السعودية تتسلم أول مقاتلة إف-35 الشبحية… وغضب إسرائيلي يتصاعد من الصفقة
قبل يومين فقط، وصلت المقاتلة الأمريكية الشبحية «إف-35» إلى قاعدة الأمير سلطان الجوية في السعودية. وبرغم ما قد يتصوّره البعض، فإن هذه الطائرة لم تُرسل لدعم الدفاعات الجوية السعودية، ولا لتعزيز الوجود العسكري الأمريكي في الخليج، ولا لمساندة عمليات مفترضة ضد إيران. السبب الحقيقي لوصولها، وفق ما تؤكده التقارير، هو إتاحة الفرصة أمام ضباط سلاح الجو السعودي للاطلاع عليها عن قرب قبل الإعلان عن الصفقة المنتظرة.
هذه الصفقة، إذا ما أُبرمت، ستُعيد رسم خريطة السيادة الجوية في الشرق الأوسط. وتُرجّح المصادر أن الإعلان عنها ينتظر فقط توقيع الرئيس دونالد ترامب وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، مع احتمال الكشف عنها في 18 نوفمبر المقبل. لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يبذل جهودًا لعرقلة الاتفاق، معتبرًا أنه يمسّ بمبدأ «التفوّق العسكري النوعي» الذي تلتزم واشنطن بالحفاظ عليه لصالح إسرائيل. وفي الوقت الذي يستعد فيه الأمير محمد بن سلمان للقاء ترامب، تبدو الضغوط الإسرائيلية في غاية القوة.
ولفهم الصورة كاملة، يجدر التذكير بأن هذه ليست المرة الأولى التي تحط فيها «إف-35» في قاعدة الأمير سلطان. ففي عام 2020، نشر سلاح الجو الأمريكي صورًا للمقاتلة ضمن تدريبات «الانتشار الرشيق»، وأشار إلى تنفيذها تدريبات تزود بالوقود ومناورات جوية. كما أن القواعد الجوية السعودية استقبلت سابقًا مقاتلات «إف-16» و«إف-22» و«إف-35» في إطار العمليات الأمريكية.
أين وصلت صفقة إف-35 مع الرياض؟
نقلت وكالة «رويترز» أن قاعدة الأمير سلطان ستكون نقطة انطلاق رئيسية في حال اندلاع حرب ضد إيران، وأن طلب السعودية لشراء 48 مقاتلة من هذا الطراز تجاوز عقبة وزارة الدفاع الأمريكية، التي وافقت بالفعل على البيع، ليبقى القرار الآن بيد البيت الأبيض والكونغرس. لكن تقارير أخرى – أبرزها من «المونيتور» – أشارت إلى أن وكالة الاستخبارات الدفاعية الأمريكية رفضت الصفقة وحذّرت من احتمال تسريب التكنولوجيا للصين. صحيفة نيويورك تايمز نقلت بدورها عن تقرير للوكالة ذاتها أن بيع 48 طائرة للسعودية قد يتيح للصين الوصول إلى بعض أسرار الطائرة الشبحية.
لماذا يربط الأمريكيون بين السعودية والصين؟ الجواب يأتي من «السوابق» التي تتمسك بها واشنطن. فصور الأقمار الصناعية التي تُظهر منشأة لإنتاج الصواريخ الباليستية داخل السعودية بالتعاون مع الصين تمثل بالنسبة للأمريكيين نموذجًا على نقل تقنيات عسكرية حسّاسة إلى الرياض خارج الإطار الغربي. وجود شركات اتصال وتكنولوجيا صينية في منشآت كهذه يعزز المخاوف الأمريكية من اختراقات محتملة.
القاعدة المشتبه بها للقوات الاستراتيجية الصاروخية الملكية السعودية في النبهانية، المملكة العربية السعودية
الأمر ذاته حدث مع الإمارات عندما كانت تستعد لشراء 50 مقاتلة «إف-35». فبعد تعاقد أبوظبي مع شركة «هواوي» لتطوير شبكات الجيل الخامس، رفضت واشنطن المضي في الصفقة، معتبرة أن وجود بنية «5G» صينية قد يمكّن بكين من جمع بيانات بالغة الحساسية حول البصمة الرادارية للطائرة وأنظمتها الإلكترونية. وفي أكتوبر 2025، ذكرت «فاينانشال تايمز» أن أجهزة الاستخبارات الأمريكية مقتنعة بأن شركة الذكاء الصناعي الإماراتية «G42» سربت تكنولوجيا عسكرية أمريكية للصين، التي استخدمتها لاحقًا في تحسين صواريخ «PL-15» و«PL-17»—وهما الصواريخ التي أسقطت بها باكستان طائرات «رافال» الفرنسية الشبحية.
مشاهدة المرفق 823354
بالنسبة لواشنطن، هناك الآن حالة موثقة تُظهر أن دولة خليجية حليفة قد تكون لعبت دورًا – عمدًا أو نتيجة اختراق – في وصول تقنيات أمريكية إلى بكين. لذلك يخشى صانعو القرار أن يتكرر السيناريو مع السعودية.
التكنولوجيا التي يخشى الأمريكيون تسربها لا تتعلق فقط بتصميم الطائرة، بل بأكثر عناصرها حساسية: قدرات التخفي، المقطع الراداري، منظومات دمج البيانات، الخوارزميات، والبرمجيات التي تدير «عقل» الطائرة. هذه البرمجيات تجمع بيانات من الرادارات والمستشعرات الحرارية والحرب الإلكترونية والأقمار الصناعية والطائرات الصديقة، وتحوّلها إلى صورة موحدة للبيئة القتالية، ما يسمح للطائرة برؤية كل التهديدات بينما تبقى غير مرصودة.
وفي حال وصول هذه البرمجيات أو أسرار عملها إلى الصين، فستتمكن بكين من تطوير رادارات وصواريخ قادرة على رصد أو تعطيل «إف-35»، أو على الأقل تحسين مقاتلاتها الشبحية من طراز «J-20». لهذا السبب تخشى واشنطن من أي وجود صيني – حتى لو كان في الإمارات – وليس فقط في السعودية.
وأكد تقرير مسرّب من البنتاغون بدوره أن مستوى التغلغل الصيني في قطاع الصناعات العسكرية السعودية يصعّب ضمان عزل برنامج «إف-35» عن هذا الوجود، خصوصًا ضمن برامج مشتركة مثل الصواريخ الباليستية.
ولهذا تستخدم واشنطن ورقة «التسريب للصين» كوسيلة ضغط على الرياض. فترامب يطالب السعودية بتقليص التعاون مع بكين في مجالات الاتصالات والموانئ والصواريخ والذكاء الصناعي، مقابل منحها الطائرة الشبحية.
صواريخ باليستية متوسطة المدى لدى الجيش السعودي من طراز DF-3
في هذا السياق، يُفهم ظهور «إف-35» في قاعدة الأمير سلطان كرسالة استراتيجية أكثر من كونه مؤشرًا نهائيًا على الصفقة. الرسائل موجّهة إلى إيران—لتأكيد وجود مقاتلات الجيل الخامس في الخليج—وإلى السعودية لإظهار قيمة السلاح الذي قد تحصل عليه، وإلى الكونغرس وإسرائيل بأن الواقع العسكري في المنطقة يتغير وأن الرياض قد تلجأ إلى خيارات أخرى إن لم تُعتمد الصفقة، سواء طائرات صينية أو أوروبية.
فما الذي يعنيه الأمر استراتيجيًا لو تمت الصفقة بالفعل؟
أولًا، سينتهي احتكار إسرائيل لمقاتلات الجيل الخامس، وهو ما سيفتح نقاشًا أمريكيًا واسعًا حول مفهوم التفوق العسكري الإسرائيلي. ثانيًا، سيتغير ميزان القوى الجوي في المنطقة من السودان حتى إيران، إذ ستكون السعودية قادرة على تنفيذ ضربات دقيقة في عمق الشرق الأوسط، خصوصًا مع امتلاكها أسطولًا كبيرًا من «إف-15SA». لكن الرياض تسعى إلى «إف-35» و«إف-15EX» لبناء قوة جوية حديثة تربطها استراتيجيًا بواشنطن عبر الصيانة والدعم والتحديثات المستمرة.
وقالت صحيفة نيويورك تايمز إن الأمير محمد بن سلمان لن يطبع مع إسرائيل—كما يفعل الرئيس السوري مثلًا—دون قيام دولة فلسطينية. وبالتالي، إذا حصل على «إف-35» من دون تقديم تنازل سياسي، فسيكون قد حقق مكسبًا كبيرًا. لكن في المقابل، سيطلب ترامب من الرياض الانسحاب من اتفاق الدفاع المشترك مع باكستان، لأن واشنطن تريد إبعاد السعودية عن أي تعاون نووي أو عسكري عميق مع كلٍّ من الصين وباكستان.
ووفق الطرح الأمريكي، ستحصل السعودية على برنامج نووي سلمي يخضع لإشراف أمريكي على تخصيب اليورانيوم، لمنع أي توجه نحو سلاح نووي. وفي المقابل، ستتوسع اتفاقيات التعاون في مجالات الدفاع، والدفاع الجوي المتقدم، والصواريخ، والمراقبة، والذكاء الصناعي، والسيبرانية، والفضاء، والطائرات المسيّرة، وأنظمة الاستطلاع والتحليل، وكلها جزء من رؤية السعودية 2030 لبناء صناعات متقدمة محليًا.
إضافة إلى ذلك، يشمل التعاون المحتمل شراكات اقتصادية في الطاقة والنفط والهيدروجين الأخضر والطاقات المتجددة، إلى جانب الدعم الأمريكي لتطوير صناعات الطيران والدفاع والتعدين واللوجستيات في السعودية. وقد أسس ولي العهد شركة «هيومن» للذكاء الصناعي من أجل بناء مراكز بيانات ضخمة وتطوير نماذج متقدمة، ما يعكس رغبة المملكة في أن تكون لاعبًا رئيسيًا في «صناعة القرن»—الطائرات المسيّرة الشبحية، والأنظمة الذكية، وقطع الطائرات المتقدمة.
أما بشأن «إف-15EX»، فهي تمثل بالنسبة للسعودية حجرًا أساسيًا آخر في تحديث قوتها الجوية بسبب عمرها الهيكلي الطويل (20 ألف ساعة طيران)، وراداراتها الأحدث، وأنظمة الحرب الإلكترونية المتفوقة، وقدرتها على حمل 22 صاروخ جو-جو، إضافة إلى كونها منصة «مفتوحة المهام» يمكن ربطها بسرب من الطائرات المسيّرة المرافقة—وهو ما لا توفره «إف-15SA».
في المحصلة، فإن ظهور «إف-35» في قاعدة الأمير سلطان ليس حدثًا عابرًا. بل هو رسالة سياسية وعسكرية واقتصادية متشابكة. رسالة لإيران بأن جيلًا جديدًا من المقاتلات أصبح حاضرًا، ورسالة للسعودية بأن هذا هو السلاح الذي سيجعلها قوة جوية عظمى، ورسالة للكونغرس وإسرائيل بأن الواقع يتطور، وأن رفض الصفقة قد يدفع الرياض شرقيًا نحو الصين.
ولهذا فإن السؤال الحقيقي ليس هل ستحصل السعودية على أول طائرة «إف-35»، بل كيف سيتغيّر شكل السيادة الجوية في الشرق الأوسط لحظة هبوط أول مقاتلة شبحية عربية على مدرج قاعدة الأمير سلطان؟