دراسة بقلم: يفتاح شبيرا :"من اتجاهات ازدياد القوة العسكرية في الشرق الاوسط
· تقدير استراتيجي لاسرائيل 2009
· تحرير شلومو بروم وعنات كورتس
· معهد بحوث الامن القومي، جامعة تل ابيب، 2009.
ما يزال الشرق الاوسط أحد المناطق العاصفة في العالم. فالتوتر في المنطقة، الذي هو خلفية للمواجهات، يسود ما بين الجماعات العرقية، والدول القومية، والطوائف والاديان. ترى دول كثيرة ازدياد ايران قوة، ولا سيما في المجال الذري، اكبر تهديد للاستقرار الاقليمي ولامنها المباشر. في اثناء 2008 تحسن الوضع الامني في العراق، لكن هذا التطور بعيد من أن يشير الى اتجاه استقرار ولست اخاله سيبقى بعد ان تخرج القوات الامريكية من الدولة. في الوقت نفسه تزداد المواجهة في افغانستان ضراوة وتشارك قوات الولايات المتحدة وحلف شمالي الاطلسي في قتال يزداد، ويتوقع ان يتوسع بعد. في السنين الثلاث الاخيرة شاركت اسرائيل في اشتعالين عرفا على انهما حربان كان آخرهما في اواخر سنة 2008. تم القتال في الحالتين مع جهات شبه دولية (من دولة)، أيدتها ايران. بينت هذه الحروب الوزن الذي يزداد للاعبات من غير الدول في مواجهات عسكرية في المنطقة، في حين ان المواجهات العسكرية بين الدول ظاهرة أشد ندرة وعلى ذلك فلا عجب من ان يمتاز الشرق الاوسط بزيادة قوة دائمة لجيوش الدول والعصابات المسلحة للاعبات من غير الدول معا، ولهذا فانه احد اكبر الزبائن في العالم لنظم السلاح من انواع مختلفة. دول المنطقة من أكبر مشتريات السلاح في العالم اذا استثنيت الدول العظمى.
في هذه المقالة ستستعرض اتجاهات زيادة القوة العسكرية فيي الشرق الاوسط مع حصر العناية في العوامل التي تملي ذلك: صورة المواجهات العسكرية والنظرية العسكرية المشتقة منها، والموارد التي تملكها اللاعبات المختلفة، وقربها من المزودات الدوليات بالسلاح وقدرتها على الانتاج الذاتي.
تغير شكل المواجهات وتصور القتال
أخذ يتضح في السنين الثلاثين الاخيرة تغير جذري لشكل الحروب. فقد أصبحت المعارك الضخمة بين الجيوش النظامية، المؤللة والمسلحة جيدا، التي ميزت القتال في العصر الصناعي، من تراث الماضي. وفي واقع الامر كانت حرب يوم الغفران في 1973 آخر مرة تمت فيها معارك كلاسيكية من هذا النوع في المنطقة او خارجها. واحتل محلها انواع قتال اخرى تختلف تماما عن القتال التقليدي ويختلف بعضها عن بعض.
حصل النوع الاول على اسم "ثورة في الشؤون العسكرية". يعتمد نوع القتال هذا على ثلاثة عناصر رئيسة: استعمال سلاح موجه دقيق من مدى بعيد، وسيطرة استخبارية تامة على مجال ساحة القتال كله، ونظم رقابة وسيطرة وقيادة واتصال واستخبار (سي 4 آي) تمكن من التأليف بين جميع العناصر الاخرى. برهنت الحرب في العراق في سنة 2003 على التفوق المطلق للجيش الذي تبنى توجهات كهذه على جيش مؤلل تقليدي.
أثر هذا التطور في سوق السلاح العالمية؛ فقد صرفت دول كثيرة مجالات اهتمامها بشراء السلاح الى الاتجاهات ذات الصلة اي الى "الثورة في الشؤون العسكرية" (آر ام ايه). فهي تفضل شراء سلاح دقيق بعيد المدى وقواعد قادرة على حمله ولا سيما طائرات حربية. هكذا مثلا اشترت اسرائيل واتحاد الامارات طائرات اف 16 من أكثر الطرز تقدما. اما العربية السعودية فاستدعت في المدة الاخيرة طائرات "تايفون". وطلبت اسرائيل اخيرا من الولايات المتحدة طائرات اف 35 المتقدمة جدا، ويتوقع أن تتزود تركيا بها ايضا في المستقبل. تتزود هذه الدول الى ذلك بنظم استطلاع واستخبارات، وتنفق على نظم سيطرة ورقابة وحوسبة واتصال. لكنها في مقابلة ذلك أقل انفاقا على الدبابات الحربية مثلا. ان اتجاه زيادة القوة هذا مركب ومحكم، وهو على نحو عام أبعد عن قدرة اكثر دول الشرق الاوسط على احرازه.
يوجد نوع حرب آخر في الطرف الثاني من متوالية الاحكام، وهو يميز اتجاه زيادة قوة دول ضعيفة ومنظمات ليست دولة معا. ان جهات مسلحة، ليست دولا، تقاتل داخل الدول التي تعمل داخلها، او تقاتل السلطة المركزية او عصابات مسلحة عدوة، او خارجها، سواء أكان ذلك بتأييد الدولة المضيفة أم بموافقة لا مناص منها. تستعمل هذه العصابات بطبيعة الامر انواع سلاح بسيطة، وتتخذ طرائق ارهابية وفي ضمنها استعمال الالغام والسيارات المفخخة بل ارهاب المنتحرين وكذلك طرائق قتال العصابات. أثر وجود عصابات مسلحة ومنظمات ارهابية كهذه بطبيعة الامر في سوق السلاح الخفيف (وغير القانوني على نحو عام)، التي تشتري العصابات المسلحة سلاحها منها، وكذلك في شراء دول نظامية للسلاح تضطر الى أن تنفذ نفقات خاصة من أجل مكافحة هذا النوع من القتال. تشتمل هذه النفقات على معدات حربية لقوات خاصة وعلى معدات حماية وأمن للمنشآت والاماكن السكنية التي قد تكون معرضة للاصابة بانوع قتال كهذه.
الى ذلك، اختارت الدول التي ادركت انها غير قادرة على مواجهة دول غنية محكمة تتسلح بحسب توجه الـ آر ام ايه، اختارت أن تأخذ بقدرات بديلة، وبمواجهة غير متناسبة. في واقع الامر واجهت هذه الدول خيارين: الاول – التزود بسلاح للابادة الجماعية وبصواريخ باليستية. هذه الوسائل مخصصة بالاساس لتهديد الجبهة المدنية في دول عدوة ولان تستعمل في الاساس سلاح ردع. برز في الشرق الاوسط بذلك ايران وسورية خاصة التي تزودت بصواريخ باليستية وبسلاح كيماوي وربما بيولوجي ايضا). والعراق في الماضي ايضا. والثاني – تطوير قدرات حرب
عصابات ودسائس، باستعمال وحدات خاصة منها وباستعمال عصابات مسلحة تؤيدها. مثلا تؤيد سورية عصابة حزب الله في لبنان التي تستعملها وسيلة لاستعمال الضغط على اسرائيل.
وتطور آخر في مجال القتال غير المتناسب هو الاستعمال الذي اخذ يزداد للسلاح مائل المسار، ولا سيما سلاح القذائف الصاروخية. ليس الحديث عن انواع سلاح جديدة، فهذه انواع سلاح استعملت في الحرب العالمية الثانية لكنها اثبتت نفسها كأداة ممتازة لاستعمال الضغط على دولة من طريق اصابة سكانها المدنيين – بغير قدرة حقيقية للدولة التي وقع عليها الهجوم على احباط قدرة الجهة المهاجمة تماما. برغم ان بلدات اسرائيلية هوجمت بسلاح مائل المسار في الماضي (هوجمت بلدات شمالي دولة اسرائيل بصواريخ جراد من لبنان قبل عشرين سنة)، بدأ في السنين الاخيرة تحول كمي وكيفي ووعيي، وتبين أن السلاح مائل المسار عامل ذو اهمية استراتيجية من الطراز الاول. برهنت حرب لبنان الثانية في صيف 2006 وسنوات من اطلاق صواريخ جراد على بلدات حدود قطاع غزة على قيمة هذا السلاح الاستراتيجي. أثرت دروس هذه الحروب ايضا في سوق السلاح. فمن جهة قررت دول مثل ايران او سورية التزود بكميات كبيرة من السلاح الصاروخي. ومن جهة اخرى ازدادت الحاجة عند الجهة المهاجمة الى تطوير نظم دفاع تواجه سلاحا مائل المسار قصير المدى. وهي نظم لم يحسب احد الى الان انها توجد حاجة اليها.
نفقات الامن والشراء
ما تزال دول الشرق الاوسط في السنتين الاخيرتين ايضا متقدمة بين مشتريات السلاح في العالم. فبحسب معطيات جهاز البحث في الكونغرس الامريكي، وقعت بين السنتين 2004 – 2007 اتفاقات تزويد بالسلاح مع دول الشرق الاوسط بمبلغ عام يبلغ 63.055 مليون دولار، هي 30.26 في المائة من اجمالي اتفاقات التزويد بالسلاح في العالم (بحسب نفس المصدر، وقع في 2000 – 2003 في المنطقة اتفاقات بقيمة 33.287 مليون دولار، كانت 22.55 في المائة من سوق بيع السلاح العالمية). الفرق بين الرقمين يدل على زيادة نصيب المنطقة بعامة من مشتريات السلاح العالمية وعلى زيادة مقدار بيع السلاح العالمي.
تبين هذه المعطيات ان الشرق الاوسط ما يزال في رأس قائمة مشتريات السلاح العالمية (تتخلف دول آسيا الاخرى وراء الشرق الاوسط ببضع درجات مئوية). هذه الاستثمارات الضخمة في الشراء الامني تدل على الوضع الجغرافي السياسي المعقد في المنطقة الذي يتميز بعدد كبير من النزاعات الطويلة وبقدر كبير من تدخل جهات خارجها – وهو تدخل ينبع من اهمية المنطقة ومواردها، ولا سيما النفط.
من جهة اقتصادية، ما زالت دول الشرق الاوسط في السنين الاخيرة ايضا تنتمي الى ثلاث جماعات. تشتمل الجماعة الاولى على دول النفط القادرة على النفقة على زيادة قوتها من مصادر ذاتية؛ وتشتمل جماعة اخرى على دول تتمتع بمساعدة مالية من الولايات المتحدة لشراء السلاح وفيها اسرائيل ومصر والاردن؛ وتشتمل الجماعة الثالثة على دول لا تتمتع بمصادر نفط ذات شأن ولا تحصل على مساعدة مالية ايضا. ان زيادة قوة الدول التي تنتمي الى الجماعة الاخيرة محدودة جدا، وتضطر الى ان تحصر عنايتها في المجالات الحيوية جدا لها فقط. سورية مثلا دولة تنتمي الى هذه الجماعة. تخلت سورية من كل محاولة لمعادلة قدراتها العسكرية مع اسرائيل، وبدلا ذلك طورت تصور قتال غير متناسب يمكنها من مواجهة التحديات الامنية التي تواجهها اعتمادا على مواردها الضئيلة.
طرأ في السنين الاخيرة زيادة على شراء دول المنطقة للسلاح، تلحظ هذه الزيادة في السنين الخمس التي مرت منذ عملية "عاصفة الصحراء" في 2003 وذلك لعدة اسباب. في الحق ان تدخل الولايات المتحدة العسكري في المنطقة ابعد تهديد العراق لكنه احدث فترة عدم استقرار في العراق، وتزيد هذه احساس سائر دول المنطقة بالتهديد. في مقابلة ذلك غير ابعاد التهديد العراقي ميزان القوى في منطقة الخليج وزاد عند دول كثيرة في المنطقة الاحساس بتهديد ايران. لهذا التهديد عدة عناصر هي: قوة ايران العسكرية التي تزداد – ولا سيما القوة البحرية في الخليج التي تستطيع تهديد النقل البحري (ولا سيما تدفق النفط) في مضيق هرمز؛ ومطامح ايران الذرية، التي كشفت للعالم منذ سنة 2002 وهي تهديد لجاراتها ولاستقرار الشرق الاوسط كله؛ وتسلح ايران بصواريخ بعيدة المدى يقوي هذه الاحساس بالتهديد؛ ويعبر عن تدخل ايران في نزاعات الشرق الاوسط – في العراق ولبنان وفي الساحة الاسرائيلية – الفلسطينية – بمساعدة جهات ليست دولا هي عنصر عدم استقرار دائم.
ينبغي ان نزيد على عوامل ازدياد مقدار اتفاقات شراء السلاح القدرة الاقتصادية المتحسنة لاكثر دول المنطقة حتى منتصف سنة 2008. ففي هذه المدة تمتعت دول المنطقة بالمد الاقتصادي في العالم، وتمتعت بخاصة منتجات النفط من زيادة حادة لاسعار النفط التي بلغت الى مستوى 140 دولارا للبرميل. منذ منتصف سنة 2008 حدث تغير حاسم لهذا الوضع. فقد انخفضت اسعار النفط، وبدأت الازمة الاقتصادية التي نشبت بكامل قوتها في نهاية سنة 2008 تبين علاماتها.
في زمن كتابة هذه السطور ما زال ان نقدر كامل اثار الازمة المباشرة. ان صفقات السلاح التي وقعت لا تتأثر بسهولة بالتغيرات الشديدة في الاسواق المالية. فهي على نحو عام صفقات كبيرة مركبة، تمتد عدة سنين، وكما لا تسارع الدول الى توقيع صفقات سلاح كبيرة، فانها لا تسارع ايضا الى الغائها او مضاءلتها في ازمان الازمات الاقتصادية ايضا. والى ذلك تقيم عدة دول في المنطقة مشترياتها من السلاح على مساعدة خارجية ولا سيما من الولايات المتحدة: فاسرائيل ومصر والاردن والعراق ولبنان تتمتع باموال مساعدة امريكية. اقترحت الولايات المتحدة كجزء من جهودها لمواجهة التهديد الايراني على دول الخليج في نهاية سنة 2007 ان تبيعها سلاحا متقدما بقيمة عامة تبلغ 20 مليار دولار تقريبا، سوى مساعدة كبيرة قدمت لحكومة العراق لمدة سنين من أجل ان تقيم جيشها المجدد وتسلحه. جرى التعبير عن جهود التسلح هذه بعدد من الطلبات الكبيرة للسلاح من اجل العراق سجلت في بدء سنة 2008. برغم الازمة الاقتصادية العالمية وتبدل الادارة في الولايات المتحدة، من المحتمل أن تظل اموال المساعدة هذه تتدفق في السنين القريبة ايضا. مع ذلك يزيد عمق الازمة الحالية والتنبؤ بان تستمر فترة طويلة نسبيا، احتمابلات ان يتغير الوضع في السنين القريبة. مما يشبه اليقين الا توقع صفقات جديدة. وكتلك التي هي في مراحل متقدمة من التفاوض – بل يمكن ان تلغى او تضاءل صفقات موقعة قائمة.
مزايا سوق السلاح
انقضت منذ زمن ايام الحرب الباردة التي انقسمت فيها دول المنطقة بين كتلتين. وانقضت ايضا الايام التي املى فيها المستشارون السوفييت على الدول وقادتها ما يجب ان يكون نظريتهم، وكيف يجب على جيوشهم ان تبدو وأي أنواع سلاح يجب ان يشتروها. أصبحت سوق السلاح كلها اكثر منافسة في المنطقة كلها. يتننافس عدد صغير من المزودات الكبيرات في صفقات كبيرة، والفوز بالمناقصات أقل يقينا. تؤثر عدة جوانب اخرى هي ايضا في تغييرات سوق السلاح: الصناعات المحلية والمبيعات داخل المنطقة، ونقل التكنولوجيا، والتطوير.
الصناعات المحلية والمبيعات داخل المنطقة
طور عدد من دول الشرق الاوسط صناعة عسكرية محلية، للاستعمال الذاتي وللبيع ايضا. أكثر الدول تقدما في المنطقة في هذا الجانب اسرائيل، التي تنتج عددا من انواع المعدات الاكثر تقدما في اسواق العالم. فدبابة المركبا من الطراز الرابع هي احدى الدبابات الحربية الاكثر تقدما في العالم. برغم ان الصناعة الاسرائيلية بدأت تنتج في السنة الاخيرة ايضا حاملة الجنود المدرعة "نمر"، التي تعتمد على بنية "المركفاه"، فان جل انجازات الصناعة الامنية الاسرائيلية في المجال الصاروخي، وفي مجال الالكترونيات ومعدات الرؤية الالكترونية: فاسرائيل تنتج صواريخ جو – جو، وصواريخ مضادة للدبابات، وقنابل موجهة، ونظم سلاح مضادة للصواريخ – نظام "حيتس" المضاد للصواريخ المتوسطة المدى فما فوق، الذي اصبح ملائما للعمليات، ونظامين مضادين للقذائف الصاروخية ذات أقصر مدى والتي ما تزال في طور التطوير – "كيشيت دافيد" و "كبات بارزيل". كذلك يوجد لاسرائيل صناعة فضائية متطورة، وهي تنتج قواعد اطلاق للاقمار الصناعية ("شافيت")، وأقمارا صناعية من انواعا مختلفة – اقمار صناعية للاتصال "عاموس"، واقمار تجسس من طراز "اوفيك" و "ايروس" و "تكسار". تنتج اسرائيل ايضا نظم توجيه وتهيئة اهداف للطائرات الحربية، ونظم رادار ارضية ومحمولة جوا، وفي ضمن ذلك طائرات انذار مبكر وتجسس. مع ذلك، بسبب مكانة اسرائيل السياسية بين دول المنطقة فانها لا تبيع المعدات العسكرية داخل المنطقة، سوى مبيعات لتركيا ومبيعات معدة للقوات الامريكية في العراق. تستعمل هذه القوات من جملة ما تستعمل طائرات بلا طيار ودروعا لمراكب تنتجها اسرائيل.
وصناعة عسكرية قوية اخرى في المنطقة هي الصناعة التركية التي تبيع دول الشرق الاوسط سلاحا: فتركيا تركب طائرات اف – 16، واشترى عدد من دول المنطقة طائرات اف – 16 عن طريق تركيا (كمصر) او حسنتها هناك (الاردن). والى ذلك تبيع تركيا عددا من دول المنطقة كالاردن والعراق ودول الامارات العربية المتحدة حاملات جنود مدرعة ومراكب خفيفة مدرعة في الاساس.
ان الصناعة الامنية التي تنمو سريعا في السنين الاخيرة هي في اتحاد الامارات. فقد انفقت الامارات في العقد الاخير مبالغ ضخمة على انشاء صناعة أمنية كبيرة تتوزع على عدد كبير من مجالات العمل. أكثر هذه الصناعة تملكه الحكومة، وهي تتمتع باستثمارات حكومية كبيرة وباستثمارات من قوة اتفاقات "اوفست". كذلك تتمتع صناعة الامارات باتفاقات نقل التكنولوجيا التي هي جزء من اتفاقات بين السلاح. والى الصناعة الحكومية، تعمل في الامارات ايضا شركات في ملك خاص تحاول العمل في سوق السلاح ولا سيما في دول الخليج. المحور الرئيس للصناعة الامنية في الامارات هو احواض السفن (ايه دي اس بي)، التي بنت وباعت عددا من دول الخليج عدة انواع من سفن الاستطلاع، ومساعدة لوجستية.
المشروع الاكبر لهذه الصناعة هو مشروع طرادات "بينونة" (وهو طراز خطط له في احواض سفن سي ام ان في فرنسا). تتطور في الامارات حول هذا المشروع ايضا قدرة تركيب وادماج لمعدات رقابة وسيطرة محكمة. وثمة مجالات اخرى تستثمر فيها الصناعة في الامارات هي انتاج وتركيب مدرعات خفيفة، وتطوير وانتاج طائرات بلا طيارين.
توجد صناعات اخرى في نطاق محدود في مصر، حيث تركب دبابات أبرامز ام 1 ايه 1، وفي العربية السعودية وفي الاردن، لكن مطامح هذه الدول الى اقامة صناعات عسكرية متطورة لم تثبت للتوقعات حتى الان.
من المهم آخر الامر ان نذكر الصناعة الامنية الايرانية. تفخر هذه الصناعة بقدرتها على انتاج كل معد عسكري، يحتاج اليه لتسليح القوات المسلحة الايرانية – الجيش والحرس الثوري. يعلن الايرانيون قدرتهم الى انتاج طائرات مقاتلة، ودبابات، وغواصات، وصواريخ من أي نوع. ان جزءا كبيرا من هذه التصريحات هي تصريحات باطلة، لكنه يجب عدم الاستخفاف بالصناعة الامنية الايرانية، التي برهنت على قدرتها في عدة مجالات. كانت انجازاتها البارزة في مجالي الصواريخ والفضاء. انتج صاروخا شهاب 2 وشهاب 3 بمساعدة كبيرة من كوريا الشمالية، وكان شهاب 3 الاساسي في واقع الامر مشابها لـ "نودونغ" الكوري، وتطور ايران منذ نهاية التسعينيات طرزا جديدة وانواعا جديدة من الصواريخ على نحو مستقل. كان النجاحان الاخيران هما: تجربة صاروخ "سجيل" (الذي سمي في الماضي "عاشوراء")، وهو صاروخ باليستي ذو جزئين يعمل بالوقود الصلب. جرب هذا الصاروخ أول مرة في تشرين الثاني 2007، ثم في آيار 2009، ويبدو انه ما يزال غير عملي؛ والنجاح الثاني هو اطلاق القمر الصناعي "اوميد" الذي انتج في ايران، على حامل للاقمار الصناعية من انتاج ايران – "سابير 2" وهو حامل ذو قسمين يعمل بالوقود السائل. ثمة مجال آخر نجحت في الصناعات الايرانية هو المجال البحري – فهي تنتج سفن استطلاع صغيرة وغواصات صغيرة ايضا كما يبدو. للصناعة العسكرية الايرانية مبيعات محدودة. فقد اقتصرت بحسب المعروف على نقل سلاح مدفعي صاروخي وصواريخ شاطىء – بحر الى حزب الله في لبنان، وعلى بيع سورية سفن استطلاع صغيرة.
نقل التكنولوجيا
احد الموضوعات التي تهم دولة تنشىء صناعة أمنية هو قدرتها على الوصول لتكنولوجيات مختلفة. يكون هذا الموضوع احيانا نقطة خلاف بين الدول، لان الدول ذات الصناعة التي تشتري نظم سلاح تطلب ايضا وصولا الى التكنولوجيات المستعملة في هذا السلاح كجزء من صفقة شراء السلاح. لقد اشترت مصر مثلا القدرة على انتاج دبابات ام 1 ايه 1 التي تستعملها. تكون موافقة البائع احيانا على نقل التكنولوجيا الى الدولة المشترية عاملا حاسما في اختيار المزود. فقد اختارت تركيا مثلا الغاء صفقة بمليارات الدولارات مع الولايات المتحدة لشراء مروحيات حربية لان الولايات المتحدة رفضت التمكين من الوصول الى برنامج رقابة المهمة في طائرات كوبرا ايه اتش – 1 زد، واستحضرت بدلا منها مروحيات اغوستا تي 129 من ايطاليا.
تحسينات
ثمة شيء اخر يميز سوق السلاح في الشرق الاوسط هو الطموح الى تحسين نظم سلاح قديمة بدل شراء نظم سلاح جديدة. تبرز هذه الظاهرة، وهي ليست مميزة لهذه المنطقة فحسب، في مجال النظم الجوية خاصة. ولما كان أساس التقدم في مجال السلاح الجوي في العقود الاخيرة في مجال التسليح والالكترونيات لا في قواعد جديدة، فان اسلحة الجو تفضل تحسين قدرتها بتركيب نظم توجيه وانواع سلاح جديدة على قواعد قديمة. نذكر مع ذلك انه بالقياس الى النصف الاول من العقد الحالي طرأ انخفاض على عدد صفقات تحسين نظم سلاح قديمة، ويبدو ان هذه السوق، في هذه المنطقة على الاقل قد بلغت درجة الري، فما كان يمكن تحسينه قد حسن، وأصبحت نظم أخرى أقدم من القدرة على تحسينها مرة اخرى.
المزودات الرئيسة بالسلاح
الولايات المتحدة
ما تزال الولايات المتحدة أهم مزودة سلاح للشرق الاوسط. فبين السنتين 2004 – 2007 وقعت على اتفاقات بيع دول الشرق الاوسط سلاحا (من غير تركيا) بمبلغ عام وصل الى 20.655 مليار دولار. لا تبيع الولايات المتحدة دول المنطقة سلاحا فقط، بل ان عددا منها يحصل على مساعدة مالية بمقادير كبيرة لشراء السلاح من الولايات المتحدة. اسرائيل في رأس القائمة، وقد حصلت في السنة الاخيرة على 2.4 مليار دولار، وسيزيد هذا المقدار بالتدريج في السنين العشر القادمة. توجد مصر بعدها في قائمة الحاصلات على المساعدة، وهي تحصل على 1.3 مليار دولار في السنة. وتوجد حاصلات أُخر على المساعدة هي العراق والاردن ولبنان وتونس واليمن. تحصل هذه الدول على جزء من المساعدة بهبات مالية وجزء بالتزويد بمعدات مما يفضل عن جيش الولايات المتحدة.
في آب 2007 صرح الرئيس بوش تصريحات عن بيع دول المنطقة سلاحا بمقدار كبير، في جهوده لتجنيد تأييد لسياسته لمواجهة ايران. اعلن في هذا الاطار استمرار مساعدة مصر، وزيادة المساعدة لاسرائيل بالتدريج – وكما قلنا آنفا أبلغ عن اقتراح صفقات سلاح بمبلغ عشرين مليار دولار تقريبا لدول الخليج – العربية السعودية، واتحاد الامارات، والبحرين والكويت وقطر وعمان. لم ينشر زمن النشر انواع نظم السلاح، لكن تبين في السنة الماضية ان جل المساعدة لدول الخليج سيكون في مجال الدفاع الجوي: وبخاصة تحسين نظم صواريخ "باتريوت" موجودة: زيادة صواريخ ونظم توجيه من طراز جيم – تي ومثبطات صواريخ باك – 3. ستكون دولة الامارات العربية ايضا اول دولة خارج الولايات المتحدة تزود بنظم مضادة للصواريخ الباليستية من طراز ثاد. والى ذلك بيع عدد من دول المنطقة قنابل موجهة (جي بي اس) من نوع جدام. اثار هذا البيع، في حالة العربية السعودية على الاقل، جدلا عاما في الولايات المتحدة.
والى نظم الدفاع الجوي، زودت الولايات المتحدة اكثر الطائرات الحربية في دول المنطقة، بطرز مختلفة من طائرة اف 16 التي هي دعامة كثير من اسلحة الجو في الشرق الاوسط (البحرين ومصر واسرائيل والاردن وعمان وتركيا واتحاد الامارات العربية) وكان المغرب دولة اخرى اعلنت نيتها شراء طائرات اف 16، وهي التي استعملت الى الان معدات من انتاج فرنسا. كانت طرز اف 16 حتى المدة الاخيرة من الطرز المتقدمة التي باعتها الولايات المتحدة المنطقة، لكن في السنة الماضية اعلنت الولايات المتحدة موافقتها على بيع سلاح الجو الاسرائيلي طائرات اف 35. في العقد القادم ستبدأ اف 35 دخول الخدمة في اسلحة جو اخرى في المنطقة.
باعت الولايات المتحدة دولا في المنطقة مروحيات. كانت مروحيات الاباتشي في السنين الاخيرة هي "اللقطة"، وكثيرات من الدول التي اشترت هذه الطائرات في الماضي حسنتها الى رتبة ايه اتش – 64 دي، برغم انه لم تحصل جميع الدول مع التحسين ايضا على رادار لونغ بو. اسرائيل ومصر والكويت والعربية السعودية بين الدول التي تستعمل هذه المروحية. يضاف الى الطائرات الحربية والمروحيات معدات تسليح مختلفة، وفي السنتين الاخيرتين بيعت اسرائيل والعربية السعودية والامارات العربية والمغرب قنابل جدام المطورة. وفي المجال الجوي ايضا بيعت طائرات نقل (سي – 130 جيه) وطائرات تجسس ورقابة (طائرة الهوكي المحسنة اي – 2 سي)، التي تستعمل في مصر حيث اجري عليها تحسين في المدة الاخيرة، وكذلك في الامارات العربية).
تبيع الولايات المتحدة في المنطقة ايضا معدات للقوات البرية، وكانت مصر وما تزال الزبون الرئيس، فهي تشتري وتركب دبابات أبرامز ام 1 ايه 1. والعراق زبون مهم آخر للمعدات البرية من الولايات المتحدة، وهو الذي أصبح يشتري كجزء من اقامة جيشه ناقلات جنود مدرعة كثيرة من انواع مختلفة.
في المجال البحري – ليست الولايات المتحدة رائدة في المبيعات، وان يكن يبحث الان عقد مع مصر لشراء ثلاث سفن وطلب اسرائيلي لشراء سفن الشواطىء المتقدمة (ال سي اس). مع ذلك تبيع الولايات المتحدة ايضا نظما بحرية لسفن بنيت في اماكن اخرى ايضا. فقد اشترت الامارات العربية مثلا من الولايات المتحدة صواريخ رام – المضادة لصواريخ بحر – بحر، من أجل الطرادات من طراز "بينونة" (التي خططت في فرنسا وستبنى في الامارات العربية).
روسيا
في بدء سنوات الالفين كان يبدو ان روسيا قد عادت لتشغل مكانها في اسواق السياح في الشرق الاوسط. عدت صفقة كبيرة بقيمة 7 مليارات دولار وقعت مع الجزائر قبل ثلاث سنين تقريبا علامة طريقة مهمة في شق الطريق هذا. اشتملت الصفقة هذه على نظم دفاع جوي، وعلى دبابات تي 90 وطائرات حربية متقدمة ميغ 29 اس ام تي و سو 30. برغم ان هذه الصفقة اخذت تتحقق فانها ما زالت تواجه صعابا غير قليلة. مثلا أعاد الجزائريون طائرات ميغ 29 التي بيعت، وطلبوا الغاء عقد شرائها الغاء تاما، لانها لم تثبت للمعايير المطلوبة. ولم تتحقق صفقات سلاح كبيرة اخرى الى الان، ما عدا صفقات ضخمة مع سورية وايران، تثار مرة بعد اخرى لكنها لا تتحقق. في هذه الاثناء تزود روسيا دول المنطقة بنظم دفاع جوي خاصة مثل نظم صواريخ مضادة للطائرات متحركة لمدى قصير من نوع تور – ام 1 ونظام بانتسير اس – 1، وهو نظام صغير متحرك مزود بمدافع وبصواريخ للدفاع عن نقطة، بيعت للامارات العربية ولسورية، ونظام اس 300 بي ام يو – 1 (وهو نظام صواريخ مضاد للطائرات متقدم لمدى بعيد)، وعدت به ايران في هذه الاثناء لكن ما زال من غير الواضح هل ستتحقق الصفقة. ونظم أخرى من انتاج روسيا تباع من دول المنطقة هي مروحيات خفيفة وطائرات نقل.
كانت الخطوة الشاذة كثيرا التي خططها روسيا – كجزء من جهودها للعودة لان تحرز لنفسها موطىء قدم على الشاطىء الشرقي للبحر المتوسط – هي اقتراح ان تزود لبنان بالمجان بعشر طائرات حربية من طراز ميغ 29. ولما كان سلاح الجو اللبناني لم يطير طائرات حربية منذ حرب لبنان الاولى (واصبحت الطائرات التي كان يملكها قديمة جدا) فان معنى الاقتراح (اذا وافقت حكومة لبنان على قبوله) هو اقامة نظام مساعدة مركب للتوجيه والصيانة وسائر مهمات الطيران التي يحتاج اليها لاستعمال قاعدة جوية حربية، سيكون فيها بيقين بضع عشرات من الضباط والجنود الروس.
في هذه الاثناء كما يبدو تتقدم خطط روسيا لاستعمال وتحسين منشآت في ميناء طرطوس في سورية لكي يكون قاعدة صيانة ثابتة لسفن الاسطول الروسي التي تعمل في البحر المتوسط.
دول الاتحاد الاوروبي
لدول اوروبا تاريخ طويل من العلاقات العسكرية بدول الشرق الاوسط. بل ان دولا كثيرة في الشرق الاوسط رأتها بديلا افضل من الولايات المتحدة، لان المعدات الاوروبية من جهة تعد معادلة في نوعيتها للمعدات الامريكية (لا كالمعدات الروسية التي تعد أقل من الامريكية جودة)، ومن جهة اخرى لا تنطبق عليها قيود قد تفرضها دولة عظمى كالولايات المتحدة على استعمالها. وهكذا تم شراء معدات اوروبية مع شراء معدات امريكية في الوقت نفسه احيانا، واحيانا بتنافس شركات اوروبية وامريكية في المناقصات نفسها.
ان اكبر صفقة لدولة اوروبية مع دولة في الشرق الاوسط هي بيع العربية السعودية طائرات تايفون. الحديث عن صفقة ضخمة تقدر قيمتها بسبعة مليارات دولار (لم تنشر قيمتها الدقيقة)، بين حكومة العربية السعودية وشركة بي ايه اي البريطانية لشراء 72 طائرة تايفون (ينتج الطائرة في واقع الامر اتحاد شركات من عدة دول اوروبية منها المانيا وايطاليا واسبانيا). اثارت هذه الصفقة جدلا شديدا في بريطانيا على خلفية اتهام الشركة بتقديم رشوة. كانت توقيع الصفقة ممكنا في واقع الامر فقط بعد ان وقف تحقيق الفساد مع الشركة بأمر من رئيس الحكومة بلير.
لم تنجح فرنسا في مقابلة ذلك في ان تبيع طائرات حربية اخرى في الشرق الاوسط. فشلت جهودها لبيع المغرب طائرة رافيل، عندما قرر المغرب نهائيا ان يشتري طائرة اف 16 الامريكية. وفي المجال البحري اشترت الجزائر والمغرب من الفرنسيين فرقاطات من طراز فريم. قلنا آنفا ان اتحاد الامارات بيع سفنا من انتاج فرنسا، وانه يبني بنفسه هذه السفن وكذلك فعلت الكويت في السنين الاخيرة.
يتبع .......