تتعافى الجزائر عندما تتخلّص من مرضها المُزمن:
سيطرة المخابرات على كل ميادين الحياة هي سبب كل المآسي
سيطرة العسكر على الحكم في الجزائر منذ الإستقلال هي حقيقة مطلقة لا تحتاج إلى دليل، فقد حكموها بشكل مباشر في عهد العقيد هوراي بومدين والعقيد الشاذلي بن جديد والجنرال ليامين زروال؛ أو عينوا من يحكمها حيث فرضوه واجهة مدنية أو عسكرية تسيّر دفة الحكم ظاهرياً، فرضٌ كان بالقوة حيناً والتعيين أو بانتخابات هزلية كل مرة إلى غاية اليوم.
وعلى مراكز ثقل قوة العسكر تهيمن المخابرات بكل فروعها.
تعتمد المخابرات على تجنيد الواجهات التي تستعملها عند الحاجة لإدارة الحكم وذلك في المجال السياسي بتجنيد المناضلين من جميع المستويات في الأحزاب والجمعيات السياسية والنقابات والحركة الجمعوية والمجتمع المدني والحركة الطلاّبية والجامعية. كما تُجنّد أيضاً الإعلاميين والكتاب الصحفيين ومُخرجي الوثائقيات والتحقيقات الإعلامية والمثقفين، بالإضافة إلى أعيان الجمعيات والتيارات الدينية بمختلف فرقها وانتماءاتها وأيديولوجياتها. أخطر مجال تُجنّد فيه المخابرات وكلاء وعيون لخدمة أجنداتها هو مجال القوات المسلّحة بمختلف فروعها من جميع الرُتب العسكرية والتخصصات والنواحي.
معتمدين في مهمّة التجنيد على مبادئ الخداع والفساد والنهب، فالخداع هو إعطاء انطباع للمُستهدفين بالتجنيد بأنهم في خدمة الوطن وحماية الشرعية والثورة والوطنية وغيرها من الشعارات والإدّعاءات الفارغة، والفساد هو عامل تعميق الثقة كلما كان العميل فاسداً كلّما تورّط أكثر واستحقّ المزيد من المهمّات، أمّا النهب فهو ضمان تمويل كل الأجندات والمخططات فلا يوجد سقف لكمية المال الذي تجتهد المخابرات في نهبه وتكديسه طول الوقت.
وبناءً على هذه الحقائق يكون جميع من تُسند إليهم المناصب السياسية، والإعلامية، والتربوية والعسكرية.. جميعهم بلا استثناء رهن إشارة المخابرات في كل صغيرة وكبيرة، من مدراء الفنادق الفخمة إلى مديري الشركات إلى ممثلي الإدارة المزعومة المعينين مثل رؤساء الدوائر والوُلاّة ورؤساء المحاكم الكبرى من القضاة ووكلاء الجمهورية وصولاً لرؤساء المجالس والهيئات والمؤسسات والدواوين بما فيه مجلس النواب ومجلس الأمة ورئيس الجمهورية، حتى ولو رفض بعضهم التجنيد إلاّ أنّهم يُكرهون عليه بكل أنواع الضغط والابتزاز والإكراه.. وفي الغالب كل من حرّك ساكناً في اتجاه يناقض أي رغبة للمخابرات سيكون مصيره كل أنواع التنكيل والعقاب بما في ذلك السجن والنفي والاغتيال والتفقير والتجريد من الرتب والمناصب والأمثلة على هذا كثيرة لا تُعد ولا تُحصى.
لذلك كان ذكاء مطالب الحراك وشعارات في قمّة الوعي بخطورة هذا الواقع المرير، والمخابرات التي استعصى عليه تمرّد بوتفليقة بعصابته المُستحدثة وهيمنة أخيه السعيد، سعت لتوظيف حراك الشعب الذي تمرّد بشعارات دقيقة صادقة طالت خصوصاً غنغرينة المخابرات ونادت باستئصالها إلى الأبد، حيث أصرّت على يتنحاو ڤاع ودولة مدنية ماشي عسكرية، وفي ذروتها: مخابرات إرهابية تسقط المافيا العسكرية.
يعي عُتاة المجرمين في جهاز المخابرات خطورة هذا الوعي على مصيرهم وبقاءهم، ولذلك عادوا بالجزائر إلى أيام الجمر في سنوات التسعينات، لكن هذه المرة بمنظومة حكم وسلطة تنفيذية و قضائية و تشريعية جديدة لا تبتعد كثيراً عن سابقاتها أسموها الجزائر الجديد تيمُّناً بجدهم دوغول ومشروعه الجزائر الجديدة المستعمرة الدائمة، يدعمونه بأجهزة إعلامية وترسانة دعائية بحجم جيش جالوت من أجل تصوير أي مطلب راديكالي بالتغيير بصورة الغول و تحريك الآلات لسحقه، لذلك يُستهدف إلى اليوم كل ضمير حر من أحرار الشعب المقهور و تُطارد حركة رشاد وكل من يمثلها أو يدور في تيارها وتُحلّ الجمعيات و تُغلق الصحف و المنابر الإعلامية وتُخنق الأفواه؛ وكل من كان في تيار الوعي بهذا الواقع المُر الذي عرّاهُ المُناضلون الصادقون و اختزلوا خلاصة فهم الشعب بمستواهم العالي في تشخيص الداء العُضال و تقديم الدواء الشافي.
إنّ جميع من دار في مدار هذا الإدراك العميق بواقع الحال، تسارع آلة المخابرات إلى تصويره بأنّه وحش هائج يجب استئصاله ومحوه، مثلما يحدث مع الثائر الدركي محمد عبد الله، والعسكري بن حليمة محمد عزوز؛ وجمعية محمد عبد الله والمناضلين الثابتين على هذا الحق من الصادعين بالحق في الجالية الجزائرية بالخارج، وكثير بالداخل مازال المئات منهم يئنون في زنازين أذناب الإستعمار.
المخابرات اليوم هي الوحش القابع على رقبة بلادنا، ينوب عنها في قهر الجزائر قطيع المنتفعين من النهب والفساد، وهم ضمن باقة هذه الصور.
مكاش انتخابات مع العصابات
حراك الشعب الجزائري 6 سبتمبر 2024