صورة لاجتماع باريساجتماع نادر بين وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني والوزير الإسرائيلي رون ديمر في باريس برعاية أمريكية。
في تطور نادر ومهم، شهدت العاصمة الفرنسية باريس هذا الأسبوع اجتماعًا مباشرًا بين وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني ووزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديمر، برعاية وساطة أمريكية. هذا اللقاء التاريخي، الذي تم التأكيد على أنه ليس الأول من نوعه حيث سبقه لقاء في باكو, يمثل نقطة تحول محتملة في العلاقات المعقدة بين البلدين اللذين كانا تقنيًا في حالة حرب منذ عام 1948.
خلفية المفاوضات والتطورات الأخيرة
بحسب وكالة الأنباء السورية (SANA)، ناقش الجانبان سبل تخفيف التوترات الإقليمية واستئناف اتفاقية فصل القوات لعام 1974 التي أنشأت منطقة عازلة في هضبة الجولان. كما تم بحث مواضيع حساسة أخرى بما في ذلك عدم التدخل في الشؤون الداخلية لسوريا ومراقبة وقف إطلاق النار في محافظة السويداء الجنوبية.
ومن المقرر أن تستمر المفاوضات في باكو وباريس، حيث أفادت قناة العربية بأن الجانبين توصلا إلى اتفاق بشأن حوالي 80٪ من النزاعات القائمة بينهما.
أزمة السويداء وعامل الدروز
أضفت التطورات في محافظة السويداء السورية بُعدًا إنسانياً معقداً على هذه المفاوضات. في يوليو الماضي، اندلعت اشتباكات عنيفة بين الميليشيات العربية القبلية والوحدات الدرزية للدفاع عن النفس في المحافظة.
رداً على ذلك، قامت إسرائيل بعدة غارات جوية على القوات السورية، مبررة ذلك كإجراءات وقائية لحماية المجتمع الدرزي في المنطقة. يعتبر الدروز أقلية دينية مهمة في إسرائيل، حيث يخدم العديد منهم في الجيش الإسرائيلي.
وقد شهدت السويداء احتجاجات كبيرة طالبت بمزيد من الحقوق للدروز، حتى أن بعض المتظاهرين رفعوا العلم الإسرائيلي، مما أثار غضباً واسعاً بين السوريين الذين اعتبروهم "خونة".
دور المجتمع الدولي والضغوط الإقليمية
الوساطة الأمريكية كانت عنصراً حاسماً في هذه العملية، حيث قام المبعوث الأمريكي إلى سوريا توماس بارلاك بدور رئيسي في تيسير المحادثات. هذا الجهد الأمريكي يتوافق مع "رؤية الشرق الأوسط المزدهر" التي طرحها الرئيس ترامب، والتي تتضمن "سوريا مستقرة تعيش في سلام مع جيرانها بما في ذلك إسرائيل".
كما ظهرت دول إقليمية أخرى كلاعبين مهمين في هذه العملية، بما في ذلك تركيا والدول العربية التي ساهمت في الوساطة لوقف إطلاق النار في السويداء.
تحديات كبيرة وعقبات تاريخية
رغم هذه التطورات الإيجابية، فإن الطريق إلى السلام لا يزال محفوفاً بالتحديات الكبيرة:
عدم الثقة العميق: عقود من العداء والصراع خلقت إرثًا عميقًا من عدم الثقة لا يمكن التغلب عليه بسهولة.
وضع هضبة الجولان: لا تزال هضبة الجولان قضية خلافية رئيسية. تحتل إسرائيل ثلثي الهضبة منذ حرب 1967 وضمت المنطقة بشكل فعلي في عام 1981، وهو عمل لم تعترف به معظم المجتمع الدولي. أصر وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر في يونيو الماضي على أن أي اتفاق سلام يجب أن يعترف بأن الجولان تابعة لإسرائيل، بينما ترى سوريا أن من السابق لأوانه مناقشة هذه القضية.
الوضع الداخلي السوري: أطيح بالرئيس السوري بشار الأسد في ديسمبر الماضي، وتشكلت حكومة جديدة يقودها أحمد الشريع، الذي كان سابقاً قائداً في تنظيم القاعدة. هذا الوضع السياسي الهش يجعل أي اتفاقيات سلام محتملة معرضة للخطر.
التدخلات الإقليمية: إيران والفصائل المسلحة المدعومة منها في سوريا تشكل مصدر قلق كبير لإسرائيل، التي أعلنت أنها لن تسمح بقوى معادية قريب حدودها.
الآفاق المستقبلية وتوقعات السلام
على الرغم من التقدم الظاهري في المفاوضات، فإن محللين يحذرون من أن مشاعر عدم الثقة بين الجانبين قوية، وأن وجود أعضاء سابقين في الجماعات المتطرفة في الحكومة السورية يجعل أي اتفاقيات محتملة هشة.
ومع ذلك، فإن هناك عوامل ضغط جديدة قد تدفع كلا الجانبين نحو البحث عن حلول:
التغيرات في المشهد الجيوسياسي: ظهور تحالفات إقليمية جديدة وتغير أولويات القوى العالمية.
الضرورات الاقتصادية: الحاجة إلى الاستقرار لإعادة الإعمار والنمو الاقتصادي في المنطقة، خاصة في ظل التحذيرات الأممية من أن النداء الإنساني لسوريا 2025 لم يمول سوى بنسبة 14%.
المخاوف الإنسانية: المعاناة المستمرة للمدنيين على جانبي الصراع، والتأثير الإنساني للعمليات العسكرية على السوريين.
خاتمة: نظرة واقعية نحو المستقبل
في حين أن الاجتماعات الأخيرة في باريس وباكو تمثل خطوة مهمة نحو الحوار المباشر، فإن التوقعات حول توقيع اتفاق سلام كامل في المستقبل القريب لا تزال متحفظة. الفجوات العميقة في الثقة والخلافات الجوهرية حول قضايا مثل هضبة الجولان والمصالح الإقليمية المتنافسة تشكل عقبات كبيرة.
ومع ذلك، فإن حقيقة أن المحادثات المباشرة تجري بين المسؤولين السوريين والإسرائيليين - وأن التقارير تفيد بأنهم حلوا حوالي 80٪ من قضاياهم المعلقة - تشير إلى أن الجانبين يرون قيمة في السعي إلى الدبلوماسية على الرغم من عقود من العداء.
السلام بين سوريا وإسرائيل سيكون عملية طويلة ومعقدة، وليس حدثاً يمكن تحقيقه بين عشية وضحاها. ولكن الخطوات الأولى التي لوحظ هذا الأسبوع قد تمهد الطريق لمستقبل حيث يكون التعايش السلمي ممكناً في نهاية المطاف.
هذا المقال هو تحليل إخباري يعتمد على تقارير من وسائل إعلام متعددة، ولا يعكس بالضرورة آراء أو مواقف الجهة الناشرة. الكاتب هو محلل شؤون دولية متخصص في الشرق الأوسط.