ما تنشره الجزيرة في الحديث الصحفي .... عن حرب العدوان الثلاثي 1956

يحي الشاعر

كبير المؤرخين العسكريين
عضو مميز
إنضم
2 فبراير 2008
المشاركات
1,560
التفاعل
98 0 0
زيادة في المعرفة ، وتمهيدا للمواضيع المستقبلة ، فيما يلي ما تنشره الجزيرة في الحديث الصحفي .... عن حرب العدوان الثلاثي 1956

وسألني العديد ، لماذا لم أشترك في أي من أحاديث الجزيرة ... ؟؟؟

الرد بسيط ...

إنني أقيم في ألمانيا ... وكانت لي ظروف خاصة ... لم تتناسق مع "حوار علني" ....

علاوة علي ذلك ، لا يوجد مكتب للجزيرة هنا ... ولكن وجد للجزيرة ، مكتب في لندن وآخر في باريس ... وعلي ما يظهر ، فإن التكاليف كبيرة ...


ويقوم شقيقي عبدالمنعم بأداء محادثات مع التلفزيزن ... وهذا يكفينا ... وأجد من الأفضل لي ، أن أكتب وأدون وأوثق التاريخ في كتبي ومواقعي ومشاركاتي في الأنترنت ... فلهذا النشاط ، البقاء لوقت أطول






د. يحي الشاعر


العدوان الثلاثي على مصر
audio.jpg

مقدم الحلقة




أسعد طه
ضيوف الحلقة






عدة شخصيات
تاريخ الحلقة



31 /05/2001
1_36653_1_3.jpg
جلال عارف
1_36651_1_3.jpg
جون لاكوتير
1_36654_1_3.jpg
محمد فائق
1_36663_1_3.jpg
أنتوني فيرار هوكلي
1_36660_1_3.jpg
مايكل آدامس
1_36650_1_3.jpg
أسعد طه

أسعد طه: السلام عليكم، لا غرابة إذا اعتبرت كواحدة من أهم المحطات في التاريخ العربي المعاصر، بل في التاريخ السياسي للعالم كله. حرب السويس، أو العدوان الثلاثي. شكل نقطة تحول كبرى في المشهد السياسي للعالم بعد الحرب العالمية الثانية، فقد اجتمعت أطراف عديدة في هذا الحدث، كان لكل منها وزنه وتأثيره، فهناك إنجلترا وفرنسا، وكذلك إسرائيل، وهناك –ثانياً- مصر والوطن العربي، وهناك –ثالثاً- الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفيتي الغارقتان في حرب باردة كانت –آنذاك- مستعرة، ولذلك ليس بمستغرب القول: إن حرب السويس أثرت بصورة أو بأخرى حتى على شعوب في إفريقيا وآسيا. وأنها كانت كمسمار جديد يدق في نعش الإمبراطوريتين، الفرنسية والبريطانية، وأنها أسهمت بدور رئيسي في خلق توازنات جديدة في المنطقة. ربما يكون من المفيد –بداية- أن نعود إلى ذاكرة المواطنين، ممن عاشوا الحدث، بل وشاركوا- على طريقتهم في المقاومة، التي عرفتها بور سعيد، تلك المدينة التي ارتبط اسمها بهذه المرحلة الحاسمة من تاريخ مصر الحديث.
مواطن مصري من بور سعيد (1): فوجئنا الطيارة بتضربنا الصبح.. كل أنواع الطيارات: إنجليزي وفرنساوي البحر المراكب الإنجليزي و(...) بتضربنا بالبوارج.. بالمدمرات.. الضرب نازل لنا من الساحل.. على الساحل.. نازل لنا من البحر الضرب نازل لنا من الجو، ثم أعقب ذلك الإسقاط المظليين.. ولو إحنا بصينا لبور سعيد.. بورسعيد.
مواطن 2: الحقيقة في بداية الغزو دخلت القوات البريطانية بالدبابات في شارع محمد علي، وبعدين.. أخويا استشهد تحت الدبابات لأن الدبابات.. ما كنتش بتفرق ما بين طفل، وما بين شيخ، ولا السيدة.. وكانت المجزرة في شارع محمد علي..
مواطن 3: عام 56 كنت موجود في الجميل، كنت قائد لسرية من فدائي الحرس الوطني، وكنا مكلفين بالدفاع عن مطار بور سعيد، ومنطقة الجميل، وكان يوم قتالي مرير، وبدأ بالقصف الجوي في الصباح، ثم الإنزال الأول للمظلات البريطانية. استطعنا بفضل الله –سبحانه وتعالى- القضاء على الدفعة الأولى منهم.. عادت الطائرات المعتدية تضرب منطقة الجميل بشكل رهيب جداً.. الضهر كان فيه عملية استطلاعية، قدرنا نضللها، بعد كده كان الإنزال التاني للمظلات البريطانية قضينا على أعداد كبيرة جداً منهم، لكن وصلوا للأرض بكثرة عددهم وعدتهم..
مواطن 2: وصلت لبور سعيد عربيات محملة بالسلاح لتوزيعها على الأهالي، أنا كنت من ضمن الناس اللي حصلوا على.. صندوق قنابل..و بندقية، زيي زي الناس اللي هم كانوا في البلد.
مواطن 1: الموقف صعب جداً ومن هنا بدأت فكرة تشكيل مقاومة شعبية.. وطبعاً وبتلقائية شديدة جداً.. من كان له خبرة سابقة بالتدريب العسكرية فطبعاً هو بدأ يخش فيها، من لم يكن، فقد لم تدريبه إلى آخره، وكل حسب قدرته واستطاعته فمنهم من كان يوزع السلاح، منهم من كان يوزع أكل، منهم من كان يوزع ذخيرة، منهم كان يقاتل في الشارع، منهم كان يطبع منشورات لم يتوانى فرض في بور سعيد إنه يقدم طاقته وجهده ودمه من أجل هذا البلد وأنا بأقول هذا الكلام..
مواطن 4: نتكلم على بور سعيد، كانت بتيجي الطياران ليل ونهار، شغال ليل ونهار على بور سعيد. تروح أي حتة، تيجي كده برضو.. كل شباب بور سعيد راح في عدوان 56، وكان من أغلبيتهم بيوتهم هنا، وأساميهم هنا، وأهليهم –هنا- موجودين، اللي راحوا من شارع أسوان والسماحي، كنا بننقل الميتين. الميتين بوجود محمد سرحان أبو سيد سرحان، ميتين من العربيات على الشفخانة هنا، كنا بنوديهم على عربيات كارو قتلة وجرحى، شباب زي التمر. وكان معانا من ضمنهم..
مواطن 5: المواطنين البسطاء، كل واحد بيحمل سلاحه، كل واحد بيجري تجاه البحر، عشان يقابل قوات العدو، من غير إعداد ومن غير تخطيط، إنما كانت الوطنية هي الروح اللي بتسيطر على توجيه هؤلاء الناس.
أسباب العدوان الثلاثي على مصر
أسعد طه: إذاً ليلة التاسع والعشرين من أكتوبر/تشرين الأول عام ألف وتسعمائة وستة وخمسين، إسرائيل تضرب في سيناء. ويوم الخامس من نوفمبر/تشيرين الثاني تداهم القوات البريطانية بور سعيد، وفي اليوم ذاته تتعرض بور فؤاد لهجوم القوات الفرنسية. هكذا تشكل العدوان الثلاثي، وهنا يحق لنا التساؤل.​
ما الذي شرَّع العدوان في نظر القوات المغيرة؟! هل هي الدولة الناشئة في مصر مع الثورة ودعمها لحركة التحرر في العالم؟ هل هو تجاوز احتكار السلاح –من قبل الغرب- بالتوجه للاتحاد السوفيتي؟! هل هو انهيار المفاوضات حول التمويل الغربي لمشروع بناء السد العالي بأسوان؟! هل هو قرار الرئيس المصري جمال عبد الناصر تأميم قناة السويس، أم هي كل هذه الأسباب مجتمعة؟!! ثم فيم تجلت مظاهر الأزمة؟ وفيم تمثل دور كل من أطرافها؟ وأخيراً.. كيف بدا المشهد السياسي عقب أزمة السويس؟! ثلة ممن كانوا في الحدث، أو عاصروه عن مقربة، يعودون بذاكرتهم إلى تلك الفترة للإجابة على هذه الأسئلة!!
جون لاكوتير (مراسل جريدة "لوموند" الفرنسية): سنة 56 كنت في إيران عندما صدر بلاغ (جون فوستر دالاس) المتضمن لرفض الولايات المتحدة الأميركية تمويل مشروع السد العالي، حجزت في أول طائرة باتجاه مصر، لأنني شعرت بأن شيئاً ما سيحدث ولا.. شك، وصلنا إلى الإسكندرية، في منتصف النهار، وكان الخطاب منتظراً على الساعة الثالثة أو الرابعة بعد الظهيرة.. وجدنا المدينة في شدة من الحماسة.. جلسنا أمام بورصة القطن، وكان يجلس إلى جانبي صديق قديم لعبد الناصر هو خالد محيي الدين الذي كان يمثل الجناح اليساري في الثورة، وقال لي: إن عبد الناصر سيقدم –ربما- على إعلان شيء هام، لكنني لست متأكد من أنه كان على اطلاع على ما سيعلنه –لاحقاً- الرئيس عبد الناصر. قدم عبد الناصر، واتخذ مكانه خلف المنبر الذي لم يكن يبعد عنا كثيراً.
بدأ الرئيس خطابه باستعراض لتاريخ مصر، والأزمات التي تعاقبت عليها، وانتابنا شيء من الضيق إلى درجة إن بعضنا تساءل عن الجدوى من استقدامنا من القاهرة إلى الإسكندرية فقط لمتابعة درس في تاريخ مصر، والمسلسل التاريخي لأحداث مصر.
إن الخطاب –وقتئذ- لم يكن قد ورد فيه ما يسترعي اهتمامنا. ثم فجأة.. تغيرت نبرة صوت عبد الناصر وهنا أصبح الحديث أكثر حيوية، بعد ذلك سمعناه يقول: "إنهم يمنعوننا عن قناة السويس، ومن بناء السد العالي!!! سأسترجع القناة!! سأسترجع القناة!!
فقد عبد الناصر هدوءه المعهود، وأصبح الرئيس الزعيم الذي يتجه إلى الشعب فتهتز الجماهير على وقع كلماته، وحينئذ، انبعثت حماسة –لا توصف- من المصريين. عندها قال لي خالد محيي الدين: إن عبد الناصر أقدم إلى خطوة جريئة، لكننا سوف نلاقي من جرائها متاعب كثيرة.
جلال عارف (كاتب صحفي): كان يظنون أنهم سيستطيعون السيطرة على بور سعيد في ساعات، ثم يجتاجوا الإسماعيلية والسويس ويعزلوا قناة السويس عن مصر!!
فما الذي حدث؟! استمر ضرب بور سعيد سبع أيام بالبوارج الحربية، وبالطائرات الإنجليزية والفرنسية، وبإحراق الأحياء كانت.. يعني.. لأول مرة الناس تشاهد هناك..عمليات الإحراق.
تنثر مواد على الأحياء، ثم تطلق القنابل فتحترق أحياء بكاملها، ومع ذلك لم تخمد الحركة واستطاعت المدينة بالناس.. وبالناس العاديين أن نقاتل. كان من الصدق أنه قبيل العدوان بساعات كان وقد وصل إلى القاهرة قطارات.. قطار مليء بالأسلحة.. البنادق العادية، هذه استولى عليها الناس، واستخدموها في المقاومة بالإضافة إلى بعض الجنود الذين كانوا في شرق القناة وانسحبوا، فعادوا بعد أيام من المشي في الصحراء، عادوا ليشاركوا مع المقاومة في.. في صد العدوان. استمرت المعركة.. سبع أيام، وانتهت ولم يتحقق الغرض الأساسي، وهو احتلال قناة السويس، وعزلها عن.. عن الوطن، الضحايا كانوا كثيرين جداً.
1_36664_1_4.jpg
قناة السويسأسعد طه: في حرب السويس تتابعت الأحداث التاريخية هكذا.. عام 54 يتم توقيع اتفاقية جلاء بريطانيا عن مصر، ويشهد العام الذي يليه مؤتمر (باندونج) وإرساء فكرة الحياد الإيجابي، والذي أعلن عبد الناصر بعد خمسة شهور من انعقاده تسلم أسلحة تشيكية.. وفي منتصف عام 56 تعلن الولايات المتحدة الأميركية سحب عرضها بتمويل بناء السد العالي ليعلن عبد الناصر تأمم قناة السويس في نفس الشهر، وبعد ثلاثة شهور، تبدأ إسرائيل عدوانها على مصر، تتوالى الأحداث لتطلب الجمعية العمومية للأمم المتحدة من الأطراف المتنازعة التوقف عن العمل العسكري، غير أن بريطانيا وفرنسا يرسلان بقواتهما إلى القناة في الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني، لكن القنوات المعتدية تجبر على الانسحاب في الشهر الأخير من عام 56.
[ضيوف البرنامج]
*محمد فائق، رجالات الثورة المصرية، مهام رئيسية من موقعة في رئاسة الجمهورية، بخصوص حركة النضال التحريري الإفريقي والعربي.
*عبد المجيد فريد، ضابط في إدارة العمليات، وخطط الجيش، التابعة للقوات المسلحة المصرية.
*أحمد حمروش، أحد الضباط الأحرار، كاتب وزميل لعبد الناصر.
*خالد محيي الدين، عضو اللجنة القيادية لتنظيم الضباط الأحرار، وعضو مجلس قيادة الثورة.
*أنتوني فيرارهوكلي، جنرال بريطاني، كلف بمهام عسكرية في بلدان عديدة منها فلسطين، وكذلك بمدينة بور سعيد بمصر خلال حرب السويس.
*دينيس والتر، سياسي بريطاني، كان يعد الرجل الثاني في حرب المحافظين، كما كان من المعارضين للعدوان.
*مايكل آدامس، الصحفي البريطاني الوحيد في مصر خلال العدوان، حيث كان مراسلاً لصحيفة "الجاردن" البريطانية.
كان تراجع الحضور البريطاني الاستعماري في مصر أمرً جلياً أواسط القرن العشرين، وخاصة إثر قيام ثورة الضباط الأحرار، وتولي عبد الناصر أمر قيادتها في نوفمبر/تشرين الثاني من سنة ألف وتسعمائة وأربعة وخمسين، وتوالت تنازلات بريطانيا. غير أنه لم يكن في نيتها التفريط في الشركة العالمية لقناة السوس، التي كانت تمثل إحدى أهم الطرق التجارية، وكانت هي _أي بريطانيا- على رأس مستعمليها.
محمد فائق (من رجال الثورة المصرية): بعد الثورة ما وقعت اتفاقية الجلاء مع الإنجليز وبدأ الإنجليز ينسحبوا بالفعل من قناة السويس وفي قاعدة كبيرة كانت أكبر قاعدة استعمارية في المنطقة كلها بدت المملكة المتحدة تفكر في نظام جديد للدفاع عن المنطقة وبدأ من هنا البحث عن حلفاء جدد ويعني كان فيه تركيا وفيه باكستان وبدؤوا يعتبروا بغداد هي محور الجديد الذي يمكن أن ترتكز عليه الدفاع المنطقة وعشان كدا سمي بحلف بغداد، في نفس الوقت كانت الولايات المتحدة الأميركية بتنظر أو بتأمل في أن تملأ الفراغ الذي سوف ينشأ من هذا الفراغ بعد جلاء القوات البريطانية وتقلص نفوذ الإمبراطورية البريطانية، إسرائيل كانت بتشعر بقلق شديد جداً لجلاء القوات البريطانية، ولأن الأرض أصبحت مكشوفة بينها وبين مصر ونظام عسكري جديد عنده تطلعات كبيرة فكانوا في قلق شديد جداً، بالنسبة لمصر كان الاهتمام الأساسي.. لأن كانت الثورة هي ثورة تحرر في المقام الأول، كانت قضية الاستقلال في.. هي تحكم جميع الاستراتيجيات التي.. الاستراتيجيات المصرية في جميع المجالات موضوع للتحرر وللاستقلال.. لأنها كانت ثورة في المقام الأول ثور تحرير.
دينيس والتر (سياسي بريطاني/حزب المحافظين): لم تكن لعبد الناصر شعبية تذكر في بريطانيا سنة 1956م، وكان يعتبر المسؤول الأول في الاضطرابات في المنطقة، ورغم أنه التقى السيد (إيدين) إلا أنني أعتقد أنهما أقاما علاقات غير عقلانية بالمرة، وتشوبها شكوك في نوايا عبد الناصر حيال المنطقة، وأستطيع أن أ أقول –بغض النظر عما يعرفه أكثر مني ومن المتخصصين الذين يحترمون نواياه- إن العالم كان يبدي شيئاً من التحفظ بشأن الرئيس عبد الناصر، كان هذا طبعاً قبل معركة السويس.
أحمد حمروش (من الضباط الأحرار): عبد الناصر كان كل اللي بيحرص عليه استقلال مصر وحريتها هم اللي أجبروه على هذا هو اللي اتخذ هذه المواقف هو اللي أصر على مقاومة العدوان الثلاثي ليه؟ لأنه مش.. الثورة تفقد مصداقيتها ويصبح ليس لها تأثير في الشعب المصري.
مايكل آدامس (مراسل صحيفة الجاردن البريطانية): منذ البداية كان رئيس الوزراء (إيدين) عازماً على إسقاط عبد الناصر، لقد كان يحمل فكرة مسبقة عن عبد الناصر مفادها أنه ديكتاتور تماماً مثل (هتلر) و(موسيليني) قبل الحرب لقد دعي إيدن إلى قطع الطريق أمام عبد الناصر درءاً للشر الذي سيلحق بالمنطقة وعليه كان عزم (إيدين) شديداً على إسقاط عبد الناصر وإرغامه على إعادة القناة بما أنه استولى على شيء لاحق له فيه، ومهما يكن من أمر فقد كان إيدن ماضي قدماً فيما عزم عليه، وكان عمله يتمثل في إقناع العالم أنه على حق، على أن الشعب البريطاني لم يكن مقتنعاً البتة فما كان عليه إلا أن أقام مؤتمرات أشرك فيها دولاً أخرى، غير أن هذا التحضير النفساني دام طويلاً وتدريجياً أصبح جلياً أنه لا أحد يوافق إيدن باستثناء فرنسا وطبعاً إسرائيل فيما بعد.
أسعد طه: هكذا بدا إذن أن الإمبراطوريتين الفرنسية والبريطانية كانتا تشعران بانحصار نفوذهما بفعل الثورة في مصر، ففي حين كانت الثورة تعمل على الخلاص من الحضور الاستعماري في البلاد بشتى وجوهه، كانت القوى الاستعمارية تعتقد أن لها حقاً تاريخياً في الوجود على أرض مصر، ومما أزكى الخوف لدى الإمبراطوريتين هو أن الثورة لم تكن تنمو بمعزلٍ عن باقي حركات التحرر في إفريقيا.
محمد فائق: المواجهة بدأت بينَّا وبين مصر أو بين الثورة المصرية وبين فرنسا لأنها كانت بتعتبر أن عبد الناصر شخصياً مسؤول عن دعم الثورة في الجزائر، وبالتالي كانت تريد القضاء على عبد الناصر بأي تمن.
خالد محيي الدين (عضو مجلس قيادة المصرية): عبد الناصر كان بيعتبر إنه الثورة.. أي ثورة في العالم العربي هي إضافة للثورة المصرية، فكان بيعتبر إن الثورة الجزائرية فيها إمكانيات هائلة، فمن هنا دعمها.
محمد فائق: الدعم كان دعم بالسلاح وبكل الوسائل، لأن هي طبعاً الثورة ثورة كانت قامت في الداخل أولاً وكان دور مصر دور مساند صحيح، ولكن مثل هذه الأعمال خصوصاً في ذلك الوقت أي ثورة تقوم بنضال مسلح كانت تحتاج إلى قاعدة ارتكاز قوية فكانت مصر أو القاهرة هي هذه القاعدة في البداية خصوصاً.
أسعد طه: لم تكن هذه التطورات بمنأى عن دائرة الصراع في إطار الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي، ففي تلك الأثناء كانت الولايات المتحدة الأميركية تلح في طلبها من مصر الانخراط في المعسكر الغربي من جهة وإقامة صلح مع الكيان الإسرائيلي من جهة أخرى، والحق أن الولايات المتحدة الأميركية كانت تفعل ذلك لقناعتها أن شأناً كبيراً سيكون للشرق الأوسط وأنه لا يجب أن تتحول أنظار الاتحاد السوفيتي إليه وفي الآن ذاته، كان الاتحاد السوفيتي يعد نفسه بمكان تحت شمس الشرق الأوسط، وهو الذي يرى أن دوره بدأ يتعاظم، خصوصاً بعد الطلب البريطاني بأن ينضم الاتحاد السوفيتي إلى الاتفاق الثلاثي: الفرنسي، البريطاني، الأميركي لعام ألف وتسعمائة وخمسين، والقاضي بالحد في تسلح طرفي النزاع في الشرق الأوسط، أي العرب وإسرائيل.
عبد المجيد فريد (ضابط سابق في القوات المسلحة المصرية): الولايات المتحدة الأميركية كانت.. في أول التعامل مع الثورة.. يعني غير.. غير تعامل بريطانيا.. في نفس الوقت وجدت الولايات المتحدة الأميركية.. طبعاً هي أبتدرك أهمية منطقة الشرق الأوسط.. لما فيه من نفط، وما فيه من مادة استراتيجية، فطبعاً كان تخطيطها البعيد، وهو أنها تكسب هذه.. دول هذه المنطقة.. بأساليب مختلفة و.. ووجدت.. فيه فرصة بالنسبة للخلاف المصري البريطاني إنها تبقى تتعاطف مع الثورة، من إنها تكسب تلك القيادة، و.. تقدر إنها.. تقنعها إنها تمشي معاها، ولذلك.. قيادة الثورة في أول الثورة، كانت ترى في الولايات المتحدة الأميركية أنها ممكن تتعاون معها.
محمد فائق: عبد الناصر عندما أمم قناة السويس لم يأخذ رأي الاتحاد السوفيتي إطلاقاً، وحتى لم يخطرهم بها قبل.. إطلاقاً، لكن هو كان يقرأ المصالح أو التوازنات الدولية قراءة جيدة جداً، وكان يعرف أن مصالح الاتحاد السوفيتي أو مصالح التوازن الدولي قد يستفيد منها وفعلاً هو استفاد منها إلى حد كبير جداً، فبطبيعية الحال كان.. خروج مصر من دائرة النفوذ الغربي هو مصلحة للاتحاد السوفيتي.
مؤتمر (باندونغ) وصفقة السلاح التشيكية
أسعد طه: في تلك الأثناء بادرت مجموعة (كولومبو) المتكونة أساساً من الهند وباكستان وإندونيسيا بعقد مؤتمر (باندونغ) فيما بين السابع عشر والرابع والعشرين من إبريل/ نيسان عام ألف وتسعمائة وخمسة وخمسين قريباً من العاصمة الإندونيسية (جاكرتا).
اجتمع ثلاثون بلداً من إفريقيا وآسيا وانتهى المؤتمر إلى التأسيس إلى أخلاقيات جديدة في العلاقات الدولية، تقوم على مبدأ الحياد والانعتاق من حلقة الصراع الكبرى، لكن قبيل المؤتمر يطلب عبد الناصر من رئيس الوزراء الصيني التوسط لدى الاتحاد السوفيتي لعقد صفقة أسلحة، وفي السابع والعشرين من سبتمبر/أيلول، عام ألف وتسعمائة وخمسة وخمسين، يعلن عبد الناصر عزمه تسلم أسلحة تشيكية!!
أحمد حمروش: اللي خلى مصر تحرص على الحصول على السلاح هو الغارة الإسرائيلية على غزة في 28 فبراير 1955م، وقتل عدد من الجنود المصريين، فده أشعر قيادة الثورة، وأشعر جمال عبد الناصر بأن دي ضربة صعبة لا تستطيع الثورة أن تتحملها، وهي قد وضعت ضمن شعارها، أو أهدافها الستة، تكوين جيش وطني.
ولذلك حرصت على محاولة الحصول على السلاح، من أميركا، لأن العلاقات ما كنتش سيئة مع أميركا، ما فيش رد، ما فيش أي استجابة بريطانية طبعاً لأ، من الاتحاد السوفيتي برضو قد حصلت بعض الاتصالات، ولكن الاتصال الذي نجح ووصل إلى صفقة الأسلحة هو الذي تم في (باندونغ) بعد لقاء (شوين لاي) مع جمال عبد الناصر وصلاح سالم، ويعني شرحهم للوضع في مصر بعد هذه الغارة الإسرائيلية، والدور اللي لعبه (شوين لاي) في إقناع الاتحاد السوفيتي بإنه يقدم صفقة أسلحة لمصر، وهي اتقدمت على أساس إنها تشيكية ليه؟ أولاً: لأن (تشيكوسلوفاكيا) سبق أ سلحت إسرائيل عند بداية إنشائها. نمرة اتنين: إنها ما تبقاش مباشرة مع الاتحاد السوفيتي.
نمرة ثلاثة: إنه الحرب الباردة في الوقت ده كانت بتشكل.. يعني قضية كبيرة جداً، فأميركا كانت بتعتبر إن دخول الاتحاد السوفيتي إلى منطقة الشرق الأوسط من أكبر الأخطار التي تهدد أمنها القوي، فعلشان كده، حاولوا إنهم يخلوها.. صفقة تشيكية ولكنها في الواقع صفقة سوفيتية.. للسلاح.
خالد محيي الدين: القيمة في العملية دي إنه قضى على احتكار الغرب للسلاح، قد يكون السلاح السوفيتي مش كتير، ومش كفء، لكن قضى على احتكار السلاح من الغرب، وإدى للبلاد العربية والبلاد العالم التالت فرصة جديدة للانطلاق لبناء الجيوش الوطنية.
محمد فائق: في مؤتمر (باندونغ) بان إيه هو عبد الناصر كان يمثل قيادة حركة التحرر العربية بكل تأكيد، والإفريقية أيضاً في نفس الوقت، في هذا التجمع كانت قضية التحالف قضية أساسية، وبالتالي بان دور عبد الناصر، وبان أهمية، وأيضاً عبد الناصر يعني في الحقيقة استفاد كتير جداً من هذا المؤتمر، لأنه حركة التحرير بدل ما كانت.. أو حدودها فقط العرب وإفريقيا امتدت إلى أن.. تصل إلى العالم التالت بصفة عامة وخاصة في آسيا.. من هنا بدأ الدور كسر احتكار السلاح، لأن الاتحاد السوفيتي تجاوب بسرعة، وبدأت الصفقة التشيكية.. مفاوضات تتم في القاهرة وفي عواصم أخرى إلى أن تمت هذه الصفقة.
رفض التمويل الأميركي لمشروع السد العالي وتأميم قناة السويس
أسعد طه: وهكذا وفي الوقت الذي لم يكن فيه الاتحاد السوفيتي على عجلة من أمره السيطرة على الشرق الأوسط كان الشرق الأوسط نفسه قد سعى إليه، وما كان هذا ليروق للولايات المتحدة الأميركية، التي راحت تبحث عن منفذ آخر إلى مصر، وكان الولايات المتحدة الأميركية على مصر تمويل مشروع بناء السد العالي في أسوان، غير أن عبد الناصر لم يتعجل في قبول الاقتراح الأميركي، ربما بسبب شروط العقد المجحفة.
وضاعف مع اتصالاته مع الاتحاد السوفيتي، الذي أشيع أنه قدم شروطاً أفضل لتمويل المشروع.. وفي اليوم التاسع عشر من يوليو/تموز عام ستة وخمسين، أعلن (جون فوستر دالاس) سحب العرض الأميركي بالمساعدة في تمويل سحب العرض الأميركي بالمساعدة في تمويل بناء السد العالي.
أحمد حمروش: السد العالي، وافقت عليه –أميركا و.. اتفقوا إنهم يدفعوا 70 مليون دولار وبريطانيا 14 مليون دولار، والبنك الدولي 200 مليون دولار، وكانت أميركا بتستهدف من ده إلى شيء مهم جداً، هو أن يوضع الاقتصاد المصري تحت الإشراف الأميركي، لأن البنك الدولي معناه إنه لا تحصل مصر على أي قروض خارجية إلا بموافقة البنك الدولي، ومصر كانت قد عقدت صفقة الأسلحة، فصفقة الأسلحة هي قرض خارجي. إذاً لا تستطيع أن أ تستمر في عقد صفقة الأسلحة إلا بموافقة البنك الدولي.. هنا أميركا لما مصر رفضت، وأصرت على إن الديون.. القروض الخارجية تبقى من حق الدولة، بادرت أميركا بالانسحاب من تقديم تمويل السد العالي، وده كان خطأ كبير جداً لأميركا، لأنها فقدت المصداقية في المنطقة، فقدت.. الرغبة في التعاون معاها من جانب الثورة اللي بدأ منذ أول يوم بلا حساسيات.. ألهبت حالة الحرب الباردة في المنطقة.
محمد فائق: كانت الولايات المتحدة تتصور أنه.. في خلال مفاوضات.. على موضوع السد العالي ممكن احتواء مصر، احتواء الثورة، واحتواء جمال عبد الناصر مباشرة، وبالتالي كانت بتحاول تطيل هذا المفاوضات.. وده وضح فعلاً عندما أرسل (أيزنهاور) صديقة.. وزير ماليته مستر (إندرسون) إلى القاهرة، وقابل جمال عبد الناصر، ووضح إنه فيه ربط بين.. عمل سلام مع إسرائيل، وبين استمرار التمويل للسد العالي، والعملية كلها كانت 400 مليون دولار مطلوبة، عملة أجنبية، وأن تقوم مصر بتمويل العملة المحلية 1.3 مليار دولار فقط ده كان كل الموضوع، وضح لعبد الناصر إن فيه ربط تماماً، حتى كان دايماً (إيزنهاور) بيقول: "شراء السلام في الشرق الأوسط بالسد العالي"، يعني كان من كلامه على التمويل وبين.. أنه يريد أن يشتري السلام بموضوع السد العالي.
طبعاً رد عبد الناصر كان بسيط جداً وقال: "إنا قضية فلسطين ما هياش أولاً للمساومة، وإن قضية فلسطين دي قضية للعرب ما هياش قضية مصرية بحيث إن أنا أقدر أتصرف فيها ولكن دية قضية.. قضية عربية، وبالتالي الـ.. الكلام فيها لا يكون بيننا وبينكم فقط، ولكن لابد أن تكون فيها..، وبالتالي ربطها بموضوع السد العالي عملية مستحيلة.
خالد محيي الدين: فبدأت العملية تاخد شروط مجحفة يصعب قبولها، ذي مثلاً رهن القطن المصري كام سنة يعني.. كما سمعت في ذلك الوقت، لأن الشروط التعجيزية ما شرحتش، إحنا سمعنا فجأة إن أميركا سحبت تمويل السد العالي بعد ما كان الكلام على القبول، ومن هنا كان هذا الموضوع لابد له من رد سياسي.
1_36652_1_4.jpg
عبد الناصر أثناء خطابه الذي أعلن فيه تأميم قناة السويسأسعد طه: وبالفعل كان الرد سياسياً، بل وأسرع ما توقعه الجميع، ففي السادس والعشرين من يوليو/تموز عام ألف وتسعمائة وستة وخمسين وبمناسبة الاحتفال المقام في الإسكندرية، في العيد الرابع للثورة، يعلن جمال عبد الناصر تأميم الشركة العالمية لقناة السويس، ويلغي بذلك ما يربو على القرن من الزمان من الهيمنة البريطانية الفرنسية على الشركة منذ صدور فرمان الامتياز الأول الذي منح للفرنسي (ديلسيبس) حق إنشاء شرك لشق قناة السويس في الثلاثين من نوفمبر/تشرين الثاني عام 1854م.
مايكل آدامس: أتى قرار التأميم في إثر ساعة ونصف الساعة أو ساعتين من الخطاب الذي كان يبدو كغيره من الخطب وكان من المفاجأ أن يكون ثمة شيء بهذه الأهمية في نهايته.
خالد محيي الدين: فالرد السياسي كان تأميم قناة السويس وأخذ الإيراد بتاعها اللي هي 75 مليون حوالي إسترليني أو مش متذكر في ذلك الوقت، الإيراد كان كبير يمول مشروع السد العالي دا كان الرد السياسي، مش.. مش.. مش رد اقتصادي، رد سياسي.
أنتوني فيرار هوكلي (جنرال بريطاني): من المؤكد أن الإحساس الذي كان سائداً في صفوف الجيش وكذا لدى العموم هو أن الرئيس عبد الناصر قد خرق الاتفاق المبرم مع بريطانيا عندما انسحبت من منطقة القناة بعد فترة طويلة من تواجدها العسكري، لقد كان الاتفاق أن قناة السويس ليست ولن تكون سوى طريق بحري دولي تمر عبر مصر، وبالتالي لم يكن لهذه الأخيرة أن تتصرف في حق المرور والعبور وكان الإحساس السائد وقتئذ أنه من غير المعقول و لا المسموح به أن تطلب بريطانيا إذناً بالعبور، ولذا كان الشعور بأن على مصر أن تراجع نفسها وتُصلح ما أفسدته.
أسعد طه: قرار التأميم كان مهماً لبريطانيا وفرنسا وبدأ يلوح في الأفق تراجع سيطرتهم على حركة السفن العاملة في القناة وتنامى دور السوفييت والمصريين وفي الحال اجتمع وزراء خارجية فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة الأميركية في لندن وأصدروا بياناً مفاده أن قرار التأميم يهدد حرية الملاحة في القناة ويخالف كل الاتفاقيات ودعوا إلى مؤتمر أقيم في (لندن) فيما بين السادس عشر والثالث والعشرين من آب/أغسطس عام 1956م وجمع مستعملي القناة، تم في إثر هذا المؤتمر إرسال رئيس الوزراء الأسترالي على رأس لجنة خماسية للقاء عبد الناصر لإقناعه بقبول المشروع الأميركي الذي طرح في المؤتمر والداعي إلى إنشاء مؤسسة دولية تقوم على نمط الوكالات المتخصصة التابعة للأمم المتحدة لتشرف على إدارة القناة، وكان اللقاء، وبدا عبد الناصر أشد حرصاً من ذي قبل على تطبيق ضمانات عدة فيما يرتبط بحرية استخدام القناة وتوسيعها وأمام عزم عبد الناصر تضاعفت مخاوف بريطانيا في حين كانت فرنسا ترد قوة جبهة التحرير في الجزائر إلى المساعدات المصرية، أما إسرائيل فقد أصابها في الصميم انسحاب بريطانيا من منطقة القناة وأمست تخشى الأسلحة التشيكية وتفكر برد الفعل قبل أن تتمكن مصر من السلاح الجديد وتستعمله، والحق أن رئيس وزراء الكيان الصهيوني (ديفيد بن غوريون) قرر إثر صفقة السلاح أن تكون المواجهة مع مصر في ظرف يقل عن السنة وشاطرته بريطانيا وفرنسا هذا الطرح وكانت اتفاقية (سفر) السرية في السادس عشر من أكتوبر/تشرين الأول عام 1956م في باريس والتي جمعت ثلاثتهم في العدوان على مصر، وفي اليوم التاسع والعشرين من أكتوبر/تشرين الأول من السنة نفسها بدأ الهجوم الإسرائيلي على سيناء أعقبه إنزال قوات المظلات الإنجليزية على مطار الجميل في بورسعيد بالاشتراك مع القوات الفرنسية التي نزلت جنوبي المدنية.
بداية العدوان وكيف تم التخطيط له
أنتوني فيرار هوكلي: أظن أن عدداً من رجال الجيش كان يعتقد ويرى أن الأمر سوف يقف عند حد معين دون اندلاع معارك، ولقد تلقينا أوامر بأن نكون على أهبة الاستعداد للتحرك وقد أعددنا مخططاتنا وكنا ننسق مع قوات النقل الجوي وتم أيضاً التنسيق حتى مع الوحدة الثالثة للكوماندوز، ومع بدأ العمليات تم فجاءً اختطاف بعض الضباط، عندها تلقينا أمراً بالتوقف عن إنزال المظليين والعمليات العسكرية وطلب منا أن نعود إلى قواعدنا وأدركنا فيما بعد أن الأمر كان على غاية من الجدية.
مايكل آدمس: لقد استهدف القصف مطار القاهرة فقط حيث تدمير وتفجير ونسف كل الطائرات الحربية المصرية التي كانت متواجدة وجاثمة ومرابضة في ذلك المطار، كما أنه جرت أيضاً محاولة لتفجير إذاعة صوت العرب، وضرب أحد السجون، أعتقد أنه سجن (طرة)، لقد اصطحبنا المصريون في اليوم التالي لمعاينة ومشاهدة الخسائر التي خلفتها تلك الغارات وكنا عُصبة من المراسلين البريطانيين لقد كان المشهد حقاً مرعباً ومؤثراً، ولكن لم يتم ضرب المدنيين في أثناء تلك الغارات على أن الخوف انتابهم ودب في نفوسهم نوع من الهلع لمجرد رؤيتهم الطائرات الحربية وهي تحلق فوق الأحياء المدنية.
عبد المجيد فريد: لما حصل النزول في بورسعيد تبين إنه العدو حدد ليس هذه المنطقة كمكان الهجوم الرئيسي وإنما هي منطقة القناة وبور سعيد بوجه التحديد.
أنتوني فيرار هوكلي: أول المناطق التي كانت فيها المواجهة على الجبهة الغربية من القناة كانت على مستوى بورسعيد حيث واجهنا نوعاً من المقاومة وتم الاشتباك على مدى 3 أو 4 ساعات وكانت الانتصار للفيلق الثالث من القوات النضالية وهكذا كان بإمكانهم فتح الطريق من خلال مدينة بورسعيد، في الوقت ذاته كان الفرنسيون يقومون بالشيء نفسه في ميناء فؤاد.
ردود الفعل العالمية تجاه العدوان
أسعد طه: الولايات المتحدة الأميركية وقفت موقف الرافض للعدوان في الأمم المتحدة اعتقاداً منها أن في ذلك رد فعل طبيعي إزاء فرنسا وبريطانيا اللتان اتخذتا قرار العدوان دون استشارة واشنطن ودعت رعاياها إلى مغادرة مصر سريعاً، وأصدر الرئيس الأميركي (أيزنهاور) بياناً يقول فيه: "إن بلاده لا تقر العدوان بل وتراه خطأً فادحاً".
دينيس والتر: أعتقد أن الرئيس أيزنهاور كان يرى –صادقاً- أن ما حصل كان خطأً ولم يكن من مصلحة الغرب أن يكون متورطاً وضالعاً في حرب نصفها غايته الاحتلال، كما أن تدخل إسرائيل كان هجومياً وعليه كان علينا الانسحاب، وبالطبع انسحبنا، وكذا فعلت إسرائيل.
مايكل آدمس: أعتقد أن الرئيس (أيزنهاور) كان غاضباً لأن أمله خاب بسبب تصرف صديقه (إيدين) الذي كان يحبه ويحترمه وكان أيزنهاور غاضباً لهذا السبب ولأن العملية لم تكن أخلاقيةً وكانت مخالفةً لكل التزامتنا مع الأمم المتحدة ولا أعتقد أنه كان بحاجة إلى سبب آخر حتى يفرض على (إيدين) التوقف عما كان يفعله.
1_36667_1_4.jpg
صورة من العدوان الثلاثي على مصرأحمد حمروش: أميركا تربصت.. تربصت بإنجلترا وفرنسا وهم بيعدوا خطة العدوان، وكان ممكن إنها تنصحهم إن هم ما يعملوش العدوان أو كان ممكن تقف معاهم بوضوح وتخش معاهم في المعركة، فهي تربصت بهم إلى أن أخطؤوا ودخلوا في المعركة مع إسرائيل، وجنت هي ثمرة هذا العدوان الثلاثي والواقع إنه أميركا لعبت دور في عدوان 56 من ناحية إجبار القوات المعتدية على الجلاء لأنه هي..، خصوصاً بالنسبة لإسرائيل فأميركا كانت فعلاً بترسم خطتها على أن ترث النفوذ الاستعماري البريطاني الفرنسي في المنطقة.
أسعد طه: أما الاتحاد السوفيتي فقد وجَّه مساء الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني إنذاراً بضرب باريس ولندن بالصواريخ النووية أو ضرب قوات العدوان في بورسعيد وما حولها من منطقة القناة، ورغم الشك الذي انتاب الرئيس الأميركي (أيزنهاور) ورؤساء وزراء بريطانيا وفرنسا والكيان الصهيوني بخصوص جدية التهديد الروسي إلا أن هؤلاء جميعاً كانوا يحسبون ألف حساب للاتحاد السوفيتي وهو الذي اتبع إنذاره بخطوات عملية، إذ دفع بقوات برية وجوية نحو الشرق الأوسط منذ السابع من نوفمبر/تشرين الثاني.
أنتوني فيرار هوكلي: حقاً لا أعتقد أن (كوريتشيف) كان سيستعمل السلاح النووي في تلك المرحلة على الرغم من عديد الأصوات التي بدرت من السوفييت تقول إن ذلك حاصل.
خالد محي الدين: السوفييت في ذلك الوقت ما كانوش عايزين الموقف يصل إلى حد حافة الهاوية لأنه هم ما كانوش مستعدين للحرب وجيوشهم مش جاهزة وما كانتش لسه الصواريخ بتاعتهم عابرة القارات بانت، وما كانش عندهم إلا لغاية ضرب بريطانيا، ومن هنا ما كانش لهم مصلحة في.. في تصعيد الموقف.
دينيس والتر: بين الخمسينات والثمانينات كان ثمة شك كبير فيما كان بإمكان روسيا أن تفعله، لا أعتقد أنه كان ثمة اتجاه جدي لدى السوفيت للقيام بأي تدخل نووي، لا أعتقد ذلك، لكن لم يكن هناك شك لدى الكثير بشأن وجود تهديد فعلي من هذا القبيل.
أسعد طه: لم تكن الظروف مواتية للأمم المتحدة للقيام بدور هام ومؤثر من قبل كما كانت عليه حينذاك، إذ أن القوتين الأكبر عارضتا العدوان وصدر قرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة الذي هو في واقع الأمر اقتراح أميركي يوم الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني يطلب فيه من الأطراف المتنازعة التوقف عن العمل العسكري.
أما من الجانب العربي فقد شكلت أزمة قناة السويس إحدى أهم لحظات التوحد العربي وحجة ذلك أنه تم نسف خط أنابيب البترول عبر سوريا وتوقف تدفق النفط إلى البحر الأبيض المتوسط من سوريا ولبنان، وكان لباقي الدول العربية دورٌ رئيسي تجلى أساساً في اجتماع رؤسائها وملوكها في بيروت فيما بين الثالث عشر والخامس عشر من نوفمبر/تشرين الثاني وطلبها من القوات المعتدية سحب قواتها دون قيد أو شرط وأيدها في ذلك الوقت الدول الإسلامية المشتركة في حلف بغداد ومنها العراق وإيران وتركيا، ومن جهتها أبدت شعوب الوطن العربي تعاطفاً كبيراً مع الشعب المصري بل إن البعض يرى أن نجاح عبد الناصر في تجاوز الأزمة إنما يعود إلى عوامل عدة: لعل أهمها هذا التعاطف العربي.
محمد فائق: العامل الرئيسي أولاً أنه كان يتحرك ليس بقوة مصر وحدها ولكن بقوة الشعب المصري والشعوب العربية في نفس الوقت يعني لما حصل العدوان، ضُربت إذاعة القاهرة، خرجت الإذاعات من عواصم عربية أخرى زي عَمّان، زي دمشق تقول هنا القاهرة ودي كانت نقطة بالغة الأهمية.
خالد محيي الدين: في هذه المرحلة كانت العلاقات المصرية السعودية كانت قوية، وأصل فيه الاتجاه السياسة المصرية الخارجية العربية، فيه اتجاه قوي جداً.. إذا اتفقت السعودية ومصر فالموقف يكون لصالح مصر، إذا.. اتفقت السعودية و..، فمصر كانت حريصة إن علاقتها بالسعودية تبقى قوية وإن السعودية تبقى في صفها في المعركة ضد بريطانيا وفرنسا دا يعني بيدي قوة للموقف المصري.
فشل العدوان وأثر ذلك على المجتمع الدولي
أسعد طه: المقاومة المصرية ومن ورائها التأييد العربي والإنذار الروسي بالتدخل والمعارضة الأميركية للعدوان وقرار الأمم المتحدة تلك هي أسباب الحسم في معركة السويس.​
وتم الانسحاب الفرنسي البريطاني يوم الثاني والعشرين من ديسمبر/كانون الأول عام 1956م واستقرت قوة دولية على طول خط الهدنة من المتوسط إلى البحر الأحمر، أما الكيان الإسرائيلي فقد سحبت قواته من سيناء في الرابع عشر من مارس/آذار عام 1957م.
كانت التبعات مهينة بالنسبة للقوى الأوروبية، ولم تعد القناة صالحة للاستعمال بسبب السفن الغارقة فيها والتلوث الذي أصابها ودام ذلك شهوراً وأمسى تزويد أوروبا بالبترول أمراً في غاية الصعوبة، وقطعت الدول العربية المستقلة باستثناء لبنان علاقاتها مع فرنسا وأصبح لأميركا وللاتحاد السوفيتي دوراً جديداً في منطقة الشرق الأوسط بعد إقصاء الإمبراطوريتين وأدركت بريطانيا فيما بعد أنها ارتكبت هفوةً تاريخيةً لا تغتفر مما حدا بـ (أنتوني إيدين) رئيس وزراء بريطانيا إلى الاستقالة.
أنتوني فيرار هوكلي: الذي جرى ما كان يجب أن يحدث في السويس وبما أننا أردنا الضغط على عبد الناصر لكي يلتزم مجدداً بالاتفاق فإنه كان علينا أن نقوم بذلك بطرق دبلوماسية وبعملية مطولة عبر دول العالم لكسب الرأي العام العالمي لأن دولاً وشعوباً كثيرةً كانت تستعمل هذه القناة.
دينيس والتر: أظن لا محالة أن الإمبراطورية وحالها تلك كانت تتجه إلى الاضمحلال بشكل أو بآخر، أعتقد أن استقلال الهند سنة 1947م كان العامل الأكبر في ذلك، ولكن حرب السويس لا شك هي التي سرعت وعجلت بذلك.
محمد فائق: دا فتح أبواب كبيرة جداً لإفريقيا يعني إحنا كنا مثلاً عشان نتصل بنحاول نسعى للاتصال لحركات التحرير وبتاع، بعد 56 جميع.. كل من يفكر في حركة تحرر كان هو اللي بيجي بنفسه يعني الحقيقة لأن.. لأن.. الثورة المصرية فتحت آفاق كبيرة جداً من ناحيتين: الناحية الأولى حق الشعوب في امتلاك ثرواتها ودا كان موضوع بالنسبة لتأميم قناة السويس والنجاح اللي عملته كان أول مرة يحدث مثل هذا التأميم وينجح لأنه صحيح حصل قبل كدا في إيران.. (مصدق) ولكن لم ينجح، وكانت أمثولة لكل من يفكر في موضوع التأميم بالنسبة لتأميم قناة السويس ترسخ هذا الحق، حق الشعوب في امتلاك ثرواتها وبعد كده حتى في قرارات الأمم المتحدة وهي.. كان أصبح حق من حقوق الشعوب أنها تمتلك ثرواتها، ومن أجل ذلك أصبح البترول العربي للعرب يعني دا أيضاً من أحد الأسباب ونفس الشيء أيضاً في أفريقيا اللي هي تم.. تم.. يعني مواردها عندها موارد كثيرة من خامات مناجم النحاس والبترول أيضاً وكان.. كان أصبح من حق هذه الشعوب أن تمتلك ثرواتها.
أسعد طه: لم يكن الاختلاف حول مشروعية قرار عبد ا لناصر تأميم شركة قناة السويس ليطال مبدأ انتماء الشركة إلى مصر حتى في رأي أشد الدول معارضة للتأميم، كما أن نجاح مصر في إدارة عمل القناة رغم انسحاب المهندسين الغربيين أثبت للعالم أجمعه أنها قادرة على تحمل أعباء شركة قناة السويس.
لم تكن حرب السويس نهاية الصراع والتوتر في منطقة الشرق الأوسط، بل فاتحة عهد جديد في تشابك مصالح الدول الكبرى، بل وبؤرة جديدة من بؤر التوتر في العالم، السلام عليكم.
 
التعديل الأخير:

مؤامرة العدوان الثلاثي دبرت في " فيلا " فرنسية

وباريس لعبت الدور الأساسي في "زواج" إيدن وبن غوريون​



في إطار تغطيتها الخاصة لذكرى مرور خمسين عاماً على أزمة السويس أو الغزو الثلاثي لمصر ، ركزت صحيفة “ ذي غارديان ” حول هذه القضية على قصة التواطؤ الذي أدى إلى بدء الحرب . بدأت الحكاية في منطقة ويرال مقر الدائرة الانتخابية لوزير الخارجية البريطاني آنذاك سلوين لويد حيث كان الوزير يزورها يوم 21 اكتوبر/ تشرين الأول عام 1956 . ومن هناك استدعاه رئيس الوزراء الراحل انتوني إيدن للحضور إلى مقره الريفي في شيكرز جنوبي انجلترا وذلك للمشاركة في اجتماع سري “ سيرتبط إلى الأبد بكذبة مشؤومة وسيترتب عليها عواقب وخيمة ” . وكانت مهمة لويد تتمحور حول أزمة السويس بعد تأميم الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر قناة السويس . وتقول المطبوعة الرصينة إن الأزمة هزت أركان الشرق الأوسط والسياسة البريطانية والعالم بأسره منذ نصف قرن .

في اليوم التالي بعد هذا الاجتماع السري فإن السكرتير الخاص لوزير الخارجية ، واسمه دونالد لوغان ، قام بقيادة سيارة الوزير الذي كان متخفياً إلى منطقة هندون في شمالي لندن ، حيث استقل طائرة تابعة للسلاح الجوي الملكي البريطاني إلى خارج باريس ، وكان الساتر الذي لجأ إليه المسؤولون في وزارة الخارجية للتغطية على هذه الزيارة السرية هو أن لويد قد أصيب بنوبة برد ، ولذلك فإنه اضطر إلى التغيب عن ممارسة أعبائه الرسمية ، ومن هذا المطار الفرنسي توجه الوزير البريطاني إلى فيلا في ضاحية سيفريز حيث التقى مع ممثلين من فرنسا و ”إسرائيل ” لتدبير مؤامرة الهجوم على مصر ، وكان الخطأ الفادح الذي وقع فيه المتآمرون انهم سجلوا كتابة كل تفاصيل المؤامرة .

إيدن رئيس الوزراء المحافظ طلب تدمير كل هذه الأدلة والمستندات ، لكن كانت هناك تسريبات عنها منذ البداية ، وعندما برز الدليل والبرهان بعد 40 عاماً من ذلك اللقاء أصبحت ضاحية سيفريز ترتبط كما يقول أحد المؤرخين “ بأفضل مؤامرة حربية موثقة في التاريخ الحديث ” .

من الجدير بالذكر أن المستر لوغان الذي أصبح في ما بعد السير دونالد لوغان وعمره الآن 88 عاماً ، هو آخر من تبقى على قيد الحياة من هؤلاء الأشخاص الذين حضروا ذلك الاجتماع في تلك الضاحية الفرنسية ، ويعود لوغان بالذاكرة إلى الوراء ليقول إن لويد كان حزيناً وحالته سيئة وغير راضٍ للغاية ، لتكليفه بمثل هذه المهمة الخطرة . ووفقاً لما ذكره السكرتير الخاص السابق للوزير الراحل ، فقد كان معنى ذلك نهاية التحركات الدبلوماسية التي كان يقوم بها منذ 26 يوليو/ تموز عندما أمم الرئيس المصري الراحل قناة السويس .

وكان هذا القرار قد أثار أزمة هددت وقوضت مكانة بريطانيا في الشرق الأوسط كما كان إيدن يقول . وكان رئيس الوزراء المحافظ الراحل يرى أيضاً أن تأميم شركة قناة السويس عرضت للخطر إمدادات النفط الأوروبية ، وكذلك عززت مصالح الاتحاد السوفييتي عندئذ . كذلك كان إيدن كما توضح الصحيفة “ مهووساً ” بالزعيم المصري الراحل ، وكان يقارنه غالباً بموسوليني ديكتاتور إيطاليا الراحل .

وكانت إدارة إيدن المحافظة ترى ان “ الاستيلاء على قناة السويس “ يعتبر بداية لحملة مخطط لها لإنهاء كل النفوذ والمصالح الغربية في الوطن العربي ” .

وقد بعث إيدن برسالة إلى الرئيس الأمريكي آنذاك دوايت إيزنهاور يقول فيها : “ إن توحد العالم العربي بقيادة مصر وتحت النفوذ الروسي يعتبر خطراً كبيراً ” .

وقال إيدن في هذه الرسالة التي كان قد بعث بها في شهر سبتمبر/ أيلول عام 1956 “ إن الفشل والاخفاق في اتخاذ الاجراءات المناسبة سيؤديان إلى كارثة ” ، ولكن الرئيس الأمريكي كان يصر على ضرورة التوصل إلى حل سلمي .

وتشير الصحيفة في هذا الملف الساخن عن أسرار هذه المؤامرة ، إلى أنه مع حلول منتصف شهر اكتوبر عام 1956 أصبحت الحرب أمراً لا مفر منه ، وذلك نتيجة للتحالف الوثيق بين الفرنسيين و ” الإسرائيليين ” الذين كانوا يصرون على ضرورة شن حرب “ وقائية ” ضد مصر بعد غارات على الحدود المصرية “ الإسرائيلية ” في الأشهر التي سبقت ذلك .

وكان رئيس الوزراء الفرنسي الاشتراكي آنذاك جي موليه يعرب عن “ تصميمه الذي يتسم باليأس ” لوقف مصر وإغامها على التخلي عن تأييد الثورة في الجزائر ، وتعطي هذه التفاصيل الانطباع بأن فرنسا و ”إسرائيل ” قامتا بالزج بإيدن في المؤامرة . كما أن رئيس الوزراء البريطاني نفسه كان غاضباً من تصرفات ناصر ، ويريد التخلص منه .

وفي الوقت نفسه استمرت الاتصالات “ عن طريق قناة خلفية سرية ” بين باريس وتل أبيب . وكان وزير الدفاع الفرنسي عندئذ موريس بورغيز ماونوري أحد “ أبطال المقاومة ” خلال الحرب العالمية الثانية ، أما وزير الخارجية الفرنسي كريستيان بينو فكان متشككاً للغاية بالنسبة لأي روابط مع “ إسرائيل ” ، حيث كان بينو يخشى أن تمتد الحرب لتشمل الأردن . وكان الفرنسيون على حد قول أحد المؤرخين “ الإسرائيليين ” ، وهو آفي شلايم ، يعتبرون بمثابة “ صانع الزيجات ” أي الخاطبة التي توفق بين العروسين .

وكان إيدن قد اتخذ قراره يوم 14 اكتوبر/ تشرين الأول من عام 1956 خلال اجتماع سري مع مبعوثين فرنسيين تم حذف اسميهما من دفتر الزيارات الخاص الموجود في شيكرز المقر الريفي لرئيس الوزراء .

وأبلغ إيدن سكرتيره الخاص جاي ميلارد بألا يدون أي محضر عن هذا اللقاء السري . وأصدر إيدن أوامره إلى سكرتيره : “ لن تكون هناك حاجة إلى مثل هذا المحضر يا جاي ” .


في الفيلا الفرنسية

وبعد ذلك بثمانية أيام عندما وصل سلوين لويد إلى فيلا في شارع عمانويل جبروت ، وهو منزل آمن كانت تستخدمه المقاومة الفرنسية أثناء الاحتلال النازي لفرنسا ، كانت المحادثات جارية بالفعل بين الطرفين الفرنسي و ”الإسرائيلي ” ، وكان يمثل “ إسرائيل ” رئيس الوزراء ديفيد بن غوريون الذي كان متشككاً للغاية من البريطانيين .

وكان هناك أيضاً موشي ديان وزير الدفاع الذي كان يدون الخطط العسكرية على “ ظهر علبة سجائر ” . وكان هناك أيضاً أحد المشاركين في الاجتماع الذي لا يزال على قيد الحياة وهو مساعد ديان واسمه موردخاي بار أون . وقال الأخير إن “ سلوين لويد كانت ملامحه توضح إنه كان يرى المسألة برمتها تثير الاشمئزاز العميق ” .

وبطبيعة الحال كان هناك ممثلون عديدون لفرنسا في اللقاء وفي يوم 24 اكتوبر/ تشرين الأول ، وبعد أن زار بينو لندن لمقابلة إيدن ، “ فإن الأطراف المتآمرة وضعت بروتوكولاً تمت كتابته على الآلة الطابعة باللغة الفرنسية في مطبخ هذه الفيلا الفرنسية ” .

وتعهدت “ إسرائيل ” وفقاً لهذا البروتوكول بأن تهاجم مصر ، ومن جانبهما تعهدت بريطانيا وفرنسا بغزو مصر بحجة الفصل بين الطرفين المتقاتلين ، وكذلك لحماية قناة السويس ” ، وكانت هذه الرواية التي تتسم بسعة الخيال تعتبر بمثابة المحور أو القلب لهذه المؤامرة أو التواطؤ . وقد أصبح هذا التواطؤ بمثابة “ رمز شهير لأزمة السويس ” كما تقول “ ذي غارديان ” . وكانت “ إسرائيل ” ستحصل وفقاً للاتفاقية السرية على دعم بحري وجوي ، بينما تهاجم بريطانيا وفرنسا مصر .

وكان من المفترض ان تظل هذه الوثيقة “ سرية للغاية ” . وقد وقع عليها بالأحرف الأولى بالنيابة عن بريطانيا باتريك دين مسؤول رفيع المستوى في وزارة الخارجية عندئذ . وكان هذا المسؤول قد ذكر ان الجو خلال حفل التوقيع كان “ صحيحاً ولكنه لم يكن ودياً للغاية ” . واحتسى المشاركون في اللقاء الشمبانيا وأخذ الفرنسيون و ”الإسرائيليون ” يتحدثون جانبياً عن التعاون النووي بينهم . وقال مساعد موشي ديان للصحيفة إنه بعد مغادرة المندوبين البريطانيين الذين حضروا الاجتماع ، فإن الفرنسيين و ”الإسرائيليين ” كانوا عبارة عن الأصدقاء الحقيقيين “ بينما كان البريطانيون بمثابة طرف خارجي ” .


تدمير البروتوكول​


ولدى عودته إلى لندن أصدر إيدن أوامره بتدمير هذا البروتوكول ، وقام سكرتير الحكومة نوران بروك بإحراق النسخة البريطانية منه ، وكذلك تم إحراق بقية المستندات الخاصة التي يمكن أن تدين بريطانيا ، وذلك داخل مدفأة “ عشرة داونيننج ستريت ” . وأصدر إيدن أوامره إلى الدبلوماسيين البريطانيين الذين شاركوا في الاجتماع بأن يعودوا إلى باريس في اليوم التالي لإقناع الفرنسيين بأن يقوموا أيضاً بإحراق كل الوثائق الخاصة بهذا الاتفاق . ولكن بعد انتظارهم ساعات في غرفة استقبال في وزارة الخارجية الفرنسية أخفق الممثلون البريطانيون في إقناع وزير الخارجية الفرنسي بالتخلص من هذه الوثائق حرقاً .

ويقول السير دونالد لوغان : “ لقد عنفنا بينو ولم يستمع إلى طلبنا ، وكان “ الإسرائيليون ” قد عادوا إلى تل أبيب ومعهم النسخ الخاصة من البروتوكول ” .

وبذلك أصبح سر إيدن غير آمناً على الاطلاق ” ، ومن اللحظة الأولى التي بدأت فيها الحرب بعد الهجوم “ الإسرائيلي ” على صحراء سيناء وفقاً للموعد المقرر له يوم 29 اكتوبر/ تشرين الأول ، 1956 فإن الكثيرين افترضوا ان كل هذه العملية كانت مدبرة مسبقاً ، وبدأت قصص وروايات التواطؤ بين فرنسا وبريطانيا و ”إسرائيل ” تنتشر على نطاق واسع .


غضب إيزنهاور​


وبعد ذلك ذكر عضو في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية ان الأمريكيين حصلوا على أدلة تثبت هذا التواطؤ وذلك وفقاً لبرقية بعثت بها السفارة البريطانية في واشنطن إلى سلوبن لويد . وقالت البرقية “ إن هذا الأمر يتطلب عملاً عاجلاً لإقناع الإدارة الأمريكية بأنه لم يكن هناك تواطؤ أو مؤامرة ” .

ولكن كانت هناك بالفعل مؤامرة ، كما تؤكد الصحيفة ، وكان إيزنهاور الذي استشاط غضباً يعرف ذلك أيضاً ، وأبلغ الرئيس الأمريكي وزير خارجيته جون فوستر دالاس إنه “ ليس هناك أي مبرر لهذا الخداع الذي تعرضنا له ” .

ولكن حكومة إيدن تمسكت بنفي وجود أي مؤامرة ، ووجهت اسئلة إلى وزير الخارجية البريطاني في البرلمان عما إذا كانت هناك مؤامرة أو تواطؤ ، وكان رد سلوين لويد “ لم يكن هناك اتفاق مسبق بيننا حول هذا الأمر ” . وكان لويد يكذب . وفي يوم 20 ديسمبر/ كانون الأول كان إيدن قاطعاً على نحو أكبر حيث أبلغ البرلمان “ إنه لم يكن هناك لنا علم مسبق بأن “ إسرائيل ” ستهاجم مصر ، ولم نعلم بذلك ” . وكانت هذه هي آخر مرة تحدث فيها أمام مجلس العموم ، فقد أصابه المرض وأصبح شبحاً تطارده أكاذيبه ومؤامرة الغزو الثلاثي .

ولكن مساعد ديان ، وهو بار أون ، احتفظ بمحضر مفصل للقاء سيفريز ، وظل هذا المحضر سرياً وفي طي الكتمان لمدة 35 عاماً ، مراعاة لوضع بريطانيا وإيدن .

ولكن “ إسرائيل ” وبن غوريون بالذات لم يكن لديهم أسباب للمحافظة على سرية هذه الوثائق ” وفقاً لما يقوله مساعد ديان .

بل إنه يوضح “ لقد كان من مصلحتنا ان يعرف العالم أننا لم نكن وحدنا في شن هذا العدوان ” ، وفقاً لكلامه حرفياً .

أما لوغان الموظف العمومي الذي يلتزم باللوائح ، فقد التزم الصمت . وقال للصحيفة : “ إنني لم أكن أرغب في أن أكون الشخص الذي يفشي الأسرار ، ويكشف عما قام به إيدن أو سلوين لويد ” .

ولكنه حصل في ما بعد على نسخة من البروتوكول من “ إسرائيل ” وأودعها في “ الأرشيف القومي ” في منطقة كيو غربي لندن ، الذي يتم فيه حفظ كل الوثائق الحكومية .

ويوضح البروفيسور “ الإسرائيلي ” شلايم ان المؤامرة كانت سجلاً وبرهاناً على “ انتهازية الفرنسيين وخداع إيدن وكذلك الخوف القهري البارانوبا “ الإسرائيلية ” ” .

ولا يزال لقاء سيفريز يثير عبر السنين جواً من الإثارة والفضول . وكان الموظفون العموميون البريطانيون مثل دين يشعرون بالغضب والقلق ، وعندما قام لويد بنشر مذكراته ومن بينها رواتبه حول مؤامرة السويس في عام 1978 فإن دين شعر بهذا الغضب ، أما كيث كايل “ عميد المؤرخين عن حرب السويس ” كما تقول الصحيفة ، فإن النتائج الرئيسية بالنسبة له هي أن المشكلة لم تكن تتمثل في أن “ اجتماع سيفريز كان سرياً ، فقد كان هذا اسلوباً مقبولاً دبلوماسياً ، وكذلك فإن المشكلة لم تكن هي التواطؤ مع “ إسرائيل ” ، حيث كانت “ إسرائيل ” لها شعبية كبيرة بين دوائر عديدة في بريطانيا ، وبصفة خاصة لدى المعارضة السياسية الرسمية (يقصد حزب العمال) ” ، وعلاوة على هذا فإن الأزمة لم تكن بسبب فشل هذه السياسة التي ارتبطت بهذا اللقاء السري ، والكلام لا يزال لشيخ المؤرخين .

ويضيف الرجل قائلاً : “ إن المشكلة كانت مزدوجة ، فقد كان اشتراك بريطانيا في الغزو وهو بمثابة العنصر الجوهري في شن هذه الحرب العدوانية ، وكذلك فإن الأمر كان بمثابة مصدر كبير لسوء التفسير لدى الرأي العام حول الأوامر التي صدرت للقوات المسلحة البريطانية ” في إطار هذه المؤامرة .




دار الخليج
12/7/2006
 
الفيلا المقصودة هي ... في سيفر Sevre ضواحي باريس

راجع الصفحة التالية للتفاصيل




وكانت شروط إسرائيل للأشتراك في الحرب
1 - أن تغطي فرنسا بطائراتها سماء إسرائيل وأن تحمي إسرائيل
2 - ترسل عدة أسراب طيارات ميستير فرنسية بطياريهم إلي إسرائيل
3 - يشتركوا في المعركة فوق سيناء
4 - تحمي المدمرات الفرنسية شواطيء إسرائيل وقد قامت الباردة جورج ليجوس .. والمدمرتين كيرسانت وبوفيه بحماية الشواطي .. وأشتركت الأخيرتين في مهاجمة المدمرة "إبراهيم الأول) ... إقرأ ما كتبته عن تسلل المدمرة المصرية وقذفها لميناء حيفا .. ثم أسرها
5 - حماية البارجة جورج ليجوس الشاطيء أمام العريش وقصفت القوات المصرية بالقنابل ...
وأستعملت مدافعها الضخمة

6 - وهذه أهم نقطة ... صمم بيرينز علي أن تزود فرنسا أسرائيل بمفاعل ذري وتساعدها علي أن تدخل العصر الذري ... فكان .... معامل ديمونة "الذرية" ..

وهذه أكبر الأنجازات التي حصلت عليها إسرائيل


أما موضوع علبة السجائر ... فهذه دعاية إسرائيلية لبيان أن هوم جيش مصر لم يكن محتاجا إلي تخطيط ....

وينفي ذلك ، كافة الوثائق التي جرت والأستعدادات والخطط الحربية التي تمت في لندن ... من الخطة 700 إلي هاميلكار ... ثم تيليسكوب فيما بعد وتيليسكوب المعدلة

راجع الصفحات التالية











د. يحي الشاعر
 
التعديل الأخير:
عودة
أعلى