القرصان الخائن

الحاج سليمان 

خـــــبراء المنتـــــدى
إنضم
5 سبتمبر 2007
المشاركات
7,026
التفاعل
19,105 235 28
الدولة
Algeria
الموضوع هدية للمنتدى ارجو عدم إفساده

☆ القرصان الخائن سيمون دانسر :

استقر سيمون في البداية بمرسيليا ، وهي المدينة التي تزوج بها من فرنسية جميلة في حوالي سنة 1606م، وفي نفس السنة حصل سيمون على ترخيص رسمي بالقرصنة ضد الإسبان. وضد هذا العدو المشترك وجد في الجزائر مساعدة وتعاون مع سليمان رايس و كذالك مراد رايس الهولندي الأصل، وبهذا يكون سيمون قد اطلع عن كثب على البحرية الجزائرية، وقابليتها لضم البحارة المغامرين مهما اختلفت جنسياتهم، وحتى دينهم.

لم يلبث سيمون طويلا حتى التحق بالبحرية الجزائرية أين عمل في الجزائر بأسطوله، وطاقمه في القرصنة تحت الراية الجزائرية، فاقنع نشاطه الجريء الداي الذي وضع عددا من السفن ورياسها تحت إمرته لتعاطي القرصنة، لقد لاقى سيمون ترحيبا كبيرا من الجزائريين، على الرغم من أنه ظل محتفظا بعقيدته ، وكنتيجة للدعم الذي تحصل عليه من قبل الشعب والسلطة تمكن من وضع اسمه بين أعظم وأشهر أسماء قراصنة الجزائر.

اشتهر سيمون بسبب جرأته ونجاح مغامراته : إلى درجة شدت انتباه القنصل الإنكليزي بالجزائر الذي راسل السلطات الانكليزية يخبرها في مراسلة له بتاريخ جانفي 1609م " أنه أي سيمون دانسر) على رأس الأسطول الجزائري قد كان أنجز في السابق الاستيلاء على 30 سفينة ، وبالفعل ففي أقل من ثلاث سنوات استولى سيمون على أربعين سفينة ، الشيء الذي أكسبه سمعة راقية بين أهالي الجزائر الذين أطلقوا عليه لقب دالي رايس (Deli reis ) والقبطان دوفيل Capitaine Devil) ، والريس الشيطان ، ومما زاد من التفاف السكان حول هذا البحار المغامر، إدخاله لأحدى التقنيات الحديثة في الملاحة البحرية، للبحرية الجزائرية . فيعزى له أنه في هذه السنوات القليلة (1607 - 1609م) علم بحارة الجزائر كيف تصنع وكيف تقاد السفن عالية الجوانب والمتعددة السطوح وهي السفن من النوع الشمالي التي لها شكل مستدير والمجهزة بأفنية عالية، وبمقاعد للأشرعة والمدافع فإلى غاية هذه الفترة كانت القرصنة تمارس عن طريق غاليرات أو غليوطات خفيفة فعّالة جدا في البحر الأبيض المتوسط وكانت نتائجها جد ممتازة، ولكن لا يمكنها الإبحار في المحيط، وبوجود هذا النوع من السفن ذات المقدمة الدائرية انطلق الجزائريون خارج حدود المتوسط عبر مضيق جبل طارق، وبفضلها السفن ذات المقدمة المستديرة تمكن قراصنة الجزائر تعاطي القرصنة في المحيط الأطلسي والاستيلاء على السفن التي تتردد على هذا المحيط، كما تمكنوا حتى من الاستيلاء على السفن المبحرة في المياه المتجمدة بإسلندا (Islande) .

على الرغم من الشهرة والاحترام الذي نالها سيمون في الجزائر إلا أنه اكتفى من تعاطي القرصنة والعيش خارجا على القانون الأوربي، ففي سنة 1609م أبدى سيمون دانسر رغبته في الاستقرار والعيش في أوربا غير أن هذا لن يحصل دون نيل العفو من أعمال القرصنة التي ارتكبها في حق المسيحيين هذا ما عبر عنه في الرسالة التي أبرقها لزوجته أين أبدى فيها رغبته المطلقة في العودة إلى مرسيليا، وتساءل عن الشروط التي يجب ان يحققها لينال بمقتضاها العفو عن ماضيه الأسود حسب قوله وبعبارة أدق كان سيمون يتطلع إلى التخلي عن دوره النشيط والقيادي في البحرية الجزائرية بغرض الاستقرار والتمتع بثروته الطائلة مع عائلته

▪︎سيمون دانسر يتسبب في أزمة بين الجزائر وفرنسا :

لم ينتظر سيمون كثيرا فقد كان الحظ يلازمه ، ليس فقط في عمليات القرصنة، بل حتى في إدراك مبتغاه، والظفر بالعفو والمواطنة في أوربا، بعد أن تمكن من إنقاذ ستة من رجال الدين الجزويت من الاسترقاق في الجزائر كما أفلح في جمع أمواله وبطريقة ما تمكن من الفرار إلى مرسيليا ، وبهذا السلوك الذي خان فيه الجزائر وشعبها نال العفو والصفح من ملك فرنسا ، وحتى يضمن سيمون حماية نفسه، وممتلكاته، وثروته الطائلة في أن يعمل في مرسيليا، تعهد الدوق فرنسا دوغيز لحسابه (Le Duc De Guise) كما قبل عرض حكام مرسيليا عليه 22 ألف ليرة ترنوا سنويا لقاء خدمته كقبطان وقائد للأسطول المرسيلي .
لم تقف خيانة سيمون عند هذا الحد بل تعدت ذلك حينما أقدم على إهداء مدفعين من البرونز للدوق (دوغيز) كان قد استعارهما من ديوان الجزائر لاستكمال تجهيز سفنه بالمدافع بغرض القرصنة، فقبل هذا الأخير الهدية، وقام بتنصيب المدفعين في سفينته القيادية .
أثار هروب دانسر غضبا كبيرا في الجزائر، ولكن ما كان أسوأ من ذلك هو رد فعل عامة الجزائريين الذي تجرعوا مرارة الخيانة حينما وصلهم خبر سرقة دانسر للمدفعين البرونزيين اللذين كانت السلطات الجزائرية قد أعارتهما إياه .

أيقظ فرار دانسر، وخيانته حقد الجزائريين على فرنسا الدفين ، كما أثار سلوك دانسر غضب السلطات الجزائرية، فأقدم رضوان باشا الجزائر (1607/ 1610م)، على تقديم احتجاج لملك فرنسا هنري الرابع ، باعتبار سيمون دانسر أحد رعاياه ، في رسالة شديدة اللهجة، طالب فيها: إعادة المدفعين، ومعاقبة الفاعل .

لقد كانت المسألة بالنسبة للجزائريين قضية معدات حربية، هي ملك للدولة وبالتالي تحولت المسألة إلى قضية وطنية،
تطورت الأزمة السياسية بين الجزائر وفرنسا ببطء ولكن بثبات، فقد رفض الدوق دو غير تسليم المدفعين . أما الحكومة الفرنسية فلم تعط لهذه القضية أي أهمية، وقابلتها باللامبالاة، وبالرغم من اعتلاء الملكة ماري دي مديشي عرش ملك فرنسا بالوصاية، إلا أنها لم تبذل هي الأخرى أي جهد المحاولة حل الأزمة .

بدأ الانتقام الجزائري سريعا، بتحرك البحرية الجزائرية، فانطلق ثلاثة ألاف قرصان جزائري بسفنهم لتجسيد الحرب البحرية ضد فرنسا، فمشطوا المتوسط وسواحله، والمحيط وقوافله، وفتكوا بكل ما هو فرنسي ، مما أخل الجزائر في عهد جديد من الرخاء ، بل أن الجزائر لم تكن غنية قط كغناها وثرائها في هذه الحقبة، فكان في اليوم الواحد يدخل ميناء الجزائر أربعة أو خمسة سفن تم الاستيلاء عليها .

تعرضت التجارة الفرنسية إلى خسائر فادحة تقدر بملايين الجنيهات جراء هذه الحرب التي جاءت كنتيجة لاستخفاف السلطات الفرنسية بالقضية التي أعارها الجزائريون أهمية بالغة، وبذلك استمرت ضربات البحرية الجزائرية الموجعة للتجارة الفرنسية، وبما أن التجارة المرسيلية كانت أكثر المتضررين من هجمات البحرية الجزائرية التي شدّدت الخناق على سواحلها، وسفنها التجارية، فقد قرر مجلس إدارة مرسيليا التخلص من هذا الوضع البائس بأنفسهم، بعدما لمسوا أن حكومة ملكهم قد فضلت الاختباء وراء ظلال أصابعها بدل مواجهة الأمر الواقع .

لقد تمكنت البحرية الجزائرية من أسر وحجز حوالي 1200 سفينة خلال ثماني سنوات ما بين عامي 1613م، و 1621م، منها 193 سفينة فرنسية، زيادة على ما أغرق، وأعطب، واحرق، فبلغ عدد الأسرى المسيحيين في الجزائر عام 1623م، حوالي 36 ألف أسير من بينهم 3 ألاف أسير فرنسي أسروا في سواحل بروفانس، وعلى السفن المسيحية . وسواء أراد ذلك الفرنسيون أم لم يريدوا، فإن فرنسا كانت في حرب مع البحرية الجزائرية وكان التجار الفرنسيون وسلعهم غنائم شرعية تباع معا في المزاد علني بأسواق الجزائر .

استطاع نابولون ( ليس نابليون بونابرت) تقديم الترضية اللازمة للسلطات الجزائرية، فأعاد المدفعين الذين تسببا في حرب لأكثر من ربع قرن) للجزائر كما اتفقوا على فدية الأسرى الفرنسيين على أساس 200 جنيه للفرد، كما جلب سانسون معه ما قيمته 15 ألف جنيه كهدايا للديوان إلى جانب عدد من الأسرى الجزائريين . وأخيرا توجت مفاوضات المبعوث الفرنسي التي استغرقت حولين كاملين بإبرام معاهدة سياسية وتجارية بتاريخ 19 سبتمبر 1628م ، جاءت هذه المعاهدة في اثني عشر بندا كانت أكثر وضوحا وشمولية من معاهدة 1619م.
وبهذا تكون الجزائر قد دخلت في سلام مع كل من فرنسا وإنكلترا ولكن ليس لفترة طويلة و حرمت معاهدة السلام التي جمعت كل من إسبانيا وإنكلترا في سنة 1604م على البلدين تعاطي القرصنة، وهو ما انعكس بالإيجاب على البحرية الجزائرية التي استقبلت ربابنة سفن قادمين من إنكلترا يمتلكون خبرة كبيرة خاصة في مجال الملاحة البحرية في المحيطات، وبهذا تطورت البحرية الجزائرية التي استفادة من خبرة البحارة الانكليز.

استفادت البحرية الجزائرية من الخبرة الملاحية للبحارة الانكليز في المحيطات، وهي الخبرة التي كان يفتقر لها رياس الجزائر فلم يكن بوسعهم الولوج للمحيط الأطلسي بسفنهم الصغيرة السريعة المخصصة لمطاردة السفن التجارية في البحر الأبيض المتوسط، ولكن بعد أن التحق البحارة الشماليين بما فيهم البحارة الانكليز بالبحرية الجزائرية نقلوا معهم هندسة بناء السفن الدائرية الشراعية التي يمكنها الإبحار في المحيطات بكل سهولة .

▪︎مراجع :

- وليام، سبنسر: الجزائر في عهد رياس البحر تعريب عبد القادر زيادية
-المنور مروش: دراسات عن الجزائر في العهد العثماني القرصنة الأساطير والواقع ج 2


.
 
عودة
أعلى