أهدأوا ، سيطروا على عواطفكم ، الحديث ليس عن الدول العربية ، بل عن وسط افريقيا ، وإن أردتم ، عن دولة في كوكب المريخ ، المهم أهدأوا ، ثم، صفوا النية ، رحمكم الله ، فنحن نتحدث عن "شيء" من نوع آخر ، لا عن ما تظنون، وبالأحرى "نوعين" وليس واحد ، وقبل أن نصل معا للمعنى الحرفي للكلمة ، دعونا نعّرف بصاحبنا من النوع الأول ، فهو قامة فكرية وعلمية في محيط مجتمعه ، وفي الخارج أيضاً ، وسيم ، مفوه ، ممشوق القوام ، يرتدي البدلة مع ربطة عنق عصرية، اختاره رجل من النوع الآخر ، عسكري ، لا يملك أي درجة علمية إدارية واقتصادية أو فكرية أبداً ، فكره متصل بمبدأ السمع والطاعة العسكري، وتنفيذ الأوامر بلا أي تفكير وسؤال ، إلا أنه ، ومع ذلك كله ، فهو فخامة رئيس البلاد ، ليكون ذلك الأول، رئيس مجلس الوزراء في البلد ، فوضع في مكتب واسع ، هو حقاً ، جميل وفخم ، غير أنه لم يستطع أن يفتح أي درج ودولاب فيه بالمرة، علم في النهاية ، أن مفتاح "الأدراج" في مكان آخر ، ووجد فقط على سطح المكتب عدة أوراق ، تحتاج توقيعه لا أكثر ، وبعد أخذ ورد ، أكتشف أنه رئيس بلا صلاحيات ، واجهة براقة لقرارات الرجل الثاني، فإن كان الأول "مدير بلا مفتاح" ، فالآخر ، "قفل" مكسور فيه المفتاح ، والقفل هنا ، بالتعبير المجازي المصري ، قفل في تفكيره ، لا يأخذ مشورة ، لا يسأل عن رأي ، وزيادة في البؤس ، مكسور فيه المفتاح ، بلا أمل في أي إصلاح ، فأي نجاح يرجى من خصي الصلاحيات ، وخصي الفكر.
نوادر العصر من الساسة في العالم ، محصورون في هذين النوعين من "الرجال" ، والحمد لله أنهما من النوادر، إنما المأساة الحقيقية ، هي في ذلك الشعب البائس الصبور، الوفي لوطنه، فرغم المعاناة ، إلا أنه صابر وراضي بما هو فيه ، يملك جنسية وطن مسلوب أرادته ، منهوبة خيراته ، ليهاجر أبنائه للخارج ، بحثاً عن لقمة عيش يرسلونها لآبائهم وأطفالهم في ذلك الوطن ، والذي يذكرني، مع فارق التشبيه بالطبع ، بقصة في الأدب العربي القديم ، حول شكوى الزوجة لزوجها من فقرهم وحالهم البائس ، إذ تقول ، شاكية الحال والمآل : حتى وجود الفأر في بيتنا ، هو وجود وفاء ومواطنة ، وإلا فهو يقتات من بيت الجيران.