هل يكون الجنوب العالمي بوابة الصين لبناء نظام عالمي جديد؟

الرئيس الصيني (وسط) مع قادة الدول الأفريقية أثناء حفل افتتاح منتدى الصين الأفريقي 2024
لا تُخفي الصين منذ سنوات امتعاضها من النظام العالمي القائم، الذي تصفه بأنه نظام مبني على الهيمنة الغربية ويعامل الدول الأخرى بازدواجية ونظرة فوقية، وتؤكد أن هذا النظام فشل في حل الأزمات الدولية، مشددة على الحاجة إلى نظام جديد أكثر عدالة وفعالية.
وتشير الصين إلى أن النظام العالمي الحالي، "غير عادل ويُقصي مصالح الدول النامية" حسب وصفها، مستدلة بالتفاوتات الاقتصادية، والتدخلات السياسية، وفرض المعايير الغربية على غالبية دول العالم.
وفي السنوات الأخيرة، تصاعدت تصريحات الصين التي تدعو إلى إعادة تشكيل النظام الدولي بما يتناسب مع قيمها ومصالحها، ويعمل على حل الأزمات الدولية بشكل أكثر عدلا وفعالية.
وهو ما تدركه الولايات المتحدة، حيث قال مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان في سبتمبر/أيلول 2022، إن العالم يقف على أعتاب حقبة جديدة من العلاقات والمنافسة على تحديد شكل النظام العالمي، وإن روابط الدول أصبحت متشابكة أكثر من أي وقت مضى.
وأوضح المستشار سوليفان في كلمته أمام المنتدى العالمي في دافوس، أن هناك منافسة حامية الوطيس انطلقت وعنوانها "الحق في تحديد شكل النظام العالمي الجديد"، وأشار إلى أن الولايات المتحدة تقوم بتعبئة العالم لعدم التخلي عن النظام الاقتصادي العالمي، وإنما تكييفه مع "تحديات اليوم والغد".

الجنوب العالمي
ظهر مصطلح "الجنوب العالمي" في ستينيات القرن العشرين كبديل لمصطلحات مثل "العالم الثالث" و"البلدان النامية"، واستخدم للتأكيد على استقلالية هذه الدول وتحدي هيمنة الدول الغربية في السياسة الدولية والاقتصاد، ويُستخدم اليوم للإشارة إلى الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط، ويشمل بلدانًا في أفريقيا، أميركا اللاتينية، وآسيا، وأيضا لتسليط الضوء على التفاوتات العالمية بين الشمال والجنوب.ويعتبر كذلك مرادفا حاليا لمجموعة الـ77 التي يبلغ عددها الآن 134 دولة، وهي مجموعة من البلدان ما بعد الاستعمارية والبلدان النامية التي اتحدت في عام 1964 للدفاع المشترك عن مصالحها الاقتصادية وتعزيز قدرتها التفاوضية في الأمم المتحدة.
ويواجه هذا المصطلح تحديات بسبب اختلاف المصالح والتنوع بين أعضائه وهي دول تختلف فيما بينها اختلافًا كبيرًا، من الناحية الاقتصادية والسياسية، مما يجعل من الصعب صياغة سياسات ورؤية موحدة تمثلها، إضافة للتهديدات الأميركية والتحذيرات الأوروبية.
كما ينظر إلى مصطلح "الجنوب العالمي" على كونه عامًا، يُغفل التنوع والتعقيدات الداخلية لكل دولة، ويفترض أن دوله كتلة واحدة يفترض أن تدعم مجموعة من القضايا الليبرالية الغربية، سواء تبنتها البلدان المصنّفة بالفعل أم لا.
الصين والجنوب العالمي
تسعى بكين إلى تجاوز العداء الغربي ومخططات إيقاف صعودها، معتمدة على قوتها الاقتصادية ونفوذها المتزايد في "الجنوب العالمي"، الذي يمثل 85% من سكان العالم ونحو 39% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. وتعد الصين الدولة الوحيدة حاليا التي تُظهر طموحًا وقدرة على إعادة تشكيل النظام وهي لم تُخف طموحاتها.ولتحقيق هذه الأهداف، طرحت سلسلة من المبادرات الكبرى على صعيد الاقتصاد والسياسة والتنمية والعلاقات الدولية ومشاريع متعددة، مثل مبادرة "الحزام والطريق" التي تهدف إلى تعزيز البنية التحتية والتجارة العالمية، و"مبادرة الأمن العالمي" لتعزيز السلام والاستقرار، و"مبادرة أصدقاء السلام" التي تركز على حل النزاعات السياسية.
ومبادرات التنمية والأمن والحضارة ومبادرات لحل الأزمات السياسية وخاصة الأزمة بين إيران والمملكة العربية السعودية والحرب الروسية الأوكرانية، انطلاقا من شعار "مجتمع من أجل مستقبل مشترك"، وهو الشعار الذي تتبناه بكين لتقديم نفسها كقوة دافعة للسلام والاستقرار العالميين.
إعلان
ترى الصين أنها أصبحت قوة عالمية عظمى، وبالتالي تريد أن تنعكس طموحاتها وسياستها وقيمها على النظام الدولي بالطريقة نفسها التي فرضت من خلالها الولايات المتحدة بصماتها على المؤسسات الدولية بعد الحرب العالمية الثانية، وشركاؤها في هذا المشروع يشملون دول الجنوب العالمي، مثل البرازيل وجنوب أفريقيا، إضافة إلى روسيا ودول الخليج.

ومع ذلك، تواجه هذه الطموحات عقبات كبيرة، أبرزها التناقضات بين المصالح الاقتصادية والسياسية لشركائها، خاصة داخل دول الجنوب العالمي، وتزايد الضغوط الأميركية والأوروبية، حيث تُظهر هذه الدول معارضة واضحة لأي مَساع لتقويض النظام القائم من قبل الصين، وعدم وجود رؤية وسياسة واضحة لهذا النظام الجديد وعدم قدرة الصين على تقديم نموذج شامل له.
وتحاول الصين تصدير صورة باعتبارها بطلة للجنوب العالمي، ولا تفوت فرصة للتأكيد على أنها "دولة نامية"، وهو ما أكده "لي شي" الممثل الخاص للرئيس الصيني شي جين بينغ، في قمة مجموعة الـ77 والصين التي عقدت في هافانا عاصمة كوبا سبتمبر/أيلول 2023، حيث قال "الصين هي أكبر دولة نامية في العالم وعضو طبيعي في الجنوب العالمي وستظل الصين باعتبارها أكبر دولة نامية في العالم عضوا بعائلة الدول النامية وعضوا بدول الجنوب العالمي إلى الأبد، مهما وصلت من مرحلة تنموية".
وكان الرئيس الصيني شي جين بينغ استخدم المصطلح 13 مرة خلال خطابه في قمة "بريكس بلس" بأكتوبر/تشرين الأول 2024، في الترويج للنظام العالمي الجديد عبر الدعوة لتعزيز صوت الدول النامية، مشيرا إلى أهمية هذه الدول في تشكيل المستقبل العالمي، ورفض سياسات الهيمنة التي وصفها بأنها تعيق التعاون الدولي.
وتعمل الصين على تعزيز حضورها في المؤسسات الدولية، حيث نجحت الصين في توسيع نفوذها داخل الأمم المتحدة، لتصبح ثاني أكبر مساهم مالي في ميزانيتها، وفي مجلس الأمن، تستخدم نفوذها وحق النقض لتعزيز مواقف معينة وحشد الدول الأعضاء لدعم مواقفها.
