التحليل الموضوعي الاستراتيجي الصهيوني في حرب غزة
من واجبنا ككتاب وخبراء ومحللين عرب ومسلمين، نصرة أخوننا في فلسطين ضد عدو دخيل ذي عداء قديم ودفين.
ولكن هذا التعاطف الذي ق يكون أعمى وأن كان مناطه وجدانياً دينياً وإنسانيا وقومياً ووطنياً، كما ورد بالأثر الشريف: (حبك الشيء يعمي ويصم)، إلا أن التحيز الواضح فيه ما يواربنا عن تجاهل بعض الحقائق المؤلمة التي عندما تظهر فيما بعد تحدث صدمة وفقد مصداقية عند القارئ والمتابع العربي والمسلم تدخله بحالة إحباط معنوي يعيد إلى الأذهان من جديد فكرة الجيش الصهيوني الذي لا يقهر.
لذلك من الانصاف محاولة نقل الصورة الكاملة للجدث بحلوه ومره لكي تكتمل الصورة عندما ترجى الحقيقة كاملة ويتم تجنب الأوهام.
وسوف نتكلم في هذا المقال التحليلي عن الجانب التخطيطي للكيان الصهيوني على وجه الخصوص ثم الجانب المضاد له الفلسطيني بالتبعية.
معرفة الصهاينة بهجوم السابع من أكتوبر:
وفقاً لمجمل المعطيات المجتمعة المعلوماتية، فالصهاينة كانوا على دراية تامة بالعملية التي أسمتها المقاومة الفلسطينية بعملية "طوفان الأقصى" وربما بكافة أبعادها العسكرية وعدد ما نتج عنها من خسائر صهيونية مدنية وعسكرية، بالتنسيق مع مهندسها الفلسطيني العميل المشترك يحيى السنوار! باستثناء مسألة الرهائن المدنية والأسرى العسكريين الصهاينة، لأن هذا البند صعب تحقيق الأهداف الصهيونية من هذه العملية التي اسمها بأقبية المخابرات الصهيونية عملية "اختراق أسوار أريحا" وفق التسمية العبرية التاريخية.
فالهدف الاستراتيجي الصهيوني القريب من عملية سبعة أكتوبر 2023، إثارة غضب الشارع الصهيوني ودفع قادتهم السياسيين إلى إعلان حرب شاملة انتقامية على قطاع غزة ينتهي بتدمير غزة بالكامل وتهجير أهلها لأراضي المصرية، وجعل أراضي القطاع مستوطنات صهيونية محمية، وذلك بغية إنهاء ورقة الضغط الإيرانية والسورية والتركية وأخيراً المصرية على الكيان الصهيوني التي حبست مطامعه التوسعية، في تحقيق إسرائيل الكبرى، بعد أن قطع الكيان شوط جيد رغم هشاشته بالمقاربة والتطبيع مع الدول الخليجية مع وجود ضغوط أمريكية!
والتي كانت أول أهدافه التوسعية اليوم إذا ما أزاح ورقة قطاع غزة هو الأراضي الجنوبية السورية أي باقي الامتداد الدرزي، وربما حتى درعا السورية، الذي عائقة الوحيد الوجود الروسي بالوكالة المتمثل بأكثر تشكيلات فيلق الاقتحام الخامس التطوعي السوري ذو القيادة الروسية.
والتوسع الثاني استعادة الضفة الغربية الأردنية، ومن ثم جنوب اللبنان وأخيراً جعل سيناء المصرية موطن للفلسطينيين المهجرين؛ لزيادة الضائقة الاقتصادية المصرية، لأن الصهاينة يعلمون تماماً أن لا قدرة لهم على دخول مواجهة عسكرية مع مصر، ولن تنتقل جيوش الصهاينة إلى أي هدف جديد إلا بعد أن تنهي تبعات كل عميلة توسعية، وهي تعرف يقيناً أن العرب لن يتوحدوا ضدها، أولاً بسبب الضغوط الغربية المساندة لها، ومحاولتها الجادة لاحتواء أي عداوة مع القوى العظمى الشرقية أي الحلف الروسي الصيني.
وأكبر دليل على أن هدفها التوسعي الأول هو الأراضي السورية هو تصاعد ضرباتها الجوية الجراحية الجدية المنتظمة الوقائية، ضد التشكيلات الشيعية في سوريا من حزب الله السوري وقوات فيلق الأقصى وحراس الثورية الإيرانية.
لأن إيران هي المنافس الاستعماري التوسعي الأكبر الواقعي للأطماع التوسعية الصهيونية.
إلا أن موضوع الأسرى والرهائن في قطاع غزة عرقل وأخر عميلة تحقيق تلك الأهداف البعيدة المدى الصهيونية التوسعية المتدرجة الاستراتيجية.
وهو ما دفع الإدارة الأمريكية إلى الضغط على الإدارة الصهيونية، إلى إنهاء موضوع قطاع غزة بطريقة دبلوماسية سلمية، خاصة بعد فشل الصهاينة بعملية انهاء القطاع بطريقة عسكرية، وبعد تحول المعركة إلى حرب استنزافية، صعدت الخسائر العسكرية الصهيونية وشبه صفرت خسائر المقاومة الفلسطينية، وخفضت حتى الخسائر المدنية الفلسطينية تخوفاً من زيادة ردود المقاومة القصفية الصاروخية على المستوطنات والمدن الصهيونية.
والخطة الأمريكية تقضي بإعطاء قطاع غزة استقلالية تامة مع الحفاظ على التبادلات الاقتصادية والعمالة مع دولة الكيان وإيجاد للفصل بين الدولتين قوة دولية.
وهو ما سوف ينهي بالتبعية النشاطات العسكرية الصورية المضادة لحزب الله اللبناني وأنصار الله الحوثية، ويفرغ الصهاينة للتوسع بالجبهة السورية، الحلقة الأضعف في حلقات أطماع التوسع الصهيونية.
التكتيك والاستراتيجية الصهيونية العسكرية في غزة:
الهدف الاستراتيجي الأساسي الصهيوني في غزة، كان المسارعة في إزالة الطابع المدني الحضري! بشكل اكتساحي متدرج يعتمد بالدرجة الأولى على الضربات المنتظمة الجوية، مع عملية جرف عسكري هندسيـ\ي، أثناء بدء الاجتياح البري، يشمل حتى لركام الأبنية المدمرة، وذلك لإفقاد المقاومة الفلسطينية خاصية حرب العصابات والمدن، التي تعتمد على الكمائن القتالية والتفجيرية، التي ترهق وتستنزف قدرات أقوى الجيوش العالمية وقواتها المنتخبة التخصصية، وهو ما قد يجر قوى المقاومة إلى عملية مواجهة شبه تقليدية، تنتهي بتفوق آلة الحرب الصهيونية، مع وجود نيران الدعم الاسناد الجوي والأرضية الدقيقة والقوية.
إلا أن المقاومة الفلسطينية قاومت هذه الاستراتيجية المعادية بكل جدية واستعاضت بحرب الأنفاق في حالة زوال خاصية المعارك الحضرية، وقاومت ظاهرة إزالة ركام الأبنية المدمرة بزيادة استهدافها للجرافات العسكرية الصهيونية المدرعة، لأـنها في نهاية الأمر كانت نقاط انطلاق قوات الأنفاق المحدثة السرية. وهو ما أطال أمد الحرب، وعطل الاستراتيجية الأساسية الصهيونية.
الاستراتيجيات والمعوقات العسكرية لطرفي الصراع:
كان أصعب الخطى العسكرية التي لا بد منها هو اقتحام أو اختراق قطاع غزة بالقوات البرية، وهذا يعني تكبد العدو خسائر كبيرة بالآليات والأفراد مهما كانت التدابير والاحتياطات الوقائية، إضافة إلى أن المعارك الأولى كانت مثمرة نوعاً من خلال وجود خسائر في المقاومة الفلسطينية أثناء المعركة الأولى التلاحميه أو لنقل خلال كل معركة تلاحميه حصلت، لكن الأمور تغيرت مع دخول المقاومة الفلسطينية في طور المعارك الشبحية معارك الكمائن وتكتيك اللدغة الصفرية، التي صفرت الخسائر في المقاومة الفلسطينية، وجعلت معركة الصهاينة معركة استنزافية لقواها العسكرية، مع كلفة مادية مفتوحة، لذلك كان الحل الوحيد الصهيوني هو ضرب نقاط القوة الفلسطينية، وهي شبكة الانفاق المعقدة وبنيتها التحتية.
وكانت استراتيجيتها الأولى ليس تدمير الأنفاق بالكلية وإنما خنق طبقاتها العلوية!
من خلال تفجير فتحات الأنفاق المكتشفة، وتدمير الأنفاق المرصودة والمقدر وجودها بطريقة منطقية، وأوكلوا ذلك للضربات الجوية بالأسلحة التخصصية ودمروا بهذه الطريقة حوالي 800 نفق وفق التصريحات الصهيونية.
إلا أن هذا لم يوقف حرب الأنفاق وحرب العصابات الشبحية! والسبب أن أكثر الأنفاق المدمرة كانت تضليلية وفتحاتها خاصة بالمراقبة الصامتة النهاية والليلية ومرتبطة بشبكة معقدة من المتاهات التي يمكن بطريقة هندسية معقدة إحداث فتحات جديدة للمراقبة فيها، أما الفتحات القتالية فكان أكثرها يظهر تحت ركام الأبنية المدمرة بآلة الحرب الصهيونية.
وهو ما عقد الحرب الحضرية على نخبة الحرب الصهيونية، وزاد جدوى المقاومة الفلسطينية.
والتكتيك الجديد الصهيوني اليوم هو زيادة المراقبة الجوية المستمرة، من خلال زيادة الاعتماد على درونات المراقبة المختصة والمسلحة الضاربة بطريقة فورية والمتسكعة الكميكازية، وهو ما عقد الموقف القتالي على المقاومة الفلسطينية، وأعاد احتمالية عودة الخسائر البشرية بالمرحلة الحالية.
كما خفف العدو وجود قواته الجوالة وزاد اعتماده على القوات المركزية داخل الأبنية السليمة المهجورة أو الشبه مدمرة الفلسطينية.
وهذه الإجراءات المعقدة الصهيونية الجديدة بمجملها، عقد الأمر على المقاومة الغزاوية وحجم نشاطها المقاوم.
فزادت المقاومة من عملية المراقبة الفردية للنشاطات الجوية المعادية وزاد الاعتماد على الكمائن المبيته التفجيرية.
إلا أن هذا التحجيم للعمليات المقاومة الفلسطينية قوى رغبة الصهاينة على استمرار معركتهم ضد المقاومة الفلسطينية، وتطويرها بشكل ممكن معه قهر تلك المقاومة العنيدة، مع تخفيف خسائرهم البشرية والمادية.
لأن تكتيك التمركزات والتحصينات الداخلية للقوة الصهيونية داخل غزة وتحركها والقوى الخارجية للنقاط المشتعلة الداخلية تكتيك آمن نوعاً ما، وناجح أكثر من الانتشار العام الجوال لقوات النخبة الصهيونية.
وهو للأسف يعيد رجحان القوة والهيمنة للقوى الصهيونية، ويصعب مهام المقاومة على الفصائل المقاومة الفلسطينية.
إلا أنه بتقديري المقاومة لن تثبت على هذا الحال بل سوف تطور معركتها الاستنزافية ضد القوى الصهيونية، من خلال اتباع تكتيكات المقاومة العراقية وخاصة النقشبندية، من خلال زيادة عمليات القناصين المستقلين، وزيادة عمليات القصف المباعد بالهاون والراجمات الصغيرة الفردية، التي يدير نيرانها رجال مراقبة حٌفر الأعين الأرضية، إضافة إلى تقليل مسافة تكتيك اللدغة الصفرية مع عدم مغادرة الحفرة المحدثة النفقيه، بحيث تستمر لعبة القط والفأر، مع محاولة كسر العناد والصمود لأحد الأطراف، لأن الصهاينة يعتبرون هذه المعركة معركتهم الوجودية، والحال نفسه لدا المقاومة الفلسطينية، إلا أن المقاومة الفلسطينية لا شيء في الحقيقة تخسره، فهي تحارب ضمن عقيدة النصر أو الشهادة، إلا ان تتمكن قوات الكيان من إيجاد طريقة ناجحة لقطع الامداد اللوجستية، أو الضغط على القوى الداعمة لحماس لوقف هذه الإمدادات ولو بالمكونات الأولية.
فالعرب بدولهم المتاخمة للحدود الصهيونية لن يتفقوا بحرب ضد الدولة العبرية، ولكن هم ضمنياً متفقين على استمرار دعم المقاومة الفلسطينية، لأنها صمام الأمن الذي يمنع فكرة العملية التوسعية الاستيطانية في عزة والضفة الغربية، وزيادة قوتها العسكرية البرية بزيادة مرتزقها من دروز سوريا واللبنان والشيعة اللبنانية!
واليوم دولة الكيان بدأت تزعن لحد ما للحلول الدبلوماسية مع حماس بسبب ضغوط الحرب الاستنزافية التي يبدو أنها سوف تكون طويلة وبسبب الضغوط الأمريكية.
ويبدو أن أهالي غزة لا زالوا يمانعون فكرة الهجرة لسيناء مصر مع وجود الممانعة المصرية.
وبتقديري اليوم قوات الكيان الصهيوني استنزفت كافة التدابير العسكرية!
خسائر طرفي النزاع:
لا يمكننا الاعتماد بذلك على التقارير الصهيونية، سواء بعدد قتلاها وإصاباتها، أو قتلى حماس وإصابتها، ولكن يمكن أن نعتمد لحد ما على تقارير المخابرات المركزية الأمريكية المسربة عمداً للصحف الأمريكية.
فالأمريكيين يقدرون عدد مجاهدي حماس بنحو 30 ألف مقاوم، كحد أقصى، ويقدرون تحييد 14 ألف مجاهد منهم في هذه الحرب حتى الآن! أقل من نصفهم قتلى!
والحقيقة أن خسائر حماس تجاوزت المئات إلى الآلاف في هذه المعركة كما هو الحال مع الصهاينة الأكثر خسائر من كل بدية.
وسبب خسائر حماس أنهم نفذوا ببداية الحرب مجموعة من العمليات الفدائية الاستشهادية الهجومية، ودخلوا عدة معارك مواجهة قتالية.
ولكن الأمر اختلف بعد ذلك عندما تحولوا إلى حرب حروب الشوارع الشبحية!
فإن استمرت خسائر حماس فهي إما بطريقة الاغتيالات السطحية بالدرونات المسلحة المبنية ضرباتها على معلومات تجسسيه استخباراتية، لأنه غالباً ليس كل مقاتلي حماس متواجدين بالأنفاق فقط.
أما النمط الثاني من الاغتيالات فهو بمساعدة أمريكية بدرونات مجهزة بمستشعرات حرارية ترصد التحركات البشرية في الأنفاق السطحية وتستهدفها بصواريخ هيلفاير وقنابل بيف وي المنزلقة على الليزر التي تطلقها درونات الحصاد الأمريكية.
مع العلم أن حماس لا تحرك لعملياتها العسكرية الشبحية أكثر من ثلاثة عناصر في كل عملية من خلال نفق واحد!