السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته. اليوم سنتحدث عن رائد تكتيك حرب العصابات في مواجهة المحتل بسلاح المحتل نفسه وبأقل الإمكانيات وقف. بجيش بدائي في وجه جيوش أكبر امبراطوريات عصره. ولما غلبته كثرة الأعداء والخيانة. تم نفيه خارج وطنه وتحول منفاه قبلة لثوار العالم أمثال جيفارا وكاسترو. الذين اعتبروه الاب الروحي لحرب العصابات. التكتيك الذي مكن الشعوب المقهورة من رقاب المحتل.
في نهاية القرن 19 عشر. كانت الدول الأوروبية قد تمت زحفها على الكوكب بأكمله وكل دولة كان من الضروري ان تكون لها مستعمرة من اجل نهب مواردها ولكي يكون لها وزن في الخارج وتشترك في نادي الدول العظمى. في هذا الوقت كانت منطقة شمال افريقيا محتلة بأكملها ولم تبقى الا المغرب. في شرق المغرب كانت فرنسا مكتسحة المنطقة حيث بلعت تونس الجزائر وتريد ان تكمل توسعها نحو المغرب. ومن الضفة الأخرى من مضيق جبل طارق كانت اسبانيا تتعرض لهزائم متتالية في الفيليبين وكوبا وبدأت تبحث عن مكان تتمدد فيه و ترجع فيه هيبتها. و هي أصلا كانت تحتل سبتة و مليلة في شمال المغرب و تريد ان تضمن المنطقة التي تحتها. و بريطانيا كانت ترغب في التحكم في مضيق جبل طارق لتضمه الى قناة السويس و تحول البحر المتوسط الى بحيرة بريطانية. لكن الدول الاستعمارية بشكل عام كانوا يرفضون ان تتفرد أي دولة منهم بإدارة المغرب لان الذي يديرها سيتمن من ان يقفل عليهم البحر المتوسط في أي وقت يريده. لكن هذا لم يمنع ان يتم نهب البلد اقتصاديا و اغراقها في الديون لتجهيزها للاحتلال مثل ما حصل في مصر و تونس.
سنة 1904 تمت اتفاق ودي بين بريطانيا و فرنسا يقضي بان تعترف فرنسا بحقوق بريطانيا في مصر و بريطانيا تترك غرب افريقيا لفرنسا و هذا ما تم. قامت فرنسا بابتلاع غرب افريقيا من تونس للسنيغال. و بدأت تتدخل خطوة خطوة في المغرب بحجة الديون. تأتي سنة 1911 و تجتاح فرنسا المغرب بحجة حماية السلطان عبد الحفيظ سلطان المغرب من المتمردين. و هكذا اصبح المغرب من الشمال على الشريط الساحلي محتل من طرف اسبانيا و بقية الأرض تحت الحماية الفرنسية.
يجب ان نتوقف الان امام مصطلحين في المغرب ما زال يتم استخدامهما ليومنا هذا. مصطلح بلاد المخزن و بلاد السيبة. المخزن في المغرب يعني السلطان و الحاشية الحاكمة . و بلاد المخزن هي البلاد التي تدين بالولاء الكامل للسلطان و للسلطة المركزية و طبعا الخدمات فيها كانت احسن من تعليم و صحة و طرق الخ. اما بلاد السيبة مثل ما يدل اسمها كانت متروكة. إدارة شبه مستقلة تحصل لحد الفوضى أحيانا. اغلب سكان السيبة كانوا من الامازيغ مجتمع مغلق قبلي يتميز بالعنف و الخشونة والشجاعة في الحروب. و كان طموح أي طفل منهم عندما يكبر ان يمتلك بندقيته الخاصة و برغم من تمسكهم بالاستقلال عن الدولة الا انهم كانوا يحترمون سلطة السلطان الأدبية عليهم بشكل كبير جدا.لدرجة ان احد سلاطين المغرب و هو السلطان مولاي سليمان العلوي دخل في حرب مع تحالف من هذه القبائل و بعد ما مني بهزيمة كبيرة جدا و تم اسره شخصيا قامو بوضعه في خيمة مهيبة و محترمة معززا و مكرما بعدها اخدوه الى مكناس و اطلقو سراحه. و من بلاد السيبة كانت هناك منطقة الريف هي منطقة في شمال المغرب تتكون من 18 قبيلة معظمهم من الامازيغ و هذه المنطقة هي التي ستدور فيها احداث قصتنا.
عندما جاء المحتل و لكي يقوم بالسيطرة على القبائل في منطقة السيبة قام بعمل تكتيك خبيث ليقوم بتحويلهم لمتعاونين مع المحتل. صاحب هذا التكتيك هو المارشال ليوتي رائد مدرسة صناعة الخونة و المتعاونين اول مارشال مقيم في المغرب. و مثل ما يسميه الفرنسيون باني الإمبراطورية الفرنسية و صانع المغرب. الوجود الفرنسي في المغرب كان في الأساس بزعمهم هو لفرض سلطة المخزن على المتمردين هناك. و كان المارشال ليوتي يقدم نفسه على انه مساعد لسلطان المغرب الأمين و كان قد انشا تكتيك في منتهى الخبث. قام ليوتي بتشكيل نقاط عسكرية ثابتة منتشرة في المغرب و جيش صغير مكون من 7 الاف جندي فرنسي جاهزين اذا حصل هجوم على نقطة معينة من تلك النقط يقوم بالتدخل و مساعدة تلك النقطة. لكن الأهم هو دور تلك النقاط العسكرية في وقت السلم. كانت تلك النقاط تترك السكان بحرية يدخلون و يخرجون كما يشاؤون و بل كانت تشجع القبائل على الحركة و التواصل فيما بينهم و في نفس الوقت تقوم بدور استخباراتي لمتابعة و دراسة القبائل و مواردها و امكانياتها العسكرية و خلافاتها الداخلية و علاقاتهم مع بعض ومن بإمكانهم شراءه بالمال و بكم ليقوموا بعدها باختيار الفريسة المناسبة و عندما يأتي وقت العمل يقوموا باستفزاز تلك الفريسة لأي سبب كان. تلك النقط تقوم بقفل المعابر على تلك الفريسة التي كانت متعودة على التحرك بحرية و يتم محاصرتها و من جهة أخرى يبدا القصف بالطيران و المدافع و يبقى امامهم خيار واحد فقط و هو الاستسلام و تسليم السلاح و دفع تعويضات و تسليم رهائن فرنسيين و الأهم من الاستسلام هو التعاون مع المحتل و تسليمه رجال من القبيلة نفسها ليخدموا في جيش المحتل. و في المقابل تصبح تلك القبيلة قبيلة محمية و بعد الحصار و القصف و التجويع يصبح كبار القبيلة يحصلون على اجرة من المحتل و سلاح جيد و لكن في المقابل تبدا القبائل المجاورة باتهامهم بالخيانة. و يبدؤون في مهاجمة القبيلة المتعاونة مع المحتل فلا يبقى امام القبيلة المتعاونة الا ان ترتمي اكثر في أحضان المحتل الفرنسي. خطة في منتهى الذكاء. استطاع بها المحتل الفرنسي ان يسيطر على المتمردين و حولهم لجيوب معزولة ضعيفة يستطيع انهاءهم في أي وقت يريد. مدرسة ليوتي في صناعة المتعاونين و الخونة الهمت الانجليز و الاسبان و الايطاليين و قاموا بتطبيق نفس التكتيك في مستعمراتهم.
الاسبان قاموا بتطبيقه في شمال المغرب واسسوا كتائب اسمها الريجيولاريس و كان هؤلاء جنود مغاربة من القبائل بقيادات من الاسبان تم صناعتهم بنفس تكتيك ليوتي. سنترك الريجيولاريس قليلا و ننظر للمغاربة بشكل عام. انقسم المغاربة في موقفهم من الاسبان. جزء قرر ان يأخذ موقف مبدئي ثابت و هو مقاومة الاحتلال أيا كانت جنسيته جزء اخر قرر ان يأخذ موقف واقعي بين قوسين و كان يرى بان فرنسا امبراطورية قوية و في اوج قوتها و قامت بحرق و تخريب الجزائر مذابح و قتل و تشريد و لكن الاسبان في مرحلة ضعف نوعا ما فمن الاحسن ان نميل قليلا نحو الاسبان لكي يكونوا بوابتهم للغرب يتعلمون منهم و يستفيدون و يساعدونهم في استخراج ثرواتهم الطبيعية و تعم الفائدة على الجميع. و كان بطل هذه القصة في البداية من مجموعة الواقعيين. بدا الاسبان في استمالة ابوه الشيخ عبد الكريم الخطابي الوالد و كان قاضي بلدة اجادير شمال المغرب و من اعيان الريف. كان الاسبان يدعونه لزيارة مليليه المحتلة و تم استقباله هناك بحفاوة كبرة جدا. و عن طريق فرانسيسكو مارين مترجم احد القواعد العسكرية شرح له فكرة كيف انه من مصلحة المغرب التعاون مع اسبانيا و تمت العملية باتفاقية الجزيرة الخضراء بين السلطان و بين الاسبان و التي كانت في مقدمتها رضوخ كامل للإسبان بالرغم من ان الشعب استقبل الاتفاقية بسخط شديد جدا الا ان الشيخ عبد الكريم الوالد فتح كل الأبواب للإسبان و أصدرت له اسبانيا اشتراكي مجاني يتجدد سنويا في باخرة توصله لمليلة في الوقت الذي يحبه. و بعث اثنين من أبنائه لمليلة منهم بطلنا محمد عبد الكريم الخطابي الذي عمل هناك في التعليم و الصحافة في جريدة التلغرام الريف. ارتباط الشيخ عبد الكريم الخطابي الوالد بالإسبان كان شديدا جدا لدرجة انه ساعدهم في افشال ثورة البطل محمد امزيان. و من عجائب القدر ان عبد الكريم كان يساعد الاسبان على القيام بعملية انزال ضخمة في الحسيمة لكي يقضوا على الثورة لكن الانزال فشل على يدي البطل محمد امزيان. المهم ان الشيخ عبد الكريم في ذلك الوقت هو و ابناءه اتهموا بالخيانة و قام الأهالي بإحراق منزلهم و تم اعتبارهم من الخونة و المتعاونين. و هذا ما زاد الشيخ عبد الكريم الوالد من التقرب اكثر من الاسبان و طلب دعمهم و ترك قبيلته بني ورغال و ذهب الى اجادير و في نفس الوقت كان محمد عبد الكريم الخطابي مازال موجودا في مليلة و زادت فيه ثقة الاسبان بعد الذي حدث لوالده و تمت اعطاؤه وسام من رتبة فارس و وسام الاستحقاق العسكري نضير دوره في التوسط لإطلاق سراح اسرى اسبان عند محمد امزيان و قاموا بتعويضه عن الخسائر التي حدث لوالده و اخذ ميدالية افريقيا لنشاطه في دعم الاسبان و استحدثوا له منصب خاص به و هو قاضي قضاة مليلة.
لكن الوقت لم يطل كثيرا حتى يكتشف الشيخ عبد الكريم و ابنه محمد ان الواقعية الوحيدة مع المحتل هي مقاومته أيا كان ومهما كانت الظروف. لأنه لا يوجد احد يأتي بجيش و سلاح ليحتل بلدا لكي يساعد أهلها و اذا حصل هذا الامر فانه لا يكون مجاني. فكان التحول العظيم مع بداية الحرب العالمية الأولى. قام الخطابي الابن بتأييد الدولة العثمانية و تواصل مع المخابرات الألمانية التي ساعدته لكي يضطلع على وثائق تؤكد سرقة الاسبان لموارد الريف وتثبت نية الاسبان الحقيقية اتجاه الريف. و تم في ذلك الوقت الاتفاق مع الالمان على تزويد الريفيين بالسلاح مقابل انهم يحاربون ضد الفرنسيين. و بدا محمد عبد الكريم الخطابي يكتب بمنتهى الصراحة رفضه لتقسيم مراكش بين الاسبان و الفرنسيين في الجريدة الاسبانية التي يعمل بها. فتم القبض عليه في 1915 من قبل الاسبان بايعاز من الفرنسيين و سجن في ذلك الوقت بتهمة الاخلال بواجبه الوظيفي و تدخله في السياسة. و استمر حبسه 7 اشهر. و بعدها تم الافراج عنه ليعاد سجنه مرة ثانية سنة 1971 للضغط على والده. ليعاد الافراج عنه مقابل بعض الرهائن. سنة 1919 عبد الكريم الخطابي الوالد يستعدي ابناءه الاثنين من مدريد و مليلة لكي يدعوهم للتجهيز لحرب الاسبان و لكنه توفي سنة 1920 و هناك شك كبير ان الاسبان قامو بقتله عن طريق السم. و اخذ ابنه محمد عبد الكريم الخطابي منصب قاضي اجادير الشمالية.
نجح محمد الخطابي في شهر واحد فقط ان يدعو قادة القبائل الريفية لاجتماع و دعاهم لمواجهة الاسبان الذين سيبدؤون فعليا في احتلال الريف في تلك السنة. لكن زعماء القبائل انفضوا من الاجتماع من دون اية اتفاق. و بقي محمد الخطابي وحيدا و بدا يتجول في القبائل يدعوهم للوحدة في وجه الاسبان من سنة 1920 الى سنة 1921 عمل الخطابي على القبائل لإفشال كل ما عمله الاسبان. و تحول الخطابي من حليف الى اكبر كابوس يواجه اسبانيا في المغرب. و يوم 20 يوليو سنة 1920 كانت اول رصاصة في الثورة حيث هاجم الخطابي هو و مجموعة من رجاله مخفر اسباني و استولوا على أسلحتهم و قام بتوزيعه بينهم و بين الرجال الذين انظموا اليه بعدها. مركز بعد مركز كتيبة بعد كتيبة الى غاية يوليو سنة 1921 بدأت الحرب المنظمة على الاسبان. جيش اسباني تعداده 30 الف مقاتل مسلحين بالمدافع و تحت حماية الطيران في حملة على الريف و من ضمن هذا الجيش 5 الاف مقاتل من الريجيولاريس المغاربة المجندين في جيش اسبانيا في مواجهة بعض الالاف من المتطوعين من اهل الريف. و كانت معركة انوال. المعركة الأهم في تاريخ الثورة. والتي رفعت الروح لمعنوية للمغاربة في السماء. معركة استمرت ثلاث أيام متصلة اسفرت عن 19 الف قتيل على اقل تقدير و الاف الجرحى و الاسرى من ضمنهم مانويل سيلفستر قائد الحملة الاسبانية. غنم الريفيون أسلحة و مدافع و بنادق و ذخائر و جزء من الريجيولاريس الذين انضموا الى جيش عبد الكريم الخطابي. صدمة عنيفة لإسبانيا تسببت في اقالة حكومة اسبانيا و تم تغيير وزير الحرب و تم ارسال داماسو برانغوير قائد الجيش الاسباني في المغرب بنفسه لمواجهة الخطابي. و بعثو جيشا ضخما لا يقل على 100 الف جندي و في بداية سنة 1922 حصلت مواجهة ثانية بين 100 الف جندي اسباني و عشرات الالاف من قبائل الريف. على طول خط مليلة و الحسيمة. يهزم فيها الخطابي برانغوير و يجبره على طلب الصلح مع الخطابي. لكن الخطابي رفض و في مارس سنة 1922 حاول برانغوير ان يقوم بإنزال 50 الف جندي في الحسيمة لكي يحاصر الخطابي بين مليلة و الحسيمة و لكنه فشل و رد الريفيون بالمدافع التي غنموها و قتلوا منهم و اسروا الالاف و تسببوا بإصابة برانغوير نفسه و حاول ترك الحرب و يهرب ليتعالج في اسبانيا لكن الريفيين هاجموا سفينته بعدما دمروا جميع السفن الاسبانية على الشاطئ. أصاب الاسبان الياس ز طلبوا التفاوض. و كان مطلبهم هدنة يوقف خلالها القتال مؤقتا و يقوم الخطابي بإطلاق الرهائن الاسبان و يطلق الاسبان جميع الاسرى الريفيين. و تدفع اسبانيا 4 مليون فرنك لحكومة الريف. و كانت هذه الخطوة من المفروض ان تكون صلح نهائي و لكنها لم تتم. لان الاسبان كانوا يريدون منح الريف استقلال ذاتي فقط. لكن الخطابي كان يريد الريف دولة مستقلة تماما تعترف بها اسبانيا. و استمر الخطابي في انتصاراته و زاد قلل الاسبان لتقوم اسبانيا وفد اخر للتفاوض في تطوان في يوليو 1923 و يرجع الوفد بخفي حنين. و اكمل الريفيون زحفهم في اتجاه فورنو و طفر و سيدي ادريس. الرعب الذي تسبب به جيش الخطابي جعل الجنود الاسبان يعترضون على السفر الى المغرب و قامت الأحزاب الاشتراكية باعتصامات ضد الحرب و نزل مندوب من الاسرة الملكية لكي يحمس المقاتلين في المغرب و لكن دون امل و استمر الخطابي في انتصاراته لحد ما دخل الى مليلة و قصفها لينسحب ثم ليعود و يحاصرها و يقطع عنها كل خطوط الامداد تماما فرجعت اسبانيا مرة ثالثة تطلب الصلح. لكن مندوب الخطابي رفض و قال بما اننا نحن المنتصرين فنحن من سيفرض شروطه. 20 مليون فرنك تعويض و تسلموننا 15 طائرة حربية و 200 الف بندقية و 120 مدفع و ترجون لسبتة و مليلة و اذا وافقت اسبانيا سنتكلم عن تبادل الاسرى. اسبانيا طبعا رفضت و لكنها نفذت الانسحاب الذي كانت تفاوض عليه من دون مقابل.
بدخول الثورة عامها الخامس أصبحت قبائل الريف موحدة تحت قيادة سيدي محمد عبد الكريم الخطابي و لكنه لم يكن توحيد جيوش فقط بل توحيد في الإدارة أيضا. اجتمع الخطابي بالقبائل و خطب فيهم مذكرهم بما فعله الصليبيون في مسلمين الاندلس. و شرح لهم المؤامرة التي يقوم بها المحتل ضد المغرب في ذلك الوقت و شرح لهم النموذج الذي يحلم به للمغرب و طلب منهم الاتحاد و اعطاهم فرصة لكي يفكروا في الرد عليه. فكان الرد هو الاتفاق على الجهاد الى اخر قطرة دم منهم. و اقترحوا عليه تشكيل مجلس عام و الذي تكون مهمته التخطيط لإنشاء الدولة. و اجتمعت بالفعل الجمعية الوطنية تضم شيوخ القبائل و الاعيان و قرروا استقلال الريف و تأسيس حكومة دستورية على النمط الأوروبي و تكون الجمعية الوطنية هي السلطة التشريعية و التنفيذية و يتولى الخطابي رئيسا لجمهورية الريف و عاصمتها اجادير الشمال. و تم كتابة الدستور الذي نص على تعيين أربعة وزراء و مستشار للرئيس و وزير خارجية وزير تجارة و وزير المالية. و فوقهم رئيس الجمهورية وزير الداخلية و الحربية عبد الكريم الخطابي. و قاموا بوضع الميثاق القومي و الذي كان ينص أولا على عدم الاعتراف بمعاهدة 1912 التي هي معاهدة تقسيم المغرب بين فرنسا و اسبانيا. و ثانيا عودة الاسبان الى حدود 1912 التي هي سبتة و مليلة. و ثالثا حكومة الريف هي حكومة جمهورية دستورية. و رابعا تغريم اسبانيا تعويضا على الخسائر التي حدثت لسكان الريف و تدفع دية الذين قتلوا و فدية الاسرى. و تحت هذه الحكومة الموحدة خلال سنوات قليلة تحولت منطقة الريف من منطقة مخيفة مليئة بقطاع الطرق و المشاكل بين القبائل الى منطقة امنة جدا اقام فيها الخطابي طرقا معبدة و مستشفيات و مستوصفات و قام بتنظيم الزراعة و التجارة و المالية. كما اهتم جدا بالتعليم الذي كان غيابه هو اهم مشكلة في منطقة الريف. و في نفس الوقت اصدر قوانين صارمة لحماية الرعايا الأوروبيين الذين يعيشون في مناطق حكمه. و يعث اخاه الأصغر لكي يشرح قضيته لعصبة الأمم و للدول الأوروبية. و بانهم ليسوا دعاة حرب و ان كل أملهم ان يعيشوا على ارضهم و يحكمون انفسهم بأمان. و تواصل الخطابي مع الدول العربية و الإسلامية لكي يدعوهم للتوحد في وجه المحتلين و يحكي لهم قصة نجاحه في الريف ضد الاسبان.
الى هذا الوقت كانت حرب الخطابي فقط مع الاسبان و لم يكن قد فتح أي جبهة مع فرنسا. الى غاية شهر ماي 1925 تقوم قوات الخطابي بالهجوم على منطقة على الحدود بين الجزء المحتل من اسبانيا و الجزء المحتل من فرنسا. و هذه المنطقة كانت تحت الحماية الفرنسية. و بسرعة تقوم فرنسا باستدعاء اسطورتها المارشال ليوتي لكي يقوم بمواجهة الأسطورة اسد الريف الخطابي. و صار الشخصان وجها لوجه لأول مرة. و بسرعة يقوم ليوتي بطلب الامداد من فرنسا فقامت فرنسا بالتنسيق مع اسبانيا و صوروا الخطابي على انه يعلن الحرب على المسيحيين. المهم ان الخطابي قام بالزحف على المنطقة التي تقع تحت الحماية الفرنسية. و كل ما كان يمر على قبيلة تقوم بالانضمام اليه. و بعث اخاه لكي يقوم بحشد قبائل الريف لمواجهة فرنسا. و يقوم بشراء 7 طائرات حربية من بريطانيا. يقوم الخطابي بالتوغل على الأرض. مركز مركز و كتيبة كتيبة و لكن الحرب هذه المرة مع عدو اقوى. تقوم بفرنسا بحشد كل قواتها في المغرب و بدأت قواتها بالقصف بالطائرات المناطق المحررة. بأطفالها و نسائها و شيوخها. المهم ان يجبروا جيش الخطابي ان يتراجع. لكن الخطابي لا يتراجع. الى غاية ان طلبت فرنسا الهدنة من طرف واحد. و عرضت على الخطابي اعتراف فرنسا بالريف تحت الحماية مقابل اطلاق الاسرى و تسليم السلاح لكن الخطابي رفض. في خلال شهر فقط اخترق الريفيون خطوط الدفاع الفرنسية من عدة جبهات. و من الخوف قام الفرنسيين بتهجير الأهالي الى مناطق بعيدة عن خطوط المواجهة خوفا من ان يقوم الأهالي بالانضمام الى جيش الخطابي و في عز الازمة تأتي خيانة السلطان مولاي يوسف حسن سلطان مراكش. و يصدر منشورا بعصيان الخطابي و امر بتلاوته في المساجد. استمر الخطابي في بداية شهر يوليو من سنة 1925 بالزحف على حساب القوات الفرنسية و قام بهزيمة ليوتي عسكريا بعدما قام بهزيمته استراتيجيا. كما انضم للخطابي الكثير من اتباع ليوتي الذين جمعهم من القبائل المغربية. في ذلك الوقت كانت فرنسا و اسبانيا يقومون بتجهيز ضربة حاسمة في الشمال.
الأوروبيين و الجيوش النظامية بصفة عامة يمارسون الحرب أولا على الورق. عندك عدد معين من الجنود مع كمية سلاح معينة اذا على الورق يستطيعون هزيمة عدد معين. لذلك كانت حرب العصابات مزعجة كثيرا لهم لأنها لا تخضع لحسابات الورق. و لكن اول ما يتحول المقاتلون الذين يمارسون حرب العصابات الى القيام بمهمات الجيش النظامي يعني بدل ما كانوا يكرون و يفرون. يقصعون طرق و يختفون. اصبحوا يسيطرون على ارض شاسعة. و اصبحوا مجبرين على الدفاع عنها. و اصبح مطلوبا منهم ممارسة مهمات الجيش النظامي. فاصبحوا يخضعون لحسابات الورق. و بما ان التفوق النيران و العددي كان لصالح التحالف الاسباني الفرنسي و على الورق اسبانيا و فرنسا هما من يكسب الحرب. قام الفرنسيين بإنزال في الحسيمة بمساعدة بعض القبائل المتعاونة التي تم شراؤها لكي يتخلوا على مواقعهم في جيش الخطابي. و لكن استبسال بقية مقاتلي الريف نجح في ردع هذه القوات التي ركبت في مراكبها من جديد و هربت من الريفيين الى جزر قريبة في انتظار مساعدة الطيران و فعلا وصل الطيران الاسباني و الفرنسي و لكن هذه المرة لم يقصف بالنار و انما غازات سامة في جريمة يعاني منها لحد اليوم سكان المنطقة بارتفاع نسب حالات السرطان. إبادة جماعية للبشر و الأخضر و اليابس. و كان شهر سبتمبر شاهدا على نجاح القوات الفرنسية و الاسبانية الخسيس الذي علق عليه بعدها القائد برانغوير قائلا بانني استخدمت الأسلحة الكيماوية بمتعة حقيقية. قامت فرنسا باسترداد جزء كبير من الأرض التي قام بتحريرها الخطابي. و بدأت المفاوضات في ديسمبر 1925 و كان الاتفاق ان يكون للريف قيادة مستقلة يختار الريفيون من يشاؤون ليحكمهم في مقابل انهم يعترفون بسلطة سلطان المغرب و ان تكون فرنسا و اسبانيا الممثلين للمغرب دوليا. ووسط المفاوضات تغيرت الحكومة في فرنسا. فوصل للحكم الحزب الداعم للحرب و توقفت المفاوضات. ليلتقي الطرفين مرة أخرى في ابريل فقاموا برفع سقف المطالب لتشمل تسليم سلاح الريف بالكامل. و نفي الخطابي و احتلال بعض المواقع داخل الريف نفسه. فانسحب وفد الريف و اعلن الخطابي انه اذا قدر له الانهزام فسوف ينهزم و هو يحمل سلاحه مقاتلا. و انطلقت المعارك مرة بالقصف بالغاز السام و مرة بالحصار و التجويع.
في مواجهة هذه الالة العسكرية الفرنسية الجبارة لم يستطع الخطابي غير ان يسلم نفسه للفرنسيين. و يتوجه لمنفاه في جزيرة لاريونيون و بعدها الى مصر التي كانت مثواه الأخير. و بهذا انتهت جمهورية الريف و تدمر مشروع عبد الكريم الخطابي و بدا التسليم الكامل للمغرب و انضمت الكثير من قوات الريف للجيش الاسباني التي قاتلت الى صف الجنرال فرانشيسكو فرانكو في الحرب الاهلية.
رحم الله عبد الكريم الخطابي و اسكنه فسيح جناته.
مذكرات عبد الكريم خطابي
في نهاية القرن 19 عشر. كانت الدول الأوروبية قد تمت زحفها على الكوكب بأكمله وكل دولة كان من الضروري ان تكون لها مستعمرة من اجل نهب مواردها ولكي يكون لها وزن في الخارج وتشترك في نادي الدول العظمى. في هذا الوقت كانت منطقة شمال افريقيا محتلة بأكملها ولم تبقى الا المغرب. في شرق المغرب كانت فرنسا مكتسحة المنطقة حيث بلعت تونس الجزائر وتريد ان تكمل توسعها نحو المغرب. ومن الضفة الأخرى من مضيق جبل طارق كانت اسبانيا تتعرض لهزائم متتالية في الفيليبين وكوبا وبدأت تبحث عن مكان تتمدد فيه و ترجع فيه هيبتها. و هي أصلا كانت تحتل سبتة و مليلة في شمال المغرب و تريد ان تضمن المنطقة التي تحتها. و بريطانيا كانت ترغب في التحكم في مضيق جبل طارق لتضمه الى قناة السويس و تحول البحر المتوسط الى بحيرة بريطانية. لكن الدول الاستعمارية بشكل عام كانوا يرفضون ان تتفرد أي دولة منهم بإدارة المغرب لان الذي يديرها سيتمن من ان يقفل عليهم البحر المتوسط في أي وقت يريده. لكن هذا لم يمنع ان يتم نهب البلد اقتصاديا و اغراقها في الديون لتجهيزها للاحتلال مثل ما حصل في مصر و تونس.
سنة 1904 تمت اتفاق ودي بين بريطانيا و فرنسا يقضي بان تعترف فرنسا بحقوق بريطانيا في مصر و بريطانيا تترك غرب افريقيا لفرنسا و هذا ما تم. قامت فرنسا بابتلاع غرب افريقيا من تونس للسنيغال. و بدأت تتدخل خطوة خطوة في المغرب بحجة الديون. تأتي سنة 1911 و تجتاح فرنسا المغرب بحجة حماية السلطان عبد الحفيظ سلطان المغرب من المتمردين. و هكذا اصبح المغرب من الشمال على الشريط الساحلي محتل من طرف اسبانيا و بقية الأرض تحت الحماية الفرنسية.
يجب ان نتوقف الان امام مصطلحين في المغرب ما زال يتم استخدامهما ليومنا هذا. مصطلح بلاد المخزن و بلاد السيبة. المخزن في المغرب يعني السلطان و الحاشية الحاكمة . و بلاد المخزن هي البلاد التي تدين بالولاء الكامل للسلطان و للسلطة المركزية و طبعا الخدمات فيها كانت احسن من تعليم و صحة و طرق الخ. اما بلاد السيبة مثل ما يدل اسمها كانت متروكة. إدارة شبه مستقلة تحصل لحد الفوضى أحيانا. اغلب سكان السيبة كانوا من الامازيغ مجتمع مغلق قبلي يتميز بالعنف و الخشونة والشجاعة في الحروب. و كان طموح أي طفل منهم عندما يكبر ان يمتلك بندقيته الخاصة و برغم من تمسكهم بالاستقلال عن الدولة الا انهم كانوا يحترمون سلطة السلطان الأدبية عليهم بشكل كبير جدا.لدرجة ان احد سلاطين المغرب و هو السلطان مولاي سليمان العلوي دخل في حرب مع تحالف من هذه القبائل و بعد ما مني بهزيمة كبيرة جدا و تم اسره شخصيا قامو بوضعه في خيمة مهيبة و محترمة معززا و مكرما بعدها اخدوه الى مكناس و اطلقو سراحه. و من بلاد السيبة كانت هناك منطقة الريف هي منطقة في شمال المغرب تتكون من 18 قبيلة معظمهم من الامازيغ و هذه المنطقة هي التي ستدور فيها احداث قصتنا.
عندما جاء المحتل و لكي يقوم بالسيطرة على القبائل في منطقة السيبة قام بعمل تكتيك خبيث ليقوم بتحويلهم لمتعاونين مع المحتل. صاحب هذا التكتيك هو المارشال ليوتي رائد مدرسة صناعة الخونة و المتعاونين اول مارشال مقيم في المغرب. و مثل ما يسميه الفرنسيون باني الإمبراطورية الفرنسية و صانع المغرب. الوجود الفرنسي في المغرب كان في الأساس بزعمهم هو لفرض سلطة المخزن على المتمردين هناك. و كان المارشال ليوتي يقدم نفسه على انه مساعد لسلطان المغرب الأمين و كان قد انشا تكتيك في منتهى الخبث. قام ليوتي بتشكيل نقاط عسكرية ثابتة منتشرة في المغرب و جيش صغير مكون من 7 الاف جندي فرنسي جاهزين اذا حصل هجوم على نقطة معينة من تلك النقط يقوم بالتدخل و مساعدة تلك النقطة. لكن الأهم هو دور تلك النقاط العسكرية في وقت السلم. كانت تلك النقاط تترك السكان بحرية يدخلون و يخرجون كما يشاؤون و بل كانت تشجع القبائل على الحركة و التواصل فيما بينهم و في نفس الوقت تقوم بدور استخباراتي لمتابعة و دراسة القبائل و مواردها و امكانياتها العسكرية و خلافاتها الداخلية و علاقاتهم مع بعض ومن بإمكانهم شراءه بالمال و بكم ليقوموا بعدها باختيار الفريسة المناسبة و عندما يأتي وقت العمل يقوموا باستفزاز تلك الفريسة لأي سبب كان. تلك النقط تقوم بقفل المعابر على تلك الفريسة التي كانت متعودة على التحرك بحرية و يتم محاصرتها و من جهة أخرى يبدا القصف بالطيران و المدافع و يبقى امامهم خيار واحد فقط و هو الاستسلام و تسليم السلاح و دفع تعويضات و تسليم رهائن فرنسيين و الأهم من الاستسلام هو التعاون مع المحتل و تسليمه رجال من القبيلة نفسها ليخدموا في جيش المحتل. و في المقابل تصبح تلك القبيلة قبيلة محمية و بعد الحصار و القصف و التجويع يصبح كبار القبيلة يحصلون على اجرة من المحتل و سلاح جيد و لكن في المقابل تبدا القبائل المجاورة باتهامهم بالخيانة. و يبدؤون في مهاجمة القبيلة المتعاونة مع المحتل فلا يبقى امام القبيلة المتعاونة الا ان ترتمي اكثر في أحضان المحتل الفرنسي. خطة في منتهى الذكاء. استطاع بها المحتل الفرنسي ان يسيطر على المتمردين و حولهم لجيوب معزولة ضعيفة يستطيع انهاءهم في أي وقت يريد. مدرسة ليوتي في صناعة المتعاونين و الخونة الهمت الانجليز و الاسبان و الايطاليين و قاموا بتطبيق نفس التكتيك في مستعمراتهم.
الاسبان قاموا بتطبيقه في شمال المغرب واسسوا كتائب اسمها الريجيولاريس و كان هؤلاء جنود مغاربة من القبائل بقيادات من الاسبان تم صناعتهم بنفس تكتيك ليوتي. سنترك الريجيولاريس قليلا و ننظر للمغاربة بشكل عام. انقسم المغاربة في موقفهم من الاسبان. جزء قرر ان يأخذ موقف مبدئي ثابت و هو مقاومة الاحتلال أيا كانت جنسيته جزء اخر قرر ان يأخذ موقف واقعي بين قوسين و كان يرى بان فرنسا امبراطورية قوية و في اوج قوتها و قامت بحرق و تخريب الجزائر مذابح و قتل و تشريد و لكن الاسبان في مرحلة ضعف نوعا ما فمن الاحسن ان نميل قليلا نحو الاسبان لكي يكونوا بوابتهم للغرب يتعلمون منهم و يستفيدون و يساعدونهم في استخراج ثرواتهم الطبيعية و تعم الفائدة على الجميع. و كان بطل هذه القصة في البداية من مجموعة الواقعيين. بدا الاسبان في استمالة ابوه الشيخ عبد الكريم الخطابي الوالد و كان قاضي بلدة اجادير شمال المغرب و من اعيان الريف. كان الاسبان يدعونه لزيارة مليليه المحتلة و تم استقباله هناك بحفاوة كبرة جدا. و عن طريق فرانسيسكو مارين مترجم احد القواعد العسكرية شرح له فكرة كيف انه من مصلحة المغرب التعاون مع اسبانيا و تمت العملية باتفاقية الجزيرة الخضراء بين السلطان و بين الاسبان و التي كانت في مقدمتها رضوخ كامل للإسبان بالرغم من ان الشعب استقبل الاتفاقية بسخط شديد جدا الا ان الشيخ عبد الكريم الوالد فتح كل الأبواب للإسبان و أصدرت له اسبانيا اشتراكي مجاني يتجدد سنويا في باخرة توصله لمليلة في الوقت الذي يحبه. و بعث اثنين من أبنائه لمليلة منهم بطلنا محمد عبد الكريم الخطابي الذي عمل هناك في التعليم و الصحافة في جريدة التلغرام الريف. ارتباط الشيخ عبد الكريم الخطابي الوالد بالإسبان كان شديدا جدا لدرجة انه ساعدهم في افشال ثورة البطل محمد امزيان. و من عجائب القدر ان عبد الكريم كان يساعد الاسبان على القيام بعملية انزال ضخمة في الحسيمة لكي يقضوا على الثورة لكن الانزال فشل على يدي البطل محمد امزيان. المهم ان الشيخ عبد الكريم في ذلك الوقت هو و ابناءه اتهموا بالخيانة و قام الأهالي بإحراق منزلهم و تم اعتبارهم من الخونة و المتعاونين. و هذا ما زاد الشيخ عبد الكريم الوالد من التقرب اكثر من الاسبان و طلب دعمهم و ترك قبيلته بني ورغال و ذهب الى اجادير و في نفس الوقت كان محمد عبد الكريم الخطابي مازال موجودا في مليلة و زادت فيه ثقة الاسبان بعد الذي حدث لوالده و تمت اعطاؤه وسام من رتبة فارس و وسام الاستحقاق العسكري نضير دوره في التوسط لإطلاق سراح اسرى اسبان عند محمد امزيان و قاموا بتعويضه عن الخسائر التي حدث لوالده و اخذ ميدالية افريقيا لنشاطه في دعم الاسبان و استحدثوا له منصب خاص به و هو قاضي قضاة مليلة.
لكن الوقت لم يطل كثيرا حتى يكتشف الشيخ عبد الكريم و ابنه محمد ان الواقعية الوحيدة مع المحتل هي مقاومته أيا كان ومهما كانت الظروف. لأنه لا يوجد احد يأتي بجيش و سلاح ليحتل بلدا لكي يساعد أهلها و اذا حصل هذا الامر فانه لا يكون مجاني. فكان التحول العظيم مع بداية الحرب العالمية الأولى. قام الخطابي الابن بتأييد الدولة العثمانية و تواصل مع المخابرات الألمانية التي ساعدته لكي يضطلع على وثائق تؤكد سرقة الاسبان لموارد الريف وتثبت نية الاسبان الحقيقية اتجاه الريف. و تم في ذلك الوقت الاتفاق مع الالمان على تزويد الريفيين بالسلاح مقابل انهم يحاربون ضد الفرنسيين. و بدا محمد عبد الكريم الخطابي يكتب بمنتهى الصراحة رفضه لتقسيم مراكش بين الاسبان و الفرنسيين في الجريدة الاسبانية التي يعمل بها. فتم القبض عليه في 1915 من قبل الاسبان بايعاز من الفرنسيين و سجن في ذلك الوقت بتهمة الاخلال بواجبه الوظيفي و تدخله في السياسة. و استمر حبسه 7 اشهر. و بعدها تم الافراج عنه ليعاد سجنه مرة ثانية سنة 1971 للضغط على والده. ليعاد الافراج عنه مقابل بعض الرهائن. سنة 1919 عبد الكريم الخطابي الوالد يستعدي ابناءه الاثنين من مدريد و مليلة لكي يدعوهم للتجهيز لحرب الاسبان و لكنه توفي سنة 1920 و هناك شك كبير ان الاسبان قامو بقتله عن طريق السم. و اخذ ابنه محمد عبد الكريم الخطابي منصب قاضي اجادير الشمالية.
نجح محمد الخطابي في شهر واحد فقط ان يدعو قادة القبائل الريفية لاجتماع و دعاهم لمواجهة الاسبان الذين سيبدؤون فعليا في احتلال الريف في تلك السنة. لكن زعماء القبائل انفضوا من الاجتماع من دون اية اتفاق. و بقي محمد الخطابي وحيدا و بدا يتجول في القبائل يدعوهم للوحدة في وجه الاسبان من سنة 1920 الى سنة 1921 عمل الخطابي على القبائل لإفشال كل ما عمله الاسبان. و تحول الخطابي من حليف الى اكبر كابوس يواجه اسبانيا في المغرب. و يوم 20 يوليو سنة 1920 كانت اول رصاصة في الثورة حيث هاجم الخطابي هو و مجموعة من رجاله مخفر اسباني و استولوا على أسلحتهم و قام بتوزيعه بينهم و بين الرجال الذين انظموا اليه بعدها. مركز بعد مركز كتيبة بعد كتيبة الى غاية يوليو سنة 1921 بدأت الحرب المنظمة على الاسبان. جيش اسباني تعداده 30 الف مقاتل مسلحين بالمدافع و تحت حماية الطيران في حملة على الريف و من ضمن هذا الجيش 5 الاف مقاتل من الريجيولاريس المغاربة المجندين في جيش اسبانيا في مواجهة بعض الالاف من المتطوعين من اهل الريف. و كانت معركة انوال. المعركة الأهم في تاريخ الثورة. والتي رفعت الروح لمعنوية للمغاربة في السماء. معركة استمرت ثلاث أيام متصلة اسفرت عن 19 الف قتيل على اقل تقدير و الاف الجرحى و الاسرى من ضمنهم مانويل سيلفستر قائد الحملة الاسبانية. غنم الريفيون أسلحة و مدافع و بنادق و ذخائر و جزء من الريجيولاريس الذين انضموا الى جيش عبد الكريم الخطابي. صدمة عنيفة لإسبانيا تسببت في اقالة حكومة اسبانيا و تم تغيير وزير الحرب و تم ارسال داماسو برانغوير قائد الجيش الاسباني في المغرب بنفسه لمواجهة الخطابي. و بعثو جيشا ضخما لا يقل على 100 الف جندي و في بداية سنة 1922 حصلت مواجهة ثانية بين 100 الف جندي اسباني و عشرات الالاف من قبائل الريف. على طول خط مليلة و الحسيمة. يهزم فيها الخطابي برانغوير و يجبره على طلب الصلح مع الخطابي. لكن الخطابي رفض و في مارس سنة 1922 حاول برانغوير ان يقوم بإنزال 50 الف جندي في الحسيمة لكي يحاصر الخطابي بين مليلة و الحسيمة و لكنه فشل و رد الريفيون بالمدافع التي غنموها و قتلوا منهم و اسروا الالاف و تسببوا بإصابة برانغوير نفسه و حاول ترك الحرب و يهرب ليتعالج في اسبانيا لكن الريفيين هاجموا سفينته بعدما دمروا جميع السفن الاسبانية على الشاطئ. أصاب الاسبان الياس ز طلبوا التفاوض. و كان مطلبهم هدنة يوقف خلالها القتال مؤقتا و يقوم الخطابي بإطلاق الرهائن الاسبان و يطلق الاسبان جميع الاسرى الريفيين. و تدفع اسبانيا 4 مليون فرنك لحكومة الريف. و كانت هذه الخطوة من المفروض ان تكون صلح نهائي و لكنها لم تتم. لان الاسبان كانوا يريدون منح الريف استقلال ذاتي فقط. لكن الخطابي كان يريد الريف دولة مستقلة تماما تعترف بها اسبانيا. و استمر الخطابي في انتصاراته و زاد قلل الاسبان لتقوم اسبانيا وفد اخر للتفاوض في تطوان في يوليو 1923 و يرجع الوفد بخفي حنين. و اكمل الريفيون زحفهم في اتجاه فورنو و طفر و سيدي ادريس. الرعب الذي تسبب به جيش الخطابي جعل الجنود الاسبان يعترضون على السفر الى المغرب و قامت الأحزاب الاشتراكية باعتصامات ضد الحرب و نزل مندوب من الاسرة الملكية لكي يحمس المقاتلين في المغرب و لكن دون امل و استمر الخطابي في انتصاراته لحد ما دخل الى مليلة و قصفها لينسحب ثم ليعود و يحاصرها و يقطع عنها كل خطوط الامداد تماما فرجعت اسبانيا مرة ثالثة تطلب الصلح. لكن مندوب الخطابي رفض و قال بما اننا نحن المنتصرين فنحن من سيفرض شروطه. 20 مليون فرنك تعويض و تسلموننا 15 طائرة حربية و 200 الف بندقية و 120 مدفع و ترجون لسبتة و مليلة و اذا وافقت اسبانيا سنتكلم عن تبادل الاسرى. اسبانيا طبعا رفضت و لكنها نفذت الانسحاب الذي كانت تفاوض عليه من دون مقابل.
بدخول الثورة عامها الخامس أصبحت قبائل الريف موحدة تحت قيادة سيدي محمد عبد الكريم الخطابي و لكنه لم يكن توحيد جيوش فقط بل توحيد في الإدارة أيضا. اجتمع الخطابي بالقبائل و خطب فيهم مذكرهم بما فعله الصليبيون في مسلمين الاندلس. و شرح لهم المؤامرة التي يقوم بها المحتل ضد المغرب في ذلك الوقت و شرح لهم النموذج الذي يحلم به للمغرب و طلب منهم الاتحاد و اعطاهم فرصة لكي يفكروا في الرد عليه. فكان الرد هو الاتفاق على الجهاد الى اخر قطرة دم منهم. و اقترحوا عليه تشكيل مجلس عام و الذي تكون مهمته التخطيط لإنشاء الدولة. و اجتمعت بالفعل الجمعية الوطنية تضم شيوخ القبائل و الاعيان و قرروا استقلال الريف و تأسيس حكومة دستورية على النمط الأوروبي و تكون الجمعية الوطنية هي السلطة التشريعية و التنفيذية و يتولى الخطابي رئيسا لجمهورية الريف و عاصمتها اجادير الشمال. و تم كتابة الدستور الذي نص على تعيين أربعة وزراء و مستشار للرئيس و وزير خارجية وزير تجارة و وزير المالية. و فوقهم رئيس الجمهورية وزير الداخلية و الحربية عبد الكريم الخطابي. و قاموا بوضع الميثاق القومي و الذي كان ينص أولا على عدم الاعتراف بمعاهدة 1912 التي هي معاهدة تقسيم المغرب بين فرنسا و اسبانيا. و ثانيا عودة الاسبان الى حدود 1912 التي هي سبتة و مليلة. و ثالثا حكومة الريف هي حكومة جمهورية دستورية. و رابعا تغريم اسبانيا تعويضا على الخسائر التي حدثت لسكان الريف و تدفع دية الذين قتلوا و فدية الاسرى. و تحت هذه الحكومة الموحدة خلال سنوات قليلة تحولت منطقة الريف من منطقة مخيفة مليئة بقطاع الطرق و المشاكل بين القبائل الى منطقة امنة جدا اقام فيها الخطابي طرقا معبدة و مستشفيات و مستوصفات و قام بتنظيم الزراعة و التجارة و المالية. كما اهتم جدا بالتعليم الذي كان غيابه هو اهم مشكلة في منطقة الريف. و في نفس الوقت اصدر قوانين صارمة لحماية الرعايا الأوروبيين الذين يعيشون في مناطق حكمه. و يعث اخاه الأصغر لكي يشرح قضيته لعصبة الأمم و للدول الأوروبية. و بانهم ليسوا دعاة حرب و ان كل أملهم ان يعيشوا على ارضهم و يحكمون انفسهم بأمان. و تواصل الخطابي مع الدول العربية و الإسلامية لكي يدعوهم للتوحد في وجه المحتلين و يحكي لهم قصة نجاحه في الريف ضد الاسبان.
الى هذا الوقت كانت حرب الخطابي فقط مع الاسبان و لم يكن قد فتح أي جبهة مع فرنسا. الى غاية شهر ماي 1925 تقوم قوات الخطابي بالهجوم على منطقة على الحدود بين الجزء المحتل من اسبانيا و الجزء المحتل من فرنسا. و هذه المنطقة كانت تحت الحماية الفرنسية. و بسرعة تقوم فرنسا باستدعاء اسطورتها المارشال ليوتي لكي يقوم بمواجهة الأسطورة اسد الريف الخطابي. و صار الشخصان وجها لوجه لأول مرة. و بسرعة يقوم ليوتي بطلب الامداد من فرنسا فقامت فرنسا بالتنسيق مع اسبانيا و صوروا الخطابي على انه يعلن الحرب على المسيحيين. المهم ان الخطابي قام بالزحف على المنطقة التي تقع تحت الحماية الفرنسية. و كل ما كان يمر على قبيلة تقوم بالانضمام اليه. و بعث اخاه لكي يقوم بحشد قبائل الريف لمواجهة فرنسا. و يقوم بشراء 7 طائرات حربية من بريطانيا. يقوم الخطابي بالتوغل على الأرض. مركز مركز و كتيبة كتيبة و لكن الحرب هذه المرة مع عدو اقوى. تقوم بفرنسا بحشد كل قواتها في المغرب و بدأت قواتها بالقصف بالطائرات المناطق المحررة. بأطفالها و نسائها و شيوخها. المهم ان يجبروا جيش الخطابي ان يتراجع. لكن الخطابي لا يتراجع. الى غاية ان طلبت فرنسا الهدنة من طرف واحد. و عرضت على الخطابي اعتراف فرنسا بالريف تحت الحماية مقابل اطلاق الاسرى و تسليم السلاح لكن الخطابي رفض. في خلال شهر فقط اخترق الريفيون خطوط الدفاع الفرنسية من عدة جبهات. و من الخوف قام الفرنسيين بتهجير الأهالي الى مناطق بعيدة عن خطوط المواجهة خوفا من ان يقوم الأهالي بالانضمام الى جيش الخطابي و في عز الازمة تأتي خيانة السلطان مولاي يوسف حسن سلطان مراكش. و يصدر منشورا بعصيان الخطابي و امر بتلاوته في المساجد. استمر الخطابي في بداية شهر يوليو من سنة 1925 بالزحف على حساب القوات الفرنسية و قام بهزيمة ليوتي عسكريا بعدما قام بهزيمته استراتيجيا. كما انضم للخطابي الكثير من اتباع ليوتي الذين جمعهم من القبائل المغربية. في ذلك الوقت كانت فرنسا و اسبانيا يقومون بتجهيز ضربة حاسمة في الشمال.
الأوروبيين و الجيوش النظامية بصفة عامة يمارسون الحرب أولا على الورق. عندك عدد معين من الجنود مع كمية سلاح معينة اذا على الورق يستطيعون هزيمة عدد معين. لذلك كانت حرب العصابات مزعجة كثيرا لهم لأنها لا تخضع لحسابات الورق. و لكن اول ما يتحول المقاتلون الذين يمارسون حرب العصابات الى القيام بمهمات الجيش النظامي يعني بدل ما كانوا يكرون و يفرون. يقصعون طرق و يختفون. اصبحوا يسيطرون على ارض شاسعة. و اصبحوا مجبرين على الدفاع عنها. و اصبح مطلوبا منهم ممارسة مهمات الجيش النظامي. فاصبحوا يخضعون لحسابات الورق. و بما ان التفوق النيران و العددي كان لصالح التحالف الاسباني الفرنسي و على الورق اسبانيا و فرنسا هما من يكسب الحرب. قام الفرنسيين بإنزال في الحسيمة بمساعدة بعض القبائل المتعاونة التي تم شراؤها لكي يتخلوا على مواقعهم في جيش الخطابي. و لكن استبسال بقية مقاتلي الريف نجح في ردع هذه القوات التي ركبت في مراكبها من جديد و هربت من الريفيين الى جزر قريبة في انتظار مساعدة الطيران و فعلا وصل الطيران الاسباني و الفرنسي و لكن هذه المرة لم يقصف بالنار و انما غازات سامة في جريمة يعاني منها لحد اليوم سكان المنطقة بارتفاع نسب حالات السرطان. إبادة جماعية للبشر و الأخضر و اليابس. و كان شهر سبتمبر شاهدا على نجاح القوات الفرنسية و الاسبانية الخسيس الذي علق عليه بعدها القائد برانغوير قائلا بانني استخدمت الأسلحة الكيماوية بمتعة حقيقية. قامت فرنسا باسترداد جزء كبير من الأرض التي قام بتحريرها الخطابي. و بدأت المفاوضات في ديسمبر 1925 و كان الاتفاق ان يكون للريف قيادة مستقلة يختار الريفيون من يشاؤون ليحكمهم في مقابل انهم يعترفون بسلطة سلطان المغرب و ان تكون فرنسا و اسبانيا الممثلين للمغرب دوليا. ووسط المفاوضات تغيرت الحكومة في فرنسا. فوصل للحكم الحزب الداعم للحرب و توقفت المفاوضات. ليلتقي الطرفين مرة أخرى في ابريل فقاموا برفع سقف المطالب لتشمل تسليم سلاح الريف بالكامل. و نفي الخطابي و احتلال بعض المواقع داخل الريف نفسه. فانسحب وفد الريف و اعلن الخطابي انه اذا قدر له الانهزام فسوف ينهزم و هو يحمل سلاحه مقاتلا. و انطلقت المعارك مرة بالقصف بالغاز السام و مرة بالحصار و التجويع.
في مواجهة هذه الالة العسكرية الفرنسية الجبارة لم يستطع الخطابي غير ان يسلم نفسه للفرنسيين. و يتوجه لمنفاه في جزيرة لاريونيون و بعدها الى مصر التي كانت مثواه الأخير. و بهذا انتهت جمهورية الريف و تدمر مشروع عبد الكريم الخطابي و بدا التسليم الكامل للمغرب و انضمت الكثير من قوات الريف للجيش الاسباني التي قاتلت الى صف الجنرال فرانشيسكو فرانكو في الحرب الاهلية.
رحم الله عبد الكريم الخطابي و اسكنه فسيح جناته.
مذكرات عبد الكريم خطابي