عندما احتل البرتغاليون (عدن) عام 1553 رفض أهل عدن وماحولها هذا الاحتلال البغيض، وقاوموه بما يملكون، لكن استطاع البرتغاليون أن يقهروا السكان بما يحوزون من أسلحة نارية حديثة، واضطر القسم الأكبر من العدنيين إلى ترك موطنهم واللجوء إلى الأراضي المجاورة كجعولة وارض الحواشب وغيرها؛ حيث عُرفوا هناك باسم اللاجئين، وأُجبر القسم الآخر من العدنيين على الخنوع والبقاء في ديارهم تحت عصا الذل وسيف الإرهاب، وحرصت الدول المجاورة، كمصر التي يحكمها المماليك، أن تقاتل البرتغاليين ولكنها هُزمت. برزت فكرة جديدة للبرتغاليين؛ وهي أن يتولى حل المشكلة أحد أبناء عدن الوافدين (العميل المنقذ)، ولا سيما من الذين يعيشون خارج مدينة عدن؛ ليكون بعيداً عن البرتغاليين، ولتكون له الحريـة، فـوقـع الاختيار على شـاب لم يتجـاوز الثلاثـيـن من عـمـره يُدعـى عبد الرؤوف أفندي - وذكر بعض المؤرخين أنه جاء من منطقة شمالية يمنية (صنعاء) - فعرض عليه أحد السلاطين في الجنوب التابعين للبرتغال أن يختار معه شباباً يثق بهم؛ ليقوموا بتأسيس منظمة تعمل على طرد البرتغاليين المغتصبين، وتقوم السلطات بدعم هذه المنظمة ومدّها بما تحتاج إليه ، وتعهد السلاطين بحمايتها ومد يد العون لها، ودعوة أعوانهم للانضمام إليها؛ - فتبني أهل البلد مهمة العمل أفضل، وخاصة أمام المحافل الدولية -، ومُنح عبدالرؤوف وعد بأنه سيكون له شأن كبير وإمكانات مادية عالية، هذا بجانب السلطة العسكرية وإصدار الأوامر، ووافق عبد الرؤوف على ذلك، وحَلَّتْ منظمته محل حركة مفتي عدن، - الحركة النضالية الأبرز حينها - واشترطوا عليه ألا يخرج عن رأي السلاطين .. وهكذا كان.
- بدأ عبد الرؤوف اللعبة وأصبح اسمه ياسين ، وادعى النسب الحسيني، وأسس منظمته، وأنشأ فصائل للقتال، وانخرط في صفوفها كثير من العدنيين المشردين، وبدأت تخوض المعارك، وتدخل إلى الأرض المحتلة وتقوم ببعض العمليات الناجحة، فارتفعت أسهمه، وأصبح في مصاف القادة ورواد الأمل في العودة لدى المشردين.
- نادى ياسين بحمل السلاح بوصفه الحل الوحيد لإنهاء المشكلة، واللغة الوحيدة التي يفهمها العدو، وصار لا يقبل المهادنة ولا المساومة، وبالمقابل شن عليه الأعداء حملة شعواء واتهموه ومنظمته بالتخريب ، وتدفقت عليه أموال التبرعات والمعونات، وأصبح على مستوى السلاطين.
- شن البرتغاليون غارات على مخيمات اللاجئين، وقاموا بعدد من المذابح الرهيبة في أرض الحواشب؛ وذلك لتبدأ مرحلة جديدة من الصراع.
- ضغطت الدول الأوروبية المتداخلة مع البرتغال كالنمسا وهولندا وأسبانيا على السلاطين لإنهاء المشكلة، فعقدوا اجتماعاً وقرروا الاعتراف بالوضع البرتغالي في عدن؛ على أن يتولى إعلان ذلك الزعيم العدني ياسين ، وانتفض العدنيون المقيمون في موطنهم؛ مما دعا الأوروبيين إلى عقد مؤتمر عالمي لإحلال السلام في المنطقة وإنهاء المشكلة، أنيطت القضية بالزعيم ياسين الذي أعلن أنه مستعد لحضور المؤتمر العالمي، وأنه يتحدى البرتغال أن تحضر - وهي التي تتمناه -، فتمنعت تمنع الراغب لإتمام اللعبة وإخفائها عن الشعب، وتقوية موقف ياسين وإبرازه على أنه هو الذي يدعو وهي التي ترفض؛ أي أن الممتنع هو الموافق، والراضي هو الرافض!
- أعلن أحد السلاطين أنه تخلى عن عدن، وأن أهلها أحرار يحلون أمورهم بأنفسهم! - وهو الذي كان يعدُّ عدن جزءاً من أرضه -، فأصبحت عدن وحدها أمام البرتغاليين ، ثم أعلن ياسين أن لأهل عدن حكومة خاصة، وأنه على استعداد للاعتراف بالكيان البرتغالي، وبذلك أصبحت هناك حكومتان؛ إحداهما لأهل عدن المشردين، والأخرى للبرتغاليين ولهم الجزء الأكبر من عدن - وهذا هو المقصد من حركة العميل الوافد ياسين !! واستمر هذا الوضع حتى جاء العثمانيون عام 945 هـ وطردوا البرتغاليين من المنطقة .
- وقف العدنيون يفكرون بالدور الذي مارسه ياسين عليهم؛ منهم من قال: بقي ياسين يغالط علينا حتى وصل بنا إلى ما كنا نخشاه، ووافق على كل هذه الحلول التي كنا نرفضها، أعطيناه القيادة ليبيع قضيتنا، ليبيع أرضنا، ليبيعنا. بعدها بدؤوا يبحثون عن أصله ولكن .. فات الأوان.
وأما أعوانه فيقولون: إن الطرق كلها مسدودة، والحلول التي طُرحت قد أجهضت أو أخفقت، وليس أمامنا سوى ما تم.
المصدر كتاب : المغالطات وأثرها في الأمة
للمؤرخ محمود شاكر
- بدأ عبد الرؤوف اللعبة وأصبح اسمه ياسين ، وادعى النسب الحسيني، وأسس منظمته، وأنشأ فصائل للقتال، وانخرط في صفوفها كثير من العدنيين المشردين، وبدأت تخوض المعارك، وتدخل إلى الأرض المحتلة وتقوم ببعض العمليات الناجحة، فارتفعت أسهمه، وأصبح في مصاف القادة ورواد الأمل في العودة لدى المشردين.
- نادى ياسين بحمل السلاح بوصفه الحل الوحيد لإنهاء المشكلة، واللغة الوحيدة التي يفهمها العدو، وصار لا يقبل المهادنة ولا المساومة، وبالمقابل شن عليه الأعداء حملة شعواء واتهموه ومنظمته بالتخريب ، وتدفقت عليه أموال التبرعات والمعونات، وأصبح على مستوى السلاطين.
- شن البرتغاليون غارات على مخيمات اللاجئين، وقاموا بعدد من المذابح الرهيبة في أرض الحواشب؛ وذلك لتبدأ مرحلة جديدة من الصراع.
- ضغطت الدول الأوروبية المتداخلة مع البرتغال كالنمسا وهولندا وأسبانيا على السلاطين لإنهاء المشكلة، فعقدوا اجتماعاً وقرروا الاعتراف بالوضع البرتغالي في عدن؛ على أن يتولى إعلان ذلك الزعيم العدني ياسين ، وانتفض العدنيون المقيمون في موطنهم؛ مما دعا الأوروبيين إلى عقد مؤتمر عالمي لإحلال السلام في المنطقة وإنهاء المشكلة، أنيطت القضية بالزعيم ياسين الذي أعلن أنه مستعد لحضور المؤتمر العالمي، وأنه يتحدى البرتغال أن تحضر - وهي التي تتمناه -، فتمنعت تمنع الراغب لإتمام اللعبة وإخفائها عن الشعب، وتقوية موقف ياسين وإبرازه على أنه هو الذي يدعو وهي التي ترفض؛ أي أن الممتنع هو الموافق، والراضي هو الرافض!
- أعلن أحد السلاطين أنه تخلى عن عدن، وأن أهلها أحرار يحلون أمورهم بأنفسهم! - وهو الذي كان يعدُّ عدن جزءاً من أرضه -، فأصبحت عدن وحدها أمام البرتغاليين ، ثم أعلن ياسين أن لأهل عدن حكومة خاصة، وأنه على استعداد للاعتراف بالكيان البرتغالي، وبذلك أصبحت هناك حكومتان؛ إحداهما لأهل عدن المشردين، والأخرى للبرتغاليين ولهم الجزء الأكبر من عدن - وهذا هو المقصد من حركة العميل الوافد ياسين !! واستمر هذا الوضع حتى جاء العثمانيون عام 945 هـ وطردوا البرتغاليين من المنطقة .
- وقف العدنيون يفكرون بالدور الذي مارسه ياسين عليهم؛ منهم من قال: بقي ياسين يغالط علينا حتى وصل بنا إلى ما كنا نخشاه، ووافق على كل هذه الحلول التي كنا نرفضها، أعطيناه القيادة ليبيع قضيتنا، ليبيع أرضنا، ليبيعنا. بعدها بدؤوا يبحثون عن أصله ولكن .. فات الأوان.
وأما أعوانه فيقولون: إن الطرق كلها مسدودة، والحلول التي طُرحت قد أجهضت أو أخفقت، وليس أمامنا سوى ما تم.
المصدر كتاب : المغالطات وأثرها في الأمة
للمؤرخ محمود شاكر