رد: مقالات الكاتب الكبير ابراهيم حجازي
** الحذر لا يمنع القدر!
هذا ما توقفت عنده الأسبوع الماضي في متابعتنا لواحدة من دوريات الاستطلاع خلف خطوط العدو في سيناء التي دفعت بها المخابرات الحربية المصرية لأجل رصد وملاحظة قوات وعتاد وتحركات الصهاينة في أعماق سيناء. وأهمية تلك الدوريات أنها كانت بعد هزيمة1967 بعدة أشهر ووقتها المعنويات في الأرض عسكريا ومدنيا لأنها لم تكن مجرد هزيمة في حرب!. وقتها كنا في حاجة إلي أي عمل نعرف من خلاله أننا مازلنا أحياء وأن الصهاينة ليسوا فوق البشر!. المخابرات الحربية المصرية دفعت بثلاث دوريات قام باثنتين منها ضابطان من الصاعقة هما محمد عمران وسمير زيتون والثالثة نفذها ضابط مظلات هو الملازم أول جميل حماد يوم8 ديسمبر1967 للبقاء مدة شهر في سيناء وقاعدة دورياته جبل أم خشيب الموجودة فيه نقطة يهودية ووجودها معناه الحذر كل الحذر في التحركات وفي استخدام جهاز اللاسلكي وهذا ما جعل جميل حماد في كل إرسال لاسلكي ينزل من مكمنه وسط الجبل ويبتعد عن أم خشيب الجبل والمنطقة بأسرها كيلومترات طويلة حتي يستخدم اللاسلكي في اتصاله بالقيادة وكل هذه الاحتياطات خشية أن تلتقط موجة إرساله النقطة اليهودية الموجودة بها أجهزة تنصت مهمتها التقاط أي موجات لاسلكية.. إلا أن الحذر الحريص عليه جميل حماد لم يمنع القدر!
في اليوم المحدد لإرسال رسالة لقيادته.. نزل جميل حماد من الجبل متوجها إلي منطقة طويل الذئاب وهي تقع شمال ممر متلا وهي المنطقة الآمنة من وجهة نظره للإرسال اللاسلكي لأنها علي بعد قرابة الـ50 كيلومترا من جبل أم خشيب الموجودة فيه النقطة اليهودية:
هو ابتعد عنهم بما فيه الكفاية وبما يحقق اشتراطات الحذر إلا أن القدر كان له رأي آخر ولسبب أو آخر دخل اليهود علي موجة جهاز اللاسلكي المصري وجميل حماد يرسل رسالته للمخابرات الحربية ودخولهم لم يمكنهم من معرفة معلومة واحدة لأن الإرسال يتم بالشفرة التي نسخة منها معه والثانية في المخابرات!
دخولهم والتقاطهم موجة الإرسال جعلهم يكتشفون أن في المنطقة جهاز لاسلكي مصريا وأن في المنطقة مصريين.. صحيح أنهم لم يعرفوا طبيعة المعلومات المرسلة لكنهم حددوا موقع الإرسال!.
جميل حماد لم يكن يعرف أنهم التقطوا موجة الإرسال إلا أن غباءهم من جهة وذكاءه من جهة كشفا المستور!
اليهود تدخلوا وهو يتكلم مع قيادته.. أصبحوا طرفا ثالثا معه ومع القيادة وتكلموا بالعربية.. ومع تدخلهم وكلامهم لاحظ هو أن الصوت القادم له والمفترض أنه من القاهرة بعضه واضح وقريب والآخر خافت وبعيد وهنا فطن جميل حماد إلي أنه ربما يكون اليهود التقطوا الرسالة وركبوا الموجة ـ موجة الإرسال ـ ولقطع الشك باليقين طرح سؤالا إجابته لابد أن تكون بالشفرة ولم يتلق إجابة لأن اليهود لا يعرفون الشفرة.. لحظتها عرف أن الصوت القريب الواضح قادم له من عند اليهود!. لحظتها أنهي الاتصال فورا وأغلق الجهاز وغادر المكان وهداه تفكيره إلي أن يكمن في مكان بعيد عن منطقة الإرسال وأيضا عن قاعدة الدوريات وما توقعه حدث!
الصهاينة لم يتركوا متر أرض في منطقة طويل الذئاب إلا وفتشوه لأنها المنطقة التي صدر منها الإرسال اللاسلكي الذي التقطوه!. الصهاينة لم يتركوا بدويا واحدا في المنطقة إلا واستجوبوه!. الصهاينة قاموا بتمشيط جبل أم خشيب بحثا عمن يقوم برصدهم وإبلاغ معلومات عنهم للمصريين!. الصهاينة في النهاية وصل بهم الأمر إلي قبول فكرة أنه ربما تهيأ لهم ما سمعوه ولم يكن ذلك يأسا إنما لأنهم مسحوا المنطقة ولم يعثروا علي شعرة تقودهم إلي وجود غريب بينهم!
انتهوا إلي نتيجة أنه لا يوجد غريب رغم أن الغريب موجود ولم تبتلعه الأرض.. والملازم أول جميل حماد أو البدوي حمدان حماد سلامة أبو قريع موجود أمام عيونهم يرعي قطيعه الصغير وبرفقته طفل كبير أو شاب صغير اسمه إسليم سليم وعمره وقتها13 سنة وهو من نفس قبيلة الدليل سلامة أبو سلامة والقبيلة كلها نساؤها قبل رجالها وطنيتهم وانتماؤهم فوق كل اعتبار وحدوتة حب لمصر الوطن!. جميل حماد موجود أمام اليهود يرعي غنمه وإجراءات الأمن الرهيبة التي يقوم بها الصهاينة لم تحرك شعرة من رأسه رغم علمه أنه علي بعد سنتيمترات من الموت لكن الموت لا يهم لأن مصر أهم والأهم!
وانتهي الشهر الذي فيه جميل حماد وسط اليهود وخلفهم وبينهم في سيناء وقبل أن يبدأ رحلة العودة جاءت التعليمات بالبقاء والاستمرار في مهمته حتي أوامر أخري واستمرت المهمة لأن الأوامر الأخري لم تأت إلا بعد نهاية الشهر الثالث له في سيناء!
بعد90 يوما خلف خطوط العدو عاد الملازم أول جميل حماد من نفس طريق الذهاب وبنفس أسلوب السير الذي هو ليلا والكمون نهارا وفي الليلة الثانية من رحلة العودة والوقت يقترب من الفجر كان هو يقترب من ضفة القناة الشرقية وهناك وجد رجال الضفادع البشرية المصرية في الانتظار.. في نفس المكان ونفس الموعد ونفس القارب الذي عاد بهم إلي الضفة الغربية للقناة وكان أول من احتضنه مدير مكتب المخابرات العسكرية بالإسماعيلية المقدم يوسف العشيري وبعد الاطمئنان عليه داعبه قائلا:
لقد راهنت عليك وكسبت الرهان وقلت لهم الضابط ده مستحيل يتمسك!
ولم يفهم جميل حماد الكلام لكنه فيما بعد عرف الحكاية.. عرف أن اليهود بعد حدوتة اللاسلكي وكشفهم موجة الإرسال.. أبلغوا رسالة من قاعدة أم خشيب إلي قيادتهم بأنهم اكتشفوا وجود مصريين يقومون بأعمال استطلاع وتم القبض عليهم.. والرسالة لم تكن مشفرة والتقطتها المخابرات الحربية المصرية وعندما تم عرضها أكد العشيري أنها خدعة وطعم يريدون لنا ابتلاعه وأن هذا الضابط كفء وشجاع ومستحيل وقوعه!
وصدق رجل المخابرات المصرية في قوله لأن جميل حماد دخل خلف خطوطهم ثلاثة أشهر وعاد, وقبله فعلها الملازم أول محمد رشاد عمران الذي قضي في سيناء شهرا وعاد, وبينهما فعلها الملازم أول سمير زيتون الذي دخل سيناء لمهمة خلف الخطوط في جبل الحلال ومكث شهرا وعاد!
عاد سمير زيتون من جبل الحلال إلي كتيبته في أنشاص وهو لا يعرف أن له مع القدر حكايات وأنه سيعود ثانية إلي نفس المكان.. لكن في الحرب وليس الاستطلاع!
وللحديث بقية مادام في العمر بقية
هذا ما توقفت عنده الأسبوع الماضي في متابعتنا لواحدة من دوريات الاستطلاع خلف خطوط العدو في سيناء التي دفعت بها المخابرات الحربية المصرية لأجل رصد وملاحظة قوات وعتاد وتحركات الصهاينة في أعماق سيناء. وأهمية تلك الدوريات أنها كانت بعد هزيمة1967 بعدة أشهر ووقتها المعنويات في الأرض عسكريا ومدنيا لأنها لم تكن مجرد هزيمة في حرب!. وقتها كنا في حاجة إلي أي عمل نعرف من خلاله أننا مازلنا أحياء وأن الصهاينة ليسوا فوق البشر!. المخابرات الحربية المصرية دفعت بثلاث دوريات قام باثنتين منها ضابطان من الصاعقة هما محمد عمران وسمير زيتون والثالثة نفذها ضابط مظلات هو الملازم أول جميل حماد يوم8 ديسمبر1967 للبقاء مدة شهر في سيناء وقاعدة دورياته جبل أم خشيب الموجودة فيه نقطة يهودية ووجودها معناه الحذر كل الحذر في التحركات وفي استخدام جهاز اللاسلكي وهذا ما جعل جميل حماد في كل إرسال لاسلكي ينزل من مكمنه وسط الجبل ويبتعد عن أم خشيب الجبل والمنطقة بأسرها كيلومترات طويلة حتي يستخدم اللاسلكي في اتصاله بالقيادة وكل هذه الاحتياطات خشية أن تلتقط موجة إرساله النقطة اليهودية الموجودة بها أجهزة تنصت مهمتها التقاط أي موجات لاسلكية.. إلا أن الحذر الحريص عليه جميل حماد لم يمنع القدر!
في اليوم المحدد لإرسال رسالة لقيادته.. نزل جميل حماد من الجبل متوجها إلي منطقة طويل الذئاب وهي تقع شمال ممر متلا وهي المنطقة الآمنة من وجهة نظره للإرسال اللاسلكي لأنها علي بعد قرابة الـ50 كيلومترا من جبل أم خشيب الموجودة فيه النقطة اليهودية:
هو ابتعد عنهم بما فيه الكفاية وبما يحقق اشتراطات الحذر إلا أن القدر كان له رأي آخر ولسبب أو آخر دخل اليهود علي موجة جهاز اللاسلكي المصري وجميل حماد يرسل رسالته للمخابرات الحربية ودخولهم لم يمكنهم من معرفة معلومة واحدة لأن الإرسال يتم بالشفرة التي نسخة منها معه والثانية في المخابرات!
دخولهم والتقاطهم موجة الإرسال جعلهم يكتشفون أن في المنطقة جهاز لاسلكي مصريا وأن في المنطقة مصريين.. صحيح أنهم لم يعرفوا طبيعة المعلومات المرسلة لكنهم حددوا موقع الإرسال!.
جميل حماد لم يكن يعرف أنهم التقطوا موجة الإرسال إلا أن غباءهم من جهة وذكاءه من جهة كشفا المستور!
اليهود تدخلوا وهو يتكلم مع قيادته.. أصبحوا طرفا ثالثا معه ومع القيادة وتكلموا بالعربية.. ومع تدخلهم وكلامهم لاحظ هو أن الصوت القادم له والمفترض أنه من القاهرة بعضه واضح وقريب والآخر خافت وبعيد وهنا فطن جميل حماد إلي أنه ربما يكون اليهود التقطوا الرسالة وركبوا الموجة ـ موجة الإرسال ـ ولقطع الشك باليقين طرح سؤالا إجابته لابد أن تكون بالشفرة ولم يتلق إجابة لأن اليهود لا يعرفون الشفرة.. لحظتها عرف أن الصوت القريب الواضح قادم له من عند اليهود!. لحظتها أنهي الاتصال فورا وأغلق الجهاز وغادر المكان وهداه تفكيره إلي أن يكمن في مكان بعيد عن منطقة الإرسال وأيضا عن قاعدة الدوريات وما توقعه حدث!
الصهاينة لم يتركوا متر أرض في منطقة طويل الذئاب إلا وفتشوه لأنها المنطقة التي صدر منها الإرسال اللاسلكي الذي التقطوه!. الصهاينة لم يتركوا بدويا واحدا في المنطقة إلا واستجوبوه!. الصهاينة قاموا بتمشيط جبل أم خشيب بحثا عمن يقوم برصدهم وإبلاغ معلومات عنهم للمصريين!. الصهاينة في النهاية وصل بهم الأمر إلي قبول فكرة أنه ربما تهيأ لهم ما سمعوه ولم يكن ذلك يأسا إنما لأنهم مسحوا المنطقة ولم يعثروا علي شعرة تقودهم إلي وجود غريب بينهم!
انتهوا إلي نتيجة أنه لا يوجد غريب رغم أن الغريب موجود ولم تبتلعه الأرض.. والملازم أول جميل حماد أو البدوي حمدان حماد سلامة أبو قريع موجود أمام عيونهم يرعي قطيعه الصغير وبرفقته طفل كبير أو شاب صغير اسمه إسليم سليم وعمره وقتها13 سنة وهو من نفس قبيلة الدليل سلامة أبو سلامة والقبيلة كلها نساؤها قبل رجالها وطنيتهم وانتماؤهم فوق كل اعتبار وحدوتة حب لمصر الوطن!. جميل حماد موجود أمام اليهود يرعي غنمه وإجراءات الأمن الرهيبة التي يقوم بها الصهاينة لم تحرك شعرة من رأسه رغم علمه أنه علي بعد سنتيمترات من الموت لكن الموت لا يهم لأن مصر أهم والأهم!
وانتهي الشهر الذي فيه جميل حماد وسط اليهود وخلفهم وبينهم في سيناء وقبل أن يبدأ رحلة العودة جاءت التعليمات بالبقاء والاستمرار في مهمته حتي أوامر أخري واستمرت المهمة لأن الأوامر الأخري لم تأت إلا بعد نهاية الشهر الثالث له في سيناء!
بعد90 يوما خلف خطوط العدو عاد الملازم أول جميل حماد من نفس طريق الذهاب وبنفس أسلوب السير الذي هو ليلا والكمون نهارا وفي الليلة الثانية من رحلة العودة والوقت يقترب من الفجر كان هو يقترب من ضفة القناة الشرقية وهناك وجد رجال الضفادع البشرية المصرية في الانتظار.. في نفس المكان ونفس الموعد ونفس القارب الذي عاد بهم إلي الضفة الغربية للقناة وكان أول من احتضنه مدير مكتب المخابرات العسكرية بالإسماعيلية المقدم يوسف العشيري وبعد الاطمئنان عليه داعبه قائلا:
لقد راهنت عليك وكسبت الرهان وقلت لهم الضابط ده مستحيل يتمسك!
ولم يفهم جميل حماد الكلام لكنه فيما بعد عرف الحكاية.. عرف أن اليهود بعد حدوتة اللاسلكي وكشفهم موجة الإرسال.. أبلغوا رسالة من قاعدة أم خشيب إلي قيادتهم بأنهم اكتشفوا وجود مصريين يقومون بأعمال استطلاع وتم القبض عليهم.. والرسالة لم تكن مشفرة والتقطتها المخابرات الحربية المصرية وعندما تم عرضها أكد العشيري أنها خدعة وطعم يريدون لنا ابتلاعه وأن هذا الضابط كفء وشجاع ومستحيل وقوعه!
وصدق رجل المخابرات المصرية في قوله لأن جميل حماد دخل خلف خطوطهم ثلاثة أشهر وعاد, وقبله فعلها الملازم أول محمد رشاد عمران الذي قضي في سيناء شهرا وعاد, وبينهما فعلها الملازم أول سمير زيتون الذي دخل سيناء لمهمة خلف الخطوط في جبل الحلال ومكث شهرا وعاد!
عاد سمير زيتون من جبل الحلال إلي كتيبته في أنشاص وهو لا يعرف أن له مع القدر حكايات وأنه سيعود ثانية إلي نفس المكان.. لكن في الحرب وليس الاستطلاع!
وللحديث بقية مادام في العمر بقية