتيجية الفلسطينية فيها وما هي فرص استمرارها وما هي آثارها على مستقبل الشأن العسكري في المنطقة؟ هذا ما نعالجه في هذه الدراسة.
أ. الهدف والخطة
حرب إسرائيل على غزة في ديسمبر/ كانون الأول 2008، تماثل في أهدافها ومسارها وإلى حد يقترب من التطابق مع حربها على لبنان في العام 2006، ما يمكن من التعامل مع الحربين كعملية أو تجربة واحدة وهنا نرى التماثل قائم في:http://www.aljazeera.net/NR/exeres/A4637803-A807-4CEC-A1AB-5E2909183A5D.htm?#
(1) الأهداف: خرجت إسرائيل للحرب من أجل القضاء على مقاومة شعبية (في لبنان وغزة \فلسطين) امتلكت قدرات عسكرية وتنظيمية اعتبرت تهديدا للمشروع التي تمثله إسرائيل في المنطقة ورمت إلى تعطيل مفاعيل هذا التهديد باجتثاث مصدره، وأرفقت هذا الهدف الإستراتيجي الأساسي بأهداف تكتيكية وعملياتية وسياسية شتى ليست ذات أهمية ولا يعتني بها عند إجراء تقييم الحرب نصراً أو هزيمة، لأن المنتصر في الحرب هو من يحقق إنجازه الميداني الرئيسي المتمثل بهدفه الإستراتيجي، ويحقق هذا الانتصار بحمل العدو على الانهيار والتوقف عن القتال بوجه من اثنين:
- الأول: هو الانهيار الإدراكي ما يعني التسليم للمهاجم دون خوض المعركة الميدانية الفعلية.
- والثاني: الانهيار الميداني ويكون بالتسليم للعدو بعد فقدان القدرة الميدانية على متابعة القتال.
(2) الخطة: اعتمدت إسرائيل للحرب خطة تقوم على مرحلتين، الأولى عملية جوية تؤدي إلى تدمير منظومة القيادة والسيطرة لدى المقاومة أو شلها وتعطيلها، ثم تدمير البنى التحتية والقواعد اللوجستية المستعملة خدمة للمقاومين، مع حرمان المقاومة من قدراتها النارية الصاروخية، وخنق صوت المقاومة بتدمير وسائل إعلامها، ويترافق ذلك مع ضغط على المدنيين لحملهم على الانفكاك عن المقاومة أو ما تبقى من أشلائها، ليسهل بعد ذلك عبر العمل الميداني البري "تطهير المنطقة" من المقاومين فيتحقق الهدف، بالإجهاز على المقاومة وإخراجها من الميدان قتلاً وتدميراً أو استسلاماً يرافقه الاعتقال والملاحقة.
ب. المسار والنتائج
إذا كانت إسرائيل مستمرة في حربها ما يعني أن النتائج النهائية لم ترسم وتثبت، فإننا وبعد أسبوعيين نرى أن ما ظهر من المسار والنتائج الأولية منها كاف لاتخاذ موقف يبنى عليه، وإن كانت في مسارها لا تختلف عن حرب تموز 2006 في الأساسيات، فإن نتائجها في القراءة العسكرية -بصرف النظر عما سيؤول إليه الحل السياسي والدبلوماسي- يمكننا تحديده بما يلي:
(1) المرحلة البرية وإستراتيجية المواجهة: بدأت الحرب بعملية جوية استمرت أسبوعاً، استهدفت كل الأماكن والمناطق التي حددت وجمعت في "بنك الأهداف" المعد "بعناية استخبارية" بالغة، وكان الطيران يعمل في وضع مثالي من حيث السيطرة الجوية المطلقة، فقد نفذت كل الطلعات الجوية كما لو أن الطائرات في حقل تدريب وليست في ميدان حرب بسبب انعدام التهديد بالمقاومات الأرضية أو الجوية، ولكن رغم كل هذه الظروف المؤاتية والقدرات العالية فشلت إسرائيل في تحقيق الأهداف العملياتية الميدانية التي توختها.
وأحدث هذا الفشل الصدمة الأولى للمخطط العسكري الإسرائيلي وللقيادة الميدانية البرية، حيث أن الإخفاق في إبطال فعالية المقاومة عقد تنفيذ العملية البرية خاصة لجهة رفع مستوى المخاطر المحتملة والخسائر المتوقعة.
ويعود قصور المرحلة الجوية عن تحقيق أهدافها إلى إستراتيجية المقاومة وتكتيكاتها في المواجهة، والتي يمكن تقوم على الآتي:
- توزع قوى المقاومة وانتشارها في الصفوف الشعبية، فالمقاومون ليسوا وحدات نظامية تتخذ مراكز عسكرية واضحة وثابتة يؤدي قصفها إلى إخراج الوحدة من الميدان، بل هم أفراد مدنيون يمارسون بمعظمهم أعمالهم المدنية العادية ويلتحقون بالعمل العسكري عند الحاجة، لذلك لا يكون من قيمة تذكر للمباغتة في قصف الأهداف لأنها ستطال غير المقاومين. وهذا ما حصل بالفعل إذ أن الذين قتلوا كانوا من المدنيين العاديين والعاملين في السلطة الأمنية أو الرسمية وليسوا هم المقاومين فعلياً.
"
ينتظر أن نشهد لدى الدول التي لا زالت في مواجهة عسكرية أو حالة عدائية مع إسرائيل إعمالا لنظرية المزاوجة بين الجيش والمقاومة الشعبية وفقاً للقدرات والظروف الداخلية لكل دولة
"- انتظام المقاومة في خلايا صغيرة يتراوح أفرادها بين 3 عناصر إلى 9 في الحد الأقصى، وترتكز في الميدان على قاعدة لامركزية العمل الميدان التنفيذي مع مركزية القرار الإجمالي العام، وهذا ما يعطل مفاعيل قطع الاتصال أو تدمير مراكز القيادات الرئيسية.
- التزام مبدأ إقليمية التنظيم المقاوم وقاعدة الاكتفاء الذاتي للمنطقة، بحيث يكون لكل منطقة مقاتليها ومخازنها ولوجستيتها، مما يعطل من مفاعيل الحصار والمراقبة الجوية الدائمة وقطع الطرق بالتدمير أو بالنار.
- تأهيل المقاتل المتعدد الكفاءات، مما يعطل مفاعيل قتل عنصر أو أكثر من المجموعة الكبرى، فمن يبقى حياً يتابع القتال وباستعمال كل الأسلحة المتوفرة.
- الإعداد المسبق لحماية الذخائر والاحتياجات اللوجستية، والاعتماد على التخزين وعلى الحفر والخنادق التي لا تتطلب عملاً هندسياً فائقاً.
- الاعتماد على شبكات الاتصال السلكية في أكثر الحالات ما عطل فرصة المس بمنظومة القيادة والسيطرة لدى المقاومة.
فهذا التنظيم حال دون تحقيق القصف الجوي لأهدافه، لأن هذا القصف لم يعدم المقاومة وسائلها القتالية واللوجستية، ولم يحرمها من الحد المطلوب للترابط والاتصال بين رأسها وجسمها وكذلك بين عناصر المقاومة وأعضائها، فحرم المهاجم من تحقيق الانهيار الميداني لدى المقاومة، وأهم من كل ما ذكر فإن المجازر التي ارتكبت والتدمير المنهجي الذي حصل لم يحدث الانهيار الإدراكي الذي يسعى إليه المهاجم عادة، ليحمل المدافع على الاعتقاد بان معركته خاسرة حتى ولو امتلك الوسائل اللازمة للقتال، لأن المهاجم متفوق عليه تفوقاً لا يمنحه فرصة الإفلات، فيقبل بالاستسلام من دون خوض المعركة.
وهنا كان تدخل الحالة الإيمانية التي تميز المقاتل المسلم الملتزم والثابت في إيمانه، والذي يدخل الميدان واضعاً نصب عينيه قاعدة النصر أو الشهادة، ما يعني أنه يرى نفسه مدفوعاً للقتال حتى يستشهد إن كان النصر صعباً ولا يستعجل الاستسلام ولا يقبل به، وهنا تبلورت قاعدة: "الإيمان يعصم من الانهيار الإدراكي".
وهكذا نرى أن التنظيم منع الانهيار الميداني، والإيمان منع الانهيار الإدراكي، والنتيجة إفشال أهداف المرحلة الجوية وهنا كان لا بد للمسؤول الإسرائيلي أن يختار بين وقف الحرب وتجرع الهزيمة أو ينطلق بالعملية البرية مع رفع مستوى تدابير الحذر والحيطة والتؤدة في التنفيذ ويمني نفسه بالنصر، فاختار الحل الثاني.
"
ستضطر إسرائيل ومهما كابرت، إلى إعادة النظر في سياستها المبنية أصلا على القوة، بعد أن تثبتت من عجز هذه القوة مرتين، مرة في لبنان والآن في غزة
"(2) المرحلة البرية وإستراتيجية المواجهة: كان مخططاً أن تنفذ العملية البرية، أو المرحلة الثانية من الحرب للإجهاز على من تبقى من المقاومين قتلاً أو أسرا، وهذا ما يسمى " تطهير الأرض من أعشاش المقاومة وخلاياها " وهي عملية أساسية لتغيير الوضع في المنطقة واجتثاث المقاومة تنفيذاً للهدف الإستراتيجي الذي وضع للحرب أصلا. http://www.aljazeera.net/NR/exeres/A4637803-A807-4CEC-A1AB-5E2909183A5D.htm?#
ووفقاً للمألوف في العمليات العسكرية، فإن هذه العملية تكون أسهل كلما كان القصف الإستراتيجي التدميري أكثر تأثير وأفعل تدميراً وتقطيعاً للأوصال. ولكن القيادة الميدانية الإسرائيلية وبعد تقدير موقف عسكري ميداني دقيق استخلصت أن ما ابتغته من المرحلة الجوية لم يتحقق بدليل استمرار القيادة المقاومة الآمرة، والقوة النارية الصاروخية الفاعلة، والفئات الشعبية الحاضنة للمقاومة رغم كل ما لحق بالشعب من ويلات.
لذلك كان لا بد لهذه القيادة من تجزئة العملية البرية ذاتها إلى مرحلتين: الأولى التقدم للتماس والتموضع على خطوط المهاجمة والإطباق، وتنفذ عبرها مهام جس النبض واعتبار إمكانات المقاومين في القتال كما ومعنوياتهم، والثانية تكون بالتنفيذ الفعلي للمهمة .
وبالفعل نفذت المرحلة الأولى بعد ثمانية أيام من بدأ الحرب، وكان مقدراً لها أن تنجز في 18 ساعة كحد أقصى حيث تستريح القوى لتنطلق بعدها في الهجوم الصاعق، وهنا اصطدمت القوات الإسرائيلية بما لا يسرها، حيث أنها لاقت بعض المقاومة في الأماكن المكشوفة التي لا ينتظر فيها وجود أحد من المقاومين، ثم كانت صدمتها أكبر عندما بدأ القتال الفعلي بعد 48 ساعة على بدأ العملية البرية حيث لاقت من المقاومة شراسة في القتال وتعدداً في أساليبه وارتفاعاً في معنويات المقاتلين، الأمر الذي كبدها خسائر بشرية فوق ما كانت تتوقع فاضطرت للتوقف بعد 6 ساعات من التحرك، وبدأت بتنفيذ سياسة المراوغة والمراوحة والمداورة في الميدان، هنا حكم على العملية بالفشل، وكان على إسرائيل أن تبحث عن مخرج مناسب يخرجها من ورطتها.
وعليه نستطيع القول وبالمعايير العسكرية الثابتة الاعتبار أن إسرائيل وصلت إلى الحائط المسدود ميدانياً وعليها القبول بموضوعية بما آل إليه أمر الميدان أي الفشل.
أما المكابرة والاستمرار في الحرب بعد كل هذه الإخفاقات فتكون برأينا عملاً انتحارياً وليس تصرفاً قتالياً، ولا يغير من الصورة تصاعد أعمال القتل وأحداث المجازر والتدمير، فالنصر يقاس بتحقيق الأهداف وليس بعدد القتلى وحجم الخسائر.
وهنا يطرح السؤال لماذا يصعب على إسرائيل بعد هذه المرحلة تحقيق الانتصار؟
في الإجابة نقول إن إسرائيل قبل بدأ العملية البرية قاتلت في دائرة قوتها أي التفوق بـ"القدرات النارية"، وكانت المقاومة تواجه في دائرة ضعفها، أما في المعركة البرية حيث تبدأ معارك الالتحام فإن الفريقين يتساويان في التعرض لمخاطر النار البعيدة، مما يعني اضطرار إسرائيل إلى وقف اللجوء إليها، ثم تكون معارك المواجهة القريبة وهنا يثبت من كان أكثر شجاعة وأكثر خبرة وتحضيراً للأرض، ما يعني ترجيحا لكفة المقاومين من الطراز العقائدي المتقدم الذكر، وسيشتد المأزق الإسرائيلي خطورة مع لجوء المقاومة إلى تنوع واسع في أساليب القتال وتحضير الأرض.
عناصر إستراتيجية المقاومة ومقومات استمرار فعاليتها وآثارها
أ. أركان إستراتيجية المقاومةأ. من العرض المتقدم ومن مراقبة مجريات الأمور نستنتج أن إستراتيجية المقاومة في المواجهة قامت على أركان رئيسية هي:
1- العقيدة والإيمان: وهي الأساس المعنوي الذي بنيت عليه إستراتيجية المقاومة في غزة والقائم على العقيدة الإسلامية التي تحض على الجهاد في مقاومة الظلم وتعد بإحدى الحسنيين "النصر أو الشهادة".
2- الدعم الخارجي: والاستفادة منه خاصة في تقديم المأوى للقيادة والمركز الإعلامي والإمداد اللوجستي ضمن المتيسر وما تتيحه الظروف، مع تشكيل الرأي العام الإقليمي والدولي المؤيد.
3 - مرونة منظومة القيادة والسيطرة: وتتضمن عنصريين موضوعيا وذاتيا، وقد نجد هناك بعض الضعف في الأول أي الوسائل المادية المحكمة لاستمرار التواصل، بخلاف الثاني والذي منه العلاقات الذاتية والشخصية بين الرئيس والمرؤوس، والمبنية على وحدة الفكر والاتجاه والعقيدة المنتجة للطاعة في حال تلقي الأمر ثقة من المرؤوس بالقائد، أو العمل ضمن السياق العام للمشروع والاستمرار في الميدان من غير تراجع أو تقاعس، ومنه أيضا الالتزام بالتوجيه العام الذي قد يصله من أي طريق، خاصة إذا اطمأن إلى صدوره عن القيادة.
4- القوة النارية الصاروخية والمدفعية البعيدة أو المتوسطة المدى: في مواجهة مستعمرات العدو، وتتركز على إنتاج الخوف الذي يخلق حالة الضغط على القيادة الإسرائيلية لتتوقف عن الاستمرار في عدوانها، ما يعني أن الصواريخ التي تطلق على المدن والبلدات داخل إسرائيل ليست وظيفتها القتل والتدمير لأن ذلك يتطلب الكثير من القدرات النارية الأمر الذي لا يمكن للمقاومة الفلسطينية في غزة توفيره بسبب حالة الحصار، إنما تكون وظيفتها خلق حالة الرعب والخوف كما ذكرنا وبالتالي تكون هذه الإستراتيجية ناجحة طالما أن بمقدور المقاومة إطلاق بضعة صواريخ يومياً لإجبار الإسرائيليين الذين يستهدفون للبقاء في الملاجئ.
5- الإدارة اللامركزية للميدان: نظرا لقدرة العدو على فرض الحصار وتضييق الخناق إلى الحد الذي يمنع أي حركة أو نقل أو انتقال فقد بنيت إستراتيجية المقاومة على مبدأ اللامركزية الميدانية، بحيث خصص كل قطاع عملياتي بما يكفيه من المقاتلين واللوجستية التي تحتمل حصاراً وتتمكن من البقاء في الميدان لفترات طويلة نسبياً. لكن إحكام الحصار لمدة طويلة واستمرار القتال بتواصل يؤدي إلى نفاد الوسائل، خاصة الذخيرة عندها يضطر المقاتل وفي كثير من الحالات إلى إنهاء مهمته بعملية استشهادية، دون استبعاد الفشل في ذلك والوقوع في الأسر الذي يجهد المقاوم في تلافيه.
"
لن تستمر القوة العسكرية التقليدية هي الحل والسبيل لفرض القرار، فبعد حربي لبنان وغزة باتت المنطقة أمام عهد عسكري إستراتيجي جديد
"6 - الاستغلال الأقصى لطبيعة الأرض والإنشاءات الاصطناعية القائمة عليها: في الأصل لا تعتبر طبيعة الأرض وجغرافية قطاع غزة أرضا ملائمة لقتال العصابات وفي تصنيفها في هذا لمجال تأتي في الدرجة الرابعة، بينما نجد الجنوب اللبناني مثلاً مصنفاً في الدرجة الثانية أو الثالثة في أسوأ تقدير (الجبال الوعرة هي الفئة الأولى)، ومع ذلك عوضت المقاومة الفلسطينية ذلك في الجهد الإنساني المبذول عبر حفر الخنادق المموهة والأنفاق الطويلة، كما وأن حسن تحضير الأماكن المبنية هو ما جعلها تتخطى الكثير من السلبيات الجغرافية في القطاع. لكنها لم تصل إلى الحد الذي تتمكن فيه من تنظيم مقاومة فاعلة في الأرض السهلية المكشوفة والمفتوحة لحركة الدبابات، لهذا وجدت أن التصدي للعدو المتقدم في هذه المناطق لا يكون إلا ببعض النسفيات المحضرة مسبقاً أو النار البعيدة المحدودة التأثير.
7- التصنيع المحلي لبعض أنواع الذخائر والصواريخ: وقد استطاعت المقاومة عبره أن تتغلب على معضلة الحصار ومراقبة المعابر.
8- تنوع أساليب المواجهة: وأهم ما نذكر في هذا المجال اعتماد المقاومة:
- الكمائن: الخفيفة والثقيلة .
- الإغارات: الإغارة بالمجموعة الصغرى (مقاتلون) حيث تنتخب هدفاً منعزلاً ضعيفاً، أو الإغارة بالمجموعة الكبرى (5 الى15 )التي تهاجم أهداف متعددة في محلة واحدة .
- النسفيات والأفخاخ والألغام والتي من شأنها قطع الطرق، أو تدمير آلية أو أكثر للعدو.
- المراوغة الميدانية وعمليات الاستدراج إلى مناطق التقتيل، ثم المهاجمة.
- العمل ضد الدروع بنظام مقبول أو متواضع من الأسلحة والقذائف الصاروخية المتوفرة
- القنص من مسافات بعيدة.
- اللجوء ضمن قدرات متواضعة إلى قصف تجمعات العدو ومحاور تقدمه وحركته بقذائف الهاون (مورتر) وبالقذائف الصاروخية التي اعتمدت أصلا لقصف أهداف خارج القطاع.
- العمليات الاستشهادية.
ب. نقاط القوة في إستراتيجية المقاومة في غزة
- المرتكز العقائدي المثبت للمعنويات العالية.
- مرونة التنظيم ومتانة منظومة القيادة والسيطرة.
- لامركزية العمل الميداني.
- التدريب الجيد وتأهيل الفرد المتعدد المهارات.
- اتساع القاعدة الشعبية والكثافة السكانية في القطاع.
- مرونة الأساليب وتنوعها بما يتيح الاستمرار في المقاومة بأي مستوى.
- الوضع الجغرافي لميدان المعركة وإمكانية الحصار المحكم وقطع التواصل مع العمق الإستراتيجي.
- العامل الاقتصادي والصحي والإنساني الذي يصعب احتماله لفترة طويلة مهما كان التحضير والتخزين المسبق.
- محدودية الحصول على الأسلحة والذخائر المؤثرة بالدروع الإسرائيلية.
- عدم وجود منظومة دفاع جوي مقبولة.
- محدودية المهل لتنفيذ المقاومة الفاعلة والمؤثرة في المستوى الأعلى، مع القدرة على العودة إلى مستويات أدني ومقاومات أقل تأثيراً.
- غياب منظومة الدفاع الجوي وهو ما يجعل العدو طليقاً في الجو يمارس ما يشاء من أنواع القصف والمراقبة.
تعتبر هذه الإستراتيجية من الوجهة العسكرية ناجحة في أمرين اثنين:
1- الأول: القدرة على المواجهة الفاعلة في بدء الحرب ولمدى معقول حيث يمكنها تأخير احتلال المدن والأحياء السكنية لمدة معقولة نسبياً مع القدرة على إيقاع الخسائر الكبيرة في صفوف العدو المقتحم، إضافة إلى القدرة على إخافة الإسرائيليين خارج قطاع غزة.
2- الثاني: القدرة على الاستمرار في القتال ولزمن مفتوح ولكن بفاعلية أقل، حيث تتحول المقاومة إلى خلايا متناثرة تزعج العدو وتربكه في حال الاحتلال والاستقرار.
لكن السلبية الأساسية في هذه الإستراتيجية تكمن في عدم قدرتها على توفير الأمان للمدنيين الفلسطينيين، الذين يتخذهم العدو أهدافَ رماية سهلةً بحيث يحدث فيهم المجازر بكل دم بارد من دون أي خوف من قدرة المقاومة على القيام بردة فعل حقيقية ومؤثرة على مدنيه، ومن دون خوف من أي رد فعل مؤثر من الرأي العام الدولي.
هـ . تأثير إستراتيجية المقاومة على إستراتيجية إسرائيل
نعلم أن الإستراتيجية الإسرائيلية في المجال العسكري تقوم على فكرة القوة النارية المدمرة والحاسمة، والحرب السريعة الخاطفة العالية المستوى إلى حد إيقاع أقصى درجات من الخسائر البشرية، وإبعاد الجبهة الداخلية عن أي أثر أو مفعول للحرب. وإذا أجرينا مقابلة بين الإستراتيجيتين نجد أن إستراتيجية المقاومة تتقدم على الإستراتيجية الإسرائيلية في الظروف القائمة لأنها:
- تعطل مفاعيل القوة النارية الحاسمة.
- تمنع الحرب السريعة الخاطفة، وهنا نذكر بأن إسرائيل حسمت الحرب ضد الدول العربية وعلى جبهات ثلاث في العام 1967 في ستة أيام نظرياًَ، وفي 72 ساعة عملياً وفعلياً، أما في قطاع غزة فإنها لم تحقق أي من إنجازاتها العسكرية رغم دخولها في الأسبوع الثالث من الحرب.
- تفرض على إسرائيل تحمل الخسائر الفادحة في قتال الشوارع، إذا أرادت احتلال المدن، علماً بان عدم احتلال المدن والقرى يعني فشل الحرب لأن المقاومة في غزة متمركزة أساسا في الأماكن المبنية.
- قادرة على إقحام الجبهة الداخلية الإسرائيلية وإن بقدر محدود في ظروف الحرب والخوف من آثارها.
في المبادئ العامة نجد أن تعطيل مفاعيل أمر ما يكون بالحد من إيجابياته أو إلغائها، وتفعيل سلبياته أو تفاقمها، وفي الحالة المبحوث فيها، نجد أن إسرائيل ومهما اجتهدت في أعمال التدريب والتسلح فإنها تزيد من فعاليتها في دائرة القوة التي لا ينازعها فيها احد، لكنها لا تستطيع التغلب على عناصر القوة في إستراتيجية المقاومة.
نظراً لأن هذه الإستراتيجية تقوم في الأساس على الإنسان العقائدي الذي يلجأ إلى الوسائل المتواضعة في المواجهة، ولهذا نستطيع أن نقول إن حرب إسرائيل على غزة بعد حربها على لبنان أدت إلى إرساء واقع في المنطقة هو: "عجز القوة "مهما تعاظمت في القدرات والتقنية والخبرات أمام المقاومة الشعبية، ومهما تضاءلت قدرات المقاومة وتراجعت تقنيتها في الوسائل المستعملة.
فالمهم الذي يعول عليه في هذه الإستراتيجية أمران: رفض التنازل والاستمرار في الميدان بأي شكل أو أثر. ومن جهة أخرى ينبغي لفت النظر إلى أن احتلال قطاع غزة وبالكامل لا يؤدي إلى اجتثاث المقاومة التي يمكنها أن تتراجع فتتقبل فقدان السيطرة الرسمية على القطاع، وتتحول إلى مقاومة سرية تعود وتتنامى كما بدأت وتعيد انطلاقتها مرة أخرى من واقع الخبير بينما كانت انطلاقتها السابقة من واقع المبتدئ.
الاستنتاج
"
الذي يعول عليه في إستراتيجية المقاومة رفض التنازل والاستمرار في الميدان بأي شكل أو أثر مع لفت النظر إلى أن احتلال قطاع غزة وبالكامل لا يؤدي إلى اجتثاث المقاومة، لأنه التي يمكنها أن تتراجع فتتقبل فقدان السيطرة الرسمية على القطاع، وتتحول إلى مقاومة سرية تعود وتتنامى
"نرى أن حرب إسرائيل على غزة والتي نفذت بعد خطط أعدتها بشكل متقن كما صرح وزير الدفاع الإسرائيلي أيهود بارك، والتي تم التدرب عليها لأكثر من مرة بعد الاستفادة من دروس حرب 2006، وعلى ضوء النتائج التي وصلت إليها وبالمقارنة مع حروب إسرائيل السابقة ضد الجيوش العربية النظامية كل هذا يقود إلى القول:
إنه وفي ظل قرار غربي أميركي ببقاء التفوق الإستراتيجي العسكري الإسرائيلي قائماً في مواجهة كل دول المنطقة، تكون هذه الدول مضطرة (إذا أرادت مواجهة عسكرية مع إسرائيل) لاعتماد إستراتيجية قائمة على مبدأ الثنائية العسكرية المتكاملة، طرفها الأول الجيش الرسمي الذي لا يستغنى عنه في الدولة الحديثة، وطرفها الثاني المقاومة الشعبية التي لا بد منها في مواجهة عدو متفوق لا يمكن اللحاق به في التسلح والتقنية، ولا تكون مواجهته إلا في عنصر وهنه وضعفه أي "الإنسان"، سواء في ذلك المقاتل في الميدان أو القابع في مخبئه خارج ميدان القتال المباشر.
وعلى هذا الأساس ينتظر أن نشهد لدى الدول التي لا زالت في مواجهة عسكرية أو حالة عدائية مع إسرائيل إعمالا لهذه النظرية وفقاً للقدرات والظروف الداخلية لكل دولة. وبالمقابل ستضطر إسرائيل ومهما كابرت، إلى إعادة النظر في سياستها المبنية أصلا على القوة، بعد أن تثبتت من عجز هذه القوة مرتين، مرة في لبنان والآن في غزة. الذي يعول عليه في إستراتيجية المقاومة رفض التنازل والاستمرار في الميدان بأي شكل أو أثر مع لفت النظر إلى أن احتلال قطاع غزة وبالكامل لا يؤدي إلى اجتثاث المقاومة، لأنه التي يمكنها أن تتراجع فتتقبل فقدان السيطرة الرسمية على القطاع، وتتحول إلى مقاومة سرية تعود وتتنامى
"نرى أن حرب إسرائيل على غزة والتي نفذت بعد خطط أعدتها بشكل متقن كما صرح وزير الدفاع الإسرائيلي أيهود بارك، والتي تم التدرب عليها لأكثر من مرة بعد الاستفادة من دروس حرب 2006، وعلى ضوء النتائج التي وصلت إليها وبالمقارنة مع حروب إسرائيل السابقة ضد الجيوش العربية النظامية كل هذا يقود إلى القول:
إنه وفي ظل قرار غربي أميركي ببقاء التفوق الإستراتيجي العسكري الإسرائيلي قائماً في مواجهة كل دول المنطقة، تكون هذه الدول مضطرة (إذا أرادت مواجهة عسكرية مع إسرائيل) لاعتماد إستراتيجية قائمة على مبدأ الثنائية العسكرية المتكاملة، طرفها الأول الجيش الرسمي الذي لا يستغنى عنه في الدولة الحديثة، وطرفها الثاني المقاومة الشعبية التي لا بد منها في مواجهة عدو متفوق لا يمكن اللحاق به في التسلح والتقنية، ولا تكون مواجهته إلا في عنصر وهنه وضعفه أي "الإنسان"، سواء في ذلك المقاتل في الميدان أو القابع في مخبئه خارج ميدان القتال المباشر.
وتكون حرب غزة وبصرف النظر عن حجم المجازر التي ارتكبت، والدمار والخسائر البشرية أو المادية التي لحقت بالقطاع، قد انتهت إلى تثبيت مبادئ أساسية نوجزها بالتالي:
- عجز الجيش الإسرائيلي عن معالجة حالات المقاومة الشعبية العقائدية مهما تفوق في المجال التقني وتقدم في المجال التدريبي.
- قدرة المقاومة الشعبية ومهما كان واقعها الديمغرافي والجغرافي، على مشاغلة الجيش الإسرائيلي لزمن يتعدى الأسابيع السبعة التي يحتملها هذا الجيش في عملياته العسكرية (وفقاً لعقيدته العسكرية التي يعمل على تطويرها ورفع المدة إلى 10 أسابيع).
- أهمية اعتماد ثنائية القوة العسكرية وتنظيم مقاومة شعبية تجعل قدرات إسرائيل عديمة الفعالية عند المواجهة.
- تنامي المد الإسلامي الجهادي بعد أن أثبت فعالية في المواجهة رغم محدودية الإمكانات.