تكتل بريكس.. الطريق الطويل لبناء نظام عالمي جديد

بين الاقتصاد والسياسة
تأسست مجموعة بريكس رسميا في 16 يونيو/حزيران عام 2009 في "يكاترينبورغ" (Yekaterinburg) في روسيا، حين عقدت أول قمة بين زعماء روسيا والصين والبرازيل والهند، وسبق ذلك اجتماع تمهيدي لأعضائها في يوليو/تموز 2008، وقبله اجتماع لوزراء خارجية الدول الأربع في سبتمبر/أيلول 2006 على هامش اجتماعات الأمم المتحدة.وحملت المجموعة في بدايتها اسم "بريك" (BRIC) اختصارا للأحرف الأبجدية الأولى باللغة اللاتينية لكل من البرازيل وروسيا والهند والصين، كما صاغها كبير مستشاري بنك غولدمان ساكس جيم أونيل في عام 2001 في بحثه عن الاقتصادات الناشئة. وفي سنة 2010 انضمت جنوب أفريقيا إلى المجموعة لتصبح "بريكس" (BRICS). ويقع مقرها في مدينة شنغهاي الصينية.
في تلك الفترة التي اتسمت بالهدوء النسبي في العلاقات الدولية، كانت هذه الدول تحقق معدلات نمو اقتصادية عالية، لكنها بدت غير متسقة في أنماطها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية مع خلافات بين أعضائها، على عكس المنظومة الغربية التي تحكمها روابط واحدة، ولذلك اعتُبرت في البداية مجرد "حيلة تسويقية" غربية.
وعلى وقع الأزمات العالمية والمتغيرات في نظم العلاقات الدولية شهدت المجموعة "صحوة جيوسياسية"، لكن في منتصف العقد الماضي، واجهت عددا من المشكلات، مع انتخاب رئيس الوزراء ناريندرا مودي في الهند (2014) والانقلاب على الرئيسة ديلما روسيف في البرازيل (2016)، وبذلك أصبحت دولتان من أعضاء المجموعة ترأسهما حكومات أكثر تحمسا للعلاقات مع الولايات المتحدة.
وفي عام 2017، وخلال عقد قمة "بريكس" في مدينة شيامين الصينية، طرحت فكرة "بريكس بلس" (BRICS plus) التي تهدف إلى إضافة دول جديدة إلى المجموعة كضيفة بصورة دائمة، أو مشاركة في الحوار.
ومع عودة لولا دا سيلفا إلى رئاسة البرازيل عام 2022، وتولي ديلما روسيف رئاسة بنك التنمية الجديد للمجموعة، تجتهد "بريكس" لتقديم نفسها على أنها تمثل دول الجنوب، وعلى أنها النموذج البديل عن مجموعة السبع، على أساس أن معظم دولها تصنَّف كدول نامية أو ناشئة.
ومنذ يناير/كانون الثاني 2024، انضمت 5 دول رسميا إلى تكتل بريكس، وهي مصر والسعودية والإمارات وإيران وإثيوبيا، بينما تراجعت الأرجنتين عن الانضمام بعد انتخاب الرئيس اليميني خافيير ميلي، فأصبح التكتل يضم 10 دول.
ورغم أن الغايات الاقتصادية والتنموية تغلب على أهداف تجمع بريكس، فإن ذلك لا يخفي تطلعات سياسية تتعلق بمحاولة تحقيق عالم متعدد الأقطاب، ويبرز ذلك في تصريحات بعض زعماء دول المجموعة، خصوصا الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا اليساري المناهض للعولمة، بالإضافة إلى المسؤولين الروس. ويمكن تلخيص أهداف المجموعة كالآتي:
- تحقيق نمو اقتصادي شامل ومستدام من خلال مكافحة الفقر وتعزيز الاندماج الاقتصادي والاجتماعي وتحسين نوعية النمو.
- تعزيز التنمية الاقتصادية المبتكرة والقائمة على التكنولوجيا المتقدمة.
- زيادة المشاركة والتعاون مع البلدان غير الأعضاء في المجموعة.
- تعزيز الأمن والسلام لتحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي.
- إصلاح المؤسسات المالية الدولية لتمثيل أفضل للاقتصادات الناشئة والنامية.
- تعزيز التجارة الدولية وبيئة الاستثمار بين دول المجموعة.
- الحفاظ على استقرار النظم التجارية متعددة الأطراف بالتعاون مع المجتمع الدولي.
- تقديم المساعدة المالية للدول الأعضاء وغير الأعضاء.
- تحقيق التنمية والتعاون، ودعم المشاريع والبنية التحتية لدول المجموعة.
- تحقيق التكامل الاقتصادي للدول الأعضاء.
- تحقيق التوازن الدولي والخروج من سيطرة الغرب الاقتصادية.
- دعم السلام وتحقيق التنمية في العالم.
- تعديل قواعد العولمة لتستفيد منها كل دول العالم.
- تفعيل وتبادل العملات المحلية بين دول المجموعة.
- العمل على إنشاء سوق مشتركة للتجارة الحرة وعملة موحدة.
- البحث عن فرص استثمار وتطوير آفاق اقتصادية وشراكات جديدة.
- محاولة الخروج من اشتراطات صندوق النقد الدولي المجحفة.
- مواجهة الأزمات العالمية وتنويع الشراكات.
وتلقت مجموعة بريكس قبيل قمة أغسطس/آب 2023 في جوهانسبورغ 23 طلبا للانضمام إليها بشكل رسمي، بينها 8 دول عربية. وتم قبول 6 منها (انسحبت الأرجنتين) لتتوسع المجموعة إلى 10 دول، وينتظر أن تنضم دول أخرى في الأعوام القادمة.

لافتة براقة للتغيير
إضافة إلى الشكوك والهواجس التي خلفتها الأزمات الدولية القديمة والطارئة في المنظومة الدولية القائمة، فإن مجموعة بريكس بشكلها الحالي تتمتع بعوامل قوة كثيرة، مثلت عاملا جاذبا لدول الجنوب والدول النامية.فدول بريكس المؤسِّسة لا تنتمي إلى "دائرة الحضارة الغربية المهيمنة"، بل تشكل مزيجا من حضارات مختلفة وضاربة في التاريخ، ولديها عوامل مستقبل واعد.
وتضم بريكس بشكلها الحالي أكثر من 45% من سكان العالم (3.25 مليارات نسمة) و 33.9% من إجمالي مساحة اليابسة، ويبلغ حجم اقتصاد المجموعة 29 تريليون دولار، بما يمثل حوالي 29% من حجم الاقتصاد العالمي. وبحسب بيانات البنك الدولي أضافت الدول الخمس الجديدة 3.24 تريليونات دولار إلى اقتصادات المجموعة.
يمثل حجم الناتج المحلي الإجمالي لمجموعة "بريكس" بناء على معيار تعادل القوة الشرائية نسبة 36.7% من الاقتصاد العالمي، وتشكل حوالي 16% من التجارة العالمية، حيث يساهم التكتل بحوالي 16% من حركة الصادرات، و15% من واردات العالم من السلع والخدمات، حسب بيانات صندوق النقد الدولي.
كما يقدر إجمالي الاحتياطي النقدي الأجنبي المشترك للمجموعة بأكثر من 4 تريليونات دولار. وتسيطر المجموعة -بعد انضمام السعودية والإمارات وإيران- على 80% من إنتاج النفط العالمي، وعلى 38% من إنتاج الغاز و67% من إنتاج الفحم في السوق العالمية.
كما تتحكم مجموعة بريكس في أكثر من 50% من احتياطي الذهب والعملات، وتنتج أكثر من 30% مما يحتاجه العالم من السلع والمنتجات بقيادة الصين والهند.
وتعد اقتصادات دول بريكس مكملة لبعضها (الغاز والنفط والمعادن والتكنولوجيا والكفاءات البشرية والثروات الزراعية والإمكانات العسكرية)، وباتت المجموعة تمتلك بنكا للتنمية وصندوق احتياطات نقدية مغريًا للدول النامية التي تحتاج مساعدات وقروضا.
يشكل وجود الصين وروسيا ضمن المجموعة أيضا عنصر جذب، حيث أصبحت الصين قطبا دوليا على الصعيد الاقتصادي والتكنولوجي والعسكري، في حين تمثل روسيا قوة عسكرية ومصدرا أساسيا للسلاح.
وبشكل عام، يشهد العالم تحولا متسارعا في ميزان القوى الاقتصادية، الذي تأسس منذ عقود على مركزية نفوذ مجموعة السبع بقيادة الولايات المتحدة، ويمكن أن يؤدي توسع مجموعة بريكس أكثر إلى زيادة وزنها الاقتصادي ونفوذها الجيوسياسي بشكل كبير، مما يعزز دورها على الساحة العالمية.
وبشكل عام يمكن اختصار العوامل المباشرة وغير المباشرة التي أدت إلى النزوع للانضمام إلى مجموعة بريكس كالتالي:
- تعرض النظام العالمي الراهن بشقيه السياسي والاقتصادي إلى هزّات متتالية.
- تضرر الكثير من الدول النامية من سلاح العقوبات الاقتصادية الغربية.
- اهتزاز الثقة في المؤسسات المالية الغربية وشروطها القاسية.
- العالم منذ تفكك الاتحاد السوفياتي يبحث عن توازن ومنظومة دولية أكثر عدالة.
- أزمة الدين الأميركي برهنت على أن الاقتصاد الأميركي لم يعد بوصلة نجاح اقتصادية يحتذى بها.
- النظام السياسي الأميركي نفسه في السنوات الأخيرة لم يعد نموذجا سياسيا مثاليا.
- لم تعد قيادة العالم معقودة للولايات المتحدة والغرب تكنولوجيا واقتصاديا.
- صعود قوى اقتصادية وتكنولوجية وعسكرية جديدة وعلى رأسها الصين.
- منحت مجموعة بريكس بتنوعها وقوتها أملا في إقامة نظام دولي جديد وأكثر توازنا.
- رأت الكثير من الدول أن صندوق النقد والبنك الدوليين أدوات هيمنة وتحكم.
- لم يعد الاعتماد على الولايات المتحدة سياسة فعالة ومأمونة بالنسبة للكثير من الدول.
- البلدان المؤسسة لمجموعة بريكس تنتمي إلى منظومة الجنوب وليس لها ماض استعماري.
- تبحث الدول النامية عن فضاء أفضل وأكثر صدقية وشفافية لتمويل برامجها الاقتصادية والتنموية.
بشكل عام، باتت مجموعة بريكس بديلا بعد أن بات واضحا للكثير من الدول الفقيرة والنامية تصدُّع النظام العالمي الأحادي القطبية والمنظومة الدولية التي بني عليها بعد الحرب العالمية الثانية ومحورها الغرب بقيادة الولايات المتحدة اقتصاديا وماليا، عبر نظام "بريتون وودز" بمؤسساته المالية والنقدية، أو عصر التفوق الأميركي والغربي في مرحلة ما بعد الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفياتي.
