من مقابلة مع اللواء محمود هاشم أحد أبطال حرب أكتوير 1973

Nabil

خـــــبراء المنتـــــدى
إنضم
19 أبريل 2008
المشاركات
22,781
التفاعل
17,900 114 0
من مقابلة مع اللواء محمود هاشم أحد أبطال حرب أكتوير 1973

هو ابن لعامل سابق بوزارة الزراعة.. ‬ينتمي إلي محافظة سوهاج.. ‬هذا الإقليم الجنوبي في صعيد مصر.. ‬عايش فترات المحن التي مرت بها مصر.. ‬وتألم كثيراً ‬وهو يشاهد طائرات الأعداء تقصف بورسعيد في العدوان الثلاثي علي مصر في العام 1956، ‬وتجرع مرارة نكسة الخامس من يونيو لعام 1967‬، ‬كان حلمه منذ هذه اللحظات أن يكون جندياً ‬يذود عن الوطن بكل ما يملك.. وحلم أن يصبح طياراً ‬ليقصف بطائرته أركان العدو.. ‬فراح يلتحق بكلية الطيران في بداية الأمر والتحق بالدفعة 52 ‬غير أن الأقدار لم تشأ أن يواصل رسالته في كلية الطيران.. ‬فراح يلتحق بالكلية الحربية.. ‬الدفعة رقم 85 .. ‬ولأنه كان من العاشقين للدراسة العسكرية فقد كان ترتيبه متقدماً ‬بين أقرانه من دارسي الكلية الحربية، ‬حيث احتل الرقم '100' ‬بين خريجي الدفعة البالغ ‬عددهم نحو 1000 ‬طالب.. ‬فور تخرجه التحق بالجيش الثالث الميداني، ‬الفرقة الرابعة مدرعة، ‬وحصل علي دورة تدريبية '‬مشاة ميكانيكي'.‬
كان الحلم الذي يملأ عقله وقلبه -‬ والكلام للواء محمود هاشم - ‬أن يعمل هو وزملاؤه علي تحرير الوطن والأرض المغتصبة.. ‬كان كغيره من ملايين المصريين ينتظر بفارغ ‬الصبر إشارة البدء للانتقال من خلف '‬خطوط الصبر' ‬إلي مقدمة '‬خطوط الهجوم.. ‬كانت التدريبات تتواصل ليل نهار استعداداً ‬ليوم '‬النزال العظيم'.. ‬طالت فترات التدريب حتي ظن هو وزملاؤه حين صدرت إليهم الأوامر بالتحرك لمواجهة الخصم القابع عند الضفة الشرقية من قناة السويس أنهم سيخوضون واحدة من مراحل التدريب المتعددة.. ‬ولم يخرجوا من الحلم، ‬أو يصدقوا أنهم بدءوا مرحلة حقيقية لاستعادة الأرض المغتصبة إلا حين شهدوا بأم أعينهم نسور الجو المصريين وهم يعبرون سماء قناة السويس لدك حصون العدو علي الضفة الأخري من القناة.‬
يستعيد اللواء محمود هاشم -‬ الذي كان برتبة ملازم أول خلال فترة الحرب - فصول الذكريات وهو يتحدث عن لحظات الأمل التي سبقت العبور والاشتباك وجهاً ‬لوجه مع العدو.. ‬يقول: '‬كنت برتبة ملازم أول.. ‬وقائد فصيلة.. ‬كان دوري هو تنفيذ ما يكلفني به القادة.. ‬كانت العلاقة بين الضباط والجنود كالأشقاء تماماً، ‬بل وأكثر من الأشقاء، ‬فلقد صهرت بيننا الساعات الطوال التي نقضيها سوياً ‬طيلة أربع وعشرين ساعة.. ‬كنا نعرف بعضنا البعض بكل تفاصيل حياتنا، ‬حتي أنني كنت أعرف عن الجنود العاملين معي أمور حياتهم الخاصة والعامة.. ‬في بلدانهم وقراهم ونجوعهم، ‬وكذلك في وحدتهم العسكرية.. ‬كانت روح واحدة تتملكنا جميعاً ‬وهي روح الحب والفداء للوطن وترابه'.‬
ويمضي اللواء محمود هاشم قائلاً!: '‬خلال مراحل الحرب صدرت إلينا التعليمات بتطوير هجوم الفرقة الرابعة مدرعة، ‬خاصة عند وقوع الثغرة حيث تم الدفع بقواتنا في مواجهتها للقضاء علي الجنود الإسرائيليين الذين عبروا إلي الجهة الأخري.. ‬في هذه الفترة كان لديَّ ‬زميلي في الخدمة الضابط الاحتياطي '‬رفقي ذكري ‬غبريال'.. ‬وأذكر اسمه للتدليل علي أنه لم يكن هناك أي فرق بين مسلمٍ ‬ومسيحي.. ‬كان '‬رفقي' ‬يردد نداء الله أكبر معنا كما نردده نحن.. ‬كنا نعيش مخاطر متواصلة، ‬ونبدل مخابئنا التي كانت تتعرض للقصف بشكل مستمر ومتواصل. ‬لدرجة أنه وحتي يوم العشرين من أكتوبر 1973 ‬لم يكن هناك جندي واحد قد أصيب من كتيبتنا.. ‬حيث بدأت الخسائر بعد هذا اليوم.. ‬وأذكر في هذا المجال أنني قمت بتدمير ناقلة جنود إسرائيليين مدرعة وحصلنا علي كل متعلقاتهم التي تسلمتها الجهات العليا حسب التسلسل القانوني والعسكري'.‬
ينظر اللواء محمود هاشم إلي قدمه اليسري، ‬متذكراً ‬الإصابة التي لحقت به إبان الحرب.. ‬فيقول: '‬كنا قد اتخذنا مواقعنا في منطقة فنارة لمواجهة زحف القوات الإسرائيلية التي أحدثت الثغرة، ‬أعددنا سلسلة من الكمائن في مواجهة الثغرة، ‬في يوم الحادي والعشرين من أكتوبر أبلغني أحد الجنود أنه شاهد الأشجار وهي تتحرك من مكانها، ‬نظرت فعرفت أن أطقم الدبابات الإسرائيلية قطعوا الأشجار المصرية ووضعوها فوق الدبابات لإخفائها.. ‬في اليوم السابق كنا قد دمرنا المركبة البرمائية التي تتبعهم.. ‬فجاءوا في اليوم التالي ليدفعوا بقواتهم الجوية والمدفعية الثقيلة للهجوم علينا.. ‬واستخدموا مدافع كانت تسمي وقتها '‬أبو جاموس'‬، ‬وأثناء محاولتهم حصارنا يميناً ‬ويساراً ‬وبينما كنا نقف في الكمين، ‬طلبت من الجنود الانتظار والترقب لهذا الكمين علي أن أذهب أنا إلي كمين آخر لمواجهة تدفق القوات الإسرائيلية.. ‬قبل أن أتحرك كانت شظية من مدفع '‬أبوجاموس' ‬تصيبني في رجلي اليسري.. ‬سقطت علي الأرض.. ‬وهنا أسرع أحد الجنود من أبناء محافظة أسوان ويدعي '‬سيد' ‬وحاول أن يساعدني علي الوقوف لكن الشظية كانت عميقة فلم أستطع.. ‬كان الدم يتدفق بغزارة من قدمي.. ‬فأخذني الجندي وسحبني إلي الخلف حتي المستشفي الميداني، ‬حيث أجريت لي عملية تم خلالها استخراج الشظية، ‬ثم نُقلت إلي السويس.. ‬ومن المستشفي هناك تم إخلاؤنا إلي مستشفي المعادي بالقاهرة.. ‬حدث الإخلاء يوم 24 ‬من أكتوبر'.
‬ وعن طبيعة الإصابة التي لحقت به يقول اللواء محمود هاشم!!!: '‬إنها عبارة عن شظية اعترضت السمانة فأحدثت كسراً ‬في الشريان الرئيسي والعظام.. ‬ولأن عملية النقل من ميدان المعركة استغرقت بعض الوقت فقد أصيب الجرح بالتلوث.. ‬خاصة أن القوات الإسرائيلية كانت تحاصر السويس لبعض الوقت قبل أن تسمح للمدنيين والمصابين بالخروج من منطقة الحصار.. ‬عندئذ تم إخلاؤنا في سيارة إسعاف.. ‬بعد أن انتقلت من السويس إلي مستشفي المعادي خضعت للعلاج المكثف لمدة سبعة أيام.. ‬وتبين إصابة قدمي اليسري بالغرغرينة.. ‬حتي أن اللواء الطبيب المشرف علي علاجي كان يتألم وهو يشاهد قدمي علي هذا النحو بعد أن انتشرت فيها كل الألوان.. ‬كان يصعب عليه اتخاذ قرار ببتر القدم.. ‬ولكنني بعزيمة وإيمان قلت له: ‬إذا كنت تري أنه لا مناص من بتر القدم فابترها.. ‬اندهش اللواء الطبيب ولكنني أكدت له أن هذا قدر علينا أن نقبل به فداءً ‬لمصر الوطن والتراب.. ‬كانت هناك ممرضة رئيسة فريق التمريض تدعي سناء ومعها إحدي مساعداتها وتدعي سهير.. ‬كانتا مكلفتين بتجهيزي للعمليات حيث دخلت ‬غرفة العمليات من الساعة الخامسة حتي الحادية عشرة.. ‬وهي الفترة التي استغرقتها عملية البتر'.‬
كان اللواء محمود هاشم يتحدث ليروي ما جري في تلك اللحظات دون انقطاع.. ‬رحت أستوقفه، ‬وأسأله عن مشاعره في تلك اللحظات التي فقد فيها قدمه اليسري.. ‬قال بإيمان جازم: '‬تلك إرادة الله، ‬علينا أن نتقبلها.. ‬كان هذا شعوري في هذا الوقت.. ‬كنت فرحاً ‬وسعيداً.. ‬لأن تلك هي إرادة الله.. ‬كانت سعادتي أنني استطعت مع زملائي أن أفعل شيئاً.. ‬استطعنا أن نستعيد أرضنا،‬ونحرر ترابنا.. ‬وأن تكون لنا كلمتنا.. ‬وأتذكر أن السيدة جيهان السادات كانت تزورنا وكانت تعرفني بالاسم.. ‬حيث كنت استخدم كرسياً ‬متحركاً و‬في هذا الوقت.. ‬كانوا يطلقون عليَّ '‬البطل هاشم'.. ‬لم أشعر يوماً ‬بالحزن علي أني فقدت قدمي اليسري.. ‬بل كان شعوري الدائم هو الفخر لأنني استطعت أن أدمر إحدي المركبات للعدو.. ‬وفيما بعد سمعت من السيد اللواء صلاح مصباح الذي كان قائدنا في هذا الوقت.. ‬أننا استطعنا أن نوقف الثغرة لمدة أربع وعشرين ساعة.. ‬بعد أن تم رصد ذلك عبر القمر الصناعي'.‬
وعن شعوره الآن لو عاد به العمر إلي الوراء.. ‬قال: '‬لو عاد بي العمر إلي الوراء فأنا أقول صادقاً ‬إنني علي استعداد لأن أضحي بقدمي الأخري من أجل مصر.. ‬أقول بأمانة الله إنني مستعد لذلك تماماً.. ‬لأن هذا أقل واجب لصالح بلدي!'.‬
ويمضي اللواء محمود هاشم فيقول: '‬رغم الإصابة إلا أنني كنت أتابع أحوال زملائي حيث كتيبتي في الكيلو 101‬، ‬كان زملائي ينتهزون أقرب فرصة ليأتوا للاطمئنان عليَّ، ‬وإبلاغي بأخبار سير العمليات.. ‬وقد زارني أيضاً ‬اللواء عادل حسين - رحمة الله عليه.‬
وعن ذكرياته عن أصدقاء السلاح خلال حرب السادس من أكتوبر وعلاقته بهم الآن خاصة من تبقي منهم علي قيد الحياة.. ‬يقول اللواء محمود هاشم: ‬إنه يلتقي وزملائه ممن قاتلوا سوياً ‬مرة كل شهر، ‬يجلسون، ‬يتسامرون، ‬ويتذكرون أيام العزة والكبرياء وذكريات الحرب التي لا تذهب من الذاكرة مهما مضت السنون.. ‬ويقول: '‬نتجمع في أحد الأماكن بالمقطم لنحكي ونروي كل ما مررنا به.
‬ ويستعيد مجدداً ‬شريط الذكريات ليقول: '‬ما لفت انتباهنا في هذا الوقت أن الطائرات التي كانت تحاربنا كانت جديدة للغاية.. ‬مما أكد لدينا ما ذكر من أن الولايات المتحدة الأمريكية قد مدت إسرائيل بجسر جوي لإنقاذها من الهزيمة المحققة التي ألحقها بها الجيش المصري العظيم.. ‬بالإضافة إلي القاذفات الحديثة والصواريخ التي أطلقوها علي مواسير الدبابات فكانت تدمرها.. ‬كان هذا تطوراً ‬جديداً ‬في سير المعارك في ذلك الوقت.. ‬حيث كانت تلك الصواريخ لا تدمر ماسورة الدبابة بقدر ما كانت تصيبها إصابات طفيفة.. ‬كانت الصواريخ الحديثة تلتصق بماسورة الدبابة ثم تبدأ عملها لتدمير الماسورة.. ‬وكأنها مغناطيس أو مادة لاصقة.. ‬ومما أكد لنا حقيقة الدور الأمريكي أن المركبة التي سيطرنا عليها لم تكن قد تعدت بضعة كيلومترات في استخدامها مما يؤكد أنها قادمة للتو من المخازن الأمريكية'.‬
وينتقل اللواء محمود هاشم لمرحلة ما بعد الإصابة فيقول إنه سافر إلي ألمانيا الشرقية لعمل قدم صناعية وبعد العودة لم يفقد الأمل والعزيمة علي مواصلة الحياة بطريقته التي اعتادها، ‬فراح يدرس ليحصل علي بكالوريوس التجارة، ‬ثم إدارة النظم والحاسبات حيث تعلم الكمبيوتر وحصل علي شهادات مختلفة.. ‬وترك الجيش بإرادته بعد أن أكد أنه منحه ما يستطيع.. ‬وانطلق لحياته المدنية..

عن الأسبوع المصرية
 
التعديل الأخير:

المواضيع المشابهة

عودة
أعلى