بعد غياب كبير عن سلسلتنا "مشاريع طائرات لم تغادر الهناجر" , ها قد عدنا مجددا بعدما ما كنا توقفنا اخر مره في مصر مع مشروعا المقاتله حلوان الذي لم يكتمل للاسف , فيلا بينا الي روسيا و صقيعها لنكتشف احد المشاريع المثيره الذي لم يكتب لها النجاح للاسف , Su-47 Berkut، أو كما يُطلق عليها، "النسر الذهبي". طائرة بتصميم يبدو وكأنه من فيلم خيال علمي، فهي ذات تصميم مستقبلي جريء وأجنحة مقلوبة، أثارت الإعجاب والجدل معًا. طُورت في فترة ما بعد الحرب الباردة، حين كانت روسيا تبحث عن سلاح جوي يواكب تحديات الجيل الخامس، فجاءت الـ Berkut كاستعراض لقدرات الهندسة الروسية، لكنها لم ترَ النور كمقاتلة إنتاجية.حيث انها لم تتجاوز مرحلة النماذج الأولية, فيلا بينا نستعرض معًا قصة هذه الطائرة الفريدة: كيف وُلدت فكرتها؟ ما الذي ميز تصميمها؟ ولماذا بقيت مجرد تجربة طموحة على الورق ومدرجات العروض الجوية، دون أن تتحول إلى عمود من أعمدة القوات الجوية الروسية؟ و لماذا لم تحلّق هذه الطائرة الثورية في سماء المعارك؟ دعونا نكتشف القصة!
من فوضى التسعينات إلى حلم النسر الذهبي: ولادة Berkut وسط الانهيار
بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، وجدت روسيا نفسها في مرحلة فراغ وجودي حقيقي، ليست فقط كدولة، بل كحضارة وقوة عظمى. فقدت موسكو فجأة 14 جمهورية، ونصف سكانها تقريبًا، و40% من ناتجها الصناعي، و60% من قدرتها العسكرية المتمركزة خارج حدودها الحالية, كانت الدولة الوليدة تسير على حافة التفكك، بينما مؤسساتها الصناعية والعسكرية تنهار تحت وطأة الانكماش الاقتصادي والاضطراب السياسي.
حيث انه في مطلع التسعينات، بدأ الاقتصاد الروسي انتقالًا فوضويًا إلى السوق الحرة. "العلاج بالصدمة" الذي فُرض بإشراف غربي، أدى إلى انهيار شامل , فتفككت سلاسل الإنتاج الدفاعي, و توقفت المصانع عن الإنتاج أو بدأت تبيع ما لديها مقابل الغذاء أو العملة الصعبة, حتي آلاف العلماء والمهندسين اضطروا إما للرحيل أو للعمل في القطاع الخاص أو حتى المهربات.
بالتالي وجدت روسيا نفسها في قلب عاصفة لا تشبه أي مرحلة سابقة من تاريخها الحديث. الدولة كانت تتفكك اقتصاديًا، الجيش يتآكل، والصناعة العسكرية التي كانت مفخرة موسكو أصبحت عبئًا ماليًا وسياسيًا. تراجعت ميزانية الدفاع لأقل من ثلث ما كانت عليه، وتعطلت سلاسل الإنتاج المعقدة التي كانت تعتمد على تكامل جمهوريات الاتحاد.
قطاع الطيران تحديدًا، الذي كان يُعد تاج الصناعة السوفيتية، تعرض لانكماش قاسٍ، إذ أُغلقت عشرات المصانع ومكاتب التصميم أو تحوّلت إلى نشاطات مدنية أو تجارية، فقط لتحافظ على الحد الأدنى من الوجود. لم تعد وزارة الدفاع قادرة على تمويل مشاريع تطويرية، وأصبحت كل طائرة تُحلّق عبئًا اقتصاديًا أكثر منها رصيدًا قتاليًا.ببساطة، روسيا لم تعد تملك ما يكفي من المال حتى لدفع رواتب الطيارين، فما بالك ببناء جيل جديد من الطائرات؟
سوق للسلع المستعملة في روستوف على نهر الدون، 1992
فالقوات الجوية الروسية التي ورثت أسطولًا ضخمًا من Su-27 وMiG-29 وTu-22، أصبحت فجأة غير قادرة على صيانته, فخلال الفترة من 1991 إلى 1999:
تم تقليص عدد الطائرات العاملة إلى النصف.
معدلات التدريب الجوي للطائرات انخفضت إلى أقل من 20 ساعة طيران سنويًا – مقارنة بـ200+ في أيام الاتحاد السوفيتي.
أُغلقت عشرات القواعد الجوية، وأُهملت مراكز الاختبار والتطوير.
لكن وسط هذا الخراب، نشأ نوع مختلف من المشاريع: تلك التي لا تهدف إلى الإنتاج العسكري الفعلي، بل تُصمم كمنصات تجريبية تُبقي العقل العلمي الروسي في حالة عمل. مكتب "سوخوي" كان أحد آخر الحصون التقنية التي لا تزال تقاوم الانهيار. وتحديدًا قسم "Sukhoi Design Bureau" بقيادة مصمم الطائرات الشهير ميخائيل سيميونوف، وفي ظل إدراكهم أنهم لا يستطيعون دخول سباق المقاتلات الشبحية أو الطائرات متعددة المهام على غرار الـF-22 الأميركية و Typhoon الأوروبية، قرروا أن يقدموا للعالم ما يمكن وصفه بـ"بيان تقني": مشروع طائرة لا تشبه شيئًا آخر، بأجنحة مقلوبة للأمام، وقدرات مناوراتية خارقة، وتصميم يعكس مستوى تكنولوجي معقد, وهكذا، فإن Berkut كانت في جوهرها مختبر طيران، أكثر من كونها مقاتلة فعلية.
"كنا في زمنٍ لا يمكننا فيه بناء جيش، ولكن يمكننا أن نُبقي على أدمغتنا نشطة. كانت Su-47 واحدة من آخر رموز الفخر الهندسي الروسي في التسعينات."
— من شهادة مهندس في مركز جوكوفسكي لأبحاث الطيران
اذا فالـSu-47 كانت إذًا أكثر من مجرد طائرة. كانت صرخة داخلية تقول إن روسيا لن تتنازل عن السماء. وفي وقت كانت فيه الدولة تتهاوى من الداخل، لعبت مشاريع من هذا النوع دورًا رمزيًا ومعنويًا في الحفاظ على الروح العلمية والمكانة التكنولوجية التي طالما افتخرت بها موسكو. وبينما كانت أميركا تستعرض عضلاتها التقنية في سماء كوسوفو والعراق، كانت روسيا ترد بطريقتها الخاصة: عبر طائرة مستحيلة فيزيائيًا، لكنها حقيقية بما يكفي لتُخيف وتُبهر في آنٍ واحد,لان الفكرة ببساطه كانت : إذا لم نستطع منافسة الأميركيين الآن، فلنسبقهم في هندسة الغد. كانت الطائرة منصة تجريبية تفتح الباب لفهم طبيعة الأجنحة المقلوبة، وتطوير مواد مركبة، وأنظمة طيران رقمية متقدمة. في الوقت الذي كانت فيه الدولة بالكاد تؤمن الرواتب، كان مهندسو سوخوي يعملون على طائرة خارقة تقنيًا، تُمثّل مستقبلًا لم يكن أحد يعرف إن كانت روسيا ستصل إليه فعلًا.
و في ظل غياب ميزانية عسكرية كافية، كان تمويل مشروع Su-47 يأتي من مصادر متعددة , دعم حكومي محدود تحت بند الأبحاث المستقبلية, و مساهمات من شركات خاصة ومراكز بحث مدنية, و استثمار ذاتي من "سوخوي" لمحاولة بيع المشروع لاحقًا للتصدير أو لتطوير نسخ مشتقة.
"Berkut لم تكن مشروع مقاتلة… كانت تجربة جماعية للحفاظ على الذكاء الروسي من الانقراض."
– تعليق لأحد مهندسي المشروع في حديث صحفي عام 2004.
تصميم الطائرة: كيف صنعت سوخوي وحشًا طائرًا خارج قوانين الطيران التقليدي؟
كان الهدف المحوري في تصميم Su-47 هو تحقيق أقصى قدرة على المناورة القريبة، حتى على حساب سرعة الانطلاق أو البصمة الرادارية. بخلاف مقاتلات الجيل الخامس الأميركية التي سعت إلى دمج التخفي مع السرعة والتكنولوجيا الشبكية، قررت سوخوي أن تدخل مجالًا آخر: كيف تصنع طائرة تستطيع "الرقص في السماء"، والتفوق على أي خصم في دوامة الاشتباك القريب (dogfight).فظهر لنا علي اثر أبرز ما يميز مقاتلتنا و هو الأجنحة المقلوبة للأمام (Forward-Swept Wings)، وهي تقنية نادرة الظهور في عالم الطيران الحربي بسبب تعقيدها البنيوي وخطورتها التشغيلية.
الأجنحة المقلوبة تمنح الطائرة قدرة عالية على الحفاظ على الرفع والثبات حتى عند زوايا الهجوم القصوى. هذا يعني أن الطائرة تستطيع تنفيذ مناورات دقيقة في الاشتباك القريب، دون أن تفقد قدرتها على التوجيه أو السيطرة. في الحروب الجوية الحديثة، هذا النوع من الأداء يُعتبر حاسمًا في الصراعات داخل مجال الرؤية (WVR).
لكن هذه الأجنحة تسبب مشكلة خطيرة: الإجهاد الالتوائي (Torsional Load). عند سرعة عالية، تميل هذه الأجنحة للانحناء بشكل خطير قد يؤدي إلى انهيارها. للتغلب على ذلك، استخدمت سوخوي مواد مركبة خفيفة وقوية، مثل ألياف الكربون، التي تمثل أكثر من 90% من بنية الجناح.
في الحقيقة، 90% من بنية الجناح كانت مصنوعة من مواد مركبة، وهي نسبة غير مسبوقة في طائرات روسيا في التسعينات.
ولأن التصميم يجعل الطائرة غير مستقرة ذاتيًا، فقد زُوّدت بنظام تحكم إلكتروني رباعي القنوات Fly-by-Wire، يضبط كل سطح طيران في أجزاء من الثانية لتوفير الاستقرار الاصطناعي.
من ناحية الشكل، حملت الطائرة خطوطًا تشبه Su-27 من الخلف، لكنها متقدمة جدًا من حيث المقصورة والبدن، حيث كانت أول طائرة روسية يتم تصميمها جزئيًا لتقليل البصمة الرادارية، ولو لم تكن شبحية بالكامل.
ولأن المشروع لم يُمنح محركًا خاصًا، استخدم المحرك التقليدي AL-31F، وهو محرك قوي لكنه لم يكن مثاليًا لتحقيق سرعات تفوق Mach 2 بثقة – وهو ما قيّد أدائها في هذا المجال.
"لقد صنعنا طائرة تعيش خارج قواعد الديناميكا الهوائية المعروفة. كنا نطير على الحد بين الممكن والمستحيل."
– ميخائيل سيميونوف، مدير سوخوي في التسعينات.
زعنفة سفلية تحت الذيل لتحسين الانسيابية عند السرعات العالية والمنخفضة.
هذه البنية جعلت الطائرة تمتلك مظهرًا هجوميًا جدًا، ومقطعًا أماميًا يساعد على تقليل البصمة الرادارية جزئيًا، لكنه لم يرقَ لمستوى التخفي الكامل.
Su-47 و اثنان من Su-27
نظام التحكم الطيراني – الدماغ العصبي للطائرة
بسبب عدم الاستقرار الديناميكي الطبيعي الناتج عن التصميم، كان من المستحيل تحليق الطائرة دون نظام تحكم رقمي متقدم Fly-by-Wire. تم تزويد الطائرة بنظام رباعي القنوات قادر على تعديل أوامر الطيار أو تصحيحها في جزء من الألف من الثانية.
هذا النظام سمح للطائرة أن تتصرف كما لو كانت مستقرة، رغم أنها من الناحية الهوائية "غير مستقرة بالكامل".
الخصائص العامة
الطاقم: 1
الطول: 22.6 متر (74 قدم 2 بوصة)
باع الجناحين: 16.7 متر (54 قدم 9 بوصة)
الارتفاع: 6.4 متر (21 قدم 0 بوصة)
مساحة الجناح: 56 متر مربع (600 قدم مربع)
السطح الانسيابي: 5%
الوزن الإجمالي: 25,670 كجم (56,593 رطل)
أقصى وزن للإقلاع: 34,000 كجم (74,957 رطل)
المحرك: 2 × محرك عنفي مروحي AL-31F مع حارق لاحق، قوة دفع 93.1 كيلو نيوتن (20,900 رطل قوة) لكل محرك مع فوهات دفع موجهة ثنائية وثلاثية الأبعاد مخطط لاختبارها. جاف، 153 كيلو نيوتن (34,000 رطل قوة) مع الحارق اللاحقا
الأداء
السرعة القصوى: 2,200 كم/ساعة (1,400 ميل في الساعة، 1,200 عقدة) / 2.21 ماخ على ارتفاع1,400 كم/ساعة (870 ميل في الساعة؛ 760 عقدة) / 1.12 ماخ على مستوى سطح البحر
المدى: 3,300 كم (2,100 ميل، 1,800 ميل بحري)
سقف الخدمة: 18,000 متر (59,000 قدم)
حدود قوة التسارع: +9
معدل التسلق: 233 متر/ثانية (45,900 قدم/دقيقة)
حمل الجناح: 607 كجم/متر مربع (124 رطل/قدم مربع) كحد أقصى (تقريبي)458 كجم/متر مربع (94 رطل/قدم مربع) عادي (تقريبي)
نسبة الدفع إلى الوزن: 1.00 عند أقصى وزن للإقلاع 1.29 عند وزن الإقلاع الطبيعي
التسليح : تجهيز لتخزين الأسلحة المطابقة
إلكترونيات الطيران : تجهيز لرادار المهمة في مقدمة الطائرة ورادار ECM في الذيل
مقصورة القيادة وأنظمة العرض
المقصورة كانت متقدمة جدًا مقارنة بعصرها، بشاشة رقمية مدمجة، وخوذة تجريبية تعرض بيانات الطيران على واجهة النظر المباشر. تمت دراسة المقعد والمقبض (HOTAS) لتوفير أفضل استجابة في المناورات القاسية، بما في ذلك نظام مقاومة قوة الجاذبية العالية G-suit.
بين المدرج والحلم – اختبارات الطيران ونهاية المشروع
رغم أن Su-47 Berkut لم تكن موجهة للإنتاج الكمي، فإنها خضعت لبرنامج اختبارات صارم وطويل نسبيًا، لأن نجاحها في الجو كان سيثبت صلاحية كثير من تقنياتها لاستخدامها في مشاريع مستقبلية.
أول رحلة للطائرة تمت في 25 سبتمبر 1997، بقيادة الطيار التجريبي الشهير إيغور فوتينتسيف، من قاعدة جوكوفسكي للاختبارات. استمرت التجارب طيلة أواخر التسعينات وبداية الألفية، وخلالها سجلت الطائرة أكثر من 150 ساعة طيران في ظروف مختلفة. الأهداف الرئيسية لهذه الرحلات كانت:
اختبار استقرار الأجنحة المقلوبة في السرعات المختلفة.
تقييم استجابة أنظمة التحكم الطيراني (fly-by-wire).
قياس متانة المواد المركبة تحت إجهادات عالية.
تجربة التكامل بين الأنظمة الإلكترونية وخصائص الطيران غير المستقرة.
وأظهرت نتائج التجارب أن الطائرة تملك قدرة مذهلة على المناورة في السرعات المتوسطة والمنخفضة، متفوقة بشكل واضح على مثيلاتها من الجيل الرابع مثل Su-27 أو MiG-29. كانت تستطيع تنفيذ مناورات حادة بزوايا هجوم تتجاوز 60 درجة دون أن تفقد السيطرة، وهو أمر نادر في طائرات تلك المرحلة.
لكن في المقابل، كشفت الاختبارات أيضًا عن محدودية الطائرة في الأداء فوق الصوتي. حيث تبين أن تصميم الأجنحة، رغم فعاليته في الاشتباك القريب، يُحدث مقاومة هوائية كبيرة عند التسارع، ما يمنع الطائرة من الوصول إلى سرعات أعلى من Mach 1.6 بأمان. بالإضافة إلى ذلك، لم تُخصص محركات جديدة للطائرة، فاعتمدت على محركات AL-31F القديمة، والتي لم تكن مهيأة لتغطية أداء فوق صوتي مستقر لمقاتلة بتصميم غير تقليدي.
كما وُجد أن تكاليف صيانة واختبار الطائرة مرتفعة جدًا مقارنةً بطائرات الجيل الرابع، بسبب الهيكل المعقد والمواد المركبة التي تتطلب معالجة خاصة، وهو ما جعل جدوى المشروع الإنتاجي ضعيفة في بيئة اقتصادية متعثرة.
"Berkut لم تفشل... بل أثبتت أن التكنولوجيا سبقت عصرها، لكن الدولة لم تكن مستعدة لاحتضانها."
– تعليق لأحد ضباط مركز الاختبار الروسي، منشور في مجلة Авиация и Время
ومع حلول عام 2004، بدأ المشروع في الانطفاء التدريجي، ولم يتم تصنيع سوى نموذج واحد للطائرة. ومع ذلك، لم تُلغَ Berkut بالكامل. فقد استخدم المهندسون كثيرًا من البيانات والخبرات المكتسبة منها في تصميم طائرة الجيل الخامس الروسية Su-57 Felon، خاصة في أنظمة التحكم الرقمي، وفهم توزيع الأحمال الديناميكية، واستعمال المواد المركبة.
من زاوية استراتيجية، يمكن القول إن Berkut كانت طائرة "لم يُكتب لها التحليق طويلًا، لكنها أرشدت غيرها إلى أين تطير". لقد كانت تجربة هندسية مذهلة، قُدمت في زمن لا يسمح بتحقيق أحلامها، لكنها تركت بصمتها داخل جينات المقاتلات الروسية الحديثة.
إرث Berkut – حين تصنع طائرةٌ واحدة لغة تصميم لمستقبل كامل
رغم أن Su-47 لم تُنتج أبدًا كمقاتلة حربية عاملة، إلا أن أثرها تجاوز بكثير مجرد كونها "نموذجًا تجريبيًا"، لأنها مثّلت نقطة تحوّل في فهم روسيا لكيفية بناء المقاتلات الحديثة في القرن الحادي والعشرين. لقد كانت بمثابة "مختبر طائر"، تم فيه اختبار نظريات لم يكن بالإمكان تجريبها على طائرات إنتاجية في الخدمة.
من أبرز ما نقلته Su-47 إلى الأجيال التالية:
تقنيات المواد المركبة: ساهمت التجارب التي أجريت على Berkut في ترسيخ فهم أعمق لاستخدام الألياف الكربونية في أجنحة وهياكل الطائرات الروسية. هذا الانتقال ظهر بوضوح في تصميم هيكل Su-57، التي تعتمد بنسبة كبيرة على مواد خفيفة مقاومة للإجهاد.
أنظمة التحكم الرقمي (Fly-by-Wire): رغم أن النظام لم يكن مثاليًا في Su-47، إلا أنه مهد الطريق لتطوير جيل أكثر تطورًا وأمانًا في المقاتلات التالية. الاستجابة الدقيقة وسرعة التصحيح أصبحت من أساسيات أي مقاتلة روسية حديثة.
الفكر التصميمي غير التقليدي: Su-47 لم تترك تأثيرًا مباشرًا في شكل الطائرات التالية، لكنها غيّرت طريقة تفكير المهندسين الروس: أصبح من الممكن – بل والمطلوب – التفكير خارج القوالب التقليدية، ما مهّد لمشاريع أكثر طموحًا مثل الدرون Okhotnik الشبحية، وبعض تصاميم الـ "lifting body" التي تعمل عليها روسيا الآن سرًا.
رمزية البقاء والإبداع تحت الحصار: في الوعي العسكري الروسي، أصبحت Berkut رمزًا لقدرة روسيا على الابتكار حتى في أحلك فتراتها. لم تُصمم الطائرة لتُقاتل، بل لتقول شيئًا: نحن هنا، وما زلنا قادرين على أن نحلم وننفذ، رغم كل شيء.
"في طائرة واحدة، تم اختصار دروس عقد كامل من الألم والعبقرية. Berkut لم تمت؛ بل تحوّلت إلى جينات وراثية لصقور روسيا القادمة."
– تعليق في مجلة Военно-промышленный курьер (VPK)
اليوم، لا تزال الطائرة الوحيدة التي صُنعت من طراز Su-47 موجودة، محفوظة ضمن أصول سوخوي ومراكز البحث الجوي، تظهر أحيانًا في العروض الجوية، لا كطائرة قتال، بل كأثر حيّ لفترة مضطربة وشجاعة هندسية نادرة.
الخاتمة: Berkut… الطائر الذي لم يُكتب له أن يُقاتل، لكنه غيّر شكل الحرب القادمة
ليست كل الطائرات تُبنى لتقاتل، وليست كل المشاريع تُقاس بعدد النسخ التي خرجت من خط الإنتاج. Su-47 Berkut كانت تجسيدًا نادرًا للحظة توازن فيها اليأس بالعبقرية. وُلدت من قلب الانهيار، لكنّها لم تكن ميتة. كانت رسالة روسية موجهة للعالم وللنفس في آن واحد: رغم الركام، لا تزال هناك عقول تحلّق.
لقد فشلت Berkut كمشروع تسليحي مباشر، لكنها نجحت كمنصة عبور إلى جيل جديد من الطيران الروسي. ما أُنجز في بدنها وأجنحتها ودماغها الإلكتروني، أصبح لاحقًا الأساس لمقاتلات مثل Su-35 وSu-57، بل حتى لمشاريع المركبات غير المأهولة.
وهكذا، انتهى مشروع Su-47 من دون أن يبدأ… لكنه ترك أثرًا لا يُمحى على خرائط الجو الروسية. فربما لم تكن Berkut طائرة حرب، لكنها بالتأكيد كانت نصرًا في معركة العقل
استغرق مشروع Su-47 Berkut ما يقرب من عشر سنوات من العمل الفعلي، بداية من أوائل التسعينات عندما بدأ مكتب "سوخوي" بوضع التصاميم الأولى تحت الاسم الأولي S-32، مرورًا بإنتاج النموذج التجريبي الوحيد الذي طار لأول مرة في 25 سبتمبر 1997، وحتى بداية الألفينات حين توقفت التجارب عمليًا. الاختبارات استمرت لفترة قاربت 6 إلى 7 سنوات بعد أول تحليق، وبلغ إجمالي عمر المشروع منذ لحظة الفكرة إلى لحظة الإغلاق حوالي عقد من الزمن.
أما من الناحية المالية، فقد قُدّرت الكلفة الإجمالية لبناء النموذج الوحيد من Berkut، وإجراء الاختبارات عليه، وتطوير الأنظمة المرتبطة به، بنحو 1.67 مليار روبل، وهو ما كان يعادل تقريبًا 70 مليون دولار أميركي بأسعار أواخر التسعينات. هذا الرقم يبدو صغيرًا إذا قورن بمشاريع طائرات الجيل الخامس الغربية التي تخطّت مليارات الدولارات، لكنه في سياق الأزمة الاقتصادية الروسية كان رقمًا ضخمًا يُصرف على مشروع غير قتالي.
من الأمور اللافتة، أن تكلفة تصنيع جناح واحد فقط من هذه الطائرة وصلت إلى أكثر من مليون دولار، بسبب تعقيد التصميم القائم على الألياف المركبة المصممة لتحمّل إجهادات الالتواء الناتجة عن الأجنحة المقلوبة للأمام. ولأن الطائرة كانت غير مستقرة بطبيعتها، فقد تطلبت أنظمة تحكم إلكترونية متقدمة جدًا، وهو ما زاد أيضًا من التكلفة التقنية والتشغيلية.
لم تُموّل Berkut بالكامل من قبل وزارة الدفاع الروسية، بل شاركت "سوخوي" في تمويل أجزاء كبيرة من المشروع من ميزانيتها الخاصة، إلى جانب دعم غير رسمي من بعض الشركاء الصناعيين والباحثين. وهذا ما يجعل المشروع حالة نادرة في تاريخ الطيران الروسي: طائرة عسكرية تجريبية، صُمّمت إلى حدّ كبير كمبادرة هندسية شبه مستقلة في ظل دولة مفككة اقتصادياً.
في النهاية، Su-47 كلّفت روسيا جهدًا وزمنًا أكبر بكثير من قيمتها كمنصة طيران، لكنها كانت بمثابة "الرهان المبدع" الذي قررت سوخوي أن تخوضه عندما كان الكل ينهار. لم تكن مجرد طائرة، بل كانت مشروع بقاء لعقلية هندسية كاملة في أصعب سنوات روسيا الحديثة.
رغم الجاذبية الشكلية للمقاتلة الروسية Su-47 Berkut إلا أن تقييمها من زاوية علمية وهندسية
يكشف عن إخفاقات جوهرية تجعلها أقرب إلى منصة عرض نظرية منها إلى مقاتلة قابلة للتطبيق الميداني.
الجناح المائل للأمام ميزة مكلفة أكثر من فائدتها (Forward-Swept Wing - FSW) هو ميزة ظاهرها المناورة
ولكن باطنها مشكلات هيكلية قاتلة ولعل العيب الإنشائي الأبرز انه يعاني من ظاهرة divergent aeroelasticity
وهي حالة تجعل الأجنحة تلتف وتتشوه تدريجيًا مع ازدياد السرعة مما قد يؤدي إلى انهيار بنيوي إن لم يُضبط بدقة.
كما ان الامر يتطلب مواد مركبة باهظة ومعقدة لبناء الأجنحة ما جعل الطائرة غير اقتصادية حتى في الاستخدام الداخلي
اما عند السرعات العالية فالجناح يخلق إجهادات التواء (torsional stresses) تتجاوز بكثير أجنحة الـswept-back التقليدية
وتضع ضغطًا هائلًا على نظام التحكم الرقمي
وهناك العديد من الملاحظات الاخرى ولكن علمياً المقاتلة غير قابلة للأستخدام القتالي او للتصدير
موضوع جميل وطائرة ملهمة، الاخ @بأحث في التاريخ وضح بشكل وافي أسباب فشلها في السرعات العالية والتواء الاجنحة وهي سبب الغاء المشروع. ربما تضل فكرة مشروع نقل تقني لدول اخرى والتقدم التقني في ال30 عام الماضية كفيل بتقليل عيوبها. في الاخير دولة مثل روسيا لن تنقل لك مشاريع ناجحة والمجازفة منطقية. مثل هذه الطائرة مشروع اخر مثل Black Eagle tank وغيرها كثير لدى الروس يمكن الانخراط فيه