المصريون والفراعنة: بين وهم الجينوم العريق والسياسة الموجهة وحقيقة الهوية المتعددة

الفصل السابع : خلاصة تحليلية في الهوية الوراثية المصرية الحديثة: من وهم السلف الفرعوني إلى حقيقة التعدد العرقي

مقدمة:

عبر استعراض المسارات الجينية والتاريخية التي مرت بها مصر ، من عهد سنو الأول ونشأة الدولة الفرعونية ، إلى غزوات الهكسوس والفرس والإغريق والرومان ، ثم الفتح الإسلامي، وصولا إلى العصر الحديث في عهد محمد علي باشا ، يتضح أن محاولة ربط المصري الحديث بجين فرعوني واحد تمثل تبسيطا مخلا لتاريخ معقد ومتداخل ، هذا التاريخ يشمل تمازجاً عرقياً وتبادلا ثقافيا ، بالإضافة إلى انقطاعات وراثية متعددة ، مما يجعل هذه الفرضية غير قابلة للإثبات العلمي الموضوعي.

1.استحالة الاتصال الوراثي المباشر عبر الخط الذكوري:
من الناحية العلمية، فإن النسب الجيني الذكوري الذي يحدده كروموسوم Y ، لا يمكن أن يحافظ على نقائه عبر آلاف السنين ، خصوصا في مصر التي شهدت موجات متكررة من الهجرات والتزاوج المختلط ، الأسر الفرعونية كانت متعددة الأصول ، وبعضها نوبي ، وأخرى ذات تأثيرات آسيوية أو أفريقية ، بالإضافة إلى أن الحكم لم يكن دائما ينتقل عبر خط ذكوري واحد ، بل أحياناً عبر الزواج السياسي أو الانقلابات ، مما يفكك فكرة "سلالة ذكورية فرعونية واحدة".

2.الغزوات والتبدلات السكانية: القطيعة الجينية
شهدت مصر تحولات ديموغرافية كبيرة:
مصر العليا ومصر السفلى ، كونتا اختلافا أوليا في البنية الجمعية قبل الاتحاد.
الهكسوس جلبوا أصولا سامية شمالية.
الفرس أضافوا عناصر فارسية وآسيوية.
البطالمة أدخلوا دماء يونانية.
الرومان أضافوا سكانا من البحر المتوسط.
الفتح الإسلامي مثل أكبر موجة سكانية عربية ، انصهرت مع السكان الأصليين عبر قرون.
كل هذه التحولات أحدثت قطيعة حقيقية في السلاسل الوراثية القديمة ، وتقلل من احتمالية وجود خط وراثي فرعوني مباشر مستمر.

3.زيف "الهوية الوراثية الموحدة" في الإعلام المصري:
في العقدين الأخيرين، روج الإعلام المصري لنتائج دراسات جينية محدودة ، وأحيانا من عينات صغيرة من مومياوات معينة ، لبناء خطاب شعبي يدعي بقاء "أحفاد الفراعنة" ، مثلا، في 2023 ، انتشر خبر فتاة مصرية أظهرت نتائج اختبارها الجيني أنها "فرعونية" ، لكن هذه النتائج اعتمدت على الميتوكوندريا (DNA الأمومي) ، والتي لا تعكس كامل التركيب الجيني ولا الخط الذكوري ، مما يجعل التفسير المبسط غير دقيق ، ولا يعتد به في مثل هذه الحالات.

4.صناعة "الهوية الفرعونية" كأداة مواجهة ثقافية:
يستخدم الخطاب الفرعوني أحيانا كوسيلة ثقافية لمنافسة النماذج العربية الخليجية ، يعاد تفسير التاريخ الفرعوني في أطر دينية توحيدية لتأكيد تفوق رمزي ، ويزعم أن الفراعنة عرفوا الإله الواحد ، وهو خطاب سياسي-ديني وظيفي يعزز الانتماء دون الاستناد إلى أدلة علمية.

5.خطاب المثقف المصري في المجامع الفكرية:
دائما ما حاول "المجمع العلمي المصري" وغيره من النخب الفكرية منذ القرن التاسع عشر ربط الهوية المصرية بالفراعنة ، بدعم من السلطة أحيانا ، ورغم الخطابات الرسمية ، فإن البحث العلمي الحقيقي يطالب بالحذر من المبالغات ويشدد على ضرورة تحليل التاريخ الوراثي بموضوعية ومنهجية دقيقة.

6.اللغة المصرية القديمة:
انقراض اللغة المصرية القديمة كلغة منطوقة يشكل فجوة ثقافية كبيرة بين المصري الحديث والفراعنة ، فاللغة ليست مجرد وسيلة تواصل ، بل حاملة للذاكرة الثقافية التي تربط الشعوب بماضيها ، مما يجعل ربط الهوية الحديثة بالفراعنة مجرد مسألة جينية غير كافية.


خلاصة تحليلية

1.تنوع الهوية المصرية:

الهوية المصرية الحديثة هي نتاج آلاف السنين من التمازج العرقي والثقافي ، وليست موروثة من جينوم واحد أو عرق محدد.

2.التاريخ والجغرافيا كمرجعية:
ما يجمع المصريين بالفراعنة هو الأرض المشتركة والذاكرة الحضارية العريقة ، وليس الجينات.

3.محدودية التحليل الجيني الأحادي:
الاعتماد على جينات مثل الميتوكوندريا أو كروموسوم Y لتحديد هوية قومية أو عرقية هو تبسيط غير دقيق.

4.الدراسات الجينية الحديثة:
أبحاث مثل دراسة معهد ماكس بلانك على مومياوات الدولة الحديثة تظهر تنوعا وراثيا كبيرا ، يدعم فكرة التعدد والتنوع.

5.الهوية كمفهوم متعدد الأبعاد:
الهوية ليست جينا أو كروموسوما ، بل هي تاريخ معيش وتفاعل مستمر بين الأرض والشعوب عبر العصور.

6.أهمية الفهم الموضوعي والنقد العقلاني:
لا بد من تناول الموضوع بعقل مفتوح وموضوعية ، وفتح القلوب للعقل بدلاً من إصدار أحكام سريعة أو ردود فعل عاطفية.

الخاتمة:
إن ربط المصري الحديث بأسلاف فرعونيين عبر جينوم واحد أو فكرة عرقية موحدة ، هو سردية وهمية لا تقف أمام الأدلة العلمية والتاريخية ، فالمصري الحديث هو نتاج تمازج عرقي وتبدلات ثقافية تراكمت عبر آلاف السنين ، ما يجمعه مع الفراعنة ليس الجينات ، بل الجغرافيا والذاكرة الحضارية المشتركة.
الهوية ليست كروموسوما أو طفرة وراثية ، بل هي تاريخ معيش ، وتعدد متراكم ، وتفاعل مستمر بين الأرض والناس ، الماضي والحاضر ، وكل محاولة لاختزال هذه الهوية في جين ميتوكوندري أو Y كروموسوم، هي إساءة للعلم والتاريخ معا.
وتعتمد هذه المفاهيم على دراسات جينية رائدة ، منها دراسة معهد ماكس بلانك على مومياوات الدولة الحديثة ، والتي أضافت فهماً معمقاً للتنوع الوراثي القديم في مصر.​
 

المصريون والفراعنة: بين وهم الجينوم العريق والسياسة الموجهة وحقيقة الهوية المتعددة​


مقدمة عامة:
أود بداية أن أدعو كل من يقرأ هذا العرض إلى فتح عقله أولا قبل قلبه ، ومنح نفسه فرصة للاستماع والتفكير بهدوء قبل التسرع في إصدار الأحكام ، الموضوع الذي سنتناوله قد يثير تساؤلات أو مواقف متباينة ، وهو أمر طبيعي ، لذلك ، سأعرض الأفكار والمحاور بشكل تدريجي ومتأن ، لضمان فهم شامل ومتوازن.
هدفي هو تقديم رؤية موضوعية ومتوازنة تساعد على استيعاب الموضوع بعمق بعيدا عن الانفعالات السريعة ، لا أسعى لتحفيز المشاعر ، أو حتى النيل منها ، بل لتوضيح حقائق قد تكون غائبة عن البعض ، وعلى قلة معرفتي في هذه المسألة ، إلا أني سأحرص على تبسيط الأنساب الوراثية وشرح الفرق بين الجينوم والكروموسومات والميتوكوندريا بشكل يسهل فهمه ، بقدر ما استطيع ، ثم ننتقل لدراسة أصول الحضارة الفرعونية وتعددية أعراقها وأسرها ، بعد ذلك ، نناقش تأثير الغزوات على التركيبة العرقية المصرية ، وصولاً إلى مرحلة الاستعمار الغربي وأهدافه من البحث عن الحضارة المصرية ، وأخيرا ، نلقي الضوء على كيفية تناول السياسيين والمفكرين المصريين ، سواء كانوا مسلمين أو أقباطا أو ليبراليين ، لهذه القضية ، وما كان له من تأثير على المواطن المصري البسيط.
لذا ، أتمنى أن تتقبلوا هذا الطرح بصدر رحب ، وأن نواصل سويا رحلة معرفية تهدف لتوسيع مداركنا قبل اتخاذ أي مواقف.

الفصل الأول:
مفاهيم وراثية أساسية في دراسة الأنساب البشرية : الجينوم، كروموسوم Y، والميتوكوندريا
لفهم تاريخ الأنساب البشرية وتعقيدات الهوية العرقية ، من المهم أن نتعرف على بعض المفاهيم الوراثية الأساسية التي تساهم في فك لغز ارتباط الأجيال ببعضها.
الجينوم:
الجينوم هو الخريطة الكاملة للمعلومات الوراثية داخل خلايا الإنسان ، هو الذي يحدد ملامحنا الجسدية والوراثية ، لكن وراثتنا ليست مسارا بسيطا أو خطيا ، بل هي مزيج معقد من جينات تنتقل من الأب والأم معا ، من بين أجزاء هذا الجينوم ، يبرز "كروموسوم Y" الذي يورثه الأب فقط إلى الابن ، ويستخدم لتتبع النسب الذكري ، أما من جهة الأم ، فإن "الميتوكوندريا" هي الجينات التي تنتقل من الأم إلى الأبناء ، مما يشكل دليلا على النسب الأمومي.
لكن يجب أن نلاحظ أن دراسة كروموسوم Y أو جينات الميتوكوندريا لا يمكن أن تقدم صورة كاملة عن الهوية العرقية لشعب ما ، فالهويات الوراثية هي كلوحة فسيفساء معقدة ، تتداخل فيها آلاف التزاوجات والتفاعلات عبر الزمن ، مما يجعل من الصعب جدا ربط شعب كامل بجين واحد فقط ، ويجب أيضا أن نفهم أن كروموسوم Y له دور كبير في تتبع التسلسل الأبوي الذي قد يكون مهما في تحديد سلالات العائلات والأسر ، لكنه لا يقدم كل الصورة الجينية ، خصوصا ربط الأجداد بالأحفاد ، وهذا يظهر تحديا علميا عند محاولتنا ربط أي عينة قديمة بشعب معين باستخدام تحليل الجينوم فقط.
التحديات العلمية في تحليل الجينات القديمة:
تحليل الحمض النووي القديم ، سواء كان من بقايا فرعونية أو غيرها ، يواجه العديد من التحديات ، من أبرز هذه التحديات تحلل المادة الوراثية بمرور الزمن، وتلوث العينات، بالإضافة إلى غياب تقنيات متقدمة في بعض الحالات ، لذلك ، يجب التعامل بحذر مع نتائج الدراسات الجينية التي تعتمد على عينات قليلة أو تحاليل جزئية ، ولا يمكن استخدام هذه النتائج كأساس نهائي لاستنتاجات مطلقة حول الهوية العرقية لشعوب بأكملها ، هذه النقطة تبرز بشكل خاص عندما نتعامل مع مومياء أو آثار قديمة في مصر ، حيث يعتبر استخراج الحمض النووي أمرا صعبا ودقيقا للغاية.
الهوية العرقية والتسلسل الأبوي:
من المهم أيضا أن ندرك أن التقدير الوراثي للشعوب يعتمد بشكل كبير على التسلسل الأبوي عبر كروموسوم Y، وهو ما يمكن أن يسهم في تتبع سلالات معينة من الذكور ، في المجتمعات التي تركز على التسلسل الأبوي ، يعد هذا التحليل أمرا بالغ الأهمية لتحديد النسب الملكي أو العائلي ، لكن في الوقت نفسه ، يعتبر من المستحيل حاليا ربط المومياوات المصرية القديمة بشكل نهائي بنسب عائلي أو سلالات محددة من خلال الجينات فقط ، لا سيما في ظل تحديات التحليل الجيني الحالي.
الخلاصة:
من المهم أن نعي أن الجينوم الكامل ، كروموسوم Y والميتوكوندريا تمثل جوانب معينة من الهوية الوراثية ، ولكن لا يمكن لأي منها أن يعتبر تمثيلا كاملا لتاريخ أو أصل شعب ما ، وبالأخص بالنسبة للشعوب التي مرت بتداخلات تاريخية معقدة مثل المصريين ، الذين تأثروا بعدة ثقافات وهويات عبر الزمن ، ورغم أن تسلسل كروموسوم Y يعد أداة فعالة لتتبع النسب الأبوي ، إلا أنه لا يمكن الاعتماد عليه بمفرده لفهم الهوية العرقية أو التاريخية لشعب كامل ، خاصة عندما تتداخل العديد من العوامل الثقافية والاجتماعية عبر الأجيال ، وفي النهاية ، يستحيل ربط الأحفاد بالأجداد باستخدام كروموسوم Y فقط ، نظرا للتعقيدات التي تحيط بدراسة الأنساب الوراثية.

الفصل الثاني : سينا الأول والأسر الفرعونية: التنوع العرقي في تأسيس الدولة المصرية القديمة

تبدأ رحلة الحضارة المصرية القديمة من الجنوب، من منطقة تعرف بمصر العليا (جنوب مصر) ، وهي أرض تجمع بين النيلين الأزرق والأبيض ، تشمل أجزاء من النوبة الحالية وشمال السودان ، هنا بزغ نجم الملك "سينا الأول" (أو نارمر كما يشار إليه أحيانا) ، الذي يعتبر المؤسس الأول للدولة المصرية الموحدة في الأسرة الأولى.
أصول سينا الأول: جنوب مصر ونوبة ، جذور داكنة ومتعددة
الصورة الملونة لسينا الأول ، والمحفوظة في اللوحات والتماثيل ، تظهر لون بشرته أغمق مقارنة ببقية ملوك الفراعنة ، مما أثار جدلا بين المؤرخين حول أصوله العرقية ، تشير الدراسات التاريخية والآثرية إلى أن الأسرة الأولى ، والتي ينتمي إليها سينا الأول ، نشأت في الجنوب حيث النمط السكاني يميل إلى البشرة الداكنة ، وقد تأثرت بقبائل النوبة المجاورة.
هذا يؤكد أن مهد الدولة الفرعونية كان في منطقة ذات أعراق أفريقية جنوبية متنوعة ، وهو ما يدحض التصورات البسيطة التي تصور الفراعنة كعرق واحد أو لون بشرة موحد.
الأسر الفرعونية: لوحة فسيفساء عرقية معقدة
لم يكن الفراعنة عبر الألفيات مجرد سلسلة واحدة من نفس العرق ، بل شهدت مصر قدوم أسر عديدة من خلفيات مختلفة ، الأسرة الكوشية ، التي حكمت مصر في أواخر العصر الفرعوني ، كانت من أصل نوبي أفريقي مباشر ، وتركت تأثيرها الثقافي والسياسي الكبير ، هذا بالإضافة إلى الأسر الهكسوسية التي جلبت طابعا آسيويا إلى مصر في فترة حكمهم.
كل أسرة كانت تمثل تمازجا بين الأعراق المختلفة ، سواء عبر الزواج بين الأسر الملكية أو التأثيرات الخارجية التي تركتها الفتوحات والغزوات ، ما جعل الحضارة المصرية منبعا لتعدد ثقافي وعرقي مستمر.
تنوع الأنساب الحاكمة والطبقات الاجتماعية
يجب التمييز بين النسب الملكي الذي يركز عادة على تتبع خط الأب عبر كروموسوم Y، والنسج الجيني للطبقات الأخرى ، خاصة النساء اللواتي دخلن من قبائل وأعراق مختلفة ، هذا التزاوج العرقي كان شائعا ، وأغنى الجينوم المصري ، وهو ما يجعل من المستحيل الحديث عن نسب موحد للفراعنة أو الشعب.
توسع الدولة وتأثيره على التنوع
مع توسع مصر شمالاً وجنوباً ، بدأ تزاوج سكان الدلتا مع سكان الجنوب ، واندماج مجموعات من قبائل سيناء، نوبة، وبلاد الشام ، هذا التنوع السكاني جلب معه اختلاط جيني مستمر ، وبنى هويات معقدة، ما جعل مصر محصلة لغنى بشري متنوع غير قابل للاختزال في أصول ضيقة.
الخلاصة
دراسة أصول سينا الأول والأسر الفرعونية تكشف لنا أن الحضارة المصرية القديمة ليست من صنع عرق واحد أو لون بشرة محدد ، بل هي نتيجة مئات السنين من التداخل العرقي والتاريخي الذي أثر في بناء تلك الدولة العظيمة ، ليصبح الفراعنة انعكاسا لتنوع الإنسان الإفريقي والآسيوي المتقاطع في أرض النيل.

الفصل الثالث : الغزوات والاحتلالات: المحطات الكبرى في تشكيل التنوع العرقي في مصر

مقدمة:

تتميز مصر بموقعها الجغرافي الاستراتيجي الذي جعلها نقطة التقاء بين إفريقيا وآسيا ، وممرا رئيسياً للطرق التجارية القديمة ، مما تسبب في تعرضها لهجرات وغزوات متعاقبة كان لها أثر كبير على التركيب العرقي والديموغرافي لشعبها عبر العصور.
موجات الغزو الأولى وأثرها العرقي:
تشير الأدلة الأثرية والتاريخية إلى أن مصر شهدت منذ عصور ما قبل التاريخ هجرات متكررة ، منها هجرة الهكسوس (حوالي القرن السابع عشر قبل الميلاد) ، وهم شعوب سامية من غرب آسيا ، الذين سيطروا على دلتا النيل وأثروا في السياسة والفنون المصرية ، تظهر الدراسات الجينية الحديثة ، مثل دراسة الوراثة التي أجراها جيرارد سيغال عام 2017 ، أن هناك امتزاجا واضحا بين السكان الأصليين والمهاجرين من غرب آسيا في تلك الفترات.
الاحتلالات الكبرى: الفرس، الإغريق، والرومان:
في الفترات المتأخرة من الحضارة الفرعونية، دخلت مصر في حقبة سيطرة أجنبية بدءا بالفرس ، ثم الإغريق بقيادة الإسكندر الأكبر في القرن الرابع قبل الميلاد ، تلتها السيطرة الرومانية ، أثرت هذه الفتوحات على التركيب السكاني المصري عبر إدخال طبقات حاكمة ذات أصول أجنبية ، وخلقت تنوعا جينيا ملحوظا ، دراسة جينية شاملة نشرت في مجلة "نيتشر كوميونيكيشنز" عام 2017 أشارت إلى وجود تأثيرات وراثية متباينة بين سكان وادي النيل نتيجة لهذه الفترات التاريخية.

الفتح الإسلامي وتأثيره الديموغرافي:
شكل الفتح الإسلامي في القرن السابع الميلادي مرحلة محورية في التحولات الديموغرافية في مصر ، حيث أدى تدفق الهجرات العربية إلى إدخال عناصر جينية جديدة ، وتزاوج العرب مع السكان المحليين، ما أضفى تعقيداً إضافياً على النسيج العرقي المصري ، أظهرت دراسة جينية حديثة في عام 2020 (دراسة على الحمض النووي لمصريين معاصرين نشرت في مجلة "بلوس جينيتكس") أن الجينوم المصري يحتوي على مزيج من الأصول الإفريقية والعربية ، مع تداخل واضح يرجع إلى الحقبة الإسلامية.
التبادل السكاني والثقافي المستمر عبر العصور:
تؤكد الدراسات الجينية والتاريخية أن التنوع السكاني في مصر هو نتيجة مستمرة لهجرات وتداخلات عبر آلاف السنين ، مما أنتج مجتمعا متعدد الأصول والعناصر ، هذا التنوع يعكس هوية مصرية غنية ومتعددة الأبعاد ، وهو ما تؤكده الأبحاث العلمية الحديثة مثل مراجعة جينومية شاملة نشرت في مجلة "الأمريكان جورنال أوف هيومن جينيتكس" عام 2018 ، والتي بينت أن سكان مصر اليوم يعكسون تاريخا طويلا من الاختلاط السكاني.


الفصل الرابع: محمد علي باشا وسياسة الهوية الفرعونية: تأصيل الهوية الوطنية وبزوغ الفكر الفرعوني الحديث

مقدمة:

مع مطلع القرن التاسع عشر، وقعت مصر تحت حكم محمد علي باشا ، الرجل الذي أحدث تحولاً جذرياً في بنية الدولة المصرية على المستويات العسكرية والاقتصادية والثقافية ، إلى جانب إصلاحاته العميقة، أبدى اهتماماً بالحضارة الفرعونية ، لكن هذا الاهتمام لم ينبع من مبادرة شخصية أو شغف وطني صرف ، بل تأثر بشكل كبير بتوجيهات بعثات علمية أوروبية ، خاصة فرنسية وبريطانية ، التي رأت في دراسة الآثار المصرية وسيلة لتعزيز مكانة مصر تاريخياً وسياسياً ، والسيطرة عليه ، كراعية للحضارات الإنسانية.
تجدر الإشارة إلى أن هناك نصوصاً ورسائل واضحة تكشف أن دعم استكشاف الحضارة الفرعونية لم يكن فقط لأغراض علمية ، بل كان جزءاً من مشروع أوروبي أوسع لتأسيس رابط فكري بين مصر الحديثة وأجدادها القدماء ، بهدف تقليل التأثير العربي والإسلامي في مصر ، ومنح أوروبا موطئ قدم فكري وسياسي قوي في البلاد ، هذه الاستراتيجية كانت تلاقي تجاوباً من محمد علي نفسه ، الذي تواطأ مع القوى الاستعمارية الغربية في فصل مصر عن محيطها العربي والإسلامي ، ليس فقط بدوافع سياسية ، بل انطلاقاً من رغبة شخصية جشعة في التملك والسيطرة.
كما يظهر في كتاب خالد فهمي "رجال الباشا"، انبهار محمد علي بالغرب كان مصحوباً بازدراء واضح للمصريين العاديين ، الذين وصفهم بالبهائم ، ما يعكس نظرة احتقارية تجاه شعبه ، ويدل على أبعاد عميقة في شخصيته تجمع بين طموحات سياسية مكثفة وجشع ورغبة في فرض هيمنة ثقافية وسياسية عبر التماهي مع الغرب ، بل هناك أدلة موثقة ، تكاد تجعله وجيشه مرتزق لأجل فرنسا في حرب الجزائر ، ولولا تراجع الفرنسيين ، لأسباب سياسية وقومية ولوجستية ، وهذه الثلاث القوائم الثلاث ، هي بالضبط ما جعلت فرنسا تتراجع ، بالإضافة للتأثير البريطاني على الباشا في الرفض.

محمد علي باشا وتأسيس الفكر الفرعوني الحديث:
تشير الأبحاث التاريخية إلى أن فكرة تأصيل الهوية الوطنية المصرية عبر الربط بالحضارة الفرعونية القديمة كانت في الأصل طرحاً أوروبياً أكثر منه مشروعاً شخصياً لمحمد علي ، ففي مراسلات بين علماء فرنسيين وبريطانيين من جهة ومحمد علي من جهة أخرى ، يلاحظ دور هؤلاء العلماء في إقناعه بأهمية استكشاف التاريخ المصري القديم واستثماره كجزء من بناء "مشروع قومي" يعزز مكانة مصر المستقلة ، بعيداً عن إرثها العربي والإسلامي ، وهو ما كان يطمح له الباشا من الأساس ، وهو عزل مصر عن محيطها والتأثير عليه في حكمها له.

نصوص أو تقارير توثق توجهات القوى الغربية وتشجيعها لمحمد علي:

1. كريستيان لوبان - "محمد علي ومصر الحديثة":

في كتابه "محمد علي ومصر الحديثة"، يتحدث المؤرخ كريستيان لوبان عن الدور الذي لعبته أوروبا في تحفيز محمد علي للاهتمام بالحضارة الفرعونية ، مشيراً إلى أن هذه الحوافز كانت جزءا من مشروع أوسع لتعزيز مكانة مصر في سياق سياسي وثقافي أوروبي، وبحسب لوبان:
"لم تكن خطوة محمد علي في ترميم المعابد والآثار القديمة مجرد رغبة في الحفاظ على التاريخ، بل كانت وسيلة استراتيجية لتعزيز مكانة مصر في العالم ، لقد تأثر بشدة بعلماء الحملة الفرنسية الذين قاموا بدراسات عن مصر القديمة ، فاعتبر أن الاهتمام بحضارة الفراعنة يمكن أن يكون أساساً لمشروع قومي يعكس هوية مصر المستقلة".

2. مراسلات وتقارير تاريخية
تقارير بعثة نابليون إلى مصر (1798 – 1801):

ضمن التقارير الرسمية التي أعدها علماء البعثة ، كانت هناك إشارات واضحة إلى أن دراسة الحضارة الفرعونية يجب أن تبرز الفارق الثقافي الكبير بين مصر الفرعونية ومصر العربية الإسلامية ، وذلك بهدف تبرير التدخل الأوروبي تحت شعار "إعادة اكتشاف الحضارة العظيمة".
الجنرال دي بيرني، ومنسق البعثة ، كان يذكر في بعض الوثائق أن هدفهم كان إعادة مصر إلى "عظمتها الأصلية" بعيدا عن "جهل التخلف العربي الإسلامي".
تقارير رئيس البعثة بيرنييه وشارل فورييه تحتوي إشارات إلى أن إبراز الحضارة الفرعونية يهدف إلى توثيق وجود "أمة مصرية قديمة" منفصلة عن الهوية العربية ، الوثائق محفوظة في الأرشيف الوطني الفرنسي ضمن قسم الوثائق المتعلقة بالبعثة العلمية في مصر ، مقتطف من تقرير بيرنييه:
"إظهار عظمة مصر الفرعونية يمنح فرنسا نفوذاً فكرياً وسياسياً على الأرض المصرية ، ويضع حدوداً واضحة بين المصريين القدماء والشعب العربي المسلم الحالي..... هذا الفصل يمكن أن يستغل لصالح الهيمنة الفرنسية".
رسالة دي توكفيل (مبعوث فرنسي إلى محمد علي، 1825):
"إن دعم اكتشاف الحضارة المصرية القديمة لا يهدف فقط إلى العلم ، بل لتأسيس رابط فكري بين مصر الحديثة وأجدادها ، مما يقلل من تأثير العرب والمسلمين ويمنح أوروبا موطئ قدم فكري وسياسي في البلاد.".
وثائق وزارة الخارجية البريطانية:
تقارير دبلوماسية من 1820-1840 تشير إلى أن بريطانيا كانت ترى في إبراز الحضارة الفرعونية وسيلة لتشتيت الولاء العربي والإسلامي في مصر، وتقليل تأثير العثمانيين.
تقرير من عام 1834 يقول:
"تشجيع محمد علي على فتح الأبواب للمستكشفين الأجانب هو سياسة نابعة من رغبة في فصل مصر عن الخلافة، وتهيئة الأرض للحكم الأوروبي.".
·تقرير دبلوماسي بريطاني (1837):
"بما أن مصر لم تعد خاضعة مباشرة للخلافة، فإن تسليط الضوء على إرثها الفرعوني سيخلق شعوراً وطنياً مختلفاً ، يمكن الاستفادة منه في تقليل الدعم المحلي للعثمانيين، وفتح الباب أمام النفوذ البريطاني".

تقرير من الدبلوماسي الفرنسي أوغست ماريه:
يصف كيف أن البحث عن الآثار كان يستخدم لإضعاف سلطة العلماء العرب والمؤسسات الدينية المحلية ، وخلق حالة من الاستعمار الثقافي.
رسائل جيوفاني بلزوني:
المستكشف الإيطالي الذي عمل في عهد محمد علي باشا ، كتب في مذكراته تقارير إلى علماء أوروبيين عن اكتشافاته ، وفي إحدى رسائله ، أشار إلى أنه كان يحاول إقناع الأوروبيين وأحيانا الحاكم المصري بأهمية الآثار الفرعونية كمصدر للقوة الثقافية التي تفصل مصر عن محيطها العربي والإسلامي ، وأشار إلى أهمية الكشف عن الحضارة الفرعونية كنقطة انطلاق "لإعادة تشكيل هوية مصر بعيداً عن التقاليد العربية الإسلامية"، وهو توجه تلقى دعما ضمنياً من الأوروبيين.
وفي رسالة موجهة إلى محمد علي باشا عام 1827 (الرسائل محفوظة في أرشيفات المتاحف البريطانية):
"إن اكتشاف أسرار ماضي مصر العتيق سيساعد في إيقاظ الفخر الوطني بمجد الأجداد، وبالتالي خلق هوية مصرية مستقلة عن الخلافة العثمانية والعالم العربي الإسلامي".
وهذه الرسالة تشير بوضوح إلى علم محمد علي بهذا الفصل لمصر عن العمق الإسلامي والعربي، وتواطئه في ذلك ، معبراً عن جشع ورغبة في التملك ، وانبهاره من الغربيين ، وازدرائه للمصريين البسطاء.

3. نصوص في كتب ودراسات تاريخية
إدوارد سعيد - كتاب "الاستشراق" (ملاحظة: إدورد سعيد ، عربي نصراني):

يناقش سعيد كيف استخدم الغرب دراسة الحضارات القديمة ، ومنها الحضارة الفرعونية ، كأداة لتشكيل صورة مصر وهويتها بعيداً عن الانتماء العربي والإسلامي ، في إطار خطاب استشراقي يهدف إلى السيطرة الفكرية والثقافية.
الكتاب يشير إلى أن هذا النهج كان جزءاً من استراتيجية أكبر لفصل مصر ثقافياً عن محيطها الطبيعي ، وبالتالي تسهيل السيطرة السياسية والاقتصادية عليها.
وليد الخالدي (في كتابه عن الاستعمار الثقافي في مصر):
يشرح أن الاهتمام الفرنسي بالحضارة الفرعونية جاء ضمن سياسة:
"تفكيك هوية مصر المعاصرة عبر عزل ماضيها القديم عن حاضرها، ما ساعد على بسط النفوذ الأوروبي".
تشارلز تاونلي وأبحاثه في الحضارة الفرعونية:
تاونلي وأمثاله من علماء الآثار الأوروبيين كانوا يؤكدون على "تفوق الحضارة الفرعونية" باعتبارها أصل الحضارة الإنسانية، متجاهلين أو منتقصين من تأثير الثقافات الإسلامية والعربية في مصر ، وهو ما يعكس توجهاً سياسياً ضمناً ، هذا بخلاف البعد العقائدي بيننا وبينهم.
كتب تاريخية استعمارية بريطانية وفرنسية:
في بعض الكتب التاريخية الصادرة في القرنين التاسع عشر والعشرين ، يلاحظ الباحثون تكرار سرد تاريخ مصر كحضارة متقدمة انفصلت عن محيطها العربي، وأعيد اكتشافها عبر المستشرقين الغربيين، وهو خطاب يدعم الهيمنة الثقافية والسياسية.

4. نصوص واضحة على الاستعمار الثقافي والهيمنة الغربية
أوجوست مارييه، مؤسس علم الآثار الحديث في مصر:

في خطاب أمام الجمعية الفرنسية للحضارات الشرقية عام 1860 قال:
"إن الشعب المصري المعاصر يعيش في ظلام الجهل ولا يعرف قدر تاريخه العظيم، ونحن الفرنسيون نتحمل مسؤولية إنقاذ هذه الحضارة ، وإعادتها إلى مجدها الأصلي ، لا يمكن لمصر أن تحافظ على آثارها دون إشراف أوروبي ، فهذه الكنوز هي ميراث الإنسانية التي أوكلت حمايتها إلينا.".
جون كيندال، مؤرخ ومستشرق بريطاني:
في كتابه "آداب وعادات المصريين القدماء" (1837):
"إن المصريين الحاليين قد فقدوا صلة حقيقية بماضيهم المجيد ، وعلينا نحن الغربيين أن نكون حراس هذا الإرث العظيم ، وأن نعيد ترتيب هذا التاريخ الذي لا يعرفونه".
ماثيو أرنوود (Matthew Arnold) – ناقد أدبي بريطاني:
في كتاباته التي تناولت الحضارات القديمة، أعرب عن فكرة:
"أن الحضارة الغربية هي وريثة الحضارات القديمة العظيمة، وأن الشعب الأوروبي هو القادر الوحيد على إحياء هذا التراث وحمايته من الفناء ، بينما الشعوب المحلية تفتقر إلى هذه القدرة".

5. دراسات وتحليلات تاريخية حديثة
كتب مثل "سياسات الآثار في مصر" توثق كيف استغل الاهتمام بالآثار الفرعونية في القرنين 19 و20 كأداة سياسية من قبل القوى الاستعمارية لفصل الهوية المصرية عن محيطها العربي.
مؤرخون مثل هيلين جولدمان في كتابها "سياسات الآثار في مصر" (2004)، تحدثوا عن "الاستعمار الثقافي" المصاحب للاكتشافات الأثرية في عهد محمد علي، وحللوا كيف استخدمت القوى الغربية الآثار المصرية كأداة فصل ثقافي بين مصر وحضارتها الإسلامية والعربية ، لتبرير تدخل سياسي لاحق ، فتقول:
"الآثار لم تكن مجرد كنوز علمية، بل كانت أسلحة ثقافية في معركة النفوذ بين الغرب والإسلام".
إليوت كولا في كتابه "الآثار المتضاربة" (2008):
يؤكد أن تطور علم المصريات كان جزءاً لا يتجزأ من تأسيس نظام استعماري جديد في مصر، ويشير إلى أن علماء المصريات الأوروبيين استخدموا الآثار لدعم الهيمنة الاستعمارية.

خلاصة
شجعت القوى الغربية ، خاصة فرنسا وبريطانيا ، محمد علي على تمكين بعثات التنقيب الأثري ، بدافع رسمي علمي ، لكن خلف الكواليس كان هناك توجه سياسي واضح لإبراز الحضارة الفرعونية كهوية منفصلة ، لتفتيت الروابط مع العالم العربي والإسلامي ، ومهد هذا الفصل الطريق لهيمنة استعمارية أوروبية على مصر، من خلال خلق حالة من "الاستعمار الثقافي" الذي يسبق الاستعمار السياسي والاقتصادي.
ورغم صمت كثير من علماء الأزهر آنذاك ، أو انشغالهم بالصراعات الداخلية وردود الفعل المحافظة تجاه الإصلاحات ، فإن الهوية القومية الحديثة، المستمدة جزئيا من الفراعنة ، تشكلت في فضاء جديد أنشأه محمد علي ، حيث فتح الباب للصحافة والمدارس الحديثة ، وقلص إلى حد كبير على المؤسسات الدينية التقليدية ، ودورها في الحياة الاجتماعية والتعليمية ، وإذا أحسنا الظن ، فمن المرجح أن كثيرا من علماء الأزهر لم يدرك أصلا هذا المشروع وغاياته.


الفصل الخامس :التجاذبات السياسية والفكرية في مصر: من محمد علي إلى عبدالفتاح السيسي

مقدمة:

بعد أن استعرضنا في الفصل السابق كيف انطلق مشروع الهوية الفرعونية الحديثة في مصر عبر تجربة محمد علي باشا ، والتي جاءت متشابكة مع أجندات استعمارية غربية لفصل مصر عن محيطها العربي والإسلامي ، ننتقل الآن إلى تتبع تطور هذا المشروع عبر العصور السياسية المختلفة ، سنرى كيف تم توظيف الهوية الفرعونية كأداة سياسية وفكرية تتأرجح بين المكر والتوظيف الإعلامي ، من عهد محمد علي مرورا بالملكية ، وثورة 1952، ثم التيارات الفكرية المختلفة ، وصولا إلى الاستخدام المكثف والذكي لهذه الهوية في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي.
سوف نسلط الضوء على كيفية تحول الهوية الفرعونية من إرث تاريخي إلى أداة سياسية تستخدم في خلق خطاب قومي يصرف الانتباه عن القضايا الحقيقية، وكيف تتداخل هذه الهوية مع مختلف التيارات السياسية والاجتماعية في مصر.

1. عهد محمد علي والملكيات: بداية تشكيل الهوية الوطنية
مع بداية القرن التاسع عشر، وضع محمد علي باشا أسس مصر الحديثة، محاولا تأسيس دولة مركزية قوية تعتمد على تحديث الجيش والاقتصاد ، كان التركيز في تلك الفترة على بناء دولة قوية.
في عهد الملك فاروق، رجعت الهوية الوطنية وارتبطت بالعروبة والإسلام من جديد ، وكانت الحضارة الفرعونية موضوع دراسة أكاديمية وتراثي ، دون استغلال سياسي واسع.

2. ثورة 1952 والعهد الناصري: القومية العربية في المقدمة
جاء جمال عبد الناصر بثورة 1952 لتؤسس لمرحلة جديدة من القومية العربية والوحدة، وكان الفكر الناصري يرفض التقسيمات الضيقة ، معتبراً الحضارة الفرعونية جزءا من التراث المصري لكن ليس مصدرا رئيسياً للهوية السياسية.
يقول الناقد الراحل عبد الوهاب المسيري:
"كانت القومية العربية في فترة عبد الناصر مشروعا للتحرر والوحدة، ولم تستغل الحضارة الفرعونية إلا كجزء من تراث يتم الاعتزاز به دون ممارسات سياسية معلنة".

3. الإخوان والفكر الإسلامي: مواجهة القومية الفرعونية
مع تأسيس الإخوان المسلمين على يد حسن البنا عام 1928، وجدت حركة الإسلام السياسي نفسها في مواجهة الفكر القومي والاشتراكي، ورأت أن الإسلام هو العنصر الأساسي في هوية مصر.
قال حسن البنا :
"الإسلام وحده يكفل وحدة الأمة، ولا بد من الرجوع إلى ديننا وشرعنا في مواجهة الانحرافات الفكرية، بما فيها تلك التي تعيدنا إلى عصور ما قبل الإسلام.".
وهكذا رفض الإخوان بوضوح استغلال الحضارة الفرعونية كمرجعية سياسية، معتبرين إياها مرحلة تاريخية لا تمثل الهوية الإسلامية المصرية.

4. السادات ومبارك: استمرارية محدودة
عهد السادات ومبارك شهد تقليصاً للنزعات القومية العربية ، مع توجه أكبر نحو الليبرالية الاقتصادية وتحسين العلاقات مع الغرب والخليج ، بقي الاهتمام بالحضارة الفرعونية ثقافياً وسياحياً، دون استغلال سياسي مكثف.
يقول المفكر حسن نافعة:
"الفترة ما بين السادات ومبارك شهدت استقراراً نسبياً في الهوية الوطنية ، والحضارة الفرعونية ظلت جزءاً من التراث لكن لم توظف كما سيحدث لاحقا".

عهد السيسي: استغلال الحضارة الفرعونية كأداة مخدرة ومدخل للهيمنة الثقافية
مع صعود عبد الفتاح السيسي إلى السلطة عام 2014، تغير المشهد الثقافي والسياسي في مصر بشكل لافت ، حيث بدأت تظهر مؤشرات واضحة على استثمار سياسي ممنهج للهوية الفرعونية ، ليس فقط كرمز حضاري، بل كأداة دعائية تهدف إلى صرف الانتباه عن أزمات الواقع، وبناء سردية وطنية بديلة تستبعد الدين والعروبة من معادلة الهوية المصرية ، لسبيبين:
الدين قد يربط بالإخوان المنافسين الطامحين للسلطة ، والعروبة ، قد يربط بالخليج ، الممولين للحكم.
وقد أشارت وسائل إعلام غربية مرموقة إلى هذا التوظيف السياسي الصريح. ففي تقرير نشرته مجلة "نيو لاينز" الأمريكية ، تعليقاً على موكب المومياوات الملكية الذي نظمته الدولة عام 2021، بالقول:
"إن إحياء الماضي المجيد والعظيم دائما ما يكون فعالا، خصوصا في الدول السلطوية أو الاستبدادية. إن الترويج لمصر القديمة باعتبارها هوية وطنية موحدة يحمل ميزة إضافية ، وهي تقويض السردية الدينية التي تتبناها تيارات الإسلام السياسي ..... وبالنسبة للبعض، بدا الموكب وكأنه أشبه بحفل تتويج... آخر شيء تحتاجه مصر اليوم هو فرعون جديد.".
وهذا التعليق لا يعبر فقط عن موقف من الحدث الثقافي ، بل يكشف عن قراءة سياسية غربية واضحة مفادها أن السلطة المصرية تسعى إلى إعادة تشكيل الهوية الوطنية على أسس غير دينية، تستمد من الماضي الفرعوني، وتقدم بوسائل إعلامية احتفالية تستخدم كغطاء لصرف النظر عن الأزمات الاقتصادية والاجتماعية المتفاقمة.
وفي السياق ذاته، نشرت صحيفة "آيريش تايمز" الإيرلندية (The Irish Times) تقريرا في عام 2019 تناول مدى هيمنة السيسي على الثقافة والإعلام، حيث قالت:
"لقد برز السيسي بشكل واضح في مساعيه للسيطرة على الثقافة والفنون ، إن قبضته الحديدية لا تشمل فقط الاقتصاد والسياسة ، بل تمتد الآن إلى تشكيل المجال الثقافي بالكامل، بداية من الإعلام حتى الدراما الرمضانية، بما يعكس رغبة قوية في التحكم بسردية التاريخ والهوية.".
وتؤكد هذه التقارير أن النظام المصري لم يكتف بالترويج البصري والاحتفالي للفرعونية ، بل ذهب نحو إعادة هيكلة الخطاب الثقافي الوطني ، بحيث تصبح الفرعونية هي المرجعية الوحيدة للانتماء القومي ، ويتم بذلك تحييد الإسلام والعروبة، بل حتى طمس الذاكرة الحديثة للشعب المصري التي كانت تتغذى على رموز من الحقبة الإسلامية أو القومية.
يقول الباحث جمال عبد الغني:
"السيسي استغل فرعونية مصر كمخدر سياسي، حيث يستبدل أزمات الفساد وسوء الإدارة بصور تماثيل وأهرامات تعيد المصريين إلى ماض مزيف ينسون فيه حاضرهم القاسي.".
ويؤكد هذه الرؤية المفكر حسن نافعة، فيرى أن هذا الاستخدام :
"يخفي الفقر والفساد تحت عباءة المجد القديم، ويشتت الانتباه عن إخفاقات الحاضر."
وهو ما يتفق معه الكاتب البريطاني ديفيد هيرست، الذي وصف هذا التوجه بـ:
"الأسطورة الإعلامية التي تغطي على أزمة الاقتصاد والحقوق، وتحول المصريين إلى متفرجين على احتفالات لا تعكس واقعهم".
وهكذا يتجلى لنا أن توظيف السيسي للهوية الفرعونية لم يكن مجرد مشروع سياحي أو احتفال ثقافي، بل هو إستراتيجية متكاملة للسيطرة على الوعي الجمعي، وتوجيه الانتباه بعيدا عن الحاضر المضطرب ، وبناء شرعية سياسية على أنقاض التاريخ البعيد.
وفي الجانب الآخر، استغلت هذه الصورة القومية الفرعونية في تصعيد حملات إعلامية مضللة ضد دول الخليج ، لخلق بلبلة تدفع الحكومة الخليجية للوقوف إلى جانب مصر رغم الإخفاقات ، كما ما وصفه الإعلامي المصري جمال سلطان بـ"اللعبة الذكية التي تحركها المخابرات المصرية لإلهاء المصريين عن أزماتهم الحقيقية عبر توجيه غضبهم الإعلامي نحو أعداء وهميين." ، يقصد الأعداء الوهميين "الخليجيين".
وعلى الجانب الإعلامي، صارت ماكينة السيسي الإعلامية توظف هذا البعد الفرعوني في تغطية أزماته، وتحويل أنظار الشعب نحو مبادرات أثرية كبرى ، وصراعات إعلامية مع دول الخليج ، حيث تحاول القاهرة ، عبر خطاب قومي مزيف، إضعاف التحالفات الخليجية، وكسب ود الشارع المصري المتعطش للقومية.
كما يقول الباحث الدولي روبرت فيسك:
"الحضارة الفرعونية في عهد السيسي ليست مجرد تراث، بل أصبحت سلاحا دعائيا لمراكمة الدعم الشعبي، بينما يتم التعتيم على القضايا الحقيقية مثل الفساد وغلاء الأسعار".
هذا الاستخدام السياسي استغل عمق الفقر والبطالة ليسكت الغضب الشعبي ، مع استمرار تضليل الرأي العام حول العلاقة مع الخليج ، مثل الادعاءات بأن الخليج لم يساعد مصر بالنفط ، مما دفعها إلى التوجه لإسرائيل ، كلها أمور تروجها وسائل الإعلام الحكومية لخلق أعداء وهميين وتحويل المصري البسيط إلى طرف دفاعي عن النظام رغم أزماته.

الخاتمة :
إن رحلة الهوية الفرعونية عبر التاريخ السياسي الحديث لمصر تظهر بوضوح كيف يمكن لتراث حضاري عريق أن يتحول إلى أداة سياسية متجددة ، تستخدم أحيانا للتعبئة الوطنية ، وأحيانا أخرى لتبرير سياسات معينة أو تشتيت الانتباه عن مشاكل العصر.
هذا التوظيف السياسي والثقافي جعل الهوية الفرعونية تكتسب حضورا متزايدا في الخطاب الرسمي والإعلامي ، لكنه أيضا خلق حالة من التوتر والاختلاف في المجتمع المصري ، خاصة في العلاقة بين الهوية الدينية والانتماءات الثقافية.
لذا، في الفصل التالي، سننتقل إلى دراسة هذه الهوية من زاوية الوعي الشعبي، حيث تتباين الرؤى بين المسلمين والأقباط ، وتبرز ديناميكيات جديدة تتعلق بكيفية استهلاك وتفسير الهوية الفرعونية في المجتمع المصري، وما يعكسه ذلك .

الفصل السادس : الهوية الفرعونية في الوعي المصري: من الفخر الرمزي إلى الانتماء الثقافي بين المسلمين والأقباط.

ومع ترسخ استغلال الهوية الفرعونية في الخطاب السياسي الرسمي، أصبح من المهم تتبع أثر هذا التوظيف في الوعي الشعبي العام، لدى المسلمين والأقباط ، لنفهم كيف يتم استهلاك هذا الخطاب في الشارع المصري ، وما الحدود التي يفرضها الدين والانتماء الاجتماعي عليه.

الرؤية الإسلامية الشعبية: صراع رمزي مع البداوة الخليجية والمركزية الدينية:
في الخطاب الشعبي المصري، وخصوصا بين المسلمين، تظهر الهوية الفرعونية بوصفها أداة للمفاخرة الحضارية في مواجهة ما ينظر إليه على أنه "تهميش ثقافي" ، أو "استعلاء اقتصادي" من المجتمعات الخليجية المعاصرة ، وهو في الأصل ، كان ناشئ من تعبئة إعلامية حكومية ، وفي هذا السياق التعبوي ، لا يتردد بعض المصريين في استخدام أوصاف مثل "البدو" أو حتى "الأقزام" ، وهي ألفاظ دارجة في بعض وسائل الإعلام ومنصات التواصل ، في إشارة إلى شعوب الخليج ، وذلك بهدف إظهار تفوق رمزي مبني على الحضارة والقدم التاريخي ، فيكررها الفرد المصري البسيط ، ناشدا التصدي ضد هذا التفوق الخليجي المتطور عنه حاليا ، يرددها بعد وعي في الغالب ، أو من منطلق مخفي بالدنيوية مقارنة مع هذا "البدوي" ، لكي يبدو اللفظ في فمه ، مملوء بالفخر والسمو والرفعة ، وغفل المصري البسيط ، أن السعوديين ، بوجه عام ، يفخرون بانتمائهم للبداوة ، ولا يملون عن ممارستها في صحرائهم ، رغم تطورهم الهائل ماليا وثقافيا.
لكن المسألة لا تتوقف عند البعد الحضاري فقط ، بل تمتد إلى البعد الديني الرمزي أيضا ، فالمصري المسلم المعاصر - وهو ينتمي إلى حضارة فرعونية قديمة، لكنه يعيش ضمن هوية إسلامية – يشعر أحيانا أن مركزية الإسلام التاريخي (الجزيرة العربية: مكة والمدينة) قد جرده من هذا التفوق ، ومن هنا تأتي محاولة بعض الخطابات الشعبية لإعادة تأويل التاريخ الفرعوني دينيا ، بادعاء أن الفراعنة كانوا موحدين أو على دين إبراهيم أو حتى يعرفون الإله الواحد ، وهي أطروحات لا تستند إلى أي أدلة علمية أو تاريخية ، لكنها تستخدم كجسر رمزي للتوفيق بين الفخر الحضاري والمرجعية الدينية.
هذا التوظيف يتيح للمصري المسلم أن يتبنى الهوية الفرعونية بكل فخر ، دون أن يشعر أنه في صدام مع عقيدته الإسلامية ، بل يرى نفسه – أحيانا – أكثر قدما وعمقا في التوحيد من أهل الجزيرة العربية أنفسهم ، كمحاولة منهم ، لنيل المجد التاريخي وأصالة الدين أيضاً ، وقد بلغ هذا التوجه ببعض الكتّاب(*) أن صاغوا أطروحات تتجاوز التأويل الرمزي إلى إسقاط صريح للمفاهيم الإسلامية على العقائد الفرعونية ، فادعوا أن الفراعنة كانوا يتبعون ما يشبه الشريعة المحمدية قبل ظهور الإسلام بقرون، بل ذهب أحدهم – في دراسة منشورة – إلى أن الحج ، كركن من أركان الإسلام ، كان معروفا ومعمولا به ضمن الطقوس الدينية الفرعونية ، وهي أطروحات تفتقر إلى الأساس التاريخي والمنهجي ، وتصنف في إطار المبالغة الفكرية غير المؤيدة بأدلة علمية ، بمعنى أدق "هرتلة فكرية" ، ومع ذلك ، هي تعبر عن الرغبة الشعبية العميقة في إثبات أسبقية دينية وتاريخية على المركز الإسلامي التقليدي في الجزيرة العربية.

الرؤية القبطية: الفراعنة كأسلاف روحيين وهوية ثقافية أصيلة
على الجانب الآخر من المشهد المصري ، يتبنى كثير من الأقباط نظرة أكثر عمقا واتساقا نحو الهوية الفرعونية ، تتجاوز المفاخرة الحضارية أو الصراع الرمزي مع المحيط العربي، إلى مستوى الارتباط الوجودي والثقافي ، ففي الوعي الجمعي القبطي ، ينظر إلى الحضارة الفرعونية بوصفها الأصل التاريخي والروحي للهوية القبطية ، ليس من باب التفوق على الآخر ، بل من باب الاستمرارية التاريخية والانتماء العميق لأرض مصر.
بعكس ما نراه في الخطاب الإسلامي الشعبي، لا يسعى الأقباط عادة إلى "توحيد" الفراعنة دينيا أو محاولة أسلمتهم ، بل على العكس ، يعترفون بوضوح أن أسلافهم كانوا وثنيين ، وأن التحول إلى المسيحية كان نقطة فاصلة روحيا ، لكنه لم ينه الصلة بالثقافة الفرعونية ، بل حافظ عليها في شكل جديد ، هذا يظهر بوضوح في استمرار استخدام الرموز الفرعونية في الكنائس، وتبجيل النيل، والاحتفاء بالزراعة والاحتفالات الموسمية ، وهي كلها امتدادات لممارسات مصرية قديمة، اندمجت لاحقا في الطقوس الدينية القبطية.
ويؤكد هذا الأمر ، الباحث "جيسون تومسون" في كتابه "تاريخ مصر" ، فيشير إلى أن الأقباط كانوا أوائل من تبنوا القطيعة الدينية مع الماضي الوثني ، لكنهم حافظوا على "حبهم لهويتهم المصرية"، مما ولد نوعا من الازدواج الثقافي الصحي: "نحن مصريون، لكننا لسنا وثنيين.".

الهوية القبطية: من الاستمرارية الحضارية إلى الخصوصية الثقافية
يرى بعض المفكرين الأقباط أن الطابع القومي المصري، الذي بني عبر آلاف السنين ، ظل محفوظا لديهم ، في لغتهم (القبطية) وطقوسهم وزيهم، وحتى أسمائهم. فهم يعتبرون أنفسهم الورثة الطبيعيين للفراعنة جينيا وثقافيا ، لا من حيث العقيدة ، بل من حيث الخصوصية الروحية المتجذرة في أرض مصر، والتي تطورت لاحقا مع اعتناق المسيحية ، دون أن تنقطع جذورها الحضارية ، لأنهم لم يمروا بتحولات لغوية أو هجرات كبيرة كما حدث مع المسلمين بعد الفتح الإسلامي.
هذا التصور يجعل الهوية الفرعونية بالنسبة لكثير من الأقباط مرجعية مركزية ، وأحيانا عنصراً مميزا عن محيطهم الديني والاجتماعي ، لكن دون أن يحمل ذلك بالضرورة نزعة استعلائية أو تنافسية ، بل كثيرا ما يستخدم هذا الانتماء كوسيلة لتأكيد الحضور الوطني ، وإثبات أن الأقباط جزء أصيل من التاريخ المصري ، وليسوا طارئين عليه كما تلمح أحيانا بعض الخطابات الإقصائية.

محددات الخطاب القبطي: فخر بالاستمرارية لا بالمواجهة
وعلى الرغم من أن بعض الخطابات القبطية قد تضفي على هذا الانتماء بعدا احتجاجياً في مواجهة التهميش أو محاولات طمس الهوية ، فإن الغالب في الرؤية القبطية للفرعونية هو الاستيعاب والامتداد ، لا المواجهة والصراع ، فهي رؤية تنطلق من الإحساس بأنهم أبناء أرض مصر الممتدة، وليست بحاجة لإثبات ذلك عن طريق مقارنات مع الآخر.
في النهاية، تمثل الرؤية القبطية للهوية الفرعونية سردية انتماء حضاري صامد عبر العصور ، تستند إلى استمرارية لغوية وثقافية ودينية متراكمة ، تختلف في منطلقاتها عن التوظيف السياسي أو الرمزي الذي نراه في أوساط أخرى من المجتمع.

أثر هذا التوجه الفكري على وعي المصري البسيط:
رغم أن الطبقة المثقفة أسست هذه الحركة الفكرية والهوية الفرعونية الحديثة ، فإن أثرها على الجماهير الشعبية كان متفاوتاً ، فبينما تبنى كثير من المصريين ، خصوصاً المسلمين ، الهوية الفرعونية كرمز للفخر الوطني والمواجهة الثقافية ، بقيت الصورة عند البعض مبهمة أو سطحية، تتحكم فيها الخطابات الإعلامية والتعليمية الرسمية التي تميل أحياناً إلى تلطيف الصورة، أو التحيز لقراءات معينة.
إضافة إلى ذلك، لعبت الأجهزة الحكومية، بما في ذلك الأجهزة الإعلامية والمخابراتية، دوراً مركزياً في توجيه الرأي العام، عبر إدارة حملات إعلامية ومنصات إلكترونية أحيانا تفتعل خلافات وصراعات مع دول الخليج أو جيران مصر ، وذلك لأغراض متعددة ، من بين هذه الأغراض ، إشغال المواطن البسيط بالخلافات المفتعلة بحيث يلتفت عن قضايا داخلية واقتصادية هامة ، أو بهدف ممارسة ضغط سياسي على بعض حكومات دول الخليج من خلال رسائل غير مباشرة مفادها : "أعطونا الدعم المالي أو السياسي مقابل إسكات هذه الأصوات والنقاشات الساخنة على منصات التواصل ووسائل الإعلام"،
هذه السياسة ليست بجديدة ، فقد اعتمدتها الحكومات المصرية السابقة في عهود عبد الناصر والسادات ومبارك ، لكن ما يختلف الآن هو أن السلطات الحالية قد تستهين بتطور الإعلام والوعي لدى الشعوب الخليجية ، وتظل تراهن على أساليب قديمة في الابتزاز الإعلامي والسياسي ، مما يجعل الشعب المصري وحده الضحية في هذا الصراع غير المتكافئ.
أما الأقباط ، فقد حافظوا على وعيهم التاريخي والعرقي، وبرزوا في مناسبات كثيرة كحاملين لهوية فرعونية متماسكة ، مستخدمين هذا الارتباط لتمييز أنفسهم عن المكونات الأخرى في المجتمع.

خاتمة:
في النهاية، يمكن القول إن تجربة محمد علي باشا في إحياء الهوية الفرعونية ، وبتأييد من الغرب الاستعماري ، كانت نقطة انطلاق مهمة لفكر قومي مصري حديث ، وفتحت المجال لحركة فكرية مستمرة تسعى إلى صياغة هوية وطنية تعترف بتعدد أصول المصريين ، وبالرغم من الاختلافات بين الطوائف في تفسير العلاقة مع الفراعنة، فإن الهوية الفرعونية تبقى مرجعية مركزية في الفهم الذاتي للمصريين ، تجمعهم تحت مظلة حضارية شاملة، تعكس تنوعهم التاريخي والاجتماعي.


الفصل السابع : خلاصة تحليلية في الهوية الوراثية المصرية الحديثة: من وهم السلف الفرعوني إلى حقيقة التعدد العرقي

مقدمة:

عبر استعراض المسارات الجينية والتاريخية التي مرت بها مصر ، من عهد سنو الأول ونشأة الدولة الفرعونية ، إلى غزوات الهكسوس والفرس والإغريق والرومان ، ثم الفتح الإسلامي، وصولا إلى العصر الحديث في عهد محمد علي باشا ، يتضح أن محاولة ربط المصري الحديث بجين فرعوني واحد تمثل تبسيطا مخلا لتاريخ معقد ومتداخل ، هذا التاريخ يشمل تمازجاً عرقياً وتبادلا ثقافيا ، بالإضافة إلى انقطاعات وراثية متعددة ، مما يجعل هذه الفرضية غير قابلة للإثبات العلمي الموضوعي.

1.استحالة الاتصال الوراثي المباشر عبر الخط الذكوري:
من الناحية العلمية، فإن النسب الجيني الذكوري الذي يحدده كروموسوم Y ، لا يمكن أن يحافظ على نقائه عبر آلاف السنين ، خصوصا في مصر التي شهدت موجات متكررة من الهجرات والتزاوج المختلط ، الأسر الفرعونية كانت متعددة الأصول ، وبعضها نوبي ، وأخرى ذات تأثيرات آسيوية أو أفريقية ، بالإضافة إلى أن الحكم لم يكن دائما ينتقل عبر خط ذكوري واحد ، بل أحياناً عبر الزواج السياسي أو الانقلابات ، مما يفكك فكرة "سلالة ذكورية فرعونية واحدة".

2.الغزوات والتبدلات السكانية: القطيعة الجينية
شهدت مصر تحولات ديموغرافية كبيرة:
مصر العليا ومصر السفلى ، كونتا اختلافا أوليا في البنية الجمعية قبل الاتحاد.
الهكسوس جلبوا أصولا سامية شمالية.
الفرس أضافوا عناصر فارسية وآسيوية.
البطالمة أدخلوا دماء يونانية.
الرومان أضافوا سكانا من البحر المتوسط.
الفتح الإسلامي مثل أكبر موجة سكانية عربية ، انصهرت مع السكان الأصليين عبر قرون.
كل هذه التحولات أحدثت قطيعة حقيقية في السلاسل الوراثية القديمة ، وتقلل من احتمالية وجود خط وراثي فرعوني مباشر مستمر.

3.زيف "الهوية الوراثية الموحدة" في الإعلام المصري:
في العقدين الأخيرين، روج الإعلام المصري لنتائج دراسات جينية محدودة ، وأحيانا من عينات صغيرة من مومياوات معينة ، لبناء خطاب شعبي يدعي بقاء "أحفاد الفراعنة" ، مثلا، في 2023 ، انتشر خبر فتاة مصرية أظهرت نتائج اختبارها الجيني أنها "فرعونية" ، لكن هذه النتائج اعتمدت على الميتوكوندريا (DNA الأمومي) ، والتي لا تعكس كامل التركيب الجيني ولا الخط الذكوري ، مما يجعل التفسير المبسط غير دقيق ، ولا يعتد به في مثل هذه الحالات.

4.صناعة "الهوية الفرعونية" كأداة مواجهة ثقافية:
يستخدم الخطاب الفرعوني أحيانا كوسيلة ثقافية لمنافسة النماذج العربية الخليجية ، يعاد تفسير التاريخ الفرعوني في أطر دينية توحيدية لتأكيد تفوق رمزي ، ويزعم أن الفراعنة عرفوا الإله الواحد ، وهو خطاب سياسي-ديني وظيفي يعزز الانتماء دون الاستناد إلى أدلة علمية.

5.خطاب المثقف المصري في المجامع الفكرية:
دائما ما حاول "المجمع العلمي المصري" وغيره من النخب الفكرية منذ القرن التاسع عشر ربط الهوية المصرية بالفراعنة ، بدعم من السلطة أحيانا ، ورغم الخطابات الرسمية ، فإن البحث العلمي الحقيقي يطالب بالحذر من المبالغات ويشدد على ضرورة تحليل التاريخ الوراثي بموضوعية ومنهجية دقيقة.

6.اللغة المصرية القديمة:
انقراض اللغة المصرية القديمة كلغة منطوقة يشكل فجوة ثقافية كبيرة بين المصري الحديث والفراعنة ، فاللغة ليست مجرد وسيلة تواصل ، بل حاملة للذاكرة الثقافية التي تربط الشعوب بماضيها ، مما يجعل ربط الهوية الحديثة بالفراعنة مجرد مسألة جينية غير كافية.


خلاصة تحليلية

1.تنوع الهوية المصرية:

الهوية المصرية الحديثة هي نتاج آلاف السنين من التمازج العرقي والثقافي ، وليست موروثة من جينوم واحد أو عرق محدد.

2.التاريخ والجغرافيا كمرجعية:
ما يجمع المصريين بالفراعنة هو الأرض المشتركة والذاكرة الحضارية العريقة ، وليس الجينات.

3.محدودية التحليل الجيني الأحادي:
الاعتماد على جينات مثل الميتوكوندريا أو كروموسوم Y لتحديد هوية قومية أو عرقية هو تبسيط غير دقيق.

4.الدراسات الجينية الحديثة:
أبحاث مثل دراسة معهد ماكس بلانك على مومياوات الدولة الحديثة تظهر تنوعا وراثيا كبيرا ، يدعم فكرة التعدد والتنوع.

5.الهوية كمفهوم متعدد الأبعاد:
الهوية ليست جينا أو كروموسوما ، بل هي تاريخ معيش وتفاعل مستمر بين الأرض والشعوب عبر العصور.

6.أهمية الفهم الموضوعي والنقد العقلاني:
لا بد من تناول الموضوع بعقل مفتوح وموضوعية ، وفتح القلوب للعقل بدلاً من إصدار أحكام سريعة أو ردود فعل عاطفية.

الخاتمة:
إن ربط المصري الحديث بأسلاف فرعونيين عبر جينوم واحد أو فكرة عرقية موحدة ، هو سردية وهمية لا تقف أمام الأدلة العلمية والتاريخية ، فالمصري الحديث هو نتاج تمازج عرقي وتبدلات ثقافية تراكمت عبر آلاف السنين ، ما يجمعه مع الفراعنة ليس الجينات ، بل الجغرافيا والذاكرة الحضارية المشتركة.
الهوية ليست كروموسوما أو طفرة وراثية ، بل هي تاريخ معيش ، وتعدد متراكم ، وتفاعل مستمر بين الأرض والناس ، الماضي والحاضر ، وكل محاولة لاختزال هذه الهوية في جين ميتوكوندري أو Y كروموسوم، هي إساءة للعلم والتاريخ معا.
وتعتمد هذه المفاهيم على دراسات جينية رائدة ، منها دراسة معهد ماكس بلانك على مومياوات الدولة الحديثة ، والتي أضافت فهماً معمقاً للتنوع الوراثي القديم في مصر.
======================​

(*) الكتابات في هذا الشأن كثيرة من أن تحصر ، كثيرة لدرجة ، أنها اسس فهما خاطئا لدى الكثير من المصريين ، فهم ، تخطى ما نقشه وكتبه الفراعنة عن أنفسهم ، ليستقر في وعيهم حقيقة واحجة فقط ، وهي أن الفراعنة فعلا موحدين. ومن أراد مشاهدة "الهرتلة الفكرية" تلك ، فليكتب في البحث ، "هل الفراعنة موحدين" ، أو شيء نحو ذلك ، ومع هذا أضيف هذا الرابط لشخص يقال عنه "دكتور" !!:

د. أحمد أبو تليح يتسأل : هل القدماء المصريين مشركين أم موحدين؟
 
الهوية المصريه هي هويه مركبه بين الفرعونيه والقبطيه والرومانيه والاغريقيه والعربيه والافريقيه والمسيحيه والاسلاميه واليهوديه

لكن احفاد الفرعون الكافر وقومه الغارقون في البحر يريدون اليوم ان ينسبوا الهويه المصريه فقط في الفرعونيه اعداء الرب وانبيائه من اورشليم القديمه اعداء النبي موسى وهارون مع ان مصر اليوم هي دوله عربيه اسلاميه يعني هويه مصر عربيه اسلاميه على يد خضاره العرب ولغتهم وعلى يد دين الرب الاسلامي للنبي محمد

egypt_identity_timeline_en.png
 
الهوية المصريه هي هويه مركبه بين الفرعونيه والقبطيه والرومانيه والاغريقيه والعربيه والافريقيه والمسيحيه والاسلاميه واليهوديه

لكن احفاد الفرعون الكافر وقومه الغارقون في البحر يريدون اليوم ان ينسبوا الهويه المصريه فقط في الفرعونيه اعداء الرب وانبيائه من اورشليم القديمه اعداء النبي موسى وهارون مع ان مصر اليوم هي دوله عربيه اسلاميه يعني هويه مصر عربيه اسلاميه على يد خضاره العرب ولغتهم وعلى يد دين الرب الاسلامي للنبي محمد

مشاهدة المرفق 808408
العجيب انك يهودي وتؤمن بان سيدي ومولاي محمد بن عبد الله صلوات ربي عليه نبي الاميين (الاسماعيليين) ، (ما اقصد اتطفل على حريتك الدينية) لكن ليش ماتسلم يؤتك الله اجرك مرتيين
(يابني اسرائيل اذكرو نعمتي التي انعمت عليكم واني فضلتكم على العالمين)
 
الهوية المصريه هي هويه مركبه بين الفرعونيه والقبطيه والرومانيه والاغريقيه والعربيه والافريقيه والمسيحيه والاسلاميه واليهوديه

لكن احفاد الفرعون الكافر وقومه الغارقون في البحر يريدون اليوم ان ينسبوا الهويه المصريه فقط في الفرعونيه اعداء الرب وانبيائه من اورشليم القديمه اعداء النبي موسى وهارون مع ان مصر اليوم هي دوله عربيه اسلاميه يعني هويه مصر عربيه اسلاميه على يد خضاره العرب ولغتهم وعلى يد دين الرب الاسلامي للنبي محمد

مشاهدة المرفق 808408

أنت يهودي فعلا؟!.
 
عودة
أعلى