كُتبت هذه الرسالة من طرف المندوب الفرنسي الجنرال كونت دولارو، بالعربية، ووجهها إلى السلطان عبد الرحمان بن هشام بأواسط مارس عام 1845.
بعد معاهدة لالة مغنية لترسيم الحدود بين فرنسا والمغرب التي جرت بين هذا الجنرال، وبين قائد وعامل وجدة احميدة بن علي الشجعي، والتي تلت معركة إيسلي الشهيرة.
هذه صورة الرسالة ونصها الكامل :
" الحمد لله وحده، ولله ملك السموات والأرض.
إلى سعادة سلطان المغرب الأعظم، فخر ملوك الإسلام، مولاي عبد الرحمن بن هشام أيده الله، وبلغه الخير ما أراد، وأطال عمره آمين.
من عبد ربه سبحانه الفارس الكونت دولارُو وصاحب نيشان الافتخار الدولة الفرنصوية وجنيرال بعض عساكر سعادة سلطان فرانصة نصره الله، ونائباً عن حضرته، أعزه الله على تحديد بلد مملكة المغرب، وبلد مملكة الجزائر، ومفوضاً التفويض التام بالحل والربط، وأن يحل ويعقد ويلتزم على كل ما يجب لترسخ المحبة الخالصة بين الدولتين.
بعد السلام اللائق بالمقامين، فالمعروض على مسامعكم الشريفة هو أن سعادة سلطاننا لما عينني مرسولاً إلى ناحيتكم لأجل التحديد المذكور أعلاه، ظن أن سعادتكم تسر بذلك لأنكم كنتم تفضلتم علي بالقبول والرضا، وشرفت بمقابلتكم، وإنا نفتخر بذلك الافتخار التام، ونرجو أن تقبلوا كلامي الذي هو كلام سلطاننا المفوض إلى الأمر.
فسعادته أول ما أوصاني به خصوصاً هو أن نمتن ونصحح عقد الصلح الذي تم حديثاً بين ملِكَيْ المغرب والفرانصيص، ولأجل تسهيل الأمر الذي أُرسِلتُ لأجله نستأذن منكم بأن نخلي العوائد المعلومة على جهة، لما كنتم أنعمتم عليّ سابقاً حين كنت أُرسِلتُ إلى سعادتكم ونطلب منكم أن تقبلوا كتابي هذا، لأن مقصودي تعجيل الأوبة وإنا نعلمكم بأن قدومي هذا ليس هو مقصوراً على تحديد البلاد فقط، بل لبيان أمر مهم آخر، وهو أن سلطاننا تحقق عنده ما فعلتم قبل من الخير، وأن نيتكم دوامه، كما تحقق عندكم أن نيته ثبات الخير وهو أفضل من كل فائدة.
وسبب الفساد الواقع بين الدولتين إنما نشأ عن حلول الحاج عبد القادر بقرب الحدود، ولا يخفاكم أنه أصل كل فساد، وعنه ينشأ، وبفساده تنتقض المحبة المعقودة بين الدولتين، وهو الآن نازل في بلد قلعية وتروهم في ضيافته وإعانته هو وسائر دائرته وما ذلك إلا كذبه على القبائل بالتمربيط والجهاد يختلهم به بلا طاقة، وفعله هذا كذب محض، يزعم أن ليس غيره آمراً بالدين والجهاد.
ونيته بذلك أن يقيم رعية، ويختلس لنفسه القوة، ويضرم نار الفتنة بين الجانبين، لما علمتم أن مقصوده الأهم، إنما هو سعيه في إفساد رعية المغرب وهذا الحال لا يخفى على سعادتكم، وفيه خطر كبير للدولتين، ولأجل مصالح الفريقين، وجب علينا إزالة هذا المرض خوفاً من زيادته، لأن الذي يحب حفظ الصحة الواجب عليه اتقاء مافيه زوالها، فعليكم مسامحتنا، فإنا نذكركم أني حين جئت عندكم سابقاً منذ ثمان سنين، وبذلت قصارى جهدي عند سعادتكم وعند وزيركم الطيب البياز، وبينت لكم كل الفساد الذي سيصدر من الحاج عبد القادر، وكنت حذرتكم من بيع السلاح وآلة الحرب له لما علمت أنه لابد أن يطرد عن مملكته، لأنه لا يستطيع المقاومة.
ومن المعلوم أنه لا يلجأ إلا إليكم، وربما جر لنواحيكم البلاء المحيط به، وكل ذلك وقع بإذن الله، فنرجو سعادتكم العمل بكلامي، وتبذل مجهودك في إزالة الحاج عبد القادر، لأنك ألزمت نفسك بذلك بواسطة الشرط الرابع من شروط الصلح الذي انعقد، ووافقتكم عليه بطابعكم.
فالتحريض الذي حرضني سلطاننا عليه لأجل الوفاء بهذا الشرط، وهو يبين لكم أن نيته دوام الخير وأمر محقق ظاهر ما يثبت الخير بوجود الحاج عبد القادر بمجاورة الحدود، واليوم إن حصل لكم مانع سري لأجل ذلك، فالطريقة الموافقة أكثر من كل شيء، هو أن ترسل أحد عمالكم من خواص حضرتكم وكنز سركم، وتكفلوه بكامل أسراركم عند سلطاننا، وهو يتكلم عند سعادته بجميع أموركم، وما يلزم أن نبين لكم أنه يكون مقبول بالفرح والسرور كما هي عادة الملوك، كما فعل جدكم المعظم المبجل المفتخر مولاي إسماعيل حين أرسل إلى جد سلطاننا لويز الرابع عشر، فلا نقدر نحن ولا أنتم ننسوا الخير الذي صدر من هذه الرسالة بين النصارى والمسلمين.
فبتجديد هذه المراسلة تحصيل فوائد شتى، من جملتها : تجديد الشروط التي وقعت بين الأسلاف السابقين على التجارة وغير ذلك، وامتثال أمر سلطاننا الذي بفعله نسى جميع ما مضى من الفتنة التي اشتعلت بواسطة الشيطان من غير نية الجانبين، والحاصل بهذه المراسلة تظهر المحبة على عيون الجنوس كلهم، والآن أنا قادم إلى الحدود لأجل تحديد البلاد مع نائبكم إن شاء الله، وحين نكمل ذلك يأتيني مكتوبكم برضاكم موافقاً لحين التمام، أو بإرسال نائب من سعادتكم وبموجب مرسومكم الشريف متضمناً الانتظار بتمسان، أو نقدم إلى طنجة ونركب في مركب سلطاني، ونذهبوا سوية لباريز، وتكون له حرمة ورفعة كما يليق بمرسول سعادة الأعظم، سلطان الإسلام الذي صار الآن محباً للدولة الفرانصوية، وفي هذا كفاية والسلام.
بتاريخ صفر عام 1261، وبأمر المعظم الجنيرال المذكور الواضع طابعه فيه.
وأعلمكم أيضاً أن خليفة سلطاننا المعظم الماريشال بيجو الضامن العافية في الوطن، قد أخبر السلطان أنه كاتبكم وكاتب ابنكم بما فيه مصلحة الفريقين، وأن سبب الفتنة هو وجود الحاج عبد القادر في الحدود، وأخبره أنه حذركم فلا تظنوا أنه غير عالم بذلك، فقد علم كل الواقع في الوطن، وقد كتبنا لك كتابين أحدهما براً، والآخر بحراً مضمنهما واحد : وقد حطّ خط يده أسفل."
بعد معاهدة لالة مغنية لترسيم الحدود بين فرنسا والمغرب التي جرت بين هذا الجنرال، وبين قائد وعامل وجدة احميدة بن علي الشجعي، والتي تلت معركة إيسلي الشهيرة.
هذه صورة الرسالة ونصها الكامل :
" الحمد لله وحده، ولله ملك السموات والأرض.
إلى سعادة سلطان المغرب الأعظم، فخر ملوك الإسلام، مولاي عبد الرحمن بن هشام أيده الله، وبلغه الخير ما أراد، وأطال عمره آمين.
من عبد ربه سبحانه الفارس الكونت دولارُو وصاحب نيشان الافتخار الدولة الفرنصوية وجنيرال بعض عساكر سعادة سلطان فرانصة نصره الله، ونائباً عن حضرته، أعزه الله على تحديد بلد مملكة المغرب، وبلد مملكة الجزائر، ومفوضاً التفويض التام بالحل والربط، وأن يحل ويعقد ويلتزم على كل ما يجب لترسخ المحبة الخالصة بين الدولتين.
بعد السلام اللائق بالمقامين، فالمعروض على مسامعكم الشريفة هو أن سعادة سلطاننا لما عينني مرسولاً إلى ناحيتكم لأجل التحديد المذكور أعلاه، ظن أن سعادتكم تسر بذلك لأنكم كنتم تفضلتم علي بالقبول والرضا، وشرفت بمقابلتكم، وإنا نفتخر بذلك الافتخار التام، ونرجو أن تقبلوا كلامي الذي هو كلام سلطاننا المفوض إلى الأمر.
فسعادته أول ما أوصاني به خصوصاً هو أن نمتن ونصحح عقد الصلح الذي تم حديثاً بين ملِكَيْ المغرب والفرانصيص، ولأجل تسهيل الأمر الذي أُرسِلتُ لأجله نستأذن منكم بأن نخلي العوائد المعلومة على جهة، لما كنتم أنعمتم عليّ سابقاً حين كنت أُرسِلتُ إلى سعادتكم ونطلب منكم أن تقبلوا كتابي هذا، لأن مقصودي تعجيل الأوبة وإنا نعلمكم بأن قدومي هذا ليس هو مقصوراً على تحديد البلاد فقط، بل لبيان أمر مهم آخر، وهو أن سلطاننا تحقق عنده ما فعلتم قبل من الخير، وأن نيتكم دوامه، كما تحقق عندكم أن نيته ثبات الخير وهو أفضل من كل فائدة.
وسبب الفساد الواقع بين الدولتين إنما نشأ عن حلول الحاج عبد القادر بقرب الحدود، ولا يخفاكم أنه أصل كل فساد، وعنه ينشأ، وبفساده تنتقض المحبة المعقودة بين الدولتين، وهو الآن نازل في بلد قلعية وتروهم في ضيافته وإعانته هو وسائر دائرته وما ذلك إلا كذبه على القبائل بالتمربيط والجهاد يختلهم به بلا طاقة، وفعله هذا كذب محض، يزعم أن ليس غيره آمراً بالدين والجهاد.
ونيته بذلك أن يقيم رعية، ويختلس لنفسه القوة، ويضرم نار الفتنة بين الجانبين، لما علمتم أن مقصوده الأهم، إنما هو سعيه في إفساد رعية المغرب وهذا الحال لا يخفى على سعادتكم، وفيه خطر كبير للدولتين، ولأجل مصالح الفريقين، وجب علينا إزالة هذا المرض خوفاً من زيادته، لأن الذي يحب حفظ الصحة الواجب عليه اتقاء مافيه زوالها، فعليكم مسامحتنا، فإنا نذكركم أني حين جئت عندكم سابقاً منذ ثمان سنين، وبذلت قصارى جهدي عند سعادتكم وعند وزيركم الطيب البياز، وبينت لكم كل الفساد الذي سيصدر من الحاج عبد القادر، وكنت حذرتكم من بيع السلاح وآلة الحرب له لما علمت أنه لابد أن يطرد عن مملكته، لأنه لا يستطيع المقاومة.
ومن المعلوم أنه لا يلجأ إلا إليكم، وربما جر لنواحيكم البلاء المحيط به، وكل ذلك وقع بإذن الله، فنرجو سعادتكم العمل بكلامي، وتبذل مجهودك في إزالة الحاج عبد القادر، لأنك ألزمت نفسك بذلك بواسطة الشرط الرابع من شروط الصلح الذي انعقد، ووافقتكم عليه بطابعكم.
فالتحريض الذي حرضني سلطاننا عليه لأجل الوفاء بهذا الشرط، وهو يبين لكم أن نيته دوام الخير وأمر محقق ظاهر ما يثبت الخير بوجود الحاج عبد القادر بمجاورة الحدود، واليوم إن حصل لكم مانع سري لأجل ذلك، فالطريقة الموافقة أكثر من كل شيء، هو أن ترسل أحد عمالكم من خواص حضرتكم وكنز سركم، وتكفلوه بكامل أسراركم عند سلطاننا، وهو يتكلم عند سعادته بجميع أموركم، وما يلزم أن نبين لكم أنه يكون مقبول بالفرح والسرور كما هي عادة الملوك، كما فعل جدكم المعظم المبجل المفتخر مولاي إسماعيل حين أرسل إلى جد سلطاننا لويز الرابع عشر، فلا نقدر نحن ولا أنتم ننسوا الخير الذي صدر من هذه الرسالة بين النصارى والمسلمين.
فبتجديد هذه المراسلة تحصيل فوائد شتى، من جملتها : تجديد الشروط التي وقعت بين الأسلاف السابقين على التجارة وغير ذلك، وامتثال أمر سلطاننا الذي بفعله نسى جميع ما مضى من الفتنة التي اشتعلت بواسطة الشيطان من غير نية الجانبين، والحاصل بهذه المراسلة تظهر المحبة على عيون الجنوس كلهم، والآن أنا قادم إلى الحدود لأجل تحديد البلاد مع نائبكم إن شاء الله، وحين نكمل ذلك يأتيني مكتوبكم برضاكم موافقاً لحين التمام، أو بإرسال نائب من سعادتكم وبموجب مرسومكم الشريف متضمناً الانتظار بتمسان، أو نقدم إلى طنجة ونركب في مركب سلطاني، ونذهبوا سوية لباريز، وتكون له حرمة ورفعة كما يليق بمرسول سعادة الأعظم، سلطان الإسلام الذي صار الآن محباً للدولة الفرانصوية، وفي هذا كفاية والسلام.
بتاريخ صفر عام 1261، وبأمر المعظم الجنيرال المذكور الواضع طابعه فيه.
وأعلمكم أيضاً أن خليفة سلطاننا المعظم الماريشال بيجو الضامن العافية في الوطن، قد أخبر السلطان أنه كاتبكم وكاتب ابنكم بما فيه مصلحة الفريقين، وأن سبب الفتنة هو وجود الحاج عبد القادر في الحدود، وأخبره أنه حذركم فلا تظنوا أنه غير عالم بذلك، فقد علم كل الواقع في الوطن، وقد كتبنا لك كتابين أحدهما براً، والآخر بحراً مضمنهما واحد : وقد حطّ خط يده أسفل."