شهد العالم خلال هذا القرن، طفرات وثورات تكنولوجية هائلة، سواء في مجالات، الاتصال والمعلومات، أو نُظُم التسليح، واكبتها تطورات بالغة الأهمية والخطورة في مجال العلوم الإنسانية، خاصةً فيما يتعلق بالظواهر السلوكية (اجتماعيه ـ نفسية ـ سياسية )، سواء في النظرية أو التطبيق، والتي تعني، بشكل محدد، استغلال نتائج ومردود ذلك التقدم وتوظيفه لمصلحة مفاهيم تطبيق العلوم المتعلقة بالظواهر الإنسانية والسلوكية وأُسُسها ووسائلها وأساليبها، والتي من أبرزها المفهوم الشامل للعمليات النفسية.
وإذا كان من أهم سمات التقدم العلمي والتكنولوجي وطبيعته، إلقاء أعبائها الثقيلة على عقل وفكر القادة والزعماء والعامة وآرائهم، مما يتولد عنها تصاعد الضغوط الذهنية وتناميها على الأفراد والجماعات تقوى فيه التوترات وترتفع طموحات البشر فتنشأ بؤر لتفجر الأزمات والصراعات العسكرية وآلياتها التنفيذية والتي من أهمها العمليات النفسية.
وقد أضحى، ونحن على مشارف القرن الحادي والعشرين، أن مدى التقدم العلمي والحضاري لدول العالم قد أصبح يقاس بما توفره هذه الدول من عناية وتوازن وقدرة على مواجهه وإدارة أنشطتها ومشاكلها وأزماتها من خلال تطبيق المناهج العلمية والدراسات الموضوعية مع الملاحظة والمراقبة المستمرة لسلوك أفرادها والعمل على فهمه وتفسيره في محاولة للتنبوء به، ومن ثم، توجيهه والتحكم فيه والسيطرة عليه (تأمينه نفسياً) تحقيقاً لأهدافها وغاياتها القومية وهو أحد محاور العمليات النفسية وأهدافها، بمفهومها الشامل، الذي أكدته وأفرزته نتائج الحروب الحديثة بدءاً من الحرب العالمية الأولى والثانية وأكتوبر 73، ومروراً بحرب الفوكلاند، وأخيراً نتائجها الرهيبة في حرب تحرير الكويت 1990 ـ 1991.
ومن الثوابت اللافتة للنظر، أن القادة العسكريين على مر العصور، وكافة المستويات، يضعون العامل والعمليات النفسية كبُعد جديد وقوى خامسة (برية ـ بحرية ـ جوية ـ د جو ـ نفسية)، في ميادين الحرب، يتم التخطيط والتطوير في استخدامها لسرعة حسم العمليات العسكرية والمعارك والوصول إلى النصر النهائي بأقل القليل من الخسائر البشرية.
وإذا كان الدارسون والباحثون في مجالات، الأمن القومي والإستراتيجية القومية، يركزون، دائماً، بل يركنون، غالباً، إلى تقييم عناصر قوى الدولة الشاملة، من وجهه نظر الإستراتيجية الأمريكيـة ، فقد عبَّر عنها أفلاطون، كذلك، في مقولته عن الروح المعنوية: "إن أسوار المدينة لا تبنيها الحجارة ". إذ يشير إلى أن الإرادة والروح المعنوية العالية، هي الدافع والحافز للإنسان للبناء وليس الجماد.
وهنا، يجب ألا نغفل عن المعادلة الإلهية لقوى الدولة الشاملة، التي تجلت في قوله تعالى، في سوره "الأنفال": ]وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَءَاخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ[ (سورة الأنفال: الآية 60)، فهي توجيه وتعريف إلهي متكامل الأركان بمفهوم العمليات النفسية الشاملة لِمَا له من تأثير فعال ومباشر على باقي قوى الدولة وهو ما يعني أهمية التوصيف المتكامل والشامل للقوى النفس معنوية (عمليات نفسية) لدعم باقي القوى ومعاونتها في تحقيق أهدافها وغاياتها في مجابهة الأعداء وآخرون (أصدقاء ـ حلفاء ـ محايدون) لتنمية وتعظيم مشاعر الخوف لديهم.
إن العمل النفسي يحمل معنى قديم، فقد لجأ إليه كثير من عظماء القادة السياسيين والعسكريين والزعماء على مر العصور، إما بشكل فطري عفوي، غير مدرك لمواجهه موقف محدد صعب، لتغييره لمصلحته، أو كأحد قدرات وسمات نظرية الرجل العظيم نتيجة محدودية الإمكانيات المادية عن بلوغ أهداف وطموحات تلك الزعامات واستخدمت فيه الوسائل والإمكانيات والأفكار غير المألوفة في ذلك الزمان، إذ استخدمت الخداع والمفاجأة وغيرها.
أمّا المفهوم الحديث للعمل النفسي، فهو يُعالج موضوع مستمر مخطط أكثر شمولاً واتساعاً. فهو يتضمن كل عمل يسعى إلى التأثير على أفكار ـ آراء ـ اتجاهات ـ انفعالات وعواطف الفرد والجماعات لتوجيه سلوكه/ سلوكياتهم، التوجه المطلوب والذي يندرج تحته كل الأنشطة المسؤولة عن التأثير على الرأي العام الداخلي والخارجي، ومسؤولي ومؤسسات متخذي القرار في الدول والمنظمات الدولية المخططة وهو مفهوم يستوعب، كذلك، كل المؤسسات التي تعمل في إطار المؤسسات الإعلامية المتنوعة وعديد من مؤسسات نُظم الحكم مثل الخارجية والدفاع والاستخبارات وغيرها إن اقتضت الحاجة.
وانطلاقا من هذا المفهوم الواسع الشامل، وإدراكا لأهمية وفاعلية العمليات النفسية، صعَّدت الدول المتقدمة العمل النفسي إلى مستوى الأمن القومي من منظوره الشامل، واعتبرت القدرات النفسية إحدى ركائز وقدرات الدولة الشاملة، وهي بذلك، عظمت أهمية وضع سياسات وإستراتيجيات نفسيه لتحقيق الأهداف والغايات القومية والمحافظة على المصالح خارج حدودها القومية بالتنسيق مع باقي السياسات والإستراتيجيات التخصصية الخارجية، والداخلية والاقتصادية، والعسكرية، والاجتماعية إدراكاً منها بقدرة العمل النفسي على استيعاب التطورات العملية والمتغيرات العالمية حتى صارت تمثل بعداً مهماً في مفهوم الأمن القومي الشامل لا يمكن إغفاله.
وتأسيساً على ما سبق، يتضح دور العمليات النفسية وأهميتها، سلماً وحرباً، إذ توجه وتشن للحليف والصديق، المحايد والمعادي، وأن هذه الأهمية في الحقيقة ما هي إلاَّ أحد التداعيات التي تميز النظام العالمي الجديد وتتطلب التكامل والشموليـة سواء في الحرب أو السياسة أو الاقتصاد. ولا تقتصر على طرف دون الأخر، من خلال كونها تمثل إحدى الآليات الرئيسية في إدارة الأزمات بين أطراف الصراع بل ونؤكد على أنه قد صار التوسع في استخدام وسائلها وطرقها وأساليبها المختلفة وعلى كافة المستويات لدعم وتحقيق الغايات والأهداف القومية للدول من أهم سمات النظام العالمي للحصول على دور مؤثر ومتميز يحقق غاياتها وأهدافها.
وفى المقابل، فإن عدم الاهتمام أو تبني هذا البُعد الرهيب أو ما يُطلق عليه السياسة النفسية للدولة وتحديد وتقنين علاقاتها وباقي السياسات الإستراتيجية التخصصية للدولة سيؤدي، حتماً، إلى التأثير السلبي لقوى الدولة الشاملة (سياسية ـ اقتصادية ـ عسكرية)، من جهة، وإلى حدوث هزات عنيفة في المجتمعات، السياسية والداخلية والعسكرية، للدولة على المستوي المحلي، أو الإقليمي والدولي من جهة أخرى وهو ما تعلن عنه بكل وضوح تطورات الأزمات المشتعلة، حالياً، (الخليج ـ سلام الشرق الأوسط ـ الردع النووي المتبادل بين الهند وباكستان). وهناك، دائماً، في الأزمتين الأولى والثانية، طرف يُخطط ويدير آلية العمليات النفسية والطرف الأخر يعتمد على توجيهات القيادة السياسية، والاعتماد على القدرة الأكاديمية في الرصد والتحليل وتقديم مقترحات للرد. أمّا في الأزمة الثالثة، الردع النووي، فيُشير الرصد الموضوعي لتطورات مراحل الأزمة إلى الاستخدام العلمي الشامل للقوى النفسية بموضوعية وخبرة عملية، من قِبل طرفَي الصراع، وهو ما يؤكد على تحقيق أطراف الأزمة لأهدافها، من دون تصعيد آخر مع نجاحها في تحجيم أي تدخل خارجي.
مصطلحات العمليات النفسية
يعتبر مصطلح العمليات النفسية هو الأشهر والأكثر تداولاً بين المصطلحات المستخدمة في بحث هذا الموضوع، ولكننا قد نجد في المراجع والدراسات والبحوث التي تناولت هذا الموضوع مصطلحات أخرى شاعت عند الحديث عن الصراع الأيديولوجي الذي يسود العالم اليوم. وفيما يلي بعض من هذه المصطلحات:
أ. الحرب الباردة.
ب. حرب الأفكار.
ج. النضال من أجل الحصول على عقول الرجال وإرادتهم.
د. الحرب من أجل السيطرة على عقول الرجال.
هـ. حرب الفكر.
وهذه المصطلحات الخمس وظيفية، تصف دور العمليات السيكولوجية في العلاقات الدولية وهي عمليات ديناميكية فعلاً. ويبدو أن مجال الحرب الباردة أوسع، فهناك افتراض أن الحرب الباردة تشن بكل الوسائل باستثناء العمل العسكري الهجومي المباشر الضخم.
و. الحرب الأيديولوجية أو العقائدية. وهي تصف الجانب الأيديولوجي من هذا النشاط، وقد يكون لها معنى وظيفي ينطبق على الصراع بين العالم الشيوعي والعالم الغربي، ومعنى منهجي يشير إلى التكتيكات المستخدمة لمواجهة هذا الصراع.
ز. حرب الأعصاب. هو اصطلاح سيكولوجي ضيق، ونظراً لأنه ينطوي على زيادة التوتر بشكل متعمد، فإنه يقتصر عادة على المعلومات الموجهة ضد العدو في فترة الاشتباكات المباشرة.
ح. الحرب السياسية. وهذا أساساً اصطلاح بريطاني، استخدم لتأكيد فكرة وجود علاقة بين كل وسائل السياسة (مثل الدبلوماسية، الاقتصاد، السلاح... إلخ) في زمن الحرب، وهو يقترب من معنى الحرب السيكولوجية بمعناها الواسع.
ط. المعلومات الدولية.
ي. المعلومات عبر البحار.
ك. الحملة من أجل الحقيقة.
وهذه المصطلحات الثلاثة تنطبق على عمليات نشر الحقائق والمعلومات دولياً لمواجهة المعلومات المعادية.
ل. الدعاية الدولية.
م. الدعاية.
ن. الحرب الدعائية. وهذه تشير إلى استخدام الرموز، للتأثير على سلوك الجماهير حيال القضايا الدولية التي تختلف حولها وجهات النظر.
س. حرب الكلمات.
ع. العدوان غير المباشر. وهو اصطلاح واسع ينطوي على مفاهيم التخريب وقلب نظام الحكم، وأيضاٍ المعلومات والدعاية لأهداف عدوانية.
ف. التحريك أو الإثارة. هو اصطلاح سوفيتي أساساً، يستخدم لوصف الدعاية بين الجماهير العريضة لتمييز ذلك النشاط عن الدعاية الموجهة للصفوة.
ص. الاتصال الدولي. يستخدم إلى جانب معناه الفني الصرف للإشارة إلى من يقول ماذا وبأي تأثير في العلاقات الدولية.
وإذا كان من أهم سمات التقدم العلمي والتكنولوجي وطبيعته، إلقاء أعبائها الثقيلة على عقل وفكر القادة والزعماء والعامة وآرائهم، مما يتولد عنها تصاعد الضغوط الذهنية وتناميها على الأفراد والجماعات تقوى فيه التوترات وترتفع طموحات البشر فتنشأ بؤر لتفجر الأزمات والصراعات العسكرية وآلياتها التنفيذية والتي من أهمها العمليات النفسية.
وقد أضحى، ونحن على مشارف القرن الحادي والعشرين، أن مدى التقدم العلمي والحضاري لدول العالم قد أصبح يقاس بما توفره هذه الدول من عناية وتوازن وقدرة على مواجهه وإدارة أنشطتها ومشاكلها وأزماتها من خلال تطبيق المناهج العلمية والدراسات الموضوعية مع الملاحظة والمراقبة المستمرة لسلوك أفرادها والعمل على فهمه وتفسيره في محاولة للتنبوء به، ومن ثم، توجيهه والتحكم فيه والسيطرة عليه (تأمينه نفسياً) تحقيقاً لأهدافها وغاياتها القومية وهو أحد محاور العمليات النفسية وأهدافها، بمفهومها الشامل، الذي أكدته وأفرزته نتائج الحروب الحديثة بدءاً من الحرب العالمية الأولى والثانية وأكتوبر 73، ومروراً بحرب الفوكلاند، وأخيراً نتائجها الرهيبة في حرب تحرير الكويت 1990 ـ 1991.
ومن الثوابت اللافتة للنظر، أن القادة العسكريين على مر العصور، وكافة المستويات، يضعون العامل والعمليات النفسية كبُعد جديد وقوى خامسة (برية ـ بحرية ـ جوية ـ د جو ـ نفسية)، في ميادين الحرب، يتم التخطيط والتطوير في استخدامها لسرعة حسم العمليات العسكرية والمعارك والوصول إلى النصر النهائي بأقل القليل من الخسائر البشرية.
وإذا كان الدارسون والباحثون في مجالات، الأمن القومي والإستراتيجية القومية، يركزون، دائماً، بل يركنون، غالباً، إلى تقييم عناصر قوى الدولة الشاملة، من وجهه نظر الإستراتيجية الأمريكيـة ، فقد عبَّر عنها أفلاطون، كذلك، في مقولته عن الروح المعنوية: "إن أسوار المدينة لا تبنيها الحجارة ". إذ يشير إلى أن الإرادة والروح المعنوية العالية، هي الدافع والحافز للإنسان للبناء وليس الجماد.
وهنا، يجب ألا نغفل عن المعادلة الإلهية لقوى الدولة الشاملة، التي تجلت في قوله تعالى، في سوره "الأنفال": ]وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَءَاخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ[ (سورة الأنفال: الآية 60)، فهي توجيه وتعريف إلهي متكامل الأركان بمفهوم العمليات النفسية الشاملة لِمَا له من تأثير فعال ومباشر على باقي قوى الدولة وهو ما يعني أهمية التوصيف المتكامل والشامل للقوى النفس معنوية (عمليات نفسية) لدعم باقي القوى ومعاونتها في تحقيق أهدافها وغاياتها في مجابهة الأعداء وآخرون (أصدقاء ـ حلفاء ـ محايدون) لتنمية وتعظيم مشاعر الخوف لديهم.
إن العمل النفسي يحمل معنى قديم، فقد لجأ إليه كثير من عظماء القادة السياسيين والعسكريين والزعماء على مر العصور، إما بشكل فطري عفوي، غير مدرك لمواجهه موقف محدد صعب، لتغييره لمصلحته، أو كأحد قدرات وسمات نظرية الرجل العظيم نتيجة محدودية الإمكانيات المادية عن بلوغ أهداف وطموحات تلك الزعامات واستخدمت فيه الوسائل والإمكانيات والأفكار غير المألوفة في ذلك الزمان، إذ استخدمت الخداع والمفاجأة وغيرها.
أمّا المفهوم الحديث للعمل النفسي، فهو يُعالج موضوع مستمر مخطط أكثر شمولاً واتساعاً. فهو يتضمن كل عمل يسعى إلى التأثير على أفكار ـ آراء ـ اتجاهات ـ انفعالات وعواطف الفرد والجماعات لتوجيه سلوكه/ سلوكياتهم، التوجه المطلوب والذي يندرج تحته كل الأنشطة المسؤولة عن التأثير على الرأي العام الداخلي والخارجي، ومسؤولي ومؤسسات متخذي القرار في الدول والمنظمات الدولية المخططة وهو مفهوم يستوعب، كذلك، كل المؤسسات التي تعمل في إطار المؤسسات الإعلامية المتنوعة وعديد من مؤسسات نُظم الحكم مثل الخارجية والدفاع والاستخبارات وغيرها إن اقتضت الحاجة.
وانطلاقا من هذا المفهوم الواسع الشامل، وإدراكا لأهمية وفاعلية العمليات النفسية، صعَّدت الدول المتقدمة العمل النفسي إلى مستوى الأمن القومي من منظوره الشامل، واعتبرت القدرات النفسية إحدى ركائز وقدرات الدولة الشاملة، وهي بذلك، عظمت أهمية وضع سياسات وإستراتيجيات نفسيه لتحقيق الأهداف والغايات القومية والمحافظة على المصالح خارج حدودها القومية بالتنسيق مع باقي السياسات والإستراتيجيات التخصصية الخارجية، والداخلية والاقتصادية، والعسكرية، والاجتماعية إدراكاً منها بقدرة العمل النفسي على استيعاب التطورات العملية والمتغيرات العالمية حتى صارت تمثل بعداً مهماً في مفهوم الأمن القومي الشامل لا يمكن إغفاله.
وتأسيساً على ما سبق، يتضح دور العمليات النفسية وأهميتها، سلماً وحرباً، إذ توجه وتشن للحليف والصديق، المحايد والمعادي، وأن هذه الأهمية في الحقيقة ما هي إلاَّ أحد التداعيات التي تميز النظام العالمي الجديد وتتطلب التكامل والشموليـة سواء في الحرب أو السياسة أو الاقتصاد. ولا تقتصر على طرف دون الأخر، من خلال كونها تمثل إحدى الآليات الرئيسية في إدارة الأزمات بين أطراف الصراع بل ونؤكد على أنه قد صار التوسع في استخدام وسائلها وطرقها وأساليبها المختلفة وعلى كافة المستويات لدعم وتحقيق الغايات والأهداف القومية للدول من أهم سمات النظام العالمي للحصول على دور مؤثر ومتميز يحقق غاياتها وأهدافها.
وفى المقابل، فإن عدم الاهتمام أو تبني هذا البُعد الرهيب أو ما يُطلق عليه السياسة النفسية للدولة وتحديد وتقنين علاقاتها وباقي السياسات الإستراتيجية التخصصية للدولة سيؤدي، حتماً، إلى التأثير السلبي لقوى الدولة الشاملة (سياسية ـ اقتصادية ـ عسكرية)، من جهة، وإلى حدوث هزات عنيفة في المجتمعات، السياسية والداخلية والعسكرية، للدولة على المستوي المحلي، أو الإقليمي والدولي من جهة أخرى وهو ما تعلن عنه بكل وضوح تطورات الأزمات المشتعلة، حالياً، (الخليج ـ سلام الشرق الأوسط ـ الردع النووي المتبادل بين الهند وباكستان). وهناك، دائماً، في الأزمتين الأولى والثانية، طرف يُخطط ويدير آلية العمليات النفسية والطرف الأخر يعتمد على توجيهات القيادة السياسية، والاعتماد على القدرة الأكاديمية في الرصد والتحليل وتقديم مقترحات للرد. أمّا في الأزمة الثالثة، الردع النووي، فيُشير الرصد الموضوعي لتطورات مراحل الأزمة إلى الاستخدام العلمي الشامل للقوى النفسية بموضوعية وخبرة عملية، من قِبل طرفَي الصراع، وهو ما يؤكد على تحقيق أطراف الأزمة لأهدافها، من دون تصعيد آخر مع نجاحها في تحجيم أي تدخل خارجي.
مصطلحات العمليات النفسية
يعتبر مصطلح العمليات النفسية هو الأشهر والأكثر تداولاً بين المصطلحات المستخدمة في بحث هذا الموضوع، ولكننا قد نجد في المراجع والدراسات والبحوث التي تناولت هذا الموضوع مصطلحات أخرى شاعت عند الحديث عن الصراع الأيديولوجي الذي يسود العالم اليوم. وفيما يلي بعض من هذه المصطلحات:
أ. الحرب الباردة.
ب. حرب الأفكار.
ج. النضال من أجل الحصول على عقول الرجال وإرادتهم.
د. الحرب من أجل السيطرة على عقول الرجال.
هـ. حرب الفكر.
وهذه المصطلحات الخمس وظيفية، تصف دور العمليات السيكولوجية في العلاقات الدولية وهي عمليات ديناميكية فعلاً. ويبدو أن مجال الحرب الباردة أوسع، فهناك افتراض أن الحرب الباردة تشن بكل الوسائل باستثناء العمل العسكري الهجومي المباشر الضخم.
و. الحرب الأيديولوجية أو العقائدية. وهي تصف الجانب الأيديولوجي من هذا النشاط، وقد يكون لها معنى وظيفي ينطبق على الصراع بين العالم الشيوعي والعالم الغربي، ومعنى منهجي يشير إلى التكتيكات المستخدمة لمواجهة هذا الصراع.
ز. حرب الأعصاب. هو اصطلاح سيكولوجي ضيق، ونظراً لأنه ينطوي على زيادة التوتر بشكل متعمد، فإنه يقتصر عادة على المعلومات الموجهة ضد العدو في فترة الاشتباكات المباشرة.
ح. الحرب السياسية. وهذا أساساً اصطلاح بريطاني، استخدم لتأكيد فكرة وجود علاقة بين كل وسائل السياسة (مثل الدبلوماسية، الاقتصاد، السلاح... إلخ) في زمن الحرب، وهو يقترب من معنى الحرب السيكولوجية بمعناها الواسع.
ط. المعلومات الدولية.
ي. المعلومات عبر البحار.
ك. الحملة من أجل الحقيقة.
وهذه المصطلحات الثلاثة تنطبق على عمليات نشر الحقائق والمعلومات دولياً لمواجهة المعلومات المعادية.
ل. الدعاية الدولية.
م. الدعاية.
ن. الحرب الدعائية. وهذه تشير إلى استخدام الرموز، للتأثير على سلوك الجماهير حيال القضايا الدولية التي تختلف حولها وجهات النظر.
س. حرب الكلمات.
ع. العدوان غير المباشر. وهو اصطلاح واسع ينطوي على مفاهيم التخريب وقلب نظام الحكم، وأيضاٍ المعلومات والدعاية لأهداف عدوانية.
ف. التحريك أو الإثارة. هو اصطلاح سوفيتي أساساً، يستخدم لوصف الدعاية بين الجماهير العريضة لتمييز ذلك النشاط عن الدعاية الموجهة للصفوة.
ص. الاتصال الدولي. يستخدم إلى جانب معناه الفني الصرف للإشارة إلى من يقول ماذا وبأي تأثير في العلاقات الدولية.
العمليات النفسية في العمليات العسكرية
إن الهدف الرئيسي من استخدام العمليات النفسية في العمليات العسكرية هو إحداث تغيير في آراء وعواطف واتجاهات وسلوك الأفراد المعنيين بها. وتسهم أساليب العمليات النفسية المستخدمة من دعاية وغيرها في إنجاز مهام قائد العمليات العسكرية. وتستخدم العمليات النفسية في جميع مستويات العمليات العسكرية ـ المستوى الاستراتيجي والمستوى العملياتي، والمستوى التكتيكي ـ كما يُمثِّل استخدامها ضرورة قصوى في النزاع منخفض الشدة والنزاع متوسط الشدة والنزاع عالي الشدة
ففي المستوى الاستراتيجي من العمليات العسكرية تُستَخدم العمليات النفسية لاستغلال مواطن ضعف حكومات وقوات ومواطني الدول الأجنبية لتحقيق أهداف متوسطة المدى كمحاولة إقناع العدو بعدم مقدرته على تحقيق النصر أو ضرورة انسحابه من مسرح العمليات العسكرية. أما استخدام العمليات النفسية على المستوى التكتيكي في العمليات العسكرية فالغرض منه تحقيق أهداف مباشرة وقصيرة المدى ويتضمن استخدام العمليات النفسية على المستوى التكتيكي الوسائل المرئية أو المسموعة أو كليهما لإسناد الوحدات التكتيكية إسناداً مباشراً. وللاستفادة القصوى من وحدات وخبراء العمليات النفسية ينبغي أن يحرص قادة العمليات العسكرية على دمجهم ضمن منظومة اتخاذ القرارات العسكرية، وأن يتأكدوا من مقدرتهم على العمل في جميع ظروف القتال.
أولاً: تنظيم ومهام وحدات العمليات النفسية الميدانيقبل التعرف على الدور الذي تقوم به العمليات النفسية في إسناد العمليات العسكرية المختلفة ينبغي إلقاء الضوء على وحدات العمليات النفسية الميدانية والمنَفِّذة لمهام العمل النفسي من حيث التنظيم وطبيعة المهام المكلفة بها.
1. التنظيم
غالباً تتكون وحدة العمليات النفسية من العناصر الرئيسية التالية:
· عنصر المعلومات.
· عنصر الدعاية.
· عنصر مكبرات الصوت.
· عنصر التصوير (تلفزيوني ـ فوتوغرافي)
· عنصر المطبعة الميدانية.
· محطة الإذاعة التكتيكية.
· أطقم الاستجواب النفسي.
ويعتمد حجم عنصر العمليات النفسية الذي يساند العمليات العسكرية على التشكيل التكتيكي للقوة المسنودة
لتنظيم سرية وكتيبة عمليات نفسية في الجيش الأمريكي كمثال.
2. وظائف العناصر المكونة لوحدات العمليات النفسية الميدانية
أ. عنصر المعلومات
يقوم بجمع المعلومات من كافة المصادر وتوظيفها لصالح العمليات النفسية المستخدمة في إسناد العمليات العسكرية.
ب. عنصر الدعاية
ويقوم بوضع خطة الدعاية المستخدمة في الحملة النفسية الموجهة ضد العدو مستغلاً المعلومات المتوفرة لديه، مستخدماً كافة الإمكانات المتوفرة لوحدة العمليات النفسية.
ج. عنصر مكبرات الصوت
يقوم بإذاعة الأخبار وتوجيه التعليمات والأوامر المختلفة لأفراد العدو من خلال رسائل مختصرة، كما يقوم بتوجيه الإنذارات إلى ذيول المقاومة المعادية وحثها على الاستسلام. وقد تُوجَّه الأخبار والرسائل باستخدام مكبرات الصوت المحمولة على عربات أو دبابات أو حوامات.
د. عنصر التصوير (فوتوغرافي ـ تلفزيوني)
يقوم بتصوير كافة مراحل المعركة وإبراز مظاهر الانتصارات، وكذا مظاهر هزائم العدو.
هـ. عنصر المطبعة الميدانية
يقوم بطبع المنشورات المصورة والمكتوبة التي يصممها عنصر الدعاية. والمطبعة الميدانية تكون محمولة على عربات ولديها القدرة على طبع وإعداد المنشورات بكميات كبيرة وفي زمن قصير، وبعض المطابع الميدانية لديها القدرة على طبع آلاف المنشورات في الساعة الواحدة.
و. محطة الإذاعة التكتيكية
هي محطة قصيرة المدى تُغَطِّي مسرح العمليات على المستوى التكتيكي، وتَبُثُّ إرسالها من عربة مصممة لهذا الغرض وتستخدم في إذاعة الأخبار والبيانات عن الأسرى وتقوم بتبليغ رسائلهم إلى ذويهم، كما تُستَخدم في إذاعة الأنباء التي قد تساعد في عملية خداع العدو. وعلاوة على استخدام محطة الإذاعة التكتيكية في بث برامجها المعادية ضد قوات العدو فإنها تُستَخدم في توضيح موقف معين لصالح القوات الصديقة.
ز. أطقم الاستجواب النفسي
تقوم بعمليات الاستجواب النفسي للأسرى للوقوف على الحالة المعنوية والنفسية لقوات العدو.
3. وسائل العمليات النفسية المستخدمة في العمليات العسكرية
يتم الجهد الأكبر في العمليات النفسية ـ أثناء العمليات العسكرية ـ من خلال الدعاية لكي تصل المعلومات والنداءات والأفكار إلى العدو وتؤثر عليه بصفة مباشرة أو غير مباشرة، وعلى هذا فإن اختيار وسيلة التبليغ السليمة أمر في غاية الأهمية إذ يجب أن تكون ملائمة للمُتلقين وذات أثرٍ في نفوسهم. وعادة ما تنفذ بالطرق الآتية:
أ. المنشورات
استخدام المنشورات هو أحد الوسائل الأساسية لتوصيل الدعاية، وخاصة في العمليات النفسية على مستوى العمليات التكتيكية. وتشمل المنشورات تلك التي تقوم الطائرات بإسقاطها ونشرات الأخبار والملصقات وتصاريح المرور. وقبل البدء في استخدام المنشورات ينبغي على القائمين على العمليات النفسية أن يضعوا في اعتبارهم مستوى تعليم المتلقين، وحالة الجو، والوسائل المتوفرة وتوصيلها.
ب. مكبرات الصوت
تُعد مكبرات الصوت هي الطريقة الثانية لتوصيل المعلومات للعدو في الموقف التكتيكي، ويمكن استخدامها على الأرض أو من الطائرات (إذاعة الطائرات الصوتية) حيث تُثبَّت مكبرات الصوت تحت الجناح من الخارج أو تحت جسم الطائرة.
ج. الإذاعة التكتيكية
يقتصر استخدام المذياع في العمليات النفسية على العمليات الإستراتيجية والتعزيزية، ويشرف عليه فنيون. وتُمثَّل الإذاعة التكتيكية وسيلة ممتازة من وسائل العمليات النفسية لإمكانية توصيلها للمعلومات على جبهة واسعة من الجماهير.
د. التلفزيون والأفلام
رغم التأثير الشديد لهذه الوسيلة إلا أن استخدامها يظل قاصراً على الدول الصديقة والمحايدة، ورغم أن الأقمار الصناعية تزيد كثيراً من المساحة التي يغطيها الإرسال إلا أنها تزيد أيضاً من فرص استقبال كل من الصديق والعدو لبرامج قد يُقصَد منها هدف آخر غير الهدف المقصود.
ثانياً: العمليات النفسية في العمليات العسكرية التقليدية
يُعزِّز استخدام العمليات النفسية في العمليات العسكرية التقليدية ـ على جميع مستوياتها ـ من قوة قتال القوات الصديقة ويعمل على تقليل كفاءة ومقدرة قوات العدو، ولتحقيق هذا الهدف ينبغي دمج خطة العمليات النفسية ضمن خطة المعركة.
1. استخدام العمليات النفسية في المستوى الاستراتيجي من العمليات العسكرية
إن التخطيط للعمليات النفسية عملية مستمرة ومتواترة، فعادة ما تُشَن العمليات النفسية قبل بدء العمليات العسكرية وأثنائها وبعدها. وتتسم العمليات النفسية في المستوى الاستراتيجي من العمليات العسكرية بأنها ذات أهداف بعيدة المدى، وتتضمن أهداف العمليات النفسية على المستوى الاستراتيجي من العمليات العسكرية ما يلي:
أ. الحصول على مساندة الدول الصديقة.
ب. إنهاء النزاع أو الحدِّ منه.
ج. إشعار الدول المعادية أن خوض المعركة سيؤدي إلى هزيمتها.
د. العمل على منع العدو من الحصول على دعم خارجي.
هـ. التصدي للعمليات النفسية المعادية ومقاومتها.
و. إحداث انقسام في صفوف وحدات العدو العسكرية.
2. استخدام العمليات النفسية في المستوى العملياتي من العمليات العسكرية
تُستخدم العمليات النفسية في هذا المستوى لتحقيق أهداف استراتيجية متوسطة المدى في مسرح عمليات جبهة واحدة، وتتضمن هذه الأهداف التركيز على الأهداف التي كانت العمليات النفسية موجهة من أجلها في المستوى الاستراتيجي ولكن بتركيزها في هذا المستوى على منطقة محددة.
3. استخدام العمليات النفسية في المستوى التكتيكي من العمليات العسكرية
المستوى التكتيكي من العمليات العسكرية هو حشد كافة وحدات القتال ووحدات الإسناد في ميدان المعركة لدحر العدو وتدمير قواته، وتُمثِّل نشاطات العمليات النفسية جزءاً لا يتجزأ من نشاطات هذا المستوى من العمليات حيث تخطط العمليات النفسية للضغط على قوات العدو العسكرية والمدنية لكي يتمكن القائد العسكري من إنجاز مهامه التكتيكية. وتتضمن الأهداف الفورية وقصيرة المدى للعمليات النفسية في هذا المستوى: الحصول على معلومات عن العدو وعن عملياته، ومعرفة مدى إلمامه بعمليات القوات الصديقة، والعمل على تقليل كفاءته القتالية.
4. العمليات النفسية التعزيزية
تقوم وحدات العمليات النفسية بعمليات تعزيزية لإسناد العمليات العسكرية في مستوياتها المختلفة. وتوجَّه هذه العمليات للسكان المحليين في مناطق مؤخرة القوات الصديقة أو المناطق التي تسيطر عليها القوات الصديقة، وتهدف العمليات النفسية التعزيزية إلى:
أ. تقديم المساعدة المباشرة للعمليات العسكرية عن طريق تأمين خطوط المواصلات، والسيطرة على اللاجئين، ومنع حدوث الذعر الجماعي بين المواطنين.
ب. كسب الحرب وتأييد السكان المحليين.
ج. مقاومة العمليات النفسية التي يشنها العدو ضد السكان المدنيين.
وبالرغم من أن العمليات النفسية التعزيزية تشمل مقاومة العمليات النفسية التي يوجهها العدو ضد السكان المدنيين الموجودين تحت سيطرة القوات الصديقة، إلا أنها لا تشمل مقاومة العمليات النفسية التي يوجهها العدو ضد قواتنا المسلحة، لأن مسؤولية ذلك تقع على عاتق قادة الوحدات وضباط الأركان، يساعدهم في ذلك ضباط الشؤون العامة إذا لزم الأمر. ويتحقق لهم ذلك بالآتي:
(1) القضاء على محاولات العدو التأثير في نفوس أفرادهم.
(2) القيادة الجيدة.
(3) رفع الروح المعنوية.
(4) إطلاع أفرادهم بمجريات الأمور.
(5) فهم الأساليب التي يسلكها العدو في عملياته النفسية.
5. استخدام العمليات النفسية في العمليات العسكرية التعرضية
تتكون العمليات العسكرية التعرضية من: التحرك للتماس، والهجوم (سريع، ومدبر)، واستغلال النجاح، والمطاردة، وتهدف إلى تدمير قوات العدو وحرمانه من المصادر اللازمة له، الاستيلاء على منطقة أو أرض حيوية للعدو أو الحصول على معلومات عن مواقع توزيعات قواته أو توجيه انتباهه إلى مناطق أخرى، أو تثبيت قواته وأثناء العمليات التعرضية تكون مهمة وحدات العمليات النفسية هي توفير الإسناد القريب والمستمر للوحدات التي تساندها ولعناصر مناورتها. وينبغي أن يبدأ هذا الإسناد أثناء مرحلة التخطيط للعملية مع مراعاة نوع العملية التعرضية التي سيتم القيام بها:
أ. التحرك للتماس
هو عبارة عن عملية تعرضية تهدف لإحراز أو استعادة التماس مع العدو قبل الاشتباك معه. وفي أثناء التحرك للتماس تقوم وحدات العمليات النفسية بتحليل العوامل النفسية وتقدم توصياتها لقائد القوة المسنودة في المسائل المتعلقة بإسناد العمليات النفسية. كما تقوم بتقويم نتائج الحملات النفسية السابقة ضد أهداف مماثلة. كما تقوم وحدات العمليات النفسية بتوزيع المنشورات واستخدام مكبرات الصوت في الدعاية والعمليات النفسية ضد العدو. ونسبة لأن قلة المعلومات عن العدو وغموض الموقف يعتبران من أصعب الأمور التي يواجهها القائد أثناء التحرك للتماس، فإن وحدات العمليات النفسية تعمل على تحليل المعلومات المتوفرة، واستنباط نتائج جديدة من المواقف التي تتكشف في الحال. وتُسهم وحدات العمليات النفسية إسهاماً كبيراً في خطة العمليات الخداعية لصرف انتباه العدو عن نشاطات معينة، كالتوصية بشن هجوم مخادع لصرف انتباه العدو عن الهجوم الرئيسي.
ب. الهجوم
(1) الهجوم السريع
عبارة عن عملية هجومية تحدث في عمليات التحرك للتماس أو بعد عملية دفاعية ناجحة وينفذ بأسرع ما يمكن لمنع العدو من القيام بمقاومة منظمة (المعركة التصادمية). ونسبة لضيق الوقت في شن الهجوم السريع فإن وحدات العمليات النفسية تكون مهيئة مسبقاً لمثل هذا الهجوم فتجهز وسائل دعايتها سلفاً.
(2) الهجوم المدبّر
هو ذلك الهجوم الذي يهدف إلى تدمير قوات العدو المدافعة مع ضرورة توفر الوقت الكافي للتخطيط والتحضير واستخدام كافة المصادر المتوفرة. وتستخدم وحدات العمليات النفسية أساليب الدعاية، وتوزيع المنشورات، وغيرها من أساليب العمليات النفسية لخفض معنويات العدو وتقليل كفاءته القتالية.
ج. استغلال النجاح
هي تلك المرحلة من التعرض التي يتم فيها شل قدرة العدو على إعادة تنظيم دفاعه والقيام بعملية انسحاب منظم. وتتضمن مهام وحدات العمليات النفسية في استغلال النجاح: تطبيق أساليب العمليات النفسية على وحدات العدو العابرة لدفعها للاستسلام، وتعيين مواطن ضعف العدو، وجمع المعلومات ومعالجتها للوصول إلى الاستغلال الأمثل للنجاح.
د. المطاردة
هي استكمال تدمير قوات العدو المنسحبة والتي فقدت القدرة على القيام بمقاومة منظمة، تُمارس فيها وحدات العمليات النفسية شتى أساليب الضغط للتأثير عليه ودفعه للاستسلام، كما تسهم بذلك في خفض معنوياته بتأكيد هزيمته، وذكر الخسائر والإصابات التي وقعت في صفوفه أثناء مراحل الهجوم واستغلال النجاح.
6. استخدام العمليات النفسية في العمليات الدفاعية
يقصد بالدفاع كل الأعمال المنسَّقة التي تقوم بها قوة ما لإحباط هجوم تشنه قوة معادية ومنعها من تحقيق أهدافها. وتسهم العمليات النفسية في إسناد تلك الأعمال أثناء العمليات الدفاعية لعرقلة تقدم العدو. كما تعمل على إضعافه بإثارة الرأي العام وإثارة الضغوط السياسية والاقتصادية ضد هذه العمليات. ومن وسائل إضعاف عمليات العدو أيضاً خفض معنويات قواته وتثبيط عزيمتها القتالية وتشجيع المدنيين على السخط من هذه العمليات. ومن الوسائل التي تتبعها وحدات العمليات النفسية تحليل العوامل النفسية وتقديم التوصيات لقائد القوة المسنودة وفقاً لذلك.
7. استخدام العمليات النفسية في عمليات التقهقر
أ. الانسحاب
تتخلص أو تتحرر بواسطته جميع القوة المستخدمة أو جزء منها من الاشتباك مع العدو، وقد يكون الانسحاب اختيارياً أو إجبارياً، وفي كلتا الحالتين يتركز مجهود العمليات النفسية على عمليات الخداع التكتيكية لفك التماس مع العدو بطريقة ناجحة، ومحاولة التصدي لدعاية العدو، ورفع الروح المعنوية للقوات الصديقة حتى لا يؤثر الانسحاب في روحهم المعنوية.
ب. الإعاقة
تحاول فيها القوة الواقعة تحت ضغط العدو التضحية بالأرض في سبيل الوقت، بينما تكبد العدو أقصى حد من الخسائر دون أن تتورط معه في قتال حاسم وتلعب العمليات النفسية دوراً مهماً في عمليات الإعاقة، حيث تتسبب في إضعاف معنويات العدو وحركته بالخطط الخداعية. كما تعمل على رفع الروح المعنوية للقوات الصديقة وشرح الأسباب الحقيقية للتخلي عن بعض الأراضي حتى لا يعتقد جنود القوات الصديقة أنهم تعرضوا للهزيمة.
8. العمليات الخلفية (خلف خطوط العدو)
تسهم العمليات النفسية في العمليات الخلفية في كسب ولاء السكان المدنيين لتوفير الحماية، كما تُعد مصدراً هاماً للاستخبارات، ورفع روح قوات المظليين لإنزالهم خلف خطوط العدو، وبث الشك والارتباك في صفوف قوات العدو عن طريق الدعاية والتركيز على ضعف موقفهم، والتصدي للحملات الدعائية المعادية.
9. استخدام العمليات النفسية في عمليات الأمن الداخلي
إن استخدام العمليات النفسية في العمليات التقليدية التي تتدخل فيها القوات المسلحة لمساعدة السلطات المدنية على مواجهة الاضطرابات المعادية يأتي بنتائج جيدة. وتُستخدم وحدات العمليات النفسية الإذاعة ومكبرات الصوت والمنشورات. وتهدف هذه العمليات النفسية إلى:
أ. تبرير أعمال القوات المسلحة، خاصة إذا كانت هذه العمليات تتطلب فرض بعض القيود على المدنيين.
ب. نشر التعليمات على السكان المحليين بخصوص أعمال التفتيش والتصرف الواجب اتخاذه.
ج. نشر شروط الاستسلام.
د. إضعاف روح الأعداء.
هـ. نشر الأخبار والدعاية التي توضح عدم جدوى اتباع العناصر المعادية التي تسعى لتحقيق أغراضها الذاتية.
و. إذاعة ونشر الآثار السيئة التي سيعاني منها المدنيون في حالة تأييدهم للقضية المعادية.
ثالثاً: استخدام العمليات النفسية في إسناد عمليات الخداع
تستخدم العمليات النفسية لإسناد عمليات الخداع في جميع مستويات العمليات العسكرية وفي جميع درجات حدة النزاع. ويعرَّف الخداع بأنه "تلك الإجراءات المتخذة لتضليل العدو بتشويه الحقائق أو تزييفها أو معالجتها بطرق غير قويمة لإجباره على رد الفعل في ظروف غير مواتية له. وتتضمن خطة الخداع إخفاء الحقائق وتزييفها، وتستخدم في ذلك أساليب المخادعة التظاهر والحيلة".
1. الخداع في العمليات التعرضية
تكتسب المفاجأة أهمية قصوى في العمليات التعرضية، ولكن من الصعوبة بمكان المحافظة على سرية المعلومات أثناء التخطيط لهجوم كبير. لذا فإنه يُلجأ إلى عمليات الخداع لجعل العدو يعتقد بوقوع الهجوم في موقع معين مما يجبره على إعادة نشر قواته. وتسهم وحدات العمليات النفسية في عمليات الخداع بكتابة وثائق وهمية عن القوات الصديقة، مثل: تعيين الأفراد ووضع هذه الوثائق بحيث يجدها العدو، وترويج الإشاعات عن الهجوم المحتمل والوحدات المشاركة فيه، كما تُستخدم مكبرات الصوت والإذاعات. وأثناء التحضير للهجوم الرئيسي تواصل وحدات العمليات النفسية مجهوداتها في موقع الهجوم المساند لتضليل العدو.
2. الخداع في العمليات الدفاعية
تستخدم عمليات الخداع في العمليات الدفاعية لتخفية الموقع الحقيقي للقوات الصديقة ولتضليل العدو عنه. ويتحقق ذلك بإقامة مواقع وهمية يستنفذ العدو طاقاته في استطلاعها. وتستخدم وحدات العمليات النفسية الأشرطة المسجلة وإذاعتها عبر مكبرات الصوت، وتحريك العربات والقوات لإشعار العدو بوصول تعزيز للقوات الصديقة، والرماية الوهمية في خطوط العدو لكي يعتقد العدو بكثرة الأسلحة على خطوط الدفاع، وترويج الإشاعات عن وصول التعزيزات.
رابعاً: إسناد العمليات النفسية للعمليات الخاصة
العمليات الخاصة هي تلك العمليات العسكرية التي تنفذها قوات مجهزة تجهيزاً خاصاً ـ من حيث التدريب والتسليح والتنظيم ـ ضد أهداف استراتيجية وعملياتية وتكتيكية لتحقيق مكاسب قومية أو عسكرية أو سياسية أو اقتصادية أو نفسية. وتُساند العمليات الخاصة العمليات التقليدية أو تنفَّذ بمفردها إذا كانت القوات التقليدية غير مناسبة للعملية. وتتضمن العمليات الخاصة العمليات غير التقليدية في مناطق النزاعات منخفضة الشدة، وعمليات مكافحة الإرهاب، وعمليات الأمن الجماعي، والأمن الداخلي. وتدخل جميع متطلبات العمليات في مناطق النزاع منخفض الشدة في إطار العمليات الخاصة، بمعنى أن القوات الخاصة لها الدور الرئيسي في حل النزاعات منخفضة الشدة. وإذا كانت العمليات النفسية ذات أهمية قصوى في جميع العمليات العسكرية، فإنها تكتسب أهمية خاصة في العمليات الخاصة لأن الحروب الثورية الحديثة تتسم بالنزاع في جميع النشاطات (سياسية ـ اجتماعية ـ اقتصادية ـ ثقافية) وإذا فشلت العمليات النفسية في السيطرة على العناصر غير المشتركة في القتال، فإن ذلك قد يؤدي للهزيمة بغض النظر عن نتائج العمليات العسكرية. وتعمل وحدات العمليات النفسية باستخدام كافة الإمكانيات المتوفرة لديها لتحقيق الآتي:
1. كسب ولاء السكان المحليين
لإزالة الأثر النفسي بين سكان الدولة الهدف، وللحصول على أكبر درجة من التعاون تقوم وحدات العمليات النفسية بتنفيذ المهام التالية تجاه السكان:
أ. التحذير من الهجمات والغارات الجوية.
ب. مساعدة المواطنين في بناء ـ أو إعادة بناء ـ المنشآت التي يحتاجونها.
ج. المحافظة على دور العبادة والمستشفيات والمدارس.
د. تقديم المساعدات الطبية والمادية والمعنوية.
هـ. تسهيل اتصال الأفراد بأقاربهم وذويهم.
و. تشجيع الأفراد على العودة إلى ممارسة الحياة الطبيعية.
ز. تهدئة مشاعر الأفراد والعمل على إزالة القلق والتوتر الذي يصاحب العملية.
2. التوجيه والتعليم
من المهام الرئيسية لوحدة العمليات النفسية أثناء العمليات الخاصة محاول إقناع أفراد الدولة الهدف بالمبادئ السياسية والمذاهب التي تعتنقها الدولة التي قامت بالعمليات (تشريب المبادئ) بهدف إزالة الاختلافات الأيديولوجية والعقائدية التي تعيق عملية التآلف والتعاون. ولا شك أن إقناع أفراد الدولة المستهدفة بمبادئ الدولة المهاجمة يُسهِّل العمليات العسكرية ويزيد فرصة التعاون المنشودة، بل ويصل أحياناً لدرجة تشجيع الأفراد لمواصلة العمليات العسكرية كما حدث في عملية غزو (بنما) من قيام نسبة كبيرة من المواطنين هناك بمؤازرة القوات الأمريكية وحثها على الاستمرار في تنفيذ مهامها حتى يتم القبض على (الجنرال نوريجا). وتبدأ عملية التوجيه والتعليم مع بداية العمليات.
3. السيطرة على الشائعات
تقوم وحدة العمليات النفسية بمتابعة كافة الشائعات المتداولة بين الأفراد ومحاربة تلك التي يحاول العدو ترويجها بهدف حث الجماهير على رفض العمليات العسكرية، كما تقوم وحدات العمليات النفسية ببث الشائعات التي تعين القوات المهاجمة على أداء مهامها.
4. تحقيق مكاسب سياسية
تقوم وحدة العمليات النفسية بدعم المجهود السياسي بالآتي:
أ. تشجيع الأفراد المدنيين في الدولة الهدف على مقاومة القوانين والقيود التي تفرضها هيئات العدو.
ب. تشجيع ودعم عناصر المقاومة الشعبية ضد نظام العدو.
ج. مؤازرة أحزاب المعارضة وتشجيع مليشياتها المسلحة إن وجدت.
د. تعزيز المشاعر المناهضة لنظام العدو ومقاومة المشاعر المؤيدة له.
هـ. العمل على تأييد القيادات المحلية المناهضة لنظام الحكم.
و. مقاومة أشكال ومظاهر العمليات النفسية الموجهة من نظام الدولة الهدف إلى أفرادها والرامية إلى كسب ولائهم والحصول على تأييدهم.
يتبع ..................................
أ. عنصر المعلومات
يقوم بجمع المعلومات من كافة المصادر وتوظيفها لصالح العمليات النفسية المستخدمة في إسناد العمليات العسكرية.
ب. عنصر الدعاية
ويقوم بوضع خطة الدعاية المستخدمة في الحملة النفسية الموجهة ضد العدو مستغلاً المعلومات المتوفرة لديه، مستخدماً كافة الإمكانات المتوفرة لوحدة العمليات النفسية.
ج. عنصر مكبرات الصوت
يقوم بإذاعة الأخبار وتوجيه التعليمات والأوامر المختلفة لأفراد العدو من خلال رسائل مختصرة، كما يقوم بتوجيه الإنذارات إلى ذيول المقاومة المعادية وحثها على الاستسلام. وقد تُوجَّه الأخبار والرسائل باستخدام مكبرات الصوت المحمولة على عربات أو دبابات أو حوامات.
د. عنصر التصوير (فوتوغرافي ـ تلفزيوني)
يقوم بتصوير كافة مراحل المعركة وإبراز مظاهر الانتصارات، وكذا مظاهر هزائم العدو.
هـ. عنصر المطبعة الميدانية
يقوم بطبع المنشورات المصورة والمكتوبة التي يصممها عنصر الدعاية. والمطبعة الميدانية تكون محمولة على عربات ولديها القدرة على طبع وإعداد المنشورات بكميات كبيرة وفي زمن قصير، وبعض المطابع الميدانية لديها القدرة على طبع آلاف المنشورات في الساعة الواحدة.
و. محطة الإذاعة التكتيكية
هي محطة قصيرة المدى تُغَطِّي مسرح العمليات على المستوى التكتيكي، وتَبُثُّ إرسالها من عربة مصممة لهذا الغرض وتستخدم في إذاعة الأخبار والبيانات عن الأسرى وتقوم بتبليغ رسائلهم إلى ذويهم، كما تُستَخدم في إذاعة الأنباء التي قد تساعد في عملية خداع العدو. وعلاوة على استخدام محطة الإذاعة التكتيكية في بث برامجها المعادية ضد قوات العدو فإنها تُستَخدم في توضيح موقف معين لصالح القوات الصديقة.
ز. أطقم الاستجواب النفسي
تقوم بعمليات الاستجواب النفسي للأسرى للوقوف على الحالة المعنوية والنفسية لقوات العدو.
3. وسائل العمليات النفسية المستخدمة في العمليات العسكرية
يتم الجهد الأكبر في العمليات النفسية ـ أثناء العمليات العسكرية ـ من خلال الدعاية لكي تصل المعلومات والنداءات والأفكار إلى العدو وتؤثر عليه بصفة مباشرة أو غير مباشرة، وعلى هذا فإن اختيار وسيلة التبليغ السليمة أمر في غاية الأهمية إذ يجب أن تكون ملائمة للمُتلقين وذات أثرٍ في نفوسهم. وعادة ما تنفذ بالطرق الآتية:
أ. المنشورات
استخدام المنشورات هو أحد الوسائل الأساسية لتوصيل الدعاية، وخاصة في العمليات النفسية على مستوى العمليات التكتيكية. وتشمل المنشورات تلك التي تقوم الطائرات بإسقاطها ونشرات الأخبار والملصقات وتصاريح المرور. وقبل البدء في استخدام المنشورات ينبغي على القائمين على العمليات النفسية أن يضعوا في اعتبارهم مستوى تعليم المتلقين، وحالة الجو، والوسائل المتوفرة وتوصيلها.
ب. مكبرات الصوت
تُعد مكبرات الصوت هي الطريقة الثانية لتوصيل المعلومات للعدو في الموقف التكتيكي، ويمكن استخدامها على الأرض أو من الطائرات (إذاعة الطائرات الصوتية) حيث تُثبَّت مكبرات الصوت تحت الجناح من الخارج أو تحت جسم الطائرة.
ج. الإذاعة التكتيكية
يقتصر استخدام المذياع في العمليات النفسية على العمليات الإستراتيجية والتعزيزية، ويشرف عليه فنيون. وتُمثَّل الإذاعة التكتيكية وسيلة ممتازة من وسائل العمليات النفسية لإمكانية توصيلها للمعلومات على جبهة واسعة من الجماهير.
د. التلفزيون والأفلام
رغم التأثير الشديد لهذه الوسيلة إلا أن استخدامها يظل قاصراً على الدول الصديقة والمحايدة، ورغم أن الأقمار الصناعية تزيد كثيراً من المساحة التي يغطيها الإرسال إلا أنها تزيد أيضاً من فرص استقبال كل من الصديق والعدو لبرامج قد يُقصَد منها هدف آخر غير الهدف المقصود.
ثانياً: العمليات النفسية في العمليات العسكرية التقليدية
يُعزِّز استخدام العمليات النفسية في العمليات العسكرية التقليدية ـ على جميع مستوياتها ـ من قوة قتال القوات الصديقة ويعمل على تقليل كفاءة ومقدرة قوات العدو، ولتحقيق هذا الهدف ينبغي دمج خطة العمليات النفسية ضمن خطة المعركة.
1. استخدام العمليات النفسية في المستوى الاستراتيجي من العمليات العسكرية
إن التخطيط للعمليات النفسية عملية مستمرة ومتواترة، فعادة ما تُشَن العمليات النفسية قبل بدء العمليات العسكرية وأثنائها وبعدها. وتتسم العمليات النفسية في المستوى الاستراتيجي من العمليات العسكرية بأنها ذات أهداف بعيدة المدى، وتتضمن أهداف العمليات النفسية على المستوى الاستراتيجي من العمليات العسكرية ما يلي:
أ. الحصول على مساندة الدول الصديقة.
ب. إنهاء النزاع أو الحدِّ منه.
ج. إشعار الدول المعادية أن خوض المعركة سيؤدي إلى هزيمتها.
د. العمل على منع العدو من الحصول على دعم خارجي.
هـ. التصدي للعمليات النفسية المعادية ومقاومتها.
و. إحداث انقسام في صفوف وحدات العدو العسكرية.
2. استخدام العمليات النفسية في المستوى العملياتي من العمليات العسكرية
تُستخدم العمليات النفسية في هذا المستوى لتحقيق أهداف استراتيجية متوسطة المدى في مسرح عمليات جبهة واحدة، وتتضمن هذه الأهداف التركيز على الأهداف التي كانت العمليات النفسية موجهة من أجلها في المستوى الاستراتيجي ولكن بتركيزها في هذا المستوى على منطقة محددة.
3. استخدام العمليات النفسية في المستوى التكتيكي من العمليات العسكرية
المستوى التكتيكي من العمليات العسكرية هو حشد كافة وحدات القتال ووحدات الإسناد في ميدان المعركة لدحر العدو وتدمير قواته، وتُمثِّل نشاطات العمليات النفسية جزءاً لا يتجزأ من نشاطات هذا المستوى من العمليات حيث تخطط العمليات النفسية للضغط على قوات العدو العسكرية والمدنية لكي يتمكن القائد العسكري من إنجاز مهامه التكتيكية. وتتضمن الأهداف الفورية وقصيرة المدى للعمليات النفسية في هذا المستوى: الحصول على معلومات عن العدو وعن عملياته، ومعرفة مدى إلمامه بعمليات القوات الصديقة، والعمل على تقليل كفاءته القتالية.
4. العمليات النفسية التعزيزية
تقوم وحدات العمليات النفسية بعمليات تعزيزية لإسناد العمليات العسكرية في مستوياتها المختلفة. وتوجَّه هذه العمليات للسكان المحليين في مناطق مؤخرة القوات الصديقة أو المناطق التي تسيطر عليها القوات الصديقة، وتهدف العمليات النفسية التعزيزية إلى:
أ. تقديم المساعدة المباشرة للعمليات العسكرية عن طريق تأمين خطوط المواصلات، والسيطرة على اللاجئين، ومنع حدوث الذعر الجماعي بين المواطنين.
ب. كسب الحرب وتأييد السكان المحليين.
ج. مقاومة العمليات النفسية التي يشنها العدو ضد السكان المدنيين.
وبالرغم من أن العمليات النفسية التعزيزية تشمل مقاومة العمليات النفسية التي يوجهها العدو ضد السكان المدنيين الموجودين تحت سيطرة القوات الصديقة، إلا أنها لا تشمل مقاومة العمليات النفسية التي يوجهها العدو ضد قواتنا المسلحة، لأن مسؤولية ذلك تقع على عاتق قادة الوحدات وضباط الأركان، يساعدهم في ذلك ضباط الشؤون العامة إذا لزم الأمر. ويتحقق لهم ذلك بالآتي:
(1) القضاء على محاولات العدو التأثير في نفوس أفرادهم.
(2) القيادة الجيدة.
(3) رفع الروح المعنوية.
(4) إطلاع أفرادهم بمجريات الأمور.
(5) فهم الأساليب التي يسلكها العدو في عملياته النفسية.
5. استخدام العمليات النفسية في العمليات العسكرية التعرضية
تتكون العمليات العسكرية التعرضية من: التحرك للتماس، والهجوم (سريع، ومدبر)، واستغلال النجاح، والمطاردة، وتهدف إلى تدمير قوات العدو وحرمانه من المصادر اللازمة له، الاستيلاء على منطقة أو أرض حيوية للعدو أو الحصول على معلومات عن مواقع توزيعات قواته أو توجيه انتباهه إلى مناطق أخرى، أو تثبيت قواته وأثناء العمليات التعرضية تكون مهمة وحدات العمليات النفسية هي توفير الإسناد القريب والمستمر للوحدات التي تساندها ولعناصر مناورتها. وينبغي أن يبدأ هذا الإسناد أثناء مرحلة التخطيط للعملية مع مراعاة نوع العملية التعرضية التي سيتم القيام بها:
أ. التحرك للتماس
هو عبارة عن عملية تعرضية تهدف لإحراز أو استعادة التماس مع العدو قبل الاشتباك معه. وفي أثناء التحرك للتماس تقوم وحدات العمليات النفسية بتحليل العوامل النفسية وتقدم توصياتها لقائد القوة المسنودة في المسائل المتعلقة بإسناد العمليات النفسية. كما تقوم بتقويم نتائج الحملات النفسية السابقة ضد أهداف مماثلة. كما تقوم وحدات العمليات النفسية بتوزيع المنشورات واستخدام مكبرات الصوت في الدعاية والعمليات النفسية ضد العدو. ونسبة لأن قلة المعلومات عن العدو وغموض الموقف يعتبران من أصعب الأمور التي يواجهها القائد أثناء التحرك للتماس، فإن وحدات العمليات النفسية تعمل على تحليل المعلومات المتوفرة، واستنباط نتائج جديدة من المواقف التي تتكشف في الحال. وتُسهم وحدات العمليات النفسية إسهاماً كبيراً في خطة العمليات الخداعية لصرف انتباه العدو عن نشاطات معينة، كالتوصية بشن هجوم مخادع لصرف انتباه العدو عن الهجوم الرئيسي.
ب. الهجوم
(1) الهجوم السريع
عبارة عن عملية هجومية تحدث في عمليات التحرك للتماس أو بعد عملية دفاعية ناجحة وينفذ بأسرع ما يمكن لمنع العدو من القيام بمقاومة منظمة (المعركة التصادمية). ونسبة لضيق الوقت في شن الهجوم السريع فإن وحدات العمليات النفسية تكون مهيئة مسبقاً لمثل هذا الهجوم فتجهز وسائل دعايتها سلفاً.
(2) الهجوم المدبّر
هو ذلك الهجوم الذي يهدف إلى تدمير قوات العدو المدافعة مع ضرورة توفر الوقت الكافي للتخطيط والتحضير واستخدام كافة المصادر المتوفرة. وتستخدم وحدات العمليات النفسية أساليب الدعاية، وتوزيع المنشورات، وغيرها من أساليب العمليات النفسية لخفض معنويات العدو وتقليل كفاءته القتالية.
ج. استغلال النجاح
هي تلك المرحلة من التعرض التي يتم فيها شل قدرة العدو على إعادة تنظيم دفاعه والقيام بعملية انسحاب منظم. وتتضمن مهام وحدات العمليات النفسية في استغلال النجاح: تطبيق أساليب العمليات النفسية على وحدات العدو العابرة لدفعها للاستسلام، وتعيين مواطن ضعف العدو، وجمع المعلومات ومعالجتها للوصول إلى الاستغلال الأمثل للنجاح.
د. المطاردة
هي استكمال تدمير قوات العدو المنسحبة والتي فقدت القدرة على القيام بمقاومة منظمة، تُمارس فيها وحدات العمليات النفسية شتى أساليب الضغط للتأثير عليه ودفعه للاستسلام، كما تسهم بذلك في خفض معنوياته بتأكيد هزيمته، وذكر الخسائر والإصابات التي وقعت في صفوفه أثناء مراحل الهجوم واستغلال النجاح.
6. استخدام العمليات النفسية في العمليات الدفاعية
يقصد بالدفاع كل الأعمال المنسَّقة التي تقوم بها قوة ما لإحباط هجوم تشنه قوة معادية ومنعها من تحقيق أهدافها. وتسهم العمليات النفسية في إسناد تلك الأعمال أثناء العمليات الدفاعية لعرقلة تقدم العدو. كما تعمل على إضعافه بإثارة الرأي العام وإثارة الضغوط السياسية والاقتصادية ضد هذه العمليات. ومن وسائل إضعاف عمليات العدو أيضاً خفض معنويات قواته وتثبيط عزيمتها القتالية وتشجيع المدنيين على السخط من هذه العمليات. ومن الوسائل التي تتبعها وحدات العمليات النفسية تحليل العوامل النفسية وتقديم التوصيات لقائد القوة المسنودة وفقاً لذلك.
7. استخدام العمليات النفسية في عمليات التقهقر
أ. الانسحاب
تتخلص أو تتحرر بواسطته جميع القوة المستخدمة أو جزء منها من الاشتباك مع العدو، وقد يكون الانسحاب اختيارياً أو إجبارياً، وفي كلتا الحالتين يتركز مجهود العمليات النفسية على عمليات الخداع التكتيكية لفك التماس مع العدو بطريقة ناجحة، ومحاولة التصدي لدعاية العدو، ورفع الروح المعنوية للقوات الصديقة حتى لا يؤثر الانسحاب في روحهم المعنوية.
ب. الإعاقة
تحاول فيها القوة الواقعة تحت ضغط العدو التضحية بالأرض في سبيل الوقت، بينما تكبد العدو أقصى حد من الخسائر دون أن تتورط معه في قتال حاسم وتلعب العمليات النفسية دوراً مهماً في عمليات الإعاقة، حيث تتسبب في إضعاف معنويات العدو وحركته بالخطط الخداعية. كما تعمل على رفع الروح المعنوية للقوات الصديقة وشرح الأسباب الحقيقية للتخلي عن بعض الأراضي حتى لا يعتقد جنود القوات الصديقة أنهم تعرضوا للهزيمة.
8. العمليات الخلفية (خلف خطوط العدو)
تسهم العمليات النفسية في العمليات الخلفية في كسب ولاء السكان المدنيين لتوفير الحماية، كما تُعد مصدراً هاماً للاستخبارات، ورفع روح قوات المظليين لإنزالهم خلف خطوط العدو، وبث الشك والارتباك في صفوف قوات العدو عن طريق الدعاية والتركيز على ضعف موقفهم، والتصدي للحملات الدعائية المعادية.
9. استخدام العمليات النفسية في عمليات الأمن الداخلي
إن استخدام العمليات النفسية في العمليات التقليدية التي تتدخل فيها القوات المسلحة لمساعدة السلطات المدنية على مواجهة الاضطرابات المعادية يأتي بنتائج جيدة. وتُستخدم وحدات العمليات النفسية الإذاعة ومكبرات الصوت والمنشورات. وتهدف هذه العمليات النفسية إلى:
أ. تبرير أعمال القوات المسلحة، خاصة إذا كانت هذه العمليات تتطلب فرض بعض القيود على المدنيين.
ب. نشر التعليمات على السكان المحليين بخصوص أعمال التفتيش والتصرف الواجب اتخاذه.
ج. نشر شروط الاستسلام.
د. إضعاف روح الأعداء.
هـ. نشر الأخبار والدعاية التي توضح عدم جدوى اتباع العناصر المعادية التي تسعى لتحقيق أغراضها الذاتية.
و. إذاعة ونشر الآثار السيئة التي سيعاني منها المدنيون في حالة تأييدهم للقضية المعادية.
ثالثاً: استخدام العمليات النفسية في إسناد عمليات الخداع
تستخدم العمليات النفسية لإسناد عمليات الخداع في جميع مستويات العمليات العسكرية وفي جميع درجات حدة النزاع. ويعرَّف الخداع بأنه "تلك الإجراءات المتخذة لتضليل العدو بتشويه الحقائق أو تزييفها أو معالجتها بطرق غير قويمة لإجباره على رد الفعل في ظروف غير مواتية له. وتتضمن خطة الخداع إخفاء الحقائق وتزييفها، وتستخدم في ذلك أساليب المخادعة التظاهر والحيلة".
1. الخداع في العمليات التعرضية
تكتسب المفاجأة أهمية قصوى في العمليات التعرضية، ولكن من الصعوبة بمكان المحافظة على سرية المعلومات أثناء التخطيط لهجوم كبير. لذا فإنه يُلجأ إلى عمليات الخداع لجعل العدو يعتقد بوقوع الهجوم في موقع معين مما يجبره على إعادة نشر قواته. وتسهم وحدات العمليات النفسية في عمليات الخداع بكتابة وثائق وهمية عن القوات الصديقة، مثل: تعيين الأفراد ووضع هذه الوثائق بحيث يجدها العدو، وترويج الإشاعات عن الهجوم المحتمل والوحدات المشاركة فيه، كما تُستخدم مكبرات الصوت والإذاعات. وأثناء التحضير للهجوم الرئيسي تواصل وحدات العمليات النفسية مجهوداتها في موقع الهجوم المساند لتضليل العدو.
2. الخداع في العمليات الدفاعية
تستخدم عمليات الخداع في العمليات الدفاعية لتخفية الموقع الحقيقي للقوات الصديقة ولتضليل العدو عنه. ويتحقق ذلك بإقامة مواقع وهمية يستنفذ العدو طاقاته في استطلاعها. وتستخدم وحدات العمليات النفسية الأشرطة المسجلة وإذاعتها عبر مكبرات الصوت، وتحريك العربات والقوات لإشعار العدو بوصول تعزيز للقوات الصديقة، والرماية الوهمية في خطوط العدو لكي يعتقد العدو بكثرة الأسلحة على خطوط الدفاع، وترويج الإشاعات عن وصول التعزيزات.
رابعاً: إسناد العمليات النفسية للعمليات الخاصة
العمليات الخاصة هي تلك العمليات العسكرية التي تنفذها قوات مجهزة تجهيزاً خاصاً ـ من حيث التدريب والتسليح والتنظيم ـ ضد أهداف استراتيجية وعملياتية وتكتيكية لتحقيق مكاسب قومية أو عسكرية أو سياسية أو اقتصادية أو نفسية. وتُساند العمليات الخاصة العمليات التقليدية أو تنفَّذ بمفردها إذا كانت القوات التقليدية غير مناسبة للعملية. وتتضمن العمليات الخاصة العمليات غير التقليدية في مناطق النزاعات منخفضة الشدة، وعمليات مكافحة الإرهاب، وعمليات الأمن الجماعي، والأمن الداخلي. وتدخل جميع متطلبات العمليات في مناطق النزاع منخفض الشدة في إطار العمليات الخاصة، بمعنى أن القوات الخاصة لها الدور الرئيسي في حل النزاعات منخفضة الشدة. وإذا كانت العمليات النفسية ذات أهمية قصوى في جميع العمليات العسكرية، فإنها تكتسب أهمية خاصة في العمليات الخاصة لأن الحروب الثورية الحديثة تتسم بالنزاع في جميع النشاطات (سياسية ـ اجتماعية ـ اقتصادية ـ ثقافية) وإذا فشلت العمليات النفسية في السيطرة على العناصر غير المشتركة في القتال، فإن ذلك قد يؤدي للهزيمة بغض النظر عن نتائج العمليات العسكرية. وتعمل وحدات العمليات النفسية باستخدام كافة الإمكانيات المتوفرة لديها لتحقيق الآتي:
1. كسب ولاء السكان المحليين
لإزالة الأثر النفسي بين سكان الدولة الهدف، وللحصول على أكبر درجة من التعاون تقوم وحدات العمليات النفسية بتنفيذ المهام التالية تجاه السكان:
أ. التحذير من الهجمات والغارات الجوية.
ب. مساعدة المواطنين في بناء ـ أو إعادة بناء ـ المنشآت التي يحتاجونها.
ج. المحافظة على دور العبادة والمستشفيات والمدارس.
د. تقديم المساعدات الطبية والمادية والمعنوية.
هـ. تسهيل اتصال الأفراد بأقاربهم وذويهم.
و. تشجيع الأفراد على العودة إلى ممارسة الحياة الطبيعية.
ز. تهدئة مشاعر الأفراد والعمل على إزالة القلق والتوتر الذي يصاحب العملية.
2. التوجيه والتعليم
من المهام الرئيسية لوحدة العمليات النفسية أثناء العمليات الخاصة محاول إقناع أفراد الدولة الهدف بالمبادئ السياسية والمذاهب التي تعتنقها الدولة التي قامت بالعمليات (تشريب المبادئ) بهدف إزالة الاختلافات الأيديولوجية والعقائدية التي تعيق عملية التآلف والتعاون. ولا شك أن إقناع أفراد الدولة المستهدفة بمبادئ الدولة المهاجمة يُسهِّل العمليات العسكرية ويزيد فرصة التعاون المنشودة، بل ويصل أحياناً لدرجة تشجيع الأفراد لمواصلة العمليات العسكرية كما حدث في عملية غزو (بنما) من قيام نسبة كبيرة من المواطنين هناك بمؤازرة القوات الأمريكية وحثها على الاستمرار في تنفيذ مهامها حتى يتم القبض على (الجنرال نوريجا). وتبدأ عملية التوجيه والتعليم مع بداية العمليات.
3. السيطرة على الشائعات
تقوم وحدة العمليات النفسية بمتابعة كافة الشائعات المتداولة بين الأفراد ومحاربة تلك التي يحاول العدو ترويجها بهدف حث الجماهير على رفض العمليات العسكرية، كما تقوم وحدات العمليات النفسية ببث الشائعات التي تعين القوات المهاجمة على أداء مهامها.
4. تحقيق مكاسب سياسية
تقوم وحدة العمليات النفسية بدعم المجهود السياسي بالآتي:
أ. تشجيع الأفراد المدنيين في الدولة الهدف على مقاومة القوانين والقيود التي تفرضها هيئات العدو.
ب. تشجيع ودعم عناصر المقاومة الشعبية ضد نظام العدو.
ج. مؤازرة أحزاب المعارضة وتشجيع مليشياتها المسلحة إن وجدت.
د. تعزيز المشاعر المناهضة لنظام العدو ومقاومة المشاعر المؤيدة له.
هـ. العمل على تأييد القيادات المحلية المناهضة لنظام الحكم.
و. مقاومة أشكال ومظاهر العمليات النفسية الموجهة من نظام الدولة الهدف إلى أفرادها والرامية إلى كسب ولائهم والحصول على تأييدهم.
يتبع ..................................