جزائر الشاذلي بن جديد … الطريق نحو التعددية السياسية

جزائر الشاذلي بن جديد
صراع الجبابرة
فبراير 1979 ، جوان 1980
الرئيس بن جديد بين مؤسسة الجيش و جهاز الحزب

الجزء الخامس:
الجيش في قبضة الرئيس بن جديد

بعد أن نصب الرئيس الشاذلي، القادة الجدد في مناصبهم، لم يوجه أي توصية أو تعليمة أو حتى قرار، يحدد فيه صلاحيات و مهام كلمنهم، بل تركهم يسيرون على نفس المنهاج الذي كانوا عليه أيام الرئيس بومدين رحمه الله، لكنه بإنشاء مفتشية للجيش أحدت خلل في هرم القيادة، لأنه لم يحدد مهامها، مما نتج عنه تداخل في الصلاحيات بينها و بين الأمانة العامة لوزارة الدفاع، و هو خطأ متعمد سيتسبب لاحقا في أكبر مواجهة بين مرباح و عطايلية، و إلى أن ينفجر الوضع بين الرجلان، انتقل الرئيس بن جديد للخطوة الثالثة التي سترسخ أركان حكمه، و تميزه عن سابقه (الرئيس بومدين رحمه الله)، و هو على يقين أن مرباح سيخرج خاسرا في أول مواجهة له مع قادة الجيش الجدد.
لقد كان العقيد قاصدي مرباح رغم الكم الهائل من المعلومات المتوفرة لديه، مخطأ على طول الخط، و بنا إستراتيجيته على معطيات خاطئة تماما، كما إنه ارتكب منذ البداية أخطاء جسيمة، كانت قادرة على أن تنهي مساره المهني، لو لا مروءة الرئيس الشاذلي بن جديد، الذي بقي ممتنا له، و لم يزحه تماما من الساحة حتى عام 1989، بعد أن وضعه على رأس أول حكومة جاءت بعد أحداث أكتوبر 1988، فقد كان بإمكان قاصدي مرباح قبول منصب وزير للداخلية، و لو قبل بهذا المنصب لاختلف الأمر، لأنه منصب إداري و أمني بامتياز، و في نفس الوقت منصب يمكنه من ممارسة صلاحيات واسعة جدا، تمكنه من لعب دور أحد الرجال الخمسة أصحاب السلطة العليا في البلاد (رئيس الجمهورية، وزير الدفاع، منسق الحزب، رئيس المجلس الشعبي الوطني، الوزير الأول) إلا إن طموحه الزائد عن المسموح به، و في غياب إمكانيات تجسيد هاته الطموحات، وضعه في مواجهة قوى لم يكن مؤهلا لمواجهتها، في غياب دعم صريح و مباشر من رئيس الجمهورية. ففي إطار التحضيرات الخاصة بإحياء الذكرى الـ17 عشر لعيد الاستقلال (1962/1979)، وجه العقيد قاصدي مرباح بصفته أمينا عاما لوزارة الدفاع، برقية لقادة النواحي العسكرية الخمسة، يعلمهم فيها أنه سيقوم بجولة تفتيشية سيبدؤها من الناحية العسكرية الأولى.
في نفس اليوم الذي أرسلت فيه البرقية، جاء رد صاعق من قيادة الناحية العسكرية الأولى التي كان على رأسها العقيد محمد الروج، جاء فيها: أن مهام الأمين العام لوزارة الدفاع إدارية بحثه، و عليه لا يحق له القيام بأي عملية تفتيشية للوحدات القتالية، و القيادات الميدانية، و عليه يرفض قائد الناحية العسكرية الأولى، استقبال الأمين العام للوزارة و يمنعه من تجاوز صلاحياته المنحصرة في التسيير و الإدارة فقط، و بالتالي لن يسمح له بتفتيش الوحدات و لا القيادات التابعة للناحية الأولى.
لم يصدق العقيد مرباح، ما جاء في رد العقيد محمد عطايلية، فاتصل به هاتفيا للاستفسار، و دار بين الرجلين حديثا عنيفا، أخرج كل واحد منهما من الكلام ما لا يليق، ليرفع الخلاف للبث فيه لرئيس الجمهورية بصفته وزير الدفاع.
كل الأنظار توجهت صوب الرئيس بن جديد، لأن الحكم الذي سيصدره سيكون له نتيجتان لا ثالثة لهما، إما يرسخ مكانة الأمين العام الجديد لوزارة الدفاع، أو يقضي تماما على مكانته في الوزارة، و لدى كبار قادة الجيش. إلا أن الرئيس بن جديد، لم يتفاجئ بما حدث لأنه يعرف جيدا العقيد محمد عطايلية، و بما أن قاصدي مرباح راسل قادة النواحي دون أن يستشير وزير الدفاع، تعامل الرئيس بن جديد مع الحادث ببرودة دم منقطعة النظير، و لم يعر للقضية أي اهتمام، حتى أنه لم يرد على طلب قاصدي مرباح، ليصيب سطوة هذا الرجل في الصميم، فسكوت الرئيس بن جديد و رفضه الفصل بين الرجلين، فهم في أواسط القيادات العسكرية على أنه يوافق طرح محمد عطايلية، و أن دور الأمين العام ينحصر على الجانب الإداري فقط، فحدا جميع قادة النواحي حذو العقيد عطايلية، ليضعوا قاصدي مرباح في موقف حرج جدا لم يشهد أبدا مثله في حياته المهنية.
بعد أن اهتزت مكانة العقيد قاصدي مرباح لدى قادة النواحي العسكرية، حاول أن يتدارك الأمر بتعيين مجموعة من مقربيه على رأس المديريات المركزية لوزارة الدفاع، في انتظار إعادة ترتيب أموره، و منها يعيد بسط نفوذه على الوزارة، إلا أنه لم يفلح في ذلك لأن قرارات التعيين يمضيها وزير الدفاع الوطني، و لم يرد الرئيس الشاذلي بن جديد على اقتراحات قاصدي مرباح، مما يعني أنه رفضها فباءت هذه المحاولة أيضا بالفشل، و فقد العقيد مرباح هيبته نهائيا، على الجيش و على وزارة الدفاع الوطني.
أخذ كل الناس ينتظرون قرار عزل قاصدي مرباح من منصبه، إلا أن الرئيس الشاذلي خيب أمال الجميع، و أبقاه في نفس المنصب، لكن بدون أي صلاحية تذكر، اللهم تسيير الشؤون اليومية و العادية للوزارة، في انتظار تقزيمه أكثر من ذلك.
ما حدث لقاصدي مرباح، كان له صدا إيجابي جدا على صورة الرئيس الشاذلي داخل مؤسسة الجيش، فجميع القادة الجدد فهموا، أن الشاذلي سيكسر عظام كل من يجرأ على تعدي حدوده، فعم انضباط صارم داخل المؤسسة ككل، و التزم كل قائد بالدور المنوط به فقط، فلم يجرأ احد بعد هذا على تخطي حدوده، ليصبح الجيش في قبضة الرئيس بدون أي منازع.
بعد أن حجم الرئيس الشاذلي دور الأمين العام لوزارة الدفاع العقيد قاصدي مرباح، و أغلق عليه في قارورة من زجاج بحيث يرى و لا يستطيع أن يفعل أي شيء، و يصرخ فلا يسمعه أحد، استدار الرئيس بن جديد نحو الخطوة التالية و هي بسط سيطرته على جهاز الحزب، أقوى مؤسسة سياسية في البلاد، و الوحيدة التي كانت لا تزال تسبح خارج سيطرته، و على رأسها رجل ليس هو بالمندفع كقاصدي مرباح، و لا بالفاسد كرجل لا يليق أن نذكر اسمه، و لا بالغبي و لا بالجبان الذي يخشى المواجهة، فقد كان السيد محمد الصالح يحياوي رجلا جمع بين الثقافة الرفيعة، و قوة الشخصية في التعامل، و المهنية في تسيير شؤون الحزب، فكان التعامل معه و تحجيم دوره، يتطلب الكثير من الدهاء، و الكثير من الصبر، و الكثير من سعة القلب، و كلها أوصاف يتسم بها الرئيس الشاذلي بن جديد، بنسب متفاوتة.
لم يبقى أمام الرئيس الشاذلي إذا؛ ألا جهاز الحزب، ليبسط سيطرته التامة و الكاملة، على الدولة من قمتها إلى قاعدتها، و على أجهزتها المدنية، و العسكرية، و يصبح سيد القرار بدون أي منازع، لكنه كان يدرك أن المواجهة مع يحياوي لن تكون بنفس السهولة التي كانت مع غيره من كبار القادة المدنيين و العسكريين، الذي أخذ يزيحهم الواحد تلوى الأخر، لذلك استنتج هو و مستشاره السري الرائد بلخير و المقدم غزيل، أن تصفية يحياوي يجب أن تكون على مراحل، و أول خطوة في سبيل تحقيق ذلك، هي إعطاء صورة جماهيرية ممتازة للرئيس بن جديد، و قد كان المستشار الإعلامي للرئيس الدكتور محيي الدين عميمور يقوم بهذا العمل، باحترافية منقطعة النظير، فلم يبقى أمام الرئيس الشاذلي سوى القيام ببعض الخطوات التي سيظهر من خلالها على أنه رجل المرحلة، و فعلا قد فتح عهد جديد،و على قول أحد المقربين : نحمد الله فقد جاء بن جديد بكل جديد.
كانت الخطوة التالية التي انطلق الرئيس الشاذلي في تجسيدها، هي طرح مشروع تعديل الدستور، الذي أوصى به المؤتمر الرابع لحزب، فبتعديل الدستور يمكنه استدعاء مؤتمر استثنائي للحزب، يكون فرصة للتخلص من الشوائب العالقة ضمن منظومة الحكم الجديد، و كان بالإمكان تصفية منسق الحزب السيد محمد الصالح يحياوي قبل نهاية سنة 1979، لولا حدوث قضية أَخَرَتْ عملية التصفية لمنتصف عام 1980، و سنتطرق لكل هذه القضايا بالتفصيل في الجزء المقبل (إن شاء الله).
يتبع
 
التعديل الأخير:
جزائر الشاذلي بن جديد
صراع الجبابرة
فبراير 1979 ، جوان 1980
الرئيس بن جديد بين مؤسسة الجيش و جهاز الحزب

الجزء الثامن:
الشاذلي و يحياوي
القطيعة و بداية الصدام

لقد شكلت صائفة عام 1979، مرحلة غاية في الدقة لما سيكون بعدها من أحداث، فعكس أغلبية كبار المسئولين المدنيين و العسكريين، الذين تركوا مناصب عملهم، و خرجوا في عطلهم الصيفية، بقي محمد الصالح يحياوي، و المجموعة المحيطة به، في مكاتبهم، و أخذوا يعملون بجدية و حزم ، لتفعل المواد 68 إلى 83 من النظام الداخلي للحزب، المتعلقة بمجالس التنسيق البلدية و الولائية، لأنها خولت لمنسق الاتحادية و أمين القسمة سلطة وضعتهما فوق الوالي و رئيس البلدية ، و كان الهدف المنتظر من هذه الخطوة، هو بسط نفوذ الحزب، على جميع أجهزة الدولة المدنية منها و العسكرية، بحيث تنصهر كلها في إطار هذه المجالس، مكونة بذلك وحدة قيادية، تسير كلها في فلك الحزب، و تعمل وفقا لتوجيهات هذا الأخير.
فمحمد الصالح يحياوي كان يجتهد من أجل بناء حزب قوي، يقود و يحكم، يفكر و يوجه، بحيث يكون مركز القرار في الدولة، تماما كما هو الحال في دول المعسكر الشرقي، ففكرته كانت قابلة للتطبيق، و كان من الممكن جدا، تجسيدها ميدانيا، لو عرف محيط محمد الصالح يحياوي، كيف يمرروا هذا المشروع، دون الدخول في صراعات جانبية، لا فائدة منها، أضرت أكثر مما أفادت، فمحيط يحياوي كان يضم مجموعات متناقضة، قادمة من جهات و مشارب شتى، القاسم المشترك الوحيد بينهم أن أغلبيتهم إطارات معربة، متشبعة بالفكر العروبي الاشتراكي، لكن من جهة أخرى كان هذا المحيط ينقصه الجرأة و القدرة على المواجهة، و ما زاد في إضعاف موقف يحياوي، أن أغلبية هذه الإطارات، وضعت نفسها خلفه و ليس إلى جانبه، و بالتالي صار أي خطأ يصدر عن هذه المجموعة، ينسب ليحياوي و ليس لهم، لأنهم بدوا بمظهر المطبق لما يأتيهم من عند منسق الحزب ليس إلا. يضاف إلى ذلك، أن مؤسسة الحزب، جهاز سياسي، و كثرة الكلام فيه، شيء اعتيادي للغاية، فكان إطارات زيروت يوسف، يتمادون أحيانا في انتقادهم للرئيس الشاذلي، الذي وصل لحد نشر النكث و القصص الطريفة عنه، مستغلين ضعف تكوينه التعليمي، ليحُطُوا من قدره و ليصوروه على أنه غبي و بليد، و لا يعرف حتى النطق بطريقة سليمة، و لا يفقه في شؤون التسيير شيئا.
من الناحية الثانية أو في قصر المورادية، كان الرئيس الشاذلي، قد أحاط نفسه بإطارات غاية في الكفاءة و المهنية، و لم يحصر نفسه ضمن اتجاه لغوي واحد، بل كان في الرئاسة المعرب حتى النخاع مثل المستشار الإعلامي للرئيس الدكتور محيي الدين عميمور، و المفرنس في الدم مثل الأمين العام لرئاسة الجمهورية السيد عبد المالك بن حبيلس، و بالتالي كان الرئيس الشاذلي لديه المقدرة على الحركة بين المعربين و المفرنسين، عكس غريمه يحياوي تماما، الذي وجد نفسه محصورا ضمن تيار واحد، و جلب لنفسه عداء تيارات لغوية أخرى، كما اختار الرئيس الشاذلي مستشارين سريين هما الرائد بلخير، و المقدم غزيل الذي كانا عسكريان، و الطاعة عندهم شيء مقدس تربوا عليه، و بالتالي كان محيط الرئيس بن جديد يضع نفسه أمام الرئيس و ليس إلى جانبه و لا من خلفه، بحيث إذا حدث أي خطأ يتلقون هم الصدمة الناتجة عن ذلك، فلا يصل منها لشخص الرئيس أي شيء. فكان كلما ارتكبت مجموعة يحياوي أي خطأ، تلصق التهمة فيه، بينما إذا ارتكب الرئيس أي خطأ، ينسب لأحد من مستشاريه و ينتهي الأمر عند هذا الحد، فبقيت صورة الرئيس لامعة، بينما تقهقرت صورة يحياوي بسبب أخطاء غيره.
من جهتها كانت مصالح الأمن العسكري تنشط داخل كل المؤسسات، و بالتالي لم يفتها ما يقال حول الرئيس في أروقة زيروت يوسف، فقامت بنقلها حرفيا للعقيد زرهوني، الذي بدوره أبلغها للرئيس الشاذلي، من باب عرض حال، تاركا للرئيس المجال ليتصرف معهم كيف ما شاء.
لقد كان لاستهجان إطارات الحزب بالرئيس الشاذلي، صدى سلبي على العلاقة بينه و بينهم، من جهة و بينه و بين يحياوي من جهة أخرى، فالرئيس الشاذلي رغم سعة صدره، و طيبة قلبه، كان يتألم سرا مما يقال في ظهره، لأنه في الحقيقة لم يسعى أبدا لتولي منصب رئيس الجمهورية، بل نستطيع أن نقول أن منصب رئيس الجمهورية هو من سعى إليه، كما إنه رجل ترعرع في محيط ريفي، و المجتمع الريفي مجتمع طيب و متحفظ، لكنه في نفس الوقت مجتمع غليظ غلظة الطبيعة، و قاسي قسوة المعيشة الريفية، فالرئيس الشاذلي كبر على الشدة، و بالتالي صار ما يقال في ظهره، يسبب له نوعا من الكراهية الدفينة، تجاه يحياوي الذي قامت عناصر قريبة من الرئيس، بتحميله كل ما يقال في ظهر الرئيس، لأنه حسبهم؛ لا يمكن لتلك الإطارات الحزبية أن تفتح فمها، ما لم تكن تفعل ذلك بإيعاز من يحياوي، كما أن الرائد بلخير في أكثر من مرة وشوش في أذن الرئيس، ما مفاده أن إطارات الحزب كانت موضوعة في سلة المهملات، أيام الرئيس بومدين، فكيف يتجرؤون عليك، بعد أن أنصفتهم، و أزلت الغبار على جهازهم. كل هذه التراكمات دفعت بالرئيس الشاذلي، ليبدأ التفكير بصفة جدية في إزاحة يحياوي نهائيا، و وضعه جانبا ما دام هو رئيسا للجمهورية.
مع الدخول الاجتماعي لسنة 1979، بدأت الصدامات بين الرئاسة، و مؤسسة الحزب، تطفوا على السطح بصورة مثيرة للانتباه، فجماعة يحياوي افتتحوا، موسمهم الجديد بتقديم شكوى للأمين العام لرئاسة الجمهورية السيد عبد المالك بن حبيلس، مفادها أن المستشار الإعلامي للرئاسة يتدخل في عمل وزارة الثقافة و الإعلام، كما رفعت أمانة الحزب مذكرة لرئيس الجمهورية، تطلب فيها الإسراع بتفعيل المواد 68 إلى 83 من النظام الداخلي للحزب، و طالبت بالانطلاق الفوري في عميلة تنصيب مجالس التنسيق البلدية و الولائية.
لقد كانت هذه الشكوى، و هذا الطلب خطأ جديد ارتكبه إطارات الحزب، و سيتحمل نتائجه يحياوي بمفرده، فمن جهة اعتبر الرئيس الشاذلي التكالب على مستشاره الإعلامي، تكالب عليه هو شخصيا، و استنتج أن وزير الإعلام تجاوز حدوده لأنه كان من واجبه تقديم شكواه لرئيس الجمهورية عن طريق الوزير الأول، و ليس لمنسق الحزب، فوضع عبد الحميد مهري في الخانة الحمراء، بوصفه واحد من أتباع يحياوي، على أن يتم التخلص منه في أول تعديل وزاري مقبل. يضاف لذلك أن عملية تنصيب مجالس التنسيق، استقبلها الإطارات المدنية و العسكرية على وجه الخصوص بكثير من الاستياء، ففي أحد التقارير التي رفت للرئيس الشاذلي جاء فيه: أن الولاة و قادة القطاعات العسكرية مستاءون كثيرا من مجالس التنسيق، لأن نظامها الداخلي وضعهم في المرتبة الثانية و الثالثة ضمن الهيئات المشكلة لهذه المجالس، خصوصا و أن رؤساء الاتحاديات الولائية يتصرفون بصفة انفرادية و لا يستشيرون أي جهة أثناء التحضير لأشغال هذه المجالس، مما جعلهم سلطة جديدة فوق الجميع.
ردا على هذه التقارير ، جاءت تعليمات الرئيس الشاذلي تقول بأنه على الولاة و قادة القطاعات العسكرية، حضور اجتماعات مجالس التنسيق، تطبيقا للنظام الداخلي للحزب، أو إيفاد من ينوب عنهم، في حالة عدم مقدرتهم على الحضور، فأحجم أغلبية الولاة و قادة القطاعات العسكرية، عن حضور هذه الاجتماعات، و صاروا يرسلون من ينوب عنهم، مما أفقد هذه المجالس من وزنها الحقيقي، و بدلا من السيطرة على باقي المؤسسات الرسمية، اتسع الشرخ و كبرت الهوى بين الحزب و باقي المؤسسات، مما زاد عدد المطالبين برأس يحياوي ، الذي بقي تحت تأثير مساعديه الذين كانوا يصورون له الوضع، و كأنه أصبح سيد الجزائر، و هذا التصرف بالتحديد هو من قضى على يحياوي لاحقا، و حرمه من الكثير من الأنصار خصوصا في الجيش و الإدارة.
كثرت الشكاوي و التقارير المنتقدة لقيادة الحزب، التي صارت تحشر نفسها في كل كبيرة و صغيرة، و بدلا من تجسيد الوحدة القيادية بين الحزب و الدولة، أخذت الأوضاع تتجه نحو مواجه حقيقية بين أجهزة الحزب التي تسعى لفرض نفسها، و أجهزة الدولة التي لم ترضى بأن تكون تابعة للحزب، و أخذت المشاكل تتراكم، و بقي الرئيس الشاذلي يتابع دون أن يتخذ أي إجراء يفض الخلاف، مما دفع بالرائد العربي بلخير أن يسأله عن سبب بقاءه ساكتا على تصرفات قيادة الحزب، و بإمكانه إزاحتهم جميعا في ضربة واحدة، لكن الرئيس الشاذلي فضل انتظار الدورة الثانية للجنة المركزية قصد طرح كل هذه المشاكل للنقاش. و منها يتخذ ما تستلزمه القضية من قرارات.
بدا و كأن الوضع بين الرئيس الشاذلي و يحياوي متجه للحسم، و كان بالإمكان أن تكون الدورة الثانية للجنة المركزية للحزب، التي انعقدت بين 26 إلى 30 ديسمبر 1979، فاصلة بحيث يتم التخلص نهائيا من منسق الحزب، و الجماعة المحيط به، قبل نهاية سنة 1979، إلا أن أزمة الرهائن الأمريكيين التي انفجرت في 04 نوفمبر 1979 حالت دون ذلك، لأن الرئيس الشاذلي وجد نفسه عن غير قصد محشورا فيها، و لتتجه أنظار العلم كاملا نحو الجزائر و رئيسها الجديد، فأجل مسألة الحسم مع يحياوي، و وجه جهوده نحو دفع الخارجية الجزائرية للعب دورا دبلوماسي غاية في الأهمية، لتسوية أزمة الرهائن الأمريكيين التي سنفرد لها اجزاء خاصة.
يتبع
 
التعديل الأخير:
جزائر الشاذلي بن جديد
صراع الجبابرة
فبراير 1979 ، جوان 1980
الرئيس بن جديد بين مؤسسة الجيش و جهاز الحزب

الدورة الثالثة للجنة المركزية التي أسقطت محمد الصالح يحياوي

لقد كان من بين وعود الحكومة للجان الطلبة، عقد دورة استثنائية للجنة المركزية للحزب، في أقرب وقت ممكن، قصد مناقشة قضية اللغة و الهوية، و الخروج بتصور حقيقي يرضي جميع الأطراف، ففي هذا السياق، و في الوقت التي كانت فيه منطقة القبائل لا تزال مضطربة، و تعيش مخلفات الأحداث العنيفة التي ميزتها أيام 20 إلى 24 أبريل 1980، استدعى الرئيس الشاذلي العقيد محمد علاق المدير المركزي للمحافظة السياسية للجيش الوطني الشعبي، للتباحث معه حول مسألة عقد الدورة الثالثة للجنة المركزية للحزب، و ذلك قبل أن يناقش نفس القضية مع قيادة الحزب.
حضر اللقاء زيادة على الرئيس الشاذلي، كل من العقيد محمد علاق، و الرائد العربي بلخير ، الذي عين منذ فترة وجيزة أمينا دائما للمجلس الأعلى للأمن بدرجة مستشار، و الذي حضر الاجتماع، من باب أن منطقة القبائل، تعيش حالة أمنية خاصة، تستوجب حضوره لمثل هذه الاجتماعات.
خلال هذا اللقاء، بدا العقيد محمد علاق غضبا جدا، و في حالة نرفزة شديدة، و كان بالكاد يمسك أعصابه احتراما للرئيس الشاذلي، و قبل أن يدخل الرئيس الشاذلي، في صلب موضوع الاجتماع، طلب منه العقيد محمد علاق أن يسمح له بكلمة، فهز الرئيس الشاذلي رأسه في إشارة منه ليقول العقيد علاق ما عنده؛ أعرب العقيد علاق عندئذ؛ أن المحافظة السياسية للجيش، غير راضية تماما، عن أداء الأمانة الوطنية للحزب، و أنها ( أي أمانة الحزب) هي من تسببت في إشعال فتيل أزمة منقطة القبائل، حين قامت باستفزاز الطلبة، كما أنها (أي الأمانة الوطنية للحزب)، لم تقم بأي مجهود يذكر لفض الخلاف قبل استفحاله، بل تقاعسها و تعنتها زاد الوضع سوء، و النتيجة، أننا نعاني من مخلفات وضع أمني و سياسي، لم تسبق الجزائر أن عاشت مثله، و كاد أن يوصل البلاد لما لا يحمد عقباه، و على الأمين العام للحزب (الرئيس الشاذلي) أن يتخذ موقف قوي يعيد الأمور لنصابها.
نظر الرئيس الشاذلي، للرائد بلخير متعجبا، ثم التفت للعقيد علاق و سأله : هل لديك اقتراح محدد ؟ فرد العقيد علاق: أقترح عليك سيدي الرئيس، أن يقوم أعضاء المكتب السياسي بتقديم استقالة جماعية، مباشرة عند افتتاح الدورة الثالثة للجنة المركزية، و يفوضون لك صلاحية، إعادة تشكيل المكتب السياسي، فتقوم بإزاحة من تسببوا في هذه الكارثة، و تشكل مكتب سياسي جديد و منسجم، و تنتهي المسألة هنا. سأله الرئيس الشاذلي قائلا: و هل تضن أن أعضاء المكتب السياسي، سيقدمون استقالتهم بهذه السهولة ؟ فرد عليه العقيد علاق: سيدي الرئيس إذا استقالت الأغلبية، فإن العرف يقضي بحل المكتب السياسي، لأنه لا يمكنه ممارسة مهامه، في غياب أغلبية أعضاءه، كما إن الأقلية ستخضع لقرار الأغلبية، وقف نصوص القانون الأساسي و النظام الداخلي. كما أن قرار تقديم أعضاء المكتب السياسي لاستقالتهم، سيحسم الموقف نهائيا لصالح الأمين العام، لأن يحياوي لن يستطيع الاستعانة بأغلبية أعضاء اللجنة المركزية لكبح هذا القرار. الغريب أن الرئيس الشاذلي كان قد ناقش نفس الموضوع، مع الأمين الدائم للمجلس الأعلى للأمن، و كان قد استدعى العقيد علاق، ليطرح عليه نفس الأفكار تقريبا، فإذا بمدير المحافظة السياسية للجيش، يقدم فكرة مكتملة الأركان لتحجيم يحياوي و جماعته دفعة واحدة، بصفته المسئول المباشر عن أزمة منطقة القبائل.
قبل الرئيس الشاذلي مقترح العقيد علاق، و كلفه بتنفيذ هذه المهمة على الوجه الذي يراه صحيحا، و انفض الاجتماع، و لم يبقى سوى مسألة استكمال خطة الإطاحة بيحياوي، الذي كان يضن أن أنصاره في اللجنة المركزية، هم قوة عددية لا يمكن تجاوزها، و بالتالي من المستحيل تجاوزه، بينما كانت الحقيقة عكس ذلك تماما.
في 03 مايو 1980، انعقدت الدورة الثالثة للجنة المركزية لحزب جبهة التحرير الوطني، في قصر الأمم بنادي الصنوبر، لمناقشة جدول أعمال يضم أربع نقاط هي:
1- ملف الفلاحة.
2- ملف السياحة.
3- ملف اللغة.
4- القضايا التنظيمية. (النقطة التي ستكون غطاء لسحب البساط من تحت أقدام محمد الصالح يحياوي).
بدأت الدورة الثالثة للجنة المركزية للحزب، بالكلمة الافتتاحية التي ألقاها الرئيس الشاذلي، التي ركز فيها على أن الجزائر ليس فيها لا عرب و لا بربر، إنما فيها شعب واحد موحد، انصهر فيما بينه، من خلال اللغة العربية و دين الإسلام، و الكفاح المشترك منذ قرون و قرون، و فيما يخص المسألة البربرية، وعد الرئيس الشاذلي في خطابه الافتتاحي أن القيادة ستعد ملف في موضوع الثقافة، على أن يتم عرضها على القاعدة النضالية للمناقشة و الإثراء، ثم فتح النار على أمانة الحزب حين أعرب عن قلقه من تضخم هياكل الحزب، و نبه إلى إمكانية أن يؤثر ذلك على الأداء الوظيفي.
سارت جلسات الدورة الثالثة للجنة المركزية للحزب، بصورة عادية جدا، و كأن شيء لم يحدث، إلى أن وصل النقاش للنقطة الرابعة المتعلقة بالقضايا النظامية، هنا كان مبرمجا أن يقوم رئيس المجلس الشعبي الوطني السيد رابح بيطاط، و يقدم استقالة أعضاء المكتب السياسي، إلا أن السيد رابح بيطاط لم يقم بهذه الخطوة، لأنه حدث قبلها، أن الرئيس الشاذلي أخبر مستشاره الإعلامي الدكتور محيي الدين عميمور، بأن أعضاء المكتب السياسي سيقدمون استقالة جماعية، لكن الدكتور عميمور الذي لم يكن يعلم بما دار بين الرئيس الشاذلي و العقيد علاق، عارض هذا القرار، و اعتبره خطأ سياسي جسيم يمكن أن يؤثر على مصداقية الرئيس، تماما كما حدث في مصر أثناء أزمة مراكز القوى، بين الرئيس أنور السادات و مجموعة 15 مايو، فطلب منه الرئيس الشاذلي أن يتحرك سريعا، قبل افتتاح الدورة، و يطلب من السيد رابح بيطاط، أن لا يعلن على استقالة أعضاء المكتب السياسي، و تحرك الدكتور عميمور في هذا الإطار، و أبلغ السيد رابح بيطاط بطلب الرئيس الشاذلي، فلم يقدم السيد رابح بيطاط، للجنة المركزية، قرار الاستقالة الجماعية، لأعضاء المكتب السياسي، مما تسبب في إجهاض العملية كاملة.
تمكن الدكتور محيي الدين عميمور إذا، من إجهاض عملية الاستقالة الجماعية، لأعضاء المكتب السياسي، و هو لا يدري تماما ما يحاك في الكواليس، لكن فور خروجه من مكتب الرئيس للبحث عن السيد رابح بيطاط، قصد إبلاغه برغبة الرئيس بعدم إعلان الاستقالة الجماعية لأعضاء المكتب السياسي، لاحظ الرائد العربي بلخير ذلك، و انتبه إلى أن الدكتور عميمور بدا و كأنه قلقا و حركته سريعة أكثر من اللازم، و كأنه يجري لتدارك شيء ما، ففهم أن هناك أمرا جديا قد حدث، فدخل لمكتب التشريفات، الذي كان الرئيس يتخذه مكتبا له، أثناء انعقاد دورات اللجنة المركزية بقصر الأمم، فأخبره الرئيس الشاذلي بوجهة نظر الدكتور عميمور، و أضاف أن الدكتور عميمور على حق، فقد يستغل الخصوم هذه الاستقالة الجماعية، ليصورها على أنها خلافات بين أعضاء المكتب السياسي، لم يستطع الرئيس حلها، مما سيسيء لصورة الرئيس، فاقترح الرائد بلخير على الرئيس الشاذلي أن يتركه يتصرف بالتنسيق مع العقيد علاق، لأن الوقت قد حان لوضع حد لكل الخلافات، و لابد له كأمين عام للحزب، أن يمسك بجميع الخيوط في يده، بحيث يختار بنفسه من يعينهم للعمل معه ضمن المكتب السياسي، فوافق الرئيس الشاذلي على اقتراح العربي بلخير، الذي توجه مباشره صوب العقيد محمد علاق، و أخبره بأن الخطة قد تغيرت، فالسيد رابح بيطاط لن يعلن عن استقالة أعضاء المكتب السياسي، و علينا (بلخير و علاق) أن نتصرف بطريقتنا لإعادة قيادة الحزب لصاحبها الحقيقي (الأمين العام للحزب) تحرك العقيد علاق وفق ما اتفق عليه مع الرائد بلخير، و اقترح أن يفض الخلاف خلال النقطة المتعلقة بالقضايا النظامية، و طلب من بلخير أن يتركه يتصرف بمفرده، و سوف ينهي الخلاف لصالح الرئيس.
بمجرد بداية مناقشة النقطة المتعلقة بالقضايا النظامية، تناول الكلمة العقيد محمد علاق، مدير المحافظة السياسية للجيش، و ألقى مداخلة قوية جدا، هزت أركان قاعة المؤتمرات بقصر الأمم، حيث ندد صراحة و بصوت عال جدا، بما يقوم به المكتب السياسي، معتبرا أداءه ضعيف و غير متناسق، في إشارة واضحة لمحمد الصالح يحياوي، الذي بدا مندهشا مما يسمع، و بدلا من أن يقوم أعضاء اللجنة المركزية المناصرين ليحياوي، ليقفوا إلى جانبه و ينددوا بدورهم بما قاله العقيد علاق، التزموا الصمت و لم يتفوهوا بكلمة واحدة، بينما استمر العقيد علاق في توجيه انتقاداته، و أخذ يطحن الأمانة الوطنية للحزب طحنا منقطع النظير، و في أخر كلمته توجه للرئيس الشاذلي بصفته الأمين العام للحزب، و طالبه بإعادة تنظيم هياكل الحزب القيادية، في إشارة أخرى واضحة تعني تغيير تركيبة المكتب السياسي.
فتح العقيد محمد علاق، الطريق لمن يريد تملق الرئيس الشاذلي، سواء للحفاظ على منصبه، أو للتقرب زلفى لرئيس الجمهورية، فبدؤوا يباركون مداخلة مدير المحافظة السياسية للجيش، و أخذوا من جهة أخرى يتبرؤون من منسق الحزب محمد الصالح يحياوي، الذي وجد نفسه وحيدا، معزولا، لا يكاد يصدق ما يدور حوله، و أخذ أعضاء اللجنة المركزية، يسيرون في نفس نهج مدير المحافظة السياسية للجيش، و انتهت هذه النقطة، بالمصادقة على لائحة جاء فيها :
إن اللجنة المركزية للحزب، بعد الاستماع لأراء أعضائها، تساند بقوة ما يمكن للأمين العام أن يتخذه من إجراءات فعالة لإعادة تنظيم هياكل الحزب و الدولة، و تفوضه جميع الصلاحيات لإجراء أي تعديل أو تصحيح يراه ضروري، لإعادة الأمور التنظيمية إلى نصابها، و سياقها الصحيح، كما تخوله سلطة اختيار من يرى أنهم أهلا لتولي المسئولية، وفقا لمبدأ : الرجل المناسب في المكان المناسب.
لقد كان لوقع الجملة الأخيرة من القرار (الرجل المناسب في المكان المناسب) تأثير رصاصة الرحمة التي تطلق على رأس من نفذ فيه حكم الإعدام، ليصبح جثة هامدة، فهذا المصطلح بالذات، أصاب السيد محمد الصالح يحياوي في كبريائه، و شعر لأول مرة في حياته، أن رفقاء السلاح، و إخوة النضال، الذين قاسموه الحلو و المر، قد ازدروه و تخلو عنه، و الأكثر من ذلك، أنهم أصابوه في كرامته، بحيث أضافوا كلمة في نص القرار، معناها أنه أصغر من المسئولية التي كان يمارسها، و أنه بكل بساطة غير أهل لها، فتسبب له ذلك في جرح لم يندمل حتى لقي ربه (رحمة الله عليه).
تم المصادقة على هذه التوصية برفع الأيدي، حتى يتبين للقيادة من يقف مع الرئيس ممن يعارضه، فوجد السيد محمد الصالح يحياوي نفسه وحيدا، بينما وقف كل أعضاء اللجنة المركزية، و هم يهزون قاعة الاجتماعات بتصفيقاتهم المدوية، المساندة للرئيس الشاذلي الذي أمسك في بزمام الحزب، بيد من حديد، و وجه ضربة قاضية لمنافسه العنيد السيد محمد الصالح يحياوي، الذي انتهى دوره نهائيا، خلال هذه الدورة للجنة المركزية، و لم يبقى سوى إزاحته تدريجيا، من الساحة السياسية، ليتحول في ظرف زمني قياسي، لنكرة لا محل لها من الإعراب.
رفعت اللجنة المركزية للحزب جلسات دورتها الثالثة، بتاريخ 07 مايو 1980، بالمصادقة على أربع لوائح هي:
1- لائحة الفلاحة.
2- لائحة السياحة.
3- لائحة تعميم استعمال اللغة العربية، التي اعتبرها الكثير من الناس، ردا مفحما للمطالبين بإعادة النظر في قضية اللغة و الهوية، فقد جاء في اللائحة المتعلقة بتعميم اللغة العربية: أن اللغة العربية هي عنصر أساسي و رئيسي للهوية الثقافية للشعب الجزائري، بحيث لا يمكن فصل شخصيتنا عن اللغة الوطنية، و أن تعميم استعمال اللغة العربية، يهدف إلى تحرير المواطن الجزائري، من التبعية اللغوية، الناتجة عن حقبة طويلة، من هيمنة اللغة الأجنبية (الفرنسية)، و لإنهاء مسألة تعميم اللغة العربية، قررت اللجنة المركزية إدراج هذا القرار ضمن المخطط الوطني الخماسي 1980/1984، مع الإسراع في إنشاء أكاديمية هواري بومدين للغة العربية، لتشارك و تساهم في تمكين اللغة العربية من القيام بكل وظائفها بفعالية و يسر.
4- اللائحة التنظيمية: تخويل الأمين العام للحزب، كل السلطات لإحداث تغيير جذري ضمن هياكل الحزب، في إطار البند السالف الذكر، مع إدراج مشروع تعديل القانون الأساسي في جدول أعمال المؤتمر الاستثنائي، الذي أوصى بعقده المؤتمر الرابع للحزب، مع دعوة اللجنة المركزية لمناقشة مشروع تعديل القانون الأساسي، خلال دورة استثنائية تعقد خصيصا لهذا الأمر.
خرج الرئيس الشاذلي بن جديد من الدورة الثالثة للجنة المركزية للحزب، و قد حقق انتصارا ساحقا، مكنه من السيطرة على جهاز الحزب، فقد تمت المصادقة على إعفاء أعضاء المكتب السياسي من مهامهم، مع تخويله حق تشكيل مكتب سياسي جديد، بالطريقة التي يراها صحيحة، مما سيمكنه من بسط سيطرته أكثر مما كانت عليه، و التخلص من بعض الأعضاء الذي كان يرى فيهم مصدر قلق و خطر على مكانته في الحزب و الدولة، منهم 5 أشخاص كانوا أعضاء في مجلس الثورة (يحياوي، بوتفليقة، بن شريف، طيبي، و دراية) ، و عضوان كانا من أبرز مساعدي الرئيس بومدين (بلعيد عبد السلام و قاصدي مرباح).
يتبع
 
جزائر الشاذلي بن جديد
صراع الجبابرة
فبراير 1979 ، جوان 1980
الرئيس بن جديد بين مؤسسة الجيش و جهاز الحزب:
المؤتمر الاستثنائي لحزب جبهة التحرير الوطني 19/15 جوان 1980.
سقوط يحياوي و اندثار الفكر البومديني


لقد شكل المؤتمر الاستثنائي للحزب الذي انعقد من 15 إلى 19 جوان عام 1980، نقطة تحول واضحة في الحياة السياسية الوطنية، لأن هذا المؤتمر بالذات كرس ثلاث نقاط أساسية سيكون عليهم مدار العمل خلال الخمس سنوات التالية :
1- أنه جمع السلطات كاملة في يد الرئيس الشاذلي، و بالتالي يمكننا أن نعتبر أن بداية حكمه الفعلية انطلقت في هذا التاريخ.
2- انطلاق عملية تصفية حقيقية، ضد كبار المسئولين المقربين من الرئيس هواري بومدين، تلتها مرحلة تصفية حسابات تعدت بكثير، حدود الأدب و اللياقة السياسية، من خلال القيام بأعمال دنيئة في حق كل من فقدوا مناصبهم.
3- انطلاق سياسة إعادة النظر في التوازنات الكبرى للاقتصاد الوطني، مما تسبب لاحقا في اضمحلال البنية الاقتصادية التي وضع أسسها الرئيس بومدين، و التي أوصلت البلاد لإفلاس مالي حيقي، دفع الدولة لانتهاج سياسة اقتراض زادت الوضع سوء.
فبعد تحضيرات دقيقة، اشرف عليها أقرب المقربين للرئيس الشاذلي، و الذي تم اختيارهم بعناية كبيرة، افتتح المؤتمر الاستثنائي للحزب في شبه عرس سياسي، ينبأ بتغييرات جذرية، ستشهدها الجزائر في قريب عاجل، كما أنه و لأول مرة منذ 27 ديسمبر 1978، غابت تماما و بشكل ملفت للانتباه صور الرئيس هواري بومدين، بينما رفعت شعارات سياسية، توحي بأن المؤتمر سيشهد تكسير عظام، كل من يقف في وجه النظام الجديد، الذي يمثله الرئيس الشاذلي، و الجماعة الجديدة المحيطة به. و قد تعمد بعض الجهات المتكونة من عناصر مقربة جدا، من الرئيس الشاذلي، شحن الجو العام، بحيث طغت الإشاعات على أروقة و كواليس المؤتمر، منها أن هناك رجل جديد يحضا بثقة مؤسسة الجيش، و سيكون له دورا مرموق، في إعادة بناء الاقتصاد الوطني (السيد عبد الحميد الإبراهيمي)، و منها أن يحياوي قد انتهى دوره، و وضع اسمه في قائمة المغضوب عليهم، مما تسبب في نوع من الارتباك، جعل المندوبين يفرون منه، و يغيرون طريقهم كلما صادفوه.
ففي إطار السياسة الممنهجة، لكسر عظام منسق الحزب الأسبق، و قدماء أعضاء مجلس الثورة، قصد عزلهم نهائيا، و إبعادهم بصفة رسمية، عن أي سلطة سياسية أو حزبية، شكل مكتب المؤتمر كما يلي :
الشاذلي بن جديد رئيس.
العقيد محمد علاق و السيد بوعلام باقي نواب للرئيس.
أعضاء المكتب: سليمان عياش، فريدة لهزيال، محمد مباركي.
الناطق الرسمي باسم المؤتمر: عبد المجيد علاهم.
أعضاء أمانة المؤتمر: الدكتور محيي الدين عميمور، الدكتور عبد الحميد الإبراهيمي، مسعودي زيتوني، الرائد العربي بلخير، و محمد رويغي.
افتتح الرئيس الشاذلي، جلسات المؤتمر الاستثنائي، بإلقاء كلمة ، ركز فيها على أن الميثاق الوطني هو المرجع الأساسي، لتحديد سياسة الدولة في كافة الميادين، كما عرج على قضية إعادة النظر في هياكل الحزب، و أكد على ضرورة الحذر من تضخم التركيبة العددية، لهياكل الحزب، كما تكلم الرئيس الشاذلي بإسهاب عن الشق الاقتصادي، و أكد على ضرورة التقيد بالميثاق الوطني، أثناء القيام بأي مبادرة سياسية كانت أو اقتصادية، معتبرا ذلك قضية تخصه شخصيا، لأنه اقسم أثناء المؤتمر الرابع على انه سيسهر على تطبيق الميثاق الوطني، فصار واضحا أن هناك رياح تغيير قوية جدا، ستعصف على الجزائر بكافة هيئاتها، السياسية و الاقتصادية.
بعد كلمة الرئيس الشاذلي، و الاستماع للتقارير الجهوية، انطلقت أعمال اللجان، التي يتم خلالها ضبط كل القرارات التي يتخذها المؤتمر ، و لا يبقى بعدها إلا مسألة مناقشة تلك القرارات في الجلسات العامة، ثم المصادقة عليها، و هي أمور تنظيمية شكلية، تمر مرور الكرام، خصوصا حين يعرف الماسكون بخيوط اللعبة، كيفية جذبها لتحريك المندوبين كيفما شاءوا.
بالرغم من درجة التنظيم العالية التي ميزت جلسات المؤتمر، حدث الكثير من الصدامات داخل اللجان، منها أن الدكتور عبد الحميد الإبراهيمي، أصر على أن يقدم مشروع المخطط الخماسي 1980/1984، ليصادق عليه المؤتمر، و بسبب ذلك دارت نقاشات طويلة جدا داخل اللجنة الاقتصادية، انتهت برفض طلب الإبراهيمي، لأنه غير مؤسس، فالمؤتمر يصادق على الخطوط العريضة للبرنامج الاقتصادي للحزب، بينما تتولى اللجنة المركزية، مهمة إعادة المخططات الاقتصادية، و تقدمها للحكومة قصد تطبيقها، مما كان سيسحب صلاحية من صلاحيات، اللجنة المركزية و الحكومة، و حتى المجلس الشعبي الوطني، ففشلت محاولة الإبراهيمي في تمرير فكرته.
لقد كان للجنة إعداد القانون الأساسي، أو اللجنة التنظيمية كما تسمى عادة خلال مؤتمرات الحزب، دورا محوريا في تمكين الرئيس الشاذلي الإمساك بزمام الحزب بقبضة من حديد، فهذه اللجنة التي ترأسها السيد محمد الشريف مساعدية، و ضمت الكثير من المتسلقين الجدد، الذين أبدعوا في انتزاع السلطات و تركيزها، في يد رئيس الجمهورية، قد نالوا نتيجة لذلك، الجزاء الأوفى بعد المؤتمر، فقد تم تعيينهم كلهم في مناصب سياسية و عسكرية غاية في الأهمية، منهم مساعدية الذي سيخلف يحياوي على رأس جهاز الحزب، و بن مصطفى بن عودة الذي سيتولى رئاسة لجنة الانضباط، و الذي سيتولى بعدها مهمة تصفية بقايا الإطارات البومدينية، و إبراهيم ابراهمية الذي سيرقى لرتبة وزير، بعد تصفية سيد أحمد غزالي، و المقدم مصطفى بلوصيف الذي سيتولى الأمانة العامة لوزارة الدفاع الوطني.
لقد أدخلت لجنة إعداد القانون الأساسي، 5 تعديلات جوهرية على القانون الأساسي للحزب، أعطى للأمين العام سلطات استثنائية، ستمكنه لاحقا من القضاء على أي معارض له، يمكن تلخيصها في النقاط التالية:
1- المادة 105 التي نصت على أن اللجنة المركزية تقوم بإنشاء الهياكل المركزية الدائمة للحزب بناء على اقتراح يقدمه الأمين العام.
2- المادة 112 التي أعطت للامين العام صلاحية تكوين الهياكل الدائمة لأداء المهام العادية من إدارة و تنفيذ و تنسيق و رقابة.
3- المادة 114 أعطت للأمين العام صلاحية اختيار، أعضاء المكتب السياسي، و تقديمهم للجنة المركزية للمصادقة.
4- المادة 117 التي منحت للأمين العام حق تعيين أمناء المحافظات.
5- المادة 120 التي حصرت حق تولي مسؤولية المنظمات الجماهيرية ضمن الأعضاء المنخرطين في الحزب فقط.
في نهاية أشغاله، انتخب المؤتمر لجنة مركزية متكونة من 200 عضوا أساسيا، و 40 عضوا إضافيا، بفارق واحد هو أن الدكتور عبد الحميد الإبراهيمي، انتقل من القائمة الإضافية ليصبح عضوا أساسيا رقم 200 في اللجنة المركزية، بينما فقد وزير الري سيد أحمد غزالي منصبه الوزاري، و مقعده في اللجنة المركزية، و أحيل على لجنة الانضباط التي سيرأسها العقيد بن مصطفى بن عودة، و التي ستستمر في تكسير الإطارات البومدينية، و وضعها على الهامش.
بعد المؤتمر الاستثنائي للحزب، الذي كرس نهائيا جميع السلطات في يد رئيس الجمهورية، لم يبقى أمام الرئيس الشاذلي سوى الانطلاق بخطى ثابتة، في عملية تصفية خصومه، فكانت خطوته الأولى استدعاء اللجنة المركزية للحزب، في دورة استثنائية عقدت من 28 إلى 29 جوان 1980، أي عشرة أيام فقط بعد انتهاء أشغال المؤتمر الاستثنائي، قام خلالها بتعيين مكتب سياسي يضم 07 أعضاء بدلا من 17، حيث صار المكتب السياسي الجديد يضم كل من :
1- الشاذلي بن جديد الأمين العام للحزب.
2- رابح بيطاط.
3- عبد الله بلهوشات.
4- محمد الصالح يحياوي.
5- عبد العزيز بوتفليقة.
6- محمد السعيد معزوزي.
7- بوعلام بن حمودة.
غير أن هذا المكتب السياسي، كان هيئة شرفية بحثت، إذ صارت كل السلطات، ممركزة في اليد الأمين العام للحزب، الرئيس الشاذلي، و مما زاد ضعف يحياوي (و إن حافظ على مكانته ضمن تشكيلة المكتب السياسي الجديد) هو انسحاب عبد العزيز بوتفليقة بصورة ملحوظة، حيث لم يعد يحضر للاجتماعات الرسمية، و صار لا يقوم بأي دور سياسي أو حزبي، أما محمد السعيد معزوزي فلم يكن بمقدوره القيام بأي شيء، لترجيح الكفة لصالح صديقه محمد الصالح يحياوي، الذي خانته الأغلبية الساحقة من أنصاره، و بذهاب يحياوي سترحل معه، فكرة الحزب الذي يقود و يحكم، الذي سيتحول تدريجيا لحزب يقود و لا يحكم.
إن الحقيقة التي يتحاشى الكثير من كتاب التاريخ قولها صراحة، هي أن السيد محمد الصالح يحياوي، كان يعمل على بناء حزب يقود و يحكم، تماما مثله مثل باقي الأحزاب الحاكمة في الدول الاشتراكية حينها، بحيث تكون هل الهيئات تابعة للحزب، و تسير في إطار السياسة العامة التي يرسمها الحزب، لكن ما كانت هيئات سيادية لتقبل أن تتحول لمجرد هياكل تابعة للحزب، ففي فترة حكم الرئيس بومدين، و تحديدا منذ 1965 إلى غاية 1977 تاريخ تعيين محمد الصالح يحياوي منسقا وطنيا لجهاز الحزب، كانت سياسة الرئيس بومدين قد جعلت من جبهة التحرير الوطني، مجرد جهاز لا حول له و لا قوة، و صار كل إطار يفشل في مهمة تنفيذية ضمن الحكومة أو الإدارة، يرسل لسلة مهملات اسمها جهاز الحزب، و بقي الوضع على حاله حتى تعيين السيد محمد الصالح يحياوي على رأس ذلك الجهاز، فقام خلال مدة وجيزة، بإعادة إحياء ذلك الكيان المتجمد، كما استطاع أن ينتهج سياسة كانت تصبوا للقيام، بجبهة التحرير الوطني لتتولى مكانتها الحقيقية، أي تصبح حزب يقود و يحكم، لكن هذه الأطروحة، وضعت السيد محمد الصالح يحياوي في مواجهة قوى سياسية و أمنية و عسكرية و اقتصادية و مالية، ما كان بالإمكان مواجهتها بمفرده، فقد كانت هذه النخب قد استفادة من فترة غياب أو بالأحرى تغييب الحزب، لتشكل مراكز قوى و ضغط يستحيل تجاوزها. لقد كان لسقوط محمد الصالح يحياوي، وقعا خاصا على جبهة التحرير الوطني، و على الجزائر قاطبة، فبسقوط يحياوي، سقط معه مشروعه الهادف لبناء حزب سياسي، طلائعي اشتراكي، يقود و يحكم، و يجسد لبنة الوحدة بين أجهزة الدولة بكافة أنواعها.
أثناء نفس الدورة للجنة المركزية، أعاد الرئيس الشاذلي ضبط أمور الأمانة الوطنية للحزب، فعين محمد الشريف مساعدية مسئولا للأمانة الدائمة للجنة المركزية للحزب، بموجب قرار صدر في الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية، منهيا بذلك أي دور تنظيمي لمحمد الصالح يحياوي، الذي انتهى دوره رسميا خلال هذه الدورة للجنة المركزية.
بسقوط يحياوي و بوتفليقة، و بإبعاد أحمد بن شريف، و طيبي العربي ، و أحمد دراية، و بلعيد عبد السلام، و سيد أحمد غزالي، استطاعت القوة المسيطرة الجديدة بسط نفوذها، على كامل مفاصل السلطة في البلاد، و لم يبقى غير تعديل الحكومة، و إعادة ترتيب شؤون الأمن و الجيش، لتصبح سيطرتهم كاملة على جزائر ما بعد بومدين.
يتبع
 
عودة
أعلى