التمييز واجب
شتان بين الدعوة لاقتحام السفارات المصرية للمطالبة بفتح معبر رفح وبين مطالبة خليل الحية (أو حركة حماس) بتدخل مصر لفتح المعبر، رغم إن ده في كل الأحوال -حاليا- مش في إيد مصر .
فالمطالبة المشبوهة باقتحام سفارات مصر تعتبر مصر هي الـمسئولة عن إغلاق المعبر وسبب الحصار، متماهية بذلك مع رواية إسرائيل للتنصل من المسئولية بدءا من مرافعتها في محكمة العدل الدولية، ومخففة الضغط عليها، في توظيف واضح لجوع أهل غزة في معركة مع نظام الحكم في مصر.
أما مطالبة حركة حماس من خلال كلمة خليل الحية، فتطلب من مصر الضغط على إسرائيل لفتح المعبر، مبقية إسرائيل وحدها في دائرة الاتهام، وواضعة مصر في دائرة القدرة على التأثير. وهي لا تتاجر بجوع غزة بل تذهب إلى حد المغامرة بعلاقتها بنظام الحكم في مصر بمثل هذه المطالبة العلنية سعيا إلى إنقاذ سكان غزة. هذه مطالبة مشروعة وهناك مصريون مخلصون لمصالح بلدهم يرون نفس الشئ، وأضع نفسي في مصافهم. هذا خلاف في السياسات وليس صراع في الأهداف والأولويات.
قد يقول البعض أن مطالبة خليل الحية لمصر على هذا النحو العلني نوع من الغباء السياسي لأنه لن يرفع الحصار ولكنه قد يسبب حساسية لدي نظام الحكم في مصر. وقد يكون هذا صحيحا، ولكن شتان بين هذا وبين حملة أولويتها معركتها مع نظام الحكم في مصر، تستبدل الضغط على مصر بالضغط على إسرائيل.
حركة حماس امتدادا أيديولوجيا لتيارات الإسلام السياسي. إلا أن بعض تنظيمات هذا التيار أوقعتها خصومتها مع نظام الحكم في مصر (وربما في دول عربية أخرى منها سوريا) في مكان ترى منه التناقض مع إسرائيل تناقضا ثانويا مقارنة بالتناقض مع نظم الحكم العربية. أما حركة حماس فتختلف جذريا عن هذه التنظيمات بكونها حركة فلسطينية تقاوم احتلال غاشم لا يمكن لها إلا أن ترى في التناقض مع إسرائيل التناقض الرئيسي الوجودي الذي يحتم عليها الحفاظ على علاقة صحية مع مصر في كل الظروف.
هذا التمييز بين مواقف بعض تنظيمات التيار الإسلامي المأخوذة بحلم السلطة والغارقة في مشاعر الانتقام (وأثق أن هذا الكلام لا ينطبق على كل منتم لفكرة الإسلام السياسي رغم خلافي الجوهري معهم جميعا)، وبين مواقف حركة المقاومة الإسلامية في الأراضي المحتلة، هو مصلحة وطنية مصرية مؤكدة، كما هي مصلحة فلسطينية، مبني على محورية التناقض مع مشروع الهيمنة الإسرائيلية عند الطرفين. وإن نسيت حركة حماس هذا وانجرفت في ركاب تلك التيارات، فمصلحة مصر ردها عن هذا الجنوح بالتذكير بالتناقض الأصلي المشترك مع مشروع الهيمنة الإسرائيلية.
وبالتالي، حتى إن أزعجك كلام خليل الحية، وأنا شخصيا أصر أن ما سمعته منه لا يحمل إساءة لمصر ولكنه يحمل عشما في دولة تتفق مصالحها مع الشعب الفلسطيني، وتعلقا بما يمكنه التعلق به لإنقاذ أهلنا في غزة، فمن مصلحتك ومصلحتنا جميعا أن تفسره على أفضل محمل لتقربه من مصر وتبعده عن إنجرافه خلف تلك التيارات.