- إنضم
- 8 أغسطس 2008
- المشاركات
- 14,789
- التفاعل
«وش السعد على مصر» .. «الأرز» أدخل الري الدائم للدلتا ومن أجله تأسست «الهندسة»
تعتبر منطقة شرق آسيا هي الموطن الأصلي لزراعة الأرز، ذلك المحصول الذي صار يزرع حاليا في جميع أنحاء العالم، ويؤكد المؤرخون أن زراعة الأرز انتقلت لمصر في عصر الخلفاء الراشدين، وقد نقله العرب لشمال إفريقيا ، إلا إن أوروبا لم تعرف الأرز إلا بعد الحروب الصليبية، وقد كان لزراعة الأرز أياديه البيضاء على مصر فقد كان سببًا في تأسيس مدرسة كانت نواة لكلية الهندسة.
بدوره يقول المؤرخ أحمد أحمد الحتة في كتابه "تاريخ الزراعة في عهد محمد على الكبير"، إن الأرز كان صنفًا مهمًا في الزراعة المصرية، وكانت زراعته شائعة في الدلتا والصعيد، وهو أول محصول زراعي احتكره الوالي محمد على باشا عام 1812م وربح منه ربحًا وفيرًا؛ لذا الباشا على الإكثار من زراعته، وحث الفلاحين على زراعة الأرز، وتوفير المياه الكثيرة له، وكان الأرز سببًا في إدخال محمد على باشا لنظام الري الدائم في الوجه البحري، وقد قرر محمد على باشا إعفاء الأيدي العاملة في المنصورة والغربية والبحيرة من الخدمة العسكرية مقابل قيامهم بالعمل في زراعة الأرز.
كان محمد على باشا يقوم بجلب العمال من القرى للعمل في الأرز من بذر وحصد وتذرية، بل قام بتوفير 3 آلاف و782 عاملا علاوة على الفلاحين لزراعة نحو 4 آلاف و500 فدانا من الأرز سنة 1829م، وقد كان العمال يوزعون على القرى بل يفرض على القرى تقديم عمال للعمل في زراعة الأرز، وقد استجاب الوالي لطلبات أحمد كاشف ناظر زراعة الأرز في البحيرة على جلب العمال، وتوسع محمد على باشا في زراعة الأرز، حيث أنه فرض على البحيرة زراعة نصف محصولها بالأرز فقط، وقد وصل محصول الأرز في رشيد لنحو 11 ألف إردب عام 1829م.
كان الأرز يُزرع في الدلتا خلال شهر برمهات، حيث تُوضع تقاوي الأرز الشعير في زنابيل من الخوص، وتغمر في مياه نهر النيل أو الترع لمدة 12 يومًا ، ثم توضع في حصر في قاعة لا يدخلها هواء وتغطى بالبرسيم الأخضر ومن فوقه أثقال وتستمر التقاوي على هذه الحالة من ثلاثة إلى خمسة أيام حتى تنبت بعدها، وتُنقل إلى أرض حُرثت ثلاث مرات، وتكون مغمورة بالماء وقد سويت بالمسحاة، وفُصلت ترابيع، فتُبذر فيها ومقدار التقاوي من أردب لكل أربعة أفدنة ونصف، وبعد رمى التقاوي في شهر برمودة بتلك الكيفية تبقى المياه بالأرض ثلاثة أيام، ثم تصفى وتبقى الأرض بدون ماء حتى سبعة أيام حتى يمسك النبات بها ويظهر اخضراره، بعد ذلك يسقى الأرز كل خمسة أو ثمانية أيام مرة واحدة على أن يبقى به الماء ولا يصرف الماء منه إلا لتغييره وإذا مضى على بذر الأرز مدة 20 يوما يغير الماء عنه كل يوم وبعد مضى 40 يوما على بذره تنقى ما به من حشائش وإن كان عزيرًا يخفف ويعرف ذلك باسم الشتل، وما يُخفف يربط حزما وتوضع مكنسة في جذورها إلى أعلى حتى يتم غرسه في أرض جديدة محروثة ومفصلة حيضانا ويروى وقت غرسه بعد ذلك يجدد له الماء كل يوم وتنقى به من حشائش، والعصفور يأكل الأرز في أوان نضجه. وقد كان الفلاح يستخدم المقاليع والأحجار لإخافته.
فى أوائل شهر مسري تبطل إدارة السواقي المعدة لري الأرز وتفتح المنايل وهى قنوات مخصوصة تمد أراضى الأرز بمياه الفيضان، ويستمر ري الأرز بتلك الكيفية حتى ينضج، وفى أوائل شهر بابة يُحصد الأرز بالمنجل، ثم يُجعل حزمًا ويحمل إلى الجرن ويدرس بالنورج ويغربل ثم يوضع في الجرن ويُقلب صباحًا ومساء إلى أن ينشف، ويتم وزنه بالضريبة ومقدارها 16 حجرا والحجر وزنه 115 رطلا مصريا، ثم يورد إلى دوائر الحكومة كي تقوم الحكومة بتبييضه.
وكان الفدان الواحد يُعطى نحو أربعة وخمسة أردب من الأرز الشعير أي الأرز قبل تبيضه، وكان الأرز قبل أن يُعرض للتجار أو الاستهلاك يتم تبييضه في دوائر الأرز التابعة للحكومة في رشيد ودمياط وفوة.
وقد ابتكر حسين شلبي أو "جلبي عجوة" كما كان يُطلق عليه بعض المؤرخين ذلك الاختراع الذي كان سببًا في تأسيس نواة لمدرسة كانت الأساس لكلية الهندسة، فقد كان تبييض الأرز يستلزم أن تدور الآلة بأربعة ثيران، ولكن شلبي استطاع أن يُدير الآلة بثورين فقط، بل قام بعمل مجسم من اختراعه من خلال الصفيح فقط.
ويذكر المؤرخ الجبرتي في حوادث عام 1816م، قيام حسين شلبي عجوة "ابن البلد المصري" باختراع هذه الآلة العجيبة في عصرها، وتقديم نموذج لوالي مصر الكبير آنذاك محمد علي باشا، فأعجب بها وأنعم علي مخترعها بمكافأة، وأمر محمد علي باشا بتركيب الآلة بدمياط ورشيد.
وأكد الجبرتي أن الباشا حين رأي هذا "الاختراع"، قال إن أولاد مصر الأكثر نجابة وقابلية للمعارف، فأمر ببناء مكتب ومدرسة بحوش السراية بالقلعة، ورتب فيه جملة من المماليك وأولاد البلد المصريين، وجعل معلمهم حسن أفندي المعروف بالدرويش الموصلي يُقرر لهم قواعد الحساب والهندسة وعلم القياسات والارتفاعات واستخراج المجهولات، مع مشاركة شخص رومي يُقال له "روح أفندي"، وأحضر لهم أشخاصًا من الإفرنج ومعهم آلات الهندسة.
اختراع "شلبي عجوة" يصنع التاريخ.. ننشر رسوم أول طلاب هندسة مصريين | صور
