اختراق علمي تونسي: نظام اتصالات ضوئية هرمي يَعِد بثورة في النقل البحري والذكي

Obergruppenführer Smith

طاقم الإدارة
مـراقــب عـــام
إنضم
23 أكتوبر 2017
المشاركات
3,754
التفاعل
21,463 302 0
الدولة
Tunisia
في عالم النقل الحديث، حيث تتسارع الابتكارات وتزداد تعقيدات إدارة الحركة على البر والبحر، تبقى الاتصالات الفعّالة هي العمود الفقري لأي منظومة متطورة. ومع بروز المركبات الذاتية القيادة، والسفن الذكية، وشبكات النقل المعتمدة على الذكاء الاصطناعي، أصبحت الحاجة إلى وسائل اتصال فورية، آمنة، وذات زمن استجابة منخفض ضرورة ملحّة لا خياراً إضافياً.

هنا تدخل تقنية الاتصالات عبر الضوء المرئي (Visible Light Communication – VLC) إلى المشهد، وهي تكنولوجيا تستخدم الضوء — عادة من مصابيح LED أو أشعة الليزر — لنقل البيانات بدلاً من الموجات الراديوية التقليدية. هذه التقنية قادرة على توفير سرعات نقل عالية للغاية مع تقليل زمن التأخير (Latency)، كما أنها أقل عرضة للتشويش الكهرومغناطيسي، مما يجعلها مثالية للبيئات المزدحمة أو الحساسة.


في دراسة حديثة نشرتها مجلة Frontiers in Physics، قادت الباحثة التونسية منى قرعي، من مختبر شبكات الاتصال والأمن ومختبر الأنظمة الخضراء والذكية للاتصالات في المدرسة العليا للاتصالات (SUP’COM) بجامعة قرطاج، فريقاً علمياً للكشف عن بنية جديدة في مجال الاتصالات تعتمد على هندسة شجرية (Tree-Structured Architecture) مع شيفرات بصرية هرمية (Hierarchical Optical Codewords)، بهدف تحسين كفاءة توجيه البيانات بين المركبات وتعزيز أنظمة تعريفها رقمياً.

تشرح قرعي قائلة: «يعتمد النظام على بروتوكولات ديناميكية للربط وإعادة الربط، بالإضافة إلى آليات جودة خدمة تكيفية (Adaptive QoS)، الأمر الذي يتيح للنظام التعامل بكفاءة مع التغيّرات المستمرة في أنماط حركة المرور». وبصيغة أوضح للقارئ، فإن هذا التصميم يجعل الشبكة قادرة على إعادة تنظيم نفسها أوتوماتيكياً كلما تغيّرت سرعة أو كثافة حركة المركبات، ما يحافظ على استقرار وسلاسة نقل المعلومات.


اختبار الأداء والنماذج الحركية

لم يكتفِ الفريق بالتصميم النظري، بل قام بتجربة النظام باستخدام ثلاثة نماذج حركة شائعة في أبحاث النقل الذكي: النموذج الذكي للسائق (Intelligent Driver Model)، ونموذج Gipps، ونموذج Krauss.

كشفت النتائج أن البنى الشجرية المعقدة قد تزيد من زمن التأخير وتقلل من نسبة الإشارة إلى الضجيج (Signal-to-Noise Ratio – SNR)، أي جودة الإشارة، في حين أن النماذج التي تعتمد على مسافات أكبر بين المركبات تقلل زمن التأخير وتُحسن جودة الإشارة، وإن كان ذلك على حساب قوة الاتصال الدائمة بين جميع المركبات.

من الطرق إلى البحار

ورغم أن الدراسة ركزت على شبكات المركبات المتحركة (Vehicular Ad Hoc Networks – VANETs) على الطرق، فإن تطبيقاتها لا تقتصر على البر. إذ يمكن للقطاع البحري أن يستفيد بشكل مباشر من هذه النتائج، خصوصاً مع صعود فكرة السفن الذاتية القيادة والموانئ الذكية.

تخيّل أسطولاً من السفن، كل منها مزود بمستقبلات ومرسلات ضوئية، يتواصل مع السفن الأخرى ومع مراكز التحكم الساحلية عبر VLC. هذا النوع من الاتصال لن يكون سريعاً فحسب، بل أكثر أماناً وصعوبة في الاختراق مقارنة بأنظمة الراديو التقليدية، كما يمكنه العمل في البيئات البحرية المزدحمة بالإشارات اللاسلكية.

ويتيح نظام الشيفرات البصرية الهرمية تحديد هوية كل سفينة أو عقدة في الشبكة بشكل فوري ودقيق، مما يضيف طبقة أمان إضافية ضد محاولات التسلل أو الهجمات السيبرانية.

آفاق واسعة للتطبيق

تقول قرعي: «تكشف تحليلات الأداء عن تحسينات ملموسة في قابلية التوسع، وتقليل زمن الاستجابة، وزيادة معدل نقل البيانات، وهو ما يدعم بناء بنية تحتية للمدن الذكية أكثر استدامة وكفاءة وأماناً». هذه الفوائد لا تتوقف عند المدن الذكية، بل تمتد إلى الموانئ الذكية والأنظمة البحرية، وحتى إلى الطائرات المسيّرة والمركبات الجوية الذاتية.

وتفتح هذه النتائج الباب أمام مستقبل تصبح فيه حركة المرور على الأرض وفي البحر أكثر ذكاءً، وأكثر قدرة على التعامل مع الازدحام، والأهم… أكثر أماناً في مواجهة التهديدات التقنية والبيئية على حد سواء.

الخلاصة

إن ما قدمه فريق البحث بقيادة منى قرعي ليس مجرد تطوير صغير في مجال الاتصالات، بل خطوة استراتيجية نحو عالم تتكامل فيه التكنولوجيا الضوئية مع أنظمة النقل الذكية لتوفير اتصالات فائقة السرعة، منخفضة التأخير، وآمنة بطبيعتها. ومع استمرار التحول نحو المركبات والسفن الذاتية القيادة، سيصبح مثل هذا الابتكار حجر الزاوية في بنية الاتصالات المستقبلية، على الطرق كما في أعالي البحار




مصدر
 
عودة
أعلى