فلسفة الفتوحات الإسلامية وأضواء على سياسة دفع الجزية/د.هوار بلو

Nabil

خـــــبراء المنتـــــدى
إنضم
19 أبريل 2008
المشاركات
22,779
التفاعل
17,897 114 0
فلسفة الفتوحات الإسلامية

وأضواء على سياسة دفع الجزية في الإسلام


د. هوار بلو


قد يرى البعض أنّ الإسلام كان يحتل بلدان الناس بالسيف و يفرض عليهم سلطانه ، و أنّه كان ينتزع الجزية من أصحاب الديانات الاخرى بالقوة لمجرد أنّهم لا يؤمنون به .. لكن الصورة النظرية التي جاء بِها الإسلام لم تكن كذلك ، و قد اُسيء الفهم هكذا بسبب أخطاء ارتكبتها الأفراد و احتُسبت على الإسلام بعد ذلك .

إنّ شعوب الأرض في تلك الأيام كانت تعاني الظلم و تتجرع المرارة على أيدي حكّامها ، و كانت في أمسّ الحاجة الى طرف أقوى تستنجد به و تشكو إليه هوانَها لأنّ الأيام كانت قد أثبتت لها أنّ أهل هذا الدين لا يظلمون الناس و لا يجبرون أحداً على اعتناق عقيدتِهم .

إنّ الإسلام - كعقيدة - كان يستشعر المسؤولية الإلهية فلم يكن ليدخل بلداً من بلدان الناس إلاّ استجابة لدعوة ضمنية مِن أهلِها أو تلبية لواقع حالها الذي يستوجب التدخّل الطارئ ، فيزيل الفئات الطاغية المتسلّطة و يبث الحرية و الأمان .. هذه كانت الصورة النظرية التي انطلقت تحت مضامينها حروب التحرير و الفتوحات ، لكن الصورة التطبيقية تمخّضت عنها الكثير من الأخطاء و على أيدي الكثير من الفاتحين و في أزمنة متعددة ممّا أسفرت عن سوء فهم طويل الأمد لهذه الحروب .

إنّ الرحمة التي جاء بِها الإسلام و أقرّها الله له تقضي عليه أنْ لا يرى نفسه قوياً متمكناً و شعوب الأرض تعاني الظلم تحت سمعه و بصره .. و ربما لم تكن غالبية الشعوب المضطهدة تجرأ على الإفصاح بمعاناتِها و لكن واقع حالها كان ينطق بذلك ... و لذلك نجد الرسول (ص) حينما يبعث برسالة الدعوة الى عظيم الروم (هرقل) ، يقول له :

(.... فإن تولّيْت فإنّما عليك إثم الأريسين)

و الأريسين هم الخدم و الخول و العبيد الذين كانوا يعانون الظلم على يدَي (هرقل) .

حينما استردّ السلطان (مراد الثاني) عام (1431م) مدينة (سلانيك) من أيدي أمراء البندقية ، جاءه وفد مِن مدينة (يانيا) يرجو المثول بين يديه ... فتعجّب السلطان مِن أمرهم حيث لم تكن ثمّة علاقة تربطهم بِهذه المدينة التي كانت تحكمها إيطاليا آنذاك ، فأمر بإدخال الوفد عليه و دار الحديث ...

السلطان : ما الذي جاء بكم الى هنا ؟ و ماذا تريدون ؟

رئيس الوفد : أيّها السلطان العظيم .. جئنا نلتمس منك عوناً فلا تخيّب آمالنا ؟

السلطان : و كيف أستطيع ذلك ؟

رئيس الوفد : مولاي .. إنّ حكامنا يظلموننا و يتعاملون معنا كالعبيد و الخدم و يغتصبون أموالنا و يسوقوننا كرهاً للحروب الطاحنة ...

السلطان : و ماذا بوسعي أنْ أفعل ؟ إنّها مشكلتكم مع حكّامكم .

رئيس الوفد : أيّها السلطان ... نحن لسنا بمسلمين بل نحن نصارى ، و لكنّنا سمعْنا عنكم الكثير .. سمعنا عن عدالتكم و أنّكم لا تظلمون الرعية و لا تجبرون أحداً على إعتناق دينكم ، فلكلّ ذي حقّّ حقّه لديكم .. و لقد سمعْنا هذا من السيّاح و التُجّار الذين زاروا مملكتكم ، لذلك نرجوا منكم أنْ تشملونا برعايتكم و عدلكم و أنْ تحكموا بلادنا من فضلكم لتنقذوننا من ظلم حكّامنا !؟

ثم قدّموا للسلطان مفتاح المدينة الذهبي .. و استجاب السلطان لرجاء أهل المدينة و فتح لهم بلادهم في نفس السنة .

و رُبّ سائل يسأل :

لو كانت الصورة النظرية للإسلام تقضي بنشر الحرية و الأمان بين الشعوب ، فلماذا خوّلت هذه الصورة السلطات الإسلامية انتزاع الجزية و الضرائب من أهل الكتاب (أهل الذمة) الذين كانوا يعيشون تحت سقف الدولة الإسلامية ؟

يقول سبحانه و تعالى في القرآن الكريم :

(قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله و لا باليوم الآخر و لا يحرّمون ما حرّم الله و رسوله و لا يدينون دين الحق من الذين اوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يدٍ و هم صاغرون) (1)

و الشئ الجدير بالذكر هنا ، هو أنّ هذه الجزية كان لها فقط أنْ تؤخذ من أهل الكتاب الذين يسكنون داخل إطار الوطن الإسلامي و الذين اُطلق عليهم (أهل الذمة) و ليس الأمر كما يُساء الفهم على أنّ الإسلام كان يغزو بلدان الناس لأنّها كانت ترفض دفع الجزية الى المسلمين ، اذ لم تكن الجزية سبباً للفتوحات و لا دافعاً وراءها في معتقد الإسلام ... و أنّ هذه الجزية كانت بمثابة ضريبة للدفاع الوطني فالإنسان القادر على حمل السلاح و الذي يعيش تحت سقف الوطن الإسلامي عليه أنْ يؤدي خدمة الدفاع الوطني ، و الرافض لتأدية هذه الخدمة هو الملزم بدفع هذه الضريبة .. و لما كان أهل الذمة هم الذين يثقل عليهم تأدية هذه الخدمة ، فانّهم بذلك كانوا ملزمين بدفع الجزية عن يدٍ و هم صاغرون .

إنّ الجزية في الوطن الإسلامي لم تكن تؤخذ إلاّ مِن الذميّ القادر على حمل السلاح ممّن جاوزت أعمارهم الخامسة عشر ، إذ لم يكن يدفعها الطفل و لا الشيخ و لا المرأة و لا ذو العاهة البادية و لا أهل الصوامع و البيع ... يقول الكاتب (آدم متز) استاذ اللغات الشرقية بجامعة (بازل) بسويسره :

( و كانت هذه الجزية أشبه بضريبة للدفاع الوطني ، فكان لا يدفعها إلاّ الرجل القادر على حمل السلاح ، و لا يدفعها ذووا العاهات و لا المترهّبون و أهل الصوامع إلاّ اذا كان لهم يسار - أي غنى -)(2)

إنّ الوطن الإسلامي كان وطناً للجميع .. لا لفرد دون آخر .. و المنطق الذي فرض على المسلم أن يضحّي بحياته من أجل هذا الوطن هو نفسه المنطق الذي كلف الذمي بالمساهمة في الدفاع عن هذا الوطن و التضحية من أجله .. لأنّهم أبناء لوطن واحد ، يعيشون تحت سقفه و يأكلون من خيراته و يشربون من مياهه و يتنفسون من هوائه و يمارسون في ظله كافة حرّياتِهم .

و قد راعى الإسلام الإحساس المهزوم لهؤلاء الكتابيين و شعورهم المجروح ، فعفتْهم عن أداء هذا الواجب الوطني و ضمنت لهم فوق كل ذلك حياتَهم و أمنهم و كامل حرياتِهم مقابل ضريبة متواضعة يدفعونَها للسلطة أو دعماً للمجهود الحربية .

يقول (آدم متز) في كتابه المذكور ص96 : ( إنّ غالبية دافعي الجزية كانوا يدفعون الحدّ الأدنى)

و أخيراً ... فإنّ المسلمين هم ليسوا الوحيدين الذين فرضوا الضرائب على غيرهم ، فالروم كانوا يأخذون من اليهود و المجوس ديناراً في السنة ، و كذلك فرض النصارى على المسلمين الجزية لما فتحوا بلادهم (3).


(1) التوبة (29)



(2) الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري / آدم متز / ص 96



(3) نفس المصدر / ص 96



عن رابطة أدباء الشام
 
رد: فلسفة الفتوحات الإسلامية وأضواء على سياسة دفع الجزية/د.هوار بلو

يعطيك العافية اخي موضوع رائع ساهم في ازالة سوء الفهم عن دفع الجزية في الاسلام وانا كنت ممن اساؤو فهم دفع الجزية ولاكن بعد هذا الموضوع فهمت
 
رد: فلسفة الفتوحات الإسلامية وأضواء على سياسة دفع الجزية/د.هوار بلو

جزاك الله خيرا
 
رد: فلسفة الفتوحات الإسلامية وأضواء على سياسة دفع الجزية/د.هوار بلو

جزاك الله خير يا اخي ولكن لنعلم ان المسلمين لا يقاتلو لارض وانما يقاتلو لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا هي السفلي ولو نظرنا سنجد ان الجهاد يزيل القوم المتجبرين من علي الضعفاء ولا يفرض عليهم الاسلام ولكن هم يدخلوه حبا فيه وفي تعاليمه
 
عودة
أعلى