جزائر الشاذلي بن جديد … الطريق نحو التعددية السياسية

الحاج سليمان 

خـــــبراء المنتـــــدى
إنضم
5 سبتمبر 2007
المشاركات
7,492
التفاعل
20,647 277 34
الدولة
Algeria
هذا الجزء هو الاول ضمن عشرين جزءا تؤرخ لفترة حكم الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد 1979-1992 وقيادته البلاد من النهج الاشتراكي إلى اقتصاد السوق :

جزائر الشاذلي بن جديد :

الرئيس بن جديد بين مؤسسة الجيش و جهاز الحزب

المقدمة :

لقد شكلت الـ18 شهرا الأولى من فترة حكم الرئيس الشاذلي، نقطة تحول حقيقية في منظومة الحكم، فخلال هاته الفترة، تكونت النواة الصلبة التي ستعشش في دواليب الحكم، و ستنتج لاحقا مراكز قوى صَعُبَ التحكم فيها؛ كما كانت هاته الفترة مرحلة أَظْهَرَ فيها الناس أسوء ما فيهم، و استعملت فيها جميع أنواع الخبث السياسي، بما في ذلك الوشاية، الكذب، النفاق، التأمر و الضرب تحت الحزام، لتنتهي بانهيار جيلا كاملا من القادة السياسيين و العسكريين، ليحل محلهم جيل جديد، عاشرهم و ناضل معهم، ثم انقلب عليهم و صفاهم. لقد كانت هاته الفترة مرحلة استعمل فيها بوَعْيٍ أو بغير وَعْيْ أساليب منحطة منها التلفيق و الابتزاز كما حدث للمجاهد مسعود زقار، و منها التهويل و التضخيم، كما حدث مع السيد محمد الصالح يحياوي، و منها تصفية الحسابات، كما حدث مع اللواء مصطفى بلوصيف، و منها الوشاية الكاذبة و الضرب في الظهر و تحت الحزام كما حدث مع الدكتور محيي الدين عميمور، و منها إشعال نار الفتنة باستعمال النميمة و الوشاية الكاذبة، كما حدث مع الرائد إبراهيم براهمية، و غيرهم من رجالات الجزائر الأوفياء.
لقد مهدت هاته المرحلة لما سيأتي بعدها من سوء تسيير يتسبب في ضياع اقتصاد الجزائر و انهياره،بعدما حقق نسبة نمو بلغت 9 بالمائة عام 1977 (رقم لم تبلغه اليابان حينها)، و لتتسبب في تفكك التركيبة السياسية لمنظومة الحكم، و تسبب نزيفا في الإطارات الوطنية المخلصة التي تعرضت للتصفية و التهميش، لتنتهي كل تلك التراكمات بإنتاج أزمة حكم حقيقية أفضت لكارثة الخامس من أكتوبر 1988، التي بدورها قضت على ما بقي للدولة الجزائرية من مقومات، و لتُدْخَلَ الجزائر عُنْوَةً في تعددية سياسية غير محسوبة العواقب، و ينفتح الاقتصاد الوطني على السوق الحرة بطريقة ارتجالية، و غير مدروسة، ليتشكل في الأخير كل ما يلزم للوصول بالجمهورية لشفا الأنهار ، و كادت أن تسقط في يد الأصولية.
و إنصافا للرجل؛ علينا أن نذكر منذ البداية، أن الرئيس الشاذلي بن جديد حاول قدر المستطاع إصلاح ما يجب إصلاحه، و تغيير ما يجب تغييره، فقد عمل بجد، و نقاء سريرة على رفع الغبن عن الشعب الجزائري، ففي منظوره الخاص، إن الشعب الجزائري قد عاش الويلات، و عليه أن ينعم برخاء الاستقلال، لذلك عمد على إلغاء بعض الأمور في السياسة البومدينية التي رأى أنها شدة زائدة عن اللازم، لكنه في نفس الوقت وضع ثقته فيمن لا يستحقها، و سنرى من خلال تقدم الأحداث و تطورها، أن الرئيس الشاذلي بن جديد تعرض للكثير من الخيانات، ناهيك عن الغثبة و النميمة و حتى الظلم، كما لفقوا له ما لم يفعله، و اتهموه بما ليس فيه، و لعل أكبر خطأ ارتكبه الرئيس بن جديد، أنه كان طيبا أكثر من اللازم..
نظرا لتشعب القضايا و تضاربها، و كثرة الأحداث، سأقسم هذا الملف إلى أجزاء، و سينقسم كل جزء إلى فصول، فأرجوا من المتابعين الكرام سعة الصدر و طول البال، و أعد أنكم ستقرؤون تاريخا للجزائر، كما لم تقرؤوه من قبل.
يتبع
 
IMG_0184.jpeg
 
للأسف هو سبب العشرية السوداء و سبب دخول الجزائر في نفق مظلم
سمح بتعدد الاحزاب في وقت تحول الدولة من دولة عسكرية الى دولة مدنية و عدم ترتيب امور و المناصب و خلق فراغ في النظام الامني و السياسي
 
اكبر حشوة لم نكن جاهزبن لتعددية
... الصين بحزب واحد حققت معجزات و الجزائر ب 60 حول تسبح مع دول العالم الثالث
 
الله يرحم الرئيس شاذلي و لكن فترة حكمه شهدت اخطاء كثيرة اقتصاديا و سياسيا للاسف.
 
جاء بالتعددية الحزبية في وقت مبكر لم يكن فيه الكثير من النخب المثقفة القادرة على التسيير ،إستغل المتطرفون هذا و استفردوا بالمعارضة بعدما كان الشعب خلاص كره ما FLN
أنصحكم تشوفوا قصة ازدهار كوريا الجنوبية اقتصاديا
 
جاء للحكم بنظام سياسي قوي خزينة مليئة و نمو اقتصادي 8-9 بالمئة ورحل بخزينة فارغة وفراغ سياسي هائل

جيل تلك الفترة عاشوا كالملوك في عهده لكن الأخطاء الاقتصادية التي ارتكبت في الثمانينات لا نزال نعاني ويلاتها حتى اليوم

أن تكون شخص طيب لا يعني أن تكون حاكم جيد

رحم الله الرئيس الشاذلي
 
جاء بالتعددية الحزبية في وقت مبكر لم يكن فيه الكثير من النخب المثقفة القادرة على التسيير ،إستغل المتطرفون هذا و استفردوا بالمعارضة بعدما كان الشعب خلاص كره ما FLN
أنصحكم تشوفوا قصة ازدهار كوريا الجنوبية اقتصاديا
كان فيه pnsd والfss اعتقد والrcd، الشعب اختار الفيس لأنه اراد الفيس، مش لأنو يكره الFLN (ثاني اكبر فائز) او لأنو صوت زكارة، نعترف بالواقع كما هو.
 
جاء للحكم بنظام سياسي قوي خزينة مليئة و نمو اقتصادي 8-9 بالمئة ورحل بخزينة فارغة وفراغ سياسي هائل

جيل تلك الفترة عاشوا كالملوك في عهده لكن الأخطاء الاقتصادية التي ارتكبت في الثمانينات لا نزال نعاني ويلاتها حتى اليوم

أن تكون شخص طيب لا يعني أن تكون حاكم جيد

رحم الله الرئيس الشاذلي
العربي بلخير وبوتفليقة سبابنا
شوف وش صرا لمحمد الصالح باش جا الشاذلي (لو الامور مشات الامور بشكل صحيح لو مشكل العشرية ماكانش حدث اصلا)
المرة الأولى الجزائر قضت على فرصتها في نظام سياسي متماسك يتحرك وفق الraison d'etat مش مصالح الافراد وهواهم كان لما بدأت الثورة مع التفريط في خبرة حزب الشعب، المرة الثانية مع "التصحيح الثوري" واللي كسرت الدولة بشكل كلي كان صنيع السرطان بلخير
 
جاء للحكم بنظام سياسي قوي خزينة مليئة و نمو اقتصادي 8-9 بالمئة ورحل بخزينة فارغة وفراغ سياسي هائل

جيل تلك الفترة عاشوا كالملوك في عهده لكن الأخطاء الاقتصادية التي ارتكبت في الثمانينات لا نزال نعاني ويلاتها حتى اليوم

أن تكون شخص طيب لا يعني أن تكون حاكم جيد

رحم الله الرئيس الشاذلي
الخزينة لم تكن مملؤة بل العكس . عند وفاته بومدين ترك البلاد مثقلة بالديون (16 مليار دولار).و الشاذلي تغافل عن هذا و أطلق سياسة شعبوية تتسم بالتبذير : من أجل حياة أفضل . و فتح الباب للإستيراد و الإستهلاك مما زرع البذور الأولى للفساد و قد قدره الوزير الأول آنداك ابراهيمي ب 26 مليار دولار .
 
الخزينة لم تكن مملؤة بل العكس . عند وفاته بومدين ترك البلاد مثقلة بالديون (16 مليار دولار).و الشاذلي تغافل عن هذا و أطلق سياسة شعبوية تتسم بالتبذير : من أجل حياة أفضل . و فتح الباب للإستيراد و الإستهلاك مما زرع البذور الأولى للفساد و قد قدره الوزير الأول آنداك ابراهيمي ب 26 مليار دولار .

الديون التي تم اقتراضها في السبعينات كلها كان يتم استثمارها في شراء المصانع و خلق مشاريع تستطيع الجزائر من خلالها بسهولة دفع الدين و تحقيق أرباح اقتصادية و قد تم ذلك عدة مرات في عهد بومدين

تغير التوجه الاقتصادي بعده هو ما تسبب في توقف النمو الاقتصادي الكبير بعد قرابة العقد و التوجه نحو الإستهلاك الذي أهلكنا
 
للأسف هو سبب العشرية السوداء و سبب دخول الجزائر في نفق مظلم
سمح بتعدد الاحزاب في وقت تحول الدولة من دولة عسكرية الى دولة مدنية و عدم ترتيب امور و المناصب و خلق فراغ في النظام الامني و السياسي

اكبر حشوة لم نكن جاهزبن لتعددية
... الصين بحزب واحد حققت معجزات و الجزائر ب 60 حول تسبح مع دول العالم الثالث

جاء بالتعددية الحزبية في وقت مبكر لم يكن فيه الكثير من النخب المثقفة القادرة على التسيير ،إستغل المتطرفون هذا و استفردوا بالمعارضة بعدما كان الشعب خلاص كره ما FLN
أنصحكم تشوفوا قصة ازدهار كوريا الجنوبية اقتصاديا

من السهل التحليل والنقد بعد مضي الاحداث واتضاح النتائج وهذه مغالطة شائعة
لكن اي شخص كان في مقعد الرجل وقتها لم يكن ليعلم بدقة ما سيحدث

وقتها كانت الشيوعية والاشتراكية في تراجع والكفة تميل شيئا فشيئا للمعسكر الغربي ومن الحكمة الانفتاح عليه
 
جزائر الشاذلي بن جديد
الجزء الاول
فبراير 1979 ، جوان 1980
الرئيس بن جديد بين مؤسسة الجيش و جهاز الحزب

تساقط رموز العهد البومدينية

بعد الدورة الثالثة للجنة المركزية، جمع الرئيس الشاذلي أمره، لتصفية الساحة من العناصر المتشددة، و المحسوبة على التيار البومديني، و التي استطاعت البقاء عالقة ضمن دواليب السلطة في البلاد، إلا أنها كانت بطريقة أو بأخرى تنازع الرئيس الشاذلي في أحقيته في خلافة بومدين، حيث صار بقائها ضمن الحلقة الأولى لمركز اتخاذ القرار و إن كان شرفيا، شيء مقلق دفع الرئيس الشاذلي، للتعجيل بفض صراعاته معهم بصفة نهائية، و بالتالي يَنْتَقِلْ من النفوذ البومديني، إلى مرحلة حكم خاصة به، يسيرها وفق تصوراته، و أطروحاته، و يشرك فيها، و يعزل فيها، من يشاء من الإطارات. و قد كان للإطارات العسكرية المحيطة بالرئيس الشاذلي، دورا فعالا في إقناعه بهذه الأطروحة، التي كان هو أساسا مقتنعا بها، و إنما كان في حاجة لمن يبادره في الموضوع، بحيث يكون تحركه مبني على استشارة جماعية، و ليس قرار فردي يتحمل مسئوليته لوحده، في حالة فشله في التخلص من خصومه.
في زخم هذه الصراعات الطاحنة التي دار رحاها في صمت تام، بدأت النخب السياسية و العسكرية، تتصادم فيما بينها، لتنتج عصب جديدة مختلفة تماما عن سابقاتها، التي كانت تحتكر الحكم و السلطة في عهد الرئيس هواري بومدين، فعلى مستوى رئاسة الجمهورية، بدأ الرائد العربي بلخير، يخطوا خطواته الأولى التي ستمكنه من الإمساك، بزمام الأمور، ليصبح الرجل الثاني في الدولة بدون أي منازع، كما أخذ مولود حمروش يتموقع بدوره، و يتقرب من الرئيس الشاذلي، من خلال اتصاله الدائم و المستمر به، بوصفه مدير عام للبروتوكول في رئاسة الجمهورية، و ستتطور الأحداث بحيث يصبح الرجلان بلخير و حمروش أقوى رجال السلطة في البلاد على الإطلاق، و من أقرب المقربين للرئيس الشاذلي، الذي وضع فيهما ثقته التامة، و مكنهما من ممارسة سلطة خارقة للعادة، و لم يكن يتخذ أي قرار دون الرجوع إليهما، كل في مجال التخصص، الذي فوضهم فيه، بحيث صار للأول (العربي بلخير) اليد العليا في تسيير ملف إطارات الأمة بأكملها، بينما أصبح للثاني (مولود حمروش) اليد العليا في تسيير ملف الاقتصاد الوطني بأكمله.
أثناء مناقشة تشكيلة اللجنة الوطنية لتحضير المؤتمر الاستثنائي للحزب، اقترح الرائد بلخير، على الرئيس الشاذلي، أن يقدم مجموعة الرئاسة على سواهم من الإطارات، بوصفهم المساعدين المباشرين الذي لا شك في ولائهم لشخصه، كما إنهم إطارات ممتازة قد صقلتها التجارب التي عاشوها مع الرئيس بومدين، و هم أعلم الناس بكافة الإطارات، و بالتالي توليتهم رئاسة اللجنة و رئاسة اللجان الفرعية، ستمكنهم من تحضير المؤتمر وفق رأيتهم الخاصة، بحيث يتم إعداد كل شيء في هدوء تام، و بالتالي تخطي جماعة زيروت يوسف التي صار لازما ترويضهم، و إفهامهم أن السلطة داخل الحزب، انتقلت رسميا من قصر زيروت يوسف (المقر المركزي للحزب) إلى قصر المورادية (رئاسة الجمهورية).
ففي هذا الإطار، بدأ الرئيس الشاذلي، يعد العدة لإعادة هيكلة أجهزة الحزب و الدولة، بحيث يصير هو مركز قرارها، و ما كان ذلك ليتأتى في وجود العناصر المتشددة، الموروثة عن حكم سابقة الرئيس بومدين، طبعا لم تكن نية الرئيس الشاذلي كما يضن الكثير من الناس، هي تصفية الفكر أو الاتجاه البومديني، الذي بقي طاغيا على المشهد السياسي في الجزائر، فالرئيس الشاذلي نفسه كان بومدينيا، و من الإطارات العسكرية التي لها مسار طويل إلى جانب ذلك الزعيم، إنما الخلافات السياسية التي استمرت حتى بعد تولي العقيد الشاذلي لرئاسة الجمهورية، دفعته و ألزمته بانتهاج سياسة أُوِلَتْ فيما بعد، على أنها تصفية للبومدينية، و في الحقيقة لم تكن كذلك، إنما أراد الرئيس الشاذلي من خلال ما سيتخذه من قرارات، إنهاء دور القيادات الطلائعية التي شاركت بومدين فترة حكمه التي دامت 13 سنة، و فسح المجال للجيل الثاني من القيادات لتتولى نفس مناصب، كما أن هناك دليل أخر على عدم وجود أي نية مبيتة لتصفية الفكر البومديني (عن الأقل بالنسبة للرئيس الشاذلي) أنه لم يتخلص من كل من عاشروا بومدين، و قد تجلى ذلك من خلال إبقاءه إلى جانبه للدكتور احمد طالب الإبراهيمي، و في نفس المنصب الذي كان يشغله إلى جانب بومدين ، كما أبقى إلى جانبه كل من المستشار الإعلامي للرئيس بومدين الدكتور محيي الدين عميمور، و مدير التشريفات مولود حمروش، و مدير الأمن الرئاسي كركب، و كلهم كانوا من المقربين لبومدين، و احتفظوا بنفس المناصب التي كانوا يشغلونها، كما أن الرئيس الشاذلي (منذ الأشهر الأولى لبداية حكمه) استطاع عزل الكثير من الإطارات المحسوبة على بومدين، مثل تعيينه لمحمد الصديق بن يحي وزيرا للخارجية، المنصب الذي احتكره عبد العزيز بوتفليقة لمدة تجاوزت 16 سنة، كما عزل أحمد بن شريف، و الطيبي العربي، و أحمد دراية، و بلعيد عبد السلام، الذين أعفاهم من مناصب تنفيذية مهمة جدا، ليحولهم إلى مجرد أعضاء في المكتب السياسي للحزب، بلا أي سلطة تذكر، في انتظار عملية تصفيتهم التي انطلقت فعليا، أثناء الدورة الثالثة للجنة المركزية للحزب.
ففي هذا السياق، و تنفيذا لخطوته الأولى المتعلقة بتصفية شوائب النظام البومديني، شكل الرئيس الشاذلي اللجنة الوطنية المكلفة بتحضير المؤتمر الاستثنائي للحزب، و عين على رأسها وزير السياحة السيد عبد المجيد علاهم، في إشارة واضحة على أن دور منسق الحزب، السيد محمد الصالح يحياوي قد انتهى، ثم تفرعت اللجنة الوطنية إلى ستة لجان فرعية هي :
1- اللجنة الفرعية للوثائق و الأمانة التقنية: برئاسة الرائد العربي بلخير (إطار في الرئاسة).
2- اللجنة الفرعية للقوانين التنظيمية: برئاسة السيد مسعودي زيتوني.
3- اللجنة الفرعية للتنظيم العام: برئاسة السيد مولود حمروش (إطار في الرئاسة).
4- اللجنة الفرعية للإعلام: برئاسة الدكتور محيي الدين عميمور (إطار في الرئاسة).
5- اللجنة الفرعية للشؤون الاقتصادية: برئاسة الدكتور عبد الحميد الإبراهيمي. الذي كان مكلف بإعداد مشروع المخطط الخماسي 1984-1980 بصفته وزيرا للتخطيط.
كما استفاد الرئيس الشاذلي، من القرارات التي اتخذتها اللجنة المركزية، في دورتها الثالثة، و التي نصت أساسا، على حق رئيس الجمهورية و الأمين العام للحزب، في تشكيل أي لجنة دائمة أو خاصة، كلما دعت الضرورة لذلك، فقام أسبوعا فقط بعد تنصيبه للجنة الوطنية المكلفة بتحضير المؤتمر الاستثنائي للحزب، بتنصيب لجنة خاصة مكلفة بدراسة الهياكل المركزية للحزب، و إعداد مشروع تعديل القانون الأساسي، الذي سيعرض على المؤتمر، فسحب البساط من تحت أقدام اللجنة الفرعية للقوانين التنظيمية، و بالتالي صار تحضير مسودة القانون الأساسي الجديد للحزب، يعاد النظر فيه في لجنة مستقلة تماما عن لجنة تحضير المؤتمر، مما أعطا للمساندين للرئيس الشاذلي، فرصة العمل في الخفاء، و تمرير ما يشاءون من تعديلات، في انتظار إيجاد طريقة ليزكيها المؤتمر.
بالرغم من كل الضربات الموجعة التي تلقاها، السيد محمد الصالح يحياوي، و المحاولات المتتالية لإبعاده، عن مركز اتخاذ القرار داخل جهاز الحزب، إلا أنه رفض الاستسلام، و واصل معركته الطاحنة ضد جماعة المورادية (رئاسة الجمهورية) كما كان يسميهم، و قد تجلى هذا الصراع بصورة واضحة جدا، خلال أعمال اللجان الفرعية، كما أن هذه الصراعات فتحت المجال للكثير من المتسلقين الجدد، الذي لم يكن لهم أي دور يذكر، في مرحلة حكم الرئيس بومدين، فأخذوا يتموقعون داخل أجهزة الحزب و الدولة، طمعا في الحصول على مناصب سياسية أو تنفيذية، في منظومة الحكم الجديدة، مما تسبب في تشكيل لوبيات و عصب و جماعات ضغط، سنتطرق إليها في حينها كل على حدا.
اشتد الصراع داخل اللجان الفرعية، فرئيس اللجنة الفرعية للشؤون الاقتصادية، الدكتور عبد الحميد الإبراهيمي، الذي كان حينها يشغل منصب وزير التخطيط، و كان في نفس الوقت مكلفا بإعداد المخطط الخماسي 1980/1984، كان يريد أن يعتمد المؤتمر مخططه الاقتصادي، مما سيتسبب لاحقا في نقاشات طويلة جدا، لأنه قانونا لا يحق للجنة المركزية تعديل لوائح و توصيات المؤتمر، فإذا صادق المؤتمر على المخطط الخماسي، كما كان يريد السيد عبد الحميد الإبراهيمي، لأصبح من المستحيل تعديله لاحقا، إلا من خلال مؤتمر جديد، و هذا يظهر مدى التعنت الذي مارسه بعض المتسلقين الجدد، أثناء التحضيرات المتعلقة بعقد المؤتمر الاستثنائي، و حتى أثناء المؤتمر نفسه.
كانت اللجنة الفرعية للإعلام، التي ترأسها المستشار الرئاسي، الدكتور محيي الدين عميمور، من بين أكثر اللجان الفرعية نشاطا، فقد بثت في الكثير من المسائل المرتبطة بالجانب الإعلامي، منها أنها هي اعتمدت رمز المؤتمر و شعاره المكتوب الذي سيميز المرحلة الثانية من حكم الرئيس الشاذلي، و الذي اتخذته شعارا للجزء الثالث من هذه الدراسة، و الذي سميتها :
-- جزائر من أجل حياة أفضل -- . كما إنها هي من اختارت الشعارات التي سترفع خلال المؤتمر من بينها:
1- الرجل المناسب في المكان المناسب.
2- كل مسئول في عمله و عن عمله.
3- تعميم اللغة العربية هدف استراتيجي.
و بدا واضحا من خلال الشعارين الأول و الثاني، أن الأوضاع تتجه نحو عزل يحياوي و كل من يسانده، فأخذ أصدقاء الأمس يتحاشون مجرد الوقوف معه، و آخرون إذا صادفوه بدلوا طريقهم، و في الأثناء التي كان نجم محمد الصالح يحياوي يغيب، أخذ محمد الشريف مساعدية يستعيد نشاطه الحزبي تدريجيا، بعد أن تخلص منه يحياوي حين اقترحه وزيرا للمجاهدين في حكومة عبد الغني الأولى، المنصب الذي لم يستسغه مساعدية، و قبله عن مضض، في انتظار أن تسمح له الظروف بالعودة لقصر زيروت يوسف، الذي ألفه و لم يرضى بغيره، ثم جاءت هذه الفرصة الذهبية، لتعيد فتح طريق الحزب أمام مساعدية، الذي كان مستعدا تماما، لتخلي عن منصبه الوزاري مقابل، العودة لمنصبه الحزبي.
اشتد الحصار على السيد محمد الصالح يحياوي، الذي تجاوزته الأمور، و صار شبه عاجز عن القيام بأي دور، يستطيع من خلاله فرض وجهات نظره، و إبقاء سلطته على جهاز الحزب، خصوصا حين قامت جماعة الرئاسة بإقحام محمد الشريف مساعدية، المنافس القوي لمحمد الصالح يحياوي، بقوة في شؤون و قضايا التحضير للمؤتمر الاستثنائي، بحيث أظهروه على أنه الخليفة المحتمل ليحياوي، و أوفر الإطارات الحزبية حظا لتولي مسؤولية الحزب، بعد سقوط يحياوي.
يتبع
 
جزائر الشاذلي بن جديد
صراع الجبابرة
فبراير 1979 ، جوان 1980
الرئيس بن جديد بين مؤسسة الجيش و جهاز الحزب

الشاذلي و يحياوي و بداية المواجهة

كان العقيد محمد الصالح يحياوي، رجلا ليس كغيره من الرجال، و مسئولا ليس كغيره من المسئولين، فقد التحق بجيش التحرير الوطني باكرا، مما جعله من صفوة الجيش الوطني الشعبي، الذين لم يضعوا البزة العسكرية الفرنسية أبدا على جلودهم، و لم يقف يوما ليحيي العلم الفرنسي، و حين حمل السلاح أول مرة، فعلها ليوجهه ضد المستعمر و ليس في سبيله، و كانت هذه النقطة هي أساس الإشكال الذي مزق القيادات العسكرية لفترة طويلة من الزمن، و أنتج نزاعات و خلافات لا نزال نعيش انعكاساتها حتى يومنا هذا، كما أن تعيين العقيد محمد الصالح يحياوي على رأس جهاز الحزب، لم يكن قرار ارتجاليا اتخذه الرئيس بومدين دون تفكير، بل إن الرئيس بومدين قرر تعيين يحياوي على رأس جهاز الحزب لسببين ؛ أولهما : أنه كان على يقين من أن يحياوي سيحيي الحزب الذي أكله الصدأ، تماما كما فعل مع أكاديمية شرشال ، و ثانيهما: أن يحياوي كان الشخص الوحيد القادر بطبيعة شخصيته القوية، أن ينهي عملية هيكلة الحزب، و تنظيم شؤونه بحيث يكون جاهزا تماما لعقد مؤتمره عام 1979، إلا أن المؤتمر انعقد فعلا في السنة التي حددها بومدين، لكن بدون أن يستطيع المشاركة فيه، لأن الموت اختطفته قبل الأوان.

ة خلال الفترة التي قضاها محمد الصالح يحياوي على رأس الهيئة التنفيذية للحزب (منذ 30 أكتوبر 1977 إلى 1979) استطاع هذا الرجل أن يعيد الحياة لحزب ظل لمدة قاربت 13 سنة خارج اللعبة السياسية، بل كان مجرد جهاز بلا فائدة ليس له حتى ميزانية واضحة لتسيير هياكله، كما قام محمد الصالح يحياوي بما لم يفعله سابقوه، فقد كان يتصرف وبومدين لا يزال على قيد الحياة، كمسئول حقيقي، عين على رأس هيئة رسمية، ففتحها لكل من ظلم، و حتى لا نجحد حق الرجل، علينا التذكير أن يحياوي امتص في جهاز الحزب، كل الإطارات التي صفاها مصطفى الأشرف مباشرة بعد تعيينه وزيرا للتربية الوطنية، و بهذه الإطارات استطاع أن يعرب جهاز الحزب في وقت قياسي، فقد كان رجلا يحسن استثمار الموارد البشرية، و يحسن توظيفها.

عند وفاة الرئيس بومدين رحمه الله، كان محمد الصالح يحياوي قد قطع شوطا كبيرا في إعادة ترميم الحزب، وقد شكل حوله دائرة من الإطارات المعربة كانت تدين بالولاء التام لشخصه، خصوصا إطارات المنظمات الجماهيرية، وبالأخص إطارات الإتحاد العام للعمال الجزائريين.

بعد المؤتمر الرابع للحزب، بدأ محمد الصالح يحياوي كأنه أقوى رجال المرحلة، حتى أن بعض الحمقى اعتبروه أقوى من الرئيس بن جديد، فأخذوا يشحنونه ضد الشاذلي، بينما كانت جماعة أخرى تشحن الرئيس الشاذلي ضده، و رغم كل الجهد السلبي الذي بذلوه لدفع الرئيس بن جديد ليدخل في صدام مبكر مع يحياوي، إلا أن الرئيس الحكيم فضل إرجاء خلافاته مع يحياوي إلى غاية أن يتأكد بنفسه من صحة هذه الوشايات من جهة، وحتى يمتن أركان حكمه فيستطيع الرد بقوة في الوقت المناسب من جهة أخرى.

إلا إنه يجب التركيز على أن الرجلين (الشاذلي بن جديد ومحمد الصالح يحياوي) لم يسعيا لأي صدام بينهما، إنما بعض العناصر المقربة من الرجلين، هي من أفسدت الود بينهما، كما أن الرجلين يتحملان في الأخير مسئولية فساد العلاقة بينهما، لأنهما لم يسعيا لحل المسائل العالقة بينهما بطريقة مباشرة، و أخذ كل واحد منهما يسير في خطى بطانة السوء كما سنرى.

كانت الجماعة المحيطة بالسيد محمد الصالح يحياوي، تعتبر أن حزب جبهة التحرير الوطني، ملكية خاصة لا يجوز الاقتراب منها، فكانوا حساسين أكثر من اللازم نحو كل ما يتعلق بالحزب، و لعل أول صدام رسمي وقع بين جماعة الرئيس الشاذلي وجماعة محمد الصالح يحياوي، كان أثناء الإعداد للدورة الأولى للجنة المركزية للحزب التي انعقدت بتاريخ 06 إلى 08 مارس 1979، وقد سربت معلومات على أن هذه الدورة ستحدد قائمة أعضاء الحكومة الجديدة، فقام كل الناس يجرون يمينا و شمالا، محاولين استرضاء الحزب و قادة الحزب، بينما نسي الناس أو تناسوا أن القوة الحقيقية الماسكة بسلطة القرار جالسة في المرادية و ليس في زيروت يوسف، و كان من أكبر أخطاء هؤلاء القوم أنهم نسوا أو تناسوا أن الحزب له أمين عام هو الرئيس الشاذلي بن جديد.

قبل أيام فقط من انعقاد الدورة الأولى للجنة المركزية، رفعت الهيئة التنفيذية للحزب، كل وثائق الدورة للرئيس الشاذلي بن جديد، بما فيها جدول الأعمال المقترح، فاستغل أحد المقربين ذلك، و أوحى للرئيس الشاذلي أن يحياوي يتعامل و كأنه سيد الحزب الأول، و كأن الأمين العام غير موجود تماما، ثم عرج على قضية تشكيل الحكومة الجديدة، و قال أن يحياوي يسعى بقوة لفرض كل مقربيه بتعيينهم ضمن الحكومة الجديدة، و أنه أعد لكل منصب وزاري مرشحا، سيقدمه بنفسه، و ليشحن الرئيس غاية الشحن ضد يحياوي و جماعته المعربة أضاف أن جهاز الحزب لم يترك لنا شيئا، فقد أعد قوائم أعضاء اللجان، و حدد أسماء رؤساء اللجان، و نوابهم و كذلك المقررين، حتى مشروع النظام الداخلي للحزب و اللجنة المركزية قد أعد مسبقا، مما يعني أننا سنحضر دورة اللجنة المركزية لنرفع أيدينا فقط، بما فينا الأمين العام.

لم يعقب الرئيس الشاذلي على ما قيل له، و قال أتركوا لهم الحزب، فالأولوية الآن هي تشكيل الحكومة الجديدة، و عليه يجب أن تمر الدورة تماما كما يريد يحياوي و جماعة يحياوي على حد تعبيركم، لكن ليكن واضح أن قضية تشكيل الحكومة من صلاحيات رئيس الجمهورية، و رئيس الجمهورية حسب علمي هو الشاذلي بن جديد.
بينما أخذ الرئيس الشاذلي بن جديد يعد نفسه، و يحدد مع العربي بلخير و بن عباس غزيل، كيفية تشكيل الحكومة الجديدة ارتكبت الأمانة التنفيذية للحزب خطأ جديدا في حق الرئيس، بحيث أرسلت له نص مشروع الخطاب الذي سيلقيه أمام اللجنة المركزية، فأثار ذلك غضبه و استياءه، وأخذت الوشاية تترسخ في ذهنه، و مع ذلك حول نص مشروع الكلمة الافتتاحية لمستشاره الإعلامي الدكتور محيي الدين عميمور، الذي أثراه ببعض الملاحظات و الأفكار والاقتراحات التي أسعدت الرئيس بن جديد، بينما أغضبت جماعة زيروت يوسف (المقر المركزي لحزب جبهة التحرير الوطني) الذين اعتبروا ما قام به الدكتور عميمور تنقيص لعملهم، بينما كانت الحقيقة عكس ذلك، لأنه من حق الأمين العام للحزب قبول مقترح أمانة الحزب، كما يمكنه تعديله وحتى رفضه، و نتيجة لذلك اعتبر الدكتور عميمور خصما لهم ووضعوه في القائمة السوداء للحزب، و ما زاد الوضع تأزما وسوء بين الحزب و الرئاسة، أن أخبارا أخرى وردت من الحزب، مفادها أن الرئيس بن جديد لن يعرف كيف يفتتح الدورة الأولى للجنة المركزية، مما سبب حالة من الغليان للرئيس، إلا أن الحل ورد تلقائيا من عند المستشار الإعلامي للرئيس الذي أرسل مع نص الكلمة الافتتاحية التي راقبها، والتي سبق وأن قلنا أنها أرسلت من الحزب، أضاف ورقة كتب عليها شبه سيناريو أوضح فيه بدقة كيف يصعد الرئيس للمنصة، و أين يجلس، و ماذا يقول، فأمضى الرئيس الشاذلي بن جديد ليلة 05 إلى 06 مارس 1979، و هو يكرر في تلك الورقة حتى حفظ ما فيها عن ظهر قلب، و لم يبقى له سوى أن طبق ما فيها بالحرف.

افتتحت الدورة الأولى للجنة المركزية للحزب في 06 مارس 1979، و عكس ما قاله إطارات الحزب في ظهر الرئيس، قام الرئيس الشاذلي بتسيير دورة اللجنة المركزية باحترافية منقطعة النظير، معتمدا على السيناريو الذي أعده الدكتور عميمور، فبدا للجميع متمكنا وصارما وجادا في العمل، ثم أخرج الرئيس الشاذلي بن جديد ما فيه من غضب على الحزب و إطاراته، حيث أخذ يقوم بمناورات حيرت وأغضبت و أفرحت كل حسب مكانه من الإعراب، فعند افتتاح الدورة طلب الرئيس بن جديد من الجميع الوقوف دقيقة صمت على أرواح الشهداء، و هذه نقطة لم تكن مدرجة في جدول الأعمال إنما اقترحها الدكتور عميمور و عمل بها الرئيس عن قصد، ليفهم إطارات الحزب، أنه يستطيع إضافة و حذف ما يريد متى شاء ذلك، و عند ما اقترح إطارات الحزب أن لا يسمح للأعضاء الإضافيين في اللجنة المركزية أن يكونوا أعضاء في مكتب الدورة، و كان الهدف هنا هو رد الصاع صاعين للدكتور عميمور الذي حملوه قضية تعديل الكلمة الافتتاحية التي أعدها الحزب، كان رد الرئيس الشاذلي بن جديد عليهم، أنه كان في كل لحظة ينادي الدكتور عميمور و يصعده للمنصة إلى جانبه للتشاور معه أمام كل القاعة ويستدير إليه و يوشوش له في أذنه، بما يوحي أنه يستشيره في قضايا معينة، أو يوجه له توجيهات معينة، فقلب الوضع تماما لأنه بهذه الطريقة وضع الدكتور عميمور فوقهم جميعا، و تعامل معه ليس فقط على أنه مستشاره الإعلامي بل و مستشاره السياسي و التنظيمي وأقرب مقربيه، فندمت مجموعة الحزب شديد الندم على فعلهم، وتخاصموا و أخذ كل واحد منهم يحمل الآخر نتيجة الخطأ المرتكب، لأنهم أرادوا أن يحطوا من شأن المستشار الإعلامي للرئيس، فإذا بهم يرفعون ذكره لعنان السماء.

الضربة الثانية التي وجهها الرئيس بن جديد لإطارات الحزب، جاءت عند التشاور لتشكيل الحكومة الجديدة، فبدلا من فعل ذلك أثناء الدورة وداخلها، أجرى الرئيس المشاورات الصباحية في مكتبه برئاسة الجمهورية، و بدلا من التشاور مع مسئول الحزب فقط، ثم للاجتماع الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي، و في المشاورات المسائية نقل مكان التشاور لنادي الصنوبر لكنه وسع الاجتماع ليشمل زيادة على يحياوي و الإبراهيمي كل من بيطاط و عبد الغني و مرباح، و جرت المشاورات على تشكيل الحكومة كما سيتم توضيحه لاحقا

تقدم النقاش والصراع داخل اللجنة المركزية للحزب، ليصل النظام الداخلي، بحيث سعى إطارات الحزب لوضع منصب جديد هو منصب أمين عام مساعد، إلا أن المقترح أسقط بمساعدة قوية قدمها الأعضاء العسكريون في اللجنة المركزية، ليتم الاتفاق على تسميته منسق للحزب بدلا من أمين عام مساعد على أن لا يتم الخلط بين الاسمين و الوظيفتين. ثم ناقشت اللجنة المركزية التعديلات المقترحة على الدستور، والتي أوصى بها المؤتمر الرابع للحزب، وهنا ينبغي التذكير أن الكثير من الإطارات كانوا لا يرغبون التسرع في الفصل في قضية تعديل الدستور، بحجة أن القضية لا تستوجب التسرع و العجلة، لكن الثلاثي الرئاسي (الشاذلي، بلخير، غزيل) كانوا يرون أن مسألة تعديل الدستور يجب الإسراع فيها، لأنها قرار قد أتخذه المؤتمر الرابع، و صار إلزاميا، بينما كان الهدف الخفي هو استدعاء مؤتمر استثنائي لغربلة كل شيء.

يتبع
 
جزائر الشاذلي بن جديد
صراع الجبابرة
فبراير 1979 ، جوان 1980
الرئيس بن جديد بين مؤسسة الجيش و جهاز الحزب

الجزء الثالث:
مجموعة المستشارين، يحياوي، و الحكومة الجديدة.

استلم الرئيس الشاذلي بن جديد مهامه رسميا في نفس اليوم الذي أدى فيه القسم الدستوري (09 فبراير 1979)، و انكب يدرس هو و مساعداه الجديدين في الخطوة الثانية الواجب إجرائها، فقد استلم الحكم بسلام، و صار الرئيس الفعلي للبلاد، و الأمين العام لحزبها الحاكم، و صارت بين يداه الآن كل السلطات التي تمكنه من فرض نفسه، و توطيد أرضية حكمه، لكنه ورث طاقم ضخم من الإطارات المدنية و العسكرية، التي كان لها نفوذ مهيبا في أجهزة الحزب و الدولة و الجيش، هؤلاء الإطارات و الضباط السامون كان ينبغي له تصنيفهم واحدا بواحد، ليقرر بعدها من سيواصل العمل معه، ممن يجب أن يزيحه من منصبه بأي طريقة كانت.
لم يستعجل الرئيس الشاذلي بن جديد الأمر، و أعطى لنفسه متسعا من الوقت ليقف بروية، على ملفات كل الإطارات المحيطة به، فمن 09 فبراير حتى 06 مارس 1979، كان يبحث مع العربي بلخير و بن عباس غزيل عن طريقة يجرد بها أعضاء مجلس الثورة الذين يشغلون مناصب وزارية من مناصبهم و هم (بوتفليقة، عبد الغني، دراية، الطيبي، و بن شريف)، كما كان يبحث عن طريقة تجعله في حل من وعده للعقيد قاصدي مرباح، إلى أن جاءت فكرة تعيين وزيرا أولا، يكون مكلف بتنسيق العمل الحكومي، و كان أنسب واحد لشغل هذا المنصب هو محمد بن أحمد عبد الغني، لأنه بتعيينه وزيرا أولا سيترك وزارة الداخلية تلقائيا ليتفرغ لأداء المهام المنوطة بمنصبه الجديد، و منها يعين قاصدي مرباح وزيرا للداخلية بدلا من أمينا عاما لوزارة الدفاع، فمن جهة لا يجحد فضل الرجل، و من جهة أخرى يبعده تماما عن مؤسسة الجيش.
رغم توجسه من محمد الصالح يحياوي، كان الرئيس الشاذلي بن جديد يسعى قدر الإمكان لمهادنته، و تفادي أي صراع مع المسئول الأول للحزب، و كان بالإمكان أن يكون الرئيس الشاذلي و السيد محمد الصالح يحياوي ثنائي ممتاز لو لم تفسد بطانة السوء العلاقة بين الرجلين، ففي الوقت الذي كان الرئيس الشاذلي يبحث عن طريقة لتوطيد حكمه، و التخلص بلباقة من الإطارات الثقيلة الموروثة عن عهد بومدين، بدأت الوشاية تفسد الود بين الرجلين، حيث تعمد أحد المقربين من الرئيس الشاذلي إيصال معلومة صحيحة لكن أريد بها باطل، لقد أوشى هذا الشخص للرئيس الشاذلي أن محمد الصالح يحياوي يعد العدة لفرض رجاله ضمن الحكومة الجديدة، و كأنه هو صاحب القرار، و أضاف : سوف ترى سيادة الرئيس أنه سيقترح عليك لكل منصب وزاري واحدا من رجاله الأوفياء. لم يعلق الرئيس الشاذلي على ما قيل له، لكنه طلب من كل أعضاء المكتب السياسي اقتراح شخصان لعضوية الحكومة الجديدة، كخطوة أولى لتحجيم دور يحياوي، في انتظار ما ستسفر عنه قادم الأيام إما بتأكيد الخبر أو دحضه.
على ضوء ما اتفق عليه الرئيس الشاذلي و مساعداه، استدعى كل من محمد الصالح يحياوي و الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي لمكتبه في رئاسة الجمهورية صبيحة يوم 07 مارس 1979، قصد التباحث في تشكيلة الحكومة الجديدة.
كان الرئيس الشاذلي بن جديد قد أعد نفسه خير استعداد، و استقبل ضيفيه يحياوي و الإبراهيمي، و هو واثق تماما أنه سيمرر الحكومة التي يريدها، كما سيستغل الموقف ليقف بنفسه على صحة المعلومة التي وردت إليه من عدمها، فبعد الترحيب بيحياوي و أحمد طالب أبلغهما أنه قرر إنشاء منصب وزير أول، و أن أنسب شخص لتولي هذا المنصب هو محمد بن أحمد عبد الغني، و بما أن اختيار الوزير الأول من صلاحيات رئيس الجمهورية وحده، انتقل الرئيس الشاذلي مباشرة للحقيبة الوزارة الثانية دون أن يسمح لضيفاه إبداء رأيهما فيما يخص تعيين الوزير الأول، و كأنه أراد أن يقول أن صلاحياته لن يقتسمها مع أحد، ثم طلب من ضيفيه أن يرشحا له اسما لتولي منصب وزير الخارجية، فقفز محمد الصالح يحياوي على الفرصة و اقترح أحمد طالب الإبراهيمي، الذي أصيب بحرج شديد، لأن يحياوي قدم الاقتراح في وجوده، إلا أن الرئيس الشاذلي أخذ يستطرد و يطيل في التحليل و الكلام، و لم يتفقوا على محمد الصديق بن يحي إلا بعد حوالي ساعتان من النقاش الطويل، و حتى يفض الخلاف قال الرئيس الشاذلي : أن رابح بيطاط قد نصحه بتفادي ترشيح أحمد طالب لمنصب وزير الخارجية، بسبب الخلافات التي تفرق الرجلان.
ثم انتقل الرئيس الشاذلي لحقيبة التربية الوطنية و أطال الحديث في الموضوع و لم يستقروا على اسم الشريف خروبي إلا بعد ساعة و نصف من الزمن، ثم جاء دور الثقافة و الإعلام التي أسندت لعبد الحميد مهري، ثم وزارة المجاهدين الذي تولاها السيد محمد الشريف مساعدية لتنتهي الفترة الصباحية بتحديد أسماء الوزير الأول و وزير الخارجية و التربية و الثقافة و الإعلام و المجاهدين، فقط. لاحظ الرئيس الشاذلي خلال الفترة الصباحية، أن يحياوي كان يقدم مرشحين و يناقش و يبرر، تماما كما ابلغه صديقه المقرب.
في الفترة المسائية وسع الرئيس الشاذلي بن جديد، استشارته لتشمل زيادة على محمد الصالح يحياوي و أحمد طالب الإبراهيمي كل من رابح بيطاط و محمد بن أحمد عبد الغني و قاصدي مرباح، و استمر الوضع بنفس الوثيرة التي بدأ فيها الاجتماع الصباحي، بحيث كان الرئيس الشاذلي حين لا يعجبه اسما مقترحا لتولي وزارة ما، إما يتظاهر بأنه لم يسمع الاسم و ينتقل لغيره، أو يطيل الكلام في التفاصيل ليرهق كل الحضور، حتى بلغ منصب وزير الداخلية و هنا و بدون تردد اقترح قاصدي مرباح، الذي انفض و قال: لكنك سيادة الرئيس وعدتني بمنصب أمين عام لوزارة الدفاع، فسكت الشاذلي بن جديد قليلا و ظهرت عليه علامات الغضب ثم قال: حسنا بما أنك لا تريد الداخلية فلتكن أمينا عاما لوزارة الدفاع كما وعدتك.
حين طرح الرئيس الشاذلي حقيبة المحروقات للتشاور، تحفظ قاصدي مرباح على اسم سيد أحمد غزالي، و قال أن له ملفا ضخما في مديرية الأمن العسكري، ليتم إبقاء غزالي ضمن التشكيلة الحكومية كوزير للري، بينما قبل الرئيس الشاذلي الشخص الذي اقترحه محمد الصالح يحياوي لتولي حقيبة المحروقات (بلقاسم نابي)، كما عين أحمد حوحات كاتب دولة للصيد البحري.
قبل الانتهاء من تشكيل الحكومة الجديدة، اقترح الرئيس الشاذلي ضم عبد العزيز بوتفليقة للحكومة كوزير مستشار لدى رئيس الجمهورية، مع إبقاء أحمد طالب الإبراهيمي في نفس المنصب الذي كان يشغله إلى جوار الرئيس هواري بومدين، و عند رفع الجلسة كان الرئيس الشاذلي بن جديد قد حقق كل ما سعى إليه، بحيث تخلص من الأمين العام لرئاسة الجمهورية السيد عبد المجيد علاهم و عينه وزيرا للسياحة، و من العقيد سليم سعدي الذي عينه وزيرا للفلاحة و الثورة الزراعية، و رفع الرائد إبراهيم براهمية لمنصب كاتب دولة للغابات و التشجير، كما تخلص في نفس الوقت من كل أعضاء مجلس الثورة الذي كان لهم مناصب وزارية، بحيث جردهم منها و أبقاهم أعضاء في المكتب السياسي فقط، باستثناء بوتفليقة الذي اسند له منصبا وزاريا بدون أي صلاحية أو سلطة تذكر، مستبعدا بذلك كل من أحمد بن شريف و احمد دراية و الطيبي العربي. الأهم من كل شيء أن حقيبة الدفاع الوطني أبقاها الرئيس بن جديد لنفسه، و بما أن قاصدي مرباح رفض حقيبة الداخلية، احتفظ الوزير الأول محمد بن أحمد عبد الغني بها مؤقتا، و سنرى في الجزء التالي، كيف سيتسلح الرئيس بن جديد بكل صلاحياته، كرئيس للجمهورية، و أمين عام للحزب، و وزير للدفاع الوطني، ليضع الجميع في أماكنهم الحقيقية.
ينبغي التذكير في هذا الموضع أن التوقيت الذي اختاره الرئيس بن جديد لتشكيل الحكومة الجديدة، كان موافقا للدورة الأولى للجنة المركزية التي انعقدت من 06 إلى 08 مارس 1979، حيث استغل الرئيس بن جديد هذه الدورة ليرمي خارج الحلبة الكثير من كبار النافذين، و ينقلهم من العمل الحكومي للعمل الحزبي، و بالتالي يستطيع الرئيس الجديد في ظرف 03 أيام ان يقلب الأوضاع السياسية رأسا على عقب.
يتبع
 
جزائر الشاذلي بن جديد
صراع الجبابرة
فبراير 1979 ، جوان 1980
الرئيس بن جديد بين مؤسسة الجيش و جهاز الحزب

الجزء الرابع:
الرئيس الشاذلي، القيادة الجديدة للجيش ، و قاصدي مرباح

عكس كل التوقعات، و خلال شهرا واحد فقط من توليه الحكم، استطاع الرئيس الشاذلي بن جديد قلب جميع موازين القوى لصالحه، فخلال الفترة الممتدة بين 09 فبراير إلى 08 مارس 1979، تمكن بسهولة كبيرة أن يخلي رئاسة الجمهورية من كل إطاراتها تقريبا، و لم يبقي معه إلا ثلاث إطارات من النخبة التي عملت مع الرئيس هواري بومدين هم: الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي، السيد مولود حمروش، و الدكتور محيي الدين عميمور، مستبعدا بذلك بلقاسم نابي و أحمد حوحات و عبد المجيد علاهم الذين عينوا وزراء، و سليمان هوفمان الذي عينه على رأس لجنة العلاقات الدولية في الحزب، و من بين 25 وزير تضمنتهم الحكومة التي شكلها الرئيس هواري بومدين في 23 ابريل 1977، لم يحتفظ الرئيس الشاذلي سوى بتسعة منهم فقط، بينما استغنى عن باقي أعضاء التشكيلة الحكومية، كما هو الحال بالنسبة لأب الصناعة و المحروقات الجزائرية السيد بلعيد عبد السلام، كما جرد أعضاء مجلس الثورة من مناصبهم الوزارية، و حَصَرَ تواجدهم في المكتب السياسي فقط.
بعد هذه الجولة التي طهر فيها الرئيس الشاذلي بن جديد، مؤسسة رئاسة الجمهورية، و شكل حكومة متوازنة جدا، تدين له بالولاء التام، بقي أمامه مؤسستان التي بدونهما لن يستطيع المكوث طويلا في منصبه و هما : الجيش و الحزب، لكن كعسكري محترف قضى النصف الأول من حياته بين الجهاد في سبيل الله، أثناء ثورة التحرير، و العمل كعسكري محترف و منضبط حتى النخاع بعد الاستقلال، كان الرئيس بن جديد يعلم جيدا و يدرك تماما أن هذه المؤسسة بالتحديد (أي الجيش) هي من ستعطيه القوة المطلوبة، ليكون رئيسا حقيقيا لا غبار على شرعيته، لذلك فضل إِرْجَاءَ قضية السيطرة على الحزب إلى ما بعد إعادة تنظيم الجيش، و تمكنه من فرض نفسه كسيد أول لهذه المؤسسة.
ففي الفترة الممتدة بين 09 مارس إلى 05 مايو 1979، انكب الرئيس بن جديد و فريق عمله العسكري المتكون من الرائد العربي بلخير، و المقدم بن عباس غزيل على دراسة مسألة إعادة تنظيم قيادة الجيش الوطني الشعبي، و بما أنه صار ملزما على تعيين العقيد قاصدي مرباح أمينا عاما لوزارة الدفاع الوطني، كان عليه في نفس الوقت أن يجد طريقة ليحد من صلاحياته، بحيث لا يطمح مرباح فيما هو أكثر من المنصب، الذي سيعينه فيه الرئيس الشاذلي عن مضض.
بعد تفكير حثيث دام أكثر من شهران، قرر الرئيس الشاذلي التسلح بصلاحياته الدستورية كاملة، بحيث لم يشرك أي قائد عسكري في الحركة التي كان سيجريها داخل قيادة الجيش (باستثناء بلخير و غزيل)، و وضع تصورا جديدا سيقضي تماما على طموحات العقيد قاصدي مرباح، كما سيضع المؤسسة العسكرية كلها في الميزان، بحيث يفهم جميع القادة العسكريين أن العقيد الشاذلي بن جديد لا يقل قوة عند الضرورة على سابقه الرئيس هواري بومدين فقام بما يلي :
أولا : قرر إنشاء مفتشية عامة للجيش الوطني الشعبي،و ألحقها بوزير الدفاع الوطني، و عين على رأسها العقيد عبد الله بلهوشات عضو مجلس الثورة الأسبق، و عين المقدم عبد القادر عبدلاوي مفتشا مساعدا لبهوشات، ساحبا بذلك من الأمين العام الجديد للوزارة حق تفتيش النواحي و الوحدات القتالية، و ليحصر دوره في مجال الإدارة و التسيير فقط.
ثانيا : لوضع قاصدي مرباح في قارة من زجاج بأتم معنى الكلمة، بحيث لا يستطيع أن يتحرك تماما، عين العقيد محمد عطايلية قائدا للناحية العسكرية الأولى، و عين صهره علي بوحجة قائدا للقيادة الإقليمية للجزائر العاصمة، ليخلق حالة لا مثيل لها من الصراع بين القيادات العسكرية الجديدة، الذي كان كل واحد منها يسعى لفرض نفسه كقائد دون منازع. فمرباح لا يطيق عطايلية، و عطايلية يمقت مرباح، كما أنه بتعيين علي بوحجة قائدا للقيادة الإقليمية للجزائر العاصمة (التي كان لها وضع عسكري خاص، و كانت تتمتع بصلاحيات لا يمارسها أي قطاع عسكري أخر)، حرم العقيد عطايلية من أحد أصدقائه الأوفياء، و منع بالتالي أي وضع يضعه في موقف صعب، بحث أراد إبقاء القيادة الإقليمية للجزائر العاصمة، تحت أمره بطريقة ذكية جدا.
ثالثا: أجرى حركة تعيين ضمن قادة النواحي العسكرية بحيث عين خالد نزار قائدا للناحية العسكرية الثالثة، و الحسين بن معلم قائدا للناحية الرابعة، و كمال عبد الرحيم قائدا للناحية العسكرية الثانية، بينما احتفظ العقيد الهاشمي هجرس بقيادة الناحية العسكرية الخامسة. فصار صاحب الفضل على جميع قادة النواحي العسكرية، و مسئولهم الأول الذي يرجعون إليه في كل كبيرة و صغيرة، ليزيد في حصار قاصدي مرباح و لا يبقي له أي مجال للمناورة.
رابعا: عين محمد علاق مديرا مركزيا للمحافظة السياسية للجيش الوطني الشعبي، و سيكون للرائد محمد علاق دورا مركزيا في تصفية محمد الصالح يحياوي لاحقا.
قبل أن يعين قاصدي مرباح أمينا عاما لوزارة الدفاع الوطني، عقد الرئيس الشاذلي بن جديد، اجتماعا موسعا بمقر وزارة الدفاع الوطني بتاريخ 30 أبريل 1979، و خلال هذا الاجتماع الذي كان مخصصا للاستماع لأراء القيادة العسكرية، أعلن أنه عين المقدم نور الدين زرهوني المسمى يزيد مديرا مركزيا للأمن العسكري، و كان قبلها قد التقى مع مرباح و طلب منه أن يرشح له شخصا ليخلفه على رأس الأمن العسكري، فرشح مرباح نائبه و صديقه المقرب زرهوني ليبقي يده مبسوطة على الأمن العسكري، و قبل الرئيس الشاذلي العرض لأنه أراد فقط قطع الطريق على مرباح بحث لا يستطيع الجمع بين منصبين في آن واحد، كما أن تعيين زرهوني على رأس الأمن العسكري، سيخلي له الطريق لوضع أحد رجاله المقربين على رأس المديرية الأمن الخارجي التي كان على رأسها زرهوني، فيكون للرئيس بن جديد عينا داخل قيادة الأمن العسكري.
بتاريخ 05 مايو 1979، و دون استشار أي مسئول عسكري في الجيش، أصدر الرئيس الشاذلي بن جديد 15 مرسوم رئاسي أعاد فيه تنظيم قيادة الجيش الوطني الشعبي، لينهي مهام العقيد عبد الحميد لطرش الأمين العام لوزارة الدفاع الوطني، و يعين مكانه العقيد قاصدي مرباح؛ و تتم التعيينات الجديدة كما هو موضح في النقاط الأربعة السابقة الذكر.
لقد كان لقرار تعيين العقيد قاصدي مرباح أمينا عاما لوزارة الدفاع، وقعا قويا على كافة أفراد الجيش الوطني الشعبي، فبعض القيادات رأت أنه لا يصلح لهذا المنصب، بسبب ماضيه الأمني الأسود، و ما تسببت به مصالح الأمن من مضرة لكثير من الضباط، فالبعض كان يحمل لقاصدي مرباح تحديدا مسئولية عرقلة تقدمه، و تعطيل مسارهم المهني، نتيجة للتقارير السوداء التي كان يرفعها للرئيس بومدين، بينما كان البعض الأخر يرى أنه رجل مخابرات يجب الحذر منه، بينما قلة قلية من الضباط رأوا أن تعيين قاصدي مرباح في هذا المنصب، سيعطي دفعا جديدا لمؤسسة الجيش، نظرا لما يتوفر عليه قاصدي مرباح من خبرة مهنية، و إلمام بالقضايا التي يعاني منها الجيش، مثل عدم وجود قيادة أركان، التي ألغاها الرئيس بومدين، مباشرة بعد فشل انقلاب 14 ديسمبر 1967.
لحظة تعيينه أمينا عاما لوزارة الدفاع، كان ما خطط له العقيد قاصدي مرباح، يسير تماما كما توقعه، لكن حركة التغيير الذي أحدثها الرئيس الشاذلي داخل هرم قيادة الجيش الوطني الشعبي، أخلطت كل الأوراق، فالعقيد مرباح لا يتفق تماما مع أغلبية الضباط الجدد الذين ألت إليهم قيادات عسكرية كبيرة، و بالأخص القائد الجديد للناحية العسكرية الأولى، العقيد محمد عطايلية المكنى باسم محمد الروج (أي محمد الأحمر) لأنه تعامل مع أحداث عنابة في 19 جوان 1965، بعنف منقطع النظير ، كما كان قائدا عسكريا قوية الشخصية، شديد لانضباط، و لا يخفي رأيه مهما كان مخالفا لرأي القيادة، و كل الأجواء كانت تنذر بمواجهة عنيفة جدا بين العقيدين مرباح و عطايلية، و على ضوء هذه المواجهة سيتحدد مصير الرئيس الشاذلي بن جديد.
يتبع
 
عودة
أعلى