ألمتغيرات السياسية على المستويين العالمي والإقليمي (و حــرب الأستنزاف) ...!!!

يحي الشاعر

كبير المؤرخين العسكريين
عضو مميز
إنضم
2 فبراير 2008
المشاركات
1,560
التفاعل
98 0 0
ألمتغيرات السياسية على المستويين العالمي والإقليمي (و حــرب الأستنزاف) ...!!!

لقد بدأ الجهد السياسي المصري والعربي منذ انتهاء حرب يونيه لمواجهة الموقف المتدهور الذي نشأ نتيجة لهذه الحرب، إذ احتلت إسرائيل أراضي عربية جديدة تعادل ثلاثة أمثال مساحتها، وظهرت كقوة استعمارية، تعتمد على تفوقها العسكري على الدول العربية، في احتلال مزيد من الأراضي العربية، وتشريد حوالي مليون فلسطيني من أرضهم.

كان العمل السياسي العربي له أهمية خاصة في ذلك الوقت، لأن العمل العسكري لم يكن متاحاً. وخلال عام 1967، وقع حدثان سياسيان هامان، أحدهما على المستوى العربي وهو "مؤتمر القمة العربي في الخرطوم"، والثاني علـى المستوى الدولي وهو صدور القرار الرقم 242 عن مجلس الأمن. وكان لهما تأثيراً مباشراً في تطور العمل، الوطني والقومي، في المراحل التالية من الصراع.

كان عقد مؤتمر القمة العربي في الخرطوم، علامة بارزة على طريق تعاون الدول العربية لإزالة آثار العدوان. فقد تقرر في هذا المؤتمر تقديم دعم اقتصادي لمصر والأردن قدره (135) مليون جنيه إسترليني يخصص منها (95) مليوناً لمصر تعويضاً عما خسرته من عوائد قناة السويس بعد إغلاق القناة، وتعويضاً عن خسائر بترول سيناء. وتخصص للأردن (40) مليوناً لمواجهة التزاماتها.


اقتنع عبد الناصر بعد مؤتمر الخرطوم، أن مؤتمرات القمة العربية يمكن أن تلعب دوراً سياسياً مهماً في المرحلة التالية.

وفي خط مواز للاستعدادات العسكرية، كان عبد الناصر يبحث عن إمكانيات التوصل إلى تسوية سلمية، على الرغم من أن آماله في التوصل إلى مثل هذه التسوية كانت ضعيفة منذ البداية. وقد أبرزت المفاوضات التي أدت إلى الموافقة على قرار الأمم المتحدة الرقم 242، في 22 نوفمبر 1967، نقاط عدة ملفتة للنظر، منها أن آرثر جولدبرج المنـدوب الأمريكي بالأمم المتحدة قدم إلى محمود رياض تأكيدات على أن الكلمات التي تضمنها القرار تعني أن على إسرائيل أن تنسحب من جميع الأراضي التي احتلتها أثناء الحرب، شريطة الموافقة على إنهاء حالة الحرب. وثانيها، أنه على العكس تماماً من هذه التأكيدات، فإن سير الأحداث أوضح أن هناك تفاهماً ضمنياً بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل على إرغام العرب على المفاوضات المباشرة مع إسرائيل، ثم أن مطامع إسرائيل بالنسبة لبعض الأراضي المحتلة كانت أمراً مقبولاً من أمريكا. وقد اعترف جوزيف سيسكو، وكيل وزارة الخارجية الأمريكية، بذلك ضمناً في إحدى برقياته، التي بعث بها إلى محمود رياض، وقال فيها: "أنكم لا تستطيعون أن تصرّوا على جميع الأراضي وتتوقعوا أن تحصلوا على السلام".

كان واضحاً من البداية أن الأراضي التي كانت إسرائيل تنوي اغتصابها تشمل جنوب سيناء والقدس وبعض مناطق من الضفة الغربية ومرتفعات الجولان.

كان عبد الناصر يتشكك دائماً بالنسبة إلى القرار الرقم 242. وقد قال في أحد اجتماعاته مع كبار قادة القوات المسلحة، في 25 نوفمبر 1967: "دعوني أقل لكم بعض الحقائق، إن كل ما تسمعوننا نقوله عن قرار الأمم المتحدة ليس موجهاً إليكم، ولا علاقة له بكم. وإذا نظرتم إلى ما يفعله الإسرائيليون في المناطق المحتلة، فسيتضح لكم كل الوضوح أنهم لا يعتزمون الجلاء عن هذه المناطق، إلاّ إذا أرغموا على ذلك. وأرجوكم أن تذكروا ما سبق أن قلته: إن ما أخذ بالقوة لا يمكن أن يسترد بغير بالقوة. وليس هذا بلاغة قول، لكـني أعنيه تماماً. ثم اسمعوا هذا، لقد طلبت من الاتحاد السوفيتي أن يزودنا بمعدات العبور.

وقلت إني أريدها كقرض أو صفقة، والواقع أنني لو كنت مكان ليفي أشكول أو موشي ديان لفعلت مثل ما يفعلان، إنهما يريدان التوسـع، وهما يظنان أن الفرصة مواتية لهما للتوسع بل أني أرى أنهما لا يستطيعان الانسحاب حتى لو أراداً ذلك، لأنهما غذيا شعبهما بآمال واسعة ووعود كثيرة. وما يقولونه الآن سيتحول لا محالة إلى سياسة رسمية وسيجدان نفسيهما ملتزمين بها. وهكذا فلستم بحاجة إلى توجيه أي اهتمام لأي شيء يمكن أن أقوله في العلن عن الحل السلمي".


مؤتمر جلاسبورو بين القطبين العظميين

كان قرار وقف إطلاق النيران في حرب يونيه 1967.. قراراً فريداً في نوعه، حيث اعترضت الولايات المتحدة على أن يقترن "بعودة القوات المتحاربة إلى الخطوط الذي بدأت منها الحرب". وبعد ذلك، ولمدة ستة أشهر ونصف، كان هناك صراع يدور في أروقة الأمم المتحدة وفي المحافل الدولـية، ومن خلال مؤتمرات ثنائية ورباعية، ومن خلال اتصالات عربية كثيفة لإصدار قرار متوازن تستند إليه مصر والدول العربية لانسحاب إسرائيل من الأراضي، التي احتلتها حتى صدور القرار الرقم 242، والذي صدرت العديد من التفسيرات لإجهاضه في نفس لحظة إعلانه وكانت تجربة المعاناة التي تحملتها مصر والدول العربية خلال سعيها لإصدار هذا القرار، وقراءتها لمختلف الاتجاهات العالمية نحو سياستها تجاه المنطقة تدل دلالة واضحة أن العمل السياسي، بمفرده، لن يؤدي بأي حال لاستعادة الأرض.

وكان من نتائج مؤتمر "جلاسبورو" بين القوتين العظميين، الذي انعقد قبل مرور شهر واحد على إيقاف النيران، وحضره الرئيس كوسيجن، عن الاتحاد السوفيتي، والرئيس جونسون، رئيس الولايات المتحدة، اتخاذ قرار خاص بالشرق الأوسط يقضي "بأن تعمل الولايات المتحدة على انسحاب إسرائيل من الأراضي العربية، وأن يعمل الاتحاد السوفييتي على إقناع العرب بإنهاء حالة الحرب مع إسرائيل والاعتراف بها". ويدل هذا القرار على اتفاقهما على "تسكين" الأوضاع في الشرق الأوسط، وهو الهدف الرئيسي الذي كانت تعمل إسرائيل على تحقيقه لفرض الأمر الواقع، وتغيير ديموجرافية المنطقة مع مرور الزمن. كما كان يخالف كل أهداف العرب التي عقدت آمالها على مساندة الاتحاد السوفيتي لها.

كان الاتحاد السوفيتي يحاول الانكماش على نفسه في الوقت الذي كانت فيه الولايات المتحدة تحاول بسط نفوذها. وقد أوضح عبدالناصر ذلك في حديثه مع الرئيس الجزائري هواري بومدين بالقول: "الأمريكان يطالبونا بتنازلات، والغريب أن الذي يضغط علينا في قبول هذه التنازلات، هو وزير الخارجية السوفيتي. أن موقف الروس بالنسبة لنا موقف أساسي، فإذا لم نحصل منهم على احتياجاتنا من السلاح فمعنى ذلك أنه لن تكون هناك معركة. وأنا أقول علينا أن نتحمل ظروفهم وتفكيرهم، ولا نيأس من إخراجهم من حالة الجمود، التي تقيدهم الآن".


والواقع أن الرئيس عبدالناصر لم يرفض جهود الحل السلمي، بل إنه فوض الاتحاد السوفيتي على القيام بكل ما يراه مناسباً في هذا المضمار، وأن يجري اتصالاته مع كل الأطراف ووضع شرطين أساسيين لهذا التحرك:

الشرط الأول: ألا يطلب منا أحد أن نتفاوض مع إسرائيل بينما هي تحتل أراضينا، لآن ذلك يعني الإذعـان لشروطها مقدماً برهن الأراضي التي تحتلها.

الشرط الثاني: ألا يطلب منا أحد أن نتنازل عن أرض عربية، لأن ذلك يعني أن العدوان حقق أهدافه.

والشيء المحير أن الاتحاد السوفيتي التزم بقرارات "جلاسبورو" تماماً، بينما لم تضعها الولايات المتحدة في اعتبارها. وشهدت هذه المرحلة تعارض موقف الدول الاشتراكية مع الموقف السوفييتي، والتي ظهرت بوادره في مؤتمر "بودابست" بالمجر في أوائل يوليه 1967. ولكن كان هناك إصراراً من الاتحاد السوفييتي على عدم إمداد مصر بأكثر من احتياجاتها الدفاعية. وفي تنفيذه لهذه السياسة اخذ يراوغ، ثم يعقد صفقات لتهدئة المواقف ثم يماطل في تنفيذها، وكأنه ينفذ سياسة عدم الانحياز بين العرب وإسرائيل. وكان لابد طوال هذه الفترة من إيجاد وسيلة لتحفيز الاتحاد السوفيتي لإجابة مطالب مصر من السلاح، وتوضيح الصورة أمامه بأن مصالحه في المنطقة معرضة للخطر، إن لم يتخذ موقفاً قريباً لما تحققه الولايات المتحدة لحليفتها إسرائيل.


الموقف الأمريكي

يمكن القول بصفة عامة إن تنفيذ السياسات الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط قد صادف عدداً من المشاكل، نجمت بصفة أساسية عن موقف الولايات المتحدة المساند إسرائيل، فعلى الرغم من كونها دولة عظمى لها التزامات ومصالح في كل مناطق العالم، وخصوصاً منطقة الشرق الوسط، إلاّ أنها كانت تنحاز تماماً لنصرة إسرائيل وضد مصالح العرب عموماً. ومن ثمّ تعاظمت خيبة الأمل العربي في الولايات المتحدة وسياساتها. وعلى الرغم من ذلك، ونتيجة للنجاحات التي حققتها إسرائيل في حرب يونيه، فقد أصبح للولايات المتحدة اليد الأولى في المنطقة، بل نجحت في تحقيق أهدافها الإستراتيجية، التي خططت لها منذ أعوام وفشلت خلال فترة الخمسينيات وبداية الستينيات في تحقيقها، ومن أهم تلك الأهداف:

عودة مصر إلى داخل حدودها، والقضاء على زعامة مصر وجمال عبد الناصر، وإضعاف قدراته في الضغط على بعض النظم العربية، التي وقفت في تلك الفترة إلى جانب الولايات المتحدة.

إصابة حركة عدم الانحياز بضربة قاصمة، وتحجيم دور بعض الدول ومنها مصر.

اعتبار إسرائيل .. الحليف الرئيسي للولايات المتحدة، بل أصبحت الدولة التي يمكن للولايات المتحدة أن تعتمد عليها من أجل تحقيق أهدافها ومصالحها بالمنطقة.

أصبحت الولايات المتحدة هي صاحبة الحل والعقد في مشكلة الصراع العربي الإسرائيلي إحداث خلل في التوازن العسكري لمصلحة إسرائيل، وتحقيق التفوق المطلق لها على جيرانها العرب، مع استمرار دعمها بالأسلحة الحديثة والمتطورة.

وبدأت الولايات المتحدة تقصر نشاطها على مواجهة الوجود السوفيتي بالمنطقة، وفي تحقيق أمن إسرائيل والواقع أن هذه السياسة بدأت تتعارض كلية مع مصالح العرب، بل أدت هذه السياسة إلى تعزيز النفوذ السوفيتي في المنطقة بدلاً من الحد منه.

وعلى الرغم من الاختلافات الواضحة بين السياسات العربية، وسياسة الولايات المتحدة، إلاّ أن الاتصالات بينها وبين مصر لم تنقطع. وبذلت مصر الجهود في العديد من المجالات لتحييد موقفها، إلاّ أن سياسة الرئيس الأمريكي "جونسون" كانت مضادة لذلك. واستمر انحيازه الكامل إلى جانب إسرائيل سواء من وجهة نظر انتخابية أو لتصفية حسابات شخصية، وكانت النتائج المرئية، هي أن الولايات المتحدة كانت تسعى دائما لعرقلة جميع الجهود السياسية، بل كانت تصر على أن يكون حل المشكلة هو حل أمريكي يتوافق مع المصالح الأمريكية ومصالح إسرائيل. وقد كان هذا العامل بصفة مستمرة، يغلق الطريق أمام الحلول السلمية، ويفرض على مصر أن يكون الحل عسكرياً. بل إن عبدالناصر قد عبر عن ذلك أثناء مقابلته المبعوث الأمريكي "جوزيف سيسكو" بقوله "من دون ضغط أمريكي محسوس ومن دون ضغط عسكري عربي مؤثر، فإن أحداً لا يقدر على إقناع إسرائيل بالتعقل، وأنه لو كان في مكان زعماء إسرائيل لكان ذلك موقفه، إذ لماذا ينسحبون طواعية إذا لم يكن عليهم ضغط سياسي ممن يملك فرصة الضغط، أو ضغط عسكري ممن يقدر على التضحيات.


الموقف السوفييتي

استهدفت السياسة السوفييتية، المؤيدة للعرب في الشرق الأوسط، ضمن غايات أخرى، إلى تغيير الوضع القائم في المنطقة بما يحقق مصالحها، خاصة بعد تدهور العلاقات العربية ـ الأمريكية. وأصبحت كل من مصر وسورية تعتمد كلية على التأييد الدبلوماسي والعسكري السوفييتي.

وعلى الصعيد العسكري: استطاع الاتحاد السوفييتي أن يدعم وجوده العسكري الكبير في كل من البحر المتوسط والبحر الأحمر والمحيط الهندي، بل استطاع أن يوسع دائرة نفوذه في اليمن الجنوبي وتحويله إلى دولة اشتراكية. وعملت السياسات السوفيتية على مضاعفة المنافع المحققة من وراء الأخطاء التي ارتكبها العرب. فحصل على تسهيلات عسكرية كبيرة في كل من مصر وسورية وزاد من حجم مستشاريه ونفوذه بهما.

كل هذه العوامل وغيرها، ساعدت بطبيعة الحال على دعم المصالح السوفييتية الإستراتيجية والأيديولوجية، وزادت من قدرات ومكانة ونفوذ الاتحاد السوفييتي في المنطقة، فانتشرت المراكز الثقافية السوفييتية وزاد دعمها للأحزاب الشيوعية.

وعلى الرغم من مناصرة السوفييت للقضايا العربية، إلاّ أنهم مع ذلك اتفقوا مع الولايات المتحدة على تجميد الأوضاع في المنطقة إلى حالة أطلق عليها "حالة اللاسلم واللاحرب" ، كي يمكن لهم أن يمارسوا مزيدا من التدخل في الشرق الأوسط. وفي ضوء هذه السياسة، تجنب الاتحاد السوفيتي أي مواجهة مع الولايات المتحدة تتعارض مع مصالح أي منهما بالمنطقة، وفي الوقت نفسه، تؤيد دولة إسرائيل ووجودها ولا يريدون لها هزيمة من العرب، ومن هنا كان إمدادها للدول العربية بنوعيات وحجم من الأسلحة بما لا يخل بهذا المبدأ. كذلك كان الاتحاد السوفيتي يجد نجاحاته في استمرار حالة التوتر بين العرب وإسرائيل، إذ يتيح له ذلك تحقيق أهدافه الإستراتيجية في المنطقة، من أجل دعم نفوذه وزيادة حجم تواجده العسكري بها.


الموقف الإسرائيلي

إن احتلال إسرائيل للأراضي العربية حقق لها كل أحلامها التوسعية، بل حقق لها أهم جوانب أمنها، من وجهة نظرها، إذ توافرت حدود طبيعية وعمق استراتيجي كافيان إلى حدٍّ كبير، كذلك انتعش اقتصادها نتيجة لاستغلال الموارد العربية بالأراضي المحتلة، ووسعت دائرة حركتها التجارية مع الدول الأفريقية والآسيوية، وازدادت معدلات الهجرة إلى إسرائيل، وتضاعفت لها المساعدات الاقتصادية والعسكرية من الولايات المتحدة الأمريكية، بعد أن أصبحت حليفاً كاملاً للولايات المتحدة، تساندها في تحقيق أهدافها ومصالحها بالمنطقة.

وواقع الأمر، أن حرب يونيه 1967، أحدثت تغييرات جذرية في الوضع الجيوإستراتيجي الإسرائيلي، وصحب ذلك تغييرات في إستراتيجيتها وسياستها، وتفاعلت هذه الإستراتيجية الجديدة مع الموقف السياسي طيلة الأعوام التي تلت حرب يونيه 1967، وتبلورت في نظرية جديدة تقوم على أساس الاستمرار في احتلال الأراضي العربية وردع العرب ومنعهم من تحريرها. وفي هذا الشأن، قال إيجال آلون: "إن إسرائيل لا تستطيع أن تبقى إلى ما لانهاية انتظاراً لرسم حدود آمنة، فمع استمرار التهديدات العربية فإنه من حق إسرائيل أن تقيم مستوطنات ومواقع آمنة في مناطق الحدود وفي المناطق ذات الأهمية الإستراتيجية، من أجل تحقيق أمن إسرائيل".

وفي إطار هذه الإستراتيجية، ظلت إسرائيل ترفض الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة، مما أبقى المنطقة في حالة حرب مستمرة، وبقيت الأداة العسكرية هي أداة الحسم لتحقيق الأهداف. وفي إطار تحقيق هذه الإستراتيجية، بدأت إسرائيل في توسيع استيطانها في الأراضي المحتلة، ودعم وتطوير قدراتها العسكرية، لكي تستمر في تحقيق التفوق على العرب. كما تضمنت هذه الإستراتيجية تأكيدات إضافية "لنظرية الأمن الإسرائيلي" تكون شعاراً لتحقـيق أهدافها التوسعية، ووسيلة لخداع الرأي العام العالمي. واستندت هذه الإستراتيجية إلى خمسة أسس رئيسية هي: "الحدود الآمنة، والقدرة على الردع، وإدارة الحرب الخاطفة، وتجنب القتال على أكثر من جبهة في وقت واحد، وضمان تدفق المساعدات الأمريكية إليها".

وفي الحقيقة، استطاعت الخطوط الجديدة، التي وصلت إليها إسرائيل بعد عدوان يونيه 1967، أن تحقق لها مزايا عديدة، باعتبارها خطوطا إستراتيجية هامة وموانع طبيعية تحقق لها الأمن في مواجهة أي أعمال تعرضية إستراتيجية من جانب العرب. وفي ضوء تلك الأوضاع، رفضت إسرائيل جميع الحلول السلمية، بعد أن شعرت بمزايا النصر، ومن ثَمّ بدأت تلوح باستخدام قوتها العسكرية من أجل ردع أي جانب عربي يقف ضد تحقيق أهدافها، معنوياً وعسكرياً. وأطلقت في العالم دعاية ذكية بأن العرب وفي مقدمتهم مصر لن تقوم لهم قائمة، ومن ثَمّ أغلقت الأبواب أمام أي حل سلمي، وبرمجت السياسة الإسرائيلية ردودها على كل شيء، باللاءات التي يستحيل معها الالتقاء عند أي نقطة علـى طريق تحقيق السلام. كان هذا الموقف الإسرائيلي يتم بالتنسيق مع الولايات المتحدة، وبتشجيع منها، وقد صاحب ذلك كله حملة إعلامية، غير مسبوقة، من أجل النيل من نفسية المواطن العربي والمصري. وأثبتت المواقف المتعددة من القادة الإسرائيليين وموقفهم من القرار الرقم (242) ومباحثات مبعوث الأمم المتحدة الدكتور "يارنج"، أن الصلف الإسرائيلي غير قابل للنقاش، وأن الاقتراب منه هو نوع من الاستسلام، وليس خطوة في اتجاه السلام، وأن قواعد اللعبة كما تفهمها إسرائيل، تتركز في استخدام القوة كوسيلة وحيدة لتحريك القضية، إذ بذلت قصارى جهدها في تثبيت الأوضاع القائمة، حينئذ، حتى ينسى العالم هذه القضية، وبالتالي تستطيع أن تحقق أهدافها بتوسيع رقعة إسرائيل.

وهكذا سدّت إسرائيل الأبواب أمام أي حل سلمي، ومن ثَمّ فرضت الحرب حتميتها ولم يبق أمام العرب إلاّ طريق الصراع المسلح، لهدم نظرية الأمن الإسرائيلي، التي تعتمد على الردع النفسي والمادي.


د. يحى الشاعر
 
مشكووووووووووووووووووووووووووووووووووور
 
لا ادري ما اقوله لك
انت فوق الرائع يا شاعر
 
عودة
أعلى