خريطة كشفت عنها مجلة القوات المسلحة الأمر يكية، الشرق الاوسط الجديد
http://www.flickr.com/photos/11894184@N00/244242156/
ـ خريطة كشفت عنها مجلة القوات المسلحة الأمر يكية، وكتبها كولونيل سابق في الجيش الأمر يكي، وشعبة الاستخبارات العسكرية.
ـ دولة كردستان الحرّة, والدولة الشيعية العربية, الأردن الكبير, والسعودية إلى خمسة أقسام، و تركيا و باكستان الخاسر الأكبر.
ـ هذا التقرير هدفه إن لم يكن التطبيق الفعلي, فهو لابتزاز عدد من الدول الكبيرة، كالسعودية و باكستان و تركيا للبقاء ضمن الدائرة الأمر يكية.
نشرت مجلة القوات المسلحة الأمر يكية في عددها حزيران 2006 تقريراً خطيراً كتبه (رالف بيترز) و هو (لوتانيت كولونيل) سابق في الجيش الأمر يكي، و خدم في شعبة الاستخبارات العسكرية أيضاً, تفرغ للكتابة و النشر بعد تقاعده، و قد نُشر مؤخراً في 10 تموز 2006 كتابه المعنون: (Never Quit The Fight)، و الذي يُعدّ هذا التقرير جزءاً منه أيضاً.
يتحدّث (رالف بيترز) في هذا التقرير عن عملية تغيير لمعالم دول الشرق الأوسط من الناحية الجغرافية، تنشأ عبرها دول جديدة، و تتقسم دول أخرى، و تتغير معالم دول، و تندمج دول أخرى.
و يعرض التقرير المنشور في المجلة خرائط لمنطقة الشرق الأوسط بشكلها الحالي، و خرائط للشكل الذي يتم العمل على تحقيقه. و يعتمد التقرير لتسويغ هذا المخطط على عدد من الحجج المنطقية الجدلية لتمرير هذا مشروع و منها:
أولا : إنّ الحدود الحالية هي حدود رسمهتها كل من بريطانيا و فرنسا بشكل عشوائي في القرن التاسع عشر هي حدود غير عادلة.
ثانياً: إنّ قوس الحدود الأكثر تشابكاً و فوضوية في العالم يكمن في إفريقية و الشرق الأوسط, و إنّ هذه الحدود تعمل على إثارة الحروب و الموت في هذه المنطقة من العالم, و لذلك يجب تغييرها و إعادة رسمها لإعطاء الأقليات المذهبية أو القومية و الإثنية حقوقها المسلوبة.
ثالثاً: صحيح أنّه في بعض الحالات, قد تتفاهم مجموعات مختلفة متعددة الأعراق أو الديانات و الإثنيات بحيث تتعايش و تتداخل مع بعضها البعض, لكنّ الغالب إنّ التداخل بالدم أو المعتقد في أماكن أخرى قد لا يكون ناجحاً بقدر الاتحاد الذي يحصل في داخل المجموعة الواحدة, لذلك لا بد من إجراء هذا التغيير في خريطة الشرق الأوسط.
رابعاً: الحدود المرسومة للدول ليست ثابتة على الإطلاق و العديد من الحدود من الكونغو إلى القوقاز مروراً في كوسوفو تتغيّر الآن, و من هنا فإنه لا يجب التجاوب مع الحجّة القائلة إنّ هذه الحدود لهذه الدول لا يجب تغييرها؛ لأنّها تعبّر عن واقع موجود منذ آلاف السنيين, و إنّ المحافظة عليها تتطلب تحمّل ضريبة المشاكل التي تحصل فيها.
خامساً: إنّ حدود الشرق الأوسط تسبب خللاً وظيفياً داخل الدولة نفسها، و بين الدول بعضها البعض، خاصّة من خلال الممارسات ضد الأقليات القومية والدينية والإثنية, أو بسبب التطرف الديني أو القومي والمذهبي, و لذلك يجب إنهاء هذا الأمر.
و يدعي التقرير أنّ الغاية من هذا التعديل هو تحقيق عدد من الأهداف الإنسانية و التي تتعلق بالعدل و الديموقراطية و التوازن و أهداف أخرى رئيسية هي:
أولاً: إنهاء الظلم الذي يعاني منه عدد من الأقليات في الشرق الأوسط و منها: الأكراد , البلوش و الشيعة العرب. و على الرغم من أنّ التعديلات المرتقبة تأخذ بعين الاعتبار مصالح هذه الفئات, إلاّ أنّ هذه التعديلات المرتقبة قد لا تستطيع أن تحقق مصالح أقليات أخرى بالكامل مثل: المسيحيين, البهائيين, الإسماعيليين النقشبنديين, و عدد من الأقليات الأقل عدداً.
ثانياً: محاربة الإرهاب بشكل كامل بواسطة القوات الأمريكية المتمركزة في المنطقة و حلفائها من الدول المحلية أو العالمية.
ثالثاً: تأمين تدفق النفط بشكل تام و كامل للغرب دون أي قيود.
رابعاً: تحقيق السلام الكامل عبر إحداث تعديلات في الحدود الجيو-سياسية للدول الموجودة حالياً في الشرق الأوسط, و نشر الديموقراطية.
و يمرر التقرير في ثناياه عدداً من النقاط التي قد يمر القارئ عليها مرور الكرام، و لكنّها خطيرة جداً في مضمونها و معناها و منها:
أولاً: الترويج أنّ هذا التغيير و التعديل هو لمصلحة الجميع، خاصّة أنّه -و على عكس ما قامت به كل من فرنسا و بريطانيا- يراعي مصالح القوميات و الإثنيات و المذاهب و المجموعات المختلفة المنتشرة في المنطقة القائمة حالياً؛ لأنه قائم على أساس وقائع ديموغرافية تشمل الأقليات المذهبيّة و الإثنية و القوميّة.
ثانياً: إنّ هذا التغيير في الحدود المرسومة حالياً و تعديلها لإيجاد شرق أوسط جديد، لا يمكن أن يتم بسهولة و سرعة، لأن إعادة تصحيح الحدود الدولية يتطلب توافقاً لإرادات الشعوب التي قد تكون مستحيلة في الوقت الراهن, و لضيق الوقت فإنه لابد من سفك الدماء للوصول إلى هذه الغاية و استغلال عامل الوقت لصالح هذه الخطّة.
استناداً لما تمّ ذكره, فإن دولاً جديدة ستنشأ، مما يعني فقدان بعض الدول الموجودة لأجزاء كبيرة من حدودها الحالية و زيادة حدود دول أخرى.
الدولة الكردية: تقتضي الخطّة المذكورة إقامة دولة كردية مستقلة للأكراد البالغ عددهم ما بين (27 – 36) مليون كردي يعيشون في مناطق محاذية لبعضها البعض في الشرق الأوسط؛ إذ يعد التقرير أنّ الأكراد هم أكبر قوميّة في العالم لا يعيشون في دولة مستقلة، و أنّه يجب تحقيق دولتهم المستقلّة عبر عدد من الخطوات منها:
أولاً: استغلال الفرصة التاريخية التي لاحت للولايات المتّحدة بعد سقوط بغداد في إنشاء دولة كردية إثر تقسيم العراق إلى ثلاث دول؛ لأن الأكراد سيصوتون بنسبة 100% لصالح قيام دولة مستقلة إذا عُرضت عليهم فرصة قيام دولة مستقلة.
ثانياً: دعم أكراد تركيا على الرغم من أنّ هجماتهم في الداخل قد خفّت خلال العشر سنوات الماضية, إلاّ أنهم عادوا من جديد الآن، و عليه يجب استغلال هذه الفرصة للضغط على تركيا، و إظهار الجزء الشرقي منها كما و أنّها "منطقة محتّلة".
ثالثاً: بعد قيام الدولة الكرديّة المستقلة في العراق و تركيا, فإنّ أكراد إيران و سوريا سينضمون بمناطقهم مباشرة إليها و سيشكلون "دولة كردستان الكبرى المستقلّة" بحدودها النهائية.
و ستكون هذه الدولة الكرديّة الممتدة من ديار بكر في تركيا إلى تبريز في إيران أكبر حليف للغرب في المنطقة ما بين اليابان و بلغاريا.
الدولة الشيعية العربية: وفقاً للتقرير, فإنّ الجزء الجنوبي من العراق سيكون نواة لتشكيل دولة شيعية عربية تنضم إليها مناطق واسعة من الأراضي المحيطة بها ليشكل حزاماً على المنطقة المحاذية للخليج "العربي" على أن تشمل المناطق التالية:
أولاً: الجزء الجنوبي الغربي من إيران و المعروف بمنطقة الأهواز أو عربستان و التي تضمن معظم الشيعة العرب في إيران.
ثانياً: الجزء الشرقي من المملكة العربية السعودية و الذي يضم العدد الأكبر من الأقلية الشيعية في المملكة.
دولة سوريا الكبرى: بعد تقسيم العراق إلى ثلاثة أقسام: كردي في الشمال, شيعي في الجنوب و سني في الوسط, سيضطر الجزء السني إلى الالتحاق بسوريا، و ذلك لأنه سيصبح دولة لا مقومات لها بين مطرقة الدولة الكردية الكبرى إلى شماله، و سندان الدولة الشيعية إلى جنوبه إذا لم ينضم إلى سوريا. و سيتم إجبار سوريا عن التخلي عن جزء صغير منها لضمّه إلى لبنان لتشكيل "دولة لبنان الكبير" على البحر المتوسط لإعادة إحياء دولة فينيقيا.
تقسيم المملكة العربية السعودية: ستكون المملكة إلى جانب الباكستان بالإضافة إلى تركيا من الأكثر الدول التي ستعاني نتيجة للتغيير الذي سيطرأ على المنطقة. و سيتم تقسيم المملكة إلى خمسة أقسام:
أولاً: القسم الشرقي الساحلي حيث تتواجد الأقلية الشيعية في المملكة، و سيتم إلحاق هذا القسم بالدولة العربية الشيعية التي تحدثنا عنها أعلاه.
ثانياً: القسم الثاني هو جزء يقع في شمال غرب و شرق المملكة، و سيتم إلحاقه بالأردن الذي سيشكّل بحدوده الموجودة حالياً إضافة إلى الجزء السعودي دولة "الأردن الكبرى" التي ستضم كل الفلسطينيين في الشتات.
ثالثاً: القسم الثالث من المملكة سيضم كل المدن الدينية لاسيما مكّة المكرّمة و المدينة المنوّرة التي سيتم تشكيل دولة دينية عليهما يحكمها مجمّع ديني من مختلف الطوائف و المذاهب الإسلامي ة يشبه إلى حد كبير الفاتيكان.
رابعاً: إلحاق قسم من جنوب المملكة إلى الجمهورية اليمنية التي سيزيد حجمها.
خامساً: تشكيل دولة سياسية في القسم المتبقي من حجم المملكة الأصلي.
الجمهورية الإيرانية: صحيح أنّه سيتم اقتسام بعض الأجزاء من إيران لصالح تشكيل دولة كردية و دولة شيعية عربية و دولة بلوشية و جزء صغير لضمّه لدولة أذربيجان، إلاّ أنّه سيتم اقتطاع جزء من أفغانستان المجاورة لتشكيل دولة قومية فارسية تحلّ محل الجمهورية الإيرانية الحالية.
أفغانستان و باكستان: القسم الذي سيتم اقتطاعه من أفغانستان لمنحه لإيران سيتم تعويضه من خلال منح أفغانستان جزءاً كبيراً من باكستان حيث العديد من القبائل الأفغانية و القريبة لها, و سيتم اقتطاع جزء آخر أيضاً من باكستان حيث يقيم البلوش لمنحه لدولة بلوشستان الحرة، و بذلك يتبقى مساحة ثلث أو أقل من حجم باكستان الحالية التي ستشكّل الدولة الجديدة المنتظرة.
الكويت, قطر, عمان , الإمارات و اليمن: ستبقى هذه الدول على الأرجح بشكلها الحالي دون زيادة أو نقصان مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ الإمارات قد تشهد بعض التغييرات، و ذلك تبعاً للتغير الذي سيصيب بعض الدول المجاورة لها، سواء لناحية إيران أو لناحية دولة الشيعة العرب, فيما سيزيد حجم اليمن نتيجة لمنحها جزءاً من المملكة العربية السعودية.
لذلك و كما نرى فإنّ إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط سيتم على أساس قومي أو إثني في بعض الأحيان و طائفي في أحيان اخرى, و بما أنّ إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط انعكاساً لإرادة الناس و الفئات لا يمكن أن يتم فوراً حتى ولو أرادوا ذلك, إلاّ أنّه مع الوقت -و مع عملية سفك الدماء وفقاً للتقرير- فإن تحقيق هذه الخريطة الجديدة سيكون ممكناً جداً.
أمّا بالنسبة لإسرائيل ووفقاً للتقرير, فلكي تمتلك أي أمل بالحياة بسلام مع جيرانها فسيكون عليها الانسحاب من كل المناطق التي احتلتها في العام 1967 مع ضرورة إجراء تعديلات محلية تواكب القلق الأمني الذي يساورها بشكل دائم.
شخصياً أعتقد أنّ نشر مثل هذا التقرير في مجلة عسكرية أمريكية هدفه إن لم يكن التطبيق الفعلي, فهو لابتزاز عدد من الدول الكبيرة كالسعودية و الباكستان و تركيا للبقاء ضمن الدائرة الأمر يكية, خوفاً من هذا المصير. و في حال تمّ تطبيقه فالهدف منه إيجاد بيئة رسمية و شعبية موالية للولايات المتحدة الأمريكية؛ لأنّ الدول التي ستنشأ و الكيانات التي ستقوم و المجموعات التي ستستفيد من هذا الواقع ستكون ممتنّة جداً للولايات المتحدة و مدينة لها، كما هو حال الحكومة الحالية في أفغانستان من الناحية الرسمية، أو كما هو الحال مع شيعة العراق و كرده رسمياً أو شعبياً.
و مما لا شك فيه أنّ الخطط الأمريكيّة تجاه العالم الإسلامي "الذي تدعوه الشرق الأوسط, عندما تريد تخصيص الدول العربية و بعض الدول الأخرى في محيطها"، تعدّدت و تنوّعت على مر السنين لتتلاءم مع التغيرات التي تطرأ على المنطقة بين الحين و الآخر, لكنّها في جميع الأحوال و الظروف حافظت على عاملين اثنين أساسيين اعتبرتهما كثوابت في جميع هذه الإستراتيجيات, و خطّا أحمر يمس الأمن القومي الأمريكي:
العامل الأول هو: حماية أمن إسرائيل و دعمها بأي ثمن.
العامل الثاني هو: تأمين النفط و المصالح الإستراتيجية الأمريكية الأخرى.
و على العموم فإنّ الإستراتيجية الأمريكية الجديدة في المنطقة يمكن تلمّس معالمها من خلال الأدوار التي لعبتها أمريكا في أفغانستان و العراق، و من خلال الأدوار التي تلعبها مؤخراً بمساعدة أوروبا في عدد من الملفات، سواء في سوريا أو لبنان أو فلسطين أو مصر أو الخليج العربي و تركيا.
إنّ مسألة التلاعب أو التحكّم بورقة الأقليات و حقوق الإنسان مسألة معروفة قديماً في العرف السياسي الأمريكي الخارجي, و هذا الأسلوب يظهر الولايات المتّحدة بمظهر المدافع عن حقوق البشر و توجّهاتهم في وقت تعاني هي أصلاً فيه من عنصرية بغيضة تجاه الأقليات سواء العرقية أو القوميّة. على العموم, الخطة الأمريكية الجديدة تقوم على استعمال ورقة الأقليات لزعزعة استقرار و وحدة الدول القائمة في الشرق الأوسط، لاسيما أنّ لهذه الورقة قوّة كبيرة، و قد تؤدي إلى مواجهات عنيفة تتفكك على إثرها الدولة إلى دويلات طائفية و عرقية أو تضعف الدول كثيراً في أحسن الأحوال؛ لأنّ الدولة في الشرق الأوسط بطبيعتها الحاليّة، و منذ انهيار الدولة العثمانيّة هي دولة قوميّة بالأساس، و تضم عدداً كبيراً و متنوعاً من الأعراق و الطوائف و القوميات.
و بطبيعة الحال فإن الدول التي تحويها القائمة الأمريكية في هذا المجال هي الدول الأكثر تنوعاً و امتزاجاً مثل: العراق, أفغانستان, السودان, الجزائر, لبنان...الخ و ذلك من أجل إعادة صياغة الواقع العرقي و الطائفي و القومي وفق تركيبة تناسب المخططات الأمر يكية التي تهدف إلى تحقيق عدة أهداف منها:
أولاً: إضعاف الدولة القوميّة- بشكلها الحالي- التي لديها حساسية كبيرة بطبيعة الحال تجاه التدخلات الخارجية في شؤونها، و هو ما سيسهّل عملية الاختراق الأمريكية للدول التي تأبى الانصياع لما تريده أو التي ترفض التغيير بحسب الوصفة المقدّمة على الطريقة الأمريكيّة.
ثانياً:ضمان عدم التحام هذه الأقليات و الطوائف و الأعراق, و ضمان عدم ذوبانها أو على الأقل انسجامها مع الأغلبية في أي بلد من بلدان الشرق الأوسط في أي إطار جامع على الشكل الذي كانت فيه منذ قرون لضمان أنها ستكون بحاجة إلى مساعدة خارجية, و كل ذلك من أجل أن تبقى هذه الأقليات برميل بارود يمكن تفجيره في الوقت الذي تراه القوى الغربية مناسباً، و بالتالي أمريكا ستكون جاهزة للتدخل في أي مكان و زمان تراه مناسباً في أي بلد من هذه البلدان إذا رأت أنّ ذلك لمصلحتها, و بحجّة الحماية بطبيعة الحال. و إن لم يكن ذلك في مصلحتها فلا هي ترى و لا تسمع و لا تتكلم.
ثالثاً:إنّ الهدف أيضاً من ورقة الأقليات هو تسويغ وجود إسرائيل و توسيع رقعة المشاكل و النزاعات الإقليمية الداخلية العرقيّة و القوميّة لإشغال العالم العربي و الإسلامي و شعوب هذه الدول بالمشاكل الداخلية المستجدّة لديهم و المخاطر التي تتهدّد بلدانهم المعرضّة آنذاك للتفتيت و التقسيم, بمعنى تقسيم المقسّم أصلاً و تجزئة المجزّء بعدها حتى تصبح القضيّة الفلسطينيّة في آخر اهتمامات الشارع الإسلامي و الدول الإسلامية, هذا إن تذكّرها بعد ذلك أحد, و بالتالي تنعم "إسرائيل " بما هي فيه.
رابعاً:الهدف أيضاً من نفس الموضوع هو إفساح المجال أمام إسرائيل للدخول و التغلغل في هذه الدول عبر الأقليات سواء القومية أو الطائفية أو العرقية، و لنا في أكراد العراق و شيعته مثال على ذلك؛ إذ إنّ الدولة المدمّرة أو المفتّتة أو التي يتم إضعافها عبر ورقة الأقليات سيكون من السهل على إسرائيل اختراقها كما حدث أيضاً في جنوب السودان.
ترتكز الإستراتيجية الأمريكية الجديدة في المنطقة, في شقّها الثاني على تحجيم نفوذ الدول الكبرى تقليدياً في المنطقة مثل:
- السعوديّة: التي من المفترض أن تشمل دائرة نفوذها الإقليمية على الأقل دول الخليج العربي و ذلك لاعتبارات اقتصادية و ديمغرافية و جغرافيّة و عسكرية.....الخ.
- مصر: التي من المفترض أن تشمل دائرة نفوذها أو دائرة تأثيرها أيضاً منطقة شمالي إفريقية و السودان و فلسطين على الأقل، و ذلك أيضاً لأسباب ديمغرافيّة, اقتصاديّة, تاريخيّة..الخ.
- سوريا و العراق: حيث تمتد دائرة نفوذ الدولتين إلى الدول المجاورة لهم سواء لبنان و فلسطين بالنسبة إلى سوريا أو الأردن و الخليج بالنسبة للعراق. بالإضافة إلى عدد آخر من الدول الكبيرة أيضاً التي لم نذكرها.
و نلاحظ أنّ الولايات المتّحدة قد لجأت إلى هذه الخطّة في تحجيم نفوذ الدول الكبرى نظراً للتعقيدات الكثيرة و التشابكات الكبيرة التي تتركها دائرة نفوذ مثل هذه الدول الكبرى على الدول الأخرى، ممّا من شأنه أن يحدّ من التدخّل الأمريكي بحيث يصعّب على الولايات المتّحدة التدخل في أي موضوع أو ملف لأي دولة تكون لهذه الدول الكبرى نفوذ فيها, إذ إنّ الأمر آنذاك سيتطلب من الولايات المتّحدة جهداً مضاعفاً و وقتاً مضاعفاً و تباحثاً مع جميع الأطراف، و ربما جوائز ترضية للدول الكبرى، و ربما قد تخفق في النهاية للوصول إلى هدفها أو قد تصل إليه بصعوبة.
لكن عندما تكون دائرة نفوذ كل دولة محصور في إطارها الداخلي فقط فإنّ ذلك يفيد الولايات المتّحدة من عدّة جوانب:
أولاً:يسهّل ذلك على الولايات المتّحدة مهمّة التدخل بشؤون أي دولة دون تعقيدات تُذكر حيث تصبح العلاقة مباشرة و فردية بين الولايات المتّحدة و الدول الأخرى, و بطبيعة الحال فإنّ الدول الأخرى في غالبها دول صغيرة و ضعيفة، و لا حول و لاقوّة لها في وجه الإملاءات الأمريكية حتى لو أرادت فعلاً رفض ما يُملى عليها.
ثانياً:إنّ تحجيم النفوذ يؤمن الاستفراد بالدول الواحدة تلو الأخرى دون أن يكون لها أي حليف أو نصير، و بالتالي فإنّ الملف يصبح أسهل، و النتائج أضمن، و الإملاءات و الشروط أكبر، و التهديدات بالعقوبات و العمليات العسكرية في حال عدم التنفيذ أجدى.
و يمكن ملاحظة ذلك في ثلاث حالات واضحة و صريحة و منها:
1- السودان حيث تمّ عزله عن محيطه العربي، و تُرك وحده في مواجهة أمريكا و القوى الدولية، و تمّ عزل مصر عن الملف إلى أن وصلت الأوضاع إلى ما وصلت إليه الآن و بعد فوات الأوان, و نرى التهديدات و العقوبات الأمريكية و الأممية واضحة لأي مراقب.
2- العراق و قد تمّ أيضاً عزله و محاصرته و قصفه و تدميره و تحجيم نفوذه إلى أن وصل إلى ما هو عليه الآن من خراب و دمار و انهيار نتيجة عدم تنفيذ الإملاءات و الشروط الأمريكية.
3- سوريا, و قد بدا الأسلوب الذي نتحدث عنه عن تحجيم النفوذ واضحاً في هذه الحالة، و لا يحتاج إلى شرح؛ إذ أصبحت قدرة الولايات المتّحدة على التدخل في الملف اللبناني أكبر بكثير، و تمّ تحجيم النفوذ السوري فيه, و بالطبع مسلسل التهديدات لم ينته بعدُ، و سلسلة المطالب من سوريا تجاه العراق و لبنان و فلسطين تكبر يوماً بعد يوم بانتظار التنفيذ الكامل و إلاّ تبقى الإشارة إلى إنّ نقطة الانطلاق في تنفيذ هذا المشروع و النقطة الفاصلة، وفقاً لما يذكره التقرير هي العراق, فإذا نجح المشروع الأمريكي في العراق، تمّ الانتقال إلى دول أخرى، و إذا أخفق سقطت هذه الخرائط الأمر يكية برمّتها.
http://www.flickr.com/photos/11894184@N00/244242156/
ـ خريطة كشفت عنها مجلة القوات المسلحة الأمر يكية، وكتبها كولونيل سابق في الجيش الأمر يكي، وشعبة الاستخبارات العسكرية.
ـ دولة كردستان الحرّة, والدولة الشيعية العربية, الأردن الكبير, والسعودية إلى خمسة أقسام، و تركيا و باكستان الخاسر الأكبر.
ـ هذا التقرير هدفه إن لم يكن التطبيق الفعلي, فهو لابتزاز عدد من الدول الكبيرة، كالسعودية و باكستان و تركيا للبقاء ضمن الدائرة الأمر يكية.
نشرت مجلة القوات المسلحة الأمر يكية في عددها حزيران 2006 تقريراً خطيراً كتبه (رالف بيترز) و هو (لوتانيت كولونيل) سابق في الجيش الأمر يكي، و خدم في شعبة الاستخبارات العسكرية أيضاً, تفرغ للكتابة و النشر بعد تقاعده، و قد نُشر مؤخراً في 10 تموز 2006 كتابه المعنون: (Never Quit The Fight)، و الذي يُعدّ هذا التقرير جزءاً منه أيضاً.
يتحدّث (رالف بيترز) في هذا التقرير عن عملية تغيير لمعالم دول الشرق الأوسط من الناحية الجغرافية، تنشأ عبرها دول جديدة، و تتقسم دول أخرى، و تتغير معالم دول، و تندمج دول أخرى.
و يعرض التقرير المنشور في المجلة خرائط لمنطقة الشرق الأوسط بشكلها الحالي، و خرائط للشكل الذي يتم العمل على تحقيقه. و يعتمد التقرير لتسويغ هذا المخطط على عدد من الحجج المنطقية الجدلية لتمرير هذا مشروع و منها:
أولا : إنّ الحدود الحالية هي حدود رسمهتها كل من بريطانيا و فرنسا بشكل عشوائي في القرن التاسع عشر هي حدود غير عادلة.
ثانياً: إنّ قوس الحدود الأكثر تشابكاً و فوضوية في العالم يكمن في إفريقية و الشرق الأوسط, و إنّ هذه الحدود تعمل على إثارة الحروب و الموت في هذه المنطقة من العالم, و لذلك يجب تغييرها و إعادة رسمها لإعطاء الأقليات المذهبية أو القومية و الإثنية حقوقها المسلوبة.
ثالثاً: صحيح أنّه في بعض الحالات, قد تتفاهم مجموعات مختلفة متعددة الأعراق أو الديانات و الإثنيات بحيث تتعايش و تتداخل مع بعضها البعض, لكنّ الغالب إنّ التداخل بالدم أو المعتقد في أماكن أخرى قد لا يكون ناجحاً بقدر الاتحاد الذي يحصل في داخل المجموعة الواحدة, لذلك لا بد من إجراء هذا التغيير في خريطة الشرق الأوسط.
رابعاً: الحدود المرسومة للدول ليست ثابتة على الإطلاق و العديد من الحدود من الكونغو إلى القوقاز مروراً في كوسوفو تتغيّر الآن, و من هنا فإنه لا يجب التجاوب مع الحجّة القائلة إنّ هذه الحدود لهذه الدول لا يجب تغييرها؛ لأنّها تعبّر عن واقع موجود منذ آلاف السنيين, و إنّ المحافظة عليها تتطلب تحمّل ضريبة المشاكل التي تحصل فيها.
خامساً: إنّ حدود الشرق الأوسط تسبب خللاً وظيفياً داخل الدولة نفسها، و بين الدول بعضها البعض، خاصّة من خلال الممارسات ضد الأقليات القومية والدينية والإثنية, أو بسبب التطرف الديني أو القومي والمذهبي, و لذلك يجب إنهاء هذا الأمر.
و يدعي التقرير أنّ الغاية من هذا التعديل هو تحقيق عدد من الأهداف الإنسانية و التي تتعلق بالعدل و الديموقراطية و التوازن و أهداف أخرى رئيسية هي:
أولاً: إنهاء الظلم الذي يعاني منه عدد من الأقليات في الشرق الأوسط و منها: الأكراد , البلوش و الشيعة العرب. و على الرغم من أنّ التعديلات المرتقبة تأخذ بعين الاعتبار مصالح هذه الفئات, إلاّ أنّ هذه التعديلات المرتقبة قد لا تستطيع أن تحقق مصالح أقليات أخرى بالكامل مثل: المسيحيين, البهائيين, الإسماعيليين النقشبنديين, و عدد من الأقليات الأقل عدداً.
ثانياً: محاربة الإرهاب بشكل كامل بواسطة القوات الأمريكية المتمركزة في المنطقة و حلفائها من الدول المحلية أو العالمية.
ثالثاً: تأمين تدفق النفط بشكل تام و كامل للغرب دون أي قيود.
رابعاً: تحقيق السلام الكامل عبر إحداث تعديلات في الحدود الجيو-سياسية للدول الموجودة حالياً في الشرق الأوسط, و نشر الديموقراطية.
و يمرر التقرير في ثناياه عدداً من النقاط التي قد يمر القارئ عليها مرور الكرام، و لكنّها خطيرة جداً في مضمونها و معناها و منها:
أولاً: الترويج أنّ هذا التغيير و التعديل هو لمصلحة الجميع، خاصّة أنّه -و على عكس ما قامت به كل من فرنسا و بريطانيا- يراعي مصالح القوميات و الإثنيات و المذاهب و المجموعات المختلفة المنتشرة في المنطقة القائمة حالياً؛ لأنه قائم على أساس وقائع ديموغرافية تشمل الأقليات المذهبيّة و الإثنية و القوميّة.
ثانياً: إنّ هذا التغيير في الحدود المرسومة حالياً و تعديلها لإيجاد شرق أوسط جديد، لا يمكن أن يتم بسهولة و سرعة، لأن إعادة تصحيح الحدود الدولية يتطلب توافقاً لإرادات الشعوب التي قد تكون مستحيلة في الوقت الراهن, و لضيق الوقت فإنه لابد من سفك الدماء للوصول إلى هذه الغاية و استغلال عامل الوقت لصالح هذه الخطّة.
استناداً لما تمّ ذكره, فإن دولاً جديدة ستنشأ، مما يعني فقدان بعض الدول الموجودة لأجزاء كبيرة من حدودها الحالية و زيادة حدود دول أخرى.
الدولة الكردية: تقتضي الخطّة المذكورة إقامة دولة كردية مستقلة للأكراد البالغ عددهم ما بين (27 – 36) مليون كردي يعيشون في مناطق محاذية لبعضها البعض في الشرق الأوسط؛ إذ يعد التقرير أنّ الأكراد هم أكبر قوميّة في العالم لا يعيشون في دولة مستقلة، و أنّه يجب تحقيق دولتهم المستقلّة عبر عدد من الخطوات منها:
أولاً: استغلال الفرصة التاريخية التي لاحت للولايات المتّحدة بعد سقوط بغداد في إنشاء دولة كردية إثر تقسيم العراق إلى ثلاث دول؛ لأن الأكراد سيصوتون بنسبة 100% لصالح قيام دولة مستقلة إذا عُرضت عليهم فرصة قيام دولة مستقلة.
ثانياً: دعم أكراد تركيا على الرغم من أنّ هجماتهم في الداخل قد خفّت خلال العشر سنوات الماضية, إلاّ أنهم عادوا من جديد الآن، و عليه يجب استغلال هذه الفرصة للضغط على تركيا، و إظهار الجزء الشرقي منها كما و أنّها "منطقة محتّلة".
ثالثاً: بعد قيام الدولة الكرديّة المستقلة في العراق و تركيا, فإنّ أكراد إيران و سوريا سينضمون بمناطقهم مباشرة إليها و سيشكلون "دولة كردستان الكبرى المستقلّة" بحدودها النهائية.
و ستكون هذه الدولة الكرديّة الممتدة من ديار بكر في تركيا إلى تبريز في إيران أكبر حليف للغرب في المنطقة ما بين اليابان و بلغاريا.
الدولة الشيعية العربية: وفقاً للتقرير, فإنّ الجزء الجنوبي من العراق سيكون نواة لتشكيل دولة شيعية عربية تنضم إليها مناطق واسعة من الأراضي المحيطة بها ليشكل حزاماً على المنطقة المحاذية للخليج "العربي" على أن تشمل المناطق التالية:
أولاً: الجزء الجنوبي الغربي من إيران و المعروف بمنطقة الأهواز أو عربستان و التي تضمن معظم الشيعة العرب في إيران.
ثانياً: الجزء الشرقي من المملكة العربية السعودية و الذي يضم العدد الأكبر من الأقلية الشيعية في المملكة.
دولة سوريا الكبرى: بعد تقسيم العراق إلى ثلاثة أقسام: كردي في الشمال, شيعي في الجنوب و سني في الوسط, سيضطر الجزء السني إلى الالتحاق بسوريا، و ذلك لأنه سيصبح دولة لا مقومات لها بين مطرقة الدولة الكردية الكبرى إلى شماله، و سندان الدولة الشيعية إلى جنوبه إذا لم ينضم إلى سوريا. و سيتم إجبار سوريا عن التخلي عن جزء صغير منها لضمّه إلى لبنان لتشكيل "دولة لبنان الكبير" على البحر المتوسط لإعادة إحياء دولة فينيقيا.
تقسيم المملكة العربية السعودية: ستكون المملكة إلى جانب الباكستان بالإضافة إلى تركيا من الأكثر الدول التي ستعاني نتيجة للتغيير الذي سيطرأ على المنطقة. و سيتم تقسيم المملكة إلى خمسة أقسام:
أولاً: القسم الشرقي الساحلي حيث تتواجد الأقلية الشيعية في المملكة، و سيتم إلحاق هذا القسم بالدولة العربية الشيعية التي تحدثنا عنها أعلاه.
ثانياً: القسم الثاني هو جزء يقع في شمال غرب و شرق المملكة، و سيتم إلحاقه بالأردن الذي سيشكّل بحدوده الموجودة حالياً إضافة إلى الجزء السعودي دولة "الأردن الكبرى" التي ستضم كل الفلسطينيين في الشتات.
ثالثاً: القسم الثالث من المملكة سيضم كل المدن الدينية لاسيما مكّة المكرّمة و المدينة المنوّرة التي سيتم تشكيل دولة دينية عليهما يحكمها مجمّع ديني من مختلف الطوائف و المذاهب الإسلامي ة يشبه إلى حد كبير الفاتيكان.
رابعاً: إلحاق قسم من جنوب المملكة إلى الجمهورية اليمنية التي سيزيد حجمها.
خامساً: تشكيل دولة سياسية في القسم المتبقي من حجم المملكة الأصلي.
الجمهورية الإيرانية: صحيح أنّه سيتم اقتسام بعض الأجزاء من إيران لصالح تشكيل دولة كردية و دولة شيعية عربية و دولة بلوشية و جزء صغير لضمّه لدولة أذربيجان، إلاّ أنّه سيتم اقتطاع جزء من أفغانستان المجاورة لتشكيل دولة قومية فارسية تحلّ محل الجمهورية الإيرانية الحالية.
أفغانستان و باكستان: القسم الذي سيتم اقتطاعه من أفغانستان لمنحه لإيران سيتم تعويضه من خلال منح أفغانستان جزءاً كبيراً من باكستان حيث العديد من القبائل الأفغانية و القريبة لها, و سيتم اقتطاع جزء آخر أيضاً من باكستان حيث يقيم البلوش لمنحه لدولة بلوشستان الحرة، و بذلك يتبقى مساحة ثلث أو أقل من حجم باكستان الحالية التي ستشكّل الدولة الجديدة المنتظرة.
الكويت, قطر, عمان , الإمارات و اليمن: ستبقى هذه الدول على الأرجح بشكلها الحالي دون زيادة أو نقصان مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ الإمارات قد تشهد بعض التغييرات، و ذلك تبعاً للتغير الذي سيصيب بعض الدول المجاورة لها، سواء لناحية إيران أو لناحية دولة الشيعة العرب, فيما سيزيد حجم اليمن نتيجة لمنحها جزءاً من المملكة العربية السعودية.
لذلك و كما نرى فإنّ إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط سيتم على أساس قومي أو إثني في بعض الأحيان و طائفي في أحيان اخرى, و بما أنّ إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط انعكاساً لإرادة الناس و الفئات لا يمكن أن يتم فوراً حتى ولو أرادوا ذلك, إلاّ أنّه مع الوقت -و مع عملية سفك الدماء وفقاً للتقرير- فإن تحقيق هذه الخريطة الجديدة سيكون ممكناً جداً.
أمّا بالنسبة لإسرائيل ووفقاً للتقرير, فلكي تمتلك أي أمل بالحياة بسلام مع جيرانها فسيكون عليها الانسحاب من كل المناطق التي احتلتها في العام 1967 مع ضرورة إجراء تعديلات محلية تواكب القلق الأمني الذي يساورها بشكل دائم.
شخصياً أعتقد أنّ نشر مثل هذا التقرير في مجلة عسكرية أمريكية هدفه إن لم يكن التطبيق الفعلي, فهو لابتزاز عدد من الدول الكبيرة كالسعودية و الباكستان و تركيا للبقاء ضمن الدائرة الأمر يكية, خوفاً من هذا المصير. و في حال تمّ تطبيقه فالهدف منه إيجاد بيئة رسمية و شعبية موالية للولايات المتحدة الأمريكية؛ لأنّ الدول التي ستنشأ و الكيانات التي ستقوم و المجموعات التي ستستفيد من هذا الواقع ستكون ممتنّة جداً للولايات المتحدة و مدينة لها، كما هو حال الحكومة الحالية في أفغانستان من الناحية الرسمية، أو كما هو الحال مع شيعة العراق و كرده رسمياً أو شعبياً.
و مما لا شك فيه أنّ الخطط الأمريكيّة تجاه العالم الإسلامي "الذي تدعوه الشرق الأوسط, عندما تريد تخصيص الدول العربية و بعض الدول الأخرى في محيطها"، تعدّدت و تنوّعت على مر السنين لتتلاءم مع التغيرات التي تطرأ على المنطقة بين الحين و الآخر, لكنّها في جميع الأحوال و الظروف حافظت على عاملين اثنين أساسيين اعتبرتهما كثوابت في جميع هذه الإستراتيجيات, و خطّا أحمر يمس الأمن القومي الأمريكي:
العامل الأول هو: حماية أمن إسرائيل و دعمها بأي ثمن.
العامل الثاني هو: تأمين النفط و المصالح الإستراتيجية الأمريكية الأخرى.
و على العموم فإنّ الإستراتيجية الأمريكية الجديدة في المنطقة يمكن تلمّس معالمها من خلال الأدوار التي لعبتها أمريكا في أفغانستان و العراق، و من خلال الأدوار التي تلعبها مؤخراً بمساعدة أوروبا في عدد من الملفات، سواء في سوريا أو لبنان أو فلسطين أو مصر أو الخليج العربي و تركيا.
إنّ مسألة التلاعب أو التحكّم بورقة الأقليات و حقوق الإنسان مسألة معروفة قديماً في العرف السياسي الأمريكي الخارجي, و هذا الأسلوب يظهر الولايات المتّحدة بمظهر المدافع عن حقوق البشر و توجّهاتهم في وقت تعاني هي أصلاً فيه من عنصرية بغيضة تجاه الأقليات سواء العرقية أو القوميّة. على العموم, الخطة الأمريكية الجديدة تقوم على استعمال ورقة الأقليات لزعزعة استقرار و وحدة الدول القائمة في الشرق الأوسط، لاسيما أنّ لهذه الورقة قوّة كبيرة، و قد تؤدي إلى مواجهات عنيفة تتفكك على إثرها الدولة إلى دويلات طائفية و عرقية أو تضعف الدول كثيراً في أحسن الأحوال؛ لأنّ الدولة في الشرق الأوسط بطبيعتها الحاليّة، و منذ انهيار الدولة العثمانيّة هي دولة قوميّة بالأساس، و تضم عدداً كبيراً و متنوعاً من الأعراق و الطوائف و القوميات.
و بطبيعة الحال فإن الدول التي تحويها القائمة الأمريكية في هذا المجال هي الدول الأكثر تنوعاً و امتزاجاً مثل: العراق, أفغانستان, السودان, الجزائر, لبنان...الخ و ذلك من أجل إعادة صياغة الواقع العرقي و الطائفي و القومي وفق تركيبة تناسب المخططات الأمر يكية التي تهدف إلى تحقيق عدة أهداف منها:
أولاً: إضعاف الدولة القوميّة- بشكلها الحالي- التي لديها حساسية كبيرة بطبيعة الحال تجاه التدخلات الخارجية في شؤونها، و هو ما سيسهّل عملية الاختراق الأمريكية للدول التي تأبى الانصياع لما تريده أو التي ترفض التغيير بحسب الوصفة المقدّمة على الطريقة الأمريكيّة.
ثانياً:ضمان عدم التحام هذه الأقليات و الطوائف و الأعراق, و ضمان عدم ذوبانها أو على الأقل انسجامها مع الأغلبية في أي بلد من بلدان الشرق الأوسط في أي إطار جامع على الشكل الذي كانت فيه منذ قرون لضمان أنها ستكون بحاجة إلى مساعدة خارجية, و كل ذلك من أجل أن تبقى هذه الأقليات برميل بارود يمكن تفجيره في الوقت الذي تراه القوى الغربية مناسباً، و بالتالي أمريكا ستكون جاهزة للتدخل في أي مكان و زمان تراه مناسباً في أي بلد من هذه البلدان إذا رأت أنّ ذلك لمصلحتها, و بحجّة الحماية بطبيعة الحال. و إن لم يكن ذلك في مصلحتها فلا هي ترى و لا تسمع و لا تتكلم.
ثالثاً:إنّ الهدف أيضاً من ورقة الأقليات هو تسويغ وجود إسرائيل و توسيع رقعة المشاكل و النزاعات الإقليمية الداخلية العرقيّة و القوميّة لإشغال العالم العربي و الإسلامي و شعوب هذه الدول بالمشاكل الداخلية المستجدّة لديهم و المخاطر التي تتهدّد بلدانهم المعرضّة آنذاك للتفتيت و التقسيم, بمعنى تقسيم المقسّم أصلاً و تجزئة المجزّء بعدها حتى تصبح القضيّة الفلسطينيّة في آخر اهتمامات الشارع الإسلامي و الدول الإسلامية, هذا إن تذكّرها بعد ذلك أحد, و بالتالي تنعم "إسرائيل " بما هي فيه.
رابعاً:الهدف أيضاً من نفس الموضوع هو إفساح المجال أمام إسرائيل للدخول و التغلغل في هذه الدول عبر الأقليات سواء القومية أو الطائفية أو العرقية، و لنا في أكراد العراق و شيعته مثال على ذلك؛ إذ إنّ الدولة المدمّرة أو المفتّتة أو التي يتم إضعافها عبر ورقة الأقليات سيكون من السهل على إسرائيل اختراقها كما حدث أيضاً في جنوب السودان.
ترتكز الإستراتيجية الأمريكية الجديدة في المنطقة, في شقّها الثاني على تحجيم نفوذ الدول الكبرى تقليدياً في المنطقة مثل:
- السعوديّة: التي من المفترض أن تشمل دائرة نفوذها الإقليمية على الأقل دول الخليج العربي و ذلك لاعتبارات اقتصادية و ديمغرافية و جغرافيّة و عسكرية.....الخ.
- مصر: التي من المفترض أن تشمل دائرة نفوذها أو دائرة تأثيرها أيضاً منطقة شمالي إفريقية و السودان و فلسطين على الأقل، و ذلك أيضاً لأسباب ديمغرافيّة, اقتصاديّة, تاريخيّة..الخ.
- سوريا و العراق: حيث تمتد دائرة نفوذ الدولتين إلى الدول المجاورة لهم سواء لبنان و فلسطين بالنسبة إلى سوريا أو الأردن و الخليج بالنسبة للعراق. بالإضافة إلى عدد آخر من الدول الكبيرة أيضاً التي لم نذكرها.
و نلاحظ أنّ الولايات المتّحدة قد لجأت إلى هذه الخطّة في تحجيم نفوذ الدول الكبرى نظراً للتعقيدات الكثيرة و التشابكات الكبيرة التي تتركها دائرة نفوذ مثل هذه الدول الكبرى على الدول الأخرى، ممّا من شأنه أن يحدّ من التدخّل الأمريكي بحيث يصعّب على الولايات المتّحدة التدخل في أي موضوع أو ملف لأي دولة تكون لهذه الدول الكبرى نفوذ فيها, إذ إنّ الأمر آنذاك سيتطلب من الولايات المتّحدة جهداً مضاعفاً و وقتاً مضاعفاً و تباحثاً مع جميع الأطراف، و ربما جوائز ترضية للدول الكبرى، و ربما قد تخفق في النهاية للوصول إلى هدفها أو قد تصل إليه بصعوبة.
لكن عندما تكون دائرة نفوذ كل دولة محصور في إطارها الداخلي فقط فإنّ ذلك يفيد الولايات المتّحدة من عدّة جوانب:
أولاً:يسهّل ذلك على الولايات المتّحدة مهمّة التدخل بشؤون أي دولة دون تعقيدات تُذكر حيث تصبح العلاقة مباشرة و فردية بين الولايات المتّحدة و الدول الأخرى, و بطبيعة الحال فإنّ الدول الأخرى في غالبها دول صغيرة و ضعيفة، و لا حول و لاقوّة لها في وجه الإملاءات الأمريكية حتى لو أرادت فعلاً رفض ما يُملى عليها.
ثانياً:إنّ تحجيم النفوذ يؤمن الاستفراد بالدول الواحدة تلو الأخرى دون أن يكون لها أي حليف أو نصير، و بالتالي فإنّ الملف يصبح أسهل، و النتائج أضمن، و الإملاءات و الشروط أكبر، و التهديدات بالعقوبات و العمليات العسكرية في حال عدم التنفيذ أجدى.
و يمكن ملاحظة ذلك في ثلاث حالات واضحة و صريحة و منها:
1- السودان حيث تمّ عزله عن محيطه العربي، و تُرك وحده في مواجهة أمريكا و القوى الدولية، و تمّ عزل مصر عن الملف إلى أن وصلت الأوضاع إلى ما وصلت إليه الآن و بعد فوات الأوان, و نرى التهديدات و العقوبات الأمريكية و الأممية واضحة لأي مراقب.
2- العراق و قد تمّ أيضاً عزله و محاصرته و قصفه و تدميره و تحجيم نفوذه إلى أن وصل إلى ما هو عليه الآن من خراب و دمار و انهيار نتيجة عدم تنفيذ الإملاءات و الشروط الأمريكية.
3- سوريا, و قد بدا الأسلوب الذي نتحدث عنه عن تحجيم النفوذ واضحاً في هذه الحالة، و لا يحتاج إلى شرح؛ إذ أصبحت قدرة الولايات المتّحدة على التدخل في الملف اللبناني أكبر بكثير، و تمّ تحجيم النفوذ السوري فيه, و بالطبع مسلسل التهديدات لم ينته بعدُ، و سلسلة المطالب من سوريا تجاه العراق و لبنان و فلسطين تكبر يوماً بعد يوم بانتظار التنفيذ الكامل و إلاّ تبقى الإشارة إلى إنّ نقطة الانطلاق في تنفيذ هذا المشروع و النقطة الفاصلة، وفقاً لما يذكره التقرير هي العراق, فإذا نجح المشروع الأمريكي في العراق، تمّ الانتقال إلى دول أخرى، و إذا أخفق سقطت هذه الخرائط الأمر يكية برمّتها.