مصر تعتز بالرجال .... المجهولين
يعملون في صمت ... من أجل الوطن وأمنه وحمايته
من أهم العوامل التي بجب أن تتوفر في ضابط المخابرات .... رجولة "الأخلاق" ....
د. يحي الشاعر
اقتباس:
رجل من رجال الصمت اللواء فؤاد نصار مدير المخابرات العامة - حقيقي - الجزء الاول
العظماء لن تجدهم الآن إلا في الظل بعيداً عن الأضواء والشهرة وضجيج الإعلام الرسمي.. وادعاءات رجال السلطة للبطولة والزعامة.. بحثت في الأرشيف وعلي مواقع الإنترنت عن معلومات حول اللواء فؤاد نصار المدير الأسبق لجهاز المخابرات العامة ومدير المخابرات الحربية وقت حرب أكتوبر فلم أجد إلا اليسير.. معلومات بسيطة.. معظمها خاطئ، عن كشفه الجاسوسة هبة سليم.
الرجل كان قد وافق علي الحديث إلينا.. وكنت أبحث عن مسؤول كبير في المخابرات اقترب من أشرف مروان ليقول لنا القول الفصل: هل كان الغامض الراحل جاسوساً أم وطنياً مخلصاً لبلده؟
لكني اكتشفت خلال حوار استمر لما يزيد علي ٤ ساعات كاملة، أن حكاية مروان هي الأقل أهمية في ذاكرة الرجل وأولوياته، وأنه كنز حقيقي من العظمة والخبرة والمعلومات، ومثال علي عبقرية المصريين في التحول من النكسة للانتصار، الرجل صاحب تاريخ ومواقف ممتدة مع الزعماء من ١٩٤٤ وحتي الآن، البداية برفضه تقبيل يد الملك فاروق في طابور تخرجه في الكلية الحربية، ثم اشتراكه في الثورة.. ومعاناة عائلته منها فيما بعد..
وشاهد علي النكسة وصُناعها حين كان أحد القادة الذين يشكلون مربعاً ناقص ضلع لاستقبال المشير بسيناء في ٥ يونيو، وصانع للنصر في ١٩٧٣ تحت قيادة السادات وإلي جوار العظماء إسماعيل والشاذلي والجمسي.. وغيرهم.. ثم إحدي الأدوات الاستراتيجية للرئيس الراحل للتعامل مع بدو سيناء حرباً وسلماً.. وثعلب في الصحراء الغربية لمواجهة أطماع القذافي..
آخر محطات الرجل كانت مع مبارك في موقفين.. الأول برفضه الحصول علي قرار جمهوري في ١٩٨٣ ليبقي في منصبه كمدير للمخابرات العامة ما بعد الستين.. بالمخالفة لقانون المخابرات العامة الذي تغير فيما بعدوالموقف الثاني حين وثق مبارك في نصار لتوثيق وقائع الثغرة.
.. هل عملت مع أشرف مروان أو اطلعت علي عملياته أثناء توليك إدارة المخابرات الحربية أو المخابرات العامة؟
- كانت علاقة أشرف مروان مباشرة مع الرئيس السادات.. وكنت قبيل وأثناء الحرب مديراً للمخابرات الحربية والتي بدأت عملي فيها خلال الفترة من ١٩٧٢ وحتي ١٩٧٦.
ولكن في هذه الفترة كانت جميع الأجهزة، مخابرات عامة، مخابرات حربية، وحتي الرئيس نفسه، يشاركون في تخطيط عملية المباغتة للعدو، والتي أعتبرها السبب الرئيسي في انتصارات أكتوبر، وعملية المفاجآت أو المباغتات أنواع، منها مفاجأة استراتيجية، وأخري سياسية.. والأهم هي المفاجأة العسكرية.
وأنا كان لي تخصص معين في الناحية العسكرية، والناحية الاستراتيجية العسكرية، أما الناحية الاستراتيجية الدولية والسياسية فلم تكن من اختصاصي، ولكن كانت من اختصاص الرئيس السادات وبشكل مباشر هو الذي كان يشرف عليها، وأنا أعتبر السادات رجلاً سياسياً حقيقياً، فجمال عبدالناصر زعيم، أما أنور السادات فهو سياسي.
.. وما الفارق بينهما في عمل المخابرات؟
- لم أشارك في أي جهاز مخابراتي أيام عبدالناصر، ولكن كانت علاقته المباشرة بالمخابرات العامة عن طريق صلاح نصر الذي كان يتولي تنفيذ سياساته في الشؤون الداخلية، وإدارة البلاد، وعبدالناصر كان زعيماً، ولكل زعيم أخطاؤه وإيجابياته، أما السادات فكان سياسياً حقيقياً، ولذلك فهو كان يشارك في عملية الخداع الاستراتيجي السياسي الدولي، وكان يستخدم أشرف مروان في هذا، ولكن لم يكن لهذا النوع من العمل علاقة بالجانب العسكري، لذلك لم نكن شركاء فيه.
.. وماذا تعلم عن أشرف مروان؟
- ما أعلمه عن مروان أنه كان شريكاً في صنع الخداع الاستراتيجي، وأنا متأكد من ذلك، ولكن نوع العمل الذي قام به بالتفصيل لا أستطيع أن أحكم عليه.
.. ولكن مارأيك في المزاعم الإسرائيلية حوله؟
- إسرائيل لها أهداف كثيرة من استغلال قصة أشرف مروان وتحويرها، ومن وجهة نظري أن حرب ١٩٧٣ كانت نقطة تغير كبيرة ورئيسية لهم في شكل تكوينها وأطماعها، ولذلك فهي تثير من آن لآخر نوعاً من أنواع عدم الثقة والتقليل من شأنها.
.. لكن عندما توليت منصب مدير المخابرات العامة في أغسطس ١٩٨١ كان بعض كبار الصحفيين في مصر وخاصة في الأخبار وأخبار اليوم قد شنوا حملة قوية ضد أشرف مروان وثروته وعلاقته بالسعودية وليبيا، وبصفقات السلاح وقيامه بعمليات سمسرة فيها، حتي أن موسي صبري قال إن المخابرات العامة وافقت علي قيام النيابة العامة بتفتيش منزله.. فهل تصفحت أو اطلعت علي أوراق تخصه في المخابرات في هذه الفترة؟
- لا لا.. لم تعرض علي أي أوراق تخص مروان، وأنا سمعت أمين هويدي، الذي تولي مسؤولية المخابرات العامة خلال فترة عمل مروان إلي جوار الرئيس، وهو رجل علي خلق ودراية، يقول إنه لا توجد أي أوراق تخص أشرف مروان في الجهاز.. أنا أيضاً لم أعثر علي أي أوراق تخصه.
.. في رأيك، هل قتل أشرف مروان أم انتحر؟
- أنا في تقديري أن عملية الليثي ناصف وعمليتي أشرف مروان وسعاد حسني، مسألة غير عادية، ما هي، لا أعرف لكنها عملية غير عادية.
.. بمناسبة الحديث عن هذا السيناريو المكرر، ما علاقة سعاد حسني بإسرائيل؟
- سعاد حسني لم تكن عميلة مزدوجة أو تعمل لصالح إسرائيل.
.. ألم تر أي أوراق تخص سعاد حسني أو أحداً من المشاهير في هذا الصدد؟
- سعاد حسني كانت مجندة للمخابرات المصرية هي وغيرها، وهذا كان أسلوباً من الأساليب التي تتبعها المخابرات للحصول علي معلومات من الشخصيات التي تميل تجاه السيدات، فكانت المخابرات تأتي بهن وتوصلهن بهذه الشخصيات ليجلسن معهم ويدخلن غرفهم ويسجلن لهم، وبهذا يكون معنا سلاح ضد هذه الشخصيات.
.. وهل كانت تستخدم هذه الأساليب مع العرب فقط أم أن هناك شخصيات أجانب؟
- عرب فقط.
.. وفي عصر من استخدمت المخابرات هذا الأسلوب؟
- أيام صلاح نصر.
.. ألم تتم عمليات مشابهة أيام السادات؟
- لا.
.. لكن السادات قال إن أشرف مروان يقوم بمهام نترفع أن نقوم بها، وقيل إنه كان علي علاقة جيدة مع الليبيين، خاصة عبدالسلام جلود؟
- الذي أعلمه فعلاً أنه كانت له علاقة طيبة بجميع الحكام وكان رجلاً دبلوماسياً وكان له علاقة شخصية بالنسبة لهم، محبوب ومطلوب، ويستطيع تنفيذ العديد من الأشياء، وله دور في عملية «الخداع الاستراتيجي» وكذلك كانت له علاقات جيدة مع العرب من خلال الهيئة العربية للتصنيع.
.. إذن، ما السيناريو الذي تتخيله لوفاة مثل هذه الشخصيات من حيث تشابه أسباب وظروف الوفاة؟
- هو كلما ذهب شخص إلي لندن يسقط من البلكونة ويقع! هل هذا منطق؟ ما الذي يكمن وراء ذلك، هذا عمل غير طبيعي، لكني أعتقد أن هناك أجهزة مخابراتية داخلة في هذه المواضيع.
.. في قضية أشرف مروان قد تكون إسرائيل وراء قتله؟
- ولمَ لا!
.. ذكرت أن عمل المخابرات العامة في فترة السلام أهم من فترة الحرب؟
- من يعمل في المخابرات فهو في قتال دائم، وحرب لا نهاية لها، ولا يوجد شيء اسمه سلام في المخابرات، والعمل في السلام مثلما أقول دائماً هو عبارة عن تجهيز لسياسة دولة في جميع المجالات «عسكرية وسياسية واقتصادية واستراتيجية ودولية» أكثر من العمل في الحرب، فالعمل في السلام أكثر من العمل في الحرب.
.. أنت جئت مديراً للمخابرات العامة بعد كامب ديفيد، فما ظروف اختيارك للمنصب؟
- أنا كنت قبلها محافظاً لمطروح، وأعتقد أني قمت بدوري فيها وكنت مبسوطاً مما أقوم به، وأعتقد أن الدولة كانت تري هذا أيضاً، وفي العيد القومي لمطروح في آخر أغسطس ١٩٨١ (قبل الاعتقالات) وأثناء الاحتفال، جاء لي مدير مكتبي وقال: النائب حسني يريدك علي التليفون، فقلت له أن يبلغه أني في الاستعراض وسوف أعاود الاتصال به بعد الانتهاء منه، وعندما اتصلت به بعد انتهاء الاستعراض، قال لي: إن طائرة غادرت القاهرة متجهة إلي مطروح، اركب فيها وتعال بسرعة، فقلت له: لماذا؟، قال: عندما تأتي ستعرف، قلت له: لا أريد أن أعرف، ما هو الأمر؟، قال لي: ستعرف عندما تأتي..
بعد قليل اتصل بي مرة أخري قائلاً: إن الطائرة في المطار منذ نصف ساعة، لماذا لم تأت؟، فقلت له: إنه العيد القومي ولدي مؤتمر صحفي، فإذا غادرت الآن، ما الذي ستقوله الناس.. قال لي: فليكمل مدير الأمن، وتعال إلي القاهرة، لكنه رفض أن يقول لي لماذا، فاتصلت بزوجتي في المنزل كي ترسل لي الحقيبة علي المطار، فوصلت وقابلت النائب حسني، فوراً، لم أقابل السادات. وقال لي مبارك: اللواء سعيد الماحي مدير المخابرات العامة موجود الآن في مكتبه، اذهب الآن وتسلم منه.
فقلت له: مخابرات، لماذا؟ فحكي لي علي مؤامرات واغتيالات وتقارير النبوي إسماعيل وزير الداخلية.. ومقدمات عملية التحفظ.. وقال لي الرئيس بيقول إنك تمسك المخابرات في هذا الوقت.. ذهبت ووجدت الماحي يجلس وكان السادات قد عينه محافظاً للإسكندرية علي الفور.. ومسكت المخابرات العامة ولم أقابل الرئيس السادات في اليوم نفسه.. بل التقيته بعد ٣ أيام.. وخلالها حكي لي الزملاء في المكتب التحريات الجديدة في البلد، وكلمني حسني مبارك وقال لي نحن ذاهبون لمقابلة الرئيس والطائرة ستقوم تعال معنا.
.. وأين كان الرئيس آنذاك؟
- في المعمورة، حيث ذهبت أنا ومبارك والنبوي إسماعيل وآمال عثمان و٢ آخران لن أقول اسميهما.
.. لماذا؟
- لأنهما قاما بأشياء لا يصح أن أقولها.
.. أشياء مثل ماذا؟
- سأحكي لك.. وصلنا المعمورة، وعند هبوط الطائرة وجدنا جيهان السادات منتظرة. وقالت إن السادات تعبان شوية، فخفوا عليه وعندما دخلنا وجدنا مائدة طويلة وعليها أوراق والرئيس يجلس، فجلسنا، لكني وجدت أن هذين الشخصين كل واحد منهما يخرج ورقة فيها اسماء.. هم يملون علي الرئيس، والرئيس يكتب، وأخذا يتكلمان عن الاعتقالات.
.. النائب حسني لم يتحدث نهائياً عن الاعتقالات؟
- لا، ولا النبوي إسماعيل ولا آمال عثمان.. ولما انتهوا من الحديث عن الاعتقالات، أخذوا يتحدثون في تفاصيل الوضع الداخلي. أنا قلت للسادات: تسمح سيادتك برأي المخابرات العامة. فقال لي: ما هو رأي المخابرات العامة. فقلت: أنا لم أنم منذ ٣ أيام، وسمعت تقارير شاملة عن الوضع.. ونري أن الاعتقالات بهذا الحجم ستكون خاطئة، وإذا كان هناك أناس يتآمرون ولدينا تسجيلات لهم وهي موجودة في المخابرات نمسكهم بالفعل.. أما الباقون فنراقبهم.
.. تقصد نعتقل من ونراقب من؟
- نعتقل كل من خطط وجهز لعمليات اغتيال أو عمليات إثارة في البلد، والباقي كله يراقب. لكن كوني أمسك كل هؤلاء الناس بهذا الوضع، المخابرات تقول رأيها لا. وأتذكر أن السادات رد بالنص الآتي: علي ما يبدو أن المخابرات ليست في الصورة. يا نبوي: خذه وتنزل من عندي الآن وكل الذي قلته لي، قله مجدداً له.
نزلت وذهبت مع النبوي إسماعيل إلي مكتبه في القاهرة حيث أطلعني علي شرائط التسجيل ونية بعض الإسلاميين لاغتيال السادات فقلت له: لا يوجد شيء جديد. كل ما قلته موجود في المخابرات العامة ورأيته، وأنا أري أنه لا توجد فائدة. طلبت الرئيس السادات ثاني يوم وقلت له علي لقاء النبوي. رد علي رداً لم أكن أتصوره عمري: قال لي أنا لم آت بك كي آخذ رأيك، أنا أتيت بك علشان التنفيذ، القرار سيوقع غداً. ووقّع قرار الاعتقال. مفيش بعدها بكام يوم حصل اللي حصل وجت أكتوبر وتم اغتيال السادات.
.. من هما الشخصيتان اللتان أمليتا علي السادات أسماء المعتقلين؟
- لن أقول.
.. هناك من أشار لهما من قبل؟
- الذي يشير يشير، إنما أنا لا.
.. هل هما وزيران؟
ـ واحد منهما كان في الجامعة.
.. لكن هذه شهادة للتاريخ، ليست أسرار مخابرات؟
ـ لا، فأنت تطعن في ناس.
.. وما دورك في الاعتقالات نفسها..؟
ـ كمخابرات؟
.. نعم؟
ـ لم ننفذ أي اعتقالات.. فهذا ليس عملنا.
.. إذن، ماذا كان دوركم في هذه الفترة.. وماذا فعلتم بعد اجتماع الرئيس لتأمين البلد؟
ـ راقبنا الأحداث الموجودة وبدقة.. فأساس شغلنا هو مراقبة ما يحدث في البلد وتتبع الأحداث والناس واجتماعاتهم وآرائهم.
.. أليس هذا دور أمن الدولة؟
ـ لا.. المخابرات أصلها أقسام.
.. هذا اللبس موجود لدي الكثيرين، ما الفرق بين الوظائف المحلية في المخابرات وبين أمن الدولة؟
ـ هناك أمن قومي وأمن سري وخدمات سرية ومعلومات، فالمخابرات فيها جميع المهام، وكل مهمة لها جهاز، وهناك جهاز حصول علي معلومات وهناك جهاز خدمة سرية، وهناك جهاز أمن قومي داخلي، وجهاز أمن خارجي، فهناك العديد من الأجهزة في المخابرات.
.. وعدد ضخم من الموظفين؟
ـ كل عدد يناسب الحجم الذي يعمل فيه، ولدينا جهاز سري يراقب جهاز المخابرات يتبع مدير المخابرات مباشرة، وهذا الجهاز مقره ليس في مبني المخابرات إنما في مكان آخر، ولا أحد يعلم عنه شيئاً.
.. برستيج رجل المخابرات الآن، هل مثلما كان في الستينيات والسبعينيات؟
ـ المخابرات مراحل، فالمخابرات أيام صلاح نصر تختلف عن المخابرات الآن.
.. هل لديك حنين لمرحلة صلاح نصر؟
ـ لا، فنصر كانت مهامه الرئيسية تتركز في الناحية الداخلية أكثر من الناحية الخارجية.
.. ألم يكن هناك جهاز أمن دولة في هذه الأيام؟
ـ وما المانع.. الآن موجود جهاز أمن قومي في المخابرات العامة، فالمخابرات العامة فيها جزء رئيسي عن الأمن الداخلي.
.. ما مآخذك علي صلاح نصر؟
ـ «الأسلوب»، كان أسلوب الحكم في ذلك الوقت يعتمد علي الإكراه يعني عملية الاعتقالات والتجنيد والشرب والإكراه.
.. واستخدام النساء مثلا؟
ـ استخدام النساء أصله أسلوب.
.. وهل لايزال موجوداً؟
ـ لا.
.. لم تجاوبني عن السؤال: لماذا قلت مكانة أو برستيج رجل المخابرات عن الفترات السابقة؟
ـ لأن أيام نصر كانت العملية «إرهاباً» وليست برستيج، كنت تخاف من ضابط المخابرات، لأنه ممكن يعمل فيك أي حاجة في أي وقت ولأي سبب.
.. نعود إلي فترة بداية توليك الجهاز، جيء بك لهذا المنصب من أجل اعتقالات سبتمبر، لكنك لم تشارك فيها.. فهل هذا صحيح..؟
ـ نعم لم أشارك.
.. ألم يغضب منك الرئيس؟
ـ لماذا يغضب مني، هل فعلت شيئاً خطأ؟ أنا لم أفعل شيئاً خطأ، أنا قلت رأيي وقال لا، وجاء التنفيذ.. خلاص. لم أشارك فيها نهائياً طبعا.
.. ماذا فعلت في المهام التي جاءت بعد ذلك؟
ـ كانت المخابرات تؤدي واجبها: أمن داخلي وخارجي وتجنيد وحفاظ علي المعلومات والحصول علي معلومات.. عملنا الأساسي.
.. كنتم تحصلون علي معلومات من داخل إسرائيل؟
ـ من كل مكان، من داخل إسرائيل ومن داخل أمريكا وداخل أوروبا ومن داخل روسيا.
.. وهل لنا عملاء داخل إسرائيل؟
ـ لو قلت يوجد يبقي غلط، ولو قلت لا يوجد يبقي غلط، عملي هو الحصول علي معلومات عن إسرائيل بكل الوسائل المتاحة ويكفي أن تعلم أن إسرائيل في وقت من الأوقات كانت تأخذ معلوماتها عن القوات المسلحة من صفحة الوفيات.
.. أنت تركت المخابرات في ١٩٨٣.. ألم تجمعك أي مناسبة بالرئيس مبارك؟
ـ لا، أنا لا توجد علاقة بيني وبين الرئيس مبارك غير علاقة العمل، أنا كنت مخابرات حربية، هو كان قوات جوية، كان هناك علاقة عمل.. شغل.
.. تاريخ تخرجك قريب من دفعته؟
ـ لا، هو بعدي، أنا دفعة ١٩٤٤ إنما لا توجد علاقة خاصة بيني وبينه، ولا يوجد أي نوع من أنواع الصلة الآن.
.. بعد تخرجك.. رفضت تقبيل يد الملك فاروق لماذا؟
ـ أنا دخلت القوات المسلحة فعلاً حبا في القوات المسلحة لخدمة البلد، وأنا سنة ما أخذت التوجيهي، كانت الكلية الحربية مغلقة، وظلت كذلك لمدة عامين، لا تقبل دفعات، فتحوها أيام تولي الوفد الحكومة، فدخلنا في ذلك الوقت حوالي ٥٠٠ واحد، وناس بالتوجيهية وناس بالثقافة، ودخلنا في ذلك الوقت ١٩٤٢، ولم يكن هناك صف ضباط، كانت فارغة، فعملوا لنا امتحانات في النصف، وربنا وفقني فيها، ومكثت فيها سنتين وليس ٣، وفيه ناس ظلت ٤ سنوات، لأنهم عملوا لنا امتحاناً في النصف وفقت فيه.
فانتقلت للسنة النهائية وأخذت صف ضابط، سنة ١٩٤٤ وبعد تخرجنا أقام الملك فاروق حفلة شاي للخمسة الأوائل من كل الجامعات في عابدين، وأنا كنت من الـ ٥ الأوائل في الكلية الحربية، فذهبت إلي عابدين في الجنينة بعد انتهاء حفلة الشاي، خارجين من ممر صغير وهو واقف ماسك عصاية في يده اليسري وحاطط جوانتي في يده اليمني، وكل الأوائل يسلمون عليه.. ثم يقبلون يده..
أي يقبلون «الجوانتي»، عندما جاء دوري سلمت وعظمت ومشيت.. ثالث يوم قدمت نفسي في سلاح الإشارة «الأوائل كانوا يختارون السلاح الذي يريدونه، وأنا اخترت الإشارة لأني كنت ثانوية علمي» ذهبت وجدت زملائي يسألون عني.. إنت فين المدير يسأل عليك فدخلت للمدير وكان اسمه البرديني الله يرحمه، وقال لي: لماذا لم تقبل يد الملك، قلت له: أنا لم أدخل الجيش دخلت الجيش كي أخدم بلدي، فقال لي: يا ابني الجيش يريد أمثالك، بس إنت هتتعب.
.. ألم تنضم إلي الضباط الأحرار؟
ـ نعم، لكني شاركت في الثورة، ولم أكن أعلم شيئا اسمه الضباط الأحرار، ولكن عندما التقيت جمال سالم في القاهرة حكي لي عن تنظيم الضباط الأحرار.. وقال إنه يريد مني خدمة وهي أن أشكل مجموعة وغداً عندما تقوم الثورة، نذهب للاستيلاء علي مصلحة التليفونات في شارع رمسيس ونسيطر عليها وحدث ذلك فعلياً. رجعت إلي سلاح الإشارة وأحضرت مجموعة من الزملاء والجنود.. ومع قيام الثورة.. استوليت علي مصلحة التليفونات، واقمت إقامة كاملة فيها.
-أنت رفضت تقبيل يد الملك.
وأيام السادات عارضت الاعتقالات، ومبارك ليس لك علاقة به بعد الوظيفة الرسمية، فماذا لو حدث هذا «الكوكتيل» اليوم من شخصية عامة أخري..؟
- أنا فكرت في هذا الموضوع كثيراً. هل في هذا العصر وأنا في نفس الأوضاع كنت اتصرفت هذا التصرف، وهل لو عاد بي الزمن.. وتقلدت نفس المناصب كنت تصرفت بنفس الطريقة.. بالطبع لا.
.. لماذا؟
- الظروف الآن لا تجعل الشخص المستقيم قادراً علي النجاح أو التفوق. فاليوم كي تصل، يجب أن يكون لديك صفات ومواصفات خاصة تصل بها، والكفاءة ليست وحدها طريقاً للنجاح..
منقول من جريدة المصرى اليوم ( حوار محمد السيد صالح )
يعملون في صمت ... من أجل الوطن وأمنه وحمايته
من أهم العوامل التي بجب أن تتوفر في ضابط المخابرات .... رجولة "الأخلاق" ....
د. يحي الشاعر
اقتباس:
رجل من رجال الصمت اللواء فؤاد نصار مدير المخابرات العامة - حقيقي - الجزء الاول
اللواء فؤاد نصار مدير المخابرات العامة الأسبق »:السادات اختارني مديراً للمخابرات لتنفيذ اعتقالات سبتمبر فوافقت علي المنصب ورفضت المشاركة في الحملة
العظماء لن تجدهم الآن إلا في الظل بعيداً عن الأضواء والشهرة وضجيج الإعلام الرسمي.. وادعاءات رجال السلطة للبطولة والزعامة.. بحثت في الأرشيف وعلي مواقع الإنترنت عن معلومات حول اللواء فؤاد نصار المدير الأسبق لجهاز المخابرات العامة ومدير المخابرات الحربية وقت حرب أكتوبر فلم أجد إلا اليسير.. معلومات بسيطة.. معظمها خاطئ، عن كشفه الجاسوسة هبة سليم.
الرجل كان قد وافق علي الحديث إلينا.. وكنت أبحث عن مسؤول كبير في المخابرات اقترب من أشرف مروان ليقول لنا القول الفصل: هل كان الغامض الراحل جاسوساً أم وطنياً مخلصاً لبلده؟
لكني اكتشفت خلال حوار استمر لما يزيد علي ٤ ساعات كاملة، أن حكاية مروان هي الأقل أهمية في ذاكرة الرجل وأولوياته، وأنه كنز حقيقي من العظمة والخبرة والمعلومات، ومثال علي عبقرية المصريين في التحول من النكسة للانتصار، الرجل صاحب تاريخ ومواقف ممتدة مع الزعماء من ١٩٤٤ وحتي الآن، البداية برفضه تقبيل يد الملك فاروق في طابور تخرجه في الكلية الحربية، ثم اشتراكه في الثورة.. ومعاناة عائلته منها فيما بعد..
وشاهد علي النكسة وصُناعها حين كان أحد القادة الذين يشكلون مربعاً ناقص ضلع لاستقبال المشير بسيناء في ٥ يونيو، وصانع للنصر في ١٩٧٣ تحت قيادة السادات وإلي جوار العظماء إسماعيل والشاذلي والجمسي.. وغيرهم.. ثم إحدي الأدوات الاستراتيجية للرئيس الراحل للتعامل مع بدو سيناء حرباً وسلماً.. وثعلب في الصحراء الغربية لمواجهة أطماع القذافي..
آخر محطات الرجل كانت مع مبارك في موقفين.. الأول برفضه الحصول علي قرار جمهوري في ١٩٨٣ ليبقي في منصبه كمدير للمخابرات العامة ما بعد الستين.. بالمخالفة لقانون المخابرات العامة الذي تغير فيما بعدوالموقف الثاني حين وثق مبارك في نصار لتوثيق وقائع الثغرة.
.. هل عملت مع أشرف مروان أو اطلعت علي عملياته أثناء توليك إدارة المخابرات الحربية أو المخابرات العامة؟
- كانت علاقة أشرف مروان مباشرة مع الرئيس السادات.. وكنت قبيل وأثناء الحرب مديراً للمخابرات الحربية والتي بدأت عملي فيها خلال الفترة من ١٩٧٢ وحتي ١٩٧٦.
ولكن في هذه الفترة كانت جميع الأجهزة، مخابرات عامة، مخابرات حربية، وحتي الرئيس نفسه، يشاركون في تخطيط عملية المباغتة للعدو، والتي أعتبرها السبب الرئيسي في انتصارات أكتوبر، وعملية المفاجآت أو المباغتات أنواع، منها مفاجأة استراتيجية، وأخري سياسية.. والأهم هي المفاجأة العسكرية.
وأنا كان لي تخصص معين في الناحية العسكرية، والناحية الاستراتيجية العسكرية، أما الناحية الاستراتيجية الدولية والسياسية فلم تكن من اختصاصي، ولكن كانت من اختصاص الرئيس السادات وبشكل مباشر هو الذي كان يشرف عليها، وأنا أعتبر السادات رجلاً سياسياً حقيقياً، فجمال عبدالناصر زعيم، أما أنور السادات فهو سياسي.
.. وما الفارق بينهما في عمل المخابرات؟
- لم أشارك في أي جهاز مخابراتي أيام عبدالناصر، ولكن كانت علاقته المباشرة بالمخابرات العامة عن طريق صلاح نصر الذي كان يتولي تنفيذ سياساته في الشؤون الداخلية، وإدارة البلاد، وعبدالناصر كان زعيماً، ولكل زعيم أخطاؤه وإيجابياته، أما السادات فكان سياسياً حقيقياً، ولذلك فهو كان يشارك في عملية الخداع الاستراتيجي السياسي الدولي، وكان يستخدم أشرف مروان في هذا، ولكن لم يكن لهذا النوع من العمل علاقة بالجانب العسكري، لذلك لم نكن شركاء فيه.
.. وماذا تعلم عن أشرف مروان؟
- ما أعلمه عن مروان أنه كان شريكاً في صنع الخداع الاستراتيجي، وأنا متأكد من ذلك، ولكن نوع العمل الذي قام به بالتفصيل لا أستطيع أن أحكم عليه.
.. ولكن مارأيك في المزاعم الإسرائيلية حوله؟
- إسرائيل لها أهداف كثيرة من استغلال قصة أشرف مروان وتحويرها، ومن وجهة نظري أن حرب ١٩٧٣ كانت نقطة تغير كبيرة ورئيسية لهم في شكل تكوينها وأطماعها، ولذلك فهي تثير من آن لآخر نوعاً من أنواع عدم الثقة والتقليل من شأنها.
.. لكن عندما توليت منصب مدير المخابرات العامة في أغسطس ١٩٨١ كان بعض كبار الصحفيين في مصر وخاصة في الأخبار وأخبار اليوم قد شنوا حملة قوية ضد أشرف مروان وثروته وعلاقته بالسعودية وليبيا، وبصفقات السلاح وقيامه بعمليات سمسرة فيها، حتي أن موسي صبري قال إن المخابرات العامة وافقت علي قيام النيابة العامة بتفتيش منزله.. فهل تصفحت أو اطلعت علي أوراق تخصه في المخابرات في هذه الفترة؟
- لا لا.. لم تعرض علي أي أوراق تخص مروان، وأنا سمعت أمين هويدي، الذي تولي مسؤولية المخابرات العامة خلال فترة عمل مروان إلي جوار الرئيس، وهو رجل علي خلق ودراية، يقول إنه لا توجد أي أوراق تخص أشرف مروان في الجهاز.. أنا أيضاً لم أعثر علي أي أوراق تخصه.
.. في رأيك، هل قتل أشرف مروان أم انتحر؟
- أنا في تقديري أن عملية الليثي ناصف وعمليتي أشرف مروان وسعاد حسني، مسألة غير عادية، ما هي، لا أعرف لكنها عملية غير عادية.
.. بمناسبة الحديث عن هذا السيناريو المكرر، ما علاقة سعاد حسني بإسرائيل؟
- سعاد حسني لم تكن عميلة مزدوجة أو تعمل لصالح إسرائيل.
.. ألم تر أي أوراق تخص سعاد حسني أو أحداً من المشاهير في هذا الصدد؟
- سعاد حسني كانت مجندة للمخابرات المصرية هي وغيرها، وهذا كان أسلوباً من الأساليب التي تتبعها المخابرات للحصول علي معلومات من الشخصيات التي تميل تجاه السيدات، فكانت المخابرات تأتي بهن وتوصلهن بهذه الشخصيات ليجلسن معهم ويدخلن غرفهم ويسجلن لهم، وبهذا يكون معنا سلاح ضد هذه الشخصيات.
.. وهل كانت تستخدم هذه الأساليب مع العرب فقط أم أن هناك شخصيات أجانب؟
- عرب فقط.
.. وفي عصر من استخدمت المخابرات هذا الأسلوب؟
- أيام صلاح نصر.
.. ألم تتم عمليات مشابهة أيام السادات؟
- لا.
.. لكن السادات قال إن أشرف مروان يقوم بمهام نترفع أن نقوم بها، وقيل إنه كان علي علاقة جيدة مع الليبيين، خاصة عبدالسلام جلود؟
- الذي أعلمه فعلاً أنه كانت له علاقة طيبة بجميع الحكام وكان رجلاً دبلوماسياً وكان له علاقة شخصية بالنسبة لهم، محبوب ومطلوب، ويستطيع تنفيذ العديد من الأشياء، وله دور في عملية «الخداع الاستراتيجي» وكذلك كانت له علاقات جيدة مع العرب من خلال الهيئة العربية للتصنيع.
.. إذن، ما السيناريو الذي تتخيله لوفاة مثل هذه الشخصيات من حيث تشابه أسباب وظروف الوفاة؟
- هو كلما ذهب شخص إلي لندن يسقط من البلكونة ويقع! هل هذا منطق؟ ما الذي يكمن وراء ذلك، هذا عمل غير طبيعي، لكني أعتقد أن هناك أجهزة مخابراتية داخلة في هذه المواضيع.
.. في قضية أشرف مروان قد تكون إسرائيل وراء قتله؟
- ولمَ لا!
.. ذكرت أن عمل المخابرات العامة في فترة السلام أهم من فترة الحرب؟
- من يعمل في المخابرات فهو في قتال دائم، وحرب لا نهاية لها، ولا يوجد شيء اسمه سلام في المخابرات، والعمل في السلام مثلما أقول دائماً هو عبارة عن تجهيز لسياسة دولة في جميع المجالات «عسكرية وسياسية واقتصادية واستراتيجية ودولية» أكثر من العمل في الحرب، فالعمل في السلام أكثر من العمل في الحرب.
.. أنت جئت مديراً للمخابرات العامة بعد كامب ديفيد، فما ظروف اختيارك للمنصب؟
- أنا كنت قبلها محافظاً لمطروح، وأعتقد أني قمت بدوري فيها وكنت مبسوطاً مما أقوم به، وأعتقد أن الدولة كانت تري هذا أيضاً، وفي العيد القومي لمطروح في آخر أغسطس ١٩٨١ (قبل الاعتقالات) وأثناء الاحتفال، جاء لي مدير مكتبي وقال: النائب حسني يريدك علي التليفون، فقلت له أن يبلغه أني في الاستعراض وسوف أعاود الاتصال به بعد الانتهاء منه، وعندما اتصلت به بعد انتهاء الاستعراض، قال لي: إن طائرة غادرت القاهرة متجهة إلي مطروح، اركب فيها وتعال بسرعة، فقلت له: لماذا؟، قال: عندما تأتي ستعرف، قلت له: لا أريد أن أعرف، ما هو الأمر؟، قال لي: ستعرف عندما تأتي..
بعد قليل اتصل بي مرة أخري قائلاً: إن الطائرة في المطار منذ نصف ساعة، لماذا لم تأت؟، فقلت له: إنه العيد القومي ولدي مؤتمر صحفي، فإذا غادرت الآن، ما الذي ستقوله الناس.. قال لي: فليكمل مدير الأمن، وتعال إلي القاهرة، لكنه رفض أن يقول لي لماذا، فاتصلت بزوجتي في المنزل كي ترسل لي الحقيبة علي المطار، فوصلت وقابلت النائب حسني، فوراً، لم أقابل السادات. وقال لي مبارك: اللواء سعيد الماحي مدير المخابرات العامة موجود الآن في مكتبه، اذهب الآن وتسلم منه.
فقلت له: مخابرات، لماذا؟ فحكي لي علي مؤامرات واغتيالات وتقارير النبوي إسماعيل وزير الداخلية.. ومقدمات عملية التحفظ.. وقال لي الرئيس بيقول إنك تمسك المخابرات في هذا الوقت.. ذهبت ووجدت الماحي يجلس وكان السادات قد عينه محافظاً للإسكندرية علي الفور.. ومسكت المخابرات العامة ولم أقابل الرئيس السادات في اليوم نفسه.. بل التقيته بعد ٣ أيام.. وخلالها حكي لي الزملاء في المكتب التحريات الجديدة في البلد، وكلمني حسني مبارك وقال لي نحن ذاهبون لمقابلة الرئيس والطائرة ستقوم تعال معنا.
.. وأين كان الرئيس آنذاك؟
- في المعمورة، حيث ذهبت أنا ومبارك والنبوي إسماعيل وآمال عثمان و٢ آخران لن أقول اسميهما.
.. لماذا؟
- لأنهما قاما بأشياء لا يصح أن أقولها.
.. أشياء مثل ماذا؟
- سأحكي لك.. وصلنا المعمورة، وعند هبوط الطائرة وجدنا جيهان السادات منتظرة. وقالت إن السادات تعبان شوية، فخفوا عليه وعندما دخلنا وجدنا مائدة طويلة وعليها أوراق والرئيس يجلس، فجلسنا، لكني وجدت أن هذين الشخصين كل واحد منهما يخرج ورقة فيها اسماء.. هم يملون علي الرئيس، والرئيس يكتب، وأخذا يتكلمان عن الاعتقالات.
.. النائب حسني لم يتحدث نهائياً عن الاعتقالات؟
- لا، ولا النبوي إسماعيل ولا آمال عثمان.. ولما انتهوا من الحديث عن الاعتقالات، أخذوا يتحدثون في تفاصيل الوضع الداخلي. أنا قلت للسادات: تسمح سيادتك برأي المخابرات العامة. فقال لي: ما هو رأي المخابرات العامة. فقلت: أنا لم أنم منذ ٣ أيام، وسمعت تقارير شاملة عن الوضع.. ونري أن الاعتقالات بهذا الحجم ستكون خاطئة، وإذا كان هناك أناس يتآمرون ولدينا تسجيلات لهم وهي موجودة في المخابرات نمسكهم بالفعل.. أما الباقون فنراقبهم.
.. تقصد نعتقل من ونراقب من؟
- نعتقل كل من خطط وجهز لعمليات اغتيال أو عمليات إثارة في البلد، والباقي كله يراقب. لكن كوني أمسك كل هؤلاء الناس بهذا الوضع، المخابرات تقول رأيها لا. وأتذكر أن السادات رد بالنص الآتي: علي ما يبدو أن المخابرات ليست في الصورة. يا نبوي: خذه وتنزل من عندي الآن وكل الذي قلته لي، قله مجدداً له.
نزلت وذهبت مع النبوي إسماعيل إلي مكتبه في القاهرة حيث أطلعني علي شرائط التسجيل ونية بعض الإسلاميين لاغتيال السادات فقلت له: لا يوجد شيء جديد. كل ما قلته موجود في المخابرات العامة ورأيته، وأنا أري أنه لا توجد فائدة. طلبت الرئيس السادات ثاني يوم وقلت له علي لقاء النبوي. رد علي رداً لم أكن أتصوره عمري: قال لي أنا لم آت بك كي آخذ رأيك، أنا أتيت بك علشان التنفيذ، القرار سيوقع غداً. ووقّع قرار الاعتقال. مفيش بعدها بكام يوم حصل اللي حصل وجت أكتوبر وتم اغتيال السادات.
.. من هما الشخصيتان اللتان أمليتا علي السادات أسماء المعتقلين؟
- لن أقول.
.. هناك من أشار لهما من قبل؟
- الذي يشير يشير، إنما أنا لا.
.. هل هما وزيران؟
ـ واحد منهما كان في الجامعة.
.. لكن هذه شهادة للتاريخ، ليست أسرار مخابرات؟
ـ لا، فأنت تطعن في ناس.
.. وما دورك في الاعتقالات نفسها..؟
ـ كمخابرات؟
.. نعم؟
ـ لم ننفذ أي اعتقالات.. فهذا ليس عملنا.
.. إذن، ماذا كان دوركم في هذه الفترة.. وماذا فعلتم بعد اجتماع الرئيس لتأمين البلد؟
ـ راقبنا الأحداث الموجودة وبدقة.. فأساس شغلنا هو مراقبة ما يحدث في البلد وتتبع الأحداث والناس واجتماعاتهم وآرائهم.
.. أليس هذا دور أمن الدولة؟
ـ لا.. المخابرات أصلها أقسام.
.. هذا اللبس موجود لدي الكثيرين، ما الفرق بين الوظائف المحلية في المخابرات وبين أمن الدولة؟
ـ هناك أمن قومي وأمن سري وخدمات سرية ومعلومات، فالمخابرات فيها جميع المهام، وكل مهمة لها جهاز، وهناك جهاز حصول علي معلومات وهناك جهاز خدمة سرية، وهناك جهاز أمن قومي داخلي، وجهاز أمن خارجي، فهناك العديد من الأجهزة في المخابرات.
.. وعدد ضخم من الموظفين؟
ـ كل عدد يناسب الحجم الذي يعمل فيه، ولدينا جهاز سري يراقب جهاز المخابرات يتبع مدير المخابرات مباشرة، وهذا الجهاز مقره ليس في مبني المخابرات إنما في مكان آخر، ولا أحد يعلم عنه شيئاً.
.. برستيج رجل المخابرات الآن، هل مثلما كان في الستينيات والسبعينيات؟
ـ المخابرات مراحل، فالمخابرات أيام صلاح نصر تختلف عن المخابرات الآن.
.. هل لديك حنين لمرحلة صلاح نصر؟
ـ لا، فنصر كانت مهامه الرئيسية تتركز في الناحية الداخلية أكثر من الناحية الخارجية.
.. ألم يكن هناك جهاز أمن دولة في هذه الأيام؟
ـ وما المانع.. الآن موجود جهاز أمن قومي في المخابرات العامة، فالمخابرات العامة فيها جزء رئيسي عن الأمن الداخلي.
.. ما مآخذك علي صلاح نصر؟
ـ «الأسلوب»، كان أسلوب الحكم في ذلك الوقت يعتمد علي الإكراه يعني عملية الاعتقالات والتجنيد والشرب والإكراه.
.. واستخدام النساء مثلا؟
ـ استخدام النساء أصله أسلوب.
.. وهل لايزال موجوداً؟
ـ لا.
.. لم تجاوبني عن السؤال: لماذا قلت مكانة أو برستيج رجل المخابرات عن الفترات السابقة؟
ـ لأن أيام نصر كانت العملية «إرهاباً» وليست برستيج، كنت تخاف من ضابط المخابرات، لأنه ممكن يعمل فيك أي حاجة في أي وقت ولأي سبب.
.. نعود إلي فترة بداية توليك الجهاز، جيء بك لهذا المنصب من أجل اعتقالات سبتمبر، لكنك لم تشارك فيها.. فهل هذا صحيح..؟
ـ نعم لم أشارك.
.. ألم يغضب منك الرئيس؟
ـ لماذا يغضب مني، هل فعلت شيئاً خطأ؟ أنا لم أفعل شيئاً خطأ، أنا قلت رأيي وقال لا، وجاء التنفيذ.. خلاص. لم أشارك فيها نهائياً طبعا.
.. ماذا فعلت في المهام التي جاءت بعد ذلك؟
ـ كانت المخابرات تؤدي واجبها: أمن داخلي وخارجي وتجنيد وحفاظ علي المعلومات والحصول علي معلومات.. عملنا الأساسي.
.. كنتم تحصلون علي معلومات من داخل إسرائيل؟
ـ من كل مكان، من داخل إسرائيل ومن داخل أمريكا وداخل أوروبا ومن داخل روسيا.
.. وهل لنا عملاء داخل إسرائيل؟
ـ لو قلت يوجد يبقي غلط، ولو قلت لا يوجد يبقي غلط، عملي هو الحصول علي معلومات عن إسرائيل بكل الوسائل المتاحة ويكفي أن تعلم أن إسرائيل في وقت من الأوقات كانت تأخذ معلوماتها عن القوات المسلحة من صفحة الوفيات.
.. أنت تركت المخابرات في ١٩٨٣.. ألم تجمعك أي مناسبة بالرئيس مبارك؟
ـ لا، أنا لا توجد علاقة بيني وبين الرئيس مبارك غير علاقة العمل، أنا كنت مخابرات حربية، هو كان قوات جوية، كان هناك علاقة عمل.. شغل.
.. تاريخ تخرجك قريب من دفعته؟
ـ لا، هو بعدي، أنا دفعة ١٩٤٤ إنما لا توجد علاقة خاصة بيني وبينه، ولا يوجد أي نوع من أنواع الصلة الآن.
.. بعد تخرجك.. رفضت تقبيل يد الملك فاروق لماذا؟
ـ أنا دخلت القوات المسلحة فعلاً حبا في القوات المسلحة لخدمة البلد، وأنا سنة ما أخذت التوجيهي، كانت الكلية الحربية مغلقة، وظلت كذلك لمدة عامين، لا تقبل دفعات، فتحوها أيام تولي الوفد الحكومة، فدخلنا في ذلك الوقت حوالي ٥٠٠ واحد، وناس بالتوجيهية وناس بالثقافة، ودخلنا في ذلك الوقت ١٩٤٢، ولم يكن هناك صف ضباط، كانت فارغة، فعملوا لنا امتحانات في النصف، وربنا وفقني فيها، ومكثت فيها سنتين وليس ٣، وفيه ناس ظلت ٤ سنوات، لأنهم عملوا لنا امتحاناً في النصف وفقت فيه.
فانتقلت للسنة النهائية وأخذت صف ضابط، سنة ١٩٤٤ وبعد تخرجنا أقام الملك فاروق حفلة شاي للخمسة الأوائل من كل الجامعات في عابدين، وأنا كنت من الـ ٥ الأوائل في الكلية الحربية، فذهبت إلي عابدين في الجنينة بعد انتهاء حفلة الشاي، خارجين من ممر صغير وهو واقف ماسك عصاية في يده اليسري وحاطط جوانتي في يده اليمني، وكل الأوائل يسلمون عليه.. ثم يقبلون يده..
أي يقبلون «الجوانتي»، عندما جاء دوري سلمت وعظمت ومشيت.. ثالث يوم قدمت نفسي في سلاح الإشارة «الأوائل كانوا يختارون السلاح الذي يريدونه، وأنا اخترت الإشارة لأني كنت ثانوية علمي» ذهبت وجدت زملائي يسألون عني.. إنت فين المدير يسأل عليك فدخلت للمدير وكان اسمه البرديني الله يرحمه، وقال لي: لماذا لم تقبل يد الملك، قلت له: أنا لم أدخل الجيش دخلت الجيش كي أخدم بلدي، فقال لي: يا ابني الجيش يريد أمثالك، بس إنت هتتعب.
.. ألم تنضم إلي الضباط الأحرار؟
ـ نعم، لكني شاركت في الثورة، ولم أكن أعلم شيئا اسمه الضباط الأحرار، ولكن عندما التقيت جمال سالم في القاهرة حكي لي عن تنظيم الضباط الأحرار.. وقال إنه يريد مني خدمة وهي أن أشكل مجموعة وغداً عندما تقوم الثورة، نذهب للاستيلاء علي مصلحة التليفونات في شارع رمسيس ونسيطر عليها وحدث ذلك فعلياً. رجعت إلي سلاح الإشارة وأحضرت مجموعة من الزملاء والجنود.. ومع قيام الثورة.. استوليت علي مصلحة التليفونات، واقمت إقامة كاملة فيها.
-أنت رفضت تقبيل يد الملك.
وأيام السادات عارضت الاعتقالات، ومبارك ليس لك علاقة به بعد الوظيفة الرسمية، فماذا لو حدث هذا «الكوكتيل» اليوم من شخصية عامة أخري..؟
- أنا فكرت في هذا الموضوع كثيراً. هل في هذا العصر وأنا في نفس الأوضاع كنت اتصرفت هذا التصرف، وهل لو عاد بي الزمن.. وتقلدت نفس المناصب كنت تصرفت بنفس الطريقة.. بالطبع لا.
.. لماذا؟
- الظروف الآن لا تجعل الشخص المستقيم قادراً علي النجاح أو التفوق. فاليوم كي تصل، يجب أن يكون لديك صفات ومواصفات خاصة تصل بها، والكفاءة ليست وحدها طريقاً للنجاح..
منقول من جريدة المصرى اليوم ( حوار محمد السيد صالح )
التعديل الأخير: