الذكاء الاصطناعي في الحروب

إنضم
20 مارس 2024
المشاركات
9,848
التفاعل
14,793 120 24
الدولة
Swaziland

الذكاء الاصطناعي في الحروب​




AI technology in the army. Warfare analytic operator using vr virtual reality glasses checking coordination of the military team with tablet device augmented reality operating troops outdoors

الكاتب: تستخدم الطائرات المسيرة والأقمار الصناعية الذكاء الاصطناعي لتحليل الصور واكتشاف تحركات العدو أو القواعد العسكرية المخفية (شترستوك)
يؤثر الذكاء الاصطناعي الآن في كل مجالات الحياة البشرية. فقد شهد العقد الماضي زيادة كبيرة في استخدامه، كتقنيات التعرف على الوجوه والمركبات ذاتية القيادة ومحركات البحث وبرامج الترجمة.
وقد تزامنَت هذه الاستخدامات النافعة مع تزايد حضوره في الحروب الحديثة. إن تصاعد التسليح بالذكاء الاصطناعي اليوم يذكر بسباق التسلح النووي في الحرب الباردة، حيث تحل أنظمة الأسلحة الذاتية محل الرهانات التقليدية.
ومع ذلك، يواجه المجتمع الدولي والأمم المتحدة والقانون الدولي صعوبات في التكيف مع استخدام هذه الأنظمة وتنظيمها، إذ تغير بسرعة مشهد الحرب الحديثة.
بدأ المجتمع الدولي يلاحظ تأثير الذكاء الاصطناعي على الحروب الحديثة منذ 2012، مع سلسلة من الوثائق التي حددت استخدام أنظمة الأسلحة الذاتية. وشملت هذه الوثائق توجيهات سياسية من وزارة الدفاع الأميركية حول الاستقلالية في أنظمة الأسلحة، وتقريرا من منظمة "هيومن رايتس ووتش" وعيادة هارفارد للقانون الدولي لحقوق الإنسان (تقرير HRW-IHRC 2012) دعا إلى حظر كامل للأسلحة الذاتية.
وعلى أن هذه الأسلحة -رغم خطورتها- ليست الاستخدام الوحيد للذكاء الاصطناعي في الحروب. فثمة استخدامات كثيرة أخرى، ونحاول في هذا المقال رصد أهمها.
يحلل الذكاء الاصطناعي الاتصالات المعترَضة لفك الشفرات وتوقع الهجمات. كما يستطيع الكشف عن الترددات التي يستخدمها العدو للتواصل فيغمرها

الاستخبارات والمراقبة​

  • الاستطلاع الذكي: تستخدم الطائرات المسيرة والأقمار الصناعية الذكاء الاصطناعي لتحليل الصور واكتشاف تحركات العدو أو القواعد العسكرية المخفية. ومع التقدم الهائل في الرؤية الحاسوبية والرؤية في الظلام ودقة تحديد المواقع، أصبحت مهمات الاستطلاع تقدم تفصيلات عن الأشخاص والمركبات والتجهيزات بدقة غير مسبوقة.
  • التنصت على الاتصالات (SIGINT): يحلل الذكاء الاصطناعي الاتصالات المعترَضة لفك الشفرات وتوقع الهجمات. كما يستطيع الكشف عن الترددات التي يستخدمها العدو للتواصل فيغمرها بإشارات مضلِلة تهدف إلى شل الاتصال أو إبطائه وقطع تنسيق العدو وإرباكه.
  • كشف التهديدات تلقائيا: يفحص الذكاء الاصطناعي شبكات التواصل الاجتماعي والبيانات المختلفة لرصد تحركات العدو أو التوجهات والهجمات المحتملة.
يستخدم الذكاء الاصطناعي مسحات واسعة لترددات البث بحثا عن أمواج اتصالات العدو، ثم يشن هجمات تشويش أو يحاول فك تشفيرها

الحرب الإلكترونية​

  • الهجمات الإلكترونية الذكية: يطور الذكاء الاصطناعي فيروسات متطورة تخترق أنظمة العدو بسرعة، مثل اختراق أنظمة الإمداد أو تعطيل شبكات الكهرباء والنقل، إلى جانب استهداف أنظمة عسكرية محضة.
  • الشائعات والأكاذيب: إنتاج مقاطع فيديو وصوت مزيفة لنشر التضليل. قد تبدو هذه المقاطع وكأن مصدرها جهات "محايدة" أو جهات يعتمدها العدو، وربما يتطلب ذلك اختراق أنظمة تلك الجهات حتى تنتشر المعلومة. وتستغل منصات التواصل الاجتماعي بيئة مناسبة لتعميم هذه الأكاذيب.
  • تحليل المشاعر: مراقبة معنويات الجنود والمدنيين في مناطق الحرب عبر تحليل تعابير الوجه وحركات الجسد في مقاطع الفيديو، والتعليقات المكتوبة، وما ينشر عن المدنيين والعسكريين في مناطق التوتر. يقدم الذكاء الاصطناعي تحليلات تستخدم لصياغة الشائعات والتصريحات الرسمية ومواد الإعلام.
  • البرمجيات الخبيثة التكيفية: يتعلم الذكاء الاصطناعي تكتيكات العدو الإلكترونية ويتكيف معها، فينتج فيروسات قادرة على تجاوز أنظمة الحماية عبر تجارب متكررة سريعة تعتمد على استجابة أنظمة العدو.
  • تشويش الاتصالات والرادارات: يستخدم الذكاء الاصطناعي مسحات واسعة لترددات البث بحثا عن أمواج اتصالات العدو، ثم يشن هجمات تشويش أو يحاول فك تشفيرها. ومع تطور التشفير، تصبح المهمة أصعب، وقد يلجأ الطرفان إلى حيل تمويهية (مثل إيهام العدو بأن التشفير مجرد طعم).
إذا توفر بحر من البيانات الموثوقة وخوارزميات متقدمة، كانت مخرجات الذكاء الاصطناعي دقيقة وتوقعاته شبه مؤكدة. وبالمقابل، إذا كانت البيانات شحيحة أو غير موثوقة، لا يمكن أن نعول على مخرجات نافعة

الأسلحة الذاتية والطائرات المسيرة​

  • الأسلحة ذاتية التحكم (AWS): طائرات مسيرة انقضاضية قادرة على تنفيذ هجمات دون تدخل بشري مباشر. مثال على ذلك طائرة HAROP الإسرائيلية الانقضاضية، التي تستعمل في ظروف بيئية صعبة وتظهر قدرة على المراوغة وانتظار الهدف. استخدمت مثل هذه الطائرات في صراعات عدة، ومنها مرتفعات ناغورني قره باغ.
  • حوامات الطائرات المسيرة (Swarms): ينسق الذكاء الاصطناعي هجمات جماعية بحيث تؤدي كل مسيرة دورا محددا ضمن سرب متكامل. يعتمد مبدأ الحوامة على قواعد سلوكية بسيطة (الفصل، الاصطفاف، والتقارب) مما يمنحها قدرات تتجاوز مجموع قدرات عناصرها الفردية، وتستخدم لتجاوز دفاعات العدو، كما في مشاريع أميركية متطورة.
  • المركبات القتالية غير المأهولة: نماذج مثل الروبوت الروسي Uran-9 يمكنها القتال بشكل شبه مستقل، وقد ظهرت في ساحة القتال لأول مرة في سوريا. هذه المركبات مزودة بأنظمة ذكاء اصطناعي تتخذ قرارات آنية مثل تجنب العوائق والتسديد صوب الأهداف.

اللوجيستيات واتخاذ القرار​

  • الصيانة التنبّئِية: يتنبأ الذكاء الاصطناعي بأعطال المعدات العسكرية قبل وقوعها من خلال نمذجة أداء المعدات، ومقارنة الحالة الواقعية بمؤشرات الأداء.
  • تحسين سلاسل الإمداد: إدارة توزيع الذخيرة والوقود والمعدات واختيار مسارات النقل الأمثل، اعتمادا على نماذج ذكاء اصطناعي.
  • دعم القرارات القتالية: مشاريع كـMaven تهدف إلى دمج بيانات ضخمة وتقنيات ذكاء اصطناعي؛ لتحسين العمليات واقتراح إستراتيجيات، مع إبقاء القرار النهائي للبشر بحسب تصريحات البنتاغون.

وضع القرار الإستراتيجي​

  1. تحليلات تنبّئِية لنتائج ساحات القتال.
  2. ألعاب حرب ونمذجة سيناريوهات مدعومة بالذكاء الاصطناعي.
  3. استخدام الواقع الافتراضي لتصميم تدريبات ذات طابع واقعي.
إعلان

الخيط الناظم لكل ما سبق هو البيانات ومعالجتها؛ فبدون بيانات (مكتوبة أو مسموعة أو مرئية أو مرصودة بأي طريقة أخرى) لا تستطيع نماذج الذكاء الاصطناعي التعلم ولا إجراء النمذجة والتوقع.
فالبيانات هي وقود الذكاء الاصطناعي، والخوارزميات هي آلياته. فإذا توفر بحر من البيانات الموثوقة وخوارزميات متقدمة، كانت مخرجات الذكاء الاصطناعي دقيقة وتوقعاته شبه مؤكدة.
وبالمقابل، إذا كانت البيانات شحيحة أو غير موثوقة، لا يمكن أن نعول على مخرجات نافعة.
تعتمد أنظمة الذكاء الاصطناعي بصورة أساسية على ما يصلها من بيانات، وهي لا تدرك السياق البشري كما البشر، لذا فهي فعالة إذا أحسن استخدامها، وقابلة للخداع إذا استغلت نقاط ضعفها

كيف يمكن خداع الذكاء الاصطناعي؟​

يتطور هذا المجال بالتوازي مع البرمجيات؛ إذ يحتاج مطورو الأنظمة إلى اختبار متانة برمجياتهم ومقاومتها للاختراق. كما تدخل تمارين الخداع ضمن تكتيكات الهجوم نفسها.
وتتفاوت أساليب الخداع بين تمويه العتاد (تغطيته بمواد ماصة للموجات أو التربة)، وإرسال إحداثيات GPS مزورة، وحتى خداع طائرات الاستطلاع كما طبقت إيران ذلك عام 2011. أمثلة أخرى تتعلق بصغر مقطع راداري للمسيرات الانتحارية يجعلها تبدو كطائر عادي.
تعتمد أنظمة الذكاء الاصطناعي بصورة أساسية على ما يصلها من بيانات، وهي لا تدرك السياق البشري كما البشر، لذا فهي فعالة إذا أحسن استخدامها، وقابلة للخداع إذا استغلت نقاط ضعفها.
يمكن إيجاز خطوات خداع الذكاء الاصطناعي في الحروب فيما يلي:
  • تحديد النظام المستهدف: جمع معلومات استخباراتية عن أنظمة ذكاء العدو- وهي المهمة الأصعب والأهم.
  • تحليل الثغرات: فهم نقاط الضعف في البيانات والخوارزميات؛ بهدف توجيهها أو تعطيلها.
  • اختيار الأسلوب المناسب: تضليل بصري، تزوير إشارات، هجمات سيبرانية… إلخ.
  • المدخلات الخادعة (Adversarial Inputs):
  1. أنظمة التعرف على الصور: يمكن إضافة تشويش خفي إلى الصور لجعل الذكاء الاصطناعي يخطئ في التصنيف (مثل جعل الدبابة تبدو كسيارة مدنية).
  2. تضليل المستشعرات: إرسال إشارات زائفة إلى الرادارات أو أجهزة الأشعة تحت الحمراء لإخفاء الأهداف الحقيقية
  • تسميم البيانات (Data Poisoning): حقن بيانات تدريب خاطئة لتشويه أنماط التعلم.
  • استغلال ثغرات النماذج: استهداف الحالات غير المألوفة (Edge Cases) بتكتيكات لم يتدرب عليها النموذج.
  • التضليل السلوكي: محاكاة سلوك غير مهدد لتجنب كشف الأنظمة (Mimicry) أو كسر الأنماط المتوقعة.
  • التضليل المادي: استخدام طعوم وأهداف وهمية وتطوير مواد تخفِي الإشارات الحرارية أو الرادارية.
  • التقييم والتكيف: مراقبة نتائج الخداع وتطوير الأساليب باستمرار.
إن خداع أنظمة الذكاء الاصطناعي في الحرب يتطلب فهما عميقا لنقاط ضعفها واستخداما ذكيا لتكتيكات تقنية وميدانية

كيف يقاوم الذكاء الاصطناعي الخداع؟​

مقاومة الخداع تتطلب تقنيات وإجراءات مضادة، نوجزها فيما يلي:
  • تدريب مضاد للتمويه (Adversarial Training): تدريب النماذج على اكتشاف التعارضات والتشويش والإنذار عند وجود مدخلات مشبوهة، وربط ذلك بتدخل بشري إذا لزم الأمر.
  • وجود عنصر بشري في حلقة القرار (Human-in-the-loop): ضروري خاصة في القرارات المصيرية.
  • دمج مصادر بيانات متعددة (Sensor Fusion): التحقق عبر مصادر مستقلة لتجنب الاعتماد على مصدر وحيد قد يكون مخدوعا.
  • قابلية تفسير القرار (Explainability): بناء أنظمة يمكن فهم قراراتها وتحليلها لضمان موثوقية النتائج.
إن خداع أنظمة الذكاء الاصطناعي في الحرب يتطلب فهما عميقا لنقاط ضعفها واستخداما ذكيا لتكتيكات تقنية وميدانية.
ومع ذلك، ينبغي موازنة هذه الأساليب بالاعتبارات الأخلاقية والقانونية لتجنب عواقب غير مقصودة. فالتطور المستمر في هذا المجال يجعل المواجهة معركة دائمة بين أدوات الذكاء الاصطناعي ومحاولات التغلب عليها، وهو امتداد للصراع الأزلي بين الخير والشر في قراءة سياسية-أخلاقية.
تدخلات الذكاء الاصطناعي الأخرى في الحروب، أغلبها قد يخضع لقوانين البيانات والأمن السيبراني، وبعضها يحتاج إلى قوانين جديدة لتنظيمه وضبط استخدامه بعدالة
وختاما، يمكن القول إن التفوق العسكري اليوم يبدأ من مختبرات الذكاء الاصطناعي: فالحرب الحقيقية أصبحت حرب بيانات ومعلومات قبل أن تكون حرب مدافع.
إعلان

وتظل الضوابط الأخلاقية والقوانين المنظمة لاستخدامات الذكاء الاصطناعي في الحروب حاجة ملحة للبشرية يجب سنها قبل فوات الأوان.
فالطائرات المسيرة بمفردها تطرح تحديات أمنية وأخلاقية كبيرة: فهي إما أسلحة (مثل HAROP) أو منصات لتوصيل الأسلحة، وفي كلتا الحالتين تجمع وترسل وتستقبل بيانات. فهل تطبَق عليها نفس مبادئ القانون الدولي؛ قواعد التمييز والتناسب وحظر الهجمات العشوائية؟
أما تدخلات الذكاء الاصطناعي الأخرى في الحروب، فأغلبها قد يخضع لقوانين البيانات والأمن السيبراني، وبعضها يحتاج إلى قوانين جديدة لتنظيمه وضبط استخدامه بعدالة.
وتبقى أنظمة الأسلحة الذاتية أخطر مظاهر الذكاء الاصطناعي في الحروب، ويجب على المجتمع الدولي إنشاء إطار قانوني دولي يضمن بقاء السيطرة البشرية دائما عليها، بحيث لا تختار أهدافها بشكل مستقل، ولا تضغط زناد الدمار دون إذن الإنسان.
 
عودة
أعلى