بداية ارتسام ملامح فشل جولة القاهرة والمشكلة بوضوح هي الوسطاء , يستحوذ الوسطاء الثلاثة بحكم أسباب عدة من بينها الخبرة التاريخية و الظروف الجيوسياسية على ملف الوساطة لكن كيف ؟ ولماذا و ماهي البدائل ؟
بداية لا يمتلك الوسطاء أي وسيلة ضغط كافية لفرض أمر الواقع ما عدا الجانب الأمريكي,الجانب الأمريكي لا يمكن بأي شكل من الأشكال في ظل تمتعه التام بالأريحية السياسية والأمنية والاقتصادية والعسكرية في المنطقة لا يمكن أن يضغط لأنه بدوره غير مضغوط أصلا..وليس وسيطا محايدا بل منحاز بشكل مبالغ فيه الى الجانب الاسرائيلي..بالنسبة لمصر و قطر لا يملك أي منهما أي سلطة فعلية أو وسيلة ضغط عملية لوقف الحرب.
تحتج مصر بقدرتها على انجاح صفقات التبادل و توفير الظروف اللوجستية لتسهيل عمليات الاعمار و الامداد الانساني والتجاري لقطاع غزة و هذه الرؤية مبنية على عقيدة مصرية منذ الخمسينات.لكنها عمليا جابهت تعقيدات كبيرة في معبر رفح تزامنا مع قصفه عدة مرات,كما أن الصليب الأحمر بمكاتبه لدى الطرفين تمكن من انجاح 98 بالمئة من تبادلات الأسرى دون الحاجة للمرور عبر رفح.
الجانب القطري بدوره يركز على النهج الدبلوماسي بشكل مكثف لكن هذا النهج مفيد جدا وبناء في اطار السلم والاستقرار و غير مفيد في اطار الحرب والاشتباك,أيضا يستعرض الجانب القطري في حجج دفاعه عن وساطته بأنه يستضيف عددا من قيادات الفصائل في العاصمة الدوحة وبالتالي لديه دور في التأثير عليها..لكن هناك أيضا في الجهة المقابلة عدد من قيادات الفصائل في عواصم عدة كتونس والجزائر و تركيا و سورية و ايران و لبنان و وجود عدد من الشبكات الموازية في عدد من بلدان غرب ووسط أوروبا وشمالها.
البدائل ؟ البديل الأهم هو اقحام شريك جديد في الحوار يفرض التوازن في المحادثات على واشنطن لكن لا يمكن أن يكون طرفا مناكفا مثل روسيا (بالرغم من معقولية اقحامها لاحقا كضامن) أو الصين (الغير مهتمة أصلا بالشرق الأوسط) , انما طرف أكثر ليونة مع واشنطن لكن في نفس الوقت يعارضها بحكم التاريخ والقوة الجيوسياسية وأن يكون طرفا أقل تحمسا لاسرائيل وأكثر وسطية في حياده ولا يوجد غير فرنسا (التي سبق وأن مهدت وشاركت في عدد من الصفقات في السبعينات والثمانينات بشكل غير مباشر بين فصائل فلسطينية و لبنانية) أما على صعيد الترتيبات اللوجستية في المساعدات الانسانية والممرات العاجلة لدى النرويج رغبة و خبرة في هذا النمط من العمل كما أنها (النرويج) البلد الأقل تحمسا لاسرائيل بعد اسبانيا أوروبيا.وبهذا يتم اضافة هذين الوسيطين لارباك واشنطن وزعزعة توازنها داخل المفاوضات وكسر عنادها.
التحكيم ؟ ان شرط التحكيم يتطلب موقفا أكثر من الوسطية والقرب من الحياد أكثر فأكثر..مكتب الأمين العام للأمم المتحدة غوتيريش أبدى هذه الديناميكية اذ وصف حماس بأنها حركة سياسية (ولم يتخذ أي مواقف قبلية لتصنيف الحركة عكس كل الوسطاء) و في نفس الوقت لم يعارض وجودية اسرائيل..اذن عمليا هو الأقرب للحياد ويمتلك وسيلة ضغط مهمة وهي المنظمات الأممية التي يجب أن تلوح بامكانية اسقاط عضوية اسرائيل في عدد من المحافل.