مقالات الكاتب الكبير ابراهيم حجازي

رد: مقالات الكاتب الكبير ابراهيم حجازي

**‏ الحذر لا يمنع القدر‏!‏
هذا ما توقفت عنده الأسبوع الماضي في متابعتنا لواحدة من دوريات الاستطلاع خلف خطوط العدو في سيناء التي دفعت بها المخابرات الحربية المصرية لأجل رصد وملاحظة قوات وعتاد وتحركات الصهاينة في أعماق سيناء‏.‏ وأهمية تلك الدوريات أنها كانت بعد هزيمة‏1967‏ بعدة أشهر ووقتها المعنويات في الأرض عسكريا ومدنيا لأنها لم تكن مجرد هزيمة في حرب‏!.‏ وقتها كنا في حاجة إلي أي عمل نعرف من خلاله أننا مازلنا أحياء وأن الصهاينة ليسوا فوق البشر‏!.‏ المخابرات الحربية المصرية دفعت بثلاث دوريات قام باثنتين منها ضابطان من الصاعقة هما محمد عمران وسمير زيتون والثالثة نفذها ضابط مظلات هو الملازم أول جميل حماد يوم‏8‏ ديسمبر‏1967‏ للبقاء مدة شهر في سيناء وقاعدة دورياته جبل أم خشيب الموجودة فيه نقطة يهودية ووجودها معناه الحذر كل الحذر في التحركات وفي استخدام جهاز اللاسلكي وهذا ما جعل جميل حماد في كل إرسال لاسلكي ينزل من مكمنه وسط الجبل ويبتعد عن أم خشيب الجبل والمنطقة بأسرها كيلومترات طويلة حتي يستخدم اللاسلكي في اتصاله بالقيادة وكل هذه الاحتياطات خشية أن تلتقط موجة إرساله النقطة اليهودية الموجودة بها أجهزة تنصت مهمتها التقاط أي موجات لاسلكية‏..‏ إلا أن الحذر الحريص عليه جميل حماد لم يمنع القدر‏!‏

في اليوم المحدد لإرسال رسالة لقيادته‏..‏ نزل جميل حماد من الجبل متوجها إلي منطقة طويل الذئاب وهي تقع شمال ممر متلا وهي المنطقة الآمنة من وجهة نظره للإرسال اللاسلكي لأنها علي بعد قرابة الـ‏50‏ كيلومترا من جبل أم خشيب الموجودة فيه النقطة اليهودية‏:‏

هو ابتعد عنهم بما فيه الكفاية وبما يحقق اشتراطات الحذر إلا أن القدر كان له رأي آخر ولسبب أو آخر دخل اليهود علي موجة جهاز اللاسلكي المصري وجميل حماد يرسل رسالته للمخابرات الحربية ودخولهم لم يمكنهم من معرفة معلومة واحدة لأن الإرسال يتم بالشفرة التي نسخة منها معه والثانية في المخابرات‏!‏

دخولهم والتقاطهم موجة الإرسال جعلهم يكتشفون أن في المنطقة جهاز لاسلكي مصريا وأن في المنطقة مصريين‏..‏ صحيح أنهم لم يعرفوا طبيعة المعلومات المرسلة لكنهم حددوا موقع الإرسال‏!.‏

جميل حماد لم يكن يعرف أنهم التقطوا موجة الإرسال إلا أن غباءهم من جهة وذكاءه من جهة كشفا المستور‏!‏

اليهود تدخلوا وهو يتكلم مع قيادته‏..‏ أصبحوا طرفا ثالثا معه ومع القيادة وتكلموا بالعربية‏..‏ ومع تدخلهم وكلامهم لاحظ هو أن الصوت القادم له والمفترض أنه من القاهرة بعضه واضح وقريب والآخر خافت وبعيد وهنا فطن جميل حماد إلي أنه ربما يكون اليهود التقطوا الرسالة وركبوا الموجة ـ موجة الإرسال ـ ولقطع الشك باليقين طرح سؤالا إجابته لابد أن تكون بالشفرة ولم يتلق إجابة لأن اليهود لا يعرفون الشفرة‏..‏ لحظتها عرف أن الصوت القريب الواضح قادم له من عند اليهود‏!.‏ لحظتها أنهي الاتصال فورا وأغلق الجهاز وغادر المكان وهداه تفكيره إلي أن يكمن في مكان بعيد عن منطقة الإرسال وأيضا عن قاعدة الدوريات وما توقعه حدث‏!‏

الصهاينة لم يتركوا متر أرض في منطقة طويل الذئاب إلا وفتشوه لأنها المنطقة التي صدر منها الإرسال اللاسلكي الذي التقطوه‏!.‏ الصهاينة لم يتركوا بدويا واحدا في المنطقة إلا واستجوبوه‏!.‏ الصهاينة قاموا بتمشيط جبل أم خشيب بحثا عمن يقوم برصدهم وإبلاغ معلومات عنهم للمصريين‏!.‏ الصهاينة في النهاية وصل بهم الأمر إلي قبول فكرة أنه ربما تهيأ لهم ما سمعوه ولم يكن ذلك يأسا إنما لأنهم مسحوا المنطقة ولم يعثروا علي شعرة تقودهم إلي وجود غريب بينهم‏!‏

انتهوا إلي نتيجة أنه لا يوجد غريب رغم أن الغريب موجود ولم تبتلعه الأرض‏..‏ والملازم أول جميل حماد أو البدوي حمدان حماد سلامة أبو قريع موجود أمام عيونهم يرعي قطيعه الصغير وبرفقته طفل كبير أو شاب صغير اسمه إسليم سليم وعمره وقتها‏13‏ سنة وهو من نفس قبيلة الدليل سلامة أبو سلامة والقبيلة كلها نساؤها قبل رجالها وطنيتهم وانتماؤهم فوق كل اعتبار وحدوتة حب لمصر الوطن‏!.‏ جميل حماد موجود أمام اليهود يرعي غنمه وإجراءات الأمن الرهيبة التي يقوم بها الصهاينة لم تحرك شعرة من رأسه رغم علمه أنه علي بعد سنتيمترات من الموت لكن الموت لا يهم لأن مصر أهم والأهم‏!‏

وانتهي الشهر الذي فيه جميل حماد وسط اليهود وخلفهم وبينهم في سيناء وقبل أن يبدأ رحلة العودة جاءت التعليمات بالبقاء والاستمرار في مهمته حتي أوامر أخري واستمرت المهمة لأن الأوامر الأخري لم تأت إلا بعد نهاية الشهر الثالث له في سيناء‏!‏

بعد‏90‏ يوما خلف خطوط العدو عاد الملازم أول جميل حماد من نفس طريق الذهاب وبنفس أسلوب السير الذي هو ليلا والكمون نهارا وفي الليلة الثانية من رحلة العودة والوقت يقترب من الفجر كان هو يقترب من ضفة القناة الشرقية وهناك وجد رجال الضفادع البشرية المصرية في الانتظار‏..‏ في نفس المكان ونفس الموعد ونفس القارب الذي عاد بهم إلي الضفة الغربية للقناة وكان أول من احتضنه مدير مكتب المخابرات العسكرية بالإسماعيلية المقدم يوسف العشيري وبعد الاطمئنان عليه داعبه قائلا‏:‏
لقد راهنت عليك وكسبت الرهان وقلت لهم الضابط ده مستحيل يتمسك‏!‏

ولم يفهم جميل حماد الكلام لكنه فيما بعد عرف الحكاية‏..‏ عرف أن اليهود بعد حدوتة اللاسلكي وكشفهم موجة الإرسال‏..‏ أبلغوا رسالة من قاعدة أم خشيب إلي قيادتهم بأنهم اكتشفوا وجود مصريين يقومون بأعمال استطلاع وتم القبض عليهم‏..‏ والرسالة لم تكن مشفرة والتقطتها المخابرات الحربية المصرية وعندما تم عرضها أكد العشيري أنها خدعة وطعم يريدون لنا ابتلاعه وأن هذا الضابط كفء وشجاع ومستحيل وقوعه‏!‏

وصدق رجل المخابرات المصرية في قوله لأن جميل حماد دخل خلف خطوطهم ثلاثة أشهر وعاد‏,‏ وقبله فعلها الملازم أول محمد رشاد عمران الذي قضي في سيناء شهرا وعاد‏,‏ وبينهما فعلها الملازم أول سمير زيتون الذي دخل سيناء لمهمة خلف الخطوط في جبل الحلال ومكث شهرا وعاد‏!‏

عاد سمير زيتون من جبل الحلال إلي كتيبته في أنشاص وهو لا يعرف أن له مع القدر حكايات وأنه سيعود ثانية إلي نفس المكان‏..‏ لكن في الحرب وليس الاستطلاع‏!‏
وللحديث بقية مادام في العمر بقية
 
رد: مقالات الكاتب الكبير ابراهيم حجازي

عفوا هي حرب الساعات الست‏..‏
رجال زرعوا في رحم الهزيمة بذرة الانتصار‏!‏
بقلم : إبـراهيـم حجــازي‏

**‏ قوات الصاعقة المصرية اختارت يوم معركة رأس العش التي وقعت يوم‏30‏ يونيو‏1967‏ موعدا لاحتفالها السنوي بيوم التفوق الذي هو حصاد سنة فكر وعرق وجهد‏..‏ والجهد في الصاعقة ليس أي جهد‏..‏ هو قوة وصلابة وجرأة‏..‏ هو قدرات لا يقدر عليه إلا الرجال الأشداء الذين في صدورهم قلوب عامرة عفية بالقوة والشجاعة والانتماء‏..‏ قلوب مستحيل أن يتسلل إليها أو يقترب منها خوف أو ضعف أو تخاذل‏!‏

شرفت بحضور احتفال الصاعقة بيومها الذي أقيم في أنشاص معقل القوات الخاصة وحضره المشير طنطاوي وزير الدفاع والفريق سامي عنان رئيس الأركان وكبار قادة القوات المسلحة وقادة الصاعقة السابقون‏!‏

تابعت علي مدي ساعتين مايستحق أن يقدم في يوم التفوق‏!.‏ شاهدت أداء لا يقدر عليه إلا رجال الصاعقة ورأيت مستوي تدريب راقيا تستحقه الصاعقة من فدائييها‏..‏ الجنود والصف والضباط‏!‏

لم أكن أتفرج علي احتفال إنما معارك مختلفة الأشكال‏..‏ بداية من القتال بدون سلاح ونهاية بدوريات إغارة من السماء والأرض فيها كل أنواع الأسلحة‏..‏ وما رأيته تخطي مرحلة الامتياز بمراحل بما يؤكد أننا أمام مقاتلين ليس لهم حل لما هم عليه من خبرات وقدرات واستعداد تام لتنفيذ أي مهام في أي وقت ومكان‏!‏

انتابتني مشاعر كثيرة متباينة أولها وآخرها الاطمئنان‏!.‏ نعم أحسست باطمئنان هائل وكيف لا أطمئن ومثل هؤلاء الرجال المقاتلين في مصر؟‏.‏ كيف لا أطمئن وقد رأيت بقلبي وعقلي قبل عيني كفاءات قتالية قادرة علي حماية حدود الوطن؟‏.‏

شعرت بالاطمئنان والفخر والكبرياء والشموخ وأيضا شعرت بالحزن‏!‏ الاطمئنان والفخر والكبرياء والشموخ هو من جيش مصر ومقاتلي مصر ورجال مصر ممثلين في قوات الصاعقة‏...‏ أما الحزن فهو من حملة اليأس والتيئيس التي تقودها بعض الفضائيات وتعتمد علي مصريين يعيشون بيننا وينهشون ليل نهار في لحمنا‏!‏

حزين علينا ومنا‏!‏ حزين علينا من ابتلاعنا طعم اليأس والتيئيس الذي أرادوه أن يكون حالا لنا من خلال حملة مخطط لها بعناية وتشارك فيها بشكل أساسي بعض الفضائيات العربية‏..‏ وحزين منا لأننا نتفرج علي ما يحدث وكأنه لا يعنينا‏!.‏ حزين منا لأن من يقومون بتنفيذ حملة السفالة والتشويه مصريون لحم أكتافهم من خير مصر ولأجل حفنة دولارات ينهشون ليل نهار في جسد مصر‏!‏

حزين لأن أغلبية شباب مصر وقعت فريسة اليأس والتيئيس وإفساد الفيديو كليبات ومواقع الانترنت‏!‏

حزن لأن الأغلبية العظمي من شباب مصر محاصرة بحملات اليأس والتيئيس والأكاذيب وفساد الفيديو كليب ومواقع الانترنت وشائعات الطابور الخامس‏!‏

حزين لأننا تركنا الشباب يري ما يرونه هم وليس مايراه الوطن‏!‏ الوطن يري كل الصورة‏..‏ المضيء منها والمظلم فيها‏..‏ والوطن يريد لشبابه أن يري أيضا الجانب المضيء لأنه لو رآه وتعرف عليه فسوف ينجذب له ويدخل فيه ويصبح جزءا منه‏..‏ وجيش مصر العظيم إيجابية من إيجابيات كثيرة مضيئة موجودة والدليل هؤلاء الرجال‏..‏ رجال الصاعقة الذين أعطوا لقائدهم العام في يوم احتفالهم تمام الاستعداد بالأداء لا الكلام والأداء الذي رأيته يؤكد أن مصر بخير مادام علي أرضها مثل هؤلاء الرجال الأشداء وأن الذي حدث قبل‏40‏ سنة في مثل هذه الأيام من شهر يونيو مستحيل أن يتكرر لأن جيش مصر قناعته أن القوة هي التي تفرض السلام وتجبر الآخرين علي احترام السلام ويقيني أنا الشخصي أن جيش مصر قوي‏!‏

..............................................................‏
**‏ مصادفة غريبة نتج عنها تزامن أغرب لتاريخين كلاهما لا ينسي والحكاية تستحق وقفة توضيح لشباب مصر خاصة ولكل من يريد الحقيقة عموما‏!‏

احتفال الصاعقة بيوم التفوق مفروض أن يقام يوم‏30‏ يونيو الذي هو يوم ذكري معركة رأس العش التي هي الموعد السنوي لاحتفالات الصاعقة‏..‏ لكن الظروف شاءت تعديل هذا الموعد لموعد آخر لكنه تغير إلي الموعد الذي أقيم فيه الاحتفال وتصادف أنه يوم الثلاثاء‏5‏ يونيو الذي يواكب ذكري مرور‏40‏ سنة علي هزيمة‏1967..‏ ليصبح احتفال الصاعقة بتفوقها في نفس ذكري أسوأ هزيمة لحقت ببلد‏!‏ هذا التزامن قد يراه البعض غير مناسب وكيف نحتفل في نفس يوم الهزيمة؟‏.‏

وأنا أراه مناسبا جدا لأن فيه إثباتا لا يقبل أي شك لعبقرية شعب أفرز من صلبه رجالا زرعوا بإرادتهم في رحم الهزيمة بذرة الانتصار‏!‏

في‏5‏ يونيو‏1967‏ انهزمنا في الساعات الأولي من صباح هذا اليوم لتنتهي الحرب قبل أن تبدأ وقبل أن يطلق أي مصري طلقة واحدة‏!.‏ انتهت الحرب بعد ساعات من قيامها من طرف واحد هو الذي ضرب وهو الذي دمر وهو الذي حرق والطرف الآخر الذي هو نحن يتفرج وينتظر قرار الحرب وطال الانتظار ساعات وفي النهاية جاء القرار‏..‏ لكنه قرار انسحاب علي الكيف‏..‏ يعني كل واحد ينسحب بطريقته وهي نظرية لم تحدث من قبل ولن تحدث من بعد وبها ومعها تعرض جيش مصر إلي مهانة ما بعدها مهانة‏..‏ وهل هناك أسوأ من تعليمات بترك العتاد والسلاح والعودة تجاه الغرب بدلا من التقدم للشرق وسط سيمفونية فوضي لا مثيل لها في التاريخ بسبب قرار انسحاب تحول معه جيش نظامي يحتل مواقع دفاعية إلي فلول قوات شاردة لا نظام يحكمها ولا تعليمات تربطها وكان طبيعيا أن يحدث ماحدث لها‏!‏

خبراء العسكرية في العالم قبل أن تنتهي ساعات يوم‏5‏ يونيو كانوا قد أيقنوا أنه لا قائمة لجيش مصر قبل سنين طويلة لأن الهزيمة الأثقل والأصعب هي التي لحقت بالجانب النفسي للمصريين‏!‏ كل الدنيا اتفقت علي أن مصر انتهت ولا قائمة لها قبل عقدين علي الأقل‏!‏

وسط هذا الظلام الحالك تحركت أيام يونيو بطيئة وكأنها تريد أن تجثم علي صدورنا العمر كله‏!.‏ أيام سوادها لا ينبئ بأنه يمكن لبصيص نور أن ينفذ منها‏..‏ وأي نور ننتظره والقوات الشاردة شاردة في صحراء سيناء ومن فوقها وخلفها وعلي أجنابها الصهاينة يعربدون ويقتلون ويسحلون ويدفنون المصريين أحياء‏..‏ باختصار يفعلون ما يشاءون في ملعب لا أحد غيرهم فيه‏!‏

يونيو قارب علي الانتهاء والصهاينة غير مصدقين ماحدث ومن كان يصدق أن تبدأ الحرب وتنتهي في ساعات وهي في الحقيقة حرب الساعات الست وليست الأيام الستة لأن الحرب انتهت بعد انتهاء الطيران اليهودي من ضرب وتحطيم مطارات مصر في وقت واحد صباح يوم‏5‏ يونيو والضربة خلقت صدمة والصدمة خرج عنها قرار انسحاب وكان ما كان‏..‏ فمن من اليهود تخيل أو توقع أو ظن أو حتي رأي في منامه حلما قريبا من ذلك؟‏.‏

الفرحة الطاغية للصهاينة دفعت بهم للإسراع بالاستيلاء علي بعض الجيوب التي لم يفرضوا سيطرتهم عليها في شرق القناة وأولها تلك المنطقة الموجودة بها قرية صغيرة اسمها رأس العش وتقع شرق القناة علي بعد حوالي‏14‏ كيلو جنوب بورسعيد وربما كانت طبيعة الأرض الرخوة المالحة التي لا تسمح لأي مركبات من أي نوع بالسير فيها ولذلك أي تقدم نحو بور فؤاد محكوم بطريق ممهد مواز للقناة من جهة الشرق وأقرب إلي المدق منه إلي الطريق المعبد وربما يكون هذا الوضع هو الذي جعل الصهاينة ينتظرون بعض الوقت قبل تفكيرهم في الاستيلاء علي الجيوب القليلة المتبقية في الشرق حيث الاستيلاء عليها يسهل مهمتهم في احتلال بور فؤاد التي احتلالها يمثل أهمية بالغة هي في الواقع سياسية أكثر منها عسكرية باعتبار بور فؤاد جزءا من بورسعيد وبورسعيد ليست أي مدينة إنما هي رمز صمود‏..‏ واحتلال جزء منها يعني الكثير بالنسبة لهم ومن هذا المنطلق قرروا بدء عملية تطويق بور فؤاد وهدفهم الأول رأس العش‏!‏

المخابرات الحربية المصرية رصدت طابورا مدرعا صهيونيا في القنطرة شرق يجري تجهيزه والدفع به تجاه بور فؤاد‏..‏ في المقابل الموجود من قوات مصرية تم تجميعها بعد الانسحاب يدخل في إطار خطة حماية مناطق بعينها غرب القناة خشية محاولة احتلالها ولو لبعض الوقت كنوع من الدعاية السياسية وكانت بورسعيد واحدة من هذه المناطق التي لها أولوية الدفع بقوات للدفاع عنها وتم الدفع بكتيبتي صاعقة لأجل هذه المهمة ك‏43‏ وك‏103‏ وأتوقف هنا لتوضيح نقطة ربما لا يعرفها البعض وهي أن القوات الخاصة وأقصد الصاعقة والمظلات‏..‏ لها طبيعة عمل مختلف تماما عن القوات الأخري

وهي تعتمد في نجاح مهامها علي قدرات رجالها المكتسبة من التدريب الشاق جدا الذي يمكن وصفه بأنه بالغ القسوة جدا بما يجعل التدريب في كل الأحوال أصعب من الحرب ذاتها‏..‏ ولأن رجل القوات الخاصة بإمكانه القيام بمهام خاصة فإن هذه المهام لا تصلح لها أرض مفتوحة إنما مكانها المضايق والجبال والتلال بما يعطي للقوات الخاصة فرصة عمل كمائن متعددة بعدد قليل من الأفراد وهذه الكمائن اعتمادها الرئيسي علي عنصر المفاجأة للعدو وهذا يتطلب قلوبا لا تخاف لأن المفاجأة تتطلب رباطة جأش وحبس نيران إلي أن يصبح العدو علي بعد أمتار وعندما يصل إلي أمتار من الكمين وهو لا يدري أن أمامه جهنم تنتظره نتيجة التمويه الجيد والتمركز الصحيح والتدريب الراقي والشجاعة البالغة وفجأة تأخذ العدو المفاجأة عندما يجد نفسه وسط جهنم من كثافة النيران وخضة النيران‏..‏ وقد ينهي الكمين علي العدو المتقدم وقد يتراجع العدو تاركا خسائره وفي الحالتين الكمين أدي دوره وهو منع تقدم العدو‏..‏ وهذا المنع هو أساس عمل القوات الخاصة صاعقة كانت أو مظلات‏..‏ حيث غالبا ما تكون مهامها خلف خطوط العدو وهدفها تعطيل تقدم العدو وإحداث أكبر خسائر به‏!‏

وهذا ما فعلته الصاعقة في معركة رأس العش‏!‏ المتاح من قوات فصيلة صاعقة من ك‏43‏ صاعقة وفصيلة أخري معاونة من ك‏103‏ صاعقة والمهمة محددة وواضحة وصريحة‏..‏ وقف أي تقدم للعدو تجاه بور فؤاد‏!.‏

إذن الفصيلة التي تم دفعها إلي الشرق مطلوب منها ألا يتقدم صهيوني واحد خطوة واحدة والدفاع عن الموقع حتي آخر رجل‏!‏

الأفراد الذين خاضوا هذه المعركة الفاصلة قرابة الـ‏30‏ مقاتلا والضباط الذين شاركوا في المعركة التي بدأت‏30‏ يونيو وانتهت‏4‏ يوليو هم الملازمين جابر الجزار واستشهد في المعركة وعبد الوهاب الزهيري وخليل جمعة وفتحي عبد الله ونادر محمود عبد الله وهؤلاء الضباط مع جنودهم وصف ضباطهم خاضوا واحدة من أهم المعارك الحربية في تاريخ الصراع العربي الصهيوني والأهمية أوضحها في هذه النقاط‏:‏

‏1‏ ـ رأس العش هي أول مواجهة حقيقية بين مقاتلين مصريين وصهاينة حيث لم تحدث من قبل مثل هذه المواجهة التي فيها الطرفان وجها لوجه‏..‏ لا حدثت في‏1948‏ ولا في‏1956‏ ولا في الـ‏25‏ يوما التي مرت علي حرب يونيو‏1967.‏

‏2‏ ـ رأس العش تجيء بعد زلزال عسكري بدأ في‏5‏ يونيو ومستمر لمدة‏24‏ يوما ونحن في اليوم الـ‏25‏ وإما أن يواصل استمراره ونواصل تراجعنا أو‏!‏

‏3‏ ـ رأس العش هي المعركة الأخيرة التي خيارنا فيها‏..‏ إما أن نعرف بعدها أننا أحياء أو تعرف الدنيا كلها أننا أموات من قبل‏5‏ يونيو‏!‏

وسط هذا المناخ وتلك الظروف وهذه الحقائق بدأ العدو تقدمه بطابور مدرع له أول يمكن رؤيته لكنه بلا آخر من طوله ومن عدد المجنزرات التي تسير به وفي المقابل الموجود في رأس العش خمسة أو ستة كمائن متعددة والسلاح الرئيسي أربيجيهات من النوع القديم لكن القيمة ليست السلاح إنما هي فيمن يحمل هذا السلاح‏!.‏ صحيح أنه‏r.b.j‏ قديم لكن الأصح أنه علي أكتاف مقاتلين ليس في قاموس اللغة كلمات يمكن بها وصف جرأتهم وشجاعتهم ورباطة جأشهم وانتمائهم وإيمانهم بربهم وبقدراتهم وبقضيتهم وبعدم خوفهم من الموت‏!‏

وصل الطابور المدرع الصهيوني إلي مشارف رأس العش وأول كمين ينتظره بحبس للنيران إلي أن أصبحت أول دبابة وسط الكمين لتنطلق أول قذيفة‏r.b.j‏ ومعها أصيبت الدبابة وتم القضاء علي طاقهما وبدأت واحدة من أشرس المعارك بين نيران كمين من أسلحة صغيرة ونيران كل أنواع المجنزرات وأمام صلابة وشجاعة رجال الصاعقة ارتد الطابور المدرع تاركا خسائر وراءه ومجهزا نفسه لجولة أخري كان رجال الصاعقة في انتظارها لتستمر المعركة طوال ساعات الليل والعدو لم يتقدم خطوة واحدة وكيف يتقدم والرجال متمسكون بالأرض حتي آخر رجل منهم‏!‏

واستمرت المعركة يوم‏1‏ يوليو بعد وصول إمدادات للطابور المدرع الذي يحارب فصيلة من الصاعقة كمائنها تتحرك من شرق القناة إلي غربها واضعة العدو في حيرة من حجم القوات التي تحاربه ومساحة الأرض التي هم عليها والواقع أنها عدة كمائن لكن كفاءتها وشجاعة رجالها أوهمت العدو بأنها قوات كبيرة لديها قدرة إطلاق نيران كثيفة والذي أصاب العدو الصهيوني بالجنون أن كمائن الصاعقة دمرت فوق الـ‏15‏ دبابة وسيارة مجنزرة واستولت علي سيارة ذخيرة تم ترحيلها إلي غرب القناة من جهة بورفؤاد‏!.‏

وسط هذه المعارك الواضح منها شراسة واستبسال رجال الصاعقة أيقن الصهاينة يوم‏4‏ يوليو استحالة تقدمهم مترا واحدا فقرروا وقف نزيف الخسائر بالانسحاب من هذا الجحيم الذي عرف اليهود منه أن المصريين لحمهم بالفعل مر‏!‏ وبقيت رأس العش طاهرة مصرية في أيدي القوات المصرية‏ وظلت هامة مصر مرفوعة عالية‏ تحية لرجال الصاعقـة الذين أذاقــــوا الصهاينة مرارة الهزيمة في عز فرحتهم بحرب الساعات الست‏!‏ وتحية إلي جيش مصر العظيم في الأمس واليوم والغد وكل غد‏.‏

وللحديث بقية مادام في العمر بقية​
 
رد: مقالات الكاتب الكبير ابراهيم حجازي

لو نامت الدنيا صاحي مع سلاحي‏!‏
‏بقلم : إبـراهيـم حجـازي



**‏ عشت سنوات تقترب من الثماني في أنشاص معقل القوات الخاصة التي كانت أوجه الحياة فيها فعلا خاصة بل خاصة جدا في تلك الفترة الزمنية الحرجة جدا في تاريخ المحروسة بعد هزيمة‏1967‏ والتي قصمت ظهر مصر من قسوتها ومرارتها‏!.‏ الحياة في أنشاص خاصة جدا ومختلفة جدا لاختلاف الأهداف ومن ثم نوعية التدريب وطبيعة المعيشة لأن إعداد رجال لمواجهة الموت في كل لحظة من حياتهم مسألة في حد ذاتها بالغة الصعوبة وبالغة القسوة وتتطلب نوعية بشر تتسم بالشجاعة والجلد والانتماء والانضباط وتحتاج نوعية تدريب مختلفة تماما وتشترط قيادات صارمة كالصلب شديدة كالصخر حانية كالندي‏!‏

بعد يونيو انطوت صفحة هزيمة‏1967‏ وبدأ الإعداد من أول السطر علي صفحة جديدة في كل وحدات القوات المسلحة وليس القوات الخاصة وحدها وإن كانت هي تختلف نتيجة اختلاف الأهداف والمهام وهو ما جعل الحياة في أنشاص مختلفة والذي اجتاز الفرق الأساسية للقوات الخاصة يعرف أنها مختلفة حيث التدريب طوال النهار والليل تقريبا داخل هذه الفرق الأساسية التي تعتمد أساسا علي وضع المقاتل تحت ضغوط هائلة بدنية ونفسية وعصبية خلال وجوده في هذه الفرق الأساسية بما يضمن أن تكون هذه الضغوط أكبر بكثير من الضغوط المفترض تعرضه لها في الحرب ذات نفسها وعليه فإن المقاتل الذي اجتاز فرقة أساسية في القوات الخاصة صاعقة كانت أو مظلات هو جاهز للدخول في أي معارك حقيقية ومضمون تماما نجاحه فيها لأن ما خاضه في التدريبات صعب وصعب‏..‏ ولذلك قلت وأقول إن حياة القوات الخاصة في أنشاص مختلفة جدا وقاسية جدا ومنضبطة جدا وكل هذه الأحوال خطاب ضمان لرجال المهام الخاصة الأقوياء الأشداء الذين في صدورهم قلوب لم ولن يعرف الخوف يوما طريقا إليها‏!‏

يوم الأحد الماضي احتفلت قوات المظلات أحد جناحي القوات الخاصة المصرية بيوم التفوق والتميز في حضور المشير طنطاوي القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع والإنتاج الحربي والفريق سامي عنان رئيس الأركان وقادة قوات المظلات السابقين وقادة وحدات وإدارات القوات المسلحة‏..‏ وشاءت الظروف أن ينقلب حال المناخ كعادته مؤخرا لنفاجأ بطقس شديد الحرارة وأيضا شديد الرياح المتربة الساخنة‏..‏ وسواء كان الطقس حارا أو باردا متربا أوصافيا فهذا أمر لا اعتبار له ولا اعتراض عليه أو شكوي منه لأنه جزء من حياة الرجال‏..‏ رجال القوات المسلحة‏,‏ لكن شدة الرياح هي التي زادت من صعوبة المهام علي القافزين بالمظلات من الطائرات ومناورات المعدات والأسلحة الأخري التي كلها تتعامل مع العدو ما بين السماء والأرض وجاءت مناوراتها وسط رياح شديدة متربة حاجبة للرؤية وبالغة الصعوبة وأيضا بالغة التميز والإجادة والتمكن وهي سمات القوات الخاصة التي لها كفاءات خاصة لا تحيد عنها في الليل أو النهار في الحر أو البرد في الهواء الساخن المترب الشديد أو المطر المنهمر الغزير ولذلك هم رجال المهام الخاصة‏!‏

وهذا ما وجدته في قوات المظلات المصرية‏..‏ وجدت وشاهدت كفاءات قتالية علي نفس قدر الكفاءات التي خاضت حرب الاستنزاف وخاضت حرب أكتوبر‏!.‏ رأيت اللياقة البدنية الهائلة وسلاسة الأداء البالغة في العرض الرياضي القتالي المتميز الذي بدأت به المظلات احتفالها‏!.‏ رأيت استعراضا لفنون القتال بدون سلاح وللقتال بالسلاح‏!.‏ رأيت معدات وأسلحة حديثة يستخدمها رجال المظلات بتمكن بالغ وقدرات عالية وإتقان تام وأقول هنا إنه لو كانت هذه المعدات موجودة أيام حرب الاستنزاف ما كان الصهاينة بقوا في سيناء ساعة واحدة لأن الموت قادم لهم في أي لحظة من السماء يحمله رجال لا يخشون الموت ولا يخافون من الخوف‏!‏

الذي رأيته من قوات المظلات وقبله من الصاعقة خلال الأيام الماضية هو تمام استعداد نفهم منه أن القوات المسلحة جاهزة وصاحية ومستعدة وإعدادها في زمن السلام لا يختلف عنه في وقت الحرب وأن حماية حدود مصر المحروسة مسئوليتها وأن بقاء الوطن قويا هدفها‏!‏

الذي رأيته تمنيت ومازلت أتمني أن يذيع التليفزيون جانبا منه لأجل أن يري شبابنا ما يجعله يفخر بأنه مصري ابن مصري‏!‏

شعرت بالفخر والاطمئنان والثقة والسعادة والرضا وأنا أري وأسمع رجال القوات الخاصة يرددون اليوم ما سبق أن ردده الرجال في حرب‏1973.‏

أحسست بالاطمئنان لكونهم يدركون حتمية أن نكون أقوياء وأن نكون علي حذر وأن نكون مستعدين‏!‏

أحسست بالاطمئنان لأنهم يتغنون بنفس الكلمات التي تغني بها الرجال في‏1973:‏
خللي السلاح صاحي
لو نامت الدنيا‏..‏ صاحي مع سلاحي
سلاحي في إيديا
ليل نهار صاحي
بينادي يا أبطال
عدونا غدار
خللي السلاح صاحي‏..‏ صاحي
تحية إلي قوات المظلات المصرية في يوم عيدها‏.‏
تحية إلي جيش مصر في اليوم وفي الغد وفي كل غد‏.‏
وللحديث بقية مادام في العمر بقية​
 
رد: مقالات الكاتب الكبير ابراهيم حجازي

هذه القصة أهديها للشباب‏!‏
‏بقلم : إبـراهيـم حجـازي


**‏ هذه القصة أهديها إلي شبابنا في مصر والوطن العربي‏.‏

في أمريكا مؤسسة إعلامية شهيرة نعرفها نحن هنا اسمها‏'‏ ناشيونال جيوجرافيك‏'‏ تصدر عنها مطبوعات صحفية وتملك محطة تليفزيونية كثير منا يتابعها‏!‏

واحد من مصوري المحطة واسمه كريستوفر أندرسون قام بتصوير جدار الفصل الخرساني الذي أقامته إسرائيل حاجزا بينها وبين الفلسطينيين وهو لم يفعل هذا من باب الوجاهة إنما دفعه إلي ذلك واجبه المهني الأخلاقي النابع عن يقين داخله بأنه جدار سجن للفلسطينيين وليس كما يدعي الصهاينة بأنه جدار أمن للإسرائيليين‏!‏

المصور سجل بالكاميرا ما رآه بضميره وأذاعت المحطة فيلما عن الجدار ومثل كل محطات التليفزيون سجلت الموضوع بتفاصيل أكثر بموقعها علي الإنترنت الموجود فيه مقطع فيديو صور متحركة للجدار الذي وصفه المصور كريستوفر أندرسون علي الإنترنت بأنه جدار سجن‏!.‏ ماذا حدث؟

الدنيا قامت علي حيلها‏!.‏ ليه؟
لأن أي كلمة بل أي حرف يكتب أو يقال عن إسرائيل ولا يعجب الصهاينة لابد أن تقف الدنيا علي أظافرها إلي أن يحدث التراجع والكلمة تتسحب والحرف يندهس والاعتذار يتم‏..‏ ولهذا الرأي العام في الغرب ورجل الشارع هناك عمره ما سمع ولا شاهد ولا قرأ كلمة واحدة تدين إسرائيل وإذا حدث‏..‏ يتم التراجع والاعتذار والتوبة بما جعل شعوب الغرب علي يقين بأن إسرائيل فردة حمام هزاز وديع مسالم والحمام عمره ما كان مؤذيا وهل سمعتم مرة عن حمامة عضت أحدا؟

الدنيا قامت علي حيلها بسبب كلمتين من سبعة أحرف‏..‏ جدار سجن‏!.‏ رابطة مكافحة التشهير وهي منظمة يهودية أمريكية مؤثرة مقرها نيويورك أرسلت خطابا إلي موقع ناشيونال جيوجرافيك علي الإنترنت طالبت فيه المؤسسة الإعلامية العريقة بحذف مقطع الفيديو الذي صور الجدار الفاصل والتعليق الذي وصفه فيه المصور كريستوفر أندرسون بأنه جدار سجن‏!‏

الخطاب الذي أرسلته المنظمة اليهودية إلي ناشيونال جيوجرافيك تبعته حملة إرهاب قوامها مئات الآلاف من الرسائل الإلكترونية إلي موقع جيوجرافيك وكلها تدين وتندد وتتوعد وتتهم وأقل اتهام هو العداء للسامية والدعوة إلي التمييز العنصري ضد اليهود‏!‏

وأمام الضغوط التي قامت بها المنظمة اليهودية التي بإشارة منها تحرك شبابا متعصبا جاهزا لإرسال ملايين الرسائل للجهة التي يضغطون عليها وهم علي يقين بأنها لن تصمد لأن الضغط الرهيب من جهة واحدة والصوت العالي مصدره واحد والرأي الذي يطرحونه عنوة لا يوجد رأي آخر يواجهه والضغط الذي يستخدم ليس أمامه ضغط يواجهه بوجهة نظر أخري‏..‏ باختصار الساحة‏..‏ ساحة الضغط وإرهاب أي صوت يخالف الصهاينة إلي أن يتراجع ويسقط ويخفت ويموت‏..‏ الساحة مفتوحة علي مصراعيها أمامهم ولهم لأن العرب في إجازة‏!‏

ناشيونال جيوجرافيك أمام ضغط المنظمة اليهودية تراجعت وراجعت مقطع الفيديو الذي صور جدار الفصل وحذفت وصف المصور للجدار بأنه جدار سجن‏..‏ بل إن المحطة كتبت مقدمة سبقت مقال المصور كريستوفر علي سبيل التوازن مع مقال المصور وأيضا لترضية خاطر الصهاينة وفي مقدمتها الاعتذارية قالت المحطة‏:‏ إن إسرائيل تدافع علي الجدار باعتباره إجراء أمنيا لا غني عنه لردع الانتحاريين‏!‏

انتصرت جماعات الضغط الصهيونية وارتفع الباطل وانهزم الحق وماتت الحقيقة وستموت أي حقيقة ولن تعرف شعوب العالم إلا وجهة نظر الصهاينة ولن تعرف شعوب العالم أن للفلسطينيين حقوقا طالما أن العرب في غفوتهم مستمرون وتاركون للصهاينة الملعب بلاعبيه وحكامه وجماهيره بل والجماهير الموجودة في البيوت‏!‏

وقبل أن أتكلم مع الشباب عما هو مطلوب منهم أضع أمام الجميع علي طول حدود الأمة من الخليج إلي المحيط هذه الحقائق حول الجدار القاتل المعروف باسم الفاصل‏:‏

‏1 ـ هذا السور يطلق عليه الفلسطينيون اسم الجدار الفاصل العنصري وجدار الضم وجدار التوسع العنصري أما الصهاينة فيقولون عنه السياج الأمني الفاصل‏.‏

‏2‏ ـ الجدار مازال العمل به مستمرا والمخطط له أن يصل طوله إلي‏703‏ كيلومترات ويؤثر الجدار علي حياة‏680‏ ألف فلسطيني هم قرابة ثلث سكان الضفة الغربية ويعزل نحو ربع مليون فلسطيني في‏122‏ تجمعا سكانيا يقيمون ما بين الخط الأخضر والجدار الفاصل الذي يعني اكتماله فصل حوالي‏400‏ ألف فلسطيني‏..‏ فصل بيوتهم عن مزارعهم أو مقار عملهم وعليهم عبور الجدار يوميا‏.‏

‏3‏ ـ الجدار الفاصل بعد اكتماله يلتهم قرابة الـ‏45%‏ من مساحة الضفة الغربية ويضمها إلي إسرائيل‏.‏

‏4‏ ـ إسرائيل صادرت‏18‏ ألف دونم أي حوالي‏34‏ ألف فدان من الأراضي الفلسطينية لأجل بناء الجدار عليها الذي باكتماله تنضم إلي إسرائيل‏12‏ مستوطنة في القدس و‏34‏ مستوطنة في الضفة‏!‏

‏5‏ ـ الكارثة الناجمة عن الجدار الفاصل ليست فقط في مصادرة أرض وتشريد فلسطينيين إنما في تمزيق النسيج الاجتماعي الفلسطيني الناجم عن عزل آلاف الفلسطينيين عن عائلاتهم ومسقط رأسهم والخدمات الحياتية التي لا غني عنها‏!‏

‏6‏ ـ في تقرير لمكتب الأمم المتحدة للشئون الإنسانية وآخر لمركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان بالأراضي المحتلة أكدا أن الجدار الفاصل ألغي الخط الأخضر في مواقع كثيرة منه بهدف إلغاء حدود ما قبل‏1967‏ وأنه قسم الضفة الغربية إلي أربعة تجمعات سكانية معزولة تماما عن بعضها بعضا وتسيطر إسرائيل علي محيطها تاركة للفلسطينيين إدارة هذه الكيانات الأربعة من الداخل وبهذا يقضي الجدار الفاصل علي أي فرصة لإقامة دولة فلسطينية متصلة جغرافيا وقابلة للحياة ضمن حدود ما قبل‏1967!‏

تبقي ملاحظة أود أن يعرفها الشباب وهي أن محكمة العدل الدولية في لاهاي لها حكم أو قرار أصدرته في يوليو‏2004‏ يقضي بعدم شرعية الجدار الفاصل وهذا القرار حظي بتأييد أغلبية ساحقة من الجمعية العامة للأمم المتحدة حيث أيدته‏150‏ دولة من بينها دول الاتحاد الأوروبي الـ‏25‏ ورفضته ست دول أولها طبعا أمريكا ومعها أستراليا وأربع دول أخري‏..‏ ومع هذا‏!‏

القرار أو الحكم لم ينفذ لأنه غير ملزم ولأننا في غيبوبة وحتي إن كان غير ملزم فهو لمن يعرفون هائل الأهمية معنويا ورمزيا وبالإمكان الاستفادة به دعائيا لأننا نتكلم عن‏150‏ دولة ونتكلم عن‏25‏ دولة أوروبية ونتكلم عن شبه إجماع عالمي علي رفض هذا الجدار وعندما يكون معنا‏150‏ دولة في قضية كان يجب أن نقيم الدنيا ولا نقعدها‏.‏ لكننا لم نفعل لأننا العرب في إجازة‏..‏ وما لم نفعله أطلب من الشباب العربي اليوم تفعيله وتنفيذه‏!‏

أطلب من شبابنا أن يشكل جبهة عربية في مواجهة جبهات الضغط الصهيونية‏..‏ والضغط لا هو محتاج إلي سفر ولا نفوذ ولا حتي فلوس‏!‏

الضغط نقدر عليه بملايين الرسائل الإلكترونية التي نرسلها للجهة التي نطالبها بتصحيح معلومة أو إزاحة مغالطة أو شرح حقيقة وعرض وجهة نظرنا لأجل أن تعرف شعوب الغرب أن لنا رأيا وأيضا نقدر علي مواجهة الحجة بالحجة والرأي بالرأي وليس بطلقات الرصاص كما أقنعهم الصهاينة ونحن غافلون نائمون‏!‏

نحن أمام قضية حاضرة جاهزة هم خلقوا قوي ضغط أجبرت واحدة من محطات التليفزيون العالمية المحترمة علي أن تتراجع عن رأيها في أن الجدار الفاصل‏..‏ جدار سجن‏!‏

سلاحنا الرسائل الإلكترونية وهي ليست جديدة ولا غريبة علي شبابنا الذي يخوض بها معارك رهيبة في قضايا وهمية مثلما هو واقع الآن في الفضائيات وخصوصا الرياضية ولماذا نذهب بعيدا وعندنا واقعة من كام سنة صنعتها فضائية لبنانية من خلال برنامج ـ نسيت اسمه ـ ووصل إلي نهائي المسابقة شابان‏..‏ أحدهما مصري والآخر كويتي والفائز هو من يحصل علي أكبر عدد من أصوات المشاهدين والأصوات ترسل بالرسائل الإلكترونية ويومها فوق الـ‏8‏ ملايين رسالة أرسلت للفضائية من مصر والكويت‏!‏

هذه الواقعة تؤكد أن شبابنا قادر علي إرسال الرسائل وهو فعلها في قضية وهمية‏..‏ لأن أحدا لم يطلب منه أن يشارك في قضية وطن حقيقية وهاهي القضية‏!‏

قضية الجدار الفاصل العنصري الذي يشبه نظام الفصل العنصري السابق في جنوب أفريقيا والذي يواجه بانتقادات دولية كثيرة نتيجة مصادرته للأراضي الفلسطينية وفرض قيود علي الفلسطينيين داخل أراضيهم‏..‏

القضية أن ينقل الشباب العربي وجهة النظر العربية إلي محطة ناشيونال جيوجرافيك موضحا لها أن كل قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن تؤكد أن إسرائيل احتلت أراضي فلسطينية ومازالت من بعد‏1967‏ وأن المحتل والمغتصب مقاومته مشروعة مثلما قاوم الفرنسيون المحتل النازي في الحرب العالمية الثانية ولم نسمع يوما عن أن المقاومة الفرنسية كانت حركة إرهابية‏!‏

تعالوا نثبت لأنفسنا وللعالم أننا أحياء ونجرب أن نكون قوة ضغط عربية في مواجهة الأكاذيب الصهيونية‏!‏

تعالوا نشرح لمحطة الجيوجرافيك التليفزيونية التي لها اشتراكات كثيرة في المنطقة العربية‏..‏ نشرح لها وجهة النظر الأخري العربية التي تثبت بالبراهين أنه فعلا جدار سجن‏!‏

تعالوا ننتهزها فرصة ونوصل صوتنا ورأينا للشارع الغربي وهذا هو عنوان المحطة‏:‏
[email protected]‏‏[email protected]

[email protected]

تعالوا نثبت للصهاينة أن الأرض العربية التي قدمت مقاتلي أكتوبر‏1973‏ لم ولن تنضب وشبابها الحالي علي نفس القوة والعزة والولاء والانتماء والشموخ‏.‏

وللحديث بقية مادام في العمر بقية​
 
رد: مقالات الكاتب الكبير ابراهيم حجازي

الجمعة‏19‏ أكتوبر وإبراهيم الرفاعي‏!‏
‏بقلم : إبـراهيـم حجـازي


كلما ذهبت إلي مكان حوصرت بمطلب واحد‏..‏ المزيد من قصص بطولات جيش مصر في حرب الاستنزاف وحرب أكتوبر وأيضا في‏1967.‏ الشباب يطلب مني ذلك وأيضا الكبار وآخرهم رسام الكاريكاتير الكبير جمعة الذي استحلفني للاستمرار وأقسم بأنه يبكي كلما قرأ قصة بطولة قام بها المقاتلون المصريون‏..‏ يبكي تأثرا بملاحم الشجاعة وعظمة البطولات وعبقرية المصريين الذين أثبتوا للعالم أنه ليس لهم حل‏..‏ ويبكي أيضا علي شباب أغلبه لا يعرف شيئا عن أعظم انتصارات الأمة‏!‏

واليوم الجمعة‏19‏ أكتوبر أكتب ليس فقط لما سمعته وأسمعه إنما لأن الجمعة‏19‏ أكتوبر له في تاريخ المجموعة‏39‏ قتال وقفة فاصلة بين ما قبل هذا اليوم في عام‏1973‏ وما بعده‏!‏

الوقفة الفاصلة أتركها لنهاية الكلام‏..‏ وكلامي الآن عن تلك المجموعة الفدائية من الضباط والصف والجنود وقائدها الأسطورة إبراهيم الرفاعي‏!.‏ ما أتناوله اليوم عن إبراهيم الرفاعي ورجاله هو رءوس موضوعات بمناسبة هذا اليوم أما التفاصيل فلها معي ومع حضراتكم أيام مقبلة كثيرة لأن الرفاعي ورجاله نفذوا‏71‏ عملية فدائية من‏7‏ يونيو‏1967‏ وحتي‏17‏ أكتوبر‏1973‏ وكل عملية منها حكاية بطولة وشجاعة وولاء وانتماء وحب وعشق وفداء لوطن‏!‏

الحدث والتاريخ هما محور حديثي عن المجموعة‏39‏ في شخص قائدها إبراهيم الرفاعي وكل ما أقوله عنه ينسحب بالتبعية علي أبطال المجموعة‏39‏ التي انصهرت كمجموعة في كيان واحد‏..‏ الرفاعي قائده ورمزه‏!‏

عندما أتكلم عن إبراهيم الرفاعي فأنا أتحدث عن القائد وعن الشجاعة وعن إنكار الذات وعن البطولات الخارقة وعن العزيمة والإصرار وعن الإرادة الفولاذية وعن شخص قناعته تامة بأنه مستحيل أن يكون هناك مستحيل وهذا ما أكده الرفاعي في أول عملية قام بها في‏7‏ يونيو‏1967‏ وفي هذا الوقت القوات المصرية تنسحب تجاه الغرب والرفاعي ومعه أربعة ضباط وسرية من ك‏9‏ استطلاع تتوغل داخل سيناء تجاه الشرق في مهمة خاصة نفذوها بنجاح وكانت تلك أول عملية يقودها الرفاعي وبعدها توالت البطولات والعمليات وملاحم الشجاعة الأسطورية للمجموعة‏39‏ وقائدها إبراهيم الرفاعي ولا أبالغ هنا عندما أقول عن الرفاعي ورجاله هم أول من أضاءوا بشجاعتهم شعلة نور وسط ظلام حالك صنعته هزيمة‏1967.‏ الوقت الذي شهد هزيمة رهيبة لجيش لم يحارب وخرج منها الصهاينة بجيش لا يقهر يقصدون الجيش الإسرائيلي‏!.‏ وسط هذا الظلام بدأت الصاعقة في إسقاط حاجز اليأس بمعركة رأس العش التي أثبتت أننا نقدر عليهم ويمكننا غرس أظافرنا في لحمهم وأكدت لهم أن لحمنا مر وأن ما حدث في يوم‏5‏ يونيو مستحيل أن يتكرر وهذا ما أكده الرفاعي ورجاله الذين بددوا ظلام الهزيمة بالعمليات الفدائية التي أظهرت شجاعة المصري

ين وكشفت أكذوبة الإسرائيليين الذين عرفوا مثلما عرفنا والعالم معنا أن الجيش الذي لا يقهر انقهر وانهزم وانكشف وانضرب علي قفاه من أولي عمليات المجموعة‏39‏ مرورا بحرب الاستنزاف ونهاية بانتصار أكتوبر العظيم‏.‏

في يوم الجمعة‏19‏ أكتوبر‏1973‏ ووقت صلاة الجمعة استشهد العميد إبراهيم الرفاعي في قرية نفيشة جنوب الإسماعيلية وهو يقوم بعملية فدائية لقتال متلاحم مع دبابات العدو في الثغرة‏.‏

رحمة الله علي الشهيد العظيم إبراهيم الرفاعي وعلي كل شهداء المجموعة‏39‏ وكل الشهداء في كل الحروب‏.‏


وللحديث بقية مادام في العمر بقية​
 
رد: مقالات الكاتب الكبير ابراهيم حجازي

خارج دائرة الضوء
الصورة التي أحب الصهاينــة أن
يكرهوهــا ونجحوا في أن يخفوها‏!‏
‏بقلم : إبـراهيـم حجـازي


44132_29m.jpg



‏‏ احترت كثيرا وهو ما حيرني قليلا‏..‏ احترت ما الذي أختاره وأقدمه وأنا أكتب عن حرب أكتوبر في هذه السنة التي فيها رمضان وأكتوبر يلتقيان‏..‏ الحيرة لم تستمر طويلا‏!.‏ وأنا أقلب أوراقي عثرت علي صورة أبحث عنها من سنين لأنها ليست أي صورة وهي تختلف عن كل صورة وأنا شخصيا عندما أراها أشعر بالفخر والاعتزاز من كوني مصريا‏..‏ أحس بعظمة وشموخ مصر وأتأكد من ضعف وجبن الصهاينة‏!.‏ الصورة كانت في يدي قبل سنوات وقمت بوضعها في مكان آمن حتي أكتب قصتها والقصة لايعرفها إلا صاحبها الذي حاولت الوصول إليه ولم أنجح إلي أن جمعتني الظروف بأحد مقاتلي حرب أكتوبر وهو ضابط الصاعقة عرفة أحمد عبده الذي حصل لمصر علي أول أسير صهيوني ولنا مع حكايته عودة بإذن الله وهو الذي أخبرني باسم بطل صورتنا وتليفونه واتصلت ببطلنا وعدت معه للوراء سنين طويلة لأجل أن أعرف لحضراتكم حكاية الصورة التي فيها ضابط إسرائيلي يؤدي التحية العسكرية لضابط مصري لحظة استسلام موقع لسان بورتوفيق للمصريين يوم‏13‏ أكتوبر‏1973‏ وهذه الصورة تحديدا‏..‏ الصهاينة منعوا نشرها أو تداولها في جميع الوكالات العالمية لما فيها من شموخ مصري للضابط المصري الرائد زغلول فتحي وانكسار وخنوع وإ ذ ال للضابط الإسرائيلي الذي قبل مهانة وإهانة لم تحدث من قبل في تاريخ الحروب العسكرية وتفاصيلها في السطور القادمة‏:‏

لأجل أن أتكلم عن الصورة المنشورة لابد أن أشرح لحضراتكم طبيعة موقع لسان بورتوفيق ومكانته وأهميته‏.‏ الموقع محاط بالمياه من ثلاث جهات‏.‏ الجهة الجنوبية للموقع هي آخر طرف اللسان وتطل علي خليج السويس والجهة الغربية للموقع تطل علي القناة وهي امتداد اللسان الموازي للقناة ونفس هذا الامتداد من ناحية الشرق يطل علي مياه البركة المسحورة أما الطرف الآخر للسان ناحية الشمال فهو يطل علي اليابس من أرض سيناء‏.‏ الموقع طوله‏1200‏ متر تقريبا وعرضه‏300‏ متر ويقع علي الجهة الشرقية لمدخل القناة من جهة خليج السويس‏.‏ وهذا هو شكل الموقع الذي كان رصيفا لهيئة القناة لرسو السفن وقوارب المرشدين قبل حرب‏1967‏ وأصبح نقطة لسان بورتوفيق القوية الصهيونية بعد‏1967‏ ومكانة وأهمية هذه النقطة أنها تسيطر علي مدخل القناة وتدير وتصحح نيران مجموعة مدفعية عيون موسي التي تضرب السويس والأدبية وأنها نقطة توجيه للقوات الجوية الصهيونية وأنها نقطة الارتكاز الرئيسية للقوات الإسرائيلية في الطرف الجنوبي للقناة‏.‏

هذا الشرح كان ضروريا قبل الدخول في التفاصيل التي تقول إن القدر جمع الكتيبة‏43‏ صاعقة مع هذه النقطة الصهيونية القوية المعروفة بلسان بورتوفيق‏..‏ القدر جمعهما لأن ك‏43‏ صاعقة تمركزت من بعد‏1967‏ في بورتوفيق للدفاع عن هذه المنطقة الحيوية في أعقاب هزيمة‏1967‏ وبقيت كتيبة الصاعقة في مكانها وأصبحت مع الأيام علي خبرة بكل الأرض والبحر في هذا المكان الذي تطل فيه سيناء من الجنوب علي الخليج في نقطة التقاء القناة بالبحر ومع توالي الشهور كان لابد أن يتطور الأداء من مرحلة الدفاع فقط إلي الدفاع وأيضا الهجوم وحدث ذلك في‏1969‏ والقوات المسلحة تضع اللمسات الأخيرة قبل إعلانها حرب الاستنزاف فكانت الإغارة علي موقع لسان بورتوفيق واحدة من هذه اللمسات وقامت بها ك‏43‏ صاعقة ويومها حققت ما أرادت من غاراتها التي اقتحمت فيها القناة وهاجمت الموقع الحصين الذي مشكلته أنه لابد أن يكون الهجوم عليه بالمواجهة حيث طبيعة الأرض ألغت فكرة الهجوم من علي الأجناب أو الالتفاف وتلك النقطة في مصلحة الصهاينة وضد المصريين الذين عليهم الدخول بالمواجهة وهذا ما فعلوه في‏1969‏ وألحقوا بالصهاينة خسائر فادحة‏..‏ وهذه الإغارة الناجحة في هذا التوقيت نفذتها مجموعة

قتالية من الكتيبة‏43‏ صاعقة بقيادة النقيب سيد إمبابي الذي ترك هو ومقاتلوه للعدو رسالة واضحة بأن المصريين قادرون علي جعل ليلهم مثل الطين ونهارهم نار الجحيم‏!‏

الصهاينة بعد غارة‏1969‏ خرجوا منها بدروس أهمها حتمية تحصين هذا الموقع دفاعيا وجعل الاقتراب منه مستحيلا ليصبح موقع لسان بورتوفيق النقطة القوية الوحيدة علي امتداد القناة التي ليس لها طرق اقتراب إلا بالمواجهة‏..‏ وهذه مشكلة للمصريين‏!.‏ وأن هذه النقطة بحكم موقعها عند مدخل القناة الجنوبي علي البحر فإن سرعة التيارات المائية بها أربعة أضعاف سرعتها داخل القناة مما يجعل أي عمليات اقتراب بالقوارب من الضفة الشرقية للقناة مسألة بالغة الصعوبة‏..‏ وهذه مشكلة للمصريين‏!.‏ والنقطة الثالثة التي جعلت هذا الموقع مستحيلا‏..‏ أنه كان من قبل رصيفا تستخدمه هيئة القناة وهذا الرصيف معدني وليس مثل أي جزء من شاطئ القناة والرصيف يتلاقي مع الماء بزاوية قائمة علي عكس‏'‏ التدبيش‏'‏ الذي يقابل المياه بميل متدرج من أسفل إلي أعلي وكذلك فإن الصعود من الماء إلي الرصيف صعب جدا لأنه معدني ومقام بزاوية قائمة علي المياه وسطحه مرتفع ويزداد ارتفاعا عند حدوث الجزر في مياه القناة‏..‏ وهذه مشكلة للمصريين‏!‏

المهم أن اليهود بعد كل ذلك قاموا بتحصين الموقع بعمل ساتر ترابي ارتفاعه‏15‏ مترا ويحيط باللسان من كل ناحية‏.‏ ثم قسموا الموقع إلي جزءين‏.‏ النقطة الرئيسية في المنتصف والنقطة الفرعية في الجنوب عند سن اللسان وقاموا بتحصين نقاط الاقتراب التي يستحيل قدوم أحد للموقع إلا من خلالها‏!‏

رياح حرب الاستنزاف بدأت تهب علي سيناء علي طول المواجهة من السويس وحتي بورفؤاد وعلي الأجناب من البحر المتوسط والبحر الأحمر وعرف الصهاينة مع الإغارات التي لا تتوقف علي مواقعهم والخسائر الفادحة التي تنزل بهم أن المصريين حالة بشرية لا مثيل لها ولا وقوف أمامها ولا حلول معها‏!‏

وصلنا إلي بداية عام‏1973‏ والوقت شهر فبراير وتعليمات من القيادة لقائد الكتيبة‏43‏ صاعقة الرائد زغلول فتحي‏:‏ هدفك التدريبي لسان بورتوفيق‏!.‏ وعرف القائد أن كتيبته ستكلف في وقت ما لايعرفه بمهمة الإغارة علي هذا الموقع وبدأ الاستعداد والتدريب علي المهمة من لحظتها‏!.‏ مجموعات استطلاع وجمع معلومات لرصد حركة الموقع علي مدي ساعات اليوم والتسليح والمعدات وعدد الأفراد والاستطلاع تم من الغرب وأيضا من الشرق بتسلل أفراد إلي شرق القناة في دوريات خلف الخطوط لساعات وبعضها استمر أياما لأجل الحصول علي أدق معلومات والمعلومات التي تأكدت تقول إن حجم القوة الصهيونية سرية عدا فصيلة ودبابة واحدة تنضم لها‏6‏ دبابات من خارج الموقع للتدعيم في حالة أي هجوم علي الموقع وموجود أيضا‏3‏ مدافع هاون‏81‏ مم ورشاشات نصف وثلاثة أرباع بوصة‏..‏ والموقع ككل أهميته أنه نقطة تحصين للصهاينة في جنوب سيناء ونقطة إدارة نيران مدفعية عيون موسي التي تعتبر أقوي نقاط الدفاع عن الموقع فيما لو حاول أحد الاقتراب منه‏..‏ وعلي ضوء المعلومات تم تعديل التدريبات التي بدأت في فبراير علي أمل تلقي قرار الإغارة في أي وقت لكن الوقت يمر والقرار لم يصدر إلي أن جاء شهر أكتوب
ر وفي الوقت الذي حددته القيادة لإبلاغ القادة بالقرار والمهام‏..‏ تلقي قائد الكتيبة‏43‏ صاعقة التعليمات من اللواء عبد المنعم واصل الذي أخبره بأن الموعد المحدد لمهمة الكتيبة في الإغارة علي لسان بورتوفيق سيكون بعد ساعة‏(‏ س‏)‏ المحددة للحرب بثلاث ساعات لأنه مطلوب دخول الدبابات الست إلي موقع لسان بورتوفيق وهي ستدخل مع أول طلقة مدفعية من الغرب تجاه الشرق ومطلوب إبقاؤها داخل اللسان لأنها لو خرجت أو بقيت أصلا خارج اللسان فسوف تتعامل مع رءوس الكباري المصرية‏!‏

معني الكلام أن الكتيبة‏43‏ صاعقة لم تستفد من عنصر المفاجأة الذي حدث في الثانية ظهر يوم‏6‏ أكتوبر لأنها بدأت مهمتها في الخامسة مساء وهجومها بالمواجهة علي الموقع الذي أصبح به سبع دبابات بدلا من دبابة واحدة بعدما بدآ الهجوم في الثانية ظهرا‏!.‏ بدأت مهمة الصاعقة بثلاث مجموعات‏.‏ مجموعتي قطع‏.‏ اليمني بقيادة الملازم أول محمد فهيم مقيشط واليسري قائدها النقيب ممدوح عبد الغني أما القوة الرئيسية فهي مكونة من ثلاث مجموعات وقادها الشهيد نقيب جمال عزام‏.‏ وقبل أن ينتهي يوم‏6‏ أكتوبر كانت المجموعات في أماكنها وتخوض معارك شرسة لأن الموقع طوله الموازي للقناة‏1200‏ متر وعرضه‏300‏ متر والقتال الليلي يحتاج إلي أجهزة رؤية ليلية والموجود لدينا طرازات من أيام الحرب العالمية الثانية وعددها قليل جدا والكفاءة متخلفة جدا بالنسبة لما هو مع العدو ومع ذلك المسألة لاتفرق مع من لا يخشون الموت ولا يخافونه ليدمر رجال الصاعقة في أول ليلة دبابة ويستولوا علي طرف اللسان الجنوبي وهو نقطة حصينة انسحب الصهاينة منها وأخذوا يتحصنون داخل النقطة الرئيسية وفي المقابل رجال الصاعقة متشبثون بكل متر أرض استردوه داخل الموقع الصهيوني الحصين‏!‏

ومع أول ضوء في يوم‏7‏ أكتوبر حاول الصهاينة القيام بهجوم مضاد من داخل النقطة الحصينة في محاولة لفك الحصار المفروض عليهم وعلي الفور تم الدفع بمجموعتي قتال صاعقة من الغرب إلي الشرق لتأمين الحصار الذي أنهي المسألة بحرق دبابة صهيونية أخري مع خسائر في الأرواح لم تتضح وقتها وبعدها أيقن الصهاينة أنهم في قبضة الموت مع ذلك الحصار المفروض عليهم من مقاتلين لا يعرفون المستحيل ومستحيل الإفلات منهم‏!‏

لسان بورتوفيق أصبح خارج الخدمة بالنسبة للصهاينة نتيجة الحصار الذي ضربه مقاتلو الصاعقة علي الموقع الذي أصبح عاجزا عن القيام بعمله في توجيه مدفعية الصهاينة وطيرانهم‏!.‏ واستمر الحصار أيام‏7‏ و‏8‏ و‏9‏ أكتوبر ويوم‏10‏ حاول اليهود اختراق الحصار عن طريق البحر بواسطة قوارب برترام وضفادع بشرية إلا أن القوارب هربت تحت كثافة وجرأة النيران المصرية‏!‏

يوم‏11‏ أكتوبر لجأ الصهاينة لآخر كارت عندهم‏..‏ المدفعية والطيران‏!.‏ ضربوا بورتوفيق بشراسة بالمدفعية والكتيبة‏43‏ صاعقة متمركزة في بورتوفيق وضربوا بالطيران قوات الجيش الثالث المحاصرة‏..‏ وضربوا بالطيران مجموعة الصاعقة المكلفة بقطع الطريق الذي يربط موقع لسان بورتوفيق بسيناء برا وهذه المجموعة رغم غارات الطيران نجحت في إتمام مهمتها ولم تسمح لصهيوني واحد بالدخول أو الخروج من اللسان ليبقي المحاصرون تحت رحمة المصريين ويفشل المعاونون في الوصول إليهم‏!‏

ربما يكون‏11‏ أكتوبر هو أطول أيام الاشتباكات مع تصميم مقاتلي الصاعقة علي اجتياح الموقع والاستيلاء عليه بصرف النظر عن المدفعية التي لا تتوقف وغارات الطيران التي لا تنتهي لأجل فك الحصار وفي هذا اليوم رصدت القيادة اتصالا بين الموقع والقيادة الصهيونية التي سألت وعرفت أن هناك خسائر وسألت عن إمكانية الاستمرار تحت الحصار وجاء الرد بأنه ممكن بشرط وصول الدعم وجاء رد القيادة الصهيونية بأنها لا تريد مسادة أخري‏!‏

و‏'‏مسادة‏'‏ كلمة باللغة الأرمية وتعني قلعة وهي آخر قلعة يهودية سقطت في أيدي الرومان أثناء التمرد اليهودي ضد الإمبراطورية الرومانية وهذه القلعة تقع علي صخرة مرتفعة عن البحر الميت‏..‏ ووقتها كان يوجد بها‏960‏ يهوديا واقترح قائدهم عليهم الانتحار الجماعي بدلا من الأسر لدي الرومان‏.‏

معني الكلام أن القيادة الصهيونية لا تريد إبادة الأحياء المتبقين المحاصرين في لسان بورتوفيق ولذلك طلبت القيادة الصهيونية يوم‏12‏ أكتوبر من الصليب الأحمر الاستسلام‏!.‏ استسلموا لأنهم يخشون الموت وعلي فكرة نقاط عديدة من نقاط خط بارليف الدفاعي هرب ضباطها وجنودها خشية الموت رغم أن خط بارليف نقاطه محصنة ضد ضربة ذرية ورغم أن المقاتلين المصريين الذين هاجموا النقاط لم يكن معهم إلا سلاحهم الشخصي البندقية لكن العبرة ليست في السلاح إنما فيمن يحمل السلاح‏!‏

يوم‏12‏ أكتوبر تلقي قائد كتيبة الصاعقة تعليمات من اللواء واصل بإيقاف القتال لأن الصهاينة طلبوا الاستسلام ويوم‏13‏ أكتوبر وصل مندوب الصليب الأحمر إلي مقر كتيبة الصاعقة وانتقل إلي جهة الشرق بمفرده وخرج له الصهاينة يرفعون راية بيضاء مستسلمين وبالمعاينة وجد في الموقع‏25‏ ألف لغم أرضي وكميات هائلة من الأسلحة المتنوعة والذخائر والقنابل والأسلاك الشائكة و‏4‏ دبابات مدمرة وثلاث سليمة‏!.‏ ووجد‏20‏ قتيلا و‏37‏ أسيرا منهم‏17‏ جريحا والضباط الموجودون خمسة وأقدمهم ضابط ملازم أول تسلم القيادة بعد موت القائد وهو ميجور يوم‏9‏ أكتوبر‏.‏

عاد مندوب الصليب الأحمر إلي الغرب ومعه الضباط الخمسة اليهود وكشف بأسماء الجنود الجرحي‏..‏ إلا أن القائد المصري الرائد زغلول فتحي صمم علي أن يتم الاستسلام في الموقع بعد معاينته والتأكد من عدم تفخيخه بالألغام ونفذ مندوب الصليب الأحمر تعليمات القائد المصري الذي اطمأن علي كل ما يريد الاطمئنان عليه وعندما أقبل عليه الضابط الصهيوني ليعلن استسلامه أصر القائد المصري الرائد زغلول فتحي علي تسليم الضابط الإسرائيلي للعلم الإسرائيلي بدلا من الراية البيضاء‏!.‏

وأسرع الضباط الأربعة الصهاينة ليحضروا العلم الإسرائيلي وأمسك به ملفوفا الملازم أول شلومو أردنست وقدمه منكسا بيده اليسري وهو يؤدي التحية العسكرية للقائد المصري باليمني‏..‏ وكانت الصورة التي جسدت‏..‏ الذل والهوان والانكسار في مواجهة الشموخ والعزة والانتصار‏!.‏

حب وتقدير واحترام إلي جيش مصر العظيم في الأمس واليوم والغد وكل غد‏.‏

وللحديث بقية مادام في العمر بقية​
 
رد: مقالات الكاتب الكبير ابراهيم حجازي

يتبع >>>>>​
 
رد: مقالات الكاتب الكبير ابراهيم حجازي

ربنا يكرمك يا اخت ايمان.
فعلا عمل رائع وقيم.

واساسا اسم الكاتب يوقد في نفسي شعورا مريرا بالحزن على انني لم اعاصر تلك الايام.ولما ارى ما راه.ولكن هو عاش لينقل لنا هذا.

تحياتي يا اخت ايمان وارجو تستمري في عملك الرائع.
 
رد: مقالات الكاتب الكبير ابراهيم حجازي

ربنا يكرمك يا اخت ايمان.
فعلا عمل رائع وقيم.

واساسا اسم الكاتب يوقد في نفسي شعورا مريرا بالحزن على انني لم اعاصر تلك الايام.ولما ارى ما راه.ولكن هو عاش لينقل لنا هذا.

تحياتي يا اخت ايمان وارجو تستمري في عملك الرائع.



شكرا اخي توب وارجو ان يكون قد ااعجبك وان كان لك اي ملاحظات فاتمني ان تشاركنا بها
 
رد: مقالات الكاتب الكبير ابراهيم حجازي

قسوة وصعوبة التدريب بعد يونيو الحزين‏
شرب نارها الصهاينة في حرب‏73!‏
بقلم‏:‏ إبـراهيــــم حجـــــازي​

عندي قناعة لاتقبل أي شك بأن سنة‏1968‏ مسحت ما تقدم وما تأخر من ذنوب الذين عاشوا هذه الفترة في القوات المسلحة‏!‏

سنة بكل سنين الدنيا‏!‏
أقصي ما كنا نحصل عليه كقوات خاصة من نوم في اليوم لا يزيد بحال علي أربع ساعات وفيما عداها نعيش تحت ضغط عصبي ونفسي وبدني هائل ورهيب‏!‏

ضغط رهيب مقصود‏..‏ هدفه أن تكون الحرب عند مجيئها أسهل من التدريبات التي اجتزناها وكلها قائمة علي ما هو أصعب علي الإطلاق‏!‏

مجهود بدني لا سقف لـه ولا وقت ينهيــــه مصحوب بضغوط عصبية مقصـــودة ومدروســــة وهائلة وبالغــــــة الاستفزاز وكل ذلك بدون فترات راحة‏!‏

يومنا يبدأ في الخامسة فجرا وينتهي في الواحدة أو الثانية قرب الخامسة فجرا من اليوم التالي‏!‏

نجلس للأكل وقبل أن نبلع أول لقمة حيث لم يكن هناك وقت للمضغ‏..‏ تكون كلمة ثابت وهي من الثبات‏..‏ قد خرقت الآذان معلنة انتهاء الأكل والتحرك فورا‏..‏ ونتحرك وفورا لأن ثانية تأخير في تنفيذ أمر جريمة لا تغتفر وعقابها بالغ القسوة‏!‏

عشنا سنة‏1968‏ في ظروف يستحيل وصفها‏..‏ تكاملت فيها وتلاقت حلقات الضغوط البدنية والنفسية والعصبية المدروسة بعناية بهدف تقديم مقاتل لا يعرف مستحيلا ولا يعرف خوفا ولا يخاف الموت الذي يخشاه كل البشر‏!‏

التدريبات التي خضناها علي مدي سنة جعلتنا علي ثقة لا تقبل أي شك بأن الحرب التي ننتظرها ونتعجل قدومها ستكون نسمة بالمقارنة بحياة التدريب البالغة القسوة التي عشناها ونعيشها وتطعمنا من قسوتها وجبروتها‏!‏

هذه الحقيقة تأكدنا منها في حرب الاستنزاف عندما كان الأمر يتطلب قطع مسافة‏10‏ كيلو مترات عدوا في عملية خلف خطوط العدو‏..‏ وقتها عرفنا لماذا كنا نعدو‏25‏ كيلو مترا يوما بعد يوم‏!‏

عرفنا لماذا كنا نقضي ساعات طويلة في السباحة تحت الماء لأطول مسافة بأقل نفس‏!.‏ ولماذا كانت طوابير التكدير تتم في مصارف المجاري‏.‏ عرفنا أن التدريبات القاسية هي وحدها التي تضمن نجاح العمليات الحربية وكيف لا تنجح وهي لا شيء بالنسبة للتدريبات التي خاضها المقاتل المصري‏!‏

التدريبات البالغة القسوة في القوات الخاصة‏..‏ أول من لمسها وانكوي بنارها الصهاينة في حرب الاستنزاف وفي أكتوبر‏1973‏ وفيها عرفوا أنهم أمام مقاتلين ليس لهم حل بما يملكونه من قدرات قتالية هائلة ولما في صدورهم من قلوب شجاعة لا تخاف الموت‏!‏

الجرأة البالغة والشجاعة النادرة التي ظهرت في حرب الاستنزاف من خلال الدوريات التي لا تنقطع إغارتها علي شرق القناة‏..‏ هذه الجرأة وتلك الشجاعة انطبعت رعبا داخل عقول الصهاينة وانعكست سلوكا لهم عندما اقتحم جيش مصر القناة باستسلام نقاط خط بارليف القوية المجهزة ضد ضربة ذرية‏..‏ استسلمت ليقين داخلها بأنه لا أمل في مقاومة المصريين‏!‏

سقط خط بارليف الذي قالوا إنه أقوي خط دفاعي عرفته الحروب الحديثة‏..‏ وانهزم جيش إسرائيل المعروف بأنه جيش لا يقهر‏!‏

انهار خط بارليف تحت أقدام المصريين وانهزم الجيش الذي لا ينهزم بفكر وعقول وسواعد وشجاعة وانتماء المصريين‏!‏

لولا قسوة التدريب ما كانت الانتصارات الرائعة والبطولات الفائقة‏..‏ ما كان اقتحام أصعب مانع مائي عرفه التاريخ في حرب‏..‏ ما كان انهيار الساتر الترابي وما سقط خط بارليف الذي شيدوه في سنتين وبدأ استسلام نقاطه القوية للمصريين بعد ساعتين من اقتحام جيش مصر للقناة‏!‏

الجهــــد الرهيب فـــــي التدريب للمصريين‏..‏ جـــاء علي دماغ اليهود في حرب‏1973!‏

كل أكتوبـــر مع رمضان ومصر الحبيبة طيبة وعفية‏..‏ وسلاح جيشها صاحي‏!‏

**‏ نعم لولا الإعداد والاستعداد الرهيب المستمر ما كان الانتصار الهائل العظيم الذي عدنا به إلي الحياة وشعرنا معه بأننا أحياء وعاد لنا الإحساس بالشموخ والعزة والكبرياء‏.‏

من عايش عار الهزيمة‏..‏ من ذاق مرارة الانكسار‏..‏ من رأي شماتة في عيون الأشقاء والأصدقاء والفرقاء‏..‏ من عاش الحلم بأننا أقوي من أمريكا ورأي الحقيقة التي كشفت الوهم وفضحت المستور في ستة أيام نهايتها أسوأ هزيمة يمكن أن تلحق بجيش في العالم‏!‏

من عاش هذه الفترة عرف أن الانتصار ضرورة حتمية وأن الموت أفضل من حياة الانكسار وأن الكرامة والعزة والشموخ لا وجود لها والعدو يدنس أرض سيناء ويطل علي المحروسة من الشرق بطول امتداد القناة‏!‏

في مثل هذه الأوقات العصيبة تظهر معادن الشعوب‏!‏

من رحم الهزيمة واليأس والمرارة وأيام غابرة كئيبة‏..‏ خرج أعظم انتصار في تاريخ الأمة بفضل الله وعظمة شعب تجده وقت الشدة والمحن‏!‏

يقيني أننا بدأنا الإعداد والاستعداد بعد هزيمة‏1967‏ من نقطة الصفر وربما من تحت الصفر‏!.‏ شعب بأكمله في حالة صدمة أخطر ما فيها أنها أفقدته الثقة تماما في كل ما يقال بعدما اكتشف أن كل ما سمعه وشاهده وقرأه وآمن به‏..‏ كله غير حقيقي‏!.‏ وجيش صدمته أكبر وأفدح لأنه انهزم دون أن يحارب وتلك مرارة لا يشعر بها إلا العسكريون الذين أقسموا علي حماية أرض وطن وأن يقدموا حياتهم فداء للوطن والذين يضعون حياتهم علي أيديهم تأكيدا منهم علي أن الاستشهاد أقرب وأكرم لهم من أن يتركوا مترا واحدا من أرض الوطن‏!‏

الجيش صدمته رهيبة لأنه دخل سيناء ووصل إلي الحدود وقبل أن يتمركز في مواقع دفاعية منها ينطلق إلي مهام هجومية قبل أن يفعل أي شيء فوجئ بالحرب‏!.‏ العدو بادر هو بقرار الحرب والمفاجأة الأسوأ أننا واجهنا قرار الحرب اليهودي بقرار انسحاب مصري للقوات من سيناء ومنها وحدات كانت علي بعد كيلو مترات قليلة من قلب أرض الصهاينة والأفضل لها أن تتقدم إلي أعماقهم طالما أنه لا توجد حماية جوية لها ودخولها في أراضيهم سيخرج الطيران من المعركة لأن تداخل القوات يمنع تدخل الطيران وحتي لو تدخل الطيران فإنه هناك يضرب داخل إسرائيل ويسبب خسائر بشرية ومادية يهودية لأن المعركة الآن علي أرض إسرائيلية وهذه مسألة لا تحدث‏!.‏ ثم إن هذه القوات المصرية المتمركزة علي الحدود سوف يضربها الطيران اليهودي وهي تقطع سيناء عائدة إلي القناة وطالما الأمر كذلك فالأفضل تقدمها في عمق أرض العدو‏!.‏ الجيش حزين لأنه اكتشف دخوله في حرب لم يكن مخططا لها وأنه تعرض لهزيمة هو في الواقع لا يستحقها وغير مسئول عنها‏!‏

الجيش حزين لأن الصهاينة يملأون الدنيا صخبا وضجيجا بانتصارهم الذي اكتسحوا فيه جيوش ثلاث دول عربية في ستة أيام واحتلوا فيها مساحات أراض لم تكن تخطر علي البال‏..‏ الجيش حزين لأنه لم يحارب وانحسبت عليه حرب ولم يواجه وسجلت له مواجهة‏!.‏ الجيش حزين يتنفس غيظا ويعرق مرارة لأن هذه الهزيمة أعطت للصهاينة ثقة بلا حدود وأعطت للغرب الذي يساندهم مبررا لمساندة مفتوحة للصهاينة بلا سقف أو قيود‏!‏

كل هذه الحقائق والمعطيات جعلت بداية استعدادنا فعلا من الصفر لأن المعنويات داخل القوات المسلحة في الأرض ليس خوفا من جيش لا يقهر وهي التسمية التي أطلقها اليهود علي جيشهم‏..‏ ليس خوفا من الصهاينة لأن الجيش كل من فيه المرارة في حلوقهم لأنهم أصلا لم يحاربوا وأصلا لم يواجهوا يوما أي عسكري صهيوني لا في‏1948‏ حدثت مواجهة ولا في‏1956‏ تقابلنا وجها لوجه ولا في‏1967!.‏ حكاية تنقط أن ينظر العالم كله إلي أنك مهزوم وهو منتصر رغم أنه لم تحدث مرة مواجهة في معركة لنعرف نحن ويعرفوا هم من المنتصر ومن المهزوم‏!‏

الجيش معنوياته منخفضة ليس خوفا من الصهاينة إنما حزنا من حالة فقدان الثقة التي طالته من الشعب‏..‏ والشعب هو الأمة وهو الوطن وهو الحاضر وهو المستقبل وهو القوة‏..‏ هو مصر‏!.‏ الجيش‏'‏ صعبان‏'‏ عليه أن يفقد الشعب ثقته في جيشه بسبب هزيمة هو غير مسئول عنها‏!‏

الجيش تجاوز هذه النقطة ليقين داخل كل مقاتل مصري بأن الشعب المصري سيعرف يوما ليس ببعيد قدرات وإمكانات وشجاعة وبسالة وفدائية جيش مصر‏!‏

الجيش المصري بدأ رحلة النصر بعد أيام قليلة من الهزيمة‏..‏ الصدور داخلها غضب ومرارة وحزن ورغبة هائلة في الثأر‏!.‏ طاقات غضب في الصدور متباينة المشاعر تبحث عن حدث تنفس فيه عن نفسها لأجل أن تثبت لذاتها أنها لم تمت وأنها قادرة‏!‏

وشاء القدر أن تجيء الفرصة التي كان المقاتلون المصريون يبحثون عنها‏..‏ فرصة مواجهة عسكرية مع الصهاينة‏..‏ فرصة معركة ولو علي مستوي فصيلة‏..‏ فرصة أن يحدث قتال ونأخذ فرصتنا في المواجهة‏..‏ فرصة أن نعرف نحن هل مازلنا أحياء أم أننا متنا وشبعنا موتا ونحن لانعرف‏!‏

إحساس مرعب أن توصم بالهزيمة ثلاث مرات في ثلاث حروب والجيش المصري فيها لم يحارب ولم يواجه‏!‏

فرصة المواجهة التي كنا نحلم بها قدمها الصهاينة لنا قبل أن يطوي يونيو‏1967‏ الحزين صفحته وكأن الله أراد لنا ألا يرحل شهر الهزيمة دون أن يترك لنا أملا يؤكد ما بداخل صدور الرجال‏!‏

اليهود ظنوا أنهم امتلكوا الدنيا وما عليها وبكل الغرور والصلف قرروا الاستيلاء علي مدينة بورفؤاد باعتبارها المدينة الوحيدة الواقعة شرق القناة وغير محتلة‏!.‏ قرروا ذلك عن قناعة بأن الجيش المنسحب أمامه شهور حتي يعيد تشكيله ولم يخطر علي بالهم أن المصريين في صدورهم نار تبحث عن ثقب إبرة تخرج منه للانتقام‏!.‏ لم يتصوروا أن القيادة العسكرية المصرية تضع نصب عينيها تأمين بورسعيد بالقوات الخاصة القادمة من سيناء وهناك كتائب صاعقة نجحت في العودة بعتادها وهناك وحدات دخلت في معارك طاحنة‏..‏ المهم أنه تم تأمين المدينة بوحدات خاصة وضمن هذا التأمين فصيلة من كتيبة صاعقة احتلت منطقة رأس العش باعتبارها المدخل الأوحد المؤدي إلي بورفؤاد من جهة القناة ومن يريد احتلالها لابد أن يمر علي جثث من يؤمنون رأس العش‏!‏

وجاءت اللحظة التي أرادها الله نقطة فصل في وقت نحن في أشد الحاجة فيه للفصل‏!‏

طابور مدرع أوله واضح للعين وآخره ممتد علي مدي النظر‏!.‏ مدرعات وعربات مجنزرة وحاملات جنود وسيارات بها منصات هاون وصواريخ‏!.‏ قوات تملك قوة نيران رهيبة وقادمة ربما لتضع التوقيع النهائي علي وثيقة الهزيمة وتسير في موازاة القناة علي مدق وسط أرض رخوة علي الجانبين لاتصلح لسير أي مركبات من أي نوع‏!‏

قوة النيران الهائلة القادمة للعدو‏..‏ في مواجهتها فصيلة صاعقة مصرية أي‏30‏ مقاتلا من أبطال الصاعقة بسلاحهم الشخصي ومعهم بعض الأسلحة المضادة للمركبات مثل الـ‏r.b.g‏ وما شابه‏..‏ وهذه الفصيلة الموجودة في الشرق تعاونها نقاط في الغرب بأعداد قليلة من الرجال لأن الموجود كتيبة واحدة والمطلوب منها واجبات كثيرة‏..‏ علي مساحة أرض كبيرة فماذا حدث؟

رجال الصاعقة الثلاثون احتلوا ما أمكن تجهيزه من نقاط دفاعية ولأن في صدورهم قلوبا لا تعرف الخوف‏..‏ ربضوا في مواقعهم القليلة كالأسود والطابور اليهودي المدرع يتقدم إلي أن دخل نطاق نيرانهم والصمت مستمر والطابور يتقدم إلي أن دخلت مقدمته وسط نقاطهم المموهة وصمت النيران مستمر وهذا أمر يتطلب شجاعة لا وصف لها‏..‏ وفي اللحظة المتفق عليها انفتحت أبواب جهنم علي طابور الصهاينة المدرع الذي توقف عن السير لأن مركبة القيادة باتت كتلة نار تحترق بمن داخلها من بشر وبما فيها من ذخيرة وعتاد‏!‏

المفاجأة لم تخطر علي بال الصهاينة‏..‏ المفاجأة التي أرعبتهم ليست إطلاق النار إنما الإمساك عن ضرب النار إلي أن أصبح الطابور المدرع في أيدي المصريين وهذا أمر يتطلب أعصابا فولاذية وشجاعة نادرة وقدرات قتالية فائقة‏!.‏ الذي حدث كان أول درس تعلمه الصهاينة من أول مواجهة حقيقية مع المصريين وفيها أدركوا أن المقاتلين المصريين ذكاؤهم خارق وقلوبهم في المعارك ميتة وشجاعتهم فائقة وخوفهم من الموت معدوم‏!.‏

الطابور المدرع حاول التقدم وفشل‏,‏ وطلب المعاونة والإمداد‏,‏ وأراد التقدم وفشل‏!.‏ الطابور المدرع ظل في معركة استمرت ليلة بأكملها وفي نهايتها انسحب أمام فصيلة صاعقة مصرية‏..‏ ولم يفكر الصهاينة بعدها في الاقتراب من رأس العش‏!.‏

هذه المعركة التي وقعت قبل أن يرحل يونيو‏1967..‏ كان الجيش المصري في أشد الحاجة إليها ليقطع الشك باليقين لنفسه وأمام نفسه بعد أن تسلل الشك إلي نفسه‏!.‏ هناك أوقات يحتاج فيها البشر إلي مثل هذه الأحداث‏,‏ ليس لأجل أن يعرف الغير‏,‏ إنما لكي نعرف نحن‏!.‏ جاءت معركة رأس العش في وقتها بالضبط‏,‏ لأجل ثقة لابد أن نستعيدها‏,‏ ولأجل مغالطة لابد من كشفها‏,‏ ولأجل حقيقة مطلوب توضيحها‏!.‏ جاءت لأجل أن نعرف نحن أننا جيش حرام أن يهزم وأنهم جيش قابل للقهر والهزيمة في أي وقت‏!.‏ جاءت رأس العش لتبرهن لنا علي أننا أقوياء‏,‏ وأننا علي حق‏,‏ وأننا نفكر أفضل منهم‏,‏ وأننا في منتهي الشجاعة وهم في منتهي الجبن‏,‏ لأننا ببساطة ندافع عن قضية وعن قناعة وعن أرض وعن عرض‏,‏ والموت عندنا أهون من خدش عرضنا ودهس أرضنا‏!.‏

عندما تأكدنا من قدرتنا علي الوقوف لهم والتغلب عليهم‏..‏ عندما شاهدنا بأنفسنا من نحن ومن هم في أول مواجهة‏..‏ عندما لمسنا هذه الحقيقة‏,‏ تحول الغضب الهائل في الصدور إلي قوة دفع رهيبة في التدريب والإعداد والاستعداد‏!.‏ الغضب الذي ينحر داخلنا بات قوة إيجابية هائلة فيها الإصرار وفيها العزيمة وفيها الانتماء وفيها الولاء وفيها النظام‏,‏ وكلها تعمل وتحلم بيوم حتما هو قادم‏!.‏

من رحم الهزيمة التي هي أسوأ هزيمة‏..‏ من قلب الإحباط واليأس والحزن والمرارة وفقدان الثقة نبتت بذرة الانتصار بعد معركة رأس العش‏..‏ نبتت لأن أرضنا طيبة وعفية وما حدث علي سطحها من دمار وانكسار لا يعني أن جوفها طاله الدمار‏!.‏

بدأ الإعداد والاستعداد علي مدي أيام لا عدد لها في مختلف الوحدات والقيادات‏..‏ في أنشاص عشت فيها تلك الأيام‏..‏ وهي قاعدة القوات الخاصة لم يكن هناك ليل ونهار‏,‏ إنما تدريبات بالغة القوة والقسوة وهدفها واضح ومعروف وهو تقديم مقاتل لا حل له أو معه لأنه اجتاز ضغوطا عصبية ونفسية وبدنية مستحيل أن يواجه واحدا علي مائة منها في حرب‏!.‏ مقاتل قدراته هائلة ومعنوياته هائلة وثقته في الله وفي نفسه هائلة‏,‏ وأي مهمة تسند إليه لا يثنيه عنها إلا الموت الذي هو أصلا لا يخشاه‏!.‏

المقاتل الذي ليس له حل الذي قدمته التدريبات الشاقة‏..‏ اليهود هم أول من تعرفوا عليه وانكووا بناره‏!.‏ منذ أن بدأت حرب الاستنزاف واليهود داخل سيناء في حالة رعب من عمليات الكوماندوز المصرية‏..‏ الكل عنده هاجس اسمه‏'‏ الكوماندوز المصريون‏'..‏ وهذا الهاجس ليس حكايات وهمية اخترعناها ونحكيها‏,‏ إنما هي عمليات وقعت خلف الخطوط‏,‏ وتخطت كل الاستحكامات من ألغام وأجهزة رؤية ليلية ومراقبة ووسائل إنذار‏..‏ تخطاها‏'‏ الكوماندوز المصريون‏'‏ في كل مرة وكل عملية ليفاجأ الصهاينة وهم نيام بأن المصريين فوق رءوسهم وأن معسكرهم تحول إلي جهنم‏,‏ وأنهم ما بين قتلي وجرحي وأسري‏!.‏ ما جعلهم يعيشون في رعب أن هذه العمليات الخاصة تتم علي كل أرض سيناء من كل الاتجاهات وفي قلب تمركز قواتهم‏..‏ تتم بعد اقتحام الكوماندوز المصريين للقناة كمانع مائي مليء بألغام وعليه حراسة وبعدها اجتياز الساتر الترابي المليء بالألغام ونقاط الإنذار‏,‏ ثم تخطي الكوماندور لخط‏'‏ بارليف‏'‏ الذي مفروض ألا يخترقه أي كائن حي يتحرك‏!.‏

عندما بدأت حرب استنزاف الصهاينة نفسيا وماديا وبشريا‏..‏ عرفوا وتأكدوا أنها حرب منظمة‏,‏ وليست عمليات فردية تلقائية وعندما واجهوا هذه الحقيقة توالت اعترافاتهم بقدرة وإمكانات‏'‏ الكوماندوز المصريين‏'‏ في عشرات التصريحات التي قيلت في معارك تبادل الاتهامات بين القادة الصهاينة‏,‏ والتي اعترفوا فيها بكفاءة المقاتلين المصريين‏,‏ وبالقدرات العالية جدا للقوات الخاصة في مختلف فروعها‏,‏ والتي يستحيل مواجهتها‏,‏ لأن المصريين لا يخافون الموت‏!.‏ ومن بين الاتهامات المتبادلة للقادة الصهاينة‏,‏ قولهم إن العمليات الخاصة التي تحدث ضد القوات الإسرائيلية المسئول عنها من بادر باستفزاز المصريين بعد حرب‏1967,‏ في إشارة إلي حكاية العربدة العسكرية التي قاموا بها علي ساحل البحر الأحمر‏,‏ لأجل دعايات سياسية‏..‏ فانقلبت عليهم دمارا وهي حكاية تستحق وقفة‏!‏

الوقت عام‏1968..‏ والجيش في حالة انشغال تام بالإعداد والتدريب‏,‏ ولا توجد علي خط المواجهة أي مبررات لأجل أي أعمال استفزازية علي الأقل من جهتنا‏,‏ لأن الوقت لم يحن بعد‏,‏ وأولي ثمار التدريب القاسي ستكون مع نهاية عام‏1968..‏ لكن اليهود لأسباب دعائية سياسيا‏,‏ بدأوا لعبة العربدة العسكرية‏,‏ لأن السماء مفتوحة لهم أكثر مما هي لنا‏,‏ وعندهم طائرات بلا عدد‏,‏ وعندهم دعم أمريكي سافل بلا سقف‏,‏ وعندهم كل ما يساعدهم علي العربدة‏..‏ فلماذا لا يفعلون‏,‏ خاصة إذا ما كانت هذه المغامرات تخدم لعبة الانتخابات والأمور السياسية الداخلية والخارجية‏!.‏

عندهم سفينتا إبرار الأولي‏'‏ بيت شيفع‏'‏ وتحمل مدرعات برمائية وأظنها ثماني إضافة إلي معدات أخري والثانية اسمها‏'‏ بات بام‏'‏ وهي أصلا سفينة تجارية قاموا بتحويلها إلي ناقلة جنود تحمل قوات خاصة إسرائيلية وأسلحتها المعاونة‏..‏ صدرت الأوامر لهما بالإنزال علي ساحل البحر الأحمر‏,‏ عند منطقة الزعفرانة‏,‏ وسرقوا رادارا وأسلحة وأسروا بعض المصريين‏,‏ وعادوا إلي ميناء إيلات‏,‏ وإسرائيل تستقبلهم استقبال الأبطال‏!.‏

هم الذين بدأوا‏..‏ والذي فعلوه مستحيل تجاهله‏..‏ واستفزازهم هو الذي دفعنا لرد الفعل‏..‏ ومن فضل الله أن الإعداد والاستعداد الشاق بدأ من نهاية الهزيمة‏,‏ وأن القوات الخاصة البحرية في حالة طوارئ تدريبية من أغسطس‏1967..‏ وعندما حدثت العربدة الصهيونية‏,‏ كانت هذه القوات الخاصة جاهزة‏,‏ وعندما صدرت الأوامر المصرية بشطب السفينتين‏'‏ بيت شيفع‏'‏ و‏'‏بات بام‏'‏ من الحياة‏..‏ كان رجال القوات الخاصة البحرية جاهزين لتدمير السفينتين‏!.‏

وخرجت أول عملية ضفادع بشرية هجومية إلي ميناء إيلات مكونة من ثلاث مجموعات ضفادع بشرية‏.‏ الأولي الملازم أول حسين جاويش والرقيب عادل الطراوي والثانية الملازم أول عمر عز الدين والرقيب العراقي والثالثة الملازم أول نبيل عبد الوهاب والرقيب فوزي البرقوقي‏,‏ ولأسباب دخلت الضفادع المصرية الميناء التجاري ودمرت سفينتين تجاريتين هما راماليا وهيدروما‏,‏ وقامت إسرائيل علي حيلها لأنها المرة الأولي التي تدخل فيها قوات مصرية إلي عمق إسرائيل‏,‏ والمرة الأولي التي تتم فيها عملية حربية علي أرض إسرائيل‏,‏ والمرة الأولي التي يكتشف فيها الجيش الذي لا يقهر أنه بالإمكان الوصول إليه حتي لو كان في إيلات‏!.‏

الدنيا مقلوبة في إسرائيل‏,‏ والكنيست استدعي الحكومة‏,‏ ووقف موشي ديان وزير الدفاع يتكلم وبكل غرور قال‏:‏ ما حدث حدث‏,‏ ومن اليوم لن تستطيع سمكة صغيرة أن تدخل إيلات‏!.‏ المهم أنهم اتخذوا قرارا يمنع مبيت أي سفن حربية في إيلات‏!.‏ تقف بالنهار في إيلات‏,‏ لكن الليل لا‏..‏ خوفا من الضفادع المصرية‏!.‏

وعادت العربدة الصهيونية أكثر مما كانت‏,‏ وقامت السفينتان بعملية أخري في جزيرة شدوان‏,‏ وتم الاستيلاء علي معدات وذخيرة من شدوان‏,‏ وراحت تفرغ الشحنة في إيلات‏..‏ ويشاء الله أن يقع انفجار وتصاب السفينة بأعطاب‏,‏ وتضطر إلي الوقوف في إيلات للإصلاح‏,‏ وتلتقط المخابرات المصرية الخبر‏,‏ والمركبتان تقفان للإصلاح في إيلات‏..‏ وها هي فرصة القضاء عليهما تلوح رغم وسائل الدفاع الرهيبة التي أقامها اليهود بعد ضرب ميناء إيلات التجاري‏!.‏

فات علي اليهود أو بمعني أدق نسي اليهود أن المصريين ليس لهم حل وأنهم لا ينسون أبدا حقا لهم‏,‏ وأن العربدة التي تمت في الزعفرانة وشدوان لها حساب ولها عقاب‏!.‏

صدرت التعليمات بتدمير السفينتين في قلب ميناء إيلات الحربي في عملية هي حياة أو موت بالنسبة لنا‏..‏ عملية لا تقبل إلا النجاح‏!.‏

الذهاب لتدمير إيلات‏..‏ عملية خطط لها واختار أبطالها اللواء محمود فهمي قائد البحرية‏.‏ اختار مجموعتين من الضفادع البشرية لتنفيذها‏,‏ الأولي مكونة من الملازم أول رامي عبدالعزيز والرقيب علي أبو ريشة‏,‏ والثانية الملازم أول عمرو البتانوني والرقيب فتحي محمد أحمد وتولي قيادة المجموعة الرائد مصطفي طاهر‏.‏

وجاءت ساعة‏'‏ الصفر‏'‏ للتحرك‏..‏ وسافر الرجال بمعداتهم إلي العراق في طائرة أنتينوف واستقبلهم في المطار أفراد من منظمة فتح وبدأت رحلة برية في الصحراء عبر المدقات والأودية وبعيدا عن الطرق الرئيسية وكل ذلك إمعانا في السرية خاصة أن الاستحكامات الصهيونية للدفاع عن ميناء إيلات وصلت ذروتها وأن موشي ديان بنفسه يتحدي أن تدخل المياه الإسرائيلية سمكة‏'‏ بسارية‏'‏ وفقا لتشبيهه ويقصد أن المياه الإسرائيلية وموانيها محرمة علي أي كائن حي غريب حتي ولو كان سمكة صغيرة جدا جدا‏!‏

الفدائيون ضفادع مصر البشرية الأربعة وصلوا حدود الأردن ودخلوها بمساعدة فدائي فتح وبدون أن تعرف السلطات الأردنية‏!‏

الفدائيون دخلوا عمان وكان في استقبالهم الرائد مصطفي طاهر قائد المجموعة والأستاذ علاء هاشم من السفارة المصرية‏..‏ وفي عمان قضوا‏24‏ ساعة بعدها توجهوا إلي العقبة ووصلوها في السادسة والنصف مساء‏5‏ فبراير‏1970‏ وفي منطقة مهجورة علي الساحل تمركزوا وأنزلوا معداتهم من السيارة وبدأوا في تجهيز الألغام استعدادا للحظة الانطلاق لتدمير إيلات وموعدها اختفاء القمر من السماء‏!‏

وفي الثامنة والثلث مساء‏5‏ فبراير‏1970‏ اختفي القمر من السماء ونزل الرجال إلي مياه العقبة الباردة جدا‏!‏
 
رد: مقالات الكاتب الكبير ابراهيم حجازي

خارج دائرة الضوء
ست سنوات فاصلة ثلثا مصر لم يعيشوها‏..‏
من رحم الهزيمة صنعنا أعظم انتصار‏..‏

بقلم‏:‏إبـراهيــــم حجـــــازي​

كل الآراء أجمعت علي أهمية إنتاج عمل سينمائي ضخم عن حرب أكتوبر‏1973 إجماع الآراء علي رأي هو في حد ذاته حدث متفرد وإشارة واضحة إلي أن العمل الذي اجتمع عليه المصريون‏..‏ هو عمل مهم‏!‏ الآراء مجتمعة من‏33‏ سنة علي أهمية إنتاج عمل سينمائي عن حرب أكتوبر يتناسب مع أعظم انتصارات أمة‏!‏ الآراء التي اجتمعت علي رأي‏..‏ وقفت عند حد الأمنيات والأحلام ولم تخط مترا واحدا لأجل تحويل حلم أمة إلي واقع‏!‏ الأيام تمر ومن عاشوا وعايشوا هذه الفترة الفاصلة في تاريخ الوطن يتناقصون ومن لم يروها يتزايدون‏!‏

الذين تمت ولادتهم في‏1973‏ أعمارهم الآن‏33‏ سنة ومن هم في هذه السن وأكبر بكام سنة لم يعايشوا السنوات الست التي انتهت بحرب أكتوبر‏!‏ معني الكلام أن كل من هم تحت سن الأربعين لم يعيشوا ويروا أهم سنوات مرت علي وطن من يوم الانكسار في‏1967‏ وحتي وقت الانتصار في‏1973 الذين لم يعيشوا ويروا ويتعرفوا علي هذه الملحمة العظيمة هم ثلثا تعداد مصر الآن وكل يوم يمر هذا العدد يزيد إلي أن تأتي سنة يكون فيها الشعب المصري كله ليس فيه مواطن واحد عاش هذه الفترة‏!‏ ثلثا تعداد مصر الآن حقهم أن يروا فيلما سينمائيا ضخما يسجل قصة السنوات الست التي بدأت بهزيمة وانتهت بانتصار‏!‏

السينما دورها هائل في ذلك‏..‏ وأمريكا غسلت مخ العالم بالسينما‏!‏ أمريكا أدخلت الرعب في قلوب العالم بأفلام السينما التي صورت الأمريكي علي أنه‏'‏ سوبرمان‏'‏ لا يعرف المستحيل ومستحيل أن ينهزم وأينما كنت سوف يطولك الأمريكي‏!‏ أفلام السينما الأمريكية جعلت العالم كله يصدق أنها دولة لا تنهزم وكيف تنهزم وفي أمريكا كل هؤلاء الأبطال وهذه البطولات التي قدمتها لنا السينما الأمريكية في أعمال ضخمة جدا‏!‏ أفلام السينما الأمريكية جعلتنا نصدق أنهم دولة لا تنهزم بينما الواقع يقول إن أمريكا ما دخلت حربا وانتصرت فيها ولا مواجهة وكسبت منها‏..‏ واسألوا فيتنام والصومال والعراق‏!‏

في حالتنا الوضع مختلف لأننا من رحم الهزيمة صنعنا أعظم انتصار في تاريخ أمة‏..‏ وحق ثلثي الوطن الآن وكل الوطن بعد الآن‏..‏ أن يعرفوا ما حدث من‏39‏ سنة وما تم قبل‏33‏ سنة‏!‏ حقهم أن يظهر هذا العمل السينمائي الضخم الآن وليس بعد الآن ليشاهدوه ويحفظـــوه ويحافظوا عليه ليتركــــوه لأبنائهم وأحفــــادهم كأعظم ميـــراث لأعظم أبطـــال وبطـــولات وملاحـــم شـــرف وشجاعة وولاء وانتمـــاء وانتصــــار‏!‏

**‏ مكالمات تليفونية ورسائل إلكترونية تلقيتها الأسبوع الماضي وكلها تناولت ما كتبته عن حرب أكتوبر وكلها تطالب بالمزيد من الكتابة عن هذه الفترة وكلها حملتني أمانة أن أكتب عن أهمية إنتاج فيلم عن أكتوبر وأن أستمر في الكتابة عن الأبطال والبطولات‏..‏ وقد هزتني مكالمة لشاب من حماسته وانفعاله نسي أن يذكر لي اسمه وقال لي‏:‏ إن الشباب أصبح محاطا من كل جهة بمناخ تيئيسي مظلم ليس فيه نقطة واحدة مضيئة وأن الأغلببية العظمي من الشباب فقدوا الثقة في أي شيء وأنه شخصيا في حالة انبهار من أن هذه البطولات حدثت وأن من قاموا بها مصريون‏!.‏ وأضاف أن أغلب الشباب لا يعرف حاجة عن حرب أكتوبر وكل معلوماته عنها بضع أغنيات تذاع كل سنة وأنه حرام ألا يعرف شباب مصر قصص أبطاله‏!.‏ وطلب ألا أتوقف عن الكتابة عن حرب أكتوبر لأنها حق أجيال لا تعرف شيئا عن حرب أكتوبر‏!‏

وأنا أشكر كل من تحمل عناء الاتصال بي أو الإرسال لي وأري كلامهم تكليفا بل تشريفا لي وأسأل الله أن يعينني علي ذلك لأنني في الحقيقة أواجه مشكلة في الكتابة عن حرب أكتوبر وهي عدم توفر المعلومات الدقيقة عن قصص الأبطال وملاحم الشجاعة وعندما حاولت أن أبحث بنفسي عن الأبطال أصحاب البطولات وجدتها مسألة صعبة جدا حيث لا توجد معلومات عن عناوين أو حتي أسماء‏..‏ وعلي كل حال أتعهد هنا بأنني لن أتوقف عن الكتابة في حرب أكتوبر وأستسمحكم في بعض الوقت أستأنف فيه محاولاتي للقاء أبطال وللوصول إلي الوثائق التي فيها تسجيل للبطولات‏!‏

...................................................‏
‏**‏ لماذا تكتب ثانية عن عملية إيلات بينما هناك عمليات كثيرة جدا وكلها بطولات رائعة جدا ومن مختلف تخصصات القوات المسلحة؟‏.‏ هذا السؤال جاء ضمن ما تلقيته من أسئلة يوم الجمعة الماضي‏..‏ وهو في الواقع سؤال منطقي‏..‏ لماذا لا أكتب عن الجديد من البطولات خاصة أن منها ما لم يذكره أحد من قبل؟

وإجابتي التي قلتها وأقولها أنني أتمني أن أكتب كل يوم عن بطولة وعن سلاح وعن أبطال‏!.‏ أتمني ذلك لكن العين بصيرة واليد قصيرة وما أتمناه لم أتمكن للآن من تحقيقه لأنه لا توجد تحت يدي معلومات ولا حتي عناوين أبطال لكني أعتقد أن لهذه المشكلة بالتأكيد حلا وهو أقرب مما أتصور‏!.‏ أما الذي دفعني للكتابة ثانية عن عملية إيلات فهو أمر مهم يبرهن علي جوهر ما كتبته الأسبوع الماضي والذي يدور حول مفهوم محدد‏..‏ لا نجاح بدون جهد ولا انتصار بدون فكر وإعداد وعرق وجهد وكلما زادت جدية الإعداد وزاد التعب ارتفعت قامة الانتصارات‏..‏ وهذا ما حدث علي أرض الواقع عقب هزيمة‏1967‏ والتي كانت قاع الانحدار ولا يوجد أسوأ مما كنا عليه معنويا وتدريبيا وتسليحا ومن هذا الوضع الذي هو الأسوأ علي الإطلاق بدأ جيش مصر الإعداد والاستعداد وسط ظروف مستحيلة كلها تؤكد أنه لا قائمة لهذا الجيش ولا بعد سنين وهذه الحقيقة هي ما كان العدو يعرفها وهي التي جعلته يزداد غرورا علي غروره وغطرسة علي غطرسته‏!.‏ ونفس الحقيقة هي ما جعلها المصريون جبل التحدي الذي لابد أن يتسلقوه ويعتلوا قمته ويجلسوا عليها ويتمسكوا بها‏!‏

الذي كتبته الأسبوع الماضي أردت به توضيح حقيقة تاهت منا عبر السنين وكدنا ننساها رغم أنها أهم ما في هذا الانتصار‏..‏ حقيقة أننا من رحم الهزيمة صنعنا انتصارا‏..‏ حقيقة أننا فعلنا ذلك بفكر وتخطيط وتنفيذ دقيق وصرامة بالغة وتدريب رائع وإعداد هائل وإيمان مطلق‏!.‏ حقيقة ألا نجعل لليأس ثقب إبرة ينفذ منه إلينا‏!.‏ حقيقة أنه مهما تعقدت الأمور وتزايدت المشكلات وأظلمت الدنيا‏..‏ بإمكاننا تحويل الظلام إلي نور والمشكلات إلي حلول‏..‏ بإمكاننا التقدم وبإمكاننا أن نضع مصر في المكانة التي تليق بها‏..‏ في إمكاننا كل ذلك ونملك مقومات تحقيق ذلك بشرط‏!‏

أن نستدعي الإرادة والعزيمة وتتلاقي قوانا علي قبضة واحدة ونحدد أهدافنا ونعمل ونعرق ونجتهد وبالتأكيد وقتها سننجح‏!‏

أردت أن أتوقف عند هذه الحقيقة ليعرفها الشباب‏..‏ يعرف أن الأمنيات والأحلام قابلة للتحقيق بالفكر والجهد والمثابرة والإيمان‏!.‏ يعرف الشباب أن النجاح مرتبط بالجهد والعمل والإصرار وليس بالكلام والشعارات والواسطة والمحسوبية‏!.‏ أردت أن أنقل الشباب إلي هذه الفترة الزمنية التي كانت نقطة فصل في حياة وطن‏..‏ إما أن ننتصر ونسترد أرضنا وعرضنا وإما أن يبقي الانكسار وتبقي الهزيمة ويبقي العار ويبقي العدو بوجهه القبيح يطل علينا من الشرق بطول قناة السويس‏!‏

هذا هو حالنا أعقاب‏1967..‏ هزيمة ومرارة ويأس وفقدان ثقة وخجل وعدو كله ثقة وكله غرور وكل الدنيا وراءه وأشقاء حولنا كلهم يقولون ما لا يضمرون ويعيشون لحظات تشف لا مثيل لها‏!.‏ أردت أن يري الشباب الصورة المظلمة وقتها ويعرف أنه طالما في الصدور قلوب تنبض فالمستحيل وهم لا يراه إلا الضعفاء والجبناء‏!.‏ أردت للشباب معرفة أن الشيء الوحيد الذي لا يستطيع الإنسان التغلب عليه هو الموت وفيما عداه يمكن أن نحقق أي شيء وكل شيء طالما هناك إرادة وفكر وجهد وقلوب لا تخاف وهذا ما حدث وهذا ما حققه جيش مصر في مختلف الوحدات بانضباط هائل وجهد خرافي وتدريب وإعداد واستعداد لحرب هي قادمة‏!.‏ شرحت للشباب كيف كان الإعداد في القوات الخاصة التي ليس فيها ليل ولا نهار إنما تدريب متواصل وضغوط رهيبة من يتحملها لابد أن ينتصر علي أي عدو‏..‏ وهذا ما حدث في حرب الاستنزاف وفي حرب‏1973!‏

وهذا ما حدث في عملية إيلات التي كتبت من قبل عنها وعدت للكتابة فيها لأنها نموذج يوضح للشباب أن قمة النجاح جاءت من قمة الإعداد والاستعداد وعملية إيلات هي في الواقع قمة في النجاح لأن المصريين يضربون عمق إسرائيل ويحققون أهدافهم ويدمرون هدفين عربدا كثيرا في المياه المصرية وكل ذلك بعد‏32‏ شهرا من هزيمة‏1967‏ التي ظن العالم كله أن مصر ماتت بعدها‏!‏

أردت أن يعرف الشباب ويقتنع الشباب ويثق الشباب بأن بإمكانه أن يحقق أي هدف شرط أن يثق في نفسه وفي قدراته وأن يعمل ولا يتكلم وهذا ما تم في عملية إيلات التي سبقها إعداد واستعداد اقترب من السنوات الثلاث في القوات البحرية التي أنشأت الوحدات الخاصة البحرية لأجل أن تكون القوات البحرية جاهزة لتنفيذ أي مهام خاصة تكلف بها‏..‏

ولولا قسوة التدريب ولولا الضغوط النفسية الهائلة في التدريب ولولا الجدية ولولا الولاء والانتماء ولولا القلوب التي لا تخاف ما نجحت الضفادع البشرية المصرية الهجومية في دخول ميناء إيلات أربع مرات دون أن يكتشفها العدو وهو حدث لم يحدث في تاريخ الضفادع البشرية بالعالم حيث جري العرف أن المكان الذي يدخله ضفدع بشري ويقوم فيه بعملية تلغيم وتدمير أو حتي استطلاع ويكتشف أمر دخوله‏..‏ مستحيل أن يعود ثانية له لأن الدخول انكشف وبالتأكيد أن العدو سيتخذ الإجراءات التي تحول دون دخول ضفدع مرة ثانية لهذا المكان‏..‏ لكن لا اليهود فعلوا ولا المصريون توقفوا ولذلك ميناء إيلات اليهودي التجاري والحربي استبيح لضفادع مصر البشرية التي دمرت مركبتين تجاريتين في أول عملية فدائية تتم داخل إسرائيل

وبعدها جاءت إيلات‏2‏ التي دمرت ميناء إيلات العسكري ودمرت ناقلة الدبابات وناقلة الجنود والأهم أنها وضعت الغرور الإسرائيلي تحت حذاء العسكرية المصرية‏!‏ كتبت عن عملية إيلات مرة ثانية لأنها قصة شجاعة خارقة هي نتاج ثلاث سنوات من استعداد وإعداد وتدريب داخل القوات الخاصة البحرية وفي هذا تأكيد علي أن النجاح وراءه جهد وأن قمة النجاح لابد أن يكون خلفها قمة إعداد وقمة استعداد وقمة جهد وقمة انتماء وقمة ولاء‏!‏

بعد ثلث قرن سنواته كادت تطوي الانتصار‏..‏ أردت أن يثق الشباب في أن داخله قدرات تمكنه من النجاح والمهم أن يعرف هذا والأهم أن يعمل ويجتهد ويصبر لأن النجاح وقوده جهد وعرق وثقة ومثابرة‏!‏

كتبت عن عملية إيلات الثانية وعدت للكتابة فيها يوم الجمعة الماضي وسأعود لها فيما بعد لأنها العملية الوحيدة التي تحت يدي أوراقها بتفاصيل لا يعرفها مخلوق وبخط يد بطليها رامي عبد العزيز وعمرو البتانوني ومطلبهما أن تصدر هذه المذكرات في كتاب يحكي الحكاية الحقيقية الدقيقة لعملية إيلات الثانية أو الطريق الصحيح إلي إيلات كما أطلق عليها رامي عبد العزيز في مذكراته‏!‏

بإذن الله ترون قريبا الكتاب في حلقات منشورا في‏'‏ الأهرام الرياضي‏'‏ وبعدها تصدر مجتمعة في كتاب يبقي شاهدا علي عظمة المصريين الذين صنعوا أعظم انتصار من أقسي هزيمة‏!‏​
 
رد: مقالات الكاتب الكبير ابراهيم حجازي

أنه شباب عظيم‏..‏ وقت كان جيش مصر يتسابق لمواجهة الموت‏!‏
بقلم‏:‏ إبـراهيــــم حجـــــازي


**‏ أنا أعرف من سنين طويلة اللواء أحمد تحسين كواحد من أسرة الإسكواش‏..‏ عضوا بالاتحاد المصري وأمينا عاما للاتحاد العربي للإسكواش‏..‏ أعرفه بصفته الرياضية وكل معلوماتي عن خلفيته العسكرية أنه ضابط مهندس سكندري وأكثر من ذلك لا أعرف رغم تلاقينا في مناسبات كثيرة‏..‏ لا هو فيها تكلم ولا أنا سألت‏..‏ إلي أن فوجئت‏!‏

فوجئت وأنا أكتب عن أكتوبر وبطولاته وأبطاله بأن أحمد تحسين الذي أعرفه كواحد من أسرة الإدارة الرياضية في مصر هو نفسه ذلك الضابط الشاب وقت انتقائه للقيام بمهمة في الشرق‏..‏ شرق القناة تتطلب مواصفات خاصة منها الإجادة التامة للسباحة واللياقة البدنية العالية والثقة والهدوء‏..‏ وما إن تحدد اختياره للمهمة حتي بدأ تلقينه طبيعة مهمته المطلوب منه تنفيذها‏!‏

ولكي نتعرف علي هذه العملية المرتقبة لابد أن نعرف أن العدو كان قد قام بعدة عمليات القصد منها إنزال الرعب في قلوب المصريين في الفترة من منتصف‏1971‏ وحتي نهاية عام‏1972‏ ليفاجئ العدو المصريين في أي عملية بأن قناة السويس كلها مشتعلة وكأن مياهها بترول‏!‏

الصهاينة أقاموا ضمن ما أقاموا علي الضفة الشرقية للقناة من أمور تعجيز وتيئيس للمصريين‏..‏ أقاموا خلف الساتر الترابي مستودعات نابالم والذي لا يعرف النابالم نقول له إنها مادة حارقة بالغة السرعة في الاشتعال‏!.‏ أقاموا مستودعات للنابالم خرجت منها شبكة مواسير تخترق الساتر الترابي وتغطي سطح القناة في مساحات عريضة وكل فترة يقوم الصهاينة بعمل تجربة القصد منها التخويف والترويع والتيئيس لكل من يفكر في أن يقترب من مياه القناة التي في ثانية تتحول إلي نار الله الموقدة‏!.‏

فعلها اليهود أكثر من مرة وفي كل مرة القيادة المصرية يزداد يقينها بحتمية منع هذا النابالم من الوصول إلي مياه القناة مع بدء العمليات التي يبدأ معها طوفان تحرير سيناء‏!.‏

نحن الآن في عام‏1973‏ وعلي وجه التحديد في شهر يوليو وفي قطاع الجيش الثالث بنقطة كبريت وداخل الفرقة السابعة مشاة في قطاع اللواء‏12‏ مشاة الذي يوجد في مواجهة قاعدة نابالم علي الجهة الأخري والتعليمات وصلت لأجل دفع دورية لاستطلاع تلك الحدوتة التي تحيل مياه القناة إلي جهنم الحمراء‏!.‏

وما إن عرف الضباط بأمر الدورية حتي بدأت الخناقات‏!.‏

نعم خناقات لأجل نيل شرف القيام بعملية خلف خطوط العدو‏!.‏ والله العظيم كانت تقوم خناقات وأنا شخصيا عشت وعايشت وشاركت في ذلك وقت تمركز إحدي وحدات المظلات في وادي العشرة وجاءت تعليمات بدفع أربع دوريات من المظلات لمهام خلف خطوط العدو في الثغرة وكانت خناقة لرب السماء لأن ضباط اللواء كلهم يريدون الذهاب والرائد جميل حماد رئيس استطلاع اللواء في حيرة وما كان يحتار أبدا لأن هذا الرجل شخصيا حدوتة شجاعة متحركة سوف أكتب عنها بالتفصيل وقت أن قام بدورية خلف خطوط العدو في سيناء استمرت عدة شهور وتلك حكاية ستعرفون تفاصيلها قريبا‏!.‏

القصد من كلامي أن الكل في هذا الوقت يتسابق لأجل أي مهمة فيها مواجهة مع العدو أو اشتباك مع العدو‏..‏ الكل داخله غضب وحماسة ورغبة ثأر‏..‏ الكل لا يعنيه أي مخاطر لأنه من الأصل لا يعنيه الموت ولا يخاف الموت‏!.‏

ما إن عرف الضباط في اللواء‏12‏ مشاة بأمر المهمة الجديدة حتي بدأ الخناق قبل أن يعرفوا التفاصيل لأن كل واحد منهم يريد أن يذهب إلي الشرق حيث العدو‏!.‏ بدأ الخناق وانتهي تقريبا في نفس الوقت لأن هذه الدورية تتطلب فيمن يقوم بها إتقان السباحة تماما لأن المطلوب ألا تخرج نقطة مياه من ضربة يد في القناة‏!.‏ لا صوت يخرج من المياه‏!.‏ مطلوب من ينزل إلي المياه ويخرج منها ولا تسمع له همسة‏!.‏

المهم تم اختيار قائد سرية مهندسين اللواء‏12‏ مشاة وهو النقيب أحمد تحسين السيد عنبر ومعه جندي مؤهلات متوسطة إبراهيم خضير وهو من بورسعيد وهو يمتلك نفس الإمكانات‏!.‏

انتهي الإعداد للدورية وتحددت ساعة الصفر في الثانية عشرة ليلا وفيها نزل النقيب أحمد تحسين والجندي إبراهيم خضير إلي الماء بحذر بالغ وبدأ كلاهما التحرك وعينه علي زميله وعلي ألا يجرفه المد أو الجزر وعلي ألا يصدر عنه صوت واستمرا يتقدمان في حذر إلي أن وصلا إلي الشاطئ الآخر وخرجا من الماء في هدوء وأخذا يتسلقان الساتر الترابي إلي أن وصلا إلي قمته وفي مثل هذه العمليات التي يضطر فيها المقاتل إلي صعود تبة عالية عليه الحذر من ألا يقف علي قمتها لأنه سيكون علي خط السماء ويمكن للعدو رصده ورؤيته بمنتهي السهولة لأنه في أعلي نقطة ومكشوف من كل الجهات ومهما كانت ظلمة الليل فإنه سيظهر جسمه نقطة معتمة وسط سماء صافية لذلك كان علي البطلين بمجرد أن وصلا إلي القمة أن يتحركا من الوضع زاحفا إلي أن يهبطا إلي الجهة الأخري للساتر‏!.‏

وبدأ النقيب أحمد تحسين في تنفيذ مهمته باستطلاع مستودعات النابالم ومعرفة أسلوب عملها وحجم السائل الموجود داخل كل مستودع وأمور فنية مختلفة مطلوب أن يراها ويفهمها وهذا ما جعله يمشي خطوة بخطوة مع الأنبوبة الخارجة من المستودع تجاه الساتر الترابي والتي جزء منها مكشوف والأغلبية مدفونة تحت الرمال وهذا ما دفعه إلي كشف الرمال عنها إلي أن وجد وصلة كاوتش تأخذ من الماسورة الرئيسية القادمة من الخزان وتتفرع إلي عدة وصلات مرتبطة بمواسير فرعية تختفي داخل الساتر وتخرج فوهاتها علي سطح القناة‏!.‏ هذه الوصلة الكاوتشوك ما إن رآها وبدون أن يفكر أو حتي يتردد أخرج السونكي وأخذ يمزق الكاوتش إلي أن قطع هذه الوصلة الكاوتشوك وأصبحت الماسورة الرئيسية غير مرتبطة بالمواسير الفرعية وأخذ معه ما قطعه من هذه الوصلة ثم قام بردم الماسورة ومكان الوصلة بالرمال وكأن شيئا لم يحدث‏!.‏

الوقت يقترب من الرابعة صباحا وبدأ النقيب أحمد تحسين في الانسحاب من الموقع بعدما أنجز مهمته ومهم هنا أن يموه آثار الأقدام علي الرمال وتلك مسألة صعبة عندما يكون الأمر فيه تسلق وهبوط من ساتر ترابي عال‏!..‏ وما فعلوه علي الساتر جهة الشرق فعلوه علي الساتر في جهة الغرب إلي أن وصلا إلي سطح القناة وبنفس الحذر نزلا إلي المياه وبنفس الحذر كانت طريقة العوم لأن النجاح الحقيقي للمهمة هو ألا يكتشف العدو أن دورية كانت علي أرضه‏!.‏

مثل هذه الدوريات التي تتم خلف خطوط العدو أو إلي نقاط العدو لأجل الحصول علي معلومات‏..‏ أغلبها يكون التسليح الشخصي فيها سلاحا أبيض لأن الهدف الأساسي هو ألا يعرف العدو أن موقعه تم الوصول إليه ولذلك لا يحمل أفراد الدورية سلاحا حرصا علي ألا تخرج طلقة تفسد كل شيء‏..‏ وحتي لو كان جندي أو أكثر من العدو في متناول الدورية فالأوامر تمنع قتلهم أو حتي أسرهم لأنها دورية معلومات ولكي تبقي للمعلومة التي تم الحصول عليها قيمة لابد أن يجهل العدو أن المصريين وصلوا إليه‏!.‏

الذي أريد توصيله هنا إلي شبابنا أن مصر المحروسة في سنوات حرب الاستنزاف وفي حرب أكتوبر عاشت وعايشت أعظم الفترات في تاريخها حيث شبابها ورجالها يضعون أرواحهم علي أيديهم لأجل وطن‏!.‏ لا أحد يفكر في نفسه ولا أحد يعمل لنفسه‏!.‏ آلاف الرجال لا عزيز لهم ولا عليهم إلا الوطن وفيما عداه لا قيمة أو معني له في سبيل تحرير تراب الوطن من هؤلاء الكلاب‏!.‏

الذي أريد تأكيده لشبابنا اليوم أن الشجاعة وروح الفداء والانتماء والبسالة والجرأة التي كانت عنوانا لهذه السنوات‏..‏ هذه الشجاعة لم تهجر مصر ولم تمت وهي موجودة كامنة في صدور شبابنا الذي لا يعرف هو ولا نعرف نحن أنها داخله وكيف يعرف ونعرف وسط مناخ الهلس الذي أحطنا به شبابنا العظيم‏!.‏

الذي أريد قوله وهذه المرة للكبار‏..‏ أعطوا الشباب فرصة أن يثبت نفسه ويظهر انتماءه لأنني علي يقين لا يقبل أي شك أن هذا الشباب الذي تلاحقه الاتهامات‏..‏ داخله نفس الثقة ونفس الشجاعة ونفس الانتماء ونفس الرجولة ولو كان موجودا في سنوات الاستنزاف وحرب أكتوبر لرأينا فيه ومنه إبراهيم الرفاعي آخر ومجموعة‏39‏ أخري وأبطال صاعقة وأبطال مظلات وأبطال بحرية وأبطال مدرعات وأبطال طيران وأبطال استطلاع وأبطال دفاع جوي وأبطال مشاة وأبطــــال مهندسين عسكريين‏!‏

وللحديث بقية مادام في العمر بقية
 
رد: مقالات الكاتب الكبير ابراهيم حجازي

.
.............................................................‏
‏**‏ نحن في شهر نوفمبر وهذا الشهر يحمل لرجال البحرية المصرية عموما ولقواتها الخاصة تحديدا ذكري أظنها لا تنسي بالنسبة لهم والمفروض لنا وأعتقد أننا في أشد الحاجة إلي تذكرها وتذكر كل الأعمال المجيدة الرائعة التي قام بها جيش مصر بمختلف أسلحته ووحداته من معركة رأس العش في أواخر يونيو‏1967‏ وحتي حرب أكتوبر‏1973‏ وما بين التاريخين من أعمال بطولية فذة ميزتها الشجاعة الفائقة النادرة التي هي واحدة من أهم سمات المقاتل المصري‏!‏

نحن في أشد الحاجة الآن من أي وقت مضي لتذكر هؤلاء الأبطال وهذه البطولات لأجل التصدي لطوفان التيئيس الذي يريدون إغراق شباب مصر فيه‏!.‏ يحيطون الشباب من كل جهة بطوفان إحباط وتيئيس وتأكيد علي أن الفساد ابتلع كل ماهو علي أرض المحروسة كما جاء في مسلسل أذاعه تليفزيون مصر العربية في شهر رمضان الماضي أوصلنا في نهايته إلي أن الفساد هو نهاية كل الطرق في مصر‏..‏ والذي انتهي إليه المسلسل غير حقيقي لأنه إذا كان في مصر حرامية وفساد فإنه أيضا في مصر شرفاء وفي مصر نقاء‏!‏

أقول للذين يريدونها ظلاما في ظلام إنه لم تمر علي مصر المحروسة أوقات يأس وإحباط ومرارة وفقدان للأمل مثل تلك الفترة التي مرت عليها عقب هزيمة‏1967‏ التي شهدت أكبر هزيمة يمكن أن تلحق بجيش وشهدت انكسارا لحلم وطن بأكمله وعاشت أياما سوادها الحالك لا ينبئ بأنه سيطل عليه نهار‏!‏

لكن الظلام تبدد أمام معادن الرجال‏..‏ رجال القوات المسلحة الذين حولوا اليأس إلي أمل والإحباط إلي إصرار والانكسار إلي قوة والخوف إلي شجاعة وهذه عبقرية المقاتل المصري الذي وضع الثأر هدفا من داخل رحم اليأس والإحباط وبدأ رحلة الحياة من قلب مدافن الهزيمة‏..‏ بدأ مشوار الكبرياء والشموخ والعزة والكرامة من أسوأ مراحل الانكسار والمهانة والسقوط‏..‏ من هزيمة يونيو‏1967.‏

عبقرية العسكرية المصرية أنها من قلب أسوأ هزيمة صنعت أعظم انتصار وهذا الأمر تحقق لأننا نهضنا من الهزيمة المرة بسرعة لم يستوعبها خبراء العسكرية في العالم ولم يفهمها العدو حيث ظن الجميع أن مصر وقعت وستطول وقعتها ونومتها لأنها ليست مجرد هزيمة عسكرية في موقعة إنما هي انكسار بلد بأكمله‏!.‏ هذا ما كانوا علي يقين منه وهم علي حق في يقينهم لأن ما حدث يجعل أي بلد في الدنيا يرقد وتطول رقدته وربما لا يقوم علي حيله ثانية‏!‏

عبقرية رجال العسكرية المصرية أنهم لم يتركوا أيام يونيو‏1967‏ تمر وتطوي معها شهر الهزيمة دون أن يثبتوا لأنفسهم أنهم مازالوا أحياء وأنهم قادرون علي حمل السلاح وأنهم قادرون علي مواجهة العدو وأنهم قادرون علي حماية الأرض والأرض عرض وشرف وكرامة‏..‏ لذلك اختارت العسكرية المصرية التصدي والمواجهة لا التراجع والمواربة في معركة رأس العش التي كانت أول مواجهة حقيقية بين المقاتل المصري والصهاينة حيث لم تحدث هذه المواجهة في حرب‏1948‏ ولم تحدث في‏1956‏ ولم تحدث في‏1967‏ وحدثت في أواخر يونيو‏1967‏ عندما أراد اليهود احتلال مدينة بور فؤاد الموجودة شرق القناة وراحوا لها بطابور مدرع له أول وصعب أن تري عيناك آخره وفيه كل أنواع الأسلحة تتحرك علي مدرعات وسيارات مصفحة وهذا الطابور يتحرك بموازاة القناة وهو يعلم أن طريقه خال لتأكده من أن إعادة تشكيل وحدات الجيش المصري بعد الانسحاب من سيناء والهزيمة تحتاج إلي شهور‏..‏ إلا أنه فوجئ عند نقطة رأس العش بأبواب جهنم تنفتح عليه من كثافة النيران ومن شجاعة الرجال المتشبثين بمواقعهم لتدور واحدة من أروع المعارك التي شهدت شجاعة لم ترها حرب من قبل في أي مكان في العالم لأنها بين فصيلة صاعقة مصرية بأس
لحتهم الخفيفة وبين طابور مدرع مدعم بكل أنواع الأسلحة‏!.‏ مواجهة استمرت فوق الـ‏14‏ ساعة وفي نهايتها انسحب الصهاينة وانسحابهم سجل أول هزيمة لهم في أول مواجهة لنا وعرفنا نحن وعرفوا هم حقيقة ساطعة كشمس أغسطس‏..‏ مصر مستحيل أن ترقد‏!‏

عبقرية العسكرية المصرية أنها نفضت عن جسدها تراب الهزيمة بعد أيام من إسدال الستار علي أسوأ هزيمة وتلك المسألة جعلت الأماني ممكنة والأحلام مشروعة واحتمالات المواجهة الشاملة والانتصار قائمة وبها ومعها بدأ الظلام يتبدد واليأس يتراجع وبدأ التخطيط ليوم هو قادم وأقصد حرب أكتوبر والاستنزاف لقدرات العدو النفسية والعسكرية والاقتصادية‏!.‏ وأيضا بدأت من جهتهم حرب التيئيس والإحباط مستخدمين فيها ماكينة إعلامهم العالمية الجبارة وترسانة أسلحة متطورة لا تنقص منها طلقة لأن أمريكا أقامت جسرا جويا يحمل إليها السلاح ابتداء من طلقات الرشاش نصف البوصة وحتي الدبابة‏!‏

الصهاينة جاءت صدمتهم مفجعة بعد رأس العش لأنها لم تكن مجرد معركة علي نقطة قوية بل صراع إرادات مصرية ــ صهيونية وفيها انتصرت الإرادة المصرية وانتصارها رسالة للصهاينة بأن المصريين خسروا حربا لكنهم مازالوا أحياء وفي صدورهم قلوب تنبض وسوف يقاتلون لأجل الانتصار أو الاستشهاد‏!.‏

الصهاينة أمام هذه الرسالة ردوا علي طريقتهم بحرب تيئيس هدفها نزع الثقة من قلوب وعقول المصريين‏..‏ ثقتهم في جيشهم جيش مصر من خلال عمليات عسكرية صهيونية هدفها رفع معنوياتهم بإثبات أن أيديهم تطول أي مكان في مصر وبالتالي قتل معنويات شعب يري أرضه مستباحة وجيشه عاجزا عن حمايتها‏!.‏

الصهاينة أرادوا إجهاض كل ما يهدف إلي استعادة المصريين للثقة‏..‏ لذلك خططوا لعملية دعائية نشروها في العالم كله ليثبتوا أن المصريين ماتوا ولم يعد في مقدورهم الدفاع عن أرضهم التي هي عرضهم‏!.‏

يوم‏8‏ سبتمبر‏1968‏ قاموا بعملية إبرار بحري أي إنزال للدبابات والسيارات المدرعة والجنود علي شاطئ البحر الأحمر في منطقة الزعفرانة بواسطة سفينة اسمها بيت شفع وهي حاملة دبابات وبإمكانها حمل‏8‏ دبابات برمائية ومعها بضع عربات مدرعة برمائية ومع سفينة الدبابات السفينة بات يام وهي ناقلة جنود وفي هذه العملية كان علي متنها جنود صاعقة صهاينة وفي هذا اليوم قامت السفينتان تحت غطاء مكثف للطيران الإسرائيلي بعملية إبرار ليقوموا بإغارة علي موقع للرادار قريب من الزعفرانة بواسطة سبع دبابات وثلاث مدرعات وتمكنت من الاستيلاء علي الرادار ونقله إلي ميناء إيلات وسط تغطية إعلامية عالمية هائلة للعملية التي أطلقوا عليها عملية غزو مصر‏..‏ وهي حدوتة من أولها لآخرها تهدف إلي تيئيس وإحباط المصريين لدفعهم إلي أن يقبلوا الواقع أي الهزيمة ويصرفوا النظر عن فكرة المواجهة‏!.‏

هل هناك إحباط أكثر من هذا ومع ذلك تعالوا نعرف كيف يتصرف الرجال وقت الشدة وكيف تكون معادن الرجال في مواجهة طوفان التيئيس والإحباط والمرارة‏!.‏

في هذا التوقيت العين بصيرة واليد قصيرة‏!.‏ القوات المسلحة في حالة إعادة البناء والموجود من عتاد لا يقدر علي ضرب السفينتين في عرض البحر لأنهما لا تتحركان مترا واحدا بدون حماية الطيران ونحن فقدنا أغلب سلاحنا الجوي وهو رابض في المطارات ولا أحد في العالم يريد أن يعطينا في هذا التوقيت بندقية واحدة وليس طائرة‏!.‏ والحل؟

قائد القوات البحرية وقتها اللواء محمود فهمي اقترح علي المجلس الأعلي للقوات المسلحة أن تتولي القوات البحرية الرد والعين بالعين والرد والانتقام سيكونان هناك في قلب إسرائيل لأجل أن تكون أول عملية عسكرية داخل إسرائيل ليعرفوا أن ذراعنا أطول وأقوي مما يظنون‏!.‏

وبدأ التخطيط لأول غارة علي ميناء إيلات الصهيوني ولعله الميناء الوحيد في العالم أو الهدف البحري الوحيد الذي دخلته الضفادع البشرية ثلاث مرات بثلاث عمليات علي التوالي وذلك بالخروج عن المعروف والمألوف في عمليات الضفادع البشرية التي لا تدخل مكانا سبق لها أن دخلته وقامت بتفجيره باعتبار أن وسائل التأمين بعدها تكون كافية لكشف وتدمير أي ضفادع بشرية قادمين‏..‏ لكن هذا المألوف والمعروف والذي يدرس في كل المعاهد العسكرية في الدنيا لم تلتزم به القوات الخاصة البحرية المصرية ورجالها الفدائيون وحطموا كل القواعد وأثبتوا للعالم كله أن الشجاعة والانتماء والرجولة والشهامة فوق كل النظريات العسكرية

وأغاروا علي إيــــلات في‏15‏ و‏16‏ نوفمبر‏1968‏ ودمروا سفينتين وقبل السفينتين دمـــروا معنويات الصهاينة ودهسوا كبرياءهم العسكرية‏..‏ وفي يومي‏5‏ و‏6‏ فبـراير‏1970‏ قامت الضفادع البشرية المصرية بالعملية الثانية ودمروا السفينتين اللتين أغارتا علي ساحل البحر الأحمر من خلال عملية فدائية أذهلت العالم كله من جرأة وشجاعة وبسالة وثقة وانتــماء المصريين وقبل أن يفيق الصهاينة من الإغـــــارة الثانية علي إيـــلات جاءت الإغارة الثالثة ليلة‏27‏ ـ‏28‏ أبريل‏1970‏ وفيها دمرت الضفادع البشرية المصرية رصيف إيلات وقتلت نصف دستة ضفادع بشرية صهيونية‏!.‏

الخسارة الأهم أنها اقتلعت من عقول الصهاينة فكرة الأمان ورسخت داخلهم يقينا بأنهم في متناول أيدي المصريين‏!.‏ ماذا حدث في إيلات ولإيلات‏!.‏​
 
رد: مقالات الكاتب الكبير ابراهيم حجازي

ليلة عقاب إيلات‏!‏
بقلم‏ :‏ إبـراهيــــم حجـــــازي


**‏ ماذا حدث في إيلات ولإيلات‏..‏ هذا ما توقفت عنده الأسبوع الماضي وأنا أتحدث عن الأهمية الخاصة التي يحملها شهر نوفمبر للبحرية المصرية عموما وقواتها الخاصة تحديدا وأيضا لنا جميعا نحن المصريون لأنه في تاريخ الشعوب أحداث يستحيل نسيانها لكننا دون كل الشعوب ننسي والمصيبة أننا ننسي كل ماهو عظيم وجميل ورائع في حياتنا‏..‏ ننساه ربما لكيلا يكون لدينا رصيد إنجازات نستند إليه وننهل منه ونتحدث عنه‏!.‏ نسينا ليلة‏15‏ ـ‏16‏ نوفمبر سنة‏1968‏ وهي الليلة التي طالت وامتدت فيها يد مصر إلي أن تخطت الحدود ودخلت إسرائيل وأنزلت العقاب الذي يستحقه الصهاينة علي ميناء إيلات وليلتها عرفوا أن العين بالعين وأنهم إذا كانوا قد نجحوا في العربدة علي سواحل البحر الأحمر بما تحت أيديهم من عتاد وسلاح وطيران وترسانة أمريكية تعوضهم ما يفقدونه ربما قبل أن يفقدوه‏..‏ إن كانوا قد ظنوا أن مصر وقتها وقعت فإنهم لم يضعوا في حسبانهم معدن المقاتل المصري القادر علي قلب موازين القوة بعقيدته الراسخة وشجاعته النادرة وانتمائه الهائل وهذا بالضبط ماحدث في إيلات ولإيلات في العمليات الفدائية الخاصة الثلاث التي اجتاحتها وكانت ومازالت عنوانا للشجاعة والبسالة والتضحية‏!‏

اللواء محمود فهمي قائد القوات البحرية اقترح علي القيادة أن تقوم البحرية المصرية من خلال قواتها الخاصة بالرد علي عملية خطف الرادار التي أطلق عليها الصهاينة عملية غزو مصر والتي قام بها اليهود لأجل استغلالها دعائيا في العالم ولأجل تيئيس شعب مصر من أنه لن تقوم قائمة لجيش مصر العاجز عن حماية حدود مصر‏!.‏ اللواء محمود فهمي لم يقدم اقتراحه من فراغ إنما استنادا إلي معرفته الوثيقة برجاله وبمتابعته المستمرة لتدريبات القوات الخاصة البحرية حديثة العهد في الإنشاء شديدة البأس في القوة والعزيمة والإصرار‏!.‏ اللواء محمود فهمي أعطي الضوء الأخضر للقوات الخاصة لأجل الاستعداد لعملية لا تقبل القسمة ولا الطرح ولا الجمع‏..‏ لاتقبل إلا النجاح وإيلات الهدف‏!‏

جاءت اللحظة التي انتظرها رجال الضفاع البشرية المصرية وما إن جاءت حتي ظهر الخلاف واحتدم الصراع لأن الكل يريد نيل هذا الشرف‏..‏ شرف الرد والردع بالقيام بأول عملية داخل أرض الصهاينة‏!‏

ونترك مسرح التدريبات والمنافسة الرهيبة بين الرجال لأجل القيام بالمهمة ونذهب مع الرائد بحري رضا حلمي قائد لواء الوحدات الخاصة وقتها والذي صمم علي أن يقوم هو بنفسه بمهمة استطلاع الهدف ودراسة المنطقة‏!.‏ سافر الرائد رضا حلمي علي أنه ضابط من سلاح الإشارة في مهمة تفتيش روتينية علي أجهزة نقطة المراقبة البحرية الموجودة بجوار ميناء العقبة من عام‏1967‏ ووصل الرجل إلي العقبة التي تبعد خمسة أميال بحرية عن ميناء إيلات السهل رؤيته ورصد الحركة فيه علي مدي ساعات اليوم‏..‏ وأتم الرائد رضا حلمي مهمة الاستطلاع وعاد بمعلومات شاملة وصداقات عديدة وبعودته بدأت مرحلة تدريب متخصصة للمجموعة التي وقع عليها الاختيار لتنفيذ المهمة‏!.‏ الكل يعمل ليل نهار في تدريب مشابه تماما لما سيتم في العملية‏..‏ وعلي جانب آخر قامت مجموعة أخري بتجهيز المعدات والألغام اللازمة وبعد الانتهاء من تجهيزها بدأت رحلة سفر المعدات من خلال خطة تمويه يستحيل كشفها‏!.‏ المعدات تم إرسالها إلي العراق علي طائرة نقل مصرية بصحبة الرائد مصطفي طاهر رئيس عمليات لواء الوحدات الخاصة والملازم أول عبد الرءوف سالم والعريف عبده مبروك‏..‏ سافروا إلي العراق علي أنهم أفراد من منظمة
فتحوالمعدات خاصة بمنظمة فتح وفي مطار العراق استقبلهم أفراد من مجموعة أبو هاني الفلسطينية وتحركوا برا بالسيارات من العراق إلي بلدة الطفيلة الأردنية التي مكثوا فيها انتظارا لوصول مجموعة الضفادع البشرية المصرية من القاهرة‏!‏

نعود إلي الإسكندرية ومعقل القوات البحرية الخاصة ودرجة الاستعداد والتحفز والترقب في السماء والكل يترقب لحظة صدور قرار السفر الذي هو ضمنيا قرار إنزال العقاب بإيلات‏!.‏ وقع الاختيار علي ثلاث مجموعات ضفادع بشرية للقيام بالمهمة وتحدد موعد السفر وتقررت المغادرة علي فوجين بجوازات سفر مدنية بغرض السياحة‏..‏ وصلت المجموعتان إلي عمان وأقاموا في منزل تابع للسفارة وفي الحادية عشرة مساء يوم‏14‏ نوفمبر غادر الضفادع البشرية عمان قاصدين العقبة التي دخلوها من طريق فرعي بعيد عن الطريق الرئيسي تحسبا لأي طارئ ربما يلفت الأنظار وهذا الحذر جعلهم يتفادون دورية حدود أردنية لا الوقت ولا طبيعة العملية ولا أي شيء يسمح بأن يراهم مخلوق أو يتكلم معهم إنسان في منطقة حدودية طبيعي أن تكون مليئة بالعيون والآذان المفتوحة‏..‏ المهم أن الضفادع وصلوا بعد ساعات إلي المنطقة المحددة لهم والوقت الواحدة والنصف بعد ظهر يوم‏15‏ نوفمبر‏.‏

التعليمات حتي هذه اللحظات أن يرتاحوا ويتم التنفيذ في الليلة التالية‏..‏ إلا أن الموقف تغير لسببين‏:‏

أولهما أن الرائد رضا حلمي صمم علي تنفيذ العملية في اليوم نفسه تحسبا من أن تكون الدورية الأردنية رصدت تحركاتهم وإمكانية وصولهم قائمة في أي لحظة‏!‏

أما السبب الثاني وراء قرار القيام بالعملية في اليوم نفسه فهو تقرير من المخابرات المصرية والتقرير شفرة متفق عليها مسبقا تذاع في برنامج ما يطلبه المستمعون من إذاعة صوت العرب والشفرة إذاعة أغنية‏'‏ بين شطين وميه‏'‏ للمطرب محمد قنديل وإذاعتها معناها أن المخابرات رصدت دخول سفن إلي الميناء وهذا معناه القيام فورا بالعملية‏..‏ المهم أن‏'‏ صوت العرب‏'‏ أذاعت الأغنية وإذاعتها تعني وجود أهداف داخل الميناء‏!‏

أمام هذه المعطيات تقرر التبكير بموعد عملية مد الذراع المصرية إلي قلب إسرائيل لأجل أن يعرف الصهاينة ويعرف العالم أن مصر قادرة علي أن تطولهم في أي وقت وأي مكان‏!‏

الوقت يقترب من الغروب وسط مناخ شتوي متطرف في برودته ورياحه وغيومه وكلما اقتربت الشمس من سطح الأرض معلنة نهاية نهار تراجعت حركة البشر في ميناء العقبة لأننا في شهر رمضان وساعة الإفطار اقتربت ومعالم اقترابها خلو الشوارع من الناس‏..‏

الحركة‏..‏ حرة السير توقفت في الشوارع وتوقفها معناه بداية تحرك الضفادع البشرية التي استمعت جيدا للتلقين النهائي للعملية وتخصيص الأهداف لكل مجموعة‏..‏ بدأ التحرك بنزول القوارب الزودياك إلي الماء بعدها توالي نزول مجموعات الضفادع البشرية الثلاث التي ستنفذ العملية‏.‏

المجموعة الأولي ملازم أول عمر عز الدين والرقيب محمد العراقي والثانية الملازم أول حسنين جاويش والرقيب عادل البطراوي والمجموعة الثالثة الملازم أول نبيل عبد الوهاب والرقيب محمد فوزي البرقوقي‏.‏
وبدأت ضفادع مصر البشرية في التحرك لأجل عقاب إيلات‏!‏
للحديث بقية مادام في العمر بقية​
 
رد: مقالات الكاتب الكبير ابراهيم حجازي

**‏ الأسبوع الماضي توقفت مع مجموعات الضفادع البشرية الثلاث التي نزلت إلي القارب‏'‏ الزودياك‏'‏ المكلف بنقلها إلي نقطة محددة وسط مياه العقبة فيها تنزل الضفادع البشرية إلي الماء متجهة إلي ميناء إيلات في مهمة مصر كلها شعبا وجيشا في أشد الحاجة إلي نجاحها‏!.‏

اليوم أستأذن حضراتكم في العودة قليلا للوراء لأجل إلقاء الضوء علي دور هائل للمخابرات العسكرية المصرية في هذه العملية‏..‏ عملية إيلات تحديدا وعمليات أخري تمت خلال تلك الفترة التي أعقبت هزيمة‏1967‏ وكنا في احتياج لها لنثبت لأنفسنا أننا مازلنا أحياء‏!.‏

النقيب علي عثمان‏..‏ ضابط بمدرسة الصاعقة أحيل للتقاعد وهو نقيب بقرار جمهوري في قضية المشير عامر وبرأته المحكمة‏,‏ وأعاده إلي الخدمة الفريق صادق مع مجموعة من ضباط الصاعقة‏..‏ عادوا لأجل مهمة محددة هي تنشيط العمل الفدائي في قلب إسرائيل انطلاقا من الأراضي الأردنية وتحت إشراف وتبعية مكتب الاتصال في عمان التابع للمخابرات الحربية المصرية‏.‏

مكتب الاتصال خطط لأجل قيام مجموعة خاضعة له بعمل كمين لدورية مدرعة للعدو في منطقة داخل إسرائيل اسمها‏'‏ وادي عربة‏'..‏ المهمة تقرر أن يقوم بها ضابط فلسطيني تخرج في الكلية الحربية وحصل علي فرقة صاعقة في أنشاص‏..‏ الضابط بعد أن تلقي التلقين الخاص بالمهمة رفض القيام بها‏!.‏ الضابط في تبريره للرفض قال‏:‏ إن منطقة‏'‏ وادي عربة‏'‏ هي واد مفتوح يسهل للعدو مراقبة أي تحركات غريبة فيه بما يجعلها مهمة مستحيل إتمامها‏!.‏

التعليمات وقتها للمكتب أن يقتصر دوره علي التخطيط للعمليات الفدائية وتدريب الأفراد عليها‏,‏ ويمنع مشاركة المصريين فيها نظرا لحساسيات كثيرة قائمة نتيجة الوجود علي أرض غير مصرية‏!.‏

النقيب علي عثمان الموجود في عمان علي قوة مكتب الاتصال المصري والمكلف بالتخطيط لعملية وادي عربة‏,‏ فوجئ مثلما فوجئ الآخرون برفض الضابط الفلسطيني القيام بالعملية‏,‏ ولأن هذا الضابط الفلسطيني كان يوما تلميذه في مدرسة الصاعقة‏..‏ لذلك سأله عن سبب الرفض‏!‏

ورد الضابط الفلسطيني علي النقيب علي عثمان بقوله‏:‏ هذه دوريات داخل إسرائيل وليست في مدرسة الصاعقة‏!.‏ الرد حمل مفاجأة لم يتوقعها النقيب علي عثمان الذي أحس بالمهانة من الكلمات التي قيلت‏,‏ وعلي الفور قال له‏:‏ بالمخالفة للتعليمات سوف أخرج معك في هذه الدورية لأثبت لك أن دوريات الصاعقة أصعب من أي مهمة خلف الخطوط داخل إسرائيل‏!.‏ وبدأ الاستعداد لهذه المهمة التي تحدد لها خمسة أيام مشيا‏,‏ واحتاجت إلي تدريب خاص لمدة أسبوعين خاضه طاقم الدورية الفلسطيني مع النقيب علي عثمان الذي واصل معهم الليل بالنهار لكي يتعلموا في الـ‏15‏ يوما تدريب كيفية دخول أرض العدو وفتح ثغرة وتلغيم المنطقة المحددة ووسائل التمويه بعد كل خطوة لهم خلف الخطوط‏!.‏

وخرج النقيب علي عثمان ضابط المخابرات المصري مع الدورية التي هدفها تلغيم طرق محددة في وادي عربة تستخدمها المدرعات والمجنزرات الصهيونية‏..‏ النقيب علي عثمان قال للضابط الفلسطيني سوف تكون هذه الدورية علي نظام مدرسة الصاعقة‏..‏ أنت قائدها وأنا محكم عليك‏..‏ وبدأت الدورية مهمتها ووصلت إلي الحدود بعد خمسة أيام واستغرقت هذا الوقت نتيجة الحذر البالغ في تحركاتها لأجل أن تغيب عن كل الأعين صديقة كانت أو غير‏,‏ لأن أي اعتراض للدورية سيعرض المهمة كلها للفشل‏!.‏ ودخلت الدورية وادي عربة بعد أن فتحت ثغرة وبعد أن قامت بتمويه كل تحركاتها وقامت بتلغيم الطريق المحدد وعادت إلي الحدود وخرجت وابتعدت إلي منطقة يسهل منها مراقبة أول انفجار لأول لغم مع مرور هدف للعدو عليه‏!.‏ وحدث وكانت عربة نقل جنود مدرعة دخلت حقل الألغام وحدث لها ما حدث‏!.‏

اطمأنت الدورية علي نجاح مهمتها وبدأت رحلة العودة التي استغرقت ثلاثة أيام‏,‏ وما إن وصلوا إلي نقطة تمركزهم حتي اتصلوا بقيادتهم‏,‏ وكانت مفاجأة مذهلة لقاعدة العمليات الفدائية‏!.‏

المفاجأة سببها إسرائيل التي أذاعت خبرا عن انفجار العربة المدرعة وعن أنها قتلت المخربين السبعة الذين تسببوا في حادث الانفجار‏..‏ ولهذا السبب القاعدة اعتقدت أن الدورية وقعت في أيدي اليهود‏,‏ ولذلك كانت أعظم مفاجأة عندما ثبت أن الدورية عادت سالمة غانمة‏,‏ وبعدها توالت العمليات الفدائية تحت إشراف مكتب الاتصال المصري وبمشاركة النقيب علي عثمان‏..‏ توالت العمليات إلي أن جاءت عملية إيلات الأولي‏!.‏

القوات البحرية من خلال قائدها اللواء محمود فهمي أبدت للقيادة العامة استعدادها للقيام بعمليات فدائية في ميناء إيلات بواسطة الضفادع البشرية‏,‏ والمخابرات الحربية أخذت علي عاتقها مهمة التخطيط لهذه العملية التي تبدأ وتنتهي من أرض غير أرضنا‏,‏ ومهم جدا هنا دقة المعلومات لأن الغلطة تكلفنا أرواحا وتعيدنا للوراء أكثر مما نحن عليه‏!.‏

العقيد سعيد نصر من فرع الخدمة الخاصة بالمخابرات الحربية المصرية وصل سرا إلي عمان‏,‏ وهناك قابل النقيب علي عثمان الذي كان قد قام باستطلاع كامل للمنطقة وحدد طرق السير ومكان التمركز لانطلاق العملية ونقاط التجمع بعد انتهاء المهمة‏..‏ المهم أنه عرض تقريرا علي القائد القادم من القاهرة‏,‏ وبعد مراجعة كل التفاصيل اعتمدت الخطة ولم يعد متبقيا إلا التنفيذ‏!.‏

بعد أربعة أيام من وصول رجل الخدمة الخاصة إلي عمان‏..‏ وصلت المعدات الخاصة بالعملية‏,‏ وهي الألغام ومعدات الغطس والقارب وأشياء أخري‏..‏ وصلت إلي منطقة اسمها المفرق‏,‏ وهي مثلث واقع بين الحدود الأردنية ـ السورية ـ العراقية‏..‏ والمعلومات المتاحة وقتها أن هذه المعدات خاصة بمنظمة فتح‏,‏ ومن ثم تم نقلها من منطقة المفرق إلي مقر القاعدة الفدائية في منطقة الطفيل‏,‏ ولا أحد يعرف الحكاية إلا النقيب علي عثمان ـ مكتب المخابرات في عمان ـ والرائد مصطفي طاهر ـ القوات الخاصة البحرية ـ والملازم أول عبدالرءوف سالم‏..‏ وبعدها بيومين وصلت الضفادع البشرية‏,‏ وأقامت كل مجموعة في مكان‏.‏

وفجر الخميس‏7‏ نوفمبر‏..‏ قام الرائد ساهر لاشين من مكتب المخابرات المصري في عمان باصطحاب مجموعات الضفادع البشرية في ميكروباص من عمان‏,‏ والخطة أن يتحرك علي طريق معان حتي علامة كيلو معينة بعدها يدخل الصحراء لمسافة كيلومترين هي نقطة التجمع‏..‏ وفي نفس الوقت النقيب عبدالله الشرقاوي من قاعدة الطفيل الفدائية يأخذ المعدات ويتجه إلي نفس الطريق‏,‏ وعند علامة الكيلومتر يدخل الصحراء تجاه نقطة التجمع‏..‏ والتحرك الثالث يقوم به النقيب علي عثمان ومعه سيارة مجهزة بكل الشئون الإدارية الخاصة بالمهمة‏.‏

وتلاقت كل الأطراف في منطقة التجمع التي اختارها وحددها في استطلاعه النقيب علي عثمان‏,‏ وفي منطقة التجمع تقابل رجال الضفادع البشرية مرة ثانية مع معلمهم في مدرسة الصاعقة علي عثمان‏,‏ ووقتها سأله الملازم أول حسنين جاويش قائد مجموعة الضفادع البشرية‏:‏ تعلمنا في مدرسة الصاعقة أن نجاح أي عملية‏70%‏ منه في الوصول إلي الهدف والـ‏30%‏ الباقية في التعامل مع الهدف‏!.‏ وضحك علي عثمان وقال‏:‏ اتركوا الـ‏70%‏ لي‏,‏ بما يعني أن الوصول إلي إيلات مهمته والتعامل مع إيلات مهمة الضفادع‏!.‏

الخطة الموضوعة أن التحرك من منطقة التجمع يبدأ قبل غروب الشمس بساعة لأجل أن يصلوا إلي البحر علي موعد أذان المغرب والوقت رمضان ونقطتا المخفر الأردنية والسعودية كل واحدة منهما ستكون مشغولة في إعداد وجبة الإفطار لأننا في رمضان‏,‏ وبالتالي تحرك الأفراد تجاه البحر لن يعترضه أحد‏..‏ وحدث ووصل الجميع إلي البحر‏,‏ ونزلت مجموعات الضفادع الثلاث إلي القارب‏,‏ والخطة أن يصل بهم القارب إلي نقطة محددة‏,‏ بعدها ينزلون بألغامهم إلي الماء متوجهين إلي إيلات علي أن ينتظرهم القارب في نفس مكان نزولهم الماء وبقاء القارب في المكان له وقت يتحرك بعده عائدا للشاطئ وإذا تأخرت الضفادع البشرية في الرجوع لأي سبب فعليها تكملة المسافة سباحة وتسلم نفسها للسلطات الأردنية‏!.‏ وتحرك القارب تجاه هدفه داخل المياه‏,‏

وتحرك الرائد مصطفي طاهر والنقيب علي عثمان إلي تبة عالية من عليها يمكنهما مراقبة ما يحدث‏!.‏ ووصل القارب إلي نقطة إنزال الضفادع‏,‏ ونزل الضفادع إلي الماء واقتربوا من الميناء واكتشفوا أن الهدف غير موجود ـ أي أن السفن غير موجودة ـ فعادوا ثانية ولحقوا بالقارب قبل انصرافه‏,‏ وتأجلت العملية أسبوعا لتكون في ليلة‏15‏ ـ‏16‏ نوفمبر‏1969.‏

وفي نفس الليلة ونفس التوقيت الذي هو قبل المغرب بساعة‏,‏ بدأ التحرك من نقطة التجمع تجاه البحر مرورا بنقطتي الحدود الأردنية والسعودية المشغولتين بإعداد الإفطار‏,‏ ووصلت الضفادع إلي البحر‏,‏ ونزلت المجموعات الثلاث إلي القارب‏'‏ الزودياك‏'‏ الذي بدأ التحرك‏,‏ ومعه تحرك مصطفي طاهر وعلي عثمان إلي التبة للمراقبة‏,‏ وبعد نصف ساعة من تحرك القارب‏'‏ الزودياك‏'‏ داخل المياه تجاه إيلات‏..‏ فجأة استدار القارب عائدا ناحية الشاطئ‏,‏ ونزل طاهر وعثمان ليعرفا السبب‏,‏ فأبلغهما رضا حلمي أن التيلة التي تثبت الموتور في القارب انكسرت‏,‏ وأن التيلة الاحتياطي في مكان التجمع الواقع علي بعد خمسة كيلومترات داخل الصحراء‏,‏ وبدون تفكير أخذها النقيب علي عثمان عدوا ذهابا وعودة‏,‏ وعاد ومعه التيلة وتم تركيبها وتحرك‏'‏ الزودياك‏'‏ ثانية لأجل عقاب إيلات‏!.‏

الرجال في مهمة‏..‏ الداخل فيها مفقود والخارج منها مولود‏!.‏
للحديث بقية مادام في العمر بقية​
 
رد: مقالات الكاتب الكبير ابراهيم حجازي

.........................................................‏
**‏ خبر صغير من عدة سطور لم يستوقف كثيرين نشرته الصحف قبل أيام وحمل نبأ وفاة اللواء محمود عبد الرحمن فهمي قائد القوات البحرية الأسبق ووزير النقل الأسبق‏!.‏ قرأت الخبر الذي هو من عدة سطور وبحثت عن تفاصيل فلم أجد لا في نفس اليوم ولا في الأيام التالية وشعرت بالخجل من خطيئة الإعلام في حق وطن‏!.‏ شعرت بالخجل لأن مثل هؤلاء الرجال العظماء المحفورة أسماؤهم في دفتر أحوال المحروسة‏..‏ أبدا لا يكون وداعهم مقصورا علي مشاطرات في صفحة وفيات وحق الوطن أن نسترجع تاريخهم لأنهم أعظم قدوة في وقت غلبت عليه قدوة البلطجة‏!‏

حق الوطن أن نحافظ علي الرموز أحياء وأمواتا‏!.‏ حق الوطن أن تبقي سيرة رجاله الأبطال علي كل لسان ربما تعادل حالة الأنامالية والسلبية والترهل التي ضربت الشباب‏!.‏ حق الوطن أن يعرف شبابه قصص حياة الرجال الذين أحبوا الوطن وعشقوا الوطن وأعطوا للوطن‏!.‏ حق الوطن علي الإعلام وعلي السينما وعلي التليفزيون مداومة الكتابة عن الأبطال والعظماء وتسجيل أعمالهم في أفلام ومسلسلات‏!.‏

حق الوطن هو الذي دفعني اليوم للكتابة عن اللواء بحري محمود عبد الرحمن فهمي والذي أكتبه لن يضيف له شيئا لأنه أكبر من أي كلمات تقال‏..‏ لكنني أكتب للشباب الذي تتصارع عليه الفضائيات وتتجاذبه كل ألوان الموبيقات ويضعون له أشباه الرجال قدوة‏..‏ أكتب للشباب ليعرف أنه من نفس الأرض خرج رجال عظماء يجب أن يكونوا القدوة‏!.‏

اللواء محمود فهمي شخصية متفردة ومؤثرة وحاضرة وغالية‏..‏ يحسب له أنه رجل صاحب قرار ورجل عسكري بكل ما تحمله الكلمة من معني وقراراته تأخذ بعين الاعتبار نسبة المخاطرة وتلك ميزة تنفرد بها القيادة الشجاعة ومحمود عبد الرحمن فهمي شجاعته فائقة‏!.‏

اللواء محمود فهمي وقت كان رئيسا لشعبة العمليات إبان الفترة التي تلت هزيمة‏1967..‏ قناعته مثل رؤية كثيرين وقتها من القادة الذين انحسبت عليهم هزيمة وهم أصلا لم يحاربوا لأن الجيش المصري لم يحارب وأول قرار صدر له كان الانسحاب فانسحب بصورة محزنة حيث لا طيران يغطي انسحابه أو تنسيق بين القوات يؤمن تحركها وباختصار كانت فضيحة عسكرية ومرارتها أنها لحقت بجيش لم يتمكن من إطلاق طلقة واحدة تجاه العدو‏!.‏ قناعة محمود فهمي أنه لابد من القيام بعمليات حربية ضد العدو لنعرف نحن أننا قادرون وأن الهزيمة التي حدثت لم تكن بسبب المقاتل المصري‏..‏ وليعرف العالم أن مصر لم تمت وأنها قادرة علي الوقوف وعلي وقف العربدة التي يقوم بها جيش العدو‏!.‏ بعد الهزيمة بشهر واحد أي في أول يوليو‏1967‏ نفذت البحرية ما صمم عليه رئيس شعبة العمليات وقتها العميدمحمود فهمي حيث شاركت الفرقاطة بورسعيد والمدفعية الساحلية في معركة رأس العش تلك الملحمة البطولية الشجاعة التي قامت بها فصيلة صاعقة وعاونتها البحرية في معركة استمرت ليلة بأكملها وانتهت بانسحاب طابور مدرع إسرائيلي تصور أنه سيقوم بنزهة يحتل خلالها بورفؤاد لكنه فوجئ بصمود مصري هائل قام به‏30‏ مقاتلا من ا
لصاعقة أجبروا الطابور المدرع الصهيوني علي الانسحاب بعدما أحدثوا به خسائر هائلة‏!.‏ تلك المعركة كانت أول مرة يواجه فيها الصهاينة مقاتلين مصريين ويومها عرف الصهاينة أن المقاتل المصري لا حل له‏!.‏ في‏21‏ أكتوبر‏1967‏ العميد محمود فهمي مازال رئيسا لشعبة العمليات التي فكرت وخططت لعملية من النوع الثقيل كنا في أشد الحاجة إليها لنكسر حاجز الخوف ولنضع أنفهم في التراب‏!.‏ العملية كانت اصطياد المدمرة الإسرائيلية إيلات‏!.‏ المصريون من خلال لنشات صواريخ البحرية أغرقوا المدمرة إيلات وسط ذهول تام للصهاينة من جرأة المصريين ووسط دهشة العالم الذي بدأ يعيد حساباته القائمة علي أن مصر انتهت ولا قائمة لجيشها قبل سنين طويلة‏!.‏ دول كثيرة بدأت تنظر باحترام للمقاتل المصري وللقرار المصري الذي لا يخشي المخاطرة‏!.‏ وفي يناير‏1968‏ نفذت البحرية عملية جديدة ومخاطرة جديدة عندما اصطادت كاسحة الألغام أسيوط الغواصة الصهيونية داكار التي كانت في مهمة إصلاح بلندن وفي طريق عودتها أرادت أن تعبث في المياه المصرية باعتبار أن المسألة مولد وصاحبه غائب ومصر مهزومة وأغلب السلاح ضاع في سيناء وحدودها بالتأكيد مباحة ومتاحة‏!.‏ دخلت الغواصة الصهيونية المياه
المصرية وهي لا تدري أنها لن تري السطح ثانية‏!.‏ كاسحة الألغام المصرية أسيوط رصدتها وأجهزت عليها ليعرف العالم وتعرف إسرائيل أن مصر قادرة علي حماية مياهها وحدودها‏!.‏

في‏12‏ سبتمبر‏1969‏ تولي العميد محمود فهمي قيادة القوات البحرية‏..‏ وتلك الفترة كانت بداية حرب الاستنزاف التي جاءت علي هوي القائد الجديد للقوات البحرية الذي أصدر قرارا في‏8‏ نوفمبر‏1969‏ بضرب منطقة رمانة بمدفعية المدمرات والقرار اتخذه رغم خطورة إرسال قطع بحرية كبيرة بدون غطاء جوي في عملية مثل هذه‏!.‏

اللواء محمود فهمي هو الآن قائد القوات البحرية‏..‏ وهو رجل عسكري ملتزم لا يترك صغيرة ولا كبيرة إلا ويتأكد منها‏..‏ حريص إلي أبعد الحدود علي سرية المعلومات في كل عملية لأجل ضمان سلامة رجاله الذين سينفذونها‏!.‏ حريص علي أن يقابل المختارين لتنفيذ العملية بنفسه ويعطيهم المهمة بنفسه وتلك الأمور من شأنها أن ترفع المعنويات إلي السماء وتضع الاهتمام في درجاته القصوي لأن قائد البحرية بنفسه هو الذي يقابل ويكلف‏!.‏

وبالطبع لا يمر يوم إلا وذهن الرجل في عملية جديدة ترفع المعنويات المصرية وتغير النظرة لنا وتحبط الصهاينة الذين عاشوا سنين معتقدين أنهم أصحاب جيش لايهزم‏!.‏

يحسب للواء محمود فهمي أن له وللبحرية المصرية رقما قياسيا لم يسبقه إليه أحد إلا الإنجليز في الحرب العالمية الثانية‏!.‏ المعروف في تاريخ البحرية بالعالم كله أنه لم يحدث أن قامت ضفادع بشرية بمهاجمة هدف واحد مرتين إلا مرة واحدة عندما فعلها الإنجليز في الحرب العالمية الثانية وهجومهم علي ميناء سانت نزير الفرنسي‏..‏ واستمر هذا الأمر مقصورا علي الإنجليز إلي أن جاء شهر نوفمبر‏1969‏ وفيه بدأ تنفيذ خطة لضرب ميناء إيلات‏..‏ والخطة حطمت مافعله الإنجليز‏!.‏

الضفادع المصرية أغاروا أربع مرات علي هدف واحد‏..‏ هو ميناء إيلات بشجاعة وجرأة وقلوب لا ترجف ولا تعرف الخوف وعمل لا مثيل له في تاريخ الحروب البحرية في العالم كله‏..‏ ويحسب ذلك للواء محمود فهمي‏!.‏

أول عملية إغارة قامت بها الضفادع البشرية المصرية علي ميناء إيلات كانت للاستطلاع ودخلوا الميناء وخرجوا منها وشاهدوا ماشاهدوه دون أن يشعر بهم مخلوق‏!.‏

الضفادع المصرية في ليلة‏15‏ و‏16‏ نوفمبر قاموا بالإغارة علي ميناء إيلات التجاري وأغرقوا سفينتين‏..‏ داهليا وهيدروما وعادوا إلي قواعدهم وسط ذهول الصهاينة‏!.‏ المفترض والمتعارف عليه أن المكان الذي تدخل منه الضفادع البشرية لا تعود له ثانية تجنبا للوقوع في أي شرك أو ألغام أو دفاعات سينظمها العدو‏..‏ لكن المصريين فعلوا مالم يتوقعه العدو‏..‏ وعادوا لإيلات مرتين أخريين‏!‏

الضفادع المصرية عادوا ونفذوا الغارة الثالثة علي ميناء إيلات في ليلة‏5‏ و‏6‏ فبراير‏1970‏ وأغرقوا ناقلة الجنود بيت شيفع والسفينة بات يم‏.‏

والجرأة البالغة والشجاعة منقطعة النظير أن تكون هناك غارة رابعة وفيها قام الضفادع المصريون بتلغيم رصيف الميناء الحربي الذي كان الصهاينة يقومون بإخلائه ليلا من القطع البحرية لتقضي ليلها وسط البحر خوفا من ضربها في الميناء‏!.‏ المهم أن الضفادع قاموا بتلغيم الرصيف وهو خال من القطع البحرية وضبطوا التفجيرات لتكون بعد أول ضوء ومع تمام وصول القطع التي تنام في عرض البحر‏..‏ ولسبب غير معلوم انفجر لغم من الألغام قبل وصول القطع وبدأت علي رصيف الميناء حركة تأمين حيث طلبوا الضفادع الصهيونية لأجل أن تغطس أسفل الرصيف لاستطلاع الأمر‏!.‏ واستغرق الأمر وقتا إلي أن جاءت الضفادع وغطست من هنا وعينكم ماتشوف إلا النور‏!.‏ موعد تفجر الألغام كان قد حل وبدأت في الانفجار علي التوالي والضفادع الصهيونية في الأعماق وبقيت للآن في الأعماق‏!.‏

وفي‏8‏ مارس‏1970‏ صدر قرار اللواء محمود فهمي بالإغارة علي الحفار كينج في أبيدجان بواسطة الضفادع المصرية‏..‏ أما آخر صيد للبحرية المصرية تحت قيادة اللواء محمود عبد الرحمن فهمي فهو سفينة بحوث إسرائيلية أمام بحيرة البردويل وإغراقها كان نتاجا وثمارا لما تعلمه القادة من قائد القوات اللواء محمود فهمي الذي يري أن المخاطرة لابد من قبولها ووجودها في أي قرار لأننا لو خفنا من المخاطرة ربما لن نتخذ أي قرار‏!‏

في‏14‏ مايو‏1970‏ ظهرت سفينة البحوث الصهيونية أمام بحيرة البردويل داخل المياه الإقليمية‏..‏ قائد اللنش اسمه مجدي ناصف وتصادف أن كان معه علي اللنش قائد المجموعة‏..‏ وظهر الهدف الذي هو سفينة البحوث وما إن رآها مجدي ناصف حتي قرر أن يضربها إلا أن قائد المجموعة رأي أنه لاتوجد تعليمات‏..‏ لكن قائد اللنش مجدي ناصف قال إن تعليمات القائد واضحة‏..‏ أي عدو اشتبكوا معه بدون استئذان‏!.‏ وبالفعل فعلها مجدي ناصف وضرب السفينة التي دخلت مياهنا وأغرقها‏..‏ ونال تكريما هائلا‏!.‏

الحكايات والوقائع والأحداث كثيرة في حياة اللواء محمود عبد الرحمن فهمي‏..‏وأنا هنا لست بصدد توثيقها أو سردها إنما فقط أحاول إلقاء الضوء علي حياة قائد ومقاتل وبطل عظيم وهذا حق لوطن‏..‏حقه أن يكون العظماء‏..‏ قدوة للشباب‏!.‏
وللحديث بقية مادام في العمر بقية​
 
رد: مقالات الكاتب الكبير ابراهيم حجازي


**‏ أنا أكتب عن حرب الاستنزاف وحرب أكتوبر بعد مرور كل هذه السنين عليها لأن من هم في سن الأربعين الآن وأصغر يمثلون ثلثي الشعب المصري وهذا معناه أن ثلثي شعب مصر لا يعرفون شيئا عن أعظم انتصارات مصر عبر تاريخها والمعرفة المفقودة ليست هنا لأغنية كليب أو نكتة خارجة إنما هي عدم معرفة لقصص وملاحم شجاعة وفداء لبطولات فذة لا أظن أن أحدا غير المصريين يقدر عليها لأن الدخول فيها يتطلب رجالا قلوبهم لا تخاف وعيونهم لا ترمش‏..‏ رجال يضعون أرواحهم علي أيديهم في إشارة واضحة لاتقبل أي شك في أنهم لا يخافون مما يخاف منه كل البشر‏..‏ لا يخافون الموت‏!.‏ أكتب عن أحداث مر عليها قرابة الـ‏40‏ سنة لأجل الإبقاء علي نقطة مضيئة وسط الظلام وحق الوطن أن تبقي مضيئة وأن تتسع لتقل رقعة الظلام‏..‏ لا أن نتركها تنكمش وتقل وتبتعد إلي أن تختفي ويسود الإظلام‏!.‏ النقطة المضيئة من عاشها وعايشها أقل من ثلث شعب مصر وكل يوم يمر‏..‏ هذا العدد ينكمش ويقل ويبتعد إلي أن يأتي يوم لا يكون فيه علي أرض الوطن من يعرف معلومة واحدة عن حرب أكتوبر‏!‏

أنا أكتب عن حرب أكتوبر لأن ذلك حق وطن يتعرض لأبشع أنواع الضغوط من كل جهة ممن ينقلع لهم عين ويرون مصر راكعة لعلمهم أن مصر هي القوة الوحيدة الفعالة القادرة علي جمع الجميع حولها ولأنها العمق الوحيد الآمن للجميع في المنطقة ولأنها لا تتوقف أمام الصغائر والمكائد والأحقاد وحضنها يتسع للكل في كل الأوقات‏!.‏ أكتب لأن الضغوط التي يريدون بها تدمير وطن لابد أن نحصن شبابنا لمواجهتها وأفضل تطعيم لأجل أفضل تحصين هو أن يعرف شبابنا أن مصر الوطن قدمت من نبت أرضها الطاهرة العفية أشجع الرجال الذين صنعوا أعظم الانتصارات‏!.‏ أكتب عن حرب الاستنزاف وحرب أكتوبر لتعرف أجيال مصر الحالية أنهم من صلب رجال صنعوا أعظم انتصارات من رحم أسوأ هزيمة وفي هذا درس تتعلم منه الأمم والدول والشعوب وليس فقط شباب مصر‏..‏

تتعلم ويتعلم شبابنا أنه لا يأس طالما القلوب تنبض‏!.‏ يتعلم أن أسوأ ما مر علي مصر هو هزيمة‏1967‏ التي لم تكن مجرد هزيمة في معركة إنما هزائم في كل المجالات وخرجنا منها بمعنويات صفر ومعدات صفر وكل حاجة صفر وفي المقابل عدو يمتلك آلة إعلام عالمية جبارة جعلت العالم كله يقف معه ويقف ضدنا‏!.‏ لا أحد يريد أن يساعدنا ومن يعرض معاونة يطالب بتنازلات صعب إن لم يكن مستحيلا أن نقبلها‏!‏

أكتب ليعرف شبابنا أن المصريين عندما يريدون تجدهم شعبا لا حل له‏!.‏ جيش مصر بمقاتليه الأشداء بدأ الإعداد والاستعداد من رحم هذا اليأس الذي لا يبشر بأي خير‏..‏ من رحم كله يأس ومرارة وهزيمة بدأ جيش مصر رحلة الثأر والانتصار والكرامة والفداء والشهامة والرجولة وشجاعة لا مثيل لها‏..‏ شجاعة رجال يذهبون للموت لأجل أن يعيش أبناؤهم وأحفادهم مرفوعي الرءوس‏!‏

أكتب عن أحداث من‏40‏ سنة ليعرف شبابنا أن داخلهم نفس الإرادة ونفس الشجاعة ونفس الشموخ ولو كانوا موجودين في سنة‏73‏ والسنوات الست التي سبقتها لحققوا نفس البطولات ونفس الملاحم التي تحققت في حرب الاستنزاف وحرب أكتوبر‏!.‏ أكتب لأجل أن يثق الشباب في نفسه وفي قدراته وهو لن يثق فيها لأنه لا يعرف بوجودها وهو لا يعرف ولن يعرف إلا إذا وضع في مجال اختبار لقدراته وهو لم يوضع لأننا في زمن الهلس والفيديو كليب وحرب الفضائيات التي هدفها تدمير شباب أمة العرب بأكملها تحت مسميات كثيرة نسمعها وأغلبنا لا يفهم هدفها ومغزاها وحقيقة أمرها وإن كان الواقع أكد ويؤكد أنها معنية بتدمير شباب أمتنا العربية‏!‏

أكتب لأن السنين التي تلت حرب أكتوبر مرت وتوالت إلي أن أصبحت‏40‏ سنة والمتبقي نصفها أو أقل وتنمحي حرب أكتوبر من ذاكرة الأمة‏!‏

أكتب علي أمل أن تعلق بعض البطولات في بعض العقول وتبقي حرب أكتوبر في الذاكرة لفترة أطول ووجودها في ذاكرة الأمة مسألة حتمية لأن الموجود في الذاكرة يمكن استرجاعه وقت الشدة لنقوي به وعليه‏!.‏ أكتب لأن الأمم التي ليس في تاريخها بطولات اخترعت هي من الخيال حكايات بطولات وسجلتها في قصص وروايات وأفلام ومن كثرة ترديدها علي مدي الأيام والشهور والسنوات صدقوها‏..‏ صدقوا أنها حقيقة وهي في الواقع خيال‏!.‏ صدقوا الخيال الذي اخترعوه وجعلوا منه حقيقة يستمدون منها الشموخ والكبرياء والقوة والشجاعة‏!.‏ أكتب لأن الذين لا بطولات لهم اخترعوا بطولات ونحن الذين صنعنا أعظم الانتصارات وحققنا أعظم البطولات تركناها تبتعد مع الزمن دون أن نسجلها لتبقي في ذاكرة الأمة ما بقيت حياة علي الأرض‏!‏

أكتب عن حرب الاستنزاف وعن شجاعة لا توصف لأبطال الصاعقة والمظلات وعن بطولات فذة لنسور الجو المصريين وعن البحرية المصرية ورجال القوات الخاصة بها‏..‏ عن ضفادع مصر البشرية وعن المدفعية وعن الدفاع الجوي وعن معارك الدبابات وعن رجال المهندسين وعن الاستطلاع والمخابرات الحربية التي لعبت دورا هائلا وعن إبراهيم الرفاعي ورفاقه في المجموعة‏39!‏

أكتب عن كل هؤلاء الأبطال لأجل وطن وليس لهم لأنهم أبطال أكبر من أي كتابة وأي إشادة‏..‏ أكتب عن وطن لابد أن تبقي في ذاكرته البطولات والأبطال قدوة وعلامة ونقاط إرشاد لشبابه في كل زمان‏!‏

أكتب لأن السينما لم تسجل حرب أكتوبر في فيلم علي قدر وقيمة وأهمية حرب أكتوبر وحرب الاستنزاف‏!‏

أكتب وسيناريو هذا الفيلم أراه أمامي من‏30‏ سنة‏!.‏ أراه في تفكيري وأتمني أن أراه علي الشاشة‏!.‏ أري تترات الفيلم علي آخر مشهد من هزيمة‏1967‏ وفلول جيش مصر المنسحبة تعبر القناة من الشرق إلي الغرب في صورة بالغة الإهانة فيها الصهاينة يختالون زهوا بانتصارهم ويتعاملون بمنتهي السفالة والغرور مع من يقع بصرهم عليه من الجنود المصريين المنسحبين‏!‏

'‏تترات‏'‏ الفيلم الذي أراه في مخيلتي من‏30‏ سنة تنتهي بإعلان الهزيمة رسميا وباحتلال العدو الصهيوني لشبه جزيرة سيناء لينقل خط المواجهة من العريش إلي القناة التي احتل جبهتها الغربية وأصبح جاثما علي تراب مصر بمواجهة تمتد من السويس جنوبا وحتي بورسعيد شمالا‏!‏

ويبدأ الفيلم الذي أحلم بأن أراه‏..‏ يبدأ من حيث بدأ الاستعداد في القيادة وفي الوحدات المقاتلة والاستعداد بدأ من أول السطر لأن السطور السابقة انمحت‏!‏

الحلم الذي عاش معي كل هذه السنين يبدو أنه سيتحقق‏!‏
الرئيس مبارك من أيام قليلة صرح بأهمية إنتاج هذا الفيلم وطالب القوات المسلحة ووزارة الإعلام بالتعاون فورا لأجل إنتاج هذا الفيلم‏!‏

هذا التصريح من الرئيس مبارك شخصيا أراه بالغ الأهمية في هذا الوقت تحديدا ويستحق كل الشكر وكل التقدير‏!‏

الحمد لله أن هذا الفيلم سيظهر لأن السينما هي الوسيلة الوحيدة التي تضمن بقاء حرب أكتوبر في ذاكرة أمة ووطن ولعل هذا الأمر هو الذي دفعني طوال السنين الماضية للمطالبة بإنتاج فيلم محترم عن حرب أكتوبر‏..‏ بل إن هذا المطلب نقلته للرئيس شخصيا عند زيارته الرابعة‏'‏ للأهرام‏'‏ في افتتاح مبناه الجديد‏!‏

وإلي أن يظهر هذا الفيلم لن تتوقف كتاباتي عن حرب أكتوبر وحرب الاستنزاف وعن كل البطولات وكل الأبطال في كل الأوقات‏!‏

الأسبوع الماضي توقفنا مع ضفادع مصر البشرية وهم يستعدون لنزول مياه العقبة لأجل عقاب إيلات في واحدة من أشهر وأجرأ عمليات الضفادع البشرية في العالم‏!‏
للحديث بقية مادام في العمر بقية​
 
رد: مقالات الكاتب الكبير ابراهيم حجازي

..............................................................‏
‏**‏ مقولة الجيش الذي لا يقهر بقيت شعارا منفردا مرفوعا سنين طويلة بدأت من عام‏1948‏ ويمكن القول إنها تأكدت وترسخت في عام‏1967‏ الذي شهد أكبر هزيمة يمكن أن تلحق بجيش‏!.‏ هذا الإحساس زاد الصهاينة غرورا علي غرور وجعلهم يتمادون في مهام عربدة عديدة عسكرية طالت أماكن كثيرة داخل حدود الوطن لأجل أن يعرف العالم أن مصر انتهت ويعرف المصريون أن جيشهم انكسر‏!.‏ واحدة من مهام العربدة العسكرية خطفوا خلالها رادار ومعدات من منطقة الزعفرانة بالبحر الأحمر وشاركت في العملية وعمليات أخري سفينتان عسكريتان للعدو واحدة للإبرار والثانية حاملة جنود وبعد عملية الزعفرانة الدنيا كلها عرفت بأمرها من خلال ماكينة إعلام جبارة للعدو لها سيطرة علي كبريات وسائل الإعلام العالمية‏!‏

بعد هذه العملية قررت القيادة المصرية الرد بعملية ضد الميناء الذي منه وإليه تنطلق وتعود حملات العربدة‏!.‏ وبالفعل بدأ الاستعداد لمهمة تأديب إيلات بواسطة الضفادع المصرية البشرية وبتخطيط دقيق للمخابرات العسكرية المصرية وتحدد يوم‏7‏ نوفمبر‏1969‏ للقيام بالعملية ودخلت الضفادع البشرية المصرية بالفعل الميناء لكنها عادت ثانية لأنها لم تجد غايتها هناك وأقصد السفينتين وتأجلت العملية أسبوعا لتصبح ليلة‏15‏ ـ‏16‏ نوفمبر وفي هذا التأجيل جرأة لا يقدر عليها إلا المصريون وشجاعة لاتوجد إلا في المصريين وعمي بصر وبصيرة أصاب الله به الصهاينة لأن الضفادع البشرية لا تدخل مكانا دخلته من قبل تحسبا لاكتشاف أمرها وعمل كمائن لها والضفادع المصرية دخلت إيلات يوم‏7‏ نوفمبر وقررت العودة بعد أسبوع لأجل تنفيذ مهمة تأديب إيلات‏!‏

المجموعات الثلاث خرجت من الصحراء ووصلت مياه العقبة ونزلت بالفعل في القارب الزودياك وسط طقس بالغ القسوة من شدة البرودة وشدة الرياح وشدة الأمطار ووصل القارب الزودياك إلي نقطة الفراق التي منها تبدأ الضفادع السباحة تجاه إيلات وفيها يبقي القارب منتظرا حتي الواحدة بعد منتصف الليل وهو التوقيت المفترض أن تصل فيه الضفادع بعد انتهائها من مهمة تلغيم السفينتين وإن حدث أي طارئ ولم تحضر الضفادع كلها أو بعضها يتحرك القارب فورا عائدا إلي الشاطئ بينما تقوم الضفادع البشرية المصرية بالسباحة حتي الشاطئ وتسليم أنفسهم لأقرب قوات أردنية‏!‏

في نقطة الفراق نزلت أول مجموعة للماء وهي مكونة من الملازم أول عمر عز الدين والرقيب محمد العراقي وتلتها المجموعة الثانية الملازم أول حسنين جاويش والرقيب عادل البطراوي ثم المجموعة الثالثة الملازم أول نبيل عبد الوهاب والرقيب محمد فوزي البرقوقي‏.‏

في دقائق اختفي الأبطال عن الأنظار في طريقهم إلي إيلات الواقع علي بعد كيلو مترين والساعة تقترب من التاسعة مساء وبعد ساعتين تقريبا من السباحة الصعبة جدا وسط هذا الطقس الرهيب‏..‏ صعبة لأنها بملابس ومعدات الغطس مضافا لها لغم يحمله كل ضفدع في مواجهة أمواج عاتية ورياح شديدة باردة وأمطار ومع كل هذه العوامل المجهول الذي ينتظرهم‏!.‏ لكن الأبطال وصلوا إلي الهدف في الموعد المحدد لأن تدريبات القوات الخاصة التي خاضوها أصعب كثيرا من واقع العمليات‏!.‏ المهم أن المجموعة الأولي وصلت إلي مسافة‏150‏ مترا من الهدف وبعد التأكد من وجود هدفها غطست متجهة إليه وبعد دقائق صعد الرقيب العراقي إلي السطح لنفاد الأوكسجين من جهازه وأمره الملازم أول عمر عز الدين بالعودة إلي القارب بينما اتجه هو إلي إيلات ليقوم وحده بإتمام المهمة وتلك حدوته شجاعة منفصلة لأن عمليات الضفادع لابد أن تتم بفردين لا فرد‏!.‏ وبالفعل وصل تحت السفينة هيدروما وقام بتثبيت اللغم في جسمها ونزع فتيل الأمان وبدأ رحلة العودة إلي الشاطئ الأردني‏!‏

الوضع في المجموعتين الثانية والثالثة مختلف حيث بقي تلازمهما في السباحة حتي‏150‏ مترا من الهدف وانفصلتا في رحلة الغوص‏.‏ مجموعة م‏.‏م حسنين جاويش قامت بتثبيت اللغمين في السفينة وعادت إلي الشاطئ الأردني‏.‏

المجموعة الثالثة المكونة من الملازم أول نبيل عبد الوهاب والرقيب محمد فوزي البرقوقي غطست الـ‏150‏ مترا إلي أن وصلت تحت السفينة‏'‏ داليا‏'‏ وقامت بتثبيت اللغمين في جسمها ونزعت الفتيلين وبدأت رحلة العودة وما إن ابتعد البطلان أمتارا عن قاع السفينة حتي فوجئ الملازم أول نبيل عبد الوهاب بإشارة من البرقوقي تعني ضرورة الصعود إلي سطح الماء وصعد البطلان إلي السطح وراح قائد المجموعة يسأل البرقوقي عن سبب الصعود‏..‏ ففوجئ بأنه قد فارق الحياة‏!.‏ مات الضفدع البشري المصري قبل أن يري بعينيه ويسمع بأذنيه ميناء إيلات وهو يتفجر‏!‏

الموقف بالغ الصعوبة علي قائد المجموعة الفدائية الشاب غير مصدق أن زميله ورفيقه راح في لحظة‏!.‏ غير مصدق أن للقدر رأيا مختلفا خطف فيه توءمه منه بل من الحياة كلها‏!.‏ غير مصدق أنهما لن يحتفلا معا ويفتخرا معا بعملهما البطولي داخل إسرائيل الذي لم يسبق ضفادع مصر البشرية أحد فيه‏!.‏ غير مصدق أن البرقوقي مات‏!‏

رغم بشاعة الصدمة وقسوتها اتخذ فورا وبلا تردد القائد الشاب قراره والقرار أن يعود بزميله إلي الشاطئ أو لا يعودا مطلقا‏!.‏ يعود به حتي لا يتركه ميتا للعدو‏!.‏ وبدأ الملازم أول نبيل عبد الوهاب رحلة العودة سباحة وهو يحمل زميله البرقوقي الذي توفاه الله ضاربا أروع أمثلة التضحية والشجاعة والانتماء والرجولة والشهامة وكان للبطل ما أراد ووصل إلي الشاطئ الأردني وسلم الجثمان إلي السلطات التي أعادته للقاهرة ليدفن في أرض الوطن‏!‏

أما إيلات الميناء فقد تحول إلي كتلة نار ملتهبة في الواحدة والثلاث عشرة دقيقة نتيجة خمسة انفجارات متتالية أغرقت السفينتين داليا وهيدروما ودمرت الميناء وأسقطت كبرياء الجيش الذي لا يقهر في الوحل‏!‏

في هذا الوقت عرف الصهاينة أن جيش مصر لا حل له‏!‏
للحديث بقية مادام في العمر بقية
 
رد: مقالات الكاتب الكبير ابراهيم حجازي

حكاية الكمين الأسطورة الذي اصطاد قائد العدو ظهرا‏

5mm_11_2_2010_26_5.jpg


5m_11_2_2010_26_16.jpg


**‏ قدمت لحضراتكم علي مدي ثلاثة أسابيع واحدة من قصص البطولة والشجاعة والفداء لجيش مصر خلال حرب الاستنزاف وأقصد الإغارة علي لسان بورتوفيق التي تعد من أجرأ وأغرب وأشجع عمليات الإغارة في الحروب العسكرية لكونها تمت نهارا جهارا والإغارات تتم ليلا ولأنها صاخبة واضحة معلنة والإغارات معروف أنها صامتة تتم في صمت بدون تحضيرات مدفعية ومن غير مركبات تصدر عنها أصوات‏...‏
عملية إغارة غير مسبوقة في حرب ويبدو أن القيادات العسكرية المصرية التي خططت أرادتها مختلفة جذريا عما هو متعارف عليه وتلك كانت المفاجأة وبحجمها كانت الصدمة للعدو الذي أيقن بما لا يدع مجالا لشك أن المقاتل المصري في صدره قلب لا يعرف الخوف طريقا إليه ولديه إرادة مستحيل التغلب عليها وتلك هي الرسالة التي تركتها هذه الإغارة علي موقع لسان بورتوفيق الذي يعتبر أقوي نقطة في نقاط خط بارليف القوية‏..‏ والرسالة لم تكن في حاجة إلي قراءة لأنها واضحة علي الدمار الذي حول ثكنة عسكرية قوية يتباهي العدو بها إلي خراب وأطلال وجثث تخطت الـ‏42‏ قتيلا وخمس دبابات انحرقت وجوز أسري عاد بهما المقاتلون المصريون إلي غرب القناة‏...‏
تلك كانت قصة البطولة التي قدمتها علي مدي ثلاثة أسابيع وكان مقررا أن أقدم في الأسبوع الرابع الذي هو الجمعة الماضي قصة أخري أغرب من الخيال لنفس المقاتلين من نفس الكتيبة‏43‏ صاعقة إلا أن الأسبوع الماضي راحت مساحته إلي حدث رياضي مهم يعكس معدن هذا الشعب العبقري القادر علي الإبداع في كل مجال وفي أي وقت إن وجد المناخ ووجد الإدارة وهذا ما حدث في بطولة كرة قدم فيها منتخبات إمكانات لاعبيها الفنية أكبر ويلعبون في أندية هي في العالم الأكبر ومع هذا منتخبنا حقق ما لم يقدر منتخب منهم علي تحقيقه وسجل ستة انتصارات في المباريات الست التي لعبها واستحق البطولة واستحق احتكار كأسها مدي الحياة لحصوله عليها ثلاث مرات والإعجاز أنها متتالية وهذا الإعجاز تأكيد علي معدن شعب تجده عملاقا لا أحد يقدر علي الوقوف أمامه والمهم أن نعرف كيف نضع أيدينا علي مكمن قوة الإنسان المصري‏...‏
هذا الأسبوع أكتب لحضراتكم عن حدوتة ولا في الأحلام‏..‏ حدوتة شجاعة مصرية تمت يوم‏15‏ ديسمبر‏1969‏ في الثانية عشرة والنصف ظهرا‏..‏ وأي شيء وكل شيء يمكن أن يتم ظهرا إلا شيئا واحدا وهو أن يكون كمينا للعدو ظهرا في أرض يحتلها ويسيطر عليها وموجود بها العدو‏..‏ هنا الجرأة وهنا الشجاعة وهنا يكون هذا الكمين غير مسبوق في أي حرب لأن القيام بعمل مثل هذا إما أنها جرأة لا وجود لها وشجاعة لم يسمع أحد عنها أو أنها عملية انتحار لا محالة عنه لإثبات أشياء لا وجود لها‏...‏
الذي يستحيل أن يفكر فيه أي قائد عسكري هو نفسه ما قررت القيادة العسكرية المصرية القيام به‏...‏
معلومات مؤكدة عند المخابرات العسكرية المصرية بوجود زيارة للجبهة من رتبة عسكرية كبيرة للعدو لمنطقة في شرق القناة تقع في نطاق الجيش الثالث بين الشط والجباسات‏...‏
المقدم أركان حرب صالح فضل قائد مجموعة الصاعقة استدعي النقيب أحمد شوقي قائد‏43‏ صاعقة وأبلغه المعلومات وأيضا القرار وفي الحال بدأ الاستعداد والتدريب بمنطقة مشابهة في بير عديب‏(‏ قبل العين السخنة بمسافة‏14‏ كيلو‏)...‏
المنطقة التي سيتم فيها الكمين أرض مفتوحة وفيها طريق مهم يستخدمه العدو ومطلوب عمل الكمين للزيارة المستهدفة‏...‏
التدريب علي عملية الكمين وفق التخطيط أن تحتل قوة الكمين أماكن علي جانب هذا الطريق وعلي مسافة‏15‏ مترا منه‏..‏ ومطلوب أن يكون أفراد الكمين هم والأرض واحد‏..‏ أي لا تظهر شعرة من رأس مقاتل مصري لأن العدو يستطلع يوميا الجبهة علي طول امتدادها‏(168‏ كيلومترا‏)‏ بطائرات استطلاع تقوم بتصوير الأرض وترسلها مباشرة إلي قيادتها التي تقرأ الصور ولو هناك أي أثر لأي شيء مختلف فورا تتحرك قوات مدرعة للمكان وتفتشه وهذا معناه أن الكمين الذي سيدخل إلي الشرق عليه ألا يترك أثرا واحدا خلفه وعليه أن يحتل مواقعه في باطن الأرض أو وسط النباتات الصحراوية التي يصل بعضها إلي حجم الأشجار وفي كل الحالات مطلوب عمليات تمويه تجعل العدو لا يشعر للحظة بأن إنسانا موجودا في المكان‏...‏
انتهي التدريب الذي ضم مجموعتين‏..‏ الأولي قوة الكمين بقيادة الملازم أول معتز الشرقاوي ومعه‏8‏ مقاتلين والمجموعة الأخري مجموعة الستر بقيادة الملازم أول حمدي الشوربجي ومهمتها ستر وحماية مجموعة الكمين خلال الذهاب والعودة‏...‏
الكمين مكانه علي بعد‏6‏ كيلومترات من القناة‏..‏ والمهمة عبور المقاتلين للقناة في يوم‏14‏ ليلا وتسللهم إلي داخل سيناء تحت ستار الظلام أما مجموعة الستر فهي تحتل موقعها في باطن الساتر الترابي وكل مقاتل يحفر لنفسه حفرة يدخل فيها ويتم تمويهها جيدا وأهم بنود التمويه ألا تبقي حبة رمل من ناتج الحفر ظاهرة لأن لونها مختلف ويكشف عن المكان أمام أي استطلاع للعدو‏...‏
مجموعة الكمين تتقدم إلي عمق سيناء ستة كيلومترات والمسافة تطول لأنها لا تذهب مباشرة إلي مكان العملية إنما تتجه إلي يمين مكان العملية بحوالي كيلومتر في اتجاه الجبل حتي تكون آثار الأقدام إن تتبعها العدو تجاه الجبل‏...‏
مجموعة الكمين وصلت مكانها المحدد بعد ساعتين ونصف الساعة من عبور القناة والساعة وقتها الثانية والنصف بعد منتصف الليل‏..‏ وتم دفن عبوات المتفجرات وتمويه أماكن دفنها وبدأت عملية توصيل الأسلاك ما بين العبوات المتفجرة المدفونة والسلك مدفون وإن ظهر لأي سبب فإنه من نفس لون الأرض‏...‏
مكان الكمين تم اختياره عند منحني في الطريق وعنده أي سيارة تهدئ من سرعتها وهذا يسهل مأمورية الكمين في التعامل مع الهدف المتحرك‏...‏
مجموعة الكمين انتهت من عملها ومن احتلال أماكن تمركزها مع إجراء التمويه الكامل الذي يجعل المقاتلين التسعة جزءا من الأرض يستحيل كشفه والوقت يقترب من الرابعة فجرا‏...‏
مجموعة الكمين التي يقودها الملازم أول معتز الشرقاوي عليها أن تبقي حيث هي في سكون تام دون أدني حركة إلي أن يأتي الهدف المقرر وصوله بعد الحادية عشرة صباحا ومعني الكلام أنه مفروض عليها عدم الحركة‏..‏ مجرد أدني حركة‏..‏ لمدة لا تقل عن سبع ساعات متتالية وربما تزيد‏...‏
قد يسأل البعض وماذا يفعل إن أراد مثلا التبول؟‏.‏ إن اضطرته الظروف‏..‏ براحته وفي مكانه وعلي نفسه‏!.‏ الغذاء قالب شيكولاتة والمياه في زجاجة بلاستيك أشبه بالبزازة الخاصة بالأطفال ليأخذ بضع نقاط في فمه وانتهينا لأننا في الشتاء والعرق أقل والإخراج عن طريق البول أكثر والأفضل ألا يحدث‏..‏ وهذا ما يتدرب عليه المقاتلون في العمليات الخاصة وقدرتهم علي أن يتحكموا في أنفسهم لساعات وساعات‏!.‏
الوقت تقريبا لا يمر والمقاتلون في كمينهم غير المسموح فيه بالهمس وليس الحركة‏..‏ والليل رحل وبدأ نور السماء يظهر وأشعة الشمس أخذت طريقها إلي الأرض الأشبه بديب فريزر حيث البرودة القاتلة والإحساس بها يتضاعف نتيجة عدم الحركة ومع أول ضوء ظهرت في السماء طائرة الاستطلاع التي تمسح المنطقة يوميا ولم تكشف الكمين ولا مجموعة الستر في الساتر الترابي‏..‏ وبعدها بساعة ظهرت في السماء هليوكوبتر ولم تلحظ شيئا‏...‏
الوقت يمر بطيئا والمقاتلون أطرافهم تجمدت تقريبا من البرد والكل في حالة تأهب لأن أحدا لا يعرف ماذا يمكن أن يحدث في أي لحظة وعلي المقاتلين التسعة أن يكونوا مستعدين للاشتباك دفاعا عن أنفسهم في أي ثانية لأن ما يدور حولهم هم لا يرونه وكل ما ينتظرونه في الكمين معلومة باللاسلكي من مجموعة الساتر‏..‏ التي تكشف المنطقة بأسرها والمعلومة كلمة ومشفرة‏...‏
أي قوات للعدو قادمة علي الطريق تجاه الكمين من جهة الشمال‏..‏ قائد مجموعة الستر يبلغ معتز الشرقاوي باللاسلكي كلمة واحدة والكلمة هالة‏..‏ ولو الهدف قادم من الجنوب‏..‏ الكلمة سامية‏..‏ علي فكرة هالة اسم خطيبة ضابط في الكتيبة‏(‏ رءوف أبوسعدة‏)‏ وسامية خطيبة الملازم أول حمدي الشوربجي‏...‏
مرت‏8‏ ساعات ونصف الساعة ومجموعة الكمين صامتة ساكنة تنتظر الفرج الذي جاء والساعة تقترب من الثانية عشرة والنصف ظهرا‏.‏ صوت حمدي الشوربجي عبر جهاز اللاسلكي حطم جدران الصمت القائم من ساعات‏..‏ حمدي ينادي‏:‏ سامية‏..‏ سامية وهذا معناه أن الهدف سيارة قادمة من اتجاه الجنوب‏.‏
بالفعل صوت عربة جيب تقترب وعند المنحني هدأت السرعة‏..‏ والجيب مكشوفة وفيها الجنرال كافيتش قائد القطاع الجنوبي لجبهة سيناء يجلس إلي جوار السائق وفي الخلف جوز حرس‏...‏
السيارة تقترب وعندما دخلت مجال نقاط المتفجرات تم التفجير إلا أن الانفجار لم يؤثر علي السيارة وانشقت الأرض ومن باطنها خرج المقاتلون التسعة وفتحوا نيران أسلحتهم علي السيارة لتخرج عن الطريق وتنقلب وفي لحظة كان الرجال فوقها فوجدوا الجنرال والسائق وجوز الحرس قتلي‏...‏
معتز الشرقاوي حصل علي كل الوثائق الخاصة بالجنرال والموجودة بالسيارة وجرد الجنرال من الرتب العسكرية التي يضعها علي كتفيه وحصل عليها‏...‏
المهمة انتهت بنجاح‏..‏ والمتبقي أن تعود مجموعة الكمين للغرب بسلام‏...‏
نحن نتكلم عن ستة كيلومترات مطلوب قطعها والساعة الواحدة ظهرا وسط أرض مكشوفة وعقب عملية راح فيها قائد الجبهة وثلاثة معه والعدو عرف‏...‏
المدفعية المصرية لحظة سماع تفجير المتفجرات بدأت القصف لشغل العدو عن الكمين ولخداع العدو عن معرفة حقيقة ما حدث للسيارة الجيب‏...‏
المدفعية تضرب مربع ناقص ضلع وكل‏50‏ مترا تنقل النيران للخلف تجاه الغرب والضلع الناقص هو الذي تتحرك فيه مجموعة الكمين ولأن المدفعية تنقل النيران كل‏50‏ مترا فالمطلوب من المقاتلين التسعة الجري بأقصي سرعة حتي لا تطولهم دانات المدفعية المصرية التي تحمي رجوعهم شرط أن يقطعوا الكيلومترات الستة في أسرع وقت قبل أن يبدأ أي هجوم مضاد للعدو بطائرات أو مدفعية أو مدرعات‏...‏
مجموعة الساتر مهمتها توجيه مجموعة الكمين في عودتها والتنسيق مع المدفعية في تحضيراتها وما إن وصل المقاتلون التسعة إلي مسافة‏100‏ متر من الساتر الترابي حتي رفعت المدفعية ضربها والرجال مع رجال الساتر تحركوا إلي القناة وما إن لمسوا مياهها حتي تأكدوا أن العملية نجحت بدون خسائر‏...‏
في اليوم التالي أعلن العدو نبأ وفاة الجنرال‏..‏ لكن العدو لم يذكر التفاصيل لأنها لا تذكر‏...‏
وفي أي حرب ينصب كمين نهارا وسط قوات العدو وينفذ مهمته ويعود سالما؟‏!..‏
لم يحدث هذا في أي حرب بأي مكان لكنه حدث عندنا‏..‏ لأن عندنا خير جند الأرض‏...‏
إنهم رجال يضعون أرواحهم علي أيديهم حبا في مصر وفداء لمصر‏...‏
إنهم ملاحم فداء وشجاعة ورجولة وشهامة‏...‏
إنهم المصريون‏...‏
يا حبيبتي يا مصر‏...‏
وللحديث بقية مادام في العمر بقية
 
عودة
أعلى