الموقف العالمي من الأزمة
عندما بدأت القوات المصرية التحرك إلى سيناء في منتصف مايو 1967، أعلنت إسرائيل تعبئة قوات الاحتياط بعد ذلك بأربعة أيام، مما أدى إلى إصابة الاقتصاد الإسرائيلي بشلل جزئي، وخلق جو من القلق بين الشعب الإسرائيلي. وبمجرد أن أعقب "عبدالناصر" تحركه العسكري بإعلان إغلاق مضيق تيران يوم 22 مايو. أصبح واضحاً أن إسرائيل لا تستطيع السكوت على هذا العمل العدواني.
لذلك بدأت جولة مستمرة من المشاورات داخل البلاد، ومن الاجتماعات الدبلوماسية في عواصم العالم من أجل رفع الحصار، وإزالة التهديد العسكري المصري. وواصل السفراء الإسرائيليون حث الدول المحبة للسلام على العمل لتحقيق هذا الهدف، ولكن اتضح لإسرائيل بصورة متزايدة وبمرور الوقت أنها لا تستطيع أن تنتظر خطوات فعالة من جانب العالم.
وكما تبين في النهاية، فإن "عبدالناصر" كان حكمه صائباً تماماً فيما يتعلق بالموقف الذي سوف تتخذه الدول الكبرى. فقد أيده الاتحاد السوفيتي في جميع تصرفاته، بل وشجعه على المضي فيها، وظل ممثلو روسيا يقدمون لمصر تقارير كاذبة عن حشود القوات الإسرائيلية المزعومة على الحدود السورية، بل إنهم وعدوا بمساعدة العرب عن طريق إرسال قوة عسكرية في حالة نشوب حرب.
وقد توقع الكثيرون في العالم، أن إسرائيل على وشك التدمير، ولكن لم يتخذ أي إجراء دولي.. وقد حاولت الدول الكبرى وضع قوات بحرية لتحقيق الضمانات المكفولة لإسرائيل منذ عام 1957، ولكن لم تتكون أي قوة لهذا الغرض ولم يتخذ أي إجراء إيجابي سوى اقتراحات ومشروعات قرار..
ولقد كان مندوب الاتحاد السوفيتي والدول العربية في الأمم المتحدة، يواصلون جهودهم لإعاقة أي مجهود يمكن أن يقوم به الغرب للتدخل واعتراض الخطط العربية. وابتكروا طرق لتقليل خطورة الموقف والسماح للخطط العربية بالتقدم في طريقها. أما الحكومة الإسرائيلية بقيادة "ليفي أشكول" فقد بذلت جهوداً كبيرة لحل الأزمة بالطرق الدبلوماسية، ولكن كل تلك الجهود لم تثمر عن شيء.
الموقف الفرنسي
لم تكن فرنسا تريد الحرب، ولكن الرئيس "شارل ديجول" ساعد "عبدالناصر" على أن يحاول كسب ما يريده بدون حرب فقد أجل تسليم الأسلحة التي كانت إسرائيل قد طلبتها من فرنسا ودفعت ثمنها. وبرر "ديجول" هذا التأجيل لممثلي إسرائيل بأنه عمل يهدف إلى "منع إسرائيل من أن تكون قادرة على البدء بالحرب".
وجاء هذا القرار الفرنسي في وقت كانت فيه مصر تتلقى كميات غير محدودة من الأسلحة من الاتحاد السوفيتي. وتمثل موقف "ديجول" في أنه ينبغي على إسرائيل أن تذعن أو ترضخ للحصار المفروض على المضايق. بل أنه مضى إلى أبعد من ذلك، فأصر على أنه يجب على الدول الكبرى الأربع، أن تدرس من جديد بقية المطالب العربية، مثل عودة اللاجئين، وحقوق الفلسطينيين.
وعندما نصح "ديجول" "المتغطرس" إسرائيل. بأن تعهد إليه برعاية شؤونها ( نظراً لأن فرنسا واحدة من الدول الكبرى )، فإنه لم يحجم عن أن يؤكد أن فترة التعاون الفرنسي / الإسرائيلي التي ازدهرت في عام 1956، قد انتهت، وأن فرنسا مهتمة الآن بتدعيم العلاقات الطيبة مع الدول العربية.
كما رفضت فرنسا أن توقع على إعلان حرية الملاحة الذي اقترحته الولايات المتحدة، وبهذا فقد كان هناك تغيراً مفاجئاً في السياسة الفرنسية تجاه إسرائيل.. فقد اختفى التعاطف المعهود من الحكومة الفرنسية بعد توجه سياستها تجاه العرب.. حيث أنه ـ ولمدة أعوام تورط فيها الفرنسيون في حرب الجزائر والتي ثار أهلها ضد الفرنسيين ـ بدأت العلاقات العربية/الفرنسية تزدهر، بعد أن كانت متجهة إلى إسرائيل في مقابل العرب.
وأعلن "ديجول"، أن مصالح فرنسا تنصب على كسب التعاون مع العرب وتنمية العلاقات مع الدول العربية خاصة في المجالين التجاري والعسكري. وبذلك وفي ساعة الأزمة أدارت فرنسا ـ وهي التي كانت حليفاً لإسرائيل ـ ظهرها لها، وبدون أي حكمة تحذير أو إنذار.
الموقف البريطاني
بالرغم من حسن نوايا بريطانيا في الجهود التي بذلتها، فإن تلك الجهود لم تسفر عن شيء. وكان رئيس وزرائها "هارولد ولسون"، الذي كان موجوداً في واشنطن في ذلك الوقت، قد أعلن تأييده الكامل لاقتراح الرئيس "جونسون" بتشكيل قوة عمل بحرية. ولكن هذه المبادرة فشلت، وحاول "جورج براون" وزير خارجيته أن يساعد في تنفيذ المبادرة. وغالباً ما كان يتصرف على مسؤوليته عندما كان رفاقه في مجلس الوزراء يعارضون مقترحاته، ولكنه فشل أيضاً.
وقد طار "براون" إلى موسكو في الرابع والعشرين من مايو، وقدم مقترحات المبادرة إلى الزعماء السوفييت، ولكن "كوسيجين" رفضها بطريقة فظة، ذكرته بفشل الإنجليز والفرنسيين في حرب السويس عام 1956.. وسأله "كوسيجين": "هل تريدون سويساً أخرى؟".
كما رفض الروس مقترحين آخرين قدمهما براون، وهما:
أن يتعاون الاتحاد السوفيتي مع بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة، في إعادة قوات الطوارئ الدولية إلى المواقع العازلة، وأن تضغط روسيا على مصر لكي تنسحب قواتها من شرم الشيخ. ثم عاد وزير الخارجية البريطاني إلى لندن وهو يشعر بخيبة أمل شديدة، بعد يومين من المحادثات العقيمة في موسكو.
د. يحى الشاعر
عندما بدأت القوات المصرية التحرك إلى سيناء في منتصف مايو 1967، أعلنت إسرائيل تعبئة قوات الاحتياط بعد ذلك بأربعة أيام، مما أدى إلى إصابة الاقتصاد الإسرائيلي بشلل جزئي، وخلق جو من القلق بين الشعب الإسرائيلي. وبمجرد أن أعقب "عبدالناصر" تحركه العسكري بإعلان إغلاق مضيق تيران يوم 22 مايو. أصبح واضحاً أن إسرائيل لا تستطيع السكوت على هذا العمل العدواني.
لذلك بدأت جولة مستمرة من المشاورات داخل البلاد، ومن الاجتماعات الدبلوماسية في عواصم العالم من أجل رفع الحصار، وإزالة التهديد العسكري المصري. وواصل السفراء الإسرائيليون حث الدول المحبة للسلام على العمل لتحقيق هذا الهدف، ولكن اتضح لإسرائيل بصورة متزايدة وبمرور الوقت أنها لا تستطيع أن تنتظر خطوات فعالة من جانب العالم.
وكما تبين في النهاية، فإن "عبدالناصر" كان حكمه صائباً تماماً فيما يتعلق بالموقف الذي سوف تتخذه الدول الكبرى. فقد أيده الاتحاد السوفيتي في جميع تصرفاته، بل وشجعه على المضي فيها، وظل ممثلو روسيا يقدمون لمصر تقارير كاذبة عن حشود القوات الإسرائيلية المزعومة على الحدود السورية، بل إنهم وعدوا بمساعدة العرب عن طريق إرسال قوة عسكرية في حالة نشوب حرب.
وقد توقع الكثيرون في العالم، أن إسرائيل على وشك التدمير، ولكن لم يتخذ أي إجراء دولي.. وقد حاولت الدول الكبرى وضع قوات بحرية لتحقيق الضمانات المكفولة لإسرائيل منذ عام 1957، ولكن لم تتكون أي قوة لهذا الغرض ولم يتخذ أي إجراء إيجابي سوى اقتراحات ومشروعات قرار..
ولقد كان مندوب الاتحاد السوفيتي والدول العربية في الأمم المتحدة، يواصلون جهودهم لإعاقة أي مجهود يمكن أن يقوم به الغرب للتدخل واعتراض الخطط العربية. وابتكروا طرق لتقليل خطورة الموقف والسماح للخطط العربية بالتقدم في طريقها. أما الحكومة الإسرائيلية بقيادة "ليفي أشكول" فقد بذلت جهوداً كبيرة لحل الأزمة بالطرق الدبلوماسية، ولكن كل تلك الجهود لم تثمر عن شيء.
الموقف الفرنسي
لم تكن فرنسا تريد الحرب، ولكن الرئيس "شارل ديجول" ساعد "عبدالناصر" على أن يحاول كسب ما يريده بدون حرب فقد أجل تسليم الأسلحة التي كانت إسرائيل قد طلبتها من فرنسا ودفعت ثمنها. وبرر "ديجول" هذا التأجيل لممثلي إسرائيل بأنه عمل يهدف إلى "منع إسرائيل من أن تكون قادرة على البدء بالحرب".
وجاء هذا القرار الفرنسي في وقت كانت فيه مصر تتلقى كميات غير محدودة من الأسلحة من الاتحاد السوفيتي. وتمثل موقف "ديجول" في أنه ينبغي على إسرائيل أن تذعن أو ترضخ للحصار المفروض على المضايق. بل أنه مضى إلى أبعد من ذلك، فأصر على أنه يجب على الدول الكبرى الأربع، أن تدرس من جديد بقية المطالب العربية، مثل عودة اللاجئين، وحقوق الفلسطينيين.
وعندما نصح "ديجول" "المتغطرس" إسرائيل. بأن تعهد إليه برعاية شؤونها ( نظراً لأن فرنسا واحدة من الدول الكبرى )، فإنه لم يحجم عن أن يؤكد أن فترة التعاون الفرنسي / الإسرائيلي التي ازدهرت في عام 1956، قد انتهت، وأن فرنسا مهتمة الآن بتدعيم العلاقات الطيبة مع الدول العربية.
كما رفضت فرنسا أن توقع على إعلان حرية الملاحة الذي اقترحته الولايات المتحدة، وبهذا فقد كان هناك تغيراً مفاجئاً في السياسة الفرنسية تجاه إسرائيل.. فقد اختفى التعاطف المعهود من الحكومة الفرنسية بعد توجه سياستها تجاه العرب.. حيث أنه ـ ولمدة أعوام تورط فيها الفرنسيون في حرب الجزائر والتي ثار أهلها ضد الفرنسيين ـ بدأت العلاقات العربية/الفرنسية تزدهر، بعد أن كانت متجهة إلى إسرائيل في مقابل العرب.
وأعلن "ديجول"، أن مصالح فرنسا تنصب على كسب التعاون مع العرب وتنمية العلاقات مع الدول العربية خاصة في المجالين التجاري والعسكري. وبذلك وفي ساعة الأزمة أدارت فرنسا ـ وهي التي كانت حليفاً لإسرائيل ـ ظهرها لها، وبدون أي حكمة تحذير أو إنذار.
الموقف البريطاني
بالرغم من حسن نوايا بريطانيا في الجهود التي بذلتها، فإن تلك الجهود لم تسفر عن شيء. وكان رئيس وزرائها "هارولد ولسون"، الذي كان موجوداً في واشنطن في ذلك الوقت، قد أعلن تأييده الكامل لاقتراح الرئيس "جونسون" بتشكيل قوة عمل بحرية. ولكن هذه المبادرة فشلت، وحاول "جورج براون" وزير خارجيته أن يساعد في تنفيذ المبادرة. وغالباً ما كان يتصرف على مسؤوليته عندما كان رفاقه في مجلس الوزراء يعارضون مقترحاته، ولكنه فشل أيضاً.
وقد طار "براون" إلى موسكو في الرابع والعشرين من مايو، وقدم مقترحات المبادرة إلى الزعماء السوفييت، ولكن "كوسيجين" رفضها بطريقة فظة، ذكرته بفشل الإنجليز والفرنسيين في حرب السويس عام 1956.. وسأله "كوسيجين": "هل تريدون سويساً أخرى؟".
كما رفض الروس مقترحين آخرين قدمهما براون، وهما:
أن يتعاون الاتحاد السوفيتي مع بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة، في إعادة قوات الطوارئ الدولية إلى المواقع العازلة، وأن تضغط روسيا على مصر لكي تنسحب قواتها من شرم الشيخ. ثم عاد وزير الخارجية البريطاني إلى لندن وهو يشعر بخيبة أمل شديدة، بعد يومين من المحادثات العقيمة في موسكو.
د. يحى الشاعر