ليست هذه المرة الأولى التي يعمد فيها نظام الأسد، بالتعاون مع الحرس الثوري الإيراني وحزب الله، إلى ضرب الجيش اللبناني ومعنوياته. وما شهدناه من صفقة تهريب الإرهابيين من جرود عرسال في باصات مكيفة (وهم الذين قتلوا بدم بارد عددًا من العسكريين بعد اختطافهم) هو جزء من سياسة طويلة الأمد اعتمدها النظام الإيراني وحلفاؤه لتفتيت الجيش اللبناني والدولة اللبنانية بهدف السيطرة عليها.
اعتمد محور الممانعة الأسدي-الإيراني مخططًا جهنميًا لتفتيت الدولة اللبنانية، يرتكز على ثلاثة مبادئ رئيسية:
1. إضعاف المؤسسة العسكرية والقوى الأمنية.
2. صناعة الميليشيات ذات الطابع الطائفي لملء الفراغ الذي تركه الجيش الوطني.
3. نشر الفساد والرشوة في الطبقة السياسية الحاكمة.
المبدأ الأول: إضعاف المؤسسة العسكرية
بدأ نظام الأسد منذ بداية التسعينيات بتفكيك وإضعاف الجيش اللبناني بهدوء وبأسلوب مدروس. وكانت البداية بتدمير العمود الفقري للجيش عبر القضاء على سلاح الجو اللبناني، عندما كان العماد إميل لحود قائدًا للجيش. ضغطت سوريا حينها على الحكومة اللبنانية لبيع سرب مكوّن من 10 طائرات ميراج 3 مع 500 صاروخ ماجيك ماترا (سعر الواحد منها نصف مليون دولار) إلى باكستان بثمن بخس جدًا قُدِّر بـ98 مليون دولار فقط.
ولإضعاف قيادة المؤسسة العسكرية، أُرسل ضباط الجيش اللبناني لتلقي التدريب في سوريا بدلًا من البعثات العسكرية الخارجية. كما عمل النظام السوري وحزب الله على منع وصول السلاح الحديث إلى الجيش اللبناني عبر رفض العديد من المنح وعروض الهبات المقدمة من دول عربية وأوروبية. ومن الأمثلة على ذلك:
في عام 2008، تم رفض الهبة الروسية التي تضمنت 10 طائرات ميغ-29 مع تدريب الطيارين اللبنانيين عليها. ثم تم لاحقًا رفض استبدال طائرات ميغ بطوافات ميل مي-24 التي كان الجيش بأمسّ الحاجة إليها لدعم قوات المشاة في مكافحة الإرهاب.
في عام 2014، تم عقد اتفاق فرنسي-سعودي يقضي بتسليح الجيش اللبناني بمعدات وأجهزة من صنع فرنسي بتمويل سعودي، وبلغت قيمة الهبة 3 مليارات دولار، بالإضافة إلى مليار دولار مخصصة لقوى الأمن الداخلي. وبعد مفاوضات طويلة، رفضت قيادة الجيش تحويل الهبة السعودية عن مسارها، رغم محاولات حزب الله وعملائه فرض شراء منظومة صواريخ كروتال القديمة. وفي أعقاب تدخل حزب الله في حرب سوريا واليمن ودوره في التحريض ضد السعودية، قررت المملكة وقف الهبة.
المبدأ الثاني: صناعة الميليشيات وعصابات السرقة والتهريب
في المقابل، تم تزويد حزب الله بشحنات ضخمة من الأسلحة الحديثة، بما في ذلك أسلحة مضادة للدروع والطائرات بدون طيار، بالإضافة إلى أكثر من 100 ألف صاروخ من مختلف الأحجام. كما تم تعزيز سلطة حزب الله وتهميش سلطة الدولة عبر فرض مربعات أمنية في مختلف المناطق اللبنانية، حيث تُؤمَّن الحماية للإرهابيين وعصابات تهريب السيارات وتجار المخدرات بعيدًا عن ملاحقة الدولة.
سيطر حزب الله على مطار بيروت والمرفأ، ومع بداية الحرب في سوريا، أحكم سيطرته على جميع المعابر البرية بين البلدين، مما مكّنه من التحكم بعمليات التهريب عبر الحدود، بما في ذلك المخدرات والسيارات.
المبدأ الثالث: نشر الفساد في الطبقة السياسية
عمل المحور الأسدي-الإيراني بشكل منهجي على نشر الفساد والرشوة في الطبقة السياسية الحاكمة، مؤمنًا الحماية للفاسدين، مما شلّ حركة القضاء والهيئات الرقابية.
في وزارة الطاقة، تم نهب ما يقارب 70 مليار دولار في مشاريع وهمية، بالإضافة إلى هدر المليارات على سدود غير صالحة لتجميع المياه. احتفظ حلفاء سوريا بهذه الوزارة منذ نهاية الحرب الأهلية ورفضوا التخلي عنها.
في الاقتصاد، ساهم حزب الله في ضرب الاقتصاد اللبناني عبر السيطرة على المعابر الأساسية، مثل مطار ومرفأ بيروت، وإدخال بضائع تابعة له دون دفع رسوم جمركية، مما أدى إلى إفقار التجار المناوئين له.
الخلاصة
بناءً على ما سبق، يتبين أن النظام السوري وحزب الله عملا بشكل منهجي على ضرب الجيش اللبناني ووقف جميع مبادرات تسليحه، باستثناء تقديمات أوروبية خجولة. وفي الواقع، يعتمد الجيش اللبناني حاليًا بشكل شبه كامل على الدعم الأمريكي، الذي يشمل معظم الأسلحة والطوافات والطائرات التي يستخدمها الجيش.
مخطط محور الممانعة (الأسدي-الإيراني) لتفتيت الجيش والدولة والسيطرة على لبنان - المرصد News
كتب: تادي عواد ليست هذه المرة الأولى التي يعمد فيها نظام الأسد، بالتعاون مع الحرس الثوري الإيراني وحزب الله، إلى ضرب الجيش اللبناني ومعنوياته. وما شهدناه من صفقة تهريب الإرهابيين من جرود عرسال في باصات مكيفة (وهم الذين قتلوا بدم بارد عددًا من العسكريين بعد اختطافهم) هو جزء من سياسة طويلة الأمد...
marsadnews.net