مشكلة الدفاع الجوي السعودي تشكل فرصة للولايات المتحدة
بواسطة
پاتريك شميدت
١٧ مارس ٢٠٢١
منذ التدخل العسكري للسعودية في اليمن عام 2015، واجهت المملكة تهديدات جوية متزايدة. وقد كانت العديد من الهجمات البارزة المدعومة من إيران ملحوظة بصورة خاصة من حيث حجمها وتعقيدها وأهدافها ذات القيمة الاستراتيجية. بإمكان واشنطن عمل الكثير لمساعدة المملكة على سد الثغرات الخطيرة في دفاعها الجوي، في حين أن شراء الصواريخ الروسية «إس-400» سيكون غير كافٍ من الناحية العسكرية وسيكون كارثياً من الناحية الاستراتيجية.
حين زار وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في العاشر من آذار/مارس، أفادت صحيفة "العرب" التي تصدر في لندن أن صواريخ «إس-400» ستكون "من ضمن الموضوعات التي سيتم بحثها في الرياض التي تحتاج إلى أنظمة متطورة لمواجهة التهديدات الإيرانية". كما وصفت الصحيفة جولة لافروف الخليجية بأنها محاولة روسية "لاستثمار أخطاء واشنطن دبلوماسياً وعسكرياً واقتصادياً".
وفي الواقع، كان على إدارة بايدن أن توازن بعناية بين إظهار قدرتها على تعزير حقوق الإنسان وتجنب التحركات التي تضر بعلاقات الولايات المتحدة مع حكومات الخليج. وفي الوقت نفسه، تتطلع الرياض إلى دعم واشنطن وسط التهديدات الجوية المستمرة من إيران ووكلائها في المنطقة. وإذا تم التعامل مع المسألتين بشكل صحيح، فيمكن أن تكون بمثابة ثقل موازن: فمن خلال عرض مساعدة المملكة وجيرانها على تحسين دفاعاتهم الجوية وتنسيقها، بإمكان الولايات المتحدة تخفيف بعض التوترات الملازمة لمحاسبة الرياض على انتهاكات حقوق الإنسان.
زيادة الضعف أمام الهجمات الإيرانية والوكيلة
منذ التدخل العسكري للسعودية في اليمن عام 2015، واجهت المملكة تهديدات جوية متزايدة. ووفقاً للمتحدث باسم التحالف السعودي، تم إطلاق 860 ضربة صاروخية وطائرات مسيرة على المملكة خلال هذه الفترة. وقد كانت العديد من الهجمات البارزة المدعومة من إيران والتي تم إطلاقها منذ عام 2019 ملحوظة بصورة خاصة من حيث حجمها وتعقيدها وأهدافها ذات القيمة الاستراتيجية.
وقدمت التقارير الأخيرة دليلاً آخر على أن هجوم الطائرات بدون طيار على "قصر اليمامة" في الرياض في 23 كانون الثاني/يناير 2021 قد جاء من العراق، مما يجعله الهجوم الثاني على المملكة الذي تم تحديده علناً على أنه من العراق، والثالث الذي حدد فيه المسؤولون الأمريكيون علناً مسؤولية طهران المباشرة على شن الهجوم. ومن المحتمل أن يرى المسؤولون السعوديون هذه النتيجة على أنها علامة على ثقة طهران بأنها لن تواجه عواقب وخيمة من إدارة بايدن.
واستهدفت الهجمات الأخرى المنسوبة لإيران على المملكة منشآت نفطية، وهي: هجوم 14 أيار/مايو 2019 على "خط الأنابيب شرق-غرب" (الذي انطلق من العراق بدعم إيراني)، وهجوم 14 أيلول/ سبتمبر 2019 على منشآت "أرامكو" السعودية. وتسببت الضربة الأخيرة في أسوأ تعطيل في تاريخ "أرامكو"، حيث أوقفت الإنتاج اليومي البالغ 5.7 مليون برميل من النفط الخام.
وتَجَسَّد شبح هذا الاضطراب مرة أخرى في 7 آذار/مارس، عندما أطلق المتمردون الحوثيون المدعومون من إيران سلسلة من الطائرات بدون طيار والصواريخ على منشأة ضخمة لتحميل النفط في رأس تنورة. ولحسن الحظ،
تمّ ردع معظم تلك الضربات، لكن التوقعات بتهديد المملكة ستتفاقم ما لم يتم القيام بشيء ما لتعزيز قدراتها الدفاعية. ومن المرجح أن تزيد الجماعات المدعومة من إيران في العراق واليمن من استخدامها للهجمات المنخفضة الارتفاع، والمتعددة الوجهات، وشبه المتزامنة والتي تبلغ أهدأفها في الوقت المحدد، حيث ستلجأ إلى الطائرات بدون طيار والصواريخ الباليستية والصواريخ الموجهة بطرق تُجهد حتى مشغلي الدفاعات الجوية الأكثر تطوراً.
الدفاعات الجوية السعودية ضعيفة ومنقسمة
يبدو أن السعودية تفتقر إلى الكفاءة المطلوبة للمشغل وكميات الصواريخ/الرادارات الضرورية لحماية كافة البنية التحتية الاستراتيجية في المملكة من التهديدات المشتركة المذكورة أعلاه. ففي تشرين الأول/أكتوبر 2017، وافقت وزارة الخارجية الأمريكية على شراء المملكة لنظام "الدفاع الجوي للارتفاعات الشاهقة" ("ثاد") الأكثر قدرة في إطار اتفاق بقيمة 15 مليار دولار، ولكن لن يتمّ تسليمها قبل عام 2023، ويُعتبر شراء أنظمة جديدة على الأرض واحداً فقط من بنود خطة الدفاع الجوي والصاروخي المتكاملة.
ولتحسين قدرتهم على الصمود في وجه التهديدات الجوية بشكل كبير، سيحتاج السعوديون أيضاً إلى مزيد من الدعم والتدريب على القيادة والتحكم، بالإضافة إلى جهود تحصين الأهداف، والعمليات الاستخباراتية الاستباقية للتدمير قبل الإطلاق ضد شبكات التهديد، وعمليات الضربات الهجومية ضد البنية التحتية الصاروخية للعدو. علاوةً على ذلك، سيتعين عليهم رأب الصدع الذي تسببوا به من خلال تقسيم هذه المسؤوليات وغيرها ذات الصلة بين "القوات الجوية الملكية السعودية" و"قوات الدفاع الجوي الملكي السعودي" - وهما جهتان لا تزالان مجزأتين إلى حدّ كبير.
نظام «إس-400» ليس الجواب، ومن غير المرجح أن يكون كذلك
إن نظام «إس-400 تيريومف (إس أي 21)» هو عبارة عن مجموعة معقدة من الصواريخ والرادارات ومعدات الدعم. وتم تصميم النظام لمواجهة الطائرات المقاتلة والصواريخ الغربية الأكثر تقدماً، ويتم نشره حالياً من قبل روسيا والصين. واستلمت تركيا مؤخراً هذه المجموعة لكنها لم تنشرها بعد، ومن المتوقع أن تستلمها الهند في وقت لاحق من هذا العام. ووفقاً لبيانات موسوعة "جينس"، يبلغ مدى أكثر الصواريخ قدرة التي يمكن استخدامها في شبكة
«إس-400
»، أي "“40N6E، هو 380 كيلومتراً على الأقل. ويمكن لراداراتها المتداخلة الكشف عن أهداف بمقطع عرضي للرادار بمساحة 4 أمتار مربعة وإلى مسافة تبلغ 480 كم، وأهداف باليستية أصغر حجماً تصل إلى مسافة 250 كم. (على الرغم من أنه من المحتمل أن تكون هناك إمكانات أقل [تدميراً] في أي متغير (في نوعية النظام المصدَّر).
لسنوات كانت روسيا تعرض نظام «أس-400» على الرياض. وخلال زيارة الملك سلمان إلى موسكو في تشرين الأول/أكتوبر 2017، وهي الأولى التي يقوم بها عاهل سعودي، وافقت المملكة على شراء النظام وأقرّت مذكرة تفاهم بين "الشركة السعودية للصناعات العسكرية" و"روس أوبورون إكسبورت" من أجل دعم تطوير قطاع الدفاع بشكل أوسع. وفي شباط/فبراير 2018، عقد مسؤولون روس محادثات إضافية لشراء نظام «أس-400» مع السفير السعودي في موسكو. وفي أعقاب الهجوم على "أرامكو" في عام 2019، لعب الرئيس فلاديمير بوتين علناً دور وكيل مبيعات أنظمة الدفاع الصاروخية، معلقاً بالقول "كل ما على السعودية فعله هو اتخاذ قرار حكيم على صعيد الدولة".
ومع ذلك، لا يُلبّي نظام «أس-400» الاحتياجات السعودية للدفاع الجوي، لأسباب عملية واستراتيجية على حد سواء. فعلى الصعيد العملي وحده، إن الجوانب السلبية كبيرة: فقد يفتقر النظام إلى قابلية التشغيل البيني مع شبكة المراقبة الجوية الإقليمية الأمريكية الواسعة، المؤلفة من أجهزة استشعار قائمة على الأرض وفي البحر والجو والفضاء التي تشكّل ركيزة الدفاع الجوي في المملكة؛ ولن تتعرف إلى أجهزة تحديد الموقع التي تمكّن الطائرات الأمريكية وطائرات الحلفاء من "رؤية" بعضها البعض؛ ولن تتمكن من الاستفادة من وصلات البيانات التي تسمح لمشغلي الرادار الشركاء في الخليج بتمرير بيانات الاستهداف إلى كتيبة الصواريخ التي تدافع عن بقيق ونيوم على سبيل المثال؛ وسيستغرق وصولها 3 سنوات على الأقل (وفقاً لما حدث مع تركيا والهند)، وحتى وقتاً أطول لتشغيلها واستخدمها.
أما على الصعيد الاستراتيجي، فمن شأن شراء نظام «أس-400» أن يهدد العلاقات السعودية-الأمريكية ومن المحتمل أن يدفع واشنطن إلى اللجوء إلى "قانون مكافحة أعداء أمريكا من خلال العقوبات". ويرجع ذلك جزئياً إلى أنه قد يتعين على موسكو والرياض تبادل طاقم الأفراد من أجل تسهيل عملية الشراء والتدريب - وهو سيناريو يطرح تهديداً كبيراً من حيث الاستخبارات المضادة على القوات والأنظمة الأمريكية مثل «أف-35» و"ثاد". ولهذا السبب على الأقل، من شأن بيع نظام «أس-400» أن يعرقل الحصول على عقود أمريكية مبرمة بموجب "نظام المبيعات العسكرية الأجنبية" تصل قيمتها إلى 126.6 مليار دولار، من بينها الجهود المتواصلة لتحسين الدفاعات الصاروخية السعودية (أي القيادة، والتحكم، والاتصالات، وأجهزة الحاسوب، والاستخبارات، والمراقبة والاستطلاع)، وإعادة تزويد المملكة بالعتاد لمواجهة التهديدات الإقليمية. فضلاً عن ذلك، من المفترض أن تستفيد روسيا من عملية البيع لضمان التعاون السعودي في قضايا أخرى مثل إنتاج النفط، وتموضع الولايات المتحدة، وشراء معدات إضافية.
ولكل هذه الأسباب، من الصعب الاعتقاد أن السعوديين مهتمون حقاً بنظام «أس-400». وعندما أصدروا مذكرة مع روسيا في عام 2017، كانوا يقصدون بها على الأرجح أن تكون وسيلة للضغط على الولايات المتحدة وليس مقدمة لعملية شراء فعلية. ومع ذلك، توفّر شائعات شراء نظام «أس-400» فرصة أخرى لتذكير الرياض بمزايا الشراكة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة - وتوضيح تداعيات إبرام صفقات مع قطاع الدفاع أو الاستخبارات الروسي، كما هو منصوص عليه في "القسم 231" من "قانون مكافحة أعداء أمريكا من خلال العقوبات" (وهي رسالة
يجب سماعها في تركيا، والهند ومصر أيضاً).
التداعيات السياسية
يمكن للترتيبات الإبداعية على مستوى العمل أن تساعد صناع السياسة الأمريكيين على معالجة مختلف المخاوف التي تمّ التعبير عنها بشأن التعاون العسكري الأوسع نطاقاً مع الرياض وجني ثمار مهمة في الوقت نفسه. وفيما يتعلق بالاستخدام المحتمل للذخائر الأمريكية في اليمن أو مناطق نزاع أخرى، يمكن لطاقم الأفراد الأمريكيين مساعدة القوات السعودية على تحسين عمليات الاستهداف وتقديرات الأضرار الجانبية وتصميم الهجوم بالأسلحة والكفاءة. ومن شأن زيادة المساعدة على صعيد المعلومات الاستخباراتية والمراقبة والاستطلاع أن تعزز القدرات السعودية والثقة بالنفس على حد سواء.
ويمكن للمسؤولين أيضاً مواجهة أي حديث عن تغطية شاملة مزعومة لنظام «أس-400» من خلال عرض تزويد أنظمة "باتريوت" و"ثاد" في المملكة برادارات إضافية لضمان قدرات رصد قابلة للمقارنة. وقد تم نشر وحدات "باتريوت" ورادارات "سنتينيل" إضافية في السعودية في أعقاب الهجوم على "أرامكو" عام 2019 ولكن تمّ سحبها في أيار/مايو 2020. ويمكن نشر هذه الوحدات أو إعارتها من جديد إلى حين وضع الإجراءات الدفاعية السعودية الجديدة في الخدمة.
وعلى المدى الطويل، يمكن للولايات المتحدة وشركائها الالتزام بدعم وتدريب القوات السعودية مثل كتائب أسراب الإنذار المبكر المحمولة جواً والدفاع الجوي. وقد يعزز التدريب الخارجي [قابلية] السعودية على تطوير إجراءات القيادة والتحكم المنظمة على صعيد الوطن، وتحسين انضباط المشغل وكفاءته في التمييز بين المقذوفات المنخفضة والبطيئة الطيران ومسارات الرادارات الوهمية. كما يمكن لواشنطن قيادة تطوير مجموعة لتقييم التهديدات الجوية في المنطقة كوسيط مع باقي دول «مجلس التعاون الخليجي» الأخرى، والأردن، وإسرائيل (التي قد يكون نجاحها [في تطوير واستخدام] أنظمة "آرو" و "ديفيد سلينغ" و «القبة الحديدية»، مفيداً بشكل خاص).
ومن شأن مثل هذه المبادرات أن تصب في مصلحة الطرفين: فقد تعتبرها الرياض دليلاً على التزام الولايات المتحدة، في حين قد يستخدمها فريق بايدن لتعزيز علاقة حيوية طرحت تحديات أمام كل إدارة أمريكية سابقة. وفي نهاية المطاف، فإن الدعم الأمريكي القوي لقطاع الدفاع الجوي سيفتح المجال أمام إمكانية التعاون في مجموعة من القضايا الأخرى، من نشر الأسلحة إلى المناخ.
باتريك شميدت هو ضابط بحري أمريكي مقره في واشنطن العاصمة. وخدم سابقاً في البحرين وعلى متن حاملة الطائرات "يو إس إس رونالد ريغان". الآراء المعبر عنها في هذا المقال هي آراءه الخاصة ولا تعكس الموقف الرسمي لـ "البحرية الأمريكية" أو وزارة الدفاع أو الحكومة الأمريكية.
منذ التدخل العسكري للسعودية في اليمن عام 2015، واجهت المملكة تهديدات جوية متزايدة. وقد كانت العديد من الهجمات البارزة المدعومة من إيران ملحوظة بصورة خاصة من حيث حجمها وتعقيدها وأهدافها ذات القيمة الاستراتيجية. بإمكان واشنطن عمل الكثير لمساعدة المملكة على سد الثغرات الخطيرة في دفاعها الجوي، في...
www.washingtoninstitute.org