يردد العلمانيون بدون توقف بأن العلمانية هي مجرد مبدأ، هذا المبدأ يتلخص في فصل الدولة عن الدين. في حالة إذا ما رضينا باعتبارها فعلاً كذلك وتجاوزنا ذلك التعريف المختزل لها، فهي ستكون مثل مبدأ الفصل بين السلطات. عندما تُحدث أي شخص عن الفصل بين السلطات فلن يخطر على باله أي تصور ما عنها، سوى أنها منح كل سلطة استقلاليتها عن بقية السلطات. وكذلك ما يجب تخيله عن العلمانية لو كانت فعلاً مجرد مبدأ للفصل بين الدين والدولة.
لكن هل حقاً عندما يتحدث العلمانيون عن العلمانية لا يتضمن حديثهم أي تصور لطبيعة ومضمون تلك العلمانية؟ هل يتصورونها فعلاً كعلبة فارغة لا تشترط سوى أن لا يدخلها الدين؟
إذا نظرنا للواقع ومجمل ما يطرحه العلمانيون فسنجد بأن لهم تصوراً واضح لما يجب أن تملئ به علبة العلمانية. لنأخذ كمثال إحدى الجدالات التي تطفو إلى السطح بين الحين والآخر عن مسألة الفرق في الميراث بين الجنسين. يرفض العلمانيون القاعدة التي تعطي للذكر حصة الأنثيين بدعوى أنها قانون ديني يمس بمبدأ الفصل بين الدين والدولة، لكن ماذا لو اقترحت جهة ما أن تكون القسمة للذكر حصة ثلاث إناث أو أربع مثلاً؟ لن يمس ذلك مبدأ العلمانية فهي ليست قسمة مستمدة من الدين، هل سيتقبلها العلمانيون؟ طبعاً لن يتقبلوها ويستحيل أن تخطر على بالهم من الأساس وسيفضلون دائماً النسخة الدينية عليها، لأن العلبة ليس حقاً فارغة وهي مليئة بالأيديولوجيات والمعتقدات وإحداها بلا شك هي المساواة بين الجنسين وفكرة المساواة المطلقة بشكل عام. إدعاء أن العلمانية هي مجرد مبدأ هو محاولة خداع تقوم بها أيديولوجيا تدعي الحياد أمام القيم.
وإذا ما تحدثنا عن العلمانيين العرب فسيكون الأمر أقل تعقيداً معهم، لأن العلمانية بالنسبة لهم تعني بكل بساطة القانون الغربي. العلماني العربي ذلك "المفكر الحر" عاجز تماماً عن تخيل أي نموذج خارج النموذج الغربي. بالنسبة له لا يهم إذا كان القانون ديني أو غير ديني، المهم هو مدى تطابقه مع ما تطرحه الليبرالية الغربية. العلماني العربي لا يدعو للعلمانية بل للنموذج الليبرالي الغربي الذي يسميه نفاقاً "إرث الإنسانية".
#أديان_علمانية
#حياد_مزيف